1

ليلة ذكريات – األول الفصيلالكتاب: القصر أم الفاو جادة عمليات

سادة–( 2 )ج13-2-198624القافلة

تحقيقوتدوين:

كاظمي أصغر

النسخة ناشراألصلية:

مهر سورة

ترجمةإعداد:و

للتأليف المعارف مركزوالتحقيق

الثقافية اإلسالمية المعارف دار:إصدارعليق عليفني: إخراج

اإلعداداإللكتروني:

_اإلسالمية المعارف شبكةwww.almaaref.org

الطبعة:األولى

هـ1439 -م2018

© محفوظة الطبع حقوق جميع

2

24سادة القافلة

األول الفصيل ليلة ذكريات

عمليات-2-13 القصر أم – الفاو )جادة

( م1986

كاظمي وتدوين: أصغر تحقيقالثاني الجزء

3

4

الفهرس

الفصIIIIIIIIIIIIIIIIIIIIIIIIIIIIل التاسIIIIIIIIIIIIIIIIIIIIIIIIIIIIع -535الدماء .................................................

وثائق الفصل التاســع ......................................................587

ــر - »دز« ................................................... الفصل العاش599

وثائق الفصل العاشر ......................................................628

الفصــــــــــــــــــــل الحــــــــــــــــــــادي عشــــــــــــــــــــر -631الصفير ............................................

وثـــــــــــــــــــــائق الفصـــــــــــــــــــــل الحـــــــــــــــــــــادي653عشر ................................................

ــــــــــــــــــــاني عشـــــــــــــــــــــر - الفصـــــــــــــــــــــل الـث659األمانة ..............................................

وثــــــــــــــــــــــائق الفصــــــــــــــــــــــل الثــــــــــــــــــــــاني700عشر .................................................

القسIIIIIIIIIIIIIIIم الثIIIIIIIIIIIIIIIاني - السIIIIIIIIIIIIIIIرية711األولى ..........................................

الفصــــــــــــل الثــــــــــــالث عشــــــــــــر - المــــــــــــذكرات713اليومية ...................................

............................. وثائق الفصل الثالث عشــر .................758

ـــــــــــــع عشــــــــــــــر - دفــــــــــــــتر الفصــــــــــــــل الراـب771المذكرات ......................................

وثائق الفصل الرابع عشر ................................................821

القسIIIIIIIIIIIIIIIIم الثIIIIIIIIIIIIIIIIالث - كتيبIIIIIIIIIIIIIIIIة831حمزة ...........................................

الفصـــــــــــــل الخـــــــــــــامس عشـــــــــــــر - ليلـــــــــــــة833السرطان .....................................

ـــــــــــــــــــائق الفصــــــــــــــــــــل الخــــــــــــــــــــامس وـث869عشر ..............................................

الفصــــــــــــل الســــــــــــادس عشــــــــــــر - الجــــــــــــادة877الثالثة .....................................

5

ملحقـــات وصـــور .........................................................943

6

7

الراوي: حسن أعاليي نيا )قابل أعال(التشكيل: قسم الهندسة والتخريب، المجموعة الثانية.

م(، طهران1991هـ ش )1370تاريخ ومكان أول مقابلة:

الفصل التاسعالدماء

م، تلميــذا في الصــف الثــانوي األول في مدرســة1984كنت في العــام " من طهــران، وكــان محمــد علي رجــائي -12"ميردامــاد" في "المنطقــة

- قد درس سابقا في هذه المدرسة، األمــر الــذي رئيس الجمهورية الشهيدكنا نفتخر ونتباهى به أمام الجميع في كل مكان.

( من ذلك العام، كــان الــدرس1985التحقت بالجبهة في شهر أسفند )آذار بالنسبة لي أمرا بالغ األهمية، لكني عندما ذهبت إلى الحرب، صـرت أعتـبرا. ــدفاع وعليهم أن يدرســوا أيضــ ــع أن يشــارك في ال ــه يجب على الجمي أنــرد أن ولهذا السبب فإنني لم أترك الدراسة. كان الكثير من التالميذ، وبمجــا "وهــذا يقرروا االلتحاق بالجبهة، يقبلون الكتب والدفاتر ثم يودعونهــا نهائي فراق بيني وبينك"! لكن، بعد مضــي عــدة ســنوات على الحــرب، تم تنظيمــا عليــه. ا ومتعارف متابعة الدراسة على خطوط التماس وصــارت أمــرا عادي

ا منا والذين كان الفتيان األكبر سن

8

سبقونا إلى الجبهــات يقولــون لنــا: يمكن للطــالب أن يــدرس على الجبهــةويقدم امتحاناته، وأن يحصل على عالمات جيدة أيضا.

شــهريور17في ذلك العام، كانت مدرسة "جهان بناه" الواقعة في شــارع في طهران، خاصة بالمقاتلين ودراستهم وامتحاناتهم.

كذلك كانت عدة مجمعات تعليمية قد افتتحت على الجبهة وكان المقاتلونيدرسون فيها ويباحثون المواد ويقدمون امتحاناتهم فيها.

ــد تركــه، وهذا األمر، كان بالنسبة ألمثالي، ممن يعتبر الــدرس مهما وال يريا لاللتحاق بالجبهة. إتماما للحجة، ودافعا قوي

في ذلك العام، كنت ال أزال فتى صغير السن، طفولي الوجه قصير القامــة ونحيل الجسم. في شهر بهمن )شباط( وهــو شــهر ميالدي، كنت قــد بلغت الخامسة عشرة من عمري. ولهــذا لم يوافــق مســؤول التعبئــة على طلبا. تطوعي للمشاركة في القتــال. وهــذا كــان حــال أصــدقائي اآلخــرين أيضــ

)1348استطاع عدد قليل جدا من مواليد العــام م(، والــذين ولــدوا1969 في األشهر األولى من ذلك العام، أن يلتحقوا بالجبهات. وعلى هذا، لم يبق

لعله تزوير مقدس ويســامحنا اللــه عليــه! هــذا,أمامنا سوى طريق التزويرالتزوير الذي اضطر الكثير من األصدقاء أن يقوموا به.

ــوالدة من ــاريخ ال ــديل ت ـة وتب ـ ــورة الهوي ــر ص ــان تزوي ، حال68 إلى 69كــة ــة وهي الحصــول على ورق للمشــكلة األولى. لكن بقيت المشــكلة الثاني موافقة الوالدين، والتي كانت التعبئة تشترطها للفتيان في عمــر السادســة

عشرة والسابعة عشرة.

بدأت بمحاولة استرضاء أمي. على الرغم من كوني االبن السادس لألسرة وما قبل األخير، فالمشكلة كانت كبــيرة. لم تكن أمي لترضــى. كنت أقــول

لها: إخوتي كلهم في البيت، اسمحي لي أن أذهب, كانت أمي

9

ترفض وتقاوم. إلى أن رضيت أخيرا، بعـد سـيل من األدعيـة والنـذور الـتي كان يجب أن أؤديها، وهكذا ســلخت قلــبي من الــبيت والمدرســة وانطلقت

نحو مصير آخر.

م، خضــعت لــدورة عســكرية عامــة في طهــران وفي1985في ربيع العام الصيف شاركت في دورة تخريب تخصصية في مناطق الجبهة. أذكر بالخيرــافي القــدمين على حصــى ــي خالل الــدورة ح ــذي كــان يمش ــدربنا ال م "خوزستان" الالهبة لكي يتعرف الشــباب المتــدربين ويعــودهم على تحمــلــة ــا على الصــبر ومواجه ــان الصــغار أمثالن الصــعوبات. ولكي يشــجع الفتي

الحرارة، يكرر هذه العبارات لرفع معنوياتنا:- أيها الشباب، فكروا باآلخرة. هذه الحرارة ال شيء أمام نار جهنم.

وكان المتدربون ينهلون من روحيته العالية ويتجــاهلون الحــرارة الشــديدة. كانت أقــدام البعض تلتهب وتصــاب بالتشــقق. ولكنهم لم يكونــوا يتــأففونــل هــذه ــدا. كنت أهــوى التمــارين الرياضــية والتخشــن الجســدي، وأتقب أب

المشاق من كل قلبي وروحي.

آخر الصيف من العام نفسه، استشهد ذلــك المــدرب ووصــل خــبر شــهادته إلينا. كنت أحبه ومتعلقا بــه إلى الدرجــة الــتي كنت أراه في منــامي: رأيتــها لدرجـة تبهـر مرة على شـكل نـور وقـد دخـل إلى خيمتنـا, كـان نـوره قوي

األبصار.

م، وبعد خمسة أو ستة أشهر من المرابطة والحضور على1985في أيلول ــدمتي ورجعت إلى ــواء العاشــر "ســيد الشــهداء" أنهيت خ ــة في الل الجبهــران، أنهيت مســائل دروســي ــه بطه ــذي بقيت في ــران. في الشــهر ال طه

وامتحاناتي ورتبت أوضاعي للعودة مجددا إلى الجبهة.

10

م، انطلقت نحو خطوط النار، وهذه المــرة التحقت14/10/1985في يوم محمد رسول الله" صلى الله عليه وآله، ومن هناك تم فرزي27بالفرقة "

إلى كتيبة حمزة، السرية الثانية.

في أوائل شهر "آبان" )األسبوع األخير من شــهر أيلــول( التحقت بالفصــيلاألول من السرية األولى.

كانوا قد قرروا أن يجمعوا كــل الفتيــان ذوي األعمــار الصــغيرة في فصــيل واحد. كان مركز السرية في الطابقين األخيرين لمبنى الكتيبة، أول شخص

سلمت عليه وتحدثنا معا هو مسؤول الفصيل: األخ "كلستاني".

قبــل أن ألتحــق بالفصــيل األول، حــدث معي ولمــرات عديــدة أن شــممت رائحة عطر جميــل وقــوي، في حســينية الحــاج "همت"، حيث كــان شــباب كتيبة حمزة يتجمعون، ولطالما تمنيت أن أتعرف إلى صاحب تلــك الرائحــة الزكية ولكني لم أستطع تحديــده في زحمــة تلــك الحســينية، كــانت مهمــة

صعبة وخاصة عندما تختلط تلك الرائحة بروائح عطور أخرى.

في ذلك اليوم، عندما جلست وجها لوجه مع "محسن كلستاني" وجدت أنه هو صاحب العطر، حظ عجيب! ذلك الذي كنت أبحث عنه منذ مــدة، أصـبح مســؤول فصــيلنا. لم أقــل شــيئا عن األمــر ذلــك اليــوم, لكــني كنت أشــعر بالفرح ومن كل قلبي، بأنني أنتمي لفصيل مسؤوله يفوح منه ذلــك العطــر الجميــل. كــان "محســن كلســتاني" مربــوع القامــة وذا شــعر أســود كــثيف

كريش الغراب ولحيته مرتبة.

وبعد تعرفي إلى مسؤول الفصيل، تعرفت إلى رفاق السـالح في الفصــيل, "محمد عليان نجادي" الـذي كـان مثلي عامـل هندســة "تخـريب"، يكـبرني بسنة وثمانية أشهر، يدرس في السنة الثالثــة المهنيــة اختصــاص الكهربــاء.

كان "محمد" أقصر قامة مني ولكنه عريض

11

ــة مثلي في ــه تجرب الكتفين وقوي البنية، وشكله أكثر شبها بالرجال مني. ل الجبهة، حيث بدأ بالمرابطة من أول هــذا العــام. لم يشــارك حــتى اآلن في شن هجوم مباشر في ليلــة عمليــات ولكنــه خــدم في كتيبــة "عمــار" خالل دورة الدفاع في جزيرة "مجنون" ولديه ذكريات حــول عمليــات "عاشــوراء

" في تلك الجزيرة. أذكر أني كنت هنــاك في زمــان تلــك العمليــات ولكن3 في اللواء العاشر. تلك العمليات اقتصرت على هجمــات برمائيــة محــدودة ولم يشارك في كسر خط التماس ســوى عــدد قليــل من "المقــاتلين" ولم

أكن أنا و"محمد" ضمنهم.

تشرين األول( انتقلت الكتيبــة إلى ســاحل بحــيرة - في شهر "آبان" )أيلول "دز" للمشاركة في دورة تدريبية في معسكر "سفينة النجاة" حيث علمونا على أنــواع الســباحة، واســتخدام ســترة النجــاة، والهجــوم من المــاء على اليابسة والعكس أيضا. كنــا نســتغل أوقــات الفــراغ هنــاك للــدرس وكــذلك

للتسلية والترفيه.

ــا وكــانت كان الدرس في الفصيل سهال ومريحــا. أكــثر الشــباب كــانوا طالبــا نتســلى هنــاك بصــيد الســمك، األجواء مجهــزة للدراســة وطلب العلم. كنر من طعم ونرميهــا في مــاء الســد حيث نخترع صنارة، ونضع بهــا مــا تيســ الصافية. كان عمال ممتعا. حجم األسماك لم يكن يتعدى العشرين سنتيمترا

على الشاطئ، ولكن في وسط البحيرة توجد أسماك أكبر.

في األسبوع الثاني للدورة، أعطونــا مأذونيــة، ولكــني ولشــدة تعلقي بهــذه الهواية الجديدة، لم أعد إلى المدينة وبقيت في المعســكر لصــيد الســمك. األمتع من صيد السمك، كان إعداده لألكل, بأنواع الشــوي والقلي والطبخ.ــة كنت أصــطاد ثالثين أو أربعين ســمكة في كــل مــرة ثم أشــكها في حرب

الكالشنكوف ونتناولها مع الشباب. في معسكر "سفينة

12

النجاة" كان لدينا برنامج ثقافي ممــيز، حيث ينبغي على كــل واحــد منــا أن يحضر موضــوعا مــا بحســب رغبتــه ويقــوم بإلقائــه كــدرس أو خطبــة على الشباب لمدة ربع ساعة حين جــاء دوري ألقيت على الشــباب كلمــة حــول الحديث الشريف: "من حفظ على أمتي أربعين حديثا بعثه الله يوم القيامة

فقيها عالما".

ــالنزيف, في أحد األيام، ولكثرة ما حككت البثور الجلدية في ظهري بدأت ب وكأنهــا "حبــة" اقتلعت من جــذورها، كــانت تســبب لي حساســية شــديدة، عندما جرحت لم يكن الدم ليتوقف. جاء مسعف الفصــيل "علي شــهبازي" لمساعدتي وذهبنا معا إلى خيمة الدفاع المدني التي تبعد عنا مئات األمتار. قام المسعفون بتضميد الجرح ورجعنا, لكن لم تنته المشكلة! بعد منتصــفــل قميصــي الليل عادت الحساسية و"الحكاك" وعاد النزيف بقــوة حــتى تبل كله بالدم. اضطررت هذه المرة، للذهاب وحــدي إلى خيمــة اإلســعاف في

ظالم الليل.

في طريق العودة، وسط أشجار تلك المنطقة الحارة، وفيمــا كــان النســيم يصفر بين األوراق واألغصــان فيحــدث نغمــا جميال، لفت نظــري ظــل شــبح أسود يتحرك! فتحرك عندي حب االستطالع والحشرية لمعرفــة مــا األمــر. اقتربت بهدوء فإذا بشخص ساجد على األرض. دفعني الفضول ألعرف من هو. اقتربت بطريقة ال يالحظني فيها. نعم كانت تلك الرائحة العطرة تفــوح منه، إنه "محسن كلستاني" نفسه، ومعــه ســجادة صــالة وقنــديل وســجدة وكتاب دعاء. لم أرغب بإزعاجه في خلوتــه فانســحبت بهــدوء شــديد. رؤيــة ذلك الوجد والمناجاة الليلية، أنســتني ألمي وحساســيتي فاســتلقيت ونمت

حتى الصباح.

في أواخر أيام الدورة، قام أحدهم بتصــوير فيلم عن منــاورات الكتيبــة فيبحيرة سد "دز". في ذلك اليوم، كان "مسعود أهري" يحمل

13

علم إيران بيده. فيمــا بعــد عرفنــا أن الفيلم تم عرضــه على التلفــاز. كــانالفيلم دعائيا لإلعالم الحربي في الحرس الثوري.

ــد أصــبحنا رفيقين ــان نجــادي" ق ــا و"علي ــا المعســكر كنت أن ــدما غادرن عنــر في بعض الحــروف. حميمين جدا. كان لدى "محمد" لثغة في نطقه تظهــان الشــباب فيقول "حثن" بدل "حسن" و"ثالح" بدل سالح وهكذا. ولهذا ك يمازحونه ويقلدونه أحيانا، وكان يرد عليهم بســرعة بديهتــه وأدبــه الشــديد. حين رجعنا إلى ثكنة "دوكوهه" أعطونا مأذونية عشــرة أيــام للقــاء أهالينــا. قبل الذهاب، أخذت عنوان محل العطور الذي يعرفه األخ "كلستاني" وكان في قم واسمه "عطورات كلستاني". خالل العطلــة، ذهبت إليــه واشــتريتــة ــبه رائح ــة تش ــا قوي ــامق ورائحته ــر غ ــا أخض ــر لونه ــارورة عط ــه ق من

الشوكوالتة!

لم تكد تمضي أيــام على عودتنــا إلى "دوكوهــه" حــتى بــدأ برنــامج تــدريب مجدد. كانت هذه الدورة خاصة لعناصــر التخــريب "الهندســة" في الكتيبــة،ــان نجــادي" من فصــيلنا. نحن العشــرون في "جماعــة ــا و"علي شــاركت أن التخريب" في الكتيبة، صعدنا يومها في شاحنة تويوتا وتوجهنا نحو معســكر تدريب وحدة الهندسة في الجهة الغربية من الثكنــة. كــان التــدريب تكــرارا للمكررات، لم أشعر بأني تعلمت شــيئا جديــدا, اللهم ســوى التعــرف أكــثر

إلى "عليان نجادي".

ا على الرغم أن "محمد" كان أكبر مني بســنة وأشــهر, إال أنــه اضــطر أيضــ إلى تزوير صورة تذكرة الهوية لاللتحاق بالجبهة. ومــع هــذا فإنــه كــاد يبكي عند تركه المنزل، ولكنه منع نفسه حينها وعوض عن تأثره بالبكــاء الشــديد فيما بعد! كان يســتيقظ كــل صــباح قبلي وينشــغل بالــدعاء والصــالة، كــان يناديني أحيانا: "حثن"، قم، هيا استيقظ يا "حثن".. حكى لي عن ذكرى في

صغره: كنت في العاشرة أو الحادية

14

عشرة من عمري، كنا نحصل على مجالت "كيهان الصغار" القديمة بأسعار منخفضة أو مجانا النتهاء تاريخ صدورها، فكنت أقتطــع األجــزاء المسلســلة من القصص مثل "تان تان" ثم أجمعها وأجلدها لتصبح قصصا كامال وأبيعهــا

وأدخر ثمنها".

ــباب ــان أغلب الش ــة. ك ــنى الكتيب ــا إلى مب ــدورة، ورجعن ــدما انتهت ال عن منهمكين بالدرس والمراجعــة لالمتحانــات، فنحن في شــهر "آذر" )تشــرين

الثاني-كانون األول(.

ولحســن الحــظ، لم يكن لــدينا تمــارين صــعبة وتــدريبات شــاقة حينهــا, مــا أعطانا فرصة جيدة لنــدرس ونكتب واجباتنــا ونراجـع اسـتعدادا لالمتحانـات

الفصلية.

كنت في ذلك العــام في الصــف الثــانوي األول. تعمقت صــداقتي في تلــك األيام مع الســيد "حســن رضــي". كــان فتى هادئا ومهــذبا وحســن األخالق، نحن االثنان كنا نميل للعلوم التجريبية. كــان هــو في الصــف الثــالث ثــانوي

قسم العلوم. كانت عالماتنا نحن االثنين متدنية في الرياضيات والهندسة.

من بين المـــواد الدراســـية، كـــان الســـيد "حســـن" يحب التـــاريخ واألدب والحقوق وكنت أنا أحب علوم الحياة "البيولوجيا". كان يريد إكمال دراستهــا ــانت ميولن ــا. ك ــورا في الحقــوق، بينمــا أردت أن أصــبح طبيب ليصــبح دكت

المشتركة تقوي عالقتنا وصداقتنا أكثر فأكثر.

م وبقي حينها لمدة ثالثــة1983كان قد التحق بالجبهة ألول مرة في العام ــة ــا في كتيب ــا معن ــالي خــدم في "كردســتان" وحالي أشــهر، وفي العــام الت "حمزة". ومع هذا لم يكن قد شارك في هجــوم، مثلنــا تمامــا. كــان تلميــذا

مجتهدا في الدرس. في السنة الماضية قدم امتحاناته في المجمع

15

التعليمي للمقاتلين ونجح في كــل المــواد. كــانت تجاربــه في هــذا المجــالمفيدة جدا لي ولمحمد.

ا بيننـا نحن الثالثـة، من مواليـد ـا1967كان "رضي" األكـبر ســن م. لكننـا كن بنفس الطول تقريبا. "رضي" كــان مربوعــا وكتفــاه أعــرض! عنــدما كــانتــا واســعا ــا حالال طيب توضــع مائــدة الطعــام وبعــد دعــاء "اللهم ارزقنــا رزق برحمتك يا أرحم الــراحمين"، كــانت األصــوات ترتفــع من أطــراف المائــدة "أعطوا الملح لرضي!". لم يكن "رضي" ليتنــاول الطعــام أبــدا إن لم يبــدأ

بالملح!

في السابع عشر من ربيــع األول، أقيم احتفــال المولــد النبــوي في الثكنــة. كانت الحسينية مزدحمة في ذلك اليــوم! جــاء األخ "كــوثري" قائــد الفرقــة

االنشـادية "قلـبي1وشاركنا االحتفـال. أنشـدت فرقـة تالميـذ مدينـة آبـاده* يرفرف، ويطير إلى كـربالء" بلهجــة شـيرازية جذابـة فأضـفت على الحفـل جماال مضاعفا. كذلك كان هناك إلقاء لكلمات شــاعرية ومقــاطع مســرحية وحلــوى وضـيافة. لم أعـرف مــاذا حصــل يومهـا إذ قــام أحـد شــباب كتيبــة األنصار بالتقاط صور فوتوغرافيــة لقائــد الفرقــة -بــالطبع بعــد طلب إذنــه-ــذه ــؤرخ له ــور ت ــك الص ــع وبقيت تل ــن حظي أني كنت في الجم ومن حس

الذكرى.

تابعت حينها الموضــوع، حــتى وجــدت ذلــك المقاتــل الــذي صــورنا وأخــذتصوري منه وشاهدها أغلب شبابنا.

كانت كرة القدم الرياضة المفضلة عند شباب الفصيل. "عليان نجادي" منمشجعي فريق "شاهين" ويتابع أخباره تباعا.

أما أنا فلم أكن من أنصار فريق محدد, لكني كنت أهوى كثيرا لعب الكرة.

1 . فارس بمحافظة مدينة

16

ــا نلعب عنــد كـل اشترى الشباب كــرة بالســتيكية من مدينــة "دزفــول" وكن فرصة سانحة. وعليه كانت الطابة جزءا ال يتجزأ من عتادنا وأغراضــنا. كنتــا نلعب أنا و"عليــان نجــادي" من األعضــاء الثــابتين في فريــق الفصــيل. كن أحيانا في تحديات داخل الفصيل وأحيانا أخــرى بين فصــائل الكتيبــة وحــتى بين فصيلنا وفرق من كتـائب أخـرى. كـان "عليـان نجــادي" يتمـيز بـركالت قوية وتمريرات فنية عالية. كان الســيد "حســن" يهــوى المصــارعة وعنــده إلمام بفنونها وأسرارها. فقد كان يشرح لنا بالتفصيل وضــعياتها المختلفــة, لديه في المنزل فرشــة مصــارعة وحـذاء خـاص لهـذه اللعبــة. كـان السـيد "حسن" يصلي أحيانا مرتديا عباءة في حسينية الحاج "همت"، كــان يتحلى بعبادات أخرى تميزه عن الباقين, عادات ورثها عن آبائه وأجداده السادات.ــان". كان جده ألمه وجده ألبيه من السادة والعلماء المعروفين في "كلبايك تناول الملح قبل الطعام وبعده، الصالة وقراءة آيــة الكرســي بعــد الصــالة،

كانت من ذلك التراث العريق.

في أواخر شهر "آذر" )كانون األول(، كــانت األمطــار تهطــل بغــزارة حين قدمنا االمتحانات في المجمع التعليمي للمقاتلين، الواقــع في شــمال باحــة المراسم الصباحية. أخذنا نحن الثالثة عالمات عالية. وكما كان يقول طالبــة "هم ــانت متدني المدارس: إن كانت العالمات عالية "نحن أخذناها" وإن ك

أعطونا!".

اتفقنا في اليوم األخير لالمتحانات، أن نضع ثالث لوحات إعالنيـة في مكـان حددناه في المبنى وهي "المهندس محمد عليان نجادي" و"الــدكتور حســن

قابل أعال" و"المحامي السيد حسن رضي".

في أحد األيام، صدرت األوامر بإخالء المبنى وانتقال الفصــيل إلى معســكر"كرخه". في المعسكر الجديد تموضعنا في الخيام التي

17

كانت تبعد حوالي ثالثة كيلومترات عن نهر "كرخه". كــان المعســكر أكــبر بكثير من معسكر "سفينة النجاة" الــذي لم يكن يتســع ألكــثر من كتيبــتين، أمـا هنـا فقـد اسـتقرت كـل كتـائب الفرقـة وال يـزال هنـاك مكـان لقـواتــة إضافية. بعد االنتقال إلى هذا المعسكر، ازدادت التدريبات العسكرية جديــيلنا ومتابعة. كانت الفصائل حاشدة ومزدحمة بالشباب، ومن بينها كان فص

م ولهذا كــانوا يطلقــون علينــا لقب1969 و68الذي يضم في أغلبه مواليد "فصيل الروضات!".

كنت مســرورا راضــيا عن مشــاركتي في الجبهــة، فقــد تمكنت من متابعــة دروسي وواجباتي، وعالماتي المرتفعة ونجاحي يفرحان قلب أهلي، وكذلك كنت أشعر بأني أقوم بعمـل مـا في مواجهـة األعـداء الــذين هـاجموا بلــدنا للقضاء علينا وعلى ديننا، على األقل لم أكن جليس الدار مثل بعض الــذين

ال يهتمون وال يبالون بما يجري على وطنهم.

في األيــام األولى لوصــولنا إلى "كرخــه"، وجــدنا الطقس مــاطرا وعاصــفا، واألمطار تهطــل بمناســبة أو من دون مناســبة. عنــدما توقــف المطــر، بــدأ الشباب حملة لترتيب الخيــام وتغطيتهــا بقطــع النــايلون لمنــع النش، وألني خفيف الوزن، كنت أتسلق برشاقة على األعمدة وأقوم بالمهــام والصــيانة،ــتتار ــة اس ــجار في عملي ــان األش ــام بأغص ــدما أنتهي كنت أغطي الخي وعن

وتمويه دقيق.

قويت الصداقة بين الشباب في "كرخه"، ولعل مــا ســاعد على هــذا كوننــا اجتمعنا كلنا في خيمة كبيرة. وكذلك ساهم المطر في الخارج بزيادة األلفة والمودة. كنا، أنا و"محمد" ننام في وسط الخيمة مقابل بعضنا البعض، أمــا السيد حسن فكان على مقربة منا وبعد عدة مقاتلين. عندما كنــا نقــف في حالة تأهب واستعداد في الفصيل، دائما نكون أنا ومحمد أحدنا وراء اآلخــر،

وألنه في المجموعة األولى كان يقف

18

على اليمين. وعندما نأخذ استراحة، نتحدث معا وقوفا أو جلوسا.

كان يقول: أسموني في المدرسة "محمد الخمسة ســنتيمتر!" ألني قصــير نفسه!1985ونحيف الجسد. وهذه الميزة قد نفعت كثيرا في العام

عندما أردنا التقدم إلى خط الدفاع في جزر "مجنون"، لم يكن لدى الكتيبةــر ــتر لوضــع ميــاه الشــرب فيــه، فك ســوى خــزان مــازوت بســعة ألــف لي المسؤولون بإحضار أدوات الحدادة لقص الخزان وتنظيفه لوضع الماء فيه، فقمت أنا بالدخول عــبر فتحتــه الصــغيرة وغســلته جيــدا بالمــاء ومســحوق الغسيل "التايد" عندما خرجت، استقبلني الشباب بعدة صلوات على محمد

وآله، فزال عني التعب واإلرهاق!".

كــان في فصــيلنا، العديــد من الشــباب من "خــدام الحســين"، )يتطوعــون لخدمة اآلخــرين(، ولكن أشــهرهم كــان "محمــد" الــذي كــان يســارع فــورا وبمساعدة "سعيد بوركريم" أحيانا لجلي أوعية الطعــام. كــان الجلي بتلــك المياه الباردة في ذلك الجــو والطقس المــاطر، عمليــة صــعبة جــدا، فكانــاــة. "رضــا واكس يسخنان المياه بإبريق الشاي ثم ينظفان الصحون واألوعي )أنصاري(" و"مهدي كبير زاده" كانا يقومان غالبا بمسح األحذية العســكرية

ودهنها كي تعمر أكثر في أقدام المجاهدين.

م تتوقــف التمــارين والتــدريبات في "كرخــه". في بعض الليــالي كــانل المسؤولون يجرون "طابور اإلزعاج" عدة مرات متتاليـة. فكـانوا يوقظوننـاا خــارج الخيــام، بعــد دقــائق من النوم على عجــل ثم نقــف صــفا مرصوصــ يعطوننا أمر االستراحة للعودة للنــوم، بعــدها بســاعة يكــررون العمليــة من جديد! لكي يتعود الشباب على قلة النوم واالستعداد للنشاط الفوري خاللــاورة أو مســير ليلي كــانوا العمليــات المفاجئــة. عنــدما ال يكــون هنــاك من

يعودوننا على هذه األلعاب استعدادا لليلة الهجوم.

19

في إحدى الليالي، أمضينا أصــعب وأطــول منــاورة ليليــة شــهدها الفصــيل. مشينا من دون توقف من الساعة العاشرة مساء وحتى السادســة صــباحا، اجتزنا خاللها تالال وشــيارات ومنخفضــات، حــتى أذان الصــبح، حيث توقفنــا

- بالقرب من محطة "صلواتية" عند جســر "كرخــه" على جــادة "انديمشك دهلران" والحال أن هذا كان نصف مهمتنا فقط! بعد الصالة طوينا المسير

نفسه رجوعا إلى المعسكر.

بعد هذا المسير الطويل، غسل الجميع ثيابهم، فالعرق بللها وكــذلك وحــول الزحف وتراب الطريق. بعــد الغســيل، وضــع الســيد "حســن" مالبســه بين البطانيات حتى استوى قماشها، ثم سخن إبريق الشاي وبــدأ بكويهــا! كــان

يكوي بدلته بشكل احترافي عجيب فسألته:- هل عملت بالكوي سابقا؟

- نعم، كان هذا عملي من سن الثانية عشرة!- أين؟

- في محل والدي.- ومتى كنت تدرس وتحل فروضك؟

ــدي، لم تكن - عنــدما أنهي درســي، كنت أذهب للمصــبغة لمســاعدة والالمسافة طويلة، محطة باص واحدة بين البيت والعمل.

- ألم تكن تتعب هكذا؟- بلى، كما كنت أحب أن ألعب كرة القدم مثل الفتيان اآلخرين.

- ولهذا ال تحب اآلن كرة القدم!؟- ربما، لكني كنت سعيدا ألني كنت أعمل معه حتى الغروب.

- ومتى كنت تكتب واجباتك؟

20

- في المصبغة، وأحيانا في البيت، كانت الحقيبة المدرسية رفيقــتي، كيفمــاــدما اتجهت وذهبت. تقع مصبغة أبي في جادة "نيكنام" شارع الشــهداء، عن

تطل صوبنا، سأكوي مالبسك بنفسي.

"قبر ديلوكس"، كــان اصــطالحا رائجــا بين الشــباب في معســكر "كرخــه". فقـد كـانوا يـذهبون في منتصــف الليــالي وبأيـديهم المصــابيح والبطانيــات، للدعاء والصالة في القبور المحفورة جانب الخيام. كان "غالم رضا نعمتي"

ــال. و"مسعود أهري" -من قدامى محاربي الفصيل - رائدين في هذه األعم "القبر الديلوكس" كان قبرا محفــورا جيــدا وأرضــه ناعمــة الــتراب وعمقــه

مناسبا!

ــراب جــربت الســفر لآلخــرة، أول مــرة مــع "غالم رضــا نعمــتي" - على ت - وكان رامي رشاش مجموعتنا، وهــو المقاتــل الثــالث في "كرخه" بالطبع

الصــف أمــامي. وعلى عكس ظــاهر هــذه العبــادة، حيث يظن البعض أنهــا تضعف األمل عند اإلنسان، فإنها كانت تمنحنا حياة أكثر أمال وسعادة. حيث أزهر في قلبي هذا النور ولمعت الفكــرة: ســواء اآلن أو فيمــا بعـد سنصــل إلى هذا المكان "القبر"، وهو سفر ال رجوع فيه. واآلن لدينا فرصــة العمــل واإلصالح، فيجب أن نغتنم كل لحظة من لحظــات العمــر الثمينــة، للرجــوع إلى الله. والحق أن من يمضي ليلته في أجواء معنوية كهذه، كيف سـيكون

نهاره؟ هل سيقضي يومه بالذنوب والغفلة؟!

في ليال عديدة، حين يكون لدينا تمــارين ليليــة مرهقــة، كنت أســمع صــوتايوقظني قبل وقت السحر:

ــا قم.. - األخ "قابل أعال" يا سيد حسن، استيقظ.. كم أن نومــك ثقيــل.. هيكم تنام!

كنت أفتح عيني فأرى مسؤول الفصيل وهو يحاول بكل احترام

21

ــه إيقاظي لصالة الليل أو صالة الصبح. وأنا بالمقابل لكي أعوض هذا، وجدتفي إحدى المناورات الشاقة قد غط في نوم عميق، فذهبت نحوه وبدأت:

ــا قم.. كم تنــام! اســتيقظ وإال - يــا أخ "كلســتاني"، يــا ســيد "محســن"، هيستصبح صالتك قضاء عما مضى!..

هكذا كنا ننتقم من بعضنا البعض!

كان لحذاء "محمد" العسكري البـالي حكايـة طويلــة. عنـدما كـانت تمطـر، يدخل الماء للحذاء وال ينفع معـه حـتى مسـح دهـان "رضـا أنصـاري". قـال "رضا" لمحمد عدة مرات: إن لم تذهب أنت لقســم التجهــيزات فســأذهب بنفسي وأحضر لك حذاء! حذاؤك انتهى عمــره منــذ زمن! اســأل من تريــد

ويجيبك بهذا!

وأخيرا ضاق محمد ذرعا بحذائه المهترئ، ذهب للتجهيزات كي يأخــذ حــذاءا ا جديدا. كنت معه حينهـا. فتش العامــل هنــاك وقلب األحذيـة رأسـ عسكري

! أراد "محمد" أن يعود النتعال حذائــه38على عقب فلم يجد حذاء بمقاس القديم. قلت له:

- خذ واحدا جديـدا والبس جـوارب قطنيـة ســميكة فتحـل المشـكلة! فهـذاالحذاء سيعيقك في العمليات.

عاد العامل هناك للبحث وأعطى "محمد" أصغر مقاس عنده. نفذ "محمد" ما قلته له، ومع هذا بقي الحذاء يتأرجح في قدميه! وكانت النتيجة التهابات جلدية وعدد من البثور بعد المناورة األولى. عندما عرف مســؤول الفصــيل

بالقصة، سمح له بانتعال حذاء رياضي كتاني حتى تكون قدماه قد شفيتا.

في أحد األيام، كان دوري أنا ألدرب الشباب على التمارين الرياضية

22

الصباحية. كان يومــا عســيرا على كــل شــباب الفصــيل األول! كــان شــباب الفصائل األخرى قد أنهوا تناول الفطور وجمعوا أغراضهم، ولكنني كنت قد بدأت التحمية للتو! في ذلك اليوم، أجريت كــل التمــارين والتــدريبات الــتي كنت تعلمتها خالل ســنوات المدرســة وكــان على المســاكين أن يتــابعوني، كان العرق يتصبب من رأسي وكامل جســدي، ولكنــني لم أتوقــف، فــاليوم يومي! ضغطت على الشباب لدرجة تمزق معها بنطال الســيد حســن على

تراب "كرخه" الموحل!

رأيته بعد الفطــور، يقطب البنطــال وبيــده اإلبــرة والخيــط، كــانت خياطتــهمحترفة أيضا مثل كويه. كل تصرفاته كانت مؤدبة ومرتبة ومنظمة.

ــة كان لدي بدلتان عسكريتان، واحــدة بلــون واحــد "ســادة" واألخــرى كوري مخططة كجلــد النمــر. قميص البدلــة "الكاكيــة" كــان على مقاســي. ولكن قميص األخرى )جلد النمر( كان كبيرا جــدا علي. ومــع أني طــويت أكمامــهــا ثالث طيات، إال أن يدي بقيتا ضائعتين فيه! كنت أعــير هــذا القميص أحيان لمحمد أمين شيرازي، ولديه صورة فيه أيضا. كان "شيرازي" طويل القامة

مربوع الجسم. وكان القميص مناسبا يليق به.

في إحدى المرات، قويت قلبي وتشجعت فقلت له: خذ القميص إنــه هديــة مني لــك، لكنــه لم يقبــل، لعلــه كــان يعلم قيمــة هــذا القميص لــدي وبكم

اشتريته! كان ثمنه عشقي الكبير للجبهة.

ذهبت في أحد األيام، أنا ومحمد و"سيد حسن" إلى شــاطئ نهــر "كرخــه". مزق السيد بعض األوراق ورماهــا في المــاء. واضــح أنهــا رســالة. كنت قــد رأيته سابقا في ســد "دز" يفعــل هــذا ولم أســأله، هــذه المــرة لم أســتطع

السكوت، تجرأت وسألته:- ما هذه األوراق التي تمزقها يا سيد؟

23

- رسائل. رسائل أهلي أمزقها بعد أن أقرأها.- لماذا ال تحتفظ بها للذكرى؟

- أحب كثيرا أن أعود وأقرأها مرارا وتكرارا ، لكني ال أريد أن أتعلق باألهلواألحبة. فهذا يؤذيني كثيرا.

- من الذي يكتب لك رسائل أكثر؟- أمي.

- أبوك في العمل دائما.. إنه عامل كادح، أليس كذلك؟ - نعم، والمفارقة أن أمي ال تحسن القراءة والكتابة. تستعين بابنة الجيران

كي تكتب لي رسالة عن لسانها.- والحال هذه، كل الجيران يعلمون بأنك على الجبهة؟

- ابنــة الجــيران، بعــد أن تنهي كالم أمي، تكتب لي عــدة كلمــات منهــا هيأيضا!

- خيرا إن شاء الله. مبروك على كل حال..

تغير لون وجه السيد حسن، احمر ثم ابيض.. وقال:- هي أكبر مني بعدة سنوات.

- إن كان هناك تفاهم، فال بأس.. العمر ليس مهما. كان السيد يغلي ويفور من مزاحي وإذا بـ"عليان نجــادي" بلهجتــه الجميلــة

يدخل على الخط أيضا: - "حثن"، ال مشكلة أبدا.. أنا أيضا أريد أن أبدأ حياتي الزوجيــة مــع العجــوز

الساحرة في قرية "عليان".. مبروك.. إن شاء الله!..

طلب مني "أحمد أحمدي زاده" أن أكتب له كلمــات للــذكرى في معســكر"كرخه". كان معه دفتر كبير كتب على هوامشه جمال لإلمام

24

بخــط "نســتعليق" جميــل، وكــان يلصــق صــورة من يكتب لــه على زاويــةالصفحة أيضا. كتبت له عدة عبارات بما معناه:

"سالم على عوائل الشهداء وسالم على الطالب الذين سيصنعون مستقبل:(شعر) ,البالد

كم أود أن أكون شمعا أنير في قلب اللياليأهدي النور للجميع وأحترق فداء لهم"

إن حياة كل البشر تنتهي في هذا العالم، والشــيء الوحيــد الــذي يبقى لهم هـو األعمــال الحســنة والصــحيحة. الـدنيا مزرعـة ومـا نزرعـه فيهـا ســوفــدها ــة بح ــة الحالي ــذه الفرص ــاولوا أن تســتغلوا ه ــرة. ح ــده في اآلخ نحص

- في اآلخـرة. اعرفـوا قــدر األقصــى! كي ال تشـعروا بالنــدم -ال سـمح اللهالصداقة وقيمة بعضكم البعض. هذه نصيحتي لكم والسالم.

"حسن 22/10/64قابل أعال"

( كــانت كتيبتنــا قــد2/1986كذلك أعطيته صــورتي. في منتصــف شــهر )ك أعطيت مأذونية لمــدة أســبوع، فأحضــرت لــه صــورة من طهــران. لم تكن عطلة المأذونية قد انتهت عندما رجعت أنا و"محمد عليــان نجــادي" واثنــان من الشباب إلى المعسكر لمراجعة دروسنا قبل االمتحان الــذي كــان يجب

علينا تقديمه في المجمع التعليمي للمقاتلين.

كان لدى محمد ختم باسمه يطبعه على دفاتره وكتبه. الفتى الصغير الــذي كان يحول المجالت القديمة إلى قصص ويبيعها، ليس غريبا عنه هذا النظم

واالنضباط الدقيق. فيما بعد، أدركت أنه ورث هذه الصفات عن والده.

بعد ذهابنا آلخر مرة إلى حقل الرماية وإجرائنا للتدريبات العسكرية، ذهبتأنا ومحمد إلى المدينة في مأذونية لساعات.

25

ــال، أظن أن ـا، لكن لم يتمكن من االتص ـ ــده هاتفي ــد أن يكلم وال ــان يري ك الهاتف كان معطال في المنزل أو أنه ليس لديهم هــاتف أصــال، كــان يتصــل

غالبا بوزارة الدفاع حيث يعمل والده.

في تلك الفرصة، اشتريت دفترا صغيرا يضم عشرين ورقة وجلده الكــرزيــه ــان، لكي يكتب لي الشــباب علي ــة آالف توم ــة أو أربع ــون بســعر ثالث الل

عبارات للذكرى.

كان ســالحي كالشــنكوف أخمص حديــدي يطــوى من جنبــه، جربتــه بشــكل دقيق حين ذهبنا إلى حقل الرماية في "كرخه". ذهبت مرة أو مــرتين، بعــدا، إلى أخذ إذن مسؤول الفصيل، مع "مهدي ملكي" الذي كان مســعفا حربي حقــل الرمايــة ورميت برشــاش "الغرينــوف" كي أزيــل خــوفي من صــوته وهيبته! كذلك قمنا بهذا بالقرب من الخيام. شدد مسؤول الفصيل كثيرا أن نحتاط كي ال يصــاب أحــد بــأذى. قبلهــا بفــترة قصــيرة، وفي منــاورة ليليــة

للكتيبة، استشهد أحد شباب التجهيزات بالخطأ وجرح شاب آخر.

ــا وقبل أن نترك معسكر "كرخه" كتبت وصيتي. كانت هذه أول وصية أكتبه في ذلك العمر الصغير، كلمـات صــادقة ومخلصــة وجهتهـا إلى رفــاق الحي

والمدرسة وعندما أقرأها اليوم تبدو لي عجيبة وغريبة!

حقا إن مرور األيام والسنوات يفعل فعله باإلنسان!

ا في "كرخــه". بقي لمــدة يــومين وفي كــل يــوم كتب "محمد" وصيته أيضــ ثالث أو أربع ساعات كي يتم صياغة الوصــية! كــان يفكــر ويكتب جملــة ثم يعود للتفكير والتأمل. أما السيد حسن فقد أنجز المهمة في ســاعة وجلس جانبا ألنه أطال الكتابة فهمت أنها وصيته، وإال لـو كـانت رســالة لكتبهـا في

أقل من ربع ساعة.

26

وصـلت شـاحنة "تعـاون" الفرقـة، كـانت شـاحنة ذات بـراد كبــير وباألصـل لشــركة لحومــات. جمعت أغراضــي الشخصــية اإلضــافية وســلمتها لمركــز "التعاون" واستلمت وصال باألمانات. سلم الشــباب حقــائبهم فيمــا احتفــظــراض ــا أغ ــالي، جمعن ــوم الت البعض منهم بكتبهم الدراســية. في صــباح الي الخيام من بطانيات وصناديق وأغراض، وتركناهــا على حالهــا، كي ال يلتفت

أحد إلى انتقال الكتيبة من مكانها.

حل وقت الظهــر، لم يكن معنــا صــحون وال مالعــق فأغراضــنا كلهــا ضــمن حمولة الباص. كان الغداء "قيمة بلو" )يخنة مع بطاطس(، فأحضــروا عــدة صوان كبيرة وتشارك كل خمسة أو ســتة شــباب في صــينية تمامــا كــأفراد هيئات مجالس العزاء القديمة. كان معاون مســؤول الكتيبــة ضــيفنا يومهــا.

أكلنا معا وسمعنا الكثير من الذكريات الجميلة، كان وقتا رائعا.

وضع على الباصات بطاقات زوار الجبهة، فيظن من يراها بـأن الركـاب هما ــا أمني مــدنيون جــاؤوا لتفقــد الجبهـات وليســوا مقــاتلين! كـان هــذا احتياط مطلوبا. كانت كلها أشياء لفتت نظري: شاحنة براد اللحوم، بطاقات الزوار على الباصات، الخيام الــتي بقيت منصــوبة وخاليــة! كــانت تجــارب جديــدة علي. كنت أعتقد حينها أن الباصات ستوصــلنا إلى خــط التمــاس، فنترجــل

ونشتبك مع قوات العدو.

ــا التالل ــة. ودعن تركنا معسكر كرخه بعد الظهر، ومعه كل الذكريات الجميل والشيارات. كان محمد ال يزال منزعجا ألنه لم يتمكن من االتصال الهــاتفي بوالده. كان السيد حسن يتلو آية الكرسي أما "محمد شيرازي" فقد جلس يتحدث مع مسؤول الفصيل عن عمليات "بدر" الــتي كانــا قــد شــاركا فيهــا

معا.

27

كانت برادي نوافذ الباص مغلقة كي ال يرى أحــد الركــاب. وكــذلك الســائقــركت ــة. تح ــدون مالبس مدني ــانوا يرت ــاص ك ــة الب ــون في مقدم والجالس الباصات من "األهواز" نحو "خرمشهر" وقطعت مثلث "جفير". حل الظالم وال نزال نسير، لم يكن أحد من الشباب يعرف إلى أين نذهب. بعــد ســاعة

تقريبا، انعطفنا إلى جادة ترابية وبعدها بقليل توقفنا بين النخيل.

في ظالم الليل، أنزلنا األغراض والبطانيات من صــندوق البــاص ووضــعناها في خيمتنا، كنت أظن أننا سنصل إلى دشــمة أو خنــدق، ولكن هــا نحن في

خيمة جديدة.

عند الصــباح قمنــا بتمويــه الخيمــة بأغصــان النخيــل واألوراق اليابســة على األرض. كنت أنا األخف وزنا ولهذا صرت أصعد على أعمــدة الخيمــة وأضــع

األوراق واألغصان ثم أربطها بحبل في أعالها لالستتار.

كـان موســم تبــادل الكتابــات والـذكريات في ذروتــه. كتبت "لمحمــد جـوادنصيري بور":

"أنا أحقر وأصغر من أن أنصحك. إن شاء الله يســامحني ويعفــو عــني. مــا يمكن أن أقوله لك فقط عبارة واحــدة: حــاول بكــل مــا لــديك من قــوة أن ترفع مستوى معنوياتك عاليا واعرف قدر وقيمة هؤالء الشباب المخلصين.

. معسكر دارخوين".31/6/86إن شاء الله نكون شفعاء لبعضنا البعض

وقــد كتب جــواد شــيئا على دفــتري. وكــذلك كتب لي "حســين كلســتاني" و"أصغر أهري" و"سيد رضــي" و"محمــد أمين شــيرازي" و"أحمــد أحمــدي

زاده" و"علي قابل". طلبت من "محمد عليان نجادي"

28

ولكن لم يكتب.,عدة مرات

في هذا المخيم، أجرينا مناورة لمواجهة الهجوم باألسلحة الكيميائية. مشينا عدة ساعات في ذلك الجو الرطب بالقرب من نهر "كارون" وفي يوم آخر أجرينا أيضا مناورة لعمليات برمائية. بقينا ساعات داخل الـزورق في النهـر

ثم هاجمنا مواقع العدو المفترض وقمنا بالسيطرة عليها على الشاطئ.

ــا نجــوع في "كرخــه"، ولكن ما أذكره من معسكر "كارون" أيضا الجوع! كن الجوع اشتد وزاد في "كارون". بعض ذوي الخبرة كانوا يقولــون إن تمــرين الجوع هو جزء من التــدريب العســكري. ولعــل هــذا الكالم بالنســبة لنــا أي لمن لم يشارك ســابقا في العمليــات، منطقي وصــحيح، لكن بعض قــدامى

المحاربين كان يعترض معاتبا على قلة الطعام أيضا.

جلسنا في أحد األيام، أنا و"محمد" و"سيد حســن" على ســاحل "كــارون"،تحدث السيد حسن عن ذكريات طفولته، قال:

"منــذ الصــف األول االبتــدائي وحــتى اآلن حين أذهب إلى الثانويــة، لطالمــاــبي ــف. بقيت في قل ــامي في الص ــد األم ــا زلت أجلس في المقع كنت وم حسرة الجلــوس في الوســط أو المقاعــد الخلفيــة! حين كنــا في المرحلــةــالتي: االبتدائية، ذهبنا إلى الزيارة في "مشهد". قبل أن نذهب، قالت لي خــاءك ــإن دع ــوت، ف ــالم ودع ــاعليه الس ــام الرض ــريح اإلم ــكت ض إذا أمس مستجاب. حين وصلنا إلى الحرم، اخـترقت الجمـوع ووصـلت إلى الضـريح ودعوت الله قائال: يا رب اجعلني طويل القامــة! عنــدما رجعنــا من مشـهد، سألتني خالتي: "هل دعوت الله لي أيضا؟" قلت لها: "كال، دعــوت لنفســيــا، فلم أســتطع الــدعاء أوال، وحين وصل الــدور لــك، دفعتــني الحشــود جانب لك!" فسألتني مجددا: "ومــاذا دعــوت لنفســك؟" قلت: "دعــوت أن أصــبح

طويل القامة" فقبلتني وهي تضحك.

29

ضحكنا نحن أيضا على قصة السيد حســن، لطالمــا كــان قصــر قامتنــا نحن الثالثة مدار تندر وحوار بيننا. وبالطبع تكلمنا كثيرا حول الحــرب والمواجهــةــف ســنتمكن مع العراقيين بالسالح األبيض واالشتباك معهم وجها لوجه وكي من رميهم أرضا رغم ضخامة أجسامهم! وكان لكل واحد منا رأيه المختلف

عن الباقين.

عندما كانت السماء تمطر، كانت األرض تغدو لزجة وموحلــة. فكنــا نقضــي - وكــان نحن الثالثة معظم أوقاتنا داخل الخيمة. كنا نتبــادل الحــديث معــا –

"محمد أمين" يصنع من الوحل ســجدات للصــالة بحجم علبــة الكــبريت، ثميضعها تحت أشعة الشمس حتى تجف ومن ثم يقدمها هدية للشباب.

توقفت كتابة الرسائل في معسكر "كارون"، فكــان "محمــد" مرتــاح البــال ولديه وقت فراغ أكثر. قبل هذا القرار، كانت تصله رسالة أســبوعيا ويكتب الجواب لها. سألته: "ألم تشتق لكتابة الرسائل واستالمها؟" قال: "حسن"، هذا بحد ذاته له قصة ورواية!، إن جواب الرسالة مثل جواب السالم واجب

شرعا!".

- قبل االلتحاق بالجبهة، هل كنت تراسل أصدقاءك أيضا؟!- كال، ولكني كنت أجمع الطوابع، لعل عندي أكثر من مئتي طابع.

- جمع الطوابع! يا له من عمل عجيب!

ــا، فنصــل في الكالم إلى أمهاتنــا. فنتــذكر كان الجوع يهاجمنــا ويشــتد أحيان ، وكــان1بيوتنا وموائد األمهات العامرة. كنت أحب كثيرا "القورمــه ســبزي"

"محمد" يحب المعكرونة المطبوخة فوق قطع البطاطا، أمــا الســيد حســنفلم يكن لديه رأي خاص حول أنواع الطعام!

الملوخية 1 متل يخنة

30

كانت أنوار القذائف المضــيئة تشــع بعيــدا لجهــة الغــرب في انتهــاء األفــق.ا عن خطوط التماس، إال أنه كــان لــدينا وعلى الرغم من كوننا بعيدين نسبيــة من ــدق على شــكل "جحــر الثعلب" للحماي ــالقرب من كــل خيمــة خن وب

الغارات الجوية المحتملة.

في أحد األيام سلمونا ذخائرنا والتمــوين الخــاص بالعمليــات. وكـذلك ذهبنــا إلى حقل الرماية لكي نختــبر أســلحتنا للمــرة األخــيرة. قــدامى المحــاربين نصحونا وقــالوا تــزودوا مــا اســتطعتم بالقنابــل اليدويــة في العمليــات فهي ستنفعكم بشكل أو آخــر، وميزتهــا أن العــدو ال يحــدد من أي جهــة يتعــرض

للهجوم.

- في من الخبراء في التخريب كنت قد أخذت من أحد األصدقاء القدامى -ــا "كرخة" قطعتي "تي أن تي" بزنة نصف باوند. القدرة التفجيرية لكل منه

تساوي عشر قنابل يدوية. أعطيت إحداهما لـ"محمد".

كانت المرة األخيرة التي أستحم فيها في معسكر "كــارون". يبعــد الحمــامــذهاب بالشــاحنة. بعض ــا نضــطر لل ــترات، كن عن المعســكر ســبعة كيلوم

الشباب اغتسلوا غسل الشهادة في ذلك اليوم.

وصل "األمــر" بــترك "كــارون"، وهــذه المــرة بــدون أغــراض وال بطانيــات.ــا وللمرة الثانية جمعنا أغراضنا الزائدة ووضعناها في أكياس خاصة وتركناه في الخيام. كتب كــل واحــد منــا اســمه على الكيس. فقلت لنفســي: هــذهــا إلى الخــط ــة وال شــيء! حتم ــرة ســنذهب من دون صــحن وال بطاني المــني ا -بي األمامي للمواجهة. حين وصلت الشاحنات لنقلنا، كنت ال أزال مصر

- على نظريتي هذه! وبين نفسي

صعدنا إلى الشاحنات بعد الظهر وغادرنا معسكر "كارون" بشكل

31

مخفي. وضعنا عدة بطانيات على أرض الشاحنة وطوينا القليل الباقي منهالنجلس القرفصاء متكئين عليها كي ال نتجمد من البرد.

كانت األمطار خفيفــة هادئــة، حين ترجلنــا من الشــاحنات، في قلب الظالمــأن وسط بساتين النخيل بالقرب من نهر "بهمن شير". عند الصباح علمنا ب

". ألول مــرة ســمعت8تلك الليلة كانت ليلة البدء بهجوم عمليــات "والفجراسم "الفاو" في تلك البيوت القروية التي كانت مركزا الستراحتنا.

ــالمالعق ــاه ب كان الغداء يومها تشلو مرغ )أرز ودجاج( في األكيــاس! تناولن المطوية التي ترافق كال منا، في ذلك البيت القروي. كالعادة كانت أحاديث الشــباب تتجــاوز "النــق" على الطعــام، فلم نكن نحتج ونقــول لمــاذا تفــوحــل!.. بعــد االنتهــاء، غســل كــل منــا رائحة البالستيك من هذا الطعام المتحل ملعقته وأعادها إلى جيبــه، وهكــذا تعطلت ورشــة "محمــد" وعملــه بغســل

الصحون!

عــادت الشــاحنات مجــددا بعــد الظهــر وانطلقنــا. عــادت القبالت والتوديــع وطلب المسامحة للمرة الثالثة. قلت لنفسي مجددا: هذه المرة نحــو خــط

التماس بال شك!

استقررنا مساء في مستوعبات في "بهمن شير". ال أثر لخــط التمــاس وال خبر عن مواجهات مباشرة! نمنا في المستوعب المعدني في حال جلــوس

كي يستوعبنا جميعا!

شباط(، سمعت11كان اليوم التالي، الثاني والعشرين من شهر "بهمن" ) أصوات األناشيد الثوريــة والمارشــات العســكرية من إذاعــة اإلعالم. كــانتا. صــرنا أصوات انفجارات المضــادات الجويــة تصــل إلينــا من الخــارج أيضــ

مقتنعين أننا فعال بالقرب من خط االشتباكات.

32

كان الشوق ظاهرا على الوجوه، شغفا وحماسة للمشــاركة في العمليــات. كــان بعض الشــباب خــارج المســتوعب يشــاهدون وبنقــل مباشــر "فيلم" سقوط الطائرات الحربيــة العراقيــة، كنت أســتريح أنــا وبعض الشــباب في

الداخل.

كنت في حال بين النوم واليقظة، حين دخل "محمد" فرحا يبشرنا بسقوطــل طائرة معادية ومقتل الطيار. كان يتحدث ويضحك، فخطــر ببــالي أن أقب رأسه ووجهه، تعانقنا في مشــهد مــؤثر، دعــوت اللــه من أعمــاق قلــبي أن

نبقى معا وال نفترق. ثم قلت له بنظراتي:- بالله عليك، ال تنس أن تشفع لي. ال تنسني.

حدقت به جيدا، كانت عيناه تقوالن لي الشيء نفســه. تعانقنــا مجــددا، ولميكن قلبانا يقويان على أن نترك بعضنا البعض.

توجهنا بعد الظهر نحو "المرسى"، وبعد تأخير وانتظــار طويــل، صــعدنا إلى الزورق. في المسير إلى الطرف اآلخر من "أروند"، كانت جهنم قد قــامت وتأججت نيرانها! هنا غارات الطيران، وهناك قصــف المدفعيــة والصــواريخ.

كانت القلوب تهدأ وتطمئن بالصلوات على محمد وآله وذكر الله تعالى.

ترجلنا على الشاطئ الغربي لنهر أرونــد، مشــينا إلى أن وصــلنا إلى مــنزل خــال. أخبرنــا أحــدهم أن هنــاك صــالة ســينما بــالقرب من ذلــك الحي. فيــل المساء، أقمنا مراسم دعاء التوسل، كان الطعام: همبرغر مع خبز ومخل الخيار. بمجرد تنــاول الطعــام، أصــابتني حــال مغص ثم اســتفراغ، وتصــبب العرق البــارد على جبهــتي، تــرددت مــاذا أفعــل؟ انتــابتني حــال من القلــقــات. اشــتدت والخــوف! خــوف من المــرض وعــدم المشــاركة في العملي

الدوخة. حاولت إخفاء التوعك، ولكني لم أستطع.

33

ــذي كــان مســعفا، وأحضــره ــور" ال ذهب محمــد وراء "ســيروس مهــدي بلمعاينتي. لم أكن قد تعرضت سابقا لحال كهذه.

ــمم. قلت في قال "سيروس" إن الزيت المقلي للطعام قد سبب لك التســد ــذا التعب والجه ــل ه ــد ك ــام. بع ــك الطع ــاول ذل ــني لم أتن ــي: ليت نفس والمنــاورات وطوابــير اإلزعــاج والتــدريب.. إن لم أشــارك بالعمليــات.. مــا أكبرها من خسارة.. ما هذا البالء الذي أصابني؟ سيطر الــرعب على قلــبي

بشكل عجيب!

ن. طــوال استطعت الدخول إلى الحمام عدة مرات، وبدأت حــالي بالتحســــور" يالزمــني ويعتــني بي، كــذلك جــاء "علي هــذه المــدة، كــان "مهــدي ب شهبازي" الذي كان مســعف فصــيلنا، وســاعدني يــوم التهبت بثــور ظهــري ونزفت. تعاونا معا لمعــالجتي وشــعرت بتحســن كبــير. بعــد دقــائق ســمعناــددا. صــعدت إلى ــال مج ــة وانتق ــدل على حرك ــا ي أصــوات الشــاحنات، م الشاحنة بمساعدة "محمد" و"السيد حســن"، ســحبني أحــدهما من األعلى فيما كان اآلخر يدفعني صعودا. حين انطلقت الشاحنة وصار نسيم "أروند" العليل يداعب وجهي، شعرت بتحسن أكبر، لحظة بعد لحظــة، بقي القليــل

من األلم ولكن ال أثر للخوف وال القلق.

النار والدخان على أرض الفــاو وســمائها. عبرنــا عــدة شــوارع رئيســية في منطقة المرفأ وخرجنا من المدينة. زالت عني نهائيا حال التوعـك السـابق، ال أثر للتسمم بالزيت وال الضطراب ليلة العمليــات. عنــدما وصــلنا، نــاولت

محمد سالحي وجعبتي وأغراضي، وترجلت من الشاحنة لوحدي.

ــالقرب من ــة ب ــف الكتيب ــتقر ص ــبح. اس ــالة الص ــلنا عن ص ــاعات تفص سالمتاريس للجهة اليمنى على الجادة، تقدم لمدة عشر دقائق ثم توقف.

دخلنا هناك إلى المتراس، كان الطقس باردا جدا، بقينا نرتجف

34

من البرد، كل اثنين في خندق مفتــوح، حــتى الصــبح، لم نــذق طعم النــوم. عندما انهــارت كــل قــوتي من الــبرد، خــرجت من الخنــدق وجلت قليال في المحيط، وجدت بطانية فأحضرتها. تغطينا فيها -نحن االثنين- لــدقائق حــتى

أشرقت شمس الصباح.

سرعان ما وصلنا الخبر بأننــا اآلن على جــادة "الفــاو- أم القصــر". كنــا قــد تقدمنا سبعة أو ثمانيــة كيلومــترات على الجــادة. كــانت المعــارك الضــارية

تدور في المنطقة الشمالية والشمالية الغربية.

ــا قبل الظهر انتقلنا إلى الحافة الرمليــة على الجهــة اليســرى للجــادة، تجنبللقذائف الشاردة وخطر الرصاص الطائش.

ــا هناك غنم الشباب من أحد المحالت التجاريــة شــوكوالته وبســكويتا وحليبــا من الجــادة، كنــا نتعــرض ناشفا وألبسة وبطانيات!.. كان المحل أكــثر أمن لقصف القذائف وكذلك لغارات المروحيات. أمر مســؤول الفصــيل بالبقــاء في النقاط اآلمنة وعــدم جــواز التحــرك إال بــإذن خــاص ولعــذر مــبرر. بعــد

- نهــرني األخ للــذهاب إلى المحــل التجــاري مخالفة األمر لمرة أو مرتين -"كلستاني" قائال:

- يا أخ "قابل"، اذهب إلى الخندق، تحرك. ال تقف هنا.

صلينا الظهر والعصر بعد التيمم. قرأ السيد حسن آية الكرسي بعد الصالة.ا. مــا أجمــل مــا وصــفت عبــارات وقرأت أنا و"محمد" زيارة عاشوراء أيضــــك الزمــان والمكــان: "اللهم ــا، مــا أروعهــا من حــال في ذل الســجود حالنــوم الــورود وثبت لي قــدم صــدق عنــدك مــع ارزقــني شــفاعة الحســين يــه ــين علي ــذلوا مهجهم دون الحس ــذين ب ــين، ال ــحاب الحس ــين وأص الحس

السالم".

كان طعام الغداء معلبات، وخوفا من تكرار وعكة األمس، اكتفيت

35

بتناول الخبز والتفاحة التي وزعها علينا قسم التموين.

بعد صالة المغرب، جاء معاون مسؤول الكتيبة، وقال:- فلتقم "أزهار" الفصيل األول... انهضوا!

انطلق "قطار" الكتيبة المنتظم كالصف المرصــوص على الجــادة في قلب الليل، وبالطبع بعد قبالت الوداع وطلب الشفاعة. كنــا قــد أصــبحنا أســاتذة محترفين في هذا المجــال! صـرت متأكــدا من أننــا اقتربنــا جـدا من الخــط

المتقدم، فهذه المرة لم تحضر الشاحنات لنقلنا.

بعــد ســاعة من المســير على الجــادة، توقــف الصــف في الجهــة اليمــنىــام في االنتظــار للطريق. طال توقفنا حوالي الساعة أيضا. بعض الشباب ن كي يستعد للقتال فال يغفو أثناء المعارك. تلــك النقطــة كــانت مثلث طــرقــاألمس في ــذين شــاركوا ب ــة "األنصــار" ال ــاع كتيب ــل الملح وخــط دف معم

العمليات.

فجأة رأيت الشباب يودعون بعضهم البعض مجــددا. لقــد وصــل الخــبر بـأن الكتيبة ستقتحم خطوط العدو بعد ساعة. كان الجميع فرحين مستبشــرين. حلت روح جديدة على قلــوب الشــباب. وكأنــه المــنزل األخــير: بعــد كرخــهــار" و"الفــاو" و"مثلث معامــل الملح". و"كارون" و"بهمن شير" و"أروند كن

تم شرح مهمتنا بهذا الشكل: - جبهـة العــدو هنــا ال تملــك العمــق والقــوات الكبــيرة. هنــاك عــدة دبابــات ومالالت يجب تدميرها، وهناك جسر كبير على هذه الجادة الــتي نقــف اآلن

عليها ويجب تفجيره....

حين سمعت األمر بتفجير الجسر، دب في الحماســة والنشــاط. فهــذه من مهام شباب الهندسة "التخريب". سررت كثيرا ألني سأتمكن من مشــاهدة

ألعاب نارية كبرى هذه المرة! قلت لـ"محمد":

36

- هل ال تزال قطعة النصف باوند معك؟نعم، ماذا حدث؟ -

- إذا كان هناك حاجة، سأعطيهم هاتين القطعتين أيضا، لكي ينفجر الجســربشكل أفضل!

حوالي الساعة العاشرة ليال، تحرك الصف المرصــوص. وصــلنا إلى ســواتر خط التماس، كان هناك متاريس قصيرة متعامدة على جــادة "أم القصــر". خلف هــذه المتــاريس الصــغيرة، كــانت تنشــط حركــة التنســيق والتواصــل

لتأمين انطالق الفصيل األول إلنجاز مهمته.

وأخيرا انتشرنا. كانت المتاريس الصــغيرة تلــك هي حــدود المــنزل األخــير، واألمنية لم تعد أمنية، أمنية الهجوم في قلب الليــل فــوق تــراب ال نعرفــه، على عدو معتد على الوطن، وعلى حدود ثورتنا اإلسالمية وعقائدنا الدينية،

أن ندمر عتاده ونطرد قواته إلى ما وراء الحدود.

بعــد أن تقــدمنا قليال، انطلقت صــرخة "اللــه أكــبر" وبــدأ إطالق الرصــاص، تابعنا المسير بحــال انحنــاء. كنت أعتقــد أن شــباب الفصــيل األول والثــانيــدور سيتكفلون بالمهمة لوحدهم، ويدمرون الدبابات والمالالت ولن يصل ال

لبقية الفصائل والكتائب.

وصلنا إلى جادة معبدة وتحركت نحو الجهــة اليمــنى. كــان "حســين أمــيري فر" مســؤول الســرية قــد جلس على األرض وأخــذ يوجــه الشــباب. كــانت الرشاشات العراقية تطلق نيرانها في كل حدب وصوب. شــاهدت بنفســي سقوط عدة شباب أرضا بعد إصابتهم بهذه الطلقات. وطبيعي أنه في تلــك الظلمة لم نميز الوجوه ولم نعرف من هم. أنا بدوري كنت أطلق الرصاصــان ــل مك ــع من ك ــرخات ترتف ــانت الص ــدو. ك ــات الع ــم رشاش على دش

"اضرب... ارم نقطة الرشاش المتوسط... دمر هذه الدشمة اللعينة".

37

انهمرت القذائف الصاروخية والرصاص من كل الجهات على تلك الدشـمة، ال بد أن الرامي العراقي قتل أو فر من موقعــه. عنــد القضــاء على مصــدر

النيران اقترب المسعفون لمساعدة الجرحى، وتقدمنا نحن لألمام.

لم يعــد للفصــيل والســرية أي نظم وتــرتيب. في الــدقائق األولى للهجــوم انتشــر الجميــع وتفرقــوا في كــل األرجــاء. لم يلتفت أحــد ألحــد! كــل هــذه التدريبات التي حفظنا فيهــا طريقــة اصــطفافنا وترتيبنــا، من يكــون أمامنــا

وكيف نتشكل خالل المعارك و... كلها ذهبت هباء منثورا!

عندما رآني "محمد شــيرازي" وحــدي، قــال لي تعــال معي. نظــرا لخبرتــهــا حــوالي عشــرين أو ثالثين مــترا. كنــا نطلــق القتاليــة أطعتــه وتقــدمنا مع الرصاص باستمرار على المواقع العراقية. كانت الدشم والمتــاريس كثــيرة ومتفرقة في نقاط عديدة. رأيت "السيد حسن" في المســير. كــان بــدوره

- ويحــاول البحث عنـه - حسـين كلسـتاني قد افترق عن رامي اآلر بي جي ليلتحق بمجموعته. انضم السيد إلينا وكذلك التحق بنا بعد قليل شــاب آخــر

من فصيل آخر من السرية. وهكذا صرنا صفا من أربعة مقاتلين.

صارت االشتباكات وجها لوجه وفـردا مقابـل فـرد. كـانت زخـات الرصـاص تنهمر على الجــادة من اليمين واليســار. لم يعــد أحــد يجــرؤ على التحــرك. تسمرنا في مكاننا، ال خبر عمــا يحــدث أمامنــا وال أثــر ألحــد وراءنــا! كــانت ظالل اآلليات تلوح من بعيــد فال يعــرف إن كــانت دبابــات أو مالالت. كــانت طلقات الدوشكا تمر كالشهب بالقرب منا، فيتخيل اإلنســان أن طــول كــلــعية ــرك بوض ــف أو نتح ــرنا نزح ــر. ص ــتر من اللهب األحم ــف م ــا نص منهــا أو لجهــة اليمين أو اليســار إلى جــانب القرفصاء. نتقــدم على الجــادة حين

الطريق أحيانا. كنا نأتمر

38

بأمر "محمد شيرازي". كــذلك الشــاب الرابــع الــذي ال نعرفــه، عنــدما رآنــا نستمع لكالمه، انضم عمليا إلمــرة "شــيرازي"، كنــا نتقــدم خطــوة خطــوة،

ونقتحم دشمة دشمة. كان السيد حسن يقول بين المزح والجد:- يا أخ حسن! النيران هنا أغزر من نيران مناورة الكتيبة...

كان يقاتل بروحيات عالية وبسالة نادرة، يطلق النــار ويفــرغ ممشــطا بعــدممشط وقنبلة بعد قنبلة.

كنت أجيبه ونتبادل المــزاح ضـاحكين. أمــا "شــيرازي" فلم يكن يتكلم. كـلــدقق في مصــدر إطالق النــار ونــوع تركيزه وحواسه على ما يدور حولنــا. ي السالح المعـادي. كـان يكـرر التوصـية لنـا "اسـتخدموا القنابـل اليدويـة وال

تدعوا الرصاص يذهب هدرا".

ــه. حتى تلك اللحظة، كنا قد اخترقنا خط العدو وتقدمنا مئة متر داخل جبهت كنا نتحرك باحتياط شديد. وصـلنا إلى مقربـة من الـدبابات. ال أثــر للقــوات العراقية. كانت القنابــل وطلقــات النــيران تنهمــر كزخــات المطــر من كــل مكان. اختلــط الحابــل بالنابــل، فلم نكن نســتطيع التميــيز، هــل هي نــيران

صديقة أو معادية! الجهة الوحيدة اآلمنة كانت لجهة المستنقع الموحل.

فرغت كل مماشطي، فأخذت ممشطا من شيرازي، أفهمني بنظراته بأنــهــوائي، أن أرمي ــرمي وأتجنب اإلطالق العشـ ــد في الـ يجب علي أن أقتصـــاء لمحت عــدة فقط عندما أحدد الهدف وأتمكن من إصابته. في هــذه األثن

جنود في أحد المواقع العراقية. أخبرت "شيرازي" على الفور.

تردد قليال قبل أن يحسم األمر بأنهم من األعداء. إلى جـانب مـوقعهم كـان هناك أكيـاس تدشـيم وشـريط شـائك. وضـعنا خطـة عمـل سـريعة، وكـان

القرار أن يزحف أحدنا حتى النقطة المستهدفة ويرمي

39

قنبلة يدوية بين الجنود، وبمجرد انفجارها يقوم اثنان من مقاتلينــا بتمشــيطمكثف للقضاء عليهم.

ــا للمهمــة األولى، وتحــركت نحــو القســم األعلى من الجــادة، تطــوعت أن تموضعت قرب الساتر الرملي إلحــدى الــدبابات، لم أتجــاوز كــل المســافة اإلسفلتية المعبدة، رميت القنبلة بدقة، فسقطت وانفجرت حيث كان يجبــزة على ــق رشــقات مرك أن تنفجــر. ثم اســتغللت عنصــر المفاجــأة ألطل

الموقع نفسه وأعود بخفة ورشاقة للخلف.

ساد الفرح والسرور في مجموعتنا إلنجاز المهمة بنجاح والقضاء على ذلكالموقع.

لم تكن بسمات هذا اإلنجاز قد فارقت شــفاهنا، حين شــعرت بــاحتراق في كتفي، وكــأن ضــربة كقبضــة قــد صــفعتني بشــدة على كتفي. لم أكن قــد

انتبهت إلى انفجار قنبلة يدوية وسط كل األصوات واالنفجارات.

صرخت متألما:- ... احترقت... إسعاف...

سمعني شيرازي فسارع نحــوي وبــدأ بتضــميد جــرح كتفي بعــدة اإلســعافالفردي التي كانت في جعبته.

ــوع، لكن ال - ال شيء خطيرا يا حسن... لقد أصابتك شظية. أعلم أنك موجمشكلة. اآلن نعود للخلف...

كنت أسمع كلماته، لكن األلم كان يتضاعف بسرعة. كان الدم قد سال من كتفي وشــعرت بحرارتــه على أنحــاء جسـدي. كـان السـيد حســن مشـغوال منهمكا بالرماية على بعد أمتار منا، أدرك بأني جرحت وكذلك كان الشــاب

الرابع بالقرب منا. قال "شيرازي": "سأرجع فورا"،

40

وذهب. جلســت على ركبــتي فــوق األرض الرطبــة، أردت أن أتــابع القتــال وأطلق النار على البعثيين حين شعرت فجأة بضــربة قويــة على بطــني. لم أعرف من أين جاءت، ولكن عدة قنابل يدوية انفجرت أمامنا بشكل متتال.ا. وضــع يــده نظرت إلى "شيرازي"، كانت شظية قــد أصــابته بصــدره أيضــ اليمنى على قلبه. حين التقت نظراتنا، رفع يده األخرى ولـوح لي مودعــا...

ثم سقط على األرض شهيدا!

عدت إلى نفسي ألتفقد جراحي، وضعت يدي الســليمة على جــرح بطــني، شعرت بأن يدي قد لمست أمعائي. فجــأة، وقعت على األرض. اســترجعت

مشهد اللحظات األخيرة لشيرازي.

أحسست فجـأة بشـيء يصـطدم برأسـي بقـوة، كـانت يـدان تشـدان علىرأسي وتضربان بقوة... إنه السيد حسن! فهمت بأنه قد أصيب، قلت له:

- عزيزي حسن.. ال تضرب..، ال تضربني.. رأسي يؤلمني.. لماذا تضــربني؟تنح جانبا.. ال تضرب رأسي!

كنت أتكلم بشكل ال إرادي. تصورت بأنه كان يسمعني. ضربني ثم ضــربني على رأســي وكتفي ووجهي... مــرارا... ثم ضــعفت ضــرباته حــتى تالشــت وتوقف.. كان قد استشهد وانتهى األمــر. كــانت شــظية قــد مــزقت قفصــهــا الصدري. كذلك الشاب الرابع الذي التحق بنا ارتفع شــهيدا! صــمتوا جميع

ا.. جريحا. وهدأت أصواتهم. لم يبق من مجموعة األربعة سواي حي

لم أستوعب كم مر من الوقت حين رأيت أحدا فوق رأسي. عرفت صوته.ــا كان مسعف المجموعة الثانية في فصيلنا. وهو الذي لطالما اصطف خلفن

عندما نسير في الصف المرصوص. ضمد لي جرح

41

بطني بضمادات كبيرة وبقي بالقرب مني ليتــابع وصــول المســعفين لنقليللخطوط الخلفية للمعالجة.

جرحت مرة أخرى! استهدف شبابنا دبابة على الجادة، أصابتني شــظية من تلك القذيفة. فجأة لمع االنفجار كالبرق فأضــحى الليــل نهــارا مضــيئا. كــان حظي جميال، كانت الدبابة على الجادة وكنت أنا خلف الساتر الترابي. ومع

هذا فإن ضغط االنفجار، هز رأسي بشكل عنيف. - تقدموا يا شباب... أحسنتم الضربة!.. لقد هرب العراقيون.. هيــا لألمــام..

تقدموا...

كانت أصوات شباب الكتيبة الثانية وهم يعــبرون بــالقرب مني. ظنــوا بــأنيشهيد، فلم يقتربوا وتركوني وشأني.

كــانت الجــراح في كتفي وبطــني، وكــان رأســي يؤلمــني من شــدة أمــواج االنفجار، وكانت اللحظات تمر ببطء شديد، استعرضــت في ذهــني كــل مــاــع، ســقوط ــا الموق ــدودة الســابقة، نحن فجرن ــدقائق المع ــل خالل ال حصالقنابل، شهادة الرفاق الثالثة، انفجار قذيفة اآلر بي. جي، احتراق الدبابة.

مجددا، سمعت صوتا أعرفــه، لم أحــدد صــاحبه بدقــة، قــال للمســعفين أنــوط ــوا للخط ــعاف وانطلق ــة إس ــعوني على حمال ــف، فوض ــوني للخل ينقل

الخلفية..

نظــرت وللمــرة األخــيرة إلى محمــد شــيرازي و"الســيد حســن" والشــاب الرابع. قلت في نفسي: يا ليتني كنت معكم! لماذا لم تكن الشــهادة معكم

من نصيبي؟

في طريق العودة، كان أحد المسعفين وهو الذي يحملني من جهة رأســي،يكرر القول:

42

- يا أخ.. اقرأ "وجعلنا"... كرر "وجعلنا" حتى نصل...

ظل يقول هــذا ويكــرره حتى تمــنيت من كــل قلــبي أن أصــفعه بكفي علىرأسه ليتوقف عن طلبه هذا، لكنه لم يسكت ولم يهدأ أبدا..

كنا ال نزال بالقرب من خط التماس، حين انفجــرت قربنــا قذيفــة هــاون أو آربي جي... فــأفلت المســعفون األربعــة الحمالــة وانبطحــوا لــيزحفوا على

األرض..

كانت سقطتي قوية على األرض، فقال أحدهم: "أظنه استشــهد.. فلنــذهبونحضر جريحا آخر!".

بصعوبة بالغة، تمكنت أن أصدر صــوتا خفيفــا من حنجــرتي كي ال يــتركونيويمشوا:

- أنا حي.. أنا حي.. ال تذهبوا..

عادوا إلي وحملوني وعاد المسعف فوق رأسي لتكرار مجلس العزاء...- يا أخ، اقرأ "وجعلنا"...

عادت بي الذاكرة إلى معسكر كرخة، فألني خفيف الوزن، كان المسعفوندائما يختارونني في التدريب لوضعي على الحمالة.

كانت التمارين العسكرية هناك تترافق مع المزاح والضحك واللعب، أما هناــرفهم ــذين ال أع ــاق ال ــريح حقيقي والرف ــا ج ــة. أن ــة الجدي ــألة بالغ فالمس

يحملونني إلخراجي من ساحة المعركة.

حين وصلنا إلى نقطة االنتشار، وضعوا الحمالة على األرض. سمعت صوت "علي شهبازي" هناك. بعد دقائق، أدخلوني إلى غرفــة صــغيرة. كنت أغيب عن الوعي ثم أصحو مجددا، فلم أعــرف إن كــان "علي" ال يــزال قــربي أو

ال، وعندما استعدت وعيي في إحدى المرات،

43

وجدت أنني على حمالة داخل "جيب" وإلى جــانبي مجموعــة من الجــرحى اآلخرين. حين أنزلونا ووضعونا على األرض، سمعت اســم "كتيبــة األنصــار"

عدة مرات.

ــا فيهــا قبــل أصــبحنا في منطقــة مثلث معمــل الملح - أو أربــع3الــتي كن - شــعرت أن ثالث أو أربــع ساعات وصلينا المغرب والعشاء وانطلقنــا منها

سنوات قد مرت على هذه الوقائع! كنت أتذكر األماكن بصعوبة بالغة.

لم أعـرف من وضـعني في ســيارة اإلســعاف، لكن مـا أذكـره أن الطريـقات القويـة لســيارة اإلســعاف من كانت طويلة، شدة األلم من جهة والخضــ

جهة أخرى، سلبا النوم من عيني.

عندما وصلنا، أنزلـوني بالحمالـة نفسـها إلى داخـل مسـتوعب كبـير مضـاء بالكهرباء، أدركت أننا في المركز الصحي. أحد الجرحى من الكتيبــة األولى

عرفني وبدأ يطلب متوسال الممرض: - بالله عليــك، اهتم بهــذا الجــريح... أال تــرى بطنــه قــد تمــزق.. إنــه صــغير

السن...

ثم التفت إلي وقال: يا أخ "قابل"، ســتعود ســالما معــافى... ال تقلــق... هــل أصــبت في أمــاكن

أخرى من جسدك؟

حاولت وحاولت من دون جدوى، أن أتذكر اسمه. كان يتناسى وجعه ويهتم بي. وأخيرا جاء أحدهم وعاين جراحي ثم ذهب. أخرجوني من المســتوعبــدأت نفســي تحــدثني ــاردا. ب ــق. كــان الجــو ب ووضــعوني في الهــواء الطل وتوسوس لي أن أغفو قليال، خطر على بالي فنجــان شــاي من "الســماور"

في المنزل ولحاف يغطيني... ولكن جاءني فجأة صوت آخر:- ال تنم.. ا.. يا أخ حسن.. يا عمري ال تنم.. استيقظ...

44

كــان أحــدهم يصــفعني على وجهي، بالكــاد فتحت عيــني، رأيت "ســيروس مهدي بور" و"حميد رضا رمضاني" وهما من اإلسعاف الحــربي. جلس كــل

منهما إلى جانب وبدآ بهز رأسي وأكتافي كي ال أنام.

أخذوني في مركب إلى الطرف اآلخر من نهر "أرونــد". في الطريــق كــان المسعفان يحدثاني كي ال أغفو. حين كنت أفتح عيني، كنت أشاهد خطوطا منــيرة في الســماء، شــهب القــذائف النمســاوية أو الفرنســية الــتي كــان العراقيون يطلقونها وقد سمعت بأنها بعيــدة المــدى. كــانت تشــبه األلعــابــة النارية والمفرقعات التي تمر بين نجوم السماء والقنابل المضــيئة الخافت

وال نعلم أين ستسقط وأي نار ستشتعل.

حين نزلنا على الضفة اإليرانية، وضعوني داخل سيارة إسعاف.

جاء "سيروس" معي ليمنعني من النوم، وأما "حميد رضــا" فقــد غــادر إلىا، وذهب مكان آخر. حين وصلنا إلى المستشـفى، ودعـني "سـيروس" أيضـ

لمتابعة عمله.

في المستشفى الميداني، ســجلوا معلومــاتي الشخصــية. ثم جــاءني رجــلكبير السن، وقال لي:

- ستتحسن حالك وتتعافى. سأعطيك حقنة وتنام. عندما تســتيقظ ســتكونبوضع جيد.

بعدها، صارت األضــواء المســتديرة فــوق رأســي تختفي وتختفي وقبــل أن ينهي العد للعشــرة، لم أعــد أدرك شــيئا. أجــروا عمليــة لبطــني في غرفــة

العمليات وغيروا ضمادات يدي وكتفي.

كان رأســي يـدور في جولـة مظلمـة وصــوت مــزعج يهـدر في أذني، صـارالصوت يقترب ويقترب أكثر، حين فتحت عيني وجدت نفسي في طائرة!

45

كان الباب الخلفي للطــائرة مفتوحــا، وكنت أشــاهد الســماء والغيــوم. إنهــا المرة األولى التي أركب فيها طــائرة. كلمــا كنت أســتعيد وعــيي وأســترجع حواســي، كــان األلم يشــتد أكــثر. فجــأة بــدأت الطــائرة تهــتز بشــدة، قــال الممرض المرافق لنا إنها مطبات هوائية، ال تخافوا.. من شدة الوجع أغميــا حين حطت الطــائرة بقــوة على األرض ثم علي مــرة. ولكــني كنت واعي

توقفت.

ــه جاء بعض الجنود والممرضين لمساعدتنا ونقلونا إلى صــالون المطــار. إن مطار "مشهد"... أخذوني إلى مستشــفى "القــائم" وهنــاك اســتقررت فيــام ــا من الطع ــرين. كنت ممنوع ــرحى آخ ــة ج ــبعة أو ثماني ــع س ــة م غرف

والشراب.

ــا كانت إصابات رفاقي في الغرفة متنوعة، وكان بعضهم يأكل ويشرب، كميحلو له.

ــاد ينقضــي وكنت أعــاني الجــوع ــع عشــر من شــباط يك ــوم الراب ــان الي كــام ــاولون الطع ــة يتن ــرحى في الغرف ــدما رأيت أن بعض الج والعطش. عن ويشربون الشاي، اشتدت رغبتي بأن أشرب ولــو قطــرات من المــاء. كنت منهكا من العطش في منتصف الليل، وال أدري ماذا أفعل ومن أين أحصــل على الماء. وعلى الرغم من المصل الموصــول بيــدي إال أن العطش تمثــل لي كغول ال يرحم، وأخــيرا نــزعت أنبــوب المصــل من يــدي بشــكل مخفي ووضعته على فمي وتجرعت القليل منــه! فمــاذا حــدث؟ انتــابني حــال منــرو عطشــي ــدوار حــتى وقت الســحر. قطــرات المصــل لم ت ــان وال الغثي وســارت عــبر األمعــاء لتســتقر في الكيس الموصــول بمعــدتي إلفــراغ

محتوياتها!

إنــه يــوم الجمعــة والمستشــفى مــزدحم. على الــرغم من الطقس المثلجوالبارد والعواصف التي كنا نشاهدها من النافذة، إال أن الزوار كانوا

46

كثرا. الجرحى والمرضى المجاورون لي استقبلوا الكثير من الزوار، وكانت أجواء األكل والشرب والضيافة حافلة ومغرية، الفاكهة والعصير و.. وأما أنا

فكان نصيبي من كل هذا الحسرة والحلق الناشف!

ــا، واســتغللت الفرصــة المناســبة بعيــدا عن تركت الحياء والمجــامالت جانبــة أعين الممرضين، قبلت من أحد الزوار هدية، عبارة عن علبة عصير فاكه وأخفيتها تحت الغطاء. ثم نقلتها إلى تحت المخــدة لتكــون في مكــان أكــثر أمنا! فلم أعد أنظر وأحدق في اآلخرين ماذا يـأكلون ومـاذا يشـربون. قلت في نفسي: هنيئا لهم وألف صــحة، فليــأكلوا مــا يشــاؤون. أنــا لــدي عصــير

وسأتناوله في الليل وأخرج معدتي من حال العزاء والحداد.

ــدأت كان انتظارا صعبا حتى منتصف الليل. ارتاح بالي من كل المتابعات، ب العملية، كــانت علبــة عصــير تفــاح. لم يكن هنــاك مفتــاح للعلب. إن طلبتــع مفتاحا من المرضى اآلخرين، سيفتضح أمري ويشون بي للممرضين. وق نظري على الطاولة المعدنية قــرب التخت. يمكن إحــداث ثقب في العلبــة بزاويتها المسننة نهضت قليال وضربت العلبة عــدة مــرات بزاويــة الطاولــة، خرج القليل من رطوبـة العصـير من ثقب صـغير. قـربت العلبـة إلى فمي، وإذا بيد تقف حائال بيننا وتصادر العلبة! أحــد الممرضــين ظهــر فجــأة وأخــذــرات العصير من دون رحمة وال شفقة! بقيت وحدي عطشان محاصرا بنظ المرضى والجرحى اآلخرين، الذين يحاولون معرفة ماذا يجري في منتصف

الليل!

آخر مرة شربت الماء فيهــا، كــانت على جــادة "أم القصــر"، وآخــر فنجــانشاي كان في معسكر "كارون". لم أتب من شيطناتي هذه!

عدت مجددا ألنبوب المصل، نزعته من يدي، سحبت قطرات منه بفمي ثمأرجعته لمكانه. وحين شربتها شعرت بالندم ألني لم أسحب أكثر،

47

فالمصل كان حلو المذاق هذه المرة.

لم أستطع النوم. وضعت خطة ألشـرب مجـددا المصــل في الفرصـة الـتيــوب، لكن أظن بأنها مناسبة، وفي الوقت المحدد مددت يدي ألســحب األنب

الممرض الذكي الذي كان يراقبني من بعيد أمسك بي بالجرم المشهود.

ثم ربط يدي االثنين بجانبي التخت. لم أعد أستطيع أن أفعل شيئا!

لم ينفع الرجاء والتوسل أبدا: - لماذا ال تهتمون؟ أنا عطشان.. عطشان.. باللــه عليكم شــربة مــاء.. أكــاد

أموت من العطش...

أحد الممرضين الشباب الذي كان كلما رآني تأثر وأشفق على حــالي، جــاء وبلل قطعة معقمة ومسح شفتي بها. بعد أن هــدأت قليال، توســط لي هــذا

الممرض وطبيب آخر، فتم فك القيود من يدي!

بعد ظهر ذلك اليوم وصلت أمي وأختي الكبيرة.

ــدما كــانت أخــتي تعمــل ممرضــة في مستشــفى "مهــر" في طهــران. عن شــاهدت وضــعي، قــالت: يجب أن نــذهب إلى طهــران. المكــان هنــا ليس

مناسبا للعالج!.

عندما رأيت أمي، لم أعد بحاجة إلى أي شيء، حتى لشرب الماء! حتى لو لم تقل أي شيء، كان يكفيني أن أنظر إلى وجهها القمري ألنسى أوجاعي

وأتحرر من كل الهموم.

في اليوم التالي لحضورهما، وبعد أن وقعت أنا وإياهمــا على وثيقــة خــروجمن المستشفى وبصمنا باإلبهام، سمحوا لنا بالرجوع إلى طهران.

في المطار، انشغلت أمي وأختي بمعامالت السفر، بقيت لوحدي

48

ــدما الحظت أن كــل ــة شــؤون الجــرحى، عن ــف بمتابع ــدي المكل ــع الجن مالظروف مناسبة، قلت له:

- يا أخ، أنا عطشان، والطقس حار.. هل تناولني كوب ماء بارد.

ذهب وأحضر الماء ولكنه سأل:- يا أخ، هل يضر الماء بحالك؟

- كال يا أخ، أي ضرر!؟

ـه اقتنـع بكالمي، إال أنـه نـاولني على الرغم من أن تعابير وجهه ال توحي بأن الماء فشربته بسرعة وأرجعت له الكوب. في تلك اللحظات عادت أخــتي،

وكان أول كالمها:- لم تشرب ولم تأكل شيئا؟

- كال يا أختي.- هل أطمئن وأصدق؟

- بالطبع، عندما نصل إلى طهران أريد منك أن تشتري لي قنينة مشروباتغازية!

وعدتني بأنها ستشتري لي صندوقا كامال عندما تتحسن حالي.

في الطائرة، قاموا بطي األجزاء الخلفية لعدة مقاعــد، لكي يتســع المجــال لي بالحمالــة. تــوعكت وســاءت حــالي خالل هــذه الرحلــة، فــاعتبروا ذلــك

بسبب المطبات الهوائية!

في مطار طهران، أرادوا في لجنة نقــل الجــرحى إرســالي إلى مستشــفى اإلمام الحسينعليه السالم، لكن أختي لم تقبل وأصرت عليهم حتى وافقــوا على إرسالي إلى مستشفى "مهر" الذي كان يهتم بالجرحى ذوي األوضــاع

الحرجة.

49

كان الممرضون في مستشــفى "مهــر" يعرفونــني، ألني كنت قــد أمضــيت مشروع الخدمة التطوعيــة في الثانويــة في المستشــفى، حيث كنت أخــدم

يوما في األسبوع هناك. كانوا يقولون عني "الدكتور الصغير".

حين عرفت الممرضات وصديقات أختي بـأن الـدكتور الصــغير قــد أصــيب،ــاء، وحــتى رئيس ــادتي. قــامت أخــتي بإحضــار أفضــل األطب أتين كلهن لعيــانت اآلراء ــع والعالج الالزم، ك ــد الوض ــف علي وتحدي ــفى، للكش المستشا حـتى صــباح اليــوم متفقة بــأن هــذه الجــراح وااللتهابــات لن تبقي علي حي

التالي. يا لهذه البشارة!

أول عمل قاموا به هو التبرع لي بالدم. في مشهد قاموا بهذا مرة واحــدة، ولكن هنا كانوا يصلون الكيس تلو الكيس بيدي. والهدف هو تطهير الجسم من االلتهاب. كان األطباء يقولون إنه ال يمكن القيام بأي عمل جــراحي مــا دامت حــال االلتهــاب هــذه موجــودة. ارتفعت أيــادي الجميــع بالــدعاء، أمي

وأخي وشباب مسجد الحي ورفاق المدرسة.

أمضيت الليلة بهذه الحال، دم جديــد يضــخ إلى جســمي ودم ملتهب يخــرجمنه، كان أي خلل بهذه العملية كفيال بالقضاء علي فورا.

ــان في اليوم الثالث لمجيئي إلى مستشفى "مهر"، تحسنت حــالي قليال، كــائي على قد مضى أسبوع كامل على إصابتي وكان األطباء متعجبين من بق

قيد الحياة!

وفي هذا المستشفى أيضا، بعيدا عن عيون أمي وأختي والممرضات، كنت أشــرب من المصــل الموصــول بيــدي، فــإن كــان حلــوا شــربت أكــثر. كنت

أشرب بمقدار ال أصاب معه بالغثيان، ولكن، كنت أصاب به أحيانا.

في أحد األيام جاء زوار كثر للجريح اآلخر في الغرفة وازدحمت بهم. كانتمشكلته في عينه، أحضروا له الكثير من عصير الجزر.

50

يومها تصاحبت بالسر مع أحد الزوار، فضيفني كــوب عصــير جــزر فشــربتهمن دون أن ينتبه المراقبون!

ما هي إال لحظات حتى وصلت أختي وسألت:- هل أكلت أو شربت شيئا؟

- كال! لست عطشان وال جوعان. حالي جيدة جدا.

وقفت قليال ثم ذهبت لمتابعة عملها. كان الصديق الجديد ال يزال في الغرفة ويحضر عصير ليموناضــة فشــربته.

سألني:- إذا عرفت أختك، باألمر فماذا سيحدث؟

قلت له:- أنا ال أملك الجرأة ألقول شيئا ألختي، إال إذا قلت لها أنت!

- كال، كال، أنا أيضا ال أجرؤ!

لم تمض خمس دقائق حتى بدأت الغرفة تدور حــول رأســي وصــرت أتقيــأ دما. كنت بين الصاحي والمغمى علي حين سمعت أختي تصــرخ على ذلــك

"الصديق"، ثم أخرجت الجميع من الغرفة.

استمرت حال الغثيان وتقيــؤ الــدم حــتى المســاء. كــانوا يضــعون لي كيسالدم تلو الكيس، كي أبقى على قيد الحياة حتى الصباح.

في تلك الليلة أحضروا جهاز "ساكشن" لتفريغ كل محتويات معدتي وهكذاأخرجوا ما شربته من عصير!

ســاعة، كــان صــراعا بين المــوت والحيــاة،24استمر الوضع خطيرا لمــدة راط الــذي "أدق من الشــعرة وأحــد من لحظة بعد لحظة، كنت أعاين الصــ

السيف"، جسر أوله في الدنيا وآخره في اآلخرة، تم ضخ خمس

51

عشرة وحدة دم في عروقي، ألتمكن من رؤية فجر اليوم التالي من نافذة غرفتي في المستشفى. وصل األمــر إلى أن الــدم كـان يخــرج عنــد التقيــؤ

ليس فقط من فمي بل من أنفي أيضا.

إنه مطلع األسبوع الثالث إلصــابتي، تم نقلي إلى غرفــة ذات ســرير واحــد. أخبرتنا أختي أن األطباء سيشكلون لجنة للتباحث في حالي. ضعفت ونحــل جسمي حتى صار شكلي شبيها بتالميــذ المرحلــة االبتدائيــة! بعض األطبــاء، عندما كانوا يعرفون بإصابتي على الجبهــة، كــانوا ينظــرون بدهشــة وتعجب

وكأنهم يقولون "هذا؟".

قال أحد األطباء ألختي إن المريض هنا أشــبه مــا يكــون بفــأر تجــارب، وإن عليكم أن ترسلوا جريحكم إلى الخارج، هذا هو الحل الوحيد. اقتنعت أختي

بكالمه، وبدأت العمل الشاق لتنفيذ توصيته.

في أواخر األسبوع الثالث، جــاءت أخــتي وأبلغتــني بــأني سأســافر للخــارج ساعة، في اليوم نفسه، جــاء لعيــادتي "أحمــد أحمــدي زاده" من48خالل

شباب الفصيل- والذي كانوا يلقبونه بالفنان. بقي عنــدي حـوالي الســاعتين وتحدثنا واستعدنا الذكريات معا. فرحت أختي وتأملت أن تتحسن حالي بعد رؤيته. جاء "أحمــدي زاده" ومعــه صــور الشــهداء، وأخــبرني عن شــهادتهم واحدا واحدا. تلقيت منه خــبر شــهادة "محمــد عليــان نجــادي" ثم أعطــاني شريط كاسيت دعاء كميــل الــذي كــان "محســن كلســتاني" قــد قــرأه في المعسكر مع شباب الفصيل. وكــذلك تــرك بعض الصــور الــتي كــانت معــه

أمانة عندي وذهب.

بعد ظهر ذلك اليوم، وضعت الشريط في آلة التسجيل وجلست أحــدق في صور الشباب، دققت النظر في كل تفاصيل الصور، أرهفت سمعي لصوت

األخ "محسن" بينما سافرت إلى الماضي القريب.

52

أخذت أسترجع كل الذكريات األولى الراسخة في خاطري وخيالي، وصــوال إلى آخر الوقائع: ثكنة "دوكوهه"، وملعب المراســم الصــباحية، بحــيرة ســد "دز" وصــيد الســمك، "كرخــه" و"كـارون" ومســتوعبات "أرونــد" و"الفــاو" و"جادة أم القصـر"... حـتى نقطـة االنتشـار إلى اللحظـات األولى للهجــوم واالشتباكات... حتى اإلصابة األولى والثانية والثالثة... وانهمرت دمــوعي. ال أحد في الغرفة. كانت أختي قد تركتني ألخلو بنفسي مع الشريط والصــورا! فجــأة غطت الغيــوم والــذكريات. بكيت وبكيت. بكت الســماء معي أيضــ السوداء سماء شهر "اسفند" )آذار( الصافية وبدأت زخات المطــر تضــرب

بقوة على زجاج نافذتي.

ــون بقيت أبكي بشدة، حتى عادت حال تقيؤ الدم واجتمع األطباء والممرض حول تختي مجـددا، وعـادت وحـدات الـدم للضـخ في عـروقي واحـدة بعـد األخرى. عدت مرة إلى جسر الصراط. بعد هذه الحادثة، كــان رأي األطبــاءا وأنــه ال ينبغي لي التعــرض ألي ضــغوط أن ال أخــرج من المستشــفى حالي عصــبية أو عاطفيــة، وعليــه ال ينبغي أن يــزورني أحــد من الشــباب ورفــاقــدي ــة عن ــتي كــانت أمان الســالح، كــذلك أخــذوا مني الشــريط والصــور ال

وأعادوها إلى "أحمدي زاده".

تعرض بنك الدم في مستشفى "مهر" ألزمة ونقص فادح في تلــك الفــترة. لو كنت سافرت إلى الخارج لما واجهت هــذه المشــكلة، ألنهم يســتخدمون أمصاال تحل مشكلة التبرع بالــدم. في تلــك األيــام لم يكن عنــدي خــبر بمــا يجري وراء الكواليس، ولكن فيما بعد عرفت أن جميــع أقــاربي وأصــدقائي

قد جاؤوا إلى المستشفى وتبرعوا لي بالدم.

في أحد األيام انتشر خبر بــأن وزيــر الحــرس جــاء إلى المستشــفى لتفقــد الجرحى وأنه يقدم لكل منهم جهاز "راديو" هدية. لم يطــل انتظــاري كثــيرا

حتى دخل السيد "رفيق دوست" إلى الغرفة مع عدد

53

من األشخاص. وكان معهم مراسل ومصــور. ازدحمت الغرفــة كثــيرا حــتى إنني شعرت بدوار في رأســي. تقــدم الــوزير وقبلــني وتحــدث بكلمــات لم أســمعها وســط تلــك الزحمــة والضوضــاء واكتفيت بهــز رأســي مؤيــدا. ثم انشغل الوزير باإلدالء بتصريح لوسائل اإلعالم، فجأة عدت ألتقيأ دما، ارتبك

األطباء وتجمدت البسمة على شفاه الوزير.

ــع كانت الدماء تخرج من األنابيب الموصولة بين أنفي ومعدتي. صدم الجمي وتحيروا لما حدث، واضطر الوزير والهيئة المرافقة له للخروج من الغرفة،ــدم هدأت األجواء ولكن نزيف الدم لم يتوقف. عاد األطباء لوصل أكياس الــد ــدم ق بأنبوب المصل المعلق فوق رأسي. هذه المرة كانت أزمة تأمين ال تفاقمت، ليس فقط في مستشفى "مهر"، بل على مستوى المستشــفيات كلها. وعــادت لعبــة الحافــة، بين المــوت والحيــاة... وتلقي الصــفعات علىوجهي كي ال أنام. إذا وصل ضغط دمي إلى أقل من ستة، فسينتهي أمري.

- .. ال تنم يا "حسن".. ال تنم يا "حسن"..

كان أحدهم يناديني وصفعني، كنت غارقا في حــالي العجيبــة وأتــذكر شــيئاشبيها بما يحصل..

- "حثن"، ال تنم يا "حثن".. ال تنم...

عاد صوت ليعيدني إلى الحاضر:- حبيبي يا "حسن"، أنا أختك.. انظر إلي، ها أنا أضحك..

يا أخي.. ال تنم..

ــاة. لكن ــد الحي ــتيقظا، ألبقى على قي ــني مس ــدة لتبقي ــعى جاه ــانت تس كــادوني ــر. ضــربوني وضــربوني، ن ــل لألوام ــة وال تمتث ــانت ثقيل رموشــي ك

ا. وصفعوني مرارا، ألبقى صاحيا وحي

54

مع هذا الحادث الذي حصــل، بقيت محرومــا من "الراديــو" هديــة الــوزارة! كــان زوج أخــتي يعمــل في اإلذاعــة. عنــدما نفــد الــدم من بنــك الــدم في المستشــفى، قــام بالتعــاون مــع أحــد أصــدقائه القــدامى ومن دون إنجــاز المراحل القانونية واإلدارية الالزمة، بوضع إعالن فوري على اإلذاعة: جريح

+ في مستشــفىBبعمر السادسة عشرة. بحاجــة ماســة إلى دم من فئــة "مهر".

ــاس، ــواع واألجن ــع األن ــزوار. من جمي ــوم واحــد، تضــاعف ال ــذا، في ي وهك أشخاص ال أعرفهم ولم أكن قد رأيتهم قبلها. أثار األمر فضولي فسألت ما الخبر. تبين عندها أن زوج أختي قــد قــام بــذلك العمــل ووضــع اإلعالن في

اإلذاعة. تبدلت أجواء الغرفة بل القسم كله في ذلك النهار.

حشــود وازدحــام حــدث وال حــرج. امتأل المكــان بباقــات الــورد. كــان أهلي يستقبلونهم ويرحبون بهم وألن األطبــاء منعــوا زيــارتي فقــد كــانوا يكتفــون بإلقاء التحية وإظهار المحبة من أمام البــاب. كــان بينهم أصــحاب القبعــات واللحى وربطات العنق والنظارات، جاؤوا من كل الفئات، ابتسموا وذهبوا.ــد من ــتقبال المزي ــه اس ــد بإمكان ــوم ولم يع ــك الي ــدم في ذل ــك ال امتأل بن المتبرعين، وتم ضخ تلك الدماء في مصلي حتى صباح اليــوم التــالي. حقــا،ــة ــة والعاطف ــا إن شــعبنا مفعم بالمحب ــل! وحق ــاذا يمكن لإلعالم أن يفع م

وجاهز للتضحية والعطاء دوما!

بعــد هــذا التيــار الــذي أحدثتــه تلــك الموجــة من التبرعــات والــزوار، زادتــلمون ــأتون ويس ــانوا ي ا، ك ــ ــات أيض ــل االختصاص ــاء من ك ــارات األطب زي ويطمئنون إلى حالي ويظهرون المحبة واالهتمام، طبيب عيون، طبيب أذن وحنجرة، طبيب..، كذلك الممرضــات المتزينــات بكــل أنــواع الماكيــاج، كن يأتين أيضا ويدعين الله لي بالعافيــة. وكــأن قصــتي قــد تحــولت إلى قضــية

وطنية.

55

كيلوغراما، بعدها لم يبــق شــيء!38كان وزني قبل إصابتي في تلك األيام جثة نحيلة تكاد تختفي بين السرير والغطاء األبيض.

وجاء اليوم الـذي شــاهدت فيــه معجــزة: شــيء مـدهش! كـانت أخــتي قـد جلست جــانبي على الســرير. شــعرت بالملــل فخــرجت من الغرفــة. كــان وضعي قد تحسن وتجاوزت األزمة التي حــدثت. كــان وقت صــالة المغــرب

والعشاء. بدأت كالعادة:- الله أكبر. بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله...

بعـد إتمـام الصـالة وقـراءة آيـة الكرســي، جـاءت ممرضـة وأخرجتـني من الغرفة وقالت لي: سنأخذك إلى غرفـة العمليـات. عنـدما وصـلنا، رأيت أن المكان شبيه بغرفة العمليات في مستشفى "فاطمــة الزهــراء" الميــداني.ــوني إلى تم حقني بإبرة فغبت عن الوعي. عندما بدأت باستعادة وعيي نقل غرفتي ووضعوني على الســرير. عنــدما اســتيقظت بشــكل كامــل، وجــدت سجدة صالة. هل كانت معي في غرفة العمليات؟ كنت أشـعر بحــال جيـدة

حينها. ناديت أختي وسألتها: "ماذا حدث؟".

قـالت: "لقـد غفــوت لسـاعات، كـان نومــك عميقـا لدرجـة لم أرغب معهـابإيقاظك".

ســألتها: ألم تأخــذوني إلى غرفــة العمليــات؟ ألم أخضــع لعمليــة جراحيــة؟ــوقت من ــذا ال ــات في ه ــة "كال، وباألصــل من يجــري عملي أجــابت متعجب الليل؟" كان مناما رأيته، لكن بعده، صرت أتحســن يومــا بعــد يــوم، وخفتــا. كــان حــال الــنزيف وااللتهابــات. عــاد ضــغط دمي لحالــه الطبيعيــة تقريبــدريجي المتســارع! لم أحتج بعــدها ــون من هــذا الشــفاء الت ــاء يتعجب األطب

للتبرع، وتحسنت جراح كتفي وبطني.

آذار20) النوروز1365في عيد رأس السنة الهجرية الشمسية

56

( كنت ال أزال في المستشفى وقد حضر عنــدي أمي وأبي وأخــواتي1986 وإخــواني. ازدحمت غرفــتي مجــددا بــالمهنئين بالســنة الجديــدة، لكن هــذه

المرة لم تتوعك حالي، بل إني كنت أقوم ألرحب بالزوار والمهنئين.

ــبب بعد عشرة أيام، أعطاني األطباء إذن خروج من المستشفى، ولكن بس تقرر أن أبقى في المستشفى وأخرج(يوم الطبيعة) "فروردين" 13عطلة

نيسان(. يوم الوداع ازدحمت غرفــتي والقســم5 "فروردين" )15في يوم مجددا بل المستشفى كله.

ــزال كيس إخــراج الفضــالت متصــال بخاصــرتي. لقــد بقي هــذا الكيس ال ي مرافقا لي لعــدة أشــهر تلت، وفي أحــد أيــام الصــيف تخلصــت من رفقتــه

بواسطة عملية جراحية.

شاهدت في إحدى الليـالي شــباب الفصــيل األول في منـامي، كـل شـهداءــيرازي"، "علي الفصيل كانوا هناك: "محمد عليان نجادي"، "محمد أمين ش قابـل"، "مهـدي كبـير زاده"، "سـعيد بـور كـريم"، "سـهيل مـوالي"، وكـان

"محسن كلستاني" معهم فقلت له: - لماذا لم تأخذني معك يــا أخ "محســن"؟ لمــاذا تركتــني وحــدي؟ وكعادتــه

القديمة لف يده على كتفي وقال:- "حسن"، أنت أيضا كان يجب أن تأتي.. يا أخي، كان يجب أن تأتي إلينا..

كنت أبكي في المنام وتنهمــر دمــوعي بحــرارة. أخــذ الشــهداء يعــانقونني،ولكن بكائي لم يهدأ.

عندما وصلت إلى البيت، بحثت فــورا عن حقيبــة الجبهــة. كنت أعلم بــأنهمــبيت وأن أهلي قــد أخفوهــا كي ال أصــاب باضــطراب قــد أرســلوها إلى ال

عاطفي إن رأيتها. وها هي بين يدي بعد أشهر من الفراق،

57

وقــد أحيت في قلــبي وخــاطري كــل الــذكريات، الوصــية الــتي كتبتهــا فيــا بمســاعدة ــتي حللته ــارين المدرســية ال ــاتري والتم ــبي ودف "كرخــة"، كت"محمد" و"سيد حسن"، كتابات بخط أيديهم، كل شيء كان داخل الحقيبة.

- أظنــه "ســيروس مهــدي بــور" زارني أحد شباب الفصيل في أحد األيام - وقال: "لقد رأيت في المنام بأنك استشهدت وأنا أتكلم معك. فقلت لي: يا فالن، أنا لست شهيدا. "علي قابل" هو الــذي استشــهد وأنت قــد اشــتبهتــعيت بين اسمينا. فرحت كثيرا في المنام كونك ال تزال على قيد الحياة. س

جاهدا للحصول على عنوانك آلتي وأراك".

خالل مشـاركته في1986استشهد "سيروس مهدي بور" في تلــك السـنة دورة دفاع جوي في "مهران".

ــدما رجعت إلى بعد فترة طويلة زرت مقبرة "بهشت زهراء" ألول مرة. عنــة، تــبين البيت أصبت بحال تشنج عصبي. بعد عدة فحوصــات وتحاليــل طبي أن آثار أمواج انفجار تلــك الدبابــة ال تــزال في جســدي وأن تخــثرات دمــاء صـغيرة قـد تشـكلت في أنسـجة دمـاغي، وهي الـتي تسـبب لي آالمـا في الــرأس بين فــترة وأخــرى. ولهــذا الســبب، إضــافة إلى األدويــة الــتي كنت أتناولها، ضعفت ذاكرتي ولم تكن تعمل بانتظام لسنوات عديدة. كنت أقــرأ شعرا مــرات ومــرات كي أتمكن من حفظــه. لم أكن هكــذا قبــل اإلصــابة.ــة في اختصــاص الطب الـذي رافقتــني هــذه الحــال خالل دراســتي الجامعي

أنهيته وتخرجت منه برفقة هذه الذاكرة وبهذه الحال!

" آخــر عمليــات أشــارك فيهــا. على الــرغم من8لم تكن عمليــات "والفجر كوني جريحا ولدي إعفاء من خدمة العلم، إال إنـني عـدت للجبهـة وخـدمت في كتيبة "حمــزة" نفســها. كــانت الحــرب قاســية ومــرة، لكن لم يكن من

خيار آخر. كان علينا أن نقاوم ونقاتل.

58

التجربــة الــتي اكتســبتها من الحــرب والجبهــة، ترافقــني دومــا مثــل "معلم كبير". لقــد اختــبرت نفســي في ســاحة القتــال وخاصــة في المعــارك غــير

ــل ــة ليـ ــ. ش. )24/11/1364المتكافئـ ــذا13/2/1986 هــ ــائج هـ م(. ونتـ االمتحان تبقى دائما في ذهني. إذا لم يعرف اإلنســان نفســه، فبمــاذا يفيــد

وما هي قيمته؟

من أجل الوصول للكمــال، يجب على اإلنســان أن يعــرف نفســه أوال، وأنــاعرفت نفسي في الجبهة.

أنا اليوم كطبيب، عندما أعاين مريضا حاله صعبة، أحدثه عن ذكريــاتي، عن تلك األيام التي كنت فيها أتنقــل بين المــوت والحيــاة، ولم أستســلم، أو أن

قدري لم يكن أن أستسلم.

ــز بتلــك وحاليا، إن فتحت ساحات التحدي مجددا، فإني حاضر وجاهز ومجهــام ــ. ش، إن1364الروحية وذلك اإليمان وكل ما كان لدي في ذلك الع هـ

شاء الله.

59

التاسع الفصل وثائق

االسمالرقمصوروثائقوالشهرة

وثائق غير

خطية حسن1

دقيقة3917295أعاليى نيامقابلة

2 الشهيد محمد علياننجادي

14414

دقيقة45 بصوت 95الشهيد/ دقيقة

مقابلة معاألهل

3 الشهيد السيد حسنرضي

3924 دقيقة115

مقابلة معاألهل

حسن أعاليي نيا )قابل أعال(-1 المعلومات الشخصية:1-1

- دكتوراه في الطب العام، متزوج ولديه ولدان.(، طهران.1969 هـ، ش)1348- تاريخ ومحل الوالدة:

- تعبوي. شهر خدمة24- مدة ونوع المشاركة على الجبهة:

الخبرة العسكرية:م )حراسة(.1984 هـ. ش/1363قسم الدفاع في "جزيرة مجنون" •" )تخريب-قسم الهندسة(.3عمليات "عاشوراء •" )تخريب-قسم الهندسة(.8عمليات "والفجر •م )تخريب(.1986 ه. ش/ 1365قسم الدفاع في "مهران" •" )تخريب(.5عمليات "كربالء •م )بريد السرية(.1988 هـ. ش/1367قسم الدفاع في "شاخ شميران" •

60

اإلصابات:م.1986 هـ. ش/ 1364تمزق األمعاء والبطن وجرح الكتف •م.1986 هـ. ش/ 1365صدمة من أثر أمواج انفجار )الظهر( •%35نسبة اإلصابة: •

المذكرات المكتوبة1-2 دفتر أحمدي زاده1-2-1

)الوثيق (99ة رقم

الكالم األخير1-3)الوثيقة

(100رقم

61

إفادة طبية1-4

101 رقمالوثيقة71الصورة رقم

ــورة رقم - من72الصـاليمين: اعاليي نيـــــــــــا، عليـــــــــــان نجـــــــــــادي

73الصورة رقم

من اليمين: عليان -74الصورة رقم نجادي، اعاليي نيا،

محسن كلستاني، نعمتي، أمير عباس رحيمي.

62

الشهيد محمد عليان نجادي2-1 الهوية2-1

102الوثيقة رقم 75الصورة رقم

مذكرات 2-2

وثيقــــــة رقمال 103

ــورة رقم الصـ76

104الوثيقة رقم

63

المذكرات المكتوبة2-3 دفتر2-3-1

أحمد أحمدي زاده(105)الوثيقة رقم

دفتر محمد2-3-2جواد نصيري بور

(106)الوثيقة رقم

ما كتب2-3-3خلف صورةحسين فياض

التذكارية

(107)الوثيقة رقم

رسالة2-4108الوثيقة رقم )رسالة والد

محمد عليان نجادي إليه(

64

الوصية2-5109الوثيقة رقم

- عن 78الصورة رقم اليمين: محمد عليان نجادي،غالم رضا نعمتي

مقابلة مع أخي الشهيد:2-6ا من محمــد، إال أننــا كنــا نبــدو كتــوأم. منــذ على الــرغم من أني أكــبر ســنــا، نقــوم بالمصــارعة وتحــدي بعضــنا الطفولــة األولى كنــا نلعب ونمــزح مع

البعض، نتخاصم ثم نتصالح دوما. نبقى معا في الليل والنهار.

كان يحب المالبس ذات اللون األحمر المائل إلى البني. كانت خزانته قرب خزانتي، لكن خزانتــه كــانت أشــبه بــدكان صــغير، فهي مليئــة دومــا بــأنواع

.1المأكوالت: "لواشك" و"ألوتشه"..

كان لدى محمد ألبوم طوابـع وكـذلك "البـوم صـور العـبي فريـق شـاهين" لكرة القدم. كان هو يقوم بتجليد الكتب ويشــتري الطوابــع ويبيعهــا. كــانت

خزانته مليئة ومزدحمة دائما.

كان يشــبه والــدنا في أخالقــه، يحب النظــام والــترتيب. كــان في الكشــافةا ونشيطا جدا. عندما كنا نلعب كرة عنصرا فعاال، حيوي

1 . الدين بقمر شبيهة الفاكهة من أنواع

65

ا. كان القدم كان ماهرا في حراسة المرمى وكذلك بات هدافا ومهاجما قوي يحب مادة الرياضيات ويحل تمارينها بسهولة، يركــز تفكــيره على المســألة

د الحل.حتى يج

ــاب "آســمان ــامج ألع ــاز" برن ــانوا يعرضــون على "التلف ــام ك ــك األي في تل . لم يكن شــعر محمــد ســهل التمشــيط، ولهــذا كــانوا ينادونــه1وريســمان"

"ريسمان" هو نفسه كان يقول "ريثمان"!

كان أبي يكتب له الكثير من الرســائل. وهــو كــان يحب أبي كثــيرا. لم يكن لدينا هاتف في المنزل، فكان محمد يتصــل بمحــل أبي، الــذي يــأتي بــدوره

ويطمئننا عنه ويخبرنا بسالمته وأحواله.

. أصـيب(منتصف شــباط)أخبرونا بشهادة "محمد" في أواخر شهر "بهمن" ــذلك أصــيب بشــظية حطمت قفصــه ــف. وك بشــظية في رأســه من الخل

الصدري، ولعل شظية أصابت قلبه أيضا.

األغراض الشخصية التي كانت مع جثمانــه: بطاقــة عليهــا زيــارة عاشــوراء. تومانا، سجادة صــالة وســجدة.140، ..، قدس سرهصورة اإلمام الخميني

هذه األغراض موضوعة في واجهـة زجاجيـة في المـنزل وهي دائمـا نصــبأعيننا.

عنوان القبر2-7-طهران - بهشت زهراء

7، رقم8، صف 53قطعة

1 . والحبال السماء

66

الشهيد حسن رضى-3 الهوية3-1

80الصورة رقم 110الوثيقة رقم

المIIIIIIIIIIIذكرات 3-2المكتوبة

دفتر محمد جواد نصيري بور.3-2-1

112الوثيقة رقم 111الوثيقة رقم

3-2-2 دفIIIIIIتر

أحمد أحمدي زاده-81الصورة رقم

من اليمين:حسن رضى،رضا أنصاري

دفتر حسن أعالئي نيا3-2-3

رقم 113الوثيقة رقم صورة 82

67

من اليسار: رضى، نصيري بور الرسالة3-3

114الوثيقة رقم

الوصية3-4 115الوثيقــــة رقم

)صفحتان(

مقابلIIة مIIع3-5والد الشهيد

حســـن هـــو ابـــني الثاني، أخالقه وسلوكه مثل أخالق والدته، التي كانت بدورها تحبه ومتعلقة به كثيرا. جده كان سيدا جليال من أهل "كلبايكان" وكان الجميع يقولون إنه

سيكون مثل جده، مؤمنا ومحل ثقة الناس.

ــد أن ــة بع في سن الثانية أو الثالثة تعرض لحادث، حيث صدمته دراجة ناريأفلت يد أمه في الشارع، فقطب رأسه بعدة قطب.

68

ــان يرســم كان يهوى الرسم كثيرا، ورسوماته دوما هادئة وقوية، غالبا ما كــه وشــيطنته كــان الطبيعة، الورد واألشجار والجبال والمياه. وحــتى في لعب

مميزا وخاصا، فلم يكن يؤذي أحدا..

كان يعــاني في المدرســة من قصــر قامتــه. كــان الطالب وحــتى األســاتذة ينادونه بـ"الفتى الصغير". بدأ قراءة القرآن في سن مبكــرة فحفــظ قصــار الســور من الجــزء الثالثين. كلمــا كــان جــده يزورنــا في الــبيت كــان يلبس

عباءته ويلعب معه.

كان يعمل معي في المصبغة منذ سنوات فتوته األولى. يذهب قبــل الظهــر إلى المدرسة ويساعدني بعد الظهر في المحل. عنــد األذان كــان يســبقني في الوضــوء ويقــف في المحــل أمــام أنظــار الجميــع ليصــلي ثم يقــرأ آيــة

الكرسي بعد الصالة.

لم يكن يهدر وقته أبـدا. في إحـدى الصــيفيات انتســب إلى نـادي مصــارعةــهد وأصبح ماهرا في هذه الرياضة. عندما ذهبنا إلى الزيارة في مدينة "مش المقدسة" التقطنا له صورة فوتوغرافية بلباس الدراويش والقبعة والفأس الخاصــين بهم. عنــدما رجعنــا من الزيــارة عــرفت أن أكــثر دعائــه كــان أن

تطول قامته!

69

كان يتابع دروسه في الجبهة أيضا. أحضر شهادته عنــد عودتــه إلى طهــران في مأذونية وأراني إياها. كنت أنــا ووالدتــه نــدعو لــه دومــا بــالعودة ســالما

معافى.

ال ننسى ذكرى آخر لقاء به، كان يوم جمعة حين دخل المــنزل وبيــده علبــة حلويات. كنا جميعا في المنزل وكانت من أطيب الحلويــات الــتي تناولناهــا

في حياتنا.

ا ودجاجــا. قــال "حســن" إنهم في ليلــة ــا، كــان أرز آخــر غــداء تناولنــاه معالعمليات قد أكلوا األرز والدجاج في الجبهة أيضا.

عنوان القبر3-6

2، رقم 72، الصف 53طهران، بهشت زهراء، القطعة

83الصورة رقم 84الصورة رقم

70

71

الراوي: كلنام باقري.الموقعية: مسعف، المجموعة الثانية.

ــة: ــاريخ ومكــان أول مقابل ــ. ش )1383ت م(2004 هـدزفول.

الفصل العاشر"دز"

لم يكن عمري قد تجاوز العاشرة، عندما توفي والدي. أخذ الماء معــه كــل ذكريات أبي وأغراضه. لقد رمت أسرتي في ماء "دز" كــل مالبســه وتختــه وتذكرة هويته.. حتى صــوره. لقــد أخــذت بحــيرة "دز"، بشــكل ال واع، كــل مباهجنا معها! عرفت هذا بعد مــرور الزمــان. ال أعلم أي نــوع من المــرض

كان قد فتك بأبي حتى توجب رمي كل ما بقي من أثره بهذه الطريقة.

ــره. كنا ثالثة أخوة، أنا وأخ أكبر مني وأخ صغير في الثانية أو الثالثة من عم بعد رحيل والدي، وقع حمل إدارة المنزل بكل ثقلـه على كاهـل أمي وأخيــا، فقــد بــاعت أمي كــل األغــراض الكبــير. في تلــك األيــام كــان بيتنــا خالي

والمفروشات لمعالجة أبي من مرضه العضال.

ا للســد. لم نكن نعــرف مــاذا يعــني راتب كان أبي في حياتــه يعمــل حارســ التقاعد وتعــويض نهايــة الخدمــة. ولهــذا لم نتــابع مســائل ســنوات الخدمــة

والمعامالت الرسمية، فكانت حياتنا صعبة جدا بدون راتب التقاعد.

72

ترك أخي الدرس والمدرسة وتوجه نحو العمل. وأنا أيضا صرت أعمــل في فصل الصيف خالل المرحلة المتوسطة، وفي السنة الــتي تــوفي فيهــا أبيــابر جاءت عالماتي المدرسية بعكس السنوات الماضية، متدنية، فلم أكن أث وأركز على الدرس حينها. وكانت هوايتي وتسليتي األساســية الســباحة في

مياه بحيرة "دز" الصافية والباردة.

في بعض األحيان، كنت أركض خلف الشاحنات التي تحمل القمح، وألحقهــا حتى تصــل لمكــان تفريــغ حمولتهــا، وعنــدما يقــوم العمــال بــإنزال أكيــاس

القمح، كنت ألتقط الحبات التي تقع من األكياس وأتلذذ بأكلها.

في أحد األيام، كنت قد مألت كفي بــالقمح وأحــاول العبــور بين الســيارات على الجسر القديم في "دزفول"، حين مرت سيارة مسرعة بالقرب مني، وال أعلم إن كانت صدمتني أم ال، ولكني وقعت على األرض بقوة فخدشتــالقمح وجهي ورأسي ويدي، وسالت الدماء مني. كانت يدي ال تزال مليئة ب فوضعتها كلها في فمي كي ال تذهب هدرا! جاء عــدة أشــخاص وســاعدوني

على القيام.

علمت أمي بسرعة البرق، وبالطبع فــإن الخــبر وصــلها مضــخما من الــذين "يصنعون من الحبة قبة"، إذ قالوا لها إن فالنا قد صــدمته الســيارة ومــات! قمت وغسلت وجهي ويدي بماء "دز" ولم أكن قد أخذت أنفاسي بعد حتى عرفت أمي بالخبر بهذه الطريقة ! ومن شدة خوفي اختبــأت تحت الجســر حتى أتى أخي األكبر وتوسط لي كي ال تضربني أمي وأعود للبيت بسالمة!

في تلك الليلة رقعت أمي بنطالي الذي تمزق من عدة أماكن.

كنت أحب الهوايـــات الفنيـــة. تعلمت التصـــوير والخـــط من دون معلم والدورات تعليمية. كذلك كتابتي لمواضيع اإلنشاء كانت ال بأس بها.

73

ــا معلمــة اللغــة الســيدة "خــادمي" ــة، أعطتن في الســنة المتوســطة الثالثموضوع إنشاء عبارة "صف بيتك ومدينتك وبلدك".

ما زلت أذكر بدقــة عبــارات ذلــك الموضــوع حــتى اآلن، ألن هــذه الجمالتالبسيطة قد وضعت قدمي على مسار آخر ومصير جديد!:

"لماذا بعض البيوت كبيرة جـدا ومريحـة وبعضــها اآلخـر صــغير وضـيق؟ إن بلــدنا يمتلــك كـل شــيء: األرض، المــاء، النفـط، المعـادن، لمــاذا ينبغي أن نعيش في ظل الفقــر والمصــائب؟ كــل هــذه الــثروات واإلمكانــات حولنــا،

ولكن موائدنا خالية..". انزعجت المعلمــة من موضــوع اإلنشــاء الــذي كتبتــه وأرســلت دفــتري إلى مدير المدرسة. كان المدير ذا قامة مرعبة. كنت أرتجف خوفا في الطريق

إلى مكتبه، قرأ موضوعي وقال:اقرأ، ألعرف ماذا كتبت؟-

قلت له: "لقد قرأته مرة، لن أقرأه مجددا".

صفعني فجأة على وجهي ثم ضرب رأسي بالجدار.

تركت المدرسة هربا وغضبا. بقيت غائبا لمــدة أســبوع، وألقيت حبلهــا علىغاربها!

م. كــانت الشــوارع تغص1979م- 1978كنا تلك الفترة في خريف وشــتاء ــة ــتقت للمدرس ــطرابات. اش ــاهرات واض ــبة، تظ ــاهير الغاض ـا بالجم ـ يومي ولرفــاقي فــرجعت إليهــا، وحــاولت جاهــدا تحــدي أوالد األغنيــاء! فــإذا نــال

17 في مادة من المواد، كنت أبذل قصارى جهــدي ألخــذ 16أحدهم عالمة على األقل. إلى أن انتصــرت الثــورة في شــهر "شــباط" من ذلــك العــام )

م(.1979

في شهر "حزيران" من تلك السنة، مررت على المدرسة، ذهبت

74

ألستلم الشـهادة والعالمـات. وجـدت مـديرا جديـدا قـد حـل مكـان المـدير السابق. بمجرد أن دخلت إلى مكتبة المدير الجديد، قام واستقبلني بحفاوة بالغة وقدم لي الشــاي والبســكوت. تنــاولت الضــيافة ومســحت يــدي على خدي وكأني أقول: أنا لم أنس تلــك الصــفعة ومــا زلت أشــعر بألمهــا حــتى

اآلن.

قبل انتصار الثورة كنت مولعا بقراءة كتب الدكتور شريعتي. في أحد األيام كنت أنا ورفيقي "إسماعيل بور كيواني" جالســين في زاويــة الشــارع نقــرأ

ــا ثوريــة(المخــابرات)دروسنا. مر أحد عمالء السافاك وظن بأننــا نقــرأ كتب ونوزع البيانات للنــاس. هجم علينــا بســرعة ليعــرف مــاذا نفعــل وليضــبطنا

بالجرم المشهود، لكن عندما وجد أن كتبنا مدرسية تركنا واختفى فورا.

ــوم ــورة10) "بهمن" 21في ي ــار الث ــد من انتص ــوم واح ــل ي ــباط، قب ( ش شاهدت شهادة أحد الشباب في الشارع. كــان العســكريون قــد جــاؤوا منــة، لكن ثكنة "دزفول" وأرادوا العبور من الجسر الجديد للدخول إلى المدين حشود الناس تجمعت عند الجسر ولم تسمح لهم بالمرور. فجأة صرخ أحد

الشباب: - هنــاك ســيارة "بيكــان" تتجــه صــوبنا، وضــعها مــريب..! "تفــرق الجميــعــا في التحــرك. وأسرعوا في كل اتجاه. بقيت أنا وأحد الشباب، حيث تأخرن أصــيب ذاك الشــاب برصاصــة بينمــا اســتطعت أنــا الفــرار منهم، لكن بعــدــه ساعات، اعتقلني أحد عناصر "السافاك" وأوقفني مقابل جــدار كتب علي

"الموت للشاه" وقال لي:- إذا التفت للوراء، سأطيح برأسك فورا...

" ، وقفت ساكتا ولم أقل شيئا، لكنه كان G3- كان يحمل بندقية "

75

يبحث عن الشر! سألني:- ماذا كتبت هنا؟- أنا ال أرى شيئا.

- هذا المكتوب باألبيض. ماذا كتب؟- أنت تعلم ماذا كتب، فلماذا تسألني؟

ضغط بحربة البندقية على عنقي وألصق رأسي بالجدار. فقلت بهدوء.- "الموت للشاه".

قــال: "ال ترفــع رأســك عن الجــدار... مــد لســانك وامح بــه هــذه الكلمــاتفورا!".

قلت له: "أنا لم أكتبها ولن أقوم بهذا العمل. اذهب وابحث عمن كتبها".

ــك". غضب وقال: "إن لم تفعل ما آمرك، سأرميك بطلقة واحدة مثل رفيق نظرت بطرف عيني إلى ذلك الشاب، كان قد فارق الحياة من شدة نزيف دمائه. مددت لساني محاوال محو الشعار. بقي لساني يحرقني لمــدة شــهرــا بــالكلس.. ولــو كــان بالطبشــور لمــا بعد هذه الحادثة. كان الشــعار مكتوب

عانيت كل هذا األلم.

على كل حال، أنستنا لذة االنتصار وحالوته كل مرارات تلــك األيــام، مـع أنالذكريات ال تزال تمر في البال.

م، صرت عضوا في المجموعة التي تأسست في المسجد1979في العام لحراسة الحي. هذه المجموعة صار اسمها فيما بعد "التعبئة".

السنة التالية، جاء أحد شباب المجموعة واسمه "رحمان" باكيا

76

وقال: لماذا تجلسون هكذا؟ لقد دخل البعثيون العراقيون...

تجاوزوا الحدود ووصلوا حتى جســر "كرخــه". وسيصــلون إلى "أنديمشــك"قريبا!

تم تشكيل مجموعــة من عشــرة أشــخاص من تعبئــة الحي للمشــاركة فيا في التعبئــة، مكــاني في مقاومة البعثيين. أخذ أخي األكبر الـذي كــان أيضــ

تلك المجموعة ولم يسمح لي بااللتحاق والتوجه معهم للجبهة.

كانت الطائرات الحربيــة العراقيــة تقصــف مدينــة "دزفــول" بشــكل يــومي تقريبا. التجأ أغلب الناس إلى المــدن القريبــة حفاظــا على أرواحهم، ولكن أمي رفضت ترك المنزل، ولعل السبب إننا لم نكن نعرف أحدا في المــدن والمناطق المجاورة، وكان علينا نصب خيمة في الصحراء، األمر الذي فعله

الكثير من الناس.

ــرت1980في خريف م وبعد مدة قصيرة من حرب العراق على إيران، ص عنصر تعبئة بشكل رســمي، وتشــكلت في القــوة الخاصــة. وصــرت أقبضــاركتنا راتبا مقابل هذا العمل. قبلها لم نكن نقبض أي أموال لحضورنا ومش في العمل في المسجد، كنا أحيانا نتناول الطعام في مركز التعبئــة. عنــدماها جبهة بحد ذاتهــا، بدأت الحرب وثم إعالن "دزفول" منطقة عسكرية، وألن قامت التعبئة بإعادة هيكلة وتجديد التشكيل لعناصرها. كــان العــدو يقصــف "دزفول" يوميا بالصواريخ والقذائف كي يهجر كل سكانها، فإذا استطاع أنــة ومركــز يقطع جادة "خرم آباد - اندمشك" سيجعل "دزفول" قاعدة خلفي

دعم لقواته، هذا الهدف الذي لم يتمكن الجيش العراقي من تحقيقه أبدا.

ــجد1981في شتاء م، ذهبت أمي وأخواي االثنان إلى منزل أخي في "مســور يخيم على ــمت القب ــان ص ــول". ك ــدي في "دزف ــليمان" وبقيت وح س المدينة، أغلب األهالي قد تهجروا ورحلوا منها. أمي وأخواي كانوا من آخــر

العائالت التي تركت "دزفول".

77

إلى1981لم تطــل إقامــة أمي في "مســجد ســليمان"، فعـادت في ربيــع "دزفول". لم تكن ترتاح لترك المنزل والبقاء في أي مكان آخر.

ــدما كان أخي يأتي أحيانا إلى "خوزستان" ويخدم على خطوط تماســها. عنــع أمي وأخي ــنزل م ــان علي أن أبقى في الم ــة، ك ــو على الجبه ــون ه يك األصغر. ممنوع أن نكون نحن االثنان معــا على الجبهــة في الــوقت نفســه!

هذا ما اشترطته علينا أمي. كان لدينا نحن االثنين حذاء عســكري "بــوتين" واحــد من نــوع "تــاف" رقم ثمانية، ينتعله الذي يذهب إلى الجبهة. وهذا عذر آخــر ليــذهب أحــدنا ويبقى

اآلخر في المدينة. بوتين "التاف" صناعة إيرانية متينة وعملية.

م(، شــارك أخي في عمليــات "الفتح1982 هـ. ش)1361عندما حل العام المبين"، وأصيب بجــراح في عمليــات "بيت المقــدس"، كنــا قــد اتفقنــا أن التحق أنا بالجبهة فور عودته، لكن أمي نقضت الشرط القديم حيث قــالت

إن أخاك جريح وغير معافى ولهذا ال يمكنك الذهاب!

قمت بخدعة بسيطة لتحصــيل ورقــة موافقــة أمي للمشــاركة في القتــال، كانت نائمة فأمسكت بإصبع يدها ووضعت عليه حبرا وألصقته على الورقــة

لتظهر بصمتها عليها! الحمد لله لم تستيقظ وأنجزت مهمتي بنجاح!

م شاركت في عمليات "رمضان". في ذلك الوقت عرفت1982في صيف أمي بمــا قمت بــه. كنت على خطــوط التمــاس في "شــلمجة" حين ذهبت

إلى مركز التعبئة وسألت وعرفت كل ما حدث.

ــداد المعلمين.1984في العام م نجحت في امتحان الدخول إلى جامعة إع كنت في بيتنــا أول حــائز الشــهادة الثانويــة، ويــدخل إلى الجامعــة. رغم أن

دخولي إلى الجامعة قد حل لي مشكلة الخدمة

78

العسكرية، ولكن تابعت وبشكل متواز الدرس والحرب معا، وحــاولت بــذلأقصى جهدي في المجالين.

كان محل دراستي في جامعة الشهيد بهشتي إلعداد المعلمين في طهران.

كانت الحياة الجامعيــة الجديــدة في العاصــمة وفي مطلــع الشــباب حافلــة بالذكريات والمحطات الالفتة: سكن مناسب ومكان جيــد للدراســة، طعــام جيد في المطعم الطالبي، التجوال والتسلية والــرحالت داخــل طهــران في أيام العطالت في مدينــة طهــران الكــبرى، ولكن كــل هــذا لم يكن يقنعــنيــيين ــف البعث ــي، تحت قص ــقط رأس ــول" مس ــون "دزف ــيني. أن تك ويرض وصواريخهم وال أكون في قلب المواجهــة. تــركت كــل شــيء في طهــران،

م يممت وجهي شطر الجبهة في حمالت تعبئة من طالب1985وفي العام الجامعات.

قبــل أن أنطلــق لخطــوط التمــاس، أخــبرت أمي وأخي. فأرســل لي أخيــوتين" رقم ــذكريات8"الب ــل ال ــركت ك ــه تح ــدما نظــرت إلي ــادة. عن كالع

القديمــة، لقــد انتعلت هــذا البــوتين في "كرخــة" و"دشــت عبــاس" وقنــاة "شلمجة" وحتى "آبادان" وغيرها الكثير من المنــاطق العســكرية. عــاد لي هذا البوتين حامال معــه كــل تلــك األحــداث والــذكريات، ليرافقــني غــدا في

أحداث ستصبح ذكريات جديدة، وال أدري أين وكيف وماذا سيحدث.

ــالوا: "أال يوزعــون عندما شاهد زمالئي في الجامعة هذا البوتين، تعجبوا وقفي الجبهة أحذية عسكرية على المقاتلين؟".

ــد أن ــل واح ــون، يجب على ك ــوتين، أجبتهم: "كال، ال يعط ــح الب كنت أمسيحضر بوتينه ولباسه وسالحه معه".

طالبا ذاهبين 1999في تلك الحمالت الطالبية الكبرى، رافقت

79

إلى الجبهة. نقلونا أوال إلى "خوزستان" وإلى ثكنــة "دوكوهــه" الــتي كــانت قــالوا صلى اللــه عليــه وآلــه وســلم محمد رسول الله"27مركزا للفرقة "

لي: ألنك طالب جامعي، يجب أن تلتحق باإلسعاف الحربي.

ا وكـذلك عملت مسـاعد لم أكن قـد عملت مسـعفا قبـل ذلـك. كنت قناصـرامي )آر بي جي( ورامي رشاش.

في دورة إســعاف حــربي1هـــ.ش1364شاركت في شهر "دي" من العام " في ثكنة "دوكوهه".27في الكتيبة الصحية للفرقة "

كانت حقائبنا مليئة بأنواع الضمادات والمعقمات والمقصات واألدوية وقطعالتلصيق الصغيرة والكبيرة والمصابيح و....

تعلمنا خالل أســابيع كــل دروس اإلســعاف، وفي الــوقت نفســه قــدمنا في المجمع التعليمي امتحانــات جامعيــة عديــدة، حيث نلت عالمــات عاليــة في

مواد األدب وأساليب الكتابة.

في أواخر كانون الثاني، كانت تحركــات الكتــائب واألقســام تشــير بوضــوح إلى اقتراب موعد عمليات كــبرى. كــانت الفــرق جــاهزة ومتأهبــة. وقــد تم

توزيعنا بين الكتائب لنرافق المقاتلين في ليلة الهجوم المنتظر.

التحقت بكتيبة "حمزة"، وكانت وقتذاك خالية، فالشباب كــانوا في مأذونيــة وال أحد في الخيام. رجعوا بعد أيام وعادت الحيويــة واالزدحــام، وتم فــرزي

إلى الفصيل األول في السرية األولى في كتيبة "حمزة".

استقبلني مسؤول الفصيل بحرارة ومحبة. كان شباب "محســن كلســتاني"ا جيــدا وتجمعهم صــداقة حميمــة. وكنت أنــا الجديــد يعرفــون بعضــهم بعضــ

بينهم.

أغلبهم كان من طالب المرحلة الثانوية أو المهنية. كان اآلخرون

: 1364دي 1 . من ش م.1986 2ك 20إلى 1985 1ك 20هـ

80

يطلقــون عليهم لقب "أطفــال روضــة كلســتاني". كــانت عالقتهم الجميلــةببعضهم البعض مثار إعجاب ومديح لدى الجميع.

صرت أنا عنصرا في المجموعة الثانية في الفصيل. كان "ســيروس مهــدي بور" مسعف المجموعــة األولى ومن أصــحاب الخــبرة والتجربــة. كــان هــوــداد المعلمين في ــتي" إلع ــهيد بهش ــة "الش ا في جامع ـا جامعي ـ ا طالب ــ أيض طهران ويتابع دراسته في اختصاص تعليم المرحلة االبتدائية. كان من دفعة

، ومن الــذين شــاركوا1984 فيما دخلت أنا الجامعة في العام 1983العام وأصبح قليل الحضور1985في عمليات "بدر" وجاء إلى الجبهة في صيف

في الجامعة. كــان يتكلم بلكنــة "آذريــة" ويتمتــع بمهــارة عاليــة في أعمــالاإلسعاف.

ــريب في ــص التخ ــف وراء متخص ــوص كنت أق ــف المرص ــابور الص في طــان ا في الفصيل، ك المجموعة الثانية، "حسن قابل أعال" أصغر العناصر سن مقاتال مثابرا وتلميذا مجتهدا. أما ورائي فكـان يقــف رجالن كهالن مهمتهمــا

حمل الجرحى. أحدهما كان يؤم المصلين أحيانا في خيمة الفصيل.

كنت قد بــدأت بحفــظ ســور القــرآن منــذ مــدة. طلبت في أحــد األيــام من"حسن قابل أعال" أن يسمع لي. كان يقرأ أول اآلية وأنا أكمل الباقي.

كانت هذه بداية تعرفي عن قريب إلى شباب الفصيل.

سألني "حسن" عن أسلوب حفظي للقرآن وماذا يجب عليه أن يفعل ليبدأ بالحفظ. قلت له "التركــيز والتمــرين... كلمــا تلفظت بآيــة عليــك أن تفكــر

.1باآلية التي تليها... "

1 . " الثالثين " الجزء سور من مجموعة حفظ قد أنه علمت ، كرخه معسكر في أيامنا آخر في

81

تعرفت أيضا إلى "أصــغر أهــري"، كــان مثــابرا على مطالعــة كتب الشــهيدــتي ــك الكتب ال ــريعتي، تل ــدكتور ش ــا بكتب ال ــا كنت متعلق ــري، وأن مطه امتزجت بــذكريات الثــورة ومطلــع شــبابي. كــان "مســعود أهــري" ابن عم "أصغر" يأتي إلينا أيضا ويجلس إلى جانبنا. كان يريد التعرف أكثر إلى كتب الدكتور شــريعتي. قلت لـه إن كتب الـدكتور تتمـيز بأســلوب أدبي وتجــذبا... حـدثتهم ا وأصـيال أيضـ القارئ إليهـا، وبـالطبع فإنهـا تحمـل مضــمونا قوي

ا بعدها عن حادثـة حصــلت معي في جبهـة "آبــادان" - - عنــدما كنت حارســ فقلت لهم: "منذ سنوات، كنت حارسا في "آبــادان"، وجــدت علبــة كرتــونــأنني وجــدت فيها كتب، ناديت الشباب: كنز... تعالوا... وجدت كنزا. ظنوا بــالوا ــدي، ق ــدما جــاؤوا وشــاهدوني أقلب الكتب بي ــا أو مجــوهرات. عن ذهب

بتعجب: أين هو الكنز؟ قلت: هذا هو.. مجموعة كتب الدكتور شريعتي..".

كان مسعود من هواة المطالعة، وكــذلك من أهــل المناجــاة والــدعاء. كــانــني عنــدما كنت في العاشــرة أو ينام ليال في القبر ويناجي ربه. قلت لــه إنــا أو الثانية عشرة من العمر كان كل منا يضع في النهار عالمة خاصــة، قلمــور ــل للعث ممحاة أو..، على قبر معين في المقبرة ونجري مسابقة في اللي عليها. كــانت المقــبرة خاليــة موحشــة في تلــك األيــام والليــالي. فيمــا بعـد

وبسبب الثورة والحرب، صارت المقبرة عامرة مزدحمة.

سألني "مسعود": وأنت أيضا كنت تشارك في هذه اللعبة.- نعم، قمنا بهذا عدة مرات.

- أنتم أهل القرى، ما أشجع قلوبكم.

كنت آخذ مأذونيات قصيرة إلى المدينة، سألني "محســن كلســتاني" مــرة:"باقري إلى أين تذهب في كل هذه المأذونيات؟".

82

قلت له ممازحا: "أذهب ألتأمل في مخلوقات الله الجميلة !..".

أجابني: "أنت أيضا تعرف هذه المسائل؟".

ضحكت وقلت له: "أنا من دزفول" وأعرف كل منــاطق "خوزســتان". منــذ أن بدأت الحــرب، صــرت أشــارك على الجبهــة. أنتم التعبويــون تــأتون إلى

"خوزستان" لتحاربوا، ولكن أنا كل حياتي كانت هنا.. ".

ذهبت مرة إلى زينبية "األهواز"، حيث كان هناك محطــة صــلواتية تســتقبلــاء الحــرب، اســتعدت ــدم لهم الضــيافة ليســتريحوا من عن ــاتلين وتق المقا كــوني ــا أيضــ حيويتي ونشاطي هناك وعنــد رجــوعي، أعطــوني مبلغــا مالي

".27أحمل بطاقة عسكرية من "الفرقة

كان قد مضى أســبوع كامــل على حضــوري في الفصــيل األول، ولكــني لم أكن قد اندمجت معهم كثيرا. كانت جمعتهم عامرة وكنت أحيانا أجلس إلى جانب أحدهم أو عدد منهم وأتجــاذب معهم أطــراف الحــديث، ولكن مفتــاحدخولي إلى ناديهم كان مسعف المجموعة األخرى، "سيروس مهدي بور".

كان لدي كوفية بيضــاء وبدلــة "ســبيليت" نــايلون خضــراء وخــوذة معدنيــة، أغلب الشباب كان لديهم كوفية أو شال أسود، القليل جدا كــان معــه بدلــة نايلون خضراء، وأنا الوحيد الذي كان لديــه خــوذة. تعلمت أن أحملهــا دومــا بعد تجربة عمليات "رمضان". لو لم نكن نضــع الخــوذات في انســحابنا منـا وأحــدثكم عن هــذه الــذكريات، ـ عمليــات "رمضــان" لمــا كنت اآلن حي

ولواجهت المصير الذي لقيه الكثير من الشباب في تلك العمليات.

علمنـا أن الكتيبـة ســتقوم بمسـير في الليـل. في تلـك الليلـة بـدأت ســنيتؤلمني بشدة بعد العشاء. حاولت تسكينها من دون فائدة. دققت النظر

83

وس فيها على المرآة وتحت نور المصــباح المعلــق في الخيمــة، كــان التســواضحا، فعرضت مشكلتي على مسؤول الفصيل. قال:

ال يوجد في المعسكر طبيب أسنان، يجب أن تذهب إلى "دوكوهه".-

قلت لــه: ال أســتطيع التحمــل إلى الغــد. أذهب اآلن إلى "أنديمشــك" أو"دزفول".

كان األلم قد أنهكني. أخذت ورقــة المأذونيــة وســرت وحــدي، تنقلت بعــدةشاحنات على الطريق، حتى وصلت إلى "انديمشك".

كان أحد أطباء األسنان ينــاوب في المستشــفى الخــاص بالمقــاتلين. عــاين سني وأعطاني حقنة مسكنة وقال لي راجعني غدا. لم أقبل باألمر وطلبت منه العمل على سني في تلك الليلة. كــان النعــاس يغــالب الطــبيب ولكنــه

قام بترميمها لمدة نصف ساعة، ثم قال لي: "نزعت مكان التسوس في سنك وحشوت مكانه، انتبه إليها جيــدا ســترتاح

لعدة أسابيع ثم عليك متابعة إصالحها".

ــوارع ــادات والش ــانت الج ــل، ك ــف اللي ــد منتص ــه بع حين رجعت إلى كرخــلت مزدحمة وتفوح منها رائحة العمليات. لم يكن قد أذن الصبح عندما وص إلى خيمة الفصيل. كان الشباب قد عادوا للتو من المسير. سألني مسؤول

الفصيل عن حالي فأخبرته بما حدث.

من بين جميع الشباب، كان "مسعود أهري" يملك آلة تصــوير فوتــوغرافي.التقطت عدة صور معا. وكأني قد أصبحت صديقا حميما له.

كنت أعلم بأنــه كــان مســعفا في "عمليــات بــدر". كــان يهــوى العمــل في اإلسعاف الحربي، وكنا غالبا ما نتحدث عن هذه اإلصــابات الخطــيرة.. بعــد أن تحدثنا عدة مرات، عــرفت بــأن أبــاه طــبيب مســاعد، وكــان يخــدم في

"انديمشك" على الجبهة هذه السنة.

84

ــيرة غادرنا معكسر "كرخه" بالباص، بعد أن كنا تناولنا الغداء في صــوان كبــانت مثل هيئات مجالس العزاء. وصلنا مساء إلى معكسر "كارون" الذي كــيرة واحــدة من الخيام فيه قريبة من بعضها البعض. كنا على بعد خطوة كب بدء العمليــات. فلم يعــد باإلمكــان إرســال الرســائل إلى األهــل من هنــاك. يمكن استخدام التلغراف فقط. كتبت برقيــة وصــار عــدد كلماتهــا خمســين

كلمة. قالوا ال يمكن إرسال سوى عشرين!

قلت لعامل التلغراف:احذف الكلمات اإلضافية مثل من وإلى وعلى، .. يصبح العدد مناسبا: -

- إن فعلت هذا، فلن يفهم معاني جمالت برقيتك أحد سواك!

كانت أمي قلقة علي بشكل دائم. لقد عانت كثــيرا وعاشــت بالءات شــاقة بعد موت أبي. وكنت بين الوقت واآلخر أداريها وأتواصل معها وأطمئن عن أحوالها. كانت طلتي على البيت مفاجــأة لهــا. لم تكن المســافة كبــيرة بينــرة وألني كنت أعلم أني لن ــذه الم ــول". لكن ه ــه" و"دزف ــر "كرخ معكس

أستطيع زيارتها وال االتصال الهاتفي، أرسلت لها تلغرافا ليطمئن بالها.

ــاورة على مواجهــة الهجــوم في معسكر "كارون"، أجرينا في أحد األيام من الكيميائي، حيث بقينــا لســاعات طويلــة ونحن نضــع القنــاع الــواقي ونلبس البدالت النايلونية لنتعود على الحركة بهــا. حــتى إننــا نمنــا في الليــل ونحن نضع األقنعة. انقطــع نفسـي خالل النــوم فغطيت وجهي بالبطانيــة ونـزعت القناع، تنفست لعدة دقائق ثم أعدته إلى وجهي، كررت هذا العمــل مــراتــر ــباب أحم ــه بعض الش ــبح وج ــة أص ــك الليل ــباح. في تل ــع الص ــتى طل ح كالشمندر! بعضهم كان قد تعرض سابقا إلصابات كيميائية، وبعضــهم اآلخــر

كان يعاني من ضيق النفس، ولكن

85

قون الهــواء المنعش ثم يضــعون القنــاع أحدا منهم لم يعترض. كــانوا يتنشــمجددا.

في إحدى المناورات، تمزق بنطــالي، لدرجــة اضــطررت أن أخلعــه وألبس بدلة النايلون. سألت الشباب إن كان معهم إبرة وخيط كي أصلح البنطال، فلم أجد. حين استيقظت من النوم في صباح اليوم التالي، وجدت البنطال

مخيطا ومعلقا فوق رأسي.

سألت الحاج "رحيمي" الذي كان ينام بالقرب مني:- يا حاج، من خاط البنطال؟ هل أنت تعذبت وأصلحته؟

- نعم يا بني.

أردت أن أقبل يده فلم يسمح لي وقال: لم أفعل شيئا، إنه مجرد عمل بسيط ال يستحق الذكر. كلما احتاج الشــباب

لخياطة لباس ما يعطونه لي...- يا حاج، لو أعطيتني إبرة وخيطا لقمت أنا بخياطته...

قال ضاحكا: "قيمة العمل أن أقوم أنا بإنجازه، فأنا أفـرح كثــيرا لخدمـة أيمقاتل".

كان الرجل العجوز يعمل في حمل الجــرحى، لكن بنيتــه القويــة تشــير إلى ماض من العمل البدني الشاق، وإلى قدرته على حمــل الجــرحى بسـهولة.

كان مسرورا ومستبشرا في كل األوقات.

كان في فصــيلنا من كــل األنــواع: خيــاط، حالق، إمــام جماعــة، فيلســوف،فنان، عارف.. وأنا مسعف تلك المجموعة الطيبة.

في أحد األيام، كنا واقفين قرب نهر كارون، قال مسؤول الفصيل: كل منيستطيع أن يسبح من الضفة إلى الضفة المقابلة فليقف إلى هذه الجهة.

86

وقفت هناك مع بضعة شباب آخرين.

كان الماء موحال. في الظاهر هادئ جدا، ولكن تيــارات قويــة كــانت تجــري في داخله. من لم يكن محترفا بالسباحة فال شــك أنــه ســيغرق ولن يتمكن من اجتياز النهر. تحدث مسؤول الفصيل مــع كــل الشــباب الــذين تطوعــوا

للسباحة.

كنت قــد عــبرت النهــر وأهم بــالعودة بينمــا كــان البــاقون لم يصــلوا حــتىلمنتصف المسافة. استغرق اجتيازي ورجوعي حوالي عشر دقائق.

سألني مسعود أهري عن خبرتي بالســباحة. قلت لــه: "منــذ طفولــتي وأنــا أســبح في دز. وكــبرت بــالقرب من المــاء، بــالطبع مــاء النهــر وليس مــاء

المسبح!".

كان هو يتقن سباحة الكرول والضــفدعة، ولكنــه يتعب بســرعة. في اليــومــا التالي، كان لدى الكتيبة مناورة وعمليات برمائية. قلت لألخ كلستاني: "أن مصاب بنزلة برد، لكن إن كان رأيك أن أشارك في المنــاورة فسأشــارك".ــة ــات الحقيقي ــتعدا للعملي ــون مس ــتريح كي أك ــني أن أبقى وأس فطلب م

القريبة.

ــدعم عانينا من الجوع الشديد في معسكر كارون حيث انخفض التموين والا على تحمــل الجــوع. وصــل بنــا األمــر إلى أكــل للنصف. كان تــدريبا إلزاميــكر كي ــروج من المعس ــتطيع الخ ــف والمتعفن. ولم نكن نس ــبز الناش الخ

نعوض هذا الجوع في المدينة. كان "جواد نصيري" بور مســاعد رامي اآلر بي جي في المجموعــة الثانيــة، يشبهني في قلة الكالم. تعمقت صــداقتنا أكــثر في معســكر كــارون. طلب مني في أحد األيام أن أكتب له عبارات للذكرى. اســتجبت لــه وكتبت بضــع

(ترجمة الشعر)جمل على دفتره الصغير وأبياتا شعرية:

87

ال يمكن إظهار صرخة القلب المحترقال يمكن الحديث مع أحد عن اللوعة الخفية

ما عانيته أنا من جفاء الهجرال يمكن بيان لحظة منه بمئة سنة كالم

وفي آخر الصفحة تمنيت له التوفيق: "آمل أن تكــون في كــل أيــام حياتــكناجحا منتصرا دوما".

هـــ.ش.)1344عندما أعطيتــه الــدفتر ســألني عن تــاريخ والدتي فقلت لــه م(. سألني عن اسم "إسماعيل" الذي أسمي نفسي به. فأخبرته:1965

"لــدي صــديق حميم في دزفــول اســمه إســماعيل، ونحن رفــاق منــذ أيــامــا الدراسة االبتدائية، ولدينا ذكريات قديمة زمان الثورة والحرب. كان رفاقن يمزحون معي ومعه ويقولون عنا: ليلى ومجنون ليلى. كنا معا دائما. فكــان شباب الحي ينادونني باسم إسماعيل وينادونه باسمي. ولهــذا صــرت أكتب

اسمه دائما إلى جانب اسمي".

ــا. كــانت المصــاحف في ليالي الشتاء الطويلة، كنا نجتمع فنقرأ القــرآن مع الصغيرة ال تحوي ترجمة فارسية لآليات، فطلب مني نصيري بور أن أترجمــة ــة العربي ــواد اللغ ــة م ــد درســت في الجامع ــات. كنت ق ــاني اآلي لهم مع

والمعارف ويمكنني أن أقوم بالترجمة.

ــة وفي ليال أخرى كنا نجري مسابقات "مشاعرة"، نتنافس باألشــعار الدينيوالعرفانية وأحيانا بأشعار اللطميات واألناشيد التي نعرفها.

أبى الجــوع أن يتركنــا بحالنـا. في أحـد األيـام كـان الطعـام حســاء "اآلش"ــذكرت "اآلش" الــذي بالشعيرية، نصف كاسة ونصف رغيف لكل مقاتــل! ت

كانت تحضره والدتي بالطحينة، كان عامرا باألرز

88

والماش وتسكب الطحينة على وجهه، كان طبقنا الشهي في الشــتاء. قلتللشباب: فليعطونا الخبز على األقل لنشبع، وإال فليعطونا قمحا!

كــان مســعود أهــري ال يــزال مصــدوما ألني كنت آكــل القمح في أيــاما إلى جانبــه على ضــفة نهــر كــارون، طفولتي! في أحــد األيــام كنت جالســ

سألني:- يا أخ باقري، إذا استشهدت هل تشفع لي؟

- نعم.- أليس لديك رغبات في الدنيا؟ أحالم وآمال؟

- هــل يمكن أال يكــون عنــدي آمــال وأحالم؟ أحب أن أكمــل درســي وأتقنهواية التخطيط وألتقط الصور الفوتوغرافية.

لدي مشــاريع كثــيرة في الحيــاة، ولكني اآلن على الجبهــة ويجب أن أكمــل هذه المهمة للنهاية. إذا استشهدت فما أحالهــا من نهايــة، يــزول عــني كــل

تعب العمل والمشاق في الدنيا وأنام بهدوء حتى يوم القيامة..

كان مسعود يكرر اعتذاره مني على نهر كارون: - يــا أخ بــاقري ســامحني.. عن مــزاحي معــك في ذلــك اليــوم حين أخــذت

بوتينك وأخفيته. أسأت األدب معك، العفو العفو سامحني بلطف أخالقك.- يا سيد مسعود ما هذا الكالم الذي تقوله؟ لم تقم بشيء..

- وفي يوم آخر أخذت بدلتك وخبأتها أيضا.. كنت أمزح!

وكأنه كان يريد المسامحة على كل مزحاته واحدة واحدة!

حان وقت توزيع الذخائر والتمــوين العســكري بين الشــباب. وضــعت زادي وأغراضي في جعبتي، طويت عدة أرغفة خبز مرقــوق لــواش وأدخلتهــافي

جعبة مطرة الماء وأنا أقول في نفسي: إذا كنا عانينا كل هذا

89

الجوع قبل العمليات، فماذا سيحل بنا عند الهجوم على خط التماس؟!

وكانت بضع قنابل يدوية من حصتي أيضا.

بعد ظهر غائم في أحد أيام الشتاء، ركبنــا شــاحنة مغطــاة وتركنــا معســكركارون، وصلنا مساء إلى "بهمن شير" واستقررنا في بيت قروي.

ــالي "تشــلومرغ" ــوم الت ــداء الي ــان غ ــل محســن)ك ــا(. لم يأك ا ودجاج أرز كلستاني منه. أعطيته بعضا من حصتي في الخبز كي ال يبقى جائعــا. أخــذه

مني وهو مسرور ومتعجب.

كانت العمليات قد بدأت الليلة الماضية، واتخذ القرار بــأن تلتحــق "الفرقــة " في الليلــة الثانيــة وتشــارك في الهجــوم. بعــد الظهــر ركبنــا الشــاحنة27

ــة المعاديــة وغادرنا بهمن شير وتحركنا إلى األمام. كــانت الطــائرات الحربي تتحرك في األجواء بشكل مستمر. ترجلنا في حقل نخيــل. انــزلقت قــدميــوض، ــاج رحيمي على النه ــاء موحــل، ســاعدني الح ــدول م ووقعت في ج

والحمد لله لم تتبلل جعبة اإلسعافات.

ــة الــتي ســنبيت فيهــا الليلــة، كــان وضــعها وصلنا إلى المستوعبات الحديدي األمني جيدا ولكنها ضــيقة. اســترحنا هنــاك، خلعت بــدلتي لتجــف وارتــديت بدلة النايلون. نمنا من جلوس من دون القدرة على االستلقاء. كــان صــوت

مارش العمليات يبث من اإلذاعة، وكل الوجوه تشع شوقا وحماسة.

ــايلون. لم تكن عنــد الظهــيرة وصــلت وجبــة "مجــدرة األرز" في أكيــاس ن رائحتهــا جيــدة. لم آكــل منهــا. فتحت أنــا ومســعف الفصــيل الثــاني علبــة كنسروة وتناولناها بالخبز الذي كان معي في جعبتي. أنهينا كل الخــبز قبــل

البدء بالعمليات!

تحركت الكتيبة بعد الظهر. وقفنا قرب نهر كبير حتى نركب في

90

ــعد زورق، لكن القصف المستمر للعدو جعلنا ننتظر حتى وقت الغروب. صــا في زورق، كـل فصــيل في أربعــة زوارق. هــدرت كل ســبعة أو ثمانيــة منــرش على ــاء ي ــان رذاذ الم ــتي انطلقت بســرعة وك ــزوارق ال ــات ال محرك وجوهنا ورؤوسنا. في تلك األجــواء خطــر على بــالي المرحــوم أبي واليــوم الذي توفي فيه، وأن مياه دز الهادرة قد أخــذت كــل أغراضــه وتراثــه. هــل كنت أنا جزءا من ذلك التراث وكان علي الرحيل، وتأخر موعدي حـتى هـذا اليوم؟ هل تقرر أن يأخـذني المــاء أنــا هــذه المــرة ويبعــدني عن أمي نحــوــا كثــيرة من قبــل الحياة األبدية؟ أم أنني سأعبر هذا الماء كما عــبرت مياه

وأتابع حياتي؟

أعــادتني قطــرات ورذاذ المــاء المتســاقط على وجهي مجــددا إلى نفســيــق ذهــني كالعصــفور في بالد وحالي. غفلت لدقائق عن كل مــا حــولي وحلــا الالمكان! حين انتبهت عرفت أن انفجار قنابل الطائرات قــد أحــدث بركانا هائال في النهر، وقد وصلنا إلى الضفة الغربية من أرونــد. كــان الظالم مائي

قد حل بشكل كامل.

ترجلنــا من الـزوارق واصـطففنا طــابورا على الطريـق الســاحلي. شــاهدنا رادارا من الرادارات التي يقال إنهــا قــادرة على رصــد أي مخلــوق يتحــرك على وجــه المــاء. وصــلنا بعــد وقت قصــير إلى بيــوت اســترحنا فيهــا حــتى منتصف الليل، حيث عدنا فصعدنا إلى شاحنة وتحركنا مجددا. كانت مخازن النفط الكبرى في مرفأ الفاو تحــترق وتنــير ســماء المدينــة بـاللون األحمـر والدخان المتصاعد. بعد ساعة، ترجلنا من الشاحنة في صحاري غرب الفاو

والتجأنا إلى السواتر الترابية على الجبهة اليمنى للجادة.

ــة المفتوحــة، لكن الصــقيع ــة أو الثنائي كانت السواتر مليئــة بــالحفر اإلفراديورطوبة األرض ال يسمحان بالجلوس. ال أعرف من أين أحضر

91

ــباح. بعض الشباب بطانيات. أما أنا فبقيت أرتجف بردا في خندق حتى الصــألتهم: من أين جئتم ــقيع. س ــد أنهكت من الص ــبح كنت ق ــالة الص ــد ص بع

بالبطانيات؟ من تجهيزات الكتيبة؟

أجاب أحدهم: كال، خندق العراقيين مليء بالبطانيات، اذهب وأحضر واحدةر بها. وتدث

لكن لم يعد هناك فائدة من هذا، فقد طلع الصــباح و اشــتدت نـيران العـدو منذ الــدقائق األولى لشــروق الشــمس، وكــأنهم كــانوا يســتعدون للتصــدي

للهجوم.

شــباط، اشــتد القصــف المعـادي12في الساعة العاشرة صــباحا في يــوم لدرجة صدرت معها األوامر بالتراجع إلى جادة أم القصر. لم تكن المسافةــدة بين الفــاو وأم طويلة. عدة مئــات من األمتــار تفصــلنا عن الجــادة المعب القصر. قطعنا هذه المســافة بمـوازاة الحافــة الترابيــة والتجأنــا إلى الجهـة

اليسرى للجادة، كذلك نيران القصف هناك كانت أخف قليال.

بعد استقرارنا هناك، جلت قليال في األهواز، كان هناك خنادق ومســتوعبات وعنابر كبيرة ودكان ومقهى ذو ستة أو ثمانية أضالع. وجدت في مستوعب كبير تحت األرض مخزن التجهيزات العراقي. كان مليئا باألغراض والبضــائع المتنوعة، بدالت جديدة ال تزال في علبها. في قسم من المخزن كان هناك مواد غذائية، معلبات لحم عجــل، حليب ناشــف، كاكــاو، وأنــواع الكنســروة

المختلفة و..

ــوت فتحت إحدى علب اللحم، لم تكن بحاجة لمفتاح، أكلت قليال منها، ودعا. ــرعي أحد شباب الكتيبة لمشاركتي، لكنه امتنع وقال ربما لم يكن الذبح ش تابعت التجوال في المخزن، وجدت غازا صغيرا للطبخ، سخنت العلبة عليه

ومألت معدتي الخاوية. بعد ذلك جمعت في كيس

92

كمية من المعلبــات واألغــراض الالزمــة وأخــذتها معي. كــذلك مألت حقيبــةــالي أن اإلسعاف بأغراض اإلسعاف الجيدة وخرجت من هناك. خطر على ب آخذ هــذه العلب الجديــدة من البــدالت وأبيعهــا في منطقــة "الجمــرك" في

طهران.

اإلحساس باألمان والمعــدة المليئــة، حقيقــة فعال فعلهمــا بي. وكــأن اللحم الذي أكلته كان مشكوكا فيه، جعــل هــذه الوسوســات والخيــاالت المحضــة

تدور في رأسي! أين الفاو من "جمرك طهران"؟

وباألصل هل يمكن القيام بعمل كهــذا؟ لعنت الشــيطان وقلت لنفســي: يــاباقري هل جئت إلى هنا كي تجمع الغنائم أو لتقاتل العدو المعتدي؟!

كان غداء ذلك اليوم معلبات سمك التونــة. ولكــني اشــتهيت اللحم األحمــرا مجددا. أشعلت الغاز الصغير وسخنت علبة لحم. أحضر أحد الشــباب بيضــــا ومقالة ليقلي الــبيض على الغــاز، قلت لــه: "أليس من المؤســف أن وزيتــل أهدر هذا الغاز على البيض المقلي؟ تعال وشاركني لحم العجل". لم يقب

وقال: "هذا اللحم غير شرعي".

ــثر ــاقري، ال تك دعوت مسؤول الفصيل، ولكنه رفض أيضا وقال لي: يا أخ ب الطعــام، إذا تقــدمنا إلى خطــوط التمــاس وحاصــرونا هنــاك، حينهــا قــد ال

تستطيع التحمل.

قلت له: "يا أخ محسن، ما دمنا نحن هنا ويوجد طعام آكله، وحين ننقطــع..الله كريم".

لم يتناول شباب الفصيل من تلك المــواد الغذائيــة ســوى الحليب الناشــف.ـا. حين سـمع ـا طيب وضعوا البـودرة في غـالون عشـرين ليـترا وأعـدوا حليبــتاني شباب بقية الفصائل بالخبر، قالوا ساخرين: ها هم أطفال روضة كلس

قد تناولوا حليبهم!

93

عند الغروب، صدر األمر بالتحرك، صلينا المغرب والعشــاء ومشــينا. عبرنــا إلى جانب قاعدة صاروخية على الطريــق. بعــد مســيرنا عــدة كيلومــترات، توقف الطــابور. قلت للحــاج رحيمي: أنــا ســأنام، إذا صــدر األمــر بــالتحرك

أيقظني.

تسمى المنطقة هناك مثلث معمل الملح. بعـد مــدة تقـرر أن تتقـدم كتيبــةحمزة حتى الجسر الكبير على جادة أم القصر.

ودعت أصدقائي، حسن قابل أعال والحــاج رحيمي ومهــدي ملكي ومســعود وأصــغر أهــري وجــواد نصــيب بــور ومســؤول الفصــيل محســن كلســتاني،

وطلبت منهم أن يسامحوني.

قلت لمحسن كلستاني: أنت مثل أخي الكبير، سامحني.

قال ضاحكا:- يا أخ باقري، إن كنت أنا أيضا قلت أو فعلت ما قد أزعجك فسامحني.

- أخ محسن، إنما أتعلم منك، اشفع لي.

كان الــوقت ضــيقا وصــف الطــابور مســتعد للحركــة. كنت أودع ســيروس، مهدي بور وأقبلــه فــإذا بالكتيبــة قــد انطلقت. عبرنــا مثلث الطــرق ووقفنــا لمدة نصف ساعة في نقطة عسكرية، حتى حــانت لحظــة انتشــار الســرية األولى، وأمــر االقتحــام للفصــيل األول. كنت في آخــر الصــف المرصــوص. اقتربنا من القوات العراقية لدرجة كنا نسمع أصــواتهم. كــذلك كــان صــوت حركة جنازير الدبابات يرتفع أكثر فأكثر. فجأة بدأ االشتباك بإلقاء عــدد منــة وإطالق قذيفــة آر بي جي. بــدأت المعــارك بعنــف شــديد، القنابــل اليدوي

- اقتحمــوا خــط باستثناء المسعفين وحملة الجرحى شباب الفصيل األول -التماس. انطلقت أنا وسيروس أيضا

94

بعد دقــائق معــدودة. أول جــريح، أصــيب في قدمــه. تقــدم ســيروس فــورالمعالجته. قلت له: هل تضمد جرحه أنت؟

قال: تقدم إلى األمام.

أخذت بندقية ذلك الجريح فــورا وهي من نــوع كالشــنكوف، وأحكمت ربــط خوذتي على رأسي وركضت بسرعة. شاهدت انفجار دبابتين أمامي. فجــأة رأيت مسعود أهري والدماء تسيل من رأسه ووجهه. أخذته جانبا وضــمدت رأسه جيدا وقلت له: لو كنت وضعت خوذة معدنية على رأسك لما أصــابك

هذا!

ا. بعــد قليــل، شــاهدنا عاد مسعود فانطلق لألمــام وركضــت أنــا وراءه أيضــ بعض شبابنا وهم يتحلقون حول أسير عراقي. كان متوسط العمــر وطويــل القامة. كان يحمل صورة زوجته وأوالده ويتوسل الشباب أال يؤذوه. أشفق

قلبي على حاله. اقتربت منه وأفهمتـه بإشــارة من يـدي بـأن يضــع يديـه وراء ظهـره. وضـع الصورة في جيبه ووقف. كان بعض الشباب ينقلــون جريحــا على الحمالــة.

طلبت منه شريط حذائه. قال: خذ هذا الحذاء كله.. ماذا ينفعني اآلن.

ا القرفصــاء على جنب الطريــق. تركتــه ربطت يديــه وقدميــه، وبقي جالســوتابعت معالجة الجرحى.

وجدت بضعة جرحى على الجهة اليسرى من الجــادة، اقــتربت منهم. كــانواــق في من شباب الفصيل األول. أحدهم حسن قابل أعال، أصيب بجرح عمي معدتــه. وضــعت يــدي على جرحــه فبــانت أمعــاؤه. ضــمدت جراحــه بعــدة ضمادات كبيرة. كان يتألم بشدة ويكرر طلبه مني: "يــا أخ بــاقري، جــرحي

خطير.. ال تتركني هنا.. خذني معك".

95

ــك للخــط ــأتون، وينقلون ــا، اآلن ي ــق ال شــيء خطــيرا. الشــباب هن - ال تقلالخلفي، ستتحسن حتما.

الشاب الذي كان بالقرب منه استشهد فور إصابته.

ــل الجــرحى كي أدلهم على لم أضيع أي لحظة. بدأت أبحث عن شباب حمــاب بالرصــاص ــة كي ال أص ــف دباب ــان خل ــأت إلى مك ــان حســن. التج مكـا ونـورا مبهـرا، المنهمر. فجـأة انفجـرت تلـك الدبابـة مصـدرة صـوتا مرعب

رماني االنفجار من شدته جانبا.

ــرير ــتلقيا على سـ ــائي. كنت مسـ ــباح كهربـ ــور مصـ ــني على نـ فتحت عيـ الميــداني. كـانت إحـدى أذني ال تسـمع أي عليها السالممستشفى الزهراء

صوت وكنت أشعر بألم شديد في كتفي األيسر.

قــال لي الطــبيب بعــد معــاينتي: "طبلــة أذنــك قــد تمــزقت، ولكن ســوفتتحسن".

هذه المرة أيضا حمت خوذتي المعدنية جمجمتي من اإلصابة.

قبل مغادرتي المستشــفى الميــداني، حقنــوني بمســكن قــوي. توجهنــا إلى مستشـفى الشـهيد بقـائي في األهـواز. كنت أغفــو وأصـحو على الطريــق، وأسمع أصواتا مهمة تدوي في أذني. عنــدما وقفت ألول مـرة، نظـرت إلى

قدمي ولم أر البوتين.

ناديت الممرض فورا وقلت له: يا أخي، البوتين.. أين وضعتم بوتيني؟

قال ببرودة واضحة: لقد أصبت بجراح، ماذا تريد أن تفعل بالبوتين؟

قاطعت كالمه قائال: فقط قل لي أين هو البوتين؟

انزعج ولكن تابع ببرودة: لقد تلوثت أحذيتكم باألســلحة الكيماويــة، رميناهــاجانبا مع ألبستكم، ال تقلق، أغراضك ال تزال موجودة.

96

قلت بحال من األسى واألسف: البوتين..

قال متعجبا: ماذا تريد أن تفعل بالبوتين؟ إما يدفن أو يحرق..- أين وضعتموه اآلن؟

دلني على مكان، كان تال كبــيرا من البــدالت واألحذيــة العســكرية، ممزقــة ودامية وموحلة. تقدمت بهدوء. تناولت بعض األحذيــة ودققت النظــر فيهــا. لم يكن في ذهني أي إشارة تدل على بوتيــني وتــذكرني فيــه. كلهـا شــبيهةا، أحمــل الهم والقلــق على أخي ببعضــها البعض. عــدت إلى غرفــتي يائســــني األكبر، كيف ستكون حاله إن عرف ماذا حل بالبوتين، لعلها أوهام راودت في تلك الوضعية العجيبة! أردت الرجوع إلى مكان األحذية والمالبس، لكن

قدمي لم تحمالني. كان رأسي يدور حول نفسه.

انتقلنا إلى مدينة آراك بطائرة عسكرية، ومن هناك إلى المستشفى. خالل األيام العشرة التي بقيتهــا هنــاك، كــانوا يبــدلون ضــمادات أذني وقــد انتهى

النزيف وتحسنت حالها.

ــا عند خروجي من المستشــفى، أخــذوني إلى غرفــة ليعطــوني بدلــة وبوتين جديــدين. عــدت وتــذكرت بــوتين أخي. وكأنــه ال يريــد أن يتركــني وشــأني!ــول. ــتي ليرســلوني إلى دزف ــران، حكيت لهم قص أرادوا إرســالي إلى طه

سلموني أغراضي ومستنداتي وأرسلوني في سيارة إسعاف.

عندما رأتــني أمي على مــدخل المــنزل، انهمــرت دموعهــا. حــاولت جاهــدا تهدئتها، ولكنها اســتمرت بالبكــاء. قلت لهــا: يــا أمي إن اســتمررت بالبكــاء

سأعود إلى الجبهة.

وصل أخي بعــد قليــل، وكــذلك إســماعيل بــور كيــواني. كنت قليــل الكالم،أستمع إليهم وأجيبهم أحيانا بالكتابة على ورقة.

97

حتى أواخر نيسان كنت أتابع العالج بسبب تقرير األطباء الذي يشمل إجازة مرضــية. بعــد ذلــك ذهبت عــدة مــرات إلى مدينــة شــيراز للمعالجــة وبعــدن ســمعي قليال، لكن طبلــة أذني ال تــزال خضــوعي لعمليــة جراحيــة تحســ

ممزقة. قال الطبيب إنها سترمم بشكل تدريجي.

م( بعدما قدمت االمتحانات في اختصــاص1986 هـ. ش. )1365في العام علم النفس وحصلت على الشهادة الجامعية، عندما تخــرجت كــان علي أن أذهب للمناطق المحرومة وأقــوم بالتــدريس في المرحلــة االبتدائيــة لعــدة

سنوات.

أحببت كثيرا أن أعمل وفي الوقت نفسه ألتحق بالجبهة. ولكــني لم أتمكن من ذلك في تلك السنة. إن لم أتمسك بعملي في التعليم، يعطوه لشخص

آخر.

ــدور في رأســي، ــزال ت عندما رأت أمي أن أمنية المشاركة في الحرب ال ت قالت: شاركت سابقا ولم أقل شيئا. زورت ورقة رضاي وبصمت عني وأنــا نائمة ولم أقل لك شيئا. جــرحت ولم أقــل شــيئا، ولكن إن ذهبت اآلن فلن

أسامحك ولن أقبل..

ثم أجهشت بالبكاء وقالت: عنــدما تتثبت في عمــل رســمي، اذهب للجبهــة1ولكن هذه السنة والسنتان ابق هنا..

ــان علي ــا ك بدأت التعليم في قرية نائية في محافظة دزفول، للوصول إليهالمشي على قدمي حوالي الساعة بعد انتهاء الطريق المعبد.

" وكتيبــة حمــزة والفصــيل27بعد هــذا، لم تصــلني أي أخبــار عن "الفرقــة األول. لم أبق معهم أكثر من شهر، واآلن قد بعدت المسافات.

1. . انتهت قد الحرب كانت ا رسمي موظفا صرت وعندما سنة عشرة خمس إلى السنتين بهاتين الزمان طال. القرويين األطفال تعليم في أستمر أن أردت القرية، تلك أترك أن يطاوعني لم قلبي لكن

98

، قالوا27في إحدى المرات، كنت أتحرى أخبارهم من مركز تعاون الفرقة إن كتيبة حمزة قدمت أكبر عــدد من الشــهداء وإن نصــف شــباب الفصــيل األول -أطفال روضــة كلســتاني- ومعهم أســتاذهم، قــد استشــهدوا، المعلما جما، وصــلوا إلى مقــام ا حب ــون بعضــهم بعضــ ــذين كــانوا يحب ــذه ال وتالمي

الشهادة وتخرجوا معا.

ا، لكن الحاج علي رحيمي - من عرفت أن "سيروس مهدي بور" ما زال حي - قد استشهد، وكذلك مسعود أهري، وال شك أنه قد عناصر حمل الجرحى

ــد ليس ــات. وبالتأكي أصيب واستشهد لكثرة ما تقدم لألمام في تلــك العملي لدي أي خبر عن ذلك األسير العراقي الــذي ربطت يديــه وقدميــه بشــريط

بوتين أحد جرحانا.

ــروى! بعــد مــرور حــوالي أما قصة شهادة "نجات باقري" فهي جديرة أن تــة الشــهيد8سنة على عمليات "والفجر "، وصلتني رسالة كتب فيها: "عائل

نجات باقري المحترمة"!

لم أدر حينها هل أضحك أم أبكي على نفسي حين رأيت كلمة شــهيد قــرب اسمي. فتحت الرســالة. كـانت موجهـة إلى أهلي كي يحضــروا إلى ميــدانــية لي، ــورة شمسـ ــينعليه الســـالم في طهـــران ومعهم صـ اإلمـــام الحسـ

".8للمشاركة في الذكرى السنوية األولى لشهداء عمليات "والفجر

احتفظت بهذه الرسالة عندي لســنوات متماديــة، لكني بحثت عنهــا مــؤخرافلم أجدها.

ــأني ــبرني ب كذلك وصلتني رسائل عدة مرات من وزارة التربية والتعليم تخ يمكنني أن أنقل مكان تعليمي إلى منطقة ذات مناخ جيد وإمكانيات عالية،

ولكني لم أقبل، وذلك شكرا لله على هذا التكامل

99

ــتي والرشد اللذين حصلت عليهما في سنوات الحرمان تلك، والتوفيقات ال وهبني الله إياها وسأبقى مــا دمت أســتطيع، هنــا على هــذا الطريــق، لعلي بذلك أتمكن من المحافظة على اسم وذكرى أولئــك العشــاق في القلــوب

العطشى.

100

العاشر الفصل وثائق االسم

والعائلة الوثائقالخطية

الوثائقالصورالشفهية

بهنام )نجات(باقري

دقيقة69165مقابلة مسجلة

بهنام )نجات( باقري-1 المعلومات الشخصية:1-1

ــة ــدان، معلم في المرحلـ ــه ولـ ــتزوج، لديـ ــازة من دار المعلمين، مـ - إجـاالبتدائية.

- مدينة دزفول. م(1965هـ. ش. )1344- تاريخ ومحل الوالدة: - خدمة تعبئة )بسيج( شهرا36- مدة المشاركة على الجبهة ونوعها:

م( قناص، دفاع كرخه1980هـ. ش. )1359- العمليات والموقعية: دزفول م( قناص، عمليات رمضان مساعد رامي آر بي جي،1980هـ. ش. )1359

ــه ــاع فك ــ. ش. )1362دف ــات1983هـ م( مســاعد رامي آر بي جي، عملي مسعف.8والفجر

هـ. ش.(1364- اإلصابة: جراح في األذن والكتف اليسرى )%.15- نسبة اإلصابة:

101

85الصورة رقم

المذكرات المكتوبة1-2 دفIIتر محمIIد جIIواد1-2-1

نصيري بور 116 الوثيقة رقم

)ورقتان(

الكالم األخير1-3117الوثيقة رقم

102

103

الراوي: مهدي ملكيالتشكيل: حمل الجرحى، المجموعة الثانية

م(2003هـــ. ش. )1382تــاريخ ومحــل أول مقابلــة: طهران

الفصل الحادي عشرالصفير

م( ضمن "قوافل طريــق1985 هـ. ش. )1364التحقت بالجبهة في العام ــة جديــدة كربالء". كانت المرة الثانية لي في المشاركة بالحرب، كــان رحل

وسفرا آخر وصالة قصر.

قبل أن يصل قطار القوات المتطوعة إلى محطة "أنديمشــك"، توقفنــا في الصحراء. لم نكد نقـف وننظـر من نافـذة القطـار لنعـرف سـبب التوقـف،

حتى سمعنا صوت المسؤولين ينادوننا:- ترجلوا.. ترجلوا

قفزنا من القطار، صعدنا على درجات مــدخل الثكنــة على الجهــة اليمــنى،وعبرنا مركز الحراسة.

ــون وأين كنا ننظر من جهة إلى المقاتلين القدامى الذين يعرفون ماذا يفعل يذهبون، ومن جهة أخرى إلى تلك الثكنــة المتراميــة األطــراف والــتي ليس

لها أول وال آخر.

104

ــة "حمــزة"، فانضــممت تم فــرز وتشــكيل القــوات، وجــرى إلحــاقي بكتيبا ذا لت في الفصيل األول. كان مســؤول الفصــيل شــاب للسرية األولى وشك لحية كثة الشعر وحاجبين عريضــين، اســمه "محســن كلســتاني". رحب بي هو ومعاونه وطرحا علي بعض األسئلة لمعرفة خبراتي وتجاربي العســكرية

السابقة لتكليفي بمهمة في الفصيل.

أخبرتهما أني كنت رامي رشاش في كردستان.

ا، كانت مجموعة رمــاة الرشــاش في الفصــيل مكتملــة، فتم تعييــني قناصــأغلب شباب الفصيل كانوا من عمري تقريبا.

( قـــد انتهى حين غادرنـــا ثكنـــة "دوكوهـــة"1/ك2لم يكن شـــهر "آذر" )ت وانتقلنا إلى معسكر خيام "كرخة". لم أكن قد صرت صديقا حميما لشباب الفصيل بعد، لعل السبب أن أغلبهم كان يدرس ويقوم بواجباته المدرسية.ــهم. بعض ــل عليهم وأزاحم دروسـ ــل من الكالم معهم كي ال أثقـ كنت أقلـ الشباب بقي في "دوكوهه" لتقديم امتحاناته، ثم يلتحــق بنــا. عنــدما عــادوا

كان واضحا نجاحهم وعالماتهم المرتفعة في االمتحانات.

في معسكر كرخه، بدأت التــدريبات والتمــارين العســكرية. كــانوا يعلموننــاـة على استخدام أنـواع األسـلحة في النهـار، ونقـوم بمسـير ومنــاورات ليلي

أحيانا.

ــهر دي )ك ــد إلى2/ ك1لم يكن ش ــل جدي ــم مقات ــف حين انض ــد انتص ( ق الفصــيل. كــان تلميــذا وجديــدا على األجــواء. األمــر الــذي أدى إلى تمــتين عالقتنا وصـداقتنا نحن االثـنين. كنت أتقـرب منــه كي أخفـف عنــه الشـعور بالوحدة والغربة، ذلك الشعور الذي جربته أنا قبل مدة قصيرة. كان اســمه

"سهيل موالنا" وجرى ضمه إلى قسم التجهيزات في الفصيل.

ان مكان تراصفنا نحن االثنين في آخر الطابور. ك

105

م يكن سهيل قد شارك في أعمال الجبهة وال خضع لــدورة عســكرية جــاءلمباشرة من المنزل إلى الجبهة!

كان الشباب يمازحونه قائلين: حتمــا لــديك واســطة كبــيرة لتــأتي إلى هــذاالفصيل، ألن قواته كانت مكتملة.

سألته: سهيل في أي صف؟- في الثالث.

- نحن في الصف نفسه!- كال أنا في الثانوي الثالث.

م؟1969- ألست من مواليد ــنتين ــل س ــتثنائي، ك ــكل اس ط بش ــ ــة المتوس - نعم، ولكني قطعت مرحل

دراسيتين في عام واحد. - أنا على العكس منك، أعدت صفي في إحدى السنوات بسبب مشــاركتي

في القتال على الجبهة.

- ال بأس، سندرس معا.

ــذين كــانوا ولعلي بسبب كالمه هذا، أو بسبب الجو العام لشباب الفصيل ال طالبا مجدين، انتسبت إلى مجمع "الشهيد همت" الدراسي واستلمت كتبيـا يتمكن من الحضــور في ـ وقرطاســيتي هنــاك، بــالطبع لم يكن أحــد منــا يــدرس المجمع، فهو يبعد مسافة طويلة عن مراكز الكتائب. كــان كــل من

بطريقته الخاصة في مركز خدمته.

ــور" من ألطاف الله، أن خيمة فصيلنا كانت تضم معلما، "سيروس مهدي ب الذي كان مسعفا أيضا. في األيام األولى النضمام سهيل إلى الفصيل، كنت أجالسه كثيرا كي ال يشعر بالوحدة، لكن لم تمض عدة أيام حــتى كــان قــد

سبقني وجمع حوله العديد من األصدقاء.

106

كان مميزا جدا في فهم دروس الرياضيات والجــبر والهندســة، بينمــا أغلبا ــاعدا تعليمي ــهيل مس ــبح س ــواد. أص ــذه الم ــانون في ه ــانوا يع الطالب ك لـ"سيروس" فكان الشباب يرجعون إليه لمساعدتهم في حل تمــارين هــذه

الدروس.

كنا دائمــا في حــال درس، إمــا واجبــات مدرســة أو تــدريبات عســكرية بينحمل السالح وحمل الكتب واألقالم والدفاتر.

ــا نســتفيد منك انت مدة نومنا قليلة جدا ليال ونهارا. ال معنى للتعب هنــا، كنوقتنا ونستغل الدقائق فضال عن الساعات.

كنت قد اختبرت هذا في تجربتي السابقة في كردستان، وأتمكن من تحملــة النــوم. هذه األوضاع لكن "سهيل" كــان يصــعب عليــه تحمــل الســهر وقل

أحيانا كان يغلبه النعاس وهو يقوم بحل تمرين رياضي!

كان سهيل االبن األكــبر في األســرة. في األيــام األولى اللتحاقــه بالفصــيل، وصل مرة متأخرا إلى الخط. أمره مسؤول الفصيل بمشي البطة. لم يكن يعرف ما هي هــذه العقوبــة، ولهـذا علمــه مسـؤول الفصــيل هــذه المشــية

ورافقه في عقوبته كي ال يبقى وحيدا!

كان سهيل يتأخر كثــيرا في المســير عن بــاقي عناصــر الطــابور. كــان األخ حسين فياض معاون مسؤول الفصيل يرافق الشباب من آخر الصف، كــان

يقول لسهيل بلطف ومودة:- مواليي.. التحق بالطابور.. لقد تأخرت يا أخي.

ــال لي ــكرية، ق ــه العس ــرات عن تجارب ــدى الم ــاض في إح ــدثنا األخ في حولسهيل:

"، اختلط المنافقون بطابور الشــباب ونصــبوا لهم4- في عمليات "والفجر كمينا، ثم قتلوا من قتلوا وأسروا من أسروا.

107

تعود سهيل بسرعة على الوضع الجديد.

م، أصــحاب أالعيب ومقــالب1969كــان ثلث شــباب الفصــيل من مواليــد ، إال أنــه فــاق الجميــع68وروح مرحة. ومع أن أمير عباس كان من مواليــد

في مقالبه وشيطنته. كان يقلد صــوت صــفير رصــاص األســلحة المختلفــة: دوشكا، كالشنكوف، غرينوف.. ويؤدي كل منهــا بطريقــة ال تشــبه األخــرى. تخصص في هذه المصلحة لدرجة أني شاهدته في إحدى المرات قــد جمــعــدون صــفير األســلحة بشــكل جمــاعي! حوله عددا من الشــباب وبــدأوا يقل وبالطبع لم أتأخر عن قافلة المواهب، وتعلمت تقليد صــفير قذيفــة الهــاونا في أوقــات ودوران الرصاصــة في الهــواء بشــكل جيــد. كــان البعض أيضــــلين ــوات المراس ــكرية، وأص ــات العس ــوات المارش ـدون أص ـ ــراغ يقل الفــا ننتهــز أي فرصــة الحربيين الذين ينقلون وقائع العمليات على اإلذاعــة. كن

أيضا للعب كرة القدم في ملعب المراسم الصباحية للكتيبة.

ــا من القطــار في2 ك20أخذنا مأذونية في أواخر شــهر دي ) (. حين ترجلن محطة السكة الجديدة في طهران، كان صباح يوم الجمعة والثلج يتســاقط

على األرض. عدنا إلى الصالة الرباعية الركعات!

في البيت نقاهة واستراحة، حدث وال حرج. بــرغم حالوة صــعوبات الجبهــة، إال أنهــا أتعبتــني. كــان للنــوم بمالبس النــوم المريحــة ومن دون اضــطراب وانتظار طابور اإلزعاج طعم آخر ولذة. تذكرت سـهيل عـدة مـرات ولكـني لم أكن قد دونت رقم هاتفه، كــل مــا كنت أعرفــه أنــه يســكن في منطقــة

"بيروزي".

انقضت أيام العطلة بسرعة وحان وقت العــودة إلى الجبهــة. كــان الرجــوعــة شــبيها بااللتحــاق األول من جديــد حيث الحاجــة إلى الخدمة بعــد المأذوني

الماسة إلى النية الراسخة الخالصة، قوة القلب

108

ووداع األحبة. قالت لي أمي: "يا بني ابق لمدة أطول لم هذه العجلة".

فما كان جوابي؟

حين لمحت أمي الــتردد في وجهي رافقتــني حــتى محطــة الســكة الحديــد لتطلب من المسؤول تمديد مأذونيتي عدة أيام أخر، وهكذا، تقــرر أن أبقىــيلنا في ــباب فص ــافية. التقيت بش ــاعة إض ــاني وأربعين س ــنزل ثم في المــذرت من مســؤولي محطة القطار: سهيل وسيروس وأمير عباس و.. واعت

الفصيل.

استأنست بأجواء طهران وكــأن المشــقات كــانت تخيفــني من العــودة إلى الجبهة. ماذا يمكنني أن أفعل في هذه الحال؟ أأرتعب وأبقى في طهــران؟

أم أقوي قلبي وأنسلخ من أجواء البيت وطهران وأسارع لاللتحاق؟

رجعت إلى الجبهة وكان موعد االمتحانات المدرســية قــد حــان. نجحت فيجميع المواد بمساعدة سهيل طبعا!

ذهبنا إلى حقــل الرمايــة مجــددا. أطلقت عــدة رصاصــات من كالشــنكوفي األخمص الخشبي لكي أتأكد من دقة إصابته. ذهبت مرة مــع "حســن قابــل

األخ فياض- عدة أعال" لرماية الرشاش بعد أن أخذت من معاون الفصيل - طلقات، رمينا بالقرب من شيار جانب الخيام. رافقنا أحــد األصــدقاء وكــان

معه آلة تصوير. التقط لنا عدة صور ونحن نحمل رشاش الغرينوف.

بدأ لحن الرحيل يدغدغ األســماع. تنــاولت ورقــة وقلمــا وكتبت وصــيتي، ثم وضعتها مــع أغراضــي الشخصــية وســلمتها إلى مركــز "تعــاون" الفرقــة. ال

أعرف لماذا لم يكتب سهيل وصيته في كرخة.

انتقلنا إلى معسكر جديد، بين أشجار النخيل بالقرب من نهر

109

ــا نبقى داخــل الخيــام. كارون. كان المطر يتساقط في أغلب األوقــات، فكنــدة ــير لع ــبرى ومس ــاورة ك ــا بمن ــكرية. قمن ــدريبات العس ــا الت ــا تابعن لكنن كيلومــترات ونحن نضــع األقنعــة المضــادة لألســلحة الكيمائيــة، كـان تــدريبا منهكا، تقطعت فيه أنفاس قدامى المحاربين، فمــا بالـك بالمقــاتلين الجــدد

من أمثالنا.

كذلك أجرينا في أحد األيام مناورة عمليات برمائيــة. ركبنــا في قــوارب من على ضفة كارون وانطلقنا داخل الماء عدة كيلومترات وقمنــا بهجــوم على العدو االفتراضي، وبالطبع فقــد توحلنــا بشــكل كامــل. وعليــه، فقــد ازدهــر

عمل "رضا أنصاري" الذي كان يقوم بمسح األحذية في الفصيل.

ــه في أحد األيام كنا نتدرب على مستوى الفصيل، كدت أن أضــيع! أذكــر أن كان اليوم الخامس عشر من شباط. تحرك طــابور الفصــيل داخــل حقــول القصب واألعشــاب اليابســة. لم أعــرف مــاذا حــدث، وإذا بي أجــد نفســيــرا وحيدا! فجأة لم يعد هناك أي أثر لمن كان أمــامي وال خلفي. بقيت متحي مذهوال لعله لم تمر سوى ثوان معدودة غرقت فيها بالتفكير فإذا بي أغفــل وأرى نفسي وحيدا! تخيلت الثعالب والخنازير، اقشعر بدني وتصببت عرقا. بدأت أركض إلى هنــا وهنــاك لعلي أجــد آثــار الشــباب، لكني لم أعــثر علىــا شيء. خطر على بــالي أن أقــف وأبقى ســاكتا هادئا وأطــرق الســمع ملي لعلي أسمع صوتا ما. وهذا ما حــدث فقــد أرشــدني صــوت أقــدام الشــباب

على العشب اليابس إلى جهتهم، فتبعت الصوت ووصلت إليهم.

ــا داخــل الخيمــة. ال يــزال صــوت ســقوط في ذلك اليوم، هطل المطــر وكن قطرات الماء على سقف الخيمة يتردد حتى اآلن في مسامعي. كنت أركز

بانتباه على سهيل مواليي الجالس على بعد مترين مني والغارق

110

في أفكاره. كانت خلوته بنفسه جميلة جــدا إلى درجــة لم يطــاوعني قلــبيأن أكسر هذا الهدوء العميق وأتحدث معه.

كان جواد نصــيري يجلس خلفي. أخــذ ورقــة من دفــتره ونــاولني إياهــا كي أكتب له عبارات للذكرى. أعطاني الورقة وذهب، وبقيت وحدي أفكر: ماذا أكتب له. تذكرت نشيدا باللغة اللورية يقول: "أماه أماه إنه زمان الحرب"، فكتبت له: "والله إن كل إنسان سيموت، سواء في شــبابه أو كهولتــه، في الحرب أو على الفــراش. هنيئا لمن يقــدم دمــه على درب اإلمــام الحســين

عليه السالم ويجود برأسه ويديه في سبيل الله.

م(5/2/1986هـ.ش )16/11/1364مهدي ملكي

حين أعدت لــه ورقــة الــذكرى، ســألني عن تــاريخ والدتي ومهمــتي ودونهــاتحت كلماتي: حمل الجرحى.

نظــرت مجــددا إلى ســهيل مــواليي. وجدتــه يكتب شــيئا هــذه المــرة. إنهــا وصيته. كــانت خلوتــه تلــك لهــذا الســبب، التركــيز على الكلمــات األخــيرة.

طننت في أول األمر أنه يكتب رسالة فقلت له:ا بالرسائل ولن يرسلوها إال بعد العمليات. - يحتفظون حالي

- يا سيد مهدي، هذه ليست رسالة عادية، إنها وصية.

ثم سكت وتركته يتابع كتابته. حين أنهى مهمتــه، اقــترب مني وبــدأ بــالكالمــل ــام وأك ــلنا إلى الكالم عن الطع ــديث، وص ــديث إلى ح ــزاح. من ح والم المنزل والوجبات المباركة التي تقدم عن روح اإلمــام الحســينعليه الســالمرونها في مطبخ الفرقــة حيث يــتركون حبــات وانتقــد "اليخنــة" الــتي يحضــــدا وال يحمرونهــا عنــد القلي فتصــبح اليخنــة البطاطا كبيرة وال يقطعونها جيــا نتســلى كالحساء! في تلك األيام كنا نعاني الجوع وقلما شعرنا بالشبع، كن

بهذه األحاديث.

111

بمحض الصدفة، كان عشاؤنا في تلك الليلة حساء "اآلش"، كأنهم قد صبواــات الفاصــولياء والحمص في بعضا من مياه كارون أو األمطار مع بعض حب تلك الطنــاجر الكبــيرة! كــانت حصــة كــل مقاتــل عشــرين ملعقــة من مــاء الحمص هذا. أكلت أنا وسهيل في الصحن نفسه في تلك الليلة، مــع الخــبز

ــا ونصــفه اآلخــر محروقا المرقوق - - وكنت أتشــوق الذي كان نصــفه عجينفي خيالي لطبق من اليخنة اللذيذة في منزل سهيل.

أما بالنسبة لقصة انتقالي من مهمة القناص إلى "حمـل الجـرحى"، فالـذي جرى أن فصيلنا كان يضم رجلين عجوزين لحمل ونقــل الجــرحى. مــؤخرا،ــة الفصــيل وال يشــارك في ــدهما في خيم ــوا أح ــرر المســؤولون أن يبق ق العمليات. وهكذا، صــرت في حمــل الجــرحى وســلمت ســالحي إلى قســمالتسليح )التجهيزات( واستلمت حمالة جرحى وصرت رفيقا للسيد رحيمي.

عندما ناديته ألول مرة وقلت له "يا حاج"، قال لي ضاحكا: - يــا ســيد مهـدي، حـتى اآلن لم أذهب للحج في مكــة. صــحيح أن الشــباب ينادونني "يا حاج"، لكن أنا وأنت سنترافق معا، وأحب منــك أن يكــون كــل

ا في الواقع. ما تقوله حقيقي

وبعد ذلك لم أناده "يا حاج" أبدا.

حان موعــد الرحيــل مجــددا، تركنــا المعســكر واقتربنــا خطــوة أخــرى نحــو العمليات. قبل أن نتحرك، أعطونا ذخائر وتســليحات. أخــذت أنــا عــددا من القنابل اليدوية فقط، ثم تنــاولت قذيفــة )آر بي جي( ووضــعتها في جعبــتي

لعلي أساعد قليال رماة اآلر بي جي خالل المعارك.

في األيام األخيرة تم نقل "سهيل" من آخر الطابور إلى األمام، وصار

112

رفيقا مالزما في الصف المرصوص لـ"ســيروس مهــدي بــور". بعــدها، قــلتواصلي مع سهيل، وصار صديقا لسيروس أكثر من باقي الشباب.

تركنا معسكر كارون في غروب أحد األيام وترجلنا من الشاحنات المغطــاة على ضفة نهــر بهمن شــير. كـانت األمطــار خفيفــة ناعمــة واألرض موحلــة زلقة. كنا نمشي باحتياط شديد. كان الشباب يحملــون جبال من التجهــيزات واألسلحة على أكتافهم، ما يجعل حركتهم مغامرة خطيرة. كنت أتناوب مع

السيد رحيمي على حمل حمالة اإلسعاف. كان حمال ثقيال!

عبرنا بالقرب من نهر بهمن شـير. انـزلقت أقـدام بضــعة شـباب فسـقطوا أرضا وتوحلت بدالتهم. بعد مدة من السير، أخذت الرشاش من األخ نعمتي وحملته عنه كي يستريح قليال. المطر ال يــزال يتســاقط. اســتغرق المســير وقتا طويال. كان الليل قد انتصــف حين وصــلنا إلى مقــر الكتيبــة في بيــوت قروية قديمة. قام نعمتي في تلك الليلة وعلى ضوء الفانوس بفك رشاشـه

وتنظيفه وتزييته، كان الرشاش قد وقع على الوحل عدة مرات.

صباح اليوم التالي أعلن عن خبر بــدء العمليــات. قــام المســؤولون بشــرحــان األوضاع وما يجري على المقلب اآلخر من خط التماس. طعام الغداء كا ودجاجا(. بعد الظهـر، تقــدمنا إلى األمــام عــبر شــاحنات "تشلو مرغ" )أرز مكشوفة. وعلى رغم أني كنت جديدا على األجــواء، إال أن قلقي كــان على سهيل. ولكن وجوده مــع ســيروس كــان يطمئنــني. حين أنظــر إليهمــا معــا

أشعر بعمق صداقتهما ومحبتهما لبعضهما البعض.

شباط، نمنا جالسين في مستوعب. كان المكان ضيقا جدا.11ليلة

في صبيحة اليوم التــالي، كــانت أصــوات المارشــات العســكرية ترتفــع منالمذياع. ارتفعت معنوياتنا كثيرا. في ذلك اليوم كانت جملة "لقد

113

تحررت الفاو" هي محــط كالم الجميــع. كـان الفــرح يسـود األجـواء ويغمـرالقلوب.

ــا ــد" فتالقيه ــماء "أرون ــق في س ــة تحل ــة العراقي ــائرات الحربي ــانت الط ك المضادات اإليرانية بطلقات متتاليـة. تقــرر أن نعـبر من ذلـك المـاء الهـادر تحت نيران العدو وطائراته المغيرة، لكن غزارة الغارات منعتنا من التحرك

حتى الغروب.

كانت الشمس تميــل للغــروب حين ركبنــا القــارب من مجــرى نهــر فــرعي ودخلنا في مياه أروند. لم يكن نهرا، بل بحرا هائجا وأمواجا متالطمة. على الضفة األخرى لم يكن هناك جدول مــاء هـادئ لنتمكن من الـنزول. ترجلنــاــان الشــباب من القارب وسط المياه الهادرة على الضفة الغربية ألروند. ك

يمزحون معا ويسألون بعضهم البعض: هل نذهب للسينما أو المطعم؟

.1"(أي مطعم المشاوي) 1قال أحد الشباب: "هيا لنذهب إلى جلوكبابى

.2حين رآنا نضحك، قال: "العراقيون ليس لديهم حرف 'چ'"

بقينا حتى منتصف الليل في مبنى إداري أبيض اللون وإسمنتي الهيكــل. لمتنفع حشرية الشباب في البحث في الغرف المحيطة بنا. كانت خالية!

ــارج ــوا في الخ ــباب بق ــل. بعض الش ــاء التوس ــا دع ــواء وأقمن ــا األج جهزن للحراسة. كان األخ فياض يتفقدهم. لم تكن المدينة قــد تطهــرت بالكامــل،ــة وهجومهــا علينــا موجــود ويجب االحتيــاط واحتمال تسلل القــوات العراقي

والحذر الشديد.

1 . كباب چلو من بدال2 ." تش " يلفظ

114

عنــد منتصــف الليــل، غادرنــا مدينــة الفــاو وتحركنــا بالشــاحنة نحــو الجــادة اإلسفلتية بين الفاو وأم القصر. حين ابتعــدنا عن المدينــة شــاهدنا خزانــات

النفط الكبيرة وقد نشبت فيها النيران.

ــا إلى الســواتر الترابيــة إلى الجهــة حين وصــلنا إلى الجــادة، ترجلنــا ولجأن اليمنى. تموضــعت أنــا والســيد رحيمي في خنــدق مكشــوف. اضــطر بعض

الشباب إلى حفر خندق بأنفسهم لالحتماء من القصف.

أشرقت الشمس واشتد قصف العدو. كانت قذائف الهاون تصفر ثم تنفجرحولنا. أصيب عدد من شباب الفصيل األول بجراح مختلفة.

قبل الظهر، صدر األمــر بــالتحرك من هنــاك. انتقلنــا من ذلــك الموقــع إلى الجهة اليسرى من جادة أم القصر. كانت نيران القصف هنــاك أقــل بكثــير. بدأنا بالتجوال والتفتيش في الدشم العراقية، فوجدنا "دكانة". أخذ الشبابــا من هنــاك: بســكويتا وشــوكوال وعصــيرا إذن المســؤولين وأحضــروا تموين

وحلويات وحليبا ناشفا.

شــباط(، جــاء مســؤول12في اليــوم الثــالث والعشــرين من شــهر بهمن )ــة إلى كتيبــة حمــزة. في التخطيط والعمليات في الفرقــة على دراجــة ناري ذلك اليوم فهمت من هو الواسطة الذي يسر لسهيل التحاقه بالجبهة! كان

ــه ابن أخت فالن. وقـد1خاله ، لم يكن ســهيل قبــل ذلـك قــد أخـبر أحـدا بأن عرفت يومها من األخ فياض بهذا، ولم أذكر هــذا أمــام ســهيل وال أمــام أي

أحد آخر.

لم يكن قد حان موعد أذان المغرب حــتى بــدأت مراســم الــوداع والعنــاق.أخبار بدء الهجوم تتسرب بين الشباب. ودعت السيد رحيمي

العام 1 في استشهد سليماني، سعيد / 1384القائد ش. تقل 2005ه كانت عسكرية طائرة سقوط حادثة في م. البرية القوة قادة

115

ا وقــد جــاء من أوال ثم األخ فياض ومســعف الفصــيل الــذي كــان خوزســتاني القسم الصحي في الفرقة، ثم شباب مجموعة الرمايــة و.. بــاقي الشــبابــرني بمحــل حلويــات فالح، األعزاء وصوال إلى أحد شباب منطقتنا الــذي ذك

فتحدثنا عنه وضحكنا معا.

ــا إلى حلويــات فالح في ميــدان أبي ذر في كنا قد ذهبنــا مــرات عديــدة مع طهران وتناولنا عنده الحلو بالقشطة. في ذلك الغروب قال لي بين المــزح

والجد:ــا ألكــل الحلــو بالقشــطة عنــد - ملكي، هل ترانا نلتقي بعد هذا ونــذهب مع

فالح؟.1- إن حلويات الجنة أطيب وألذ

ــة صلينا صالتي المغرب والعشاء، وصدر األمر بالتحرك. كانت السماء حالك الظالم ال ينيرها سوى القنابل المضيئة أحيانا. بعــد مــدة من الســير، وقــفا. ذهب مســؤول الطابور لالستراحة قليال. كتيبــة األنصــار كــانت هنــاك أيضــ

ــة على بعـد حــوالي مــترا من مكــان40فصيلنا لالشتراك في جلســة ميدانياستراحتنا.

بعد قليل، تبعه معاونه أيضا. عندما رجع األخ فياض، أخبرنا بأن كتيبة حمزة ستقتحم اليوم خط التمــاس وتســيطر على الجســر الكبــير على جــادة "أم القصر". ثم قام كل مسؤول بتوجيه عناصره وشرح وضعية العدو وقواتــه.. يوجد عدة دبابات محترقــة وعــدة دبابــات ســليمة على الطريــق، اضــربوها

وتحركوا مباشرة نحو الجسر.

انتعش مجددا سوق الوداع. أنا أيضا قبلت "سهيل" على جبينه وخــده. حينصرنا وجها لوجه، لمحت تحت ضوء القنابل المضيئة، بسمة

1 . هناك الحلوى هذه لتناول معا أحيانا نذهب زلنا ما اآلن، حتى

116

جميلة لم أرها سابقا على وجهه. تسمرت نظــراتي على الحــاجبين الكثين،ا وقــد غطت رأســه وصــوال الوجه األمرد والقبعة الصوفية المنســوجة يــدوي

ألذنيه.

تحركت الكتيبة مجددا. تجاوزنا مثلث مصــنع الملح حيث كــان شــباب كتيبــة األنصار، وكان تشكيل جلسة مسؤولي الفرقة والعمليات، وصلنا إلى الخط األمامي، ساتر ترابي سبق وكـان فيــه عـدد من القــوات المتموضــعة الـتيخذ هناك كي ال يتأذى عدد تركت أغلبها المكان عند وصولنا، هذا االحتياط ات

كبير إن تساقطت قذائف العدو علينا.

بقي أقــل من ســاعتين لمنتصــف الليــل. انطلقت قــوات كتيبتنــا. بــدت لنــاا. تحركنــا بمشــية البطــة الدبابات المحترقة. تقدم الطــابور صــفا مرصوصــ قرفصاء، وبعــدها بــدأنا بــالزحف. كــانت أصــوات باللغــة العربيــة تصــل إلىــا. في مسامعنا وتشبه صراخ قائــد على الجنــود. امتأل قلــبي حماســة وترقب ذلك الصقيع كانت شــفتاي مجمــدتين كالخشــب، ولســاني جافا في حلقي.ــوم كنت قد سمعت كالما كثيرا حول ليلة العمليات وها أنا أشارك في الهج

ليلة العمليات.

فجأة دوى صوت انفجار قنبلة يدوية، تبعه صــفير إطالق قذيفــة آر بي جي.ثم طلقات رشاش متوسط كانت تضعف ثم تقوى.

ــف الطــابور. لم كنت أنا والسيد رحيمي ننتظر حركة المسعفين. فجأة توق يعد أحد يتحرك لألمام. التفت إلى نفســي حينهــا: ركضــت بســرعة حــوالي مئــة مــتر. حين انتبهت إلى مــا جــرى حــولي لم أر أحــدا ممن أعــرفهم، ال

، وال السيد رحيمي، والحمالة المشتركة بيني وبينــه.1المسعف الخوزستانيلم يكن هناك أحد من شباب الفصيل هناك.

1 . ) باقري ) بهنام نجات

117

صرت أبحث عن سالح. أخذت بندقية كالشنكوف من يد أحد الشهداء. كانقد أصيب برصاصة في رأسه وسالت دماؤه على إسفلت الجادة.

تفحصت البندقية ومشــيت. كــانت نــيران العــدو غزيــرة وتــزداد ضــراوة. الـة عـدده! أفـرغت عـدة يوجد أي أثر لعنصر المفاجـأة وال لغفلــة العـدو وقل مماشط من سالحي وأعطيت قذيفة اآلر بي جي الــتي كــانت بجعبــتي إلى أحد رمــاة اآلر بي جي. تقــدمت هكــذا عــدة دقــائق حــتى وصــلت إلى آليــة مدرعة عراقية. كانت متوقفة وتبدو معطلة. كان الرصــاص ينهمــر من كــل حدب وصوب. غير واضح من أين تأتي النيران المعادية وال الصديقة. وكأننا اختلطنــا بــالعراقيين. ولهــذا تــراجعت قليال ألتموضــع في مكــان آخـر وأجـد

أصدقائي.

رأيت "أصغر لك علي آبادي" جريحا. كانت شــظية قــد أصــابت رجلــه وقــد تمزق بنطاله. أرجعه أحد شباب نقــل الجــرحى إلى الخلــف، دققت نظــري كثيرا في تلك الظلمة، ولكني لم أستطع أن أجد السيد رحيمي. وسط هذهــاول ــا نح األجواء الرهيبة والرصاص والقذائف بمختلف األنواع واألحجام، كنــة، اللجوء إلى أي مأمن، وإذا بي أشاهد األخ قيومي مسؤول الســرية الثاني قد وقف منتصب القامة وهو يذكر اسمه بصوت عــال ويوجــه الشــباب: أنــا

قيومي.. يا شباب من هذه الجهة.

كانت صرخاته الشجاعة تعيد الــروح والمعنويــات لشـبابه من جهـة وتــدلهمعلى الطريق فال يشتبهون ويضلون الطريق من جهة أخرى.

ا. وكــأن الطلقــات كـانت تصــيب الطلقــات. ـا جهنمي كانت الجادة تشهد لهيبــر مســيرها رصاصات الخطاط كانت تصطدم بخطاط مقابل فتتقــوس وتغي

في ظالم الليل.

لم أعرف ماذا ينبغي أن أفعل. ال أثر لألخ كلستاني وال لألخ فياض

118

وال للمقاتلين القدامى ألســألهم عن تكليفي. تقــدم شــباب الســرية الثالثــة كان يدل على أن السريتين األولى والثانية قــد انهارتــا! وهــذا يعــني أنــه لم يبق شيء من الفصيل األول للسرية األولى التي كانت القــوة الضــاربة في كتيبة حمزة، إما أن الشباب استشـهدوا أو جرحـوا، وإمـا التحقـوا بالسـرايا

األخرى.

التحقت أنا أيضا بالســرية الثالثــة وتقــدمت معهم. على الجــادة وصــلنا إلى صــفين من المــدرعات العراقيــة، بعضــها كــان يحــترق والبعض اآلخــر كــان

سليما. لم يكن عدد اآلليات ليحصى وال نهاية للصف على امتداد النظر.

ركضت إلى األمام بين صفي المدرعات. شــاهدت فجــأة جنــديين عــراقيين يخرجان من إحــدى المصــفحات ويصــرخان بصــوت عــال، كانــا ورائي، وإن أرادا االلتحاق بعسكرهما فال بد لهما من المرور بالقرب مني، أطلقت النار عليهما فالذا بالفرار نحو الطريق الــترابي المحــاذي للجــادة. قلت لنفســي:

كان علي أن أرمي قنبلة يدوية، فهذا أفضل من الرصاص.

ــاتي أكــثر وتجــرأت على ــيين، ارتفعت معنوي ــدما شــاهدت هــروب البعث عن اقتحام عمق قواتهم. وصلت إلى فسحة ساكنة هادئة، كــان صــمت مــريب

يلف المكان. فجأة وجدت نفسي محاصرا بالعراقيين من كل االتجاهات!

نظرت حولي فرأيت جثة عراقي بالقرب مني. خطرت ببالي فكرة فنفذتهاــأني فورا من دون أي إبطاء. ذخرت سالحي وألقيت نفسي على األرض وك جثة هامدة. وضعت أذني على اإلسفلت ألدقق الســمع باألصــوات. فوضــى

الكالم والصراخ العراقي دليل على ضياع واضح

119

لديهم. كانت أصوات أقدامهم تمر بالقرب مني لدرجة أني تشهدت وقلت:ما هي إال ثوان ويطلقون علي رصاصة الرحمة! لكن شيئا لم يحدث.

فتحت عيني ونظرت بطــرف خفي. ال شــيء وال أحـد بــالقرب مني. رفعترأسي باحتياط شديد. ال أصوات وال ظالل. نهضت ورجعت للخلف.

كان شبابنا قد تجمعوا في أول صــف المــدرعات. التقيت بعــدة شــباب منــا. انتبهت إلى عاملي اإلشارة واالتصاالت، عرفت أن أحد قــادة الســرايا هن مهمتي األساسية: حمل الجرحى. أسرعت إلى جريح على األرض. ساعدتهــاالت ــد أحضــروا الحم ــة األنصــار ق ــان شــباب كتيب ــوراء. ك ــودة إلى ال للع

وأسرعوا للدعم ولمساعدة جرحى كتيبتنا.

رجعت مجددا ألساعد جريحا آخر، لكن في وسط الطريـق انفجــرت قـربي ، فاجأني دوي االنفجار. شــعرت بــألم شــديد60قنبلة يدوية أو قذيفة هاون

في رأســي وأذني وكتفي اليسـرى. مسـحت يـدي على هـذه المواضــع، لم تتبلل وال أثــر للــدماء. كــاد رأســي ينفجــر من شــدة األلم. أردت أن أصــرخ ولكني لم أفعل. كانت أصوات االنفجارات تــدوي في أذني. لم أعــد أســمع أزيز الرصاص، وصرت أســمع االنفجــارات القريبـة مــني وكأنهـا تبعـد عـدة كيلومترات. نهضت وسرت قليال. لم أكن أســتطيع الســيطرة على قــدمي،ــر من دون تركــيز. عــدت وتحسســت رأســي بيــدي لعــل كنت أمشي وأتعث الدماء بدأت بالنزيف. ال أثر للجــراح. مــا ســبب كــل هــذا األلم؟ حــتى تلــك الليلة لم أكن قد أصبت بجراح. لم أعرف سر ذلك الوجع، وال ماذا علي أن

أفعل، هل أجلس أم أسير.

قررت الرجوع للخلف، لكني نــدمت فجــأة وتــوقفت. خطــر على مســمعينشيد "أماه أماه.. إنه زمن الحرب". قلت لنفسي يجب أن أتقدم وأتابع

120

ور نار، رمايات قريبة متقطعة. نظرت إلى الســماء المسير. كانت الجادة تنفلم أجد أي نجمة. اختلط الحابل بالنابل فوق رأسي!

ــا أخي، مشيت قليال فوجدت جريحا على األرض. جلست قربه وقلت له: "يسأحملك اآلن وأعيدك للخطوط الخلفية. أين الحمالة؟".

ـا نرددهـا أثنـاء المراسـم كان ينظر إلي بتعجب. تذكرت الصرخات الـتي كنالصباحية فصرت أكررها وأسأل وأجيب نفسي:

- من الذي هرب؟- العدو.

- من الذي تعب؟- العدو.

- أين العدو؟- إنه هنا.

فجأة خطر على بالي أنني قد سمعت هذه الكلمات نفسها من هذا الجريحفي معسكر كرخه حين كان ينادي بصوت شجي ومرتفع والشباب يجيبونه!

بدأت أشعر بالغثيان، نهضــت ومشــيت. كنت ال أزال أردد الصــرخات. كــانــا: كيــف يمكنــه أن يضــحك؟ أال ينظر إلي ويضحك! قلت في نفســي متعجب يشعر باأللم؟ ال شك أن األمواج االنفجارية قد أفقدتــه صــوابه! كنت أســمعــمع الطنين في إحدى أذني وصفير االنفجارات في األذن الثانية. لم أعد أس صوتا آخر. قدماي لم تعودا تتوازنان، وكنت أسير وأكاد أقع مرة بعــد مــرة. فأضبط نفسي في اللحظة األخيرة. لم يكن واضحا مــاذا حــل بي، وأي بالء أصــابني. كنت أســير كالنــائم وأتكلم مــع نفســي: يــا شــباب كلكم ضــيوفي

تفضلوا الحلوى بالقشطة على حسابي! موعدنا

121

في ساحة "أبو ذر" أمام محل الحلويات.

أيقظني رذاذ الماء البـارد على وجهي من غفلـتي، فتحت جفـوني المثقلـة.ــدا. ســمعت صــوت محــرك قــارب. جلســت في مكــاني. صــحت انتبهت جي

بصوت عال: من الذي تعب؟!..

لم أسمع جوابا فرفعت صوتي أكثر: من الذي تعب؟!..

كان سائق القارب ينظر إلي فقط وكأن التعب يمنعه من اإلجابة!

عندما طلبت منه أن يقلني ويأخذني لخــط التمــاس أدرك أن وضــعي ليسعلى ما يرام وأني ال أعرف ما أقول.

ا على متن القــارب. حين تحسنت حــالي قليال رأيت حســين دســتواره أيضــكان صدره مجروحا. تحدث معي قليال محاوال أن يهدئ من روعي.

لم أعرف كيف وصلت من منطقة االشتباكات إلى نهر أروند، وكيف عبرت هــذا الطريــق الطويــل. كنت أفقــد الــوعي ثم أســتفيق وأنظــر مجــددا. لم

أعرف كم غبت عن الوعي وكم مرة وقعت على األرض.

في المستشفى سألوني عن معلوماتي الشخصية وكيف وماذا حــل بي. لم أكن أتذكر اسمي! أفرغوا محتويات جيوبي ودونوا معلومــاتي على أوراقهم

وذهبوا.

نقلوني من ذلك المستشــفى الميــداني إلى مستشــفى في األهـواز. كــانت يدي اليسرى تؤلمني كثيرا، لكنهــا لم تصــب بجــراح. حــتى ذلـك الـوقت لم أكن أعلم ما الذي حدث لي بالضبط، وهذا ما كان يثير تعجــبي وال أجــد لــه

تفسيرا.

التقيت بصديق قديم في المستشفى. سلم علي فأجبته بعد مكث

122

.1طويل. لم أستطع تذكر اسمه إال بعد فترة

كــانوا يعطــوني حقنــة دواء كــل عــدة ســاعات. الدوخــة ال تــزال مســتمرة،وكذلك صوت الطنين والصفير في أذني.

جاء وقت االنتقال مجددا، هذه المرة إلى طهران وبواسطة القطار. ترجلناــتي كي ال ــاك انتبهت أنهم قــد وضــعوا مشــدا على رقب في محطــة قم. هن يتعرض رأســي لالهــتزاز الشــديد في القطــار. انتقلت من قم إلى طهــرانــون ــال لي الممرضـ ــيروزكوه". قـ ــفى "فـ ــاك إلى مستشـ ــاص، وهنـ بالبـــني المرافقون لنا: "إن كنت تريد االتصال بالمنزل أعطنا رقم هاتفكم": لك

لم أجد من المناسب أن أتصل في أوضاع كهذه.

ا ــوتي ــحا ص ــورا ومس ــات وص ــروا لي فحوص ــيروزكوه أج ــفى ف في مستش للدماغ. وكانت النتيجة أن كورتكس الدماغ )الطبقة الخارجية من المخ( قد

أصيب برضوض واهتزاز مؤذ.

ـا. لم أكن تحسن وضع يـدي اليسـرى، ولكنهـا ال تـزال تصــاب بالخــدر أحيان أستطيع النوم ليال إال بواسطة المسكنات القوية. أصبح الليل والنهار ســيان بالنسبة لي. أسهر طوال الليل أحيانا. أعادوا الفحص والصــور للــدماغ بعــد

أيام، وكانت النتيجة نفسها.

ــفى،20في أوائل شهر أسفند ) شباط( أعطوني إذن الخروج من المستشونقلوني بسيارة اإلسعاف، هذه المرة إلى البيت.

على مدخل البيت، حين رأتني أمي أصــابها الــذهول، لكنهــا ســاعدتني على الــدخول للمــنزل. ثم قــامت وهي مصــدومة لــترتب لي مكــان اســتراحتي.

كانت تتكلم معي وتسألني أحيانا، لكني لم أكن أسمع

1 : مالك مثل اليوم ذلك في كنت لي قال تحسنت قد حالي وكانت أسابيع عدة بعد فرأيته عدت حين. فجأة! تثور ثم تهدأ الجميع، إلى شذرا وتنظر حمراوين عيناك كانت العذاب

123

ســوى أصــوات مبهمــة وضوضــاء غــير مفهومــة، وهــذا مــا كــان يزعجــنيويؤذيني.

حين رأت أمي أن كل جسمي سليم أدركت مــاذا حــل بي. في ذلــك اليــومــاكرا من عملــه. أدرك الجميــع أن مــا يلزمــني ويســاعدني على عــاد أبي ب الشفاء هو الهدوء والسكون. في تلــك الليلــة ومــا تالهــا من الليــالي، بقيت أمي ســاهرة قــرب ســريري. كنت أرى أمي الحنونــة تصــلي وتــدعو قــرب

سريري. وكذلك أبي كان يؤمن لي كل ما أطلبه بكل طيب خاطر.

كانت حالي تتحسن يوما بعد يوم، لكن الصفير استمر في أذني، يشتد حينا ويخف أحيانا، في الليل أكثر من النهار، صوت يشــبه تشــويش التلفــاز عنــد

إقفال البث! صفير مؤلم ومزعج ال ينتهي.

بدأت أستعيد توازني وأعيد ترتيب أوضاعي وأتــأقلم مــع إصــابتي ومــع هــذاــة وأحن إليهم. اتصــلت األلم واألذى الذي حل بي، أخذت أتذكر رفاق الجبه

ا واستعلمت عن الشهداء والجرحى في تلك العمليات. هاتفي

كان سهيل مواليي ضمن الشــهداء. ذهبت إلى بيت أهلــه في ذكــرى مــرورــثر من شــهرين أربعين يوما على شهادته. لم يكن قد ارتدى بدلة التعبئة أك حين استشهد. جاء في شهر دي ورحل في شهر بهمن )شباط(.عــرفت أن رصاصة قد أصابت صدره وقلبه فقضى نحبــه فــورا. كــذلك استشــهد إمــام جماعة فصيلنا السيد رحيمي وأمير عباس أيضا. كان عــدد الجــرحى كبــيرا،

ا. بعضهم أتى لعيادتي وبعضهم اتصل هاتفي

ــدعو كان حسن قابل أعال من الجرحى، وكانت حاله وخيمة. طلبوا منا أن نالله لشفائه.

، التحقت بالجبهة مرة أخرى، وجرحت في رأسي 1986في العام

124

مرة أخرى، وحلت ضيوفا على حياتي اآلالم واألرق وصفير األذن.

ــام ــرب، في الع ــيرة للح ــنة األخ ــ. ش. )1367في الس ــدت1988هـ (، ع فالتحقت بالجبهة ورجعت إلى كتيبــة حمــزة. هنــاك التقيت بعض األصــدقاء القدامى. شاركنا مــع شــباب الكتيبــة في التصــدي للمنــافقين في عمليــات

المرصاد.

بعد انتهاء الحـرب، تــابعت دراسـتي وتخــرجت من كليــة الحقــوق. لـو كـانــزا، لطالمــا كنت أشــعر بــأن مكانــه خــال في ا ممي ا لكان مهندســ سهيل حي

الجامعة.

ــة. بــدأت أعمــل ــا لالستشــارات القانوني حين أنهيت دراســتي، افتتحت مكتب على ملفات النصب واالحتيال والتهرب من القـانون واالعتــداء على النــاس و.. وأتذكر الجبهة وأهلها بين الحين واآلخر، في أيــام الجبهــة لم يكن هنــاك

أثر لهذه الرذائل، وكل شيء هناك كان يرشح فضيلة وصفاء.

كان هناك نيران ورصاص ودماء وجــراح وروائح بــارود، لكن كــل هــذا كــانــة لم جميال، لم يكن هناك أي قبح وال حقد وال حسد في القلوب. أهل الجبهــل يكونوا يحتالون على اآلخرين، وال يأخذون حقوقهم، ليس ذلك فحسب، ب

كانوا دوما يؤثرون اآلخرين على أنفسهم.

ماذا بقي اآلن من كل تلــك الفضــائل؟ أين التضــحية والفــداء؟ أين اإليثــار؟لعلها موجودة ولكن ال نراها نحن.

ــه. ا للعهد الذي قطعت لو عاد بي الزمان إلى عشرين سنة لكنت كما أنا وفيــل عندما يلعب ابني كلما سمعت صوت صفير - - أعود أليام الماضي، بفض

اللــه الــرحيم، ال أشــعر بــأي ذرة نــدم أو تــردد حــول الــدرب الــذي اخترتــهوسرت فيه.

125

وثائق الفصل الحادي عشر

االسمالرقموالشهرة

الوثائق الوثائق غيرالصورالمكتوبة

المكتوبة دقيقة حوار21195مهدي ملكي1 الشهيد سهيل2

دقيقة حوار مع8695موالييالعائلة

أوراق من الوثائق4من مجموع مستندات الفصل، أدرجت في هذا القسم : صور5المكتوبة و

مهدي ملكي-1 المعلومات الشخصية1-1

- إجازة في الحقوق، متأهل وله ولد، يعمل في مكتب للمحاماة..1969- تاريخ ومحل الوالدة: طهران

- مــدة الحضــور في الجبهــة ونــوع المشــاركة )الصــفة(: اثنــا عشــر شــهرامتطوعا في صفوف التعبئة.

ــاص(،1984- العمليات التي شارك فيهــا والــرتب العســكرية: بوكــان، )قنــة في مهــران، 8عمليات والفجر ــاص(،1986 )مسعف(، مهمــة دفاعي )قن

عمليات مرصاد )قناص(. (،1985- عــدد اإلصــابات: التعــرض لعصــف انفجــار في الــرأس والرقبــة )

(.1986إصابة في الرأس )%.15- درجة اإلصابة:

126

مذكرات مكتوبة1-2 دفتر1-2-1

محمد جواد نصيري بور,118الوثيقة رقم

الكالم األخير1-3

119الوثيقــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــة رقم 86الصورة رقم

ـ من اليسار: مهدي87الصورة رقم ملكي، حسن أعاليي نيا

الشIIIهيد سIIIهيل مIIIواليي-2تفرشي

بطاقة الهوية2-1

الوثيقة رقم 88الصورة رقم 120

127

121 الوصية: الوثيقة رقم 2-2

مقابلIIIة 2-3مع والد الشهيد

)1348ولد سهيل في شــهريور من العــام (. ومضــافا إلى دروســه1969 المدرسية كانت والدته تعلمه سورا من القرآن الكريم. فحفظ بعض ســور الجزء الثالثين. في المرحلة االبتدائية، قفــز من الصــفين الرابــع والخــامس

لشدة تفوقه.

طة نجح نجاحــا بــاهرا. وحيث كــان يحب الرياضــيات وفي المرحلة المتوســكثيرا، التحق في المرحلة الثانوية بفرع الرياضيات والفيزياء.

ذات يوم كنا في "تفرش" إلى جانب بستان. وكان البســتاني يقطــف ثمــارــات الجوز عن طريــق ضــربها بعصــا طويلــة لتســقط. ولمــا كــانت بعض حبــة ــر من تحت األشــجار، راح أوالد العائل ــاء يم ــدير م ــوز تســقط في غ الج

يجمعونها، ولو لم يفعلوا ذلك، لذهبت مع المياه هدرا.

سألت سهيل: لم ال تأكل من هذا الجوز؟

قال: بابا! أليس من األفضل أن نعطي البستاني ثمن هذه الجوزات؟

ــا. حين أخــذ مني أوضحت له المسألة ببضع كلمات، إال أن ذلك لم يجد نفعثمن حبات الجوز وأعطاها للبستاني، عاد ببعضها وأكلناها معا.

128

-ــ 1985شــرع ســهيل بالعــام الدراســي . وكــان حينهــا في الســنة1986 الثانوية الثالثة. درس األشهر الثالثة األولى، وتقدم بامتحانات الفصــل األولونال فيها درجة جيد، لكن أمرا آخر كان يشغل تفكيره. قال لي ذات يوم:

ــ أبي، أريد االلتحاق بالجبهة.ــ عندما تنهي السنة الرابعة، تذهب.ــ ال أريد أن أذهب قبل هذا الوقت.

ــ إذا، أنه امتحانات السنة الثالثة، ومن ثم اذهب.ــ ال، قبل هذا.

لم أعد أطيق صبرا وسألته: "لم بهذه الســرعة؟ اذهب في عطلــة األعيــاد. يوما، وعد عند الشروع في امتحانات آخر العام الدراسي.45اذهب

ــ ال، يجب أن أذهب اآلن.

ــة، يومها، مهما فعلت لثنيه عن قراره لم يجد نفعا. قــال: هنــاك بعثــة طالبيوأريد االلتحاق بها.

كذلك، لم يجد كالم والدته نفعا. كان قلبه في مكان آخر. أخيرا، وقعنا على ورقة موافقة األهــل، فــذهب إلى قاعــدة مالــك األشــتر والتحــق من هنــاك

بالجبهة.

. لهـذا السـبب، كـان بـالي27كان خال سهيل يتسنم مسؤولية في الفرقة مرتاحا بعض الشيء. وبتوصية منــه، التحــق ســهيل بكتيبــة حمــزة. لم يكــدــة. وحين عودتــه حمــل معــه يمضي شــهر على ذهابــه حتى عــاد في مأذوني

بعض الكتب الدراسية والدفاتر، سألته متعجبا:- ولدي، أنت ذاهب إلى الجبهة أم إلى المدرسة؟ أجابني بسرور:

129

ــة األولى أو - يوجد الكثير من التالمــذة في فصــيلنا، وهم في الســنة الثانويالثانية أو ملتحقون بالمعاهد الفنية. وأنا أقوم بتدريسهم هناك.

ــوم لم تدم مأذونيته ألكثر من أسبوع. جاء صباح يوم الجمعة وودعنا عصر ي الخميس بغية العودة. قبلت وجهه. كانت عالمات الرجولة بادية على وجهـه وفي سلوكه. وكنت بدوري فخورا به، لكنني كنت قلقا عليــه. ذهب ســهيل،

وأرقنا خلفه الماء. كان ذلك آخر لقاء لنا به.

ــات، ة بالعملي إلى ذلك اليوم، كنت حين أسمع الموسيقى العسكرية الخاصــ أشــعر بالســعادة. لكن، ال أعلم لم انقبض قلــبي حين ســمعت الموســيقى

". كنت قلقا، في غاية القلق. قلت لزوجتي:8الخاصة بعمليات "والفجر - علينا أن نرتب غرفة ســهيل. يلزمهــا طالء. علينــا أن نقــوم بشــيء يفــرح سهيل حين عودته إلى الـبيت. ذات يــوم، اشــتريت من محــل الســمانة في

حينا بعض قناني الحليب الزجاجية.

ــة من يــدي وانكســرت. وقبل أن أصل إلى البيت، سقطت القناني الزجاجياعتراني شعور غريب بالقلق. قلت لزوجتي:

ــ سنسمع اليوم خبرا سيئا.

ــبيت. ذهبت إلى مركز عملي. حين رأى زمالئي حالتي، قالوا لي: عد إلى ال

عدت. كنت أنتظر وصول خــبر مــا، وإذا بجــرس البــاب يقــرع. كــان جارنــا.عندما سمعته يذكر اسم سهيل قلت:

ــ أستطيع تحمل سماع ما عندك من أخبار.

قال الجار:ــ لقد أصيب سهيل.

قلت:

130

ــ لم يصب، استشهد.

اغتسلت في البيت وذهبت إلى معراج الشهداء ألرى ابني. كان ينام بهدوء.لمت إلينــا مالبســه وأغراضــه كان وجهه سليما، أما صدره فكان ممزقا. ســ

الشخصية. لم يصرف مبلغ المال الذي أعطيته إياه في المأذونية األخيرة.

ذات يوم، صادف أن رأيت معلم سهيل في الثانوية. وكان يستلم مسؤولية ( في عداد كتيبة حمزة، إال أنه لم يكن يعلم بشهادة8في عمليات )والفجر

سهيل. وحين علم بذلك تأثر كثيرا وقال: - لقــد تعــرف ســهيل بســرعة على األســلحة. جــاءني ذات يــوم، أشــار إلى بندقيته وقال: "إنها مريحة في الحمل". كان مسرورا لكونه سيشــارك في العمليات ليلة الهجوم. لقد كان في المدرســة تلميــذا ممتــازا، وفي الجبهــة

ا شجاعا وذا روحية عالية. كان جندي

وعلى الرغم من صغر سنه، إال أن الجبهة قد صنعت منه رجال.

عنوان القبر2-43، الرقم 79، الصف 53طهران، بهشت زهراء، القطعة

90الصورة رقم 89الصورة رقم

131

الراوي: "حسين فياض".التشكيل: معاون مسؤول الفصيل.

م(2003 هــــ. ش )1382تـــاريخ ومكـــان أول مقابلـــة:طهران.

الفصل الثاني عشراألمانة

ــران. كنت االبن ــياب دوالب" في طه ــة "سرآس ــور في منطق ــرت الن أبص األخير ألهلي. كــان أبي بــائع أقمشــة. كنت في الثامنــة عشــرة من عمــري

م( عن طريــق1983حين التحقت للمرة األولى بالجبهــة في شــتاء العــام ) 1984مقر تعبئة "مالك األشتر"، وبقيت على خطوط التماس حتى خريف ــر " في4حيث أصبت بجراح في وجهي ويدي اليمنى خالل عمليات "والفج

مرتفــع "كــاني مانكــا"، اكتســبت الكثــير من الخــبرات والتجــارب في تلــكالمدة.

ــل ــا. كنت أرغب بالمشــاركة في ك ــا ثاني ــة بالنســبة لي بيت أصــبحت الجبهالعمليات. لم تكن صعوبات الجبهة ومشاكلها تعني لي أي شيء!

م، انتســبت إلى حــرس الثــورة اإلســالمية بشــكل1984في خريــف العــام رسمي، وشاركت في عمليات "بــدر"، لكن بعـد انتهــاء العمليــات، اعــترض مسؤولو الحرس على وجودي في الجبهة، وقالوا إن هناك نقصا في قــوات

وبعد إصراري الشديد 1985الحرس في "طهران"، ولكن في ربيع

132

ــدود محافظــة قبلــوا أن يرســلوني إلى األهــواز لتكــون خــدمتي على حــران". حين غبت ــرجعت إلى "طه ني ف ــ ــذا لم يرض ــتان"، ولكن ه "خوزس لفترة عن العمل ولم أحضر إلى مركز الحرس، رضخوا لطلبي وقد نجحت هــذه الحيلــة، فوافــق مســؤولي المباشــر على انتقــالي إلى الوحــدات

العسكرية المقاتلة.

محمـد27م، كنت قد أصبحت ضمن عديد الفرقـة "1985في صيف العام وكتيبــة "حمــزة"، غــدوت فرحــا صــلى اللــه عليــه وآلـه وســلمرســول الله

مسرورا بأني رجعت مرة أخرى إلى الوحدات الهجوميــة القتاليــة لخطــوطــدفاعي في ــة إلى الخــط ال ــع الكتيب ــك الصــيف، ذهبت م التمــاس. في ذل "مهــران"، اســتقررنا هنــاك لمــدة شــهر. بعــد رجوعنــا، وفي شــهر "مهــر"

م(، كانت قد حصلت مجموعة مناقالت1985 هـ. ش )تشرين األول 1364ــة، وتم ــني" مســؤول الكتيب وتحوالت في قيادة الكتيبة، فأصبح "محمود أميــذه ــيل، ه ــؤول الفص ــاون مس ــبحت مع ــيل األول حيث أص نقلي إلى الفص

المسؤولية التي كنت أقبلها وأتحملها ألول مرة.

قبل ذلك، عملت مساعد رام ورامي آر. بي. جي، وكــذلك مســؤول طــاقمــدة بكــل ــديما، وعلى معرفــة جي ا ق ــرمي. كــان مســؤول الفصــيل تعبوي ال عناصره، الذين كانوا يعرفونه وبالحد األدنى قد سمعوا صوته يقــرأ القــرآن

ودعاء الصباح خالل المراسم الصباحية، إنه "محسن كلستاني".

في أحد األيام أرســل لي "محســن" أحــد المقــاتلين لكي أحــدد لــه موقعــه ومهامه. كان اسمه "علي قابل" وقد شارك سابقا في عمليات "بدر". بعــدــبرة حواري معه، عرفت بأنه كان مساعد رامي آر. بي. جي فقط، ولديه خ بسيطة في مجال التخريب وبعد أن تحدثت مــع "محســن كلســتاني"، قلت

له أن يتولى مهمة مساعد رامي رشاش.

133

ــل" األول بعد أيام جرت مسابقة رماية بين عناصر الفصيل، وحل "علي قاب في الرمي بالكالشنكوف، فأهداه مسؤول الفصيل علبــة بســكويت ورمانــة واحدة كجائزة له. كان واضحا بأنه قد شــارك في دورات تدريبيــة واســتفادــا، فشــباب منها بشكل مميز. ال أظن بأنه تناول شيئا من تلك الجائزة يومه

الفصيل تحلقوا حوله وقضوا على جائزته فورا!

عنــدما ذهبنــا من ثكنــة "دوكوهــه" إلى ســاحل بحــيرة "دز" للمشــاركة فيــا تدريب على العمليات البرمائية، انقسمت كتيبة "حمزة" إلى ســريتين، كن في فصل الخريف. أوصينا الشباب األصغر سنا أن يتنــاولوا "اللفت"، كي ال يمرضوا وقلنــا لهم: إن لم تـأكلوا "اللفت" وأصـابكم أي مـرض فال تفكــروا

أبدا بالمشاركة في العمليات!

كانوا يستمعون إلى كالمنا مــا بين المــزح والجــد، لكن مائــدة اللفت كــانت عامرة دوما في خيمة فصيلنا. بعضهم كان يبلع اللفت من دون أن يقضمه،

والبعض اآلخر كان يغلق أنفه بيده كي ال يشم رائحته.

شملت تلك الــدورة مهــارات الســباحة وقيــادة القــوارب وبعض أساســيات الغوص واستخدام سترة النجاة و.. كان الشباب يتعلمون كل هذا ويقومون بصيد السمك في أوقات الفراغ. كانت بحيرة "دز" تحوي أنواعا عديدة منــهم األسماك، فجذبت الشباب واصطادتهم قبل أن يصطادوا أسماكها! بعض

لم يذهب في مأذونية إلى مدينته وبيته وبقي ليمارس هواية الصيد.

ــأن في تلك األيام، تم تصوير فيلم عن الشباب. وقد صدرت األوامر حينها ب تظهر عالمات النظم واالنضباط في الفيلم بشـكل واضـح. إضـافة إلى كـل جهود الشباب وقفت أنا واألخ "محسن" من جهتي صفي الطابور لإلشراف

على الحركة ولحسن الحظ فقد تم إنجاز تصوير الفيلم بشكل جيد.

134

، وأخــذ كــل( تشــرين الثــاني18)رجعنا إلى الثكنة في أواخر شــهر "آبــان" ــاليهم. كنت شباب الكتيبة عطلة لمدة عشرة أيام لتجديد نشاطهم بلقاء أه أعلم جيدا بأنني عنــدما أصــل إلى "طهــران" ســوف تســتقبلني أمي بفــرح وتعد لي المأكوالت الشهية، وسأجالس والدي كــل مســاء عنــدما يعــود من المحل. وعندما أريد الرجوع للجبهــة مجــددا وأقــوم بإعــداد حقيبــتي، كيــف ستأتي أمي وتقول: "يا بني، لم هذه العجلة، لقد رجعت للتو... ابــق قليال"، كانت الكلمات والتصرفات قد أضحت معروفــة بالنســبة لي ويمكن توقعهــا

بسهولة.

ذهبنا ورجعنــا. في طريــق العــودة، ركبت أنــا و"محســن كلســتاني" و"علي قابل أعال" في القطار في مقصـورة واحـدة. كـان علي قـد أحضـر مالعـق معدنية لكل الشباب كي يتمكنــوا خالل العمليــات من طي رأســها ووضــعها

في جيوبهم.

بعد المأذونية، اكتمل تشكيل الكتيبة بانضمام قوات "قوافل كــربالء" إليهــا. التحق منهم بالفصيل األول "علي آقا رحيمي"، ورجــل آخــر اســمه "الحــاج ناصري"، وكانت مهمتهما حمل ونقــل الجــرحى في المجموعــة الثانيــة. لم

قــد انتهى عنــدما صــدرت األوامــر مجــددا(كــانون األول)يكن شــهر "آذر" باالنتقال من ثكنة "دوكوهه"، إلى معسكر "كرخه" هذه المرة.

في "كرخه" كان الطقس باردا وممطرا. على الرغم من أننــا وضــعنا عــدةــا ــان يخترقه ــة، إال أن الصــقيع ك ــايلون على ســقف الخيم ــات من الن طبق بسهولة. في األيام الممطرة، كنا نقضي أغلب الوقت داخل الخيمة ونعاني ليال من شدة البرد. عندما كنا نجتمع ونجلس جميعا كان األخــوان "محســن كلستاني" و"محسن كــودرزي" يحــدثاننا عن ذكرياتهمــا على الجبهــات. في

":4إحدى المرات رويت للشباب قصة إصابتي في عمليات "والفجر

135

ــات والفجر ــل"4"في عملي ــة كمي ــوات "كتيب ــداد ق ــدأت1"، كنت في ع . ب تشــرين الثــاني( واســتطاع مقــاتلو6العمليات في منتصف شــهر "آبــان" )

/كاني مانكا" واالستيالء على مواقــع العــدو.1904الكتيبة تحرير قمة جبل " في اليوم التالي بدأ الهجـوم المضـاد للقـوات العراقيــة، كنـا مقابـل قـوات الحرس الجمهـوري العـراقي وجهـا لوجـه. كنت مــع قائـد الكتيبــة الشــجاع

. بــدأ العطش يشــتعل ويــزداد، لم يكن لــدينا مــاء وال2"إبراهيم معصــومي" طعام وكانت الذخيرة قليلة وتكاد تنفد. أفرغنا كــل المطــرات الــتي حملهــاــاك أي أمــل بإيجــاد المــاء، تجــاهلت الموضــوع الشــهداء. حين لم يعــد هن وشغلت نفسي بمواجهة العراقيين. في هذه األثنـاء انفجــرت قذيفـة هـاون

أمام وجهي مباشرة وأدت إلى ارتجاج دماغي!

انتشر الغبار والدخان في كل األرجاء أمام عيني، لكــني أغمضــتهما بشــدة، كان عمال من غير انتباه وال فائــدة منــه. بعــد لحظــات، وحين بــرد جــرحي، شعرت بأن شرايين وجهي قــد خــرجت من مكانهــا وأن وجهي قــد تالشــى وتشوه بشكل كامل، كذلك شعرت بألم في عضالت ساعدي األيمن. ولكن أقل من وجهي حين تجرأت وفتحت عيني، كانت أكياس تراب الدشــمة قــد

انهارت واسودت من نار القذيفة.

ــه لم يصــب، إال أن شــكله كــان ــارات، ورغم أن كان إلى جــانبي مقاتــل بنظ يوحي بالرعب الشديد. كانت دماء وجهي قد تناثرت على نظارته، وال شــك

أنه كان يرى كل شيء باللون األحمر.

مسحت وجهي بالتراب ألفهم ماذا حدث بدقة. كان جلد شفتي وجبهتي قــدتمزق، كذلك أنفي، وكانت الدماء تنزف من أسناني وكأنني

1. " الكتيبة " هذه شباب بطوالت يروي الذي كميل كتيبة تحيا كتاب القافلة، سادة السلسلة هذه ضمن2 . الشهادة كأس هو شرب بجراح، إصابتي بعد

136

قد قضــمت بأســناني لحم حيــوان حي. وقــع نظــري عــل ذلــك الشــاب ذي النظارات. كان قد تجمد وتســمر في مكانــه من ضــغط انفجــار القذيفــة أو من رؤية وجهي. وأخيرا أدرك أنــه يجب أن يســعى إلحضــار مســعف. ذهب وعاد معه بعد قليــل. وضــع المســعف أنبــوب قلم حــبر فــارغ في فمي، ثم

ضمد كل وجهي بالقطن والقماش المعقم.

" مجــددا واســتولى عليهــا1904بعــد إصــابتي بســاعة، ســقطت القمــة "العدو... ".

في الفصــيل األول رجالن عجــوزان، أحــدهما إمــام جماعــة الفصــيل. كــانــا مــا يــؤدون صــالتهم جماعــة في حســينية الكتيبــة، لكن خالل الشباب غالب العواصف واألمطار كــانوا يصــطفون داخــل الخيمــة لصــالة الجماعــة. قبــل

فيلســوف الفصــيل- يــؤم حضــور الســيد "رحيمي"، كــان "أصــغر أهــري" -الشباب في الصالة.

عندما جاء السيد "رحيمي" رجع "أصغر" للتنظير والفلسفة.

كان السيد "رحيمي" موظفا قديما في "جهــاد البنــاء" ولديــه ســجل حافــل . كــان يتكلم "اآلذريــة"(م1979) هـــ. ش 1358بالخدمــة هنــا منــذ العــام

ويتمتــع بقامــة ضــخمة وبنيــة قويــة. مهمــة حمــل الجــرحى ونقلهم لم تكنا كبيرا، ولكنهــا تحتــاج إلى صــبر كبــير جــدا، تتطلب مهارات وإبداعا عسكري وهذا ما يتحلى به السيد "رحيمي". كان أبا لثالثة عشر ابنا وبعد أن بلغ منا، بدل أن يستريح في المنزل، جــاء إلى الجبهــة متحمال المشــاق العمر عتي والصعوبات بكل رحابة صدر وروحية عاليــة، وكــان يقــوم بأعمــال الخياطــة

لمالبس الشباب أيضا.

وألني كنت معاون الفصــيل، كــان لــدي مهمــات ومســؤوليات خاصــة. كــان"محسن كلستاني"، يخبرني أحيانا أنه ستجري هذه الليلة مناورة

137

ـا أن أذهب للفصيل أو السرية أو الكتيبة أو مسير ليلي - - وكـان علي أحيان مع شاب أو اثنين لنقوم بنصب كمين للشباب أثناء مسيرهم، وأن نمطرهم بالرصاص والقنابل، وكنا نوصي بعضنا البعض دوما بالحذر واالحتيــاط كي ال

يصاب الشباب بأي مكروه.

في أحد األيام قال لنا "أمير عباس رحيمي" الذي كان مشهورا بلقب "األخالمهندس":

- شاهدت في المنام بأنني في "خرمشهر". كنت في مدخل المدينــة أقــف محدقا بالسماء، وإذا بماء زالل ينبع من ينبوع نــور عنـد قــدمي ويصــل رذاذ

الماء إلى رأسي ووجهي.

صار الشباب يفسرون له منامه حزما وجدا، كذلك قــام واحــد أو اثنــان من الشباب بتقبيله وطلب الشفاعة منه، قاال له: إن شــهادتك قــد تم إمضــاؤها

بهذا المنام.

كان مسؤول الفصيل شخصا محبوبا جدا، وكنت أغبطه كيــف أنــه بعــد كــلا ومتطوعــا. كــان يرتــدي مالبس هذه المشــاركات والمعــارك ال يــزال تعبوي بسيطة ويقلل الطعام، أقام في الفصيل درس قرآن، جمــع حولــه الشــباب الراغبين تعلم القرآن، فكانوا يرتلون اآليات بأصوات وأنغــام متعــددة. كــان

هذا المعلم متمكنا من قراءة األساليب واأللحان المختلفة بمهارة عالية.

كنت أعلم أنه كان أحيانا قليلة يقــوم بقــراءة مجــالس العــزاء واللطميــات، ولكنه لم يتخذها عمال يتكسب به، كان يكــرر بين المــزح والجــد بــأن أجــره

كان دائما طبقا من الحلويات.

في أحد األيــام وجــدت ظرفــا في صــندوق التجهــيزات. كــان مكــان نــوميبالقرب من الصندوق وأمام مدخل الخيمة. وكان "محسن" ينام

138

في مقــابلي في الجهــة األخــرى. تعجبت أوال من وجــود هــذا الظــرف في الصندوق، لكن عندما فتحته فهمت القضية. كان شخص مجهــول قــد وضــع مبلغا من المال في الظرف وكتب فيه أن من يجده فليسلمه إلى "محسن كلستاني" أو لي، أنــا وبالصــدفة فقــد وجدتــه. كتب داخلــه: فليصــرف هــذا المــال على شــباب الفصــيل. أخـبرت "محســن" بالموضــوع، دقــق بــالنظر

وقال: وكأن من كتبه أعسر وقد كتبه بيده اليمنى أو بالعكس".

ــا بســيطا، خمســمائة أو ــارة كي ال يعرفــه أحــد. لم يكن مبلغ تصــرف بمهــام على شــراء سبعمائة تومان. وقد تم صرفه في مدة أسبوع أو عشرة أي

أغراض وحلويات وفاكهة للشباب.

قبل أن يعمل أبي في بيع األقمشة، كان بائع حلويات وطالمــا ســاعدته فيمطلع شبابي، كنت أعرف أشياء عن الحلويات وكيفية إعدادها.

وكان رفاقي في الحي يغبطوني على هذا العمل قائلين: هنيئا لك، تستطيع أكل الحلويــات مــتى تشــاء! ولهــذا الســبب كنت أذهب مــع األخ "محســن" لمســاعدته في شــرائها من محــل الحلويــات القــريب من جســر "دزفــول"

القديم.

عندما كان شباب الفصائل األخرى يأتون لزيارتنا في خيمتنا، كــانوا يلتــذونبسماع صوت "محسن" الجميل وكذلك بطعم الحلويات اللذيذ.

ــغ تكررت حادثة المال المجهول والظرف مرة أخرى، هذه المرة كان المبلنصف المبلغ السابق.

ــا نقــوم بمســير، كنت أركض في آخــر الطــابور وأقــوم بتشــجيع عنــدما كنالمتأخرين وإلحاقهم بالمسير، قائال لهم:

139

- اتصل بالصف... اركض يا أخي... لقد تأخرت.. هيا..

ذات مرة، وخالل تمرين عسكري شاق، الحظت أن أحد الشباب يعــرج في مشيته. لم يكن يظهر ألما أو شــكوى، لكــني رأيت كيــف أن قدمــه ملتهبــة ومتقرحـة الجلـد. أخـبرت األخ "كلسـتاني"، الـذي سـمح لـه بانتعـال حـذاء

رياضي كتاني في التمارين الصباحية حتى يتحسن وضع قروح قدمه.

في إحدى المناورات، الليلية، أصيب اثنــان من الشــباب بجــراح، علمنــا فيا، قــد استشــهد. تــركت صــباح اليــوم التــالي بــأن أحــدهما، وقــد كــان تعبوي

ا على معنويــات الجميــع. بسبب شظية قنبلة يدوية شهادته - - تــأثيرا ســلبي أقمنا لراحة نفسه مجلس ختم وذكرى ثالث وأســبوع في حســينية الكتيبــة، بعد هذا الحادث، صدر قرار بمنع حمل المعدات العســكرية خالل التــدريب،وطلب من كل من يملك ذخيرة أن يسلمها إلى قسم التسليح في الكتيبة.

ــا يضــغطون فضال عن تشجيعي ألتابع دراســتي، كــان شــباب الفصــيل أحيانا، مثلي ومثل األخ "كلســتاني" و"أصــغر أهــري" و"كــودزي" على األكبر سن كي نــروي لهم ذكرياتنــا ومغامراتنــا. كــانوا بغايــة الشــوق لســماع تفاصــيل أحـداث عمليــات "والفجــر-التمهيديــة" و "والفجــر واحـد" حيث كنت حينهـا أخدم في كتيبة "ذو الفقار" الحديثة التأسيس والــتي تم تشــكيلها لمواجهــة

اآلليات المدرعة والمصفحات المعادية.

ــة رشاشــات، ــار" ســوى ثالث ــة "ذو الفق ــدى كتيب قلت للشــباب: لم يكن لــة" الصــحراوية، كــان رشاش واحد لكل سرية! في مواجهــات منطقــة "فك العدو يستخدم بنادق "السيمينوف" المجهزة بمنظار، والــتي كــانت تصــيب

الشباب بدقة عالية. إن أخطأ رامي اآلر بي جي عندنا في

140

ــة من النقطــة نفســها، كــانت رصاصــة ــه األولى وأطلــق قذيفــة ثاني قذيفت"السيمينوف" تطبع بصمتها على جبهته فورا.

ثم قلت لهم:ــينكوف"، ينبغي أن ال ــادق "كالش ــانت معهم بن ــذين ك ــباب ال ــذلك الش - كــار من وراء بعضــهم البعض من الدشــمة نفســها. األفضــل أن ــوا الن يطلق يتحركوا ويغيروا أماكنهم. فبهذا األســلوب، تقــل الخســائر وال يتمكن العــدو

من معرفة أعدادنا ومواضعنا.

في أحــد األيــام، حين كــان الســيد "رحيمي" يخيــط مالبس أحــد الشــباب، تجاذبت معه أطراف الحــديث، عــرفت بــأن أحــد أبنائــه قاتــل في عمليــات

"خيبر" معه وكان في إحدى الكتائب المقتحمة لخطوط التماس: - أحد أوالدي، أنهى خدمته في هذا الصيف منذ أربعة أو خمســة أشــهر في

ا، جئت أنا إلى الجبهة. كتيبة األنصار وعندما عاد واستقر في المنزل نهائي

كان اثنان من أوالده من أهل الجبهة. وقد أوصى أحدهما وهــو المــتزوج أنيهتم بباقي أفراد األسرة.

كان إعداد أسماء المناوبين للحراسة الليليـة جـزءا من مهـامي، وقــد قمت بشكل دقيق بوضع نوبة حراستي مع السيد "رحيمي" عدة مــرات ألتعــرف

إليه أكثر فأكثر.

بعض الشباب كانوا يوقظون المناوب التالي لهم لمجرد إنهاء نــوبتهم، لكنــيرهم أو ــة غ الغالبية منهم كانت تتأخر عمدا، فكانوا يحرسون جزءا من نوب يقومــون بحراســة كــل النوبــة التاليــة لــيريحوا إخــوانهم البــاقين، كنت أنــا

و"كلستاني" نحرص على عدم وقوع هذا األمر ألن الحراسة بحد

141

ذاتها هي تمرين على تحمل السهر وعدم النوم. هــذا اإليثــار والتضــحية من الشباب جدير باالحترام، ولكن على الجميع أن يعود نفسه على عدم النــوم

كي ال يتعرض لمشاكل في ليالي العمليات والمواجهات.

كانت كتابــة كلمــات الــذكرى، وطلب الكتابــة من الشــباب اآلخــرين، عــادة رائجة وعرفا جيدا على الجبهة. أخذت أول كتابة للذكرى من "محمد عليان نجادي"، أهداني صــورة شخصــية لــه وقــد كتب خلفهــا: تحيــات ال حــد لهــا، لحضرة صاحب الزمان ونائبه بالحق اإلمــام الخميــني، وســالم عليــك يــا أخ

ــات" ــاء التبع ــذات وبق ــروا انقضــاء الل ــاض". "اذك ــه)"في ــام علي علي اإلم م( "محمــد عليــان1986 كــانون الثــاني 14 هـــ. ش )24/10/64. (السالم

نجادي".

آخر مأذونية أعطيت قبل العمليــات، كــانت لمــدة أســبوع في أواخــر شــهر "دي". في الليلة التي رجعنــا فيهـا للخدمــة، قــرر محســن إجـراء منــاورات ورماية ليلية للشباب في معسكر "كرخة"، ولكن بشــكل مختصــر بالتأكيــد.

قال: - أريد إخــراج أجــواء "طهــران" من رؤوس الشــباب، يجب أن يرجعــوا إلى

جهوزيتهم نفسها التي كانت لديهم قبل المأذونية.

وكذلك قمنا، في صباح اليوم التالي، بمسير للسرية من الســاعة العاشــرةا بتجديــد وحتى ما قبل الغــروب، ال بــد أن مســؤول الســرية قــد فكــر أيضــ نشاط الشباب. مشينا حتى جسر "كرخه" على جادة "أنديمشك - دهلران" ورجعنــا. وقـد شــاركت في المسـير رغم تعرضــي لنزلـة بـرد، مشـيت مــع الشباب ولم أقصر. حين رجعنا، قلت لنفسي: يا حسين لقد أضحت قدماك

حديديتين. سارتا كل هذه المسافة مع الشباب ولم تتعبا!

142

آخر من التحق بالفصيل األول واكتمل به عديد أفراده، كان مســعفا اســمه "نجات باقري". قبل هذا، كان مسعف الفصيل "علي شــهبازي" قــد انتقــل للفصيل الثالث ولم يبق عندنا سوى "ســيروس مهــدي بــور". لم يكن لــدى المسعف الجديد فرصة كبيرة ومدة كافية للتعرف إلى شباب الفصيل، فلما ويتكلم بلهجــة ــا جامعي ــا "كرخــه". كــان طالب نكمــل األســبوع حــتى غادرن "خوزســـتانية". عنـــدما أطـــل إلى الفصـــيل، قمت أنـــا واألخ "كلســـتاني"ــن" بالترحيب به وتعريفه بشكل عام إلى أوضاع الفصيل، ثم أوصى "محس "سيروس مهدي بور" بأن يشرح له األوضـاع أكـثر، ويعرفـه إلى معلومـات

الفصيل وأحوال الشباب.

ذهبنا إلى حقل الرمايــة في معســكر "كرخــه"، وجــرب الشــباب أســلحتهم وتحققوا من دقة إصابتها. نزلة البرد انتهت بعــد أســبوع من تنــاول األدويــة

والمداراة والتجاهل أيضا.

الشوق والمشاعر الجياشة مــع اقــتراب العمليــات، كــل ذلــك شــافاني من نزلة البرد، لكن شغفا ما خفق في قلبي. حــتى لــو شــارك اإلنســان عشــرا سيشــعر بهيبــة مرات في العمليات، فإنه في المــرة الحاديــة عشــرة أيضــ

الموقف. فهل اللعب مع الموت مجرد مزحة؟

وصل بالغ بأن يسلم الجميع كل أغراضهم الشخصــية وحقــائبهم إلى قســمــدة أخــرى. وقــع األمانات "التعاون" في الفرقة. وهذا يشير إلى هجرة جدي نظري على إمام جماعة الفصيل، كــان غارقــا في التفكــير. كنت أظن بأنــهــالقرب يريد كتابة وصيته، ولكن لم يكن هناك أثر للقلم والورقة. جلســت ب

منه. قلت له: - هل هناك أي مشكلة يا سيد "رحيمي"؟ هل جد عليــك شــيء؟ هــل تريــد

أخذ مأذونية؟- كال، يا سيد "حسين"، ال شيء مهما.

143

- هل يمكنني المساعدة؟- كال، أنا أقدر على معالجة الموقف.

عندما رأى نظرة القلق في عيني قال: - أبي، أبي ليس راضيا أن أكون في الجبهة، وقد أخذ مني وعدا بــأن تكــون

هذه هي المرة األخيرة التي أشارك بها في الحرب.- وهل قطعت له هذا الوعد؟

- نعم... ولكني أظن أني لن أراه مرة أخرى.

تحيرت كثيرا. هذا الرجل في الخمسين من عمره، قــد ألــزم نفســه بــأن ال يغضــب أبــاه من جهــة، وقلبــه يحن للحضــور في الجبهــة من جهــة أخــرى.

سألت نفسي: هل يا ترى سيحصل ما يقول؟

ــام وزع قســم التمــوين أكيــاس مكســرات هــدايا من النــاس في تلــك األي للمقاتلين. وجدت في كيس هــديتي رســالة بخــط يــد تلميــذة في المرحلــة االبتدائية واسمها "مهرناز". شــبعت بطوننــا من أكــل المكســرات، وقــويتــا نقــرأ رســائل بعضــنا البعض وترتفــع ــا بقــراءة هــذه الرســائل. كن أرواحن

معنوياتنا أكثر.

كتبت وصــيتي، ووضــعت أغراضــي اإلضــافية مــع صــورة "عليــان نجــادي" التذكارية ورسالة "مهرناز كوجك زاده"، داخل حقيبتي وســلمتها إلى قســم

"التعاون".

ــاتال، ثالثين من ــنين وثالثين مق آخر إحصاءات الفصيل في "كرخه"، كانت اث عناصــر الفصــيل، واثــنين من شــباب الــدفاع الجــوي المــرافقين لنــا. كانــا يخدمان في الفصيل، الحتمال أن نغنم صواريخ ضد الطيران من العدو فيــا ضــيفين ــه. كان ــا على طائرات ــان بإطالقه ــات، فيقوم ــة العملي صــبيحة ليل

مرافقين للفصيل ويأخذان األوامر من مسؤولهما.

144

قبل مغادرة المعسكر، روى لي األخ "كلستاني" مناما شاهده، قال إنه رأىشهادة شباب من الفصيل، وإنه هو استشهد أيضا.

ــأنني ــه وك كنت أنظر إليه مترددا حائرا في أمري، هل أصدق هذا أم أتجاهل لم أسمعه. كــان وجهــه يبــدو أجمــل من المعتــاد، وتصــرفاته تفيض بــالحب والحنان. لم أشعر بهذا في تلك اللحظة فقط، منذ عـدة أيـام وأنـا أراه قـد تغير عن السابق. كنت قلقا عليه وقلقا على نفسي خوفا من أن يكون هذا

لقاءنا األخير. قلت له: - إن شاء الله ال شيء من هذا.. ســتبقى وتســتمر في الخدمــة. إن شــباب

الفصيل بحاجة إلى شخص مثلك. - يكفي.. وال حاجة للبقــاء أكــثر.. لقــد رحــل كــل هــؤالء الرفــاق وأنــا بقيت

متحسرا..

في اليوم المحدد لمغادرتنا "كرخه"، وضعنا أغراضنا منذ الصباح البــاكر في الشاحنات: صعدت أنا أوال إلى صندوق الشاحنة التي ينبغي أن تتســع لكــلــاك فراغــات أغراض الكتيبة، رتبت كل شيء بطريقة دقيقة كي ال يكون هن بين األغــراض. عنــدما امتألت الشــاحنة، قمت بربــط األغــراض وتثبيتهــا

بالحبال.

ــان ثم غادرنا معسكر "كرخه" بالحافلة. اتجهنا إلى المعسكر التالي الذي كعلى الضفة الغربية لنهر كارون في المنطقة العامة لـ"دارخوين".

عندما وصلنا، كان عناصــر الفصــائل األخــرى يحلقــون لحــاهم. كــانت هــذه أوامر القيادة. بالطبع، لم يكن هناك مشكلة لحى وحلــق لحى في الفصــيل األول، إال لدى اثنين أو ثالثة من الشاب. السيد "رحيمي" قصر لحيته، فبرز

شاربه أكثر من السابق. كذلك قصرت

145

أنا لحيتي، كانت لحيتي تغطي جرح وجهي، ال منــاص من ذلــك، يجب حلــق اللحى، فقــد كــان هنــاك احتمــال تعرضــنا لهجــوم كيميــائي، ووجــود اللحى الطويلة يعيق وضع القناع المضاد، إذ يجب أن تالصق األطراف البالستيكية للقناع الوجه بشكل كامل لكي يدخل الهواء للفم فقــط من فتحــة األنبــوب

المخصصة له.

كان وجه السيد "رحيمي" يحمل آثار العمــر وتجاعيــده، ســاعدته كي يضــعالقناع ويسحب منه الهواء.

ــة ــارين الهام ــارون". من التم ــدريب العســكري في معســكر "ك ــا الت تابعن والكبرى، مناورة اقتحــام الجســر. تلــك المنــاورة أجريناهــا قبــل أشــهر في بحيرة سد "دز"، أعدنا تنفيذها في نهر "كارون" هذه المرة. بقينا لســاعات

وسط الماء وكانت مناورة جيدة.

ازداد عمل إمام صالة الجماعة أكثر من السابق. كان الشباب في معســكر "كرخه" يؤدون صالتهم في حسينية الكتيبة، لكن معسكرنا الحالي معــرض بشــدة لخطــر غــارات الطــيران، فكــان على كــل القــوات أداء الصــالة في خيامهم. لم يكن السيد "رحيمي" يطيــل في القــراءة للحمــد والســورة وال ذكر الركوع والسجود، وباألصل كانت معنويات الشباب مرتفعة لدرجـة أنــه

لو أطال الصالة فلن يعترض عليه أحد.

في "كارون"، استلمنا أسلحتنا وذخائرنا، وهي التي يفــترض أن نحملهـا فيالعمليات القادمة. وضعت قذيفة )آر بي جي( إضافية في جعبتي.

في المرتفعات وقمم "كاني مانكا"، كانت القنابــل اليدويــة فعالــة وعمليــة، ولكن في الســهول واألراضــي المنبســطة في الجنــوب، فــاآلر بي جي هــو

الحل. عندما وقعت األسلحة بيد الشباب، بدأ صغار السن

146

باللعب بهــا! لم تنفــع تحــذيراتي وال تنبيهــات "محســن"، اجتــاحتهم العجلــة الستخدام هذه األســلحة والــذخائر على رؤوس األعــداء ليال أو نهــارا. غــاب عن بالهم ما جرى في معسكر "كرخه" والمصيبة التي حلت بنا عند شهادة ذلك المقاتـل في المنــاورة. عنــدما شــعرنا أن الكالم ال يـؤثر فيهم، وضـعنا خطــة، بــأن تقـع قنبلــة يدويــة، بــدون ضــامن، من يـد أحـد المقـاتلين أثنــاءا اصــطفافهم في الطــابور... فيعــاقب ذلــك المقاتــل ويأخــذ البــاقون درســ

وعبرة!

اخترنا أنا و"محسن" "الســيد رحيمي" لتنفيــذ هــذا الســيناريو، تحــدثنا معــهووافق أن يشاركنا التنفيذ.

بعد ظهر ذلك النهار، تحركنا كفصيل وبعد مدة، جلسنا بين النخيل ليستريح الشباب. أخرج "السيد علي رحيمي" هناك قنبلته اليدوية وبــدأ بــاللعب بهــا

ورميها بين يديه ثم إمساكها.

كان يقوم بهذا بطريقــة يــراه فيهــا كــل الشــباب. أمســك الســيد "رحيمي" بالضــامن. كنت أتابعــه بدقــة شــديدة. عنــدما أخــرج الضــامن من القنبلــة،

صرخت أنا بصوت عال:- .. قنبلة..

لم تنفجر القنبلة، لكن األخ "كلســتاني" خــرج منتصــرا وحقــق هدفــه، قــامخطيبا في الشباب وحدثهم عن عدم االحتياط ووجوب الحذر.

كانت أيام عشرة الفجر وذكـرى انتصـار الثـورة )بدايـة شــباط(. في اليــوم الذي أطلق عليه اسم "يوم الثورة اإلسالمية والشـهادة" بثت اإلذاعــة نــداء اإلمام، والــذي كــان الحــاج "الســيد أحمــد" )ابن اإلمــام( يتلــوه من مقــبرة "بهشت زهراء" )جنة الزهراء(. انقلبت أحوال الشاب وانهمــرت دمــوعهم. لعل بعضــهم كــان يــرى نفســه على أعتــاب الشــهادة، والبعض اآلخــر كــان

يتحسر حزينا ألنه لم يرزق الشهادة.

147

وقع نظري على السيد "رحيمي"، كــان وجهــه مبتال بالــدموع. بعــد األخبــار،ــا، حــتى وصــلنا إلى قصــة اللقــاء باإلمــام ــه وتحــدثنا مع جلســت إلى جانب

)الخميني(: رأيت اإلمــام مــرتين عن قــرب، وكلتــا(1979) هـــ. ش 1358- في العام

المرتين كانتا في "قم". في المرة األولى مرت السيارة الــتي كــان اإلمــام داخلها من قربي، وفي المرة الثانية، شاهدت اإلمام قــرب منزلــه، وكــانت

لفترة أطول من األولى.

طال حديثنا، انتبهت وقتها فقط للتاريخ العريق لهذا الرجـل الصـامت. كـان م وذلــك بعــد خــروج اإلمــام من معتقالت1963قد التقى باإلمام في العام

سنة، ذلك اللقاء الــذي كــان يمكن أن27الشاه، وكان عمر السيد رحيمي ــيرة من ــة كب ــه جعب ــان لدي ــه إلى الســجن أو النفي والمالحقــة، ك ــؤدي ب ي

الذكريات والمعلومات ولكن الوقت لم يسمح باالستماع أكثر.

ــكيالت ــيرة على التش ــات األخ ــع اللمس ــادة، تم وض ــر القي ــاء على أوام بن العسكرية للقوات ومن جملتهــا فصــيلنا. كــذلك تقــرر أن يبقى شــخص منــرار في كل فصيل في الخيمة لحراسة المخيم وعتاد الكتيبة. كان اتخاذ الق هذا المجال صعبا جدا، ولكن بعد جدال ومناوشات، أجبر "الحاج ناصـري" -

- على البقـاء. بعـد هـذا زميل "السيد رحيمي" والمماثل له في العمر أيضا التغيير، أصبح "مهدي ملكي" من عناصر "حمل الجــرحى"، فســلم ســالحه

وصار زميال للسيد "رحيمي".

وعلى الرغم من أنه في مقتبل العمر، إال أن قامته الطويلــة وبنيتــه القويــةتدالن على أهليته لهذا العمل الشاق الذي يحتاج إلى قدرات كبيرة.

148

بعد هذا، تحدثنا وللمرة األخيرة مع األخ "كلســتاني" حــول شــباب الفصــيل ومهامهم ومعنوياتهم. تفقدنا بعـد ذلــك اســتعدادات المجموعـتين وجهوزيـة رماة اآلر بي جي والرشاشات، بشكل دقيق كي ال نتعرض ألي مشكلة في ليلة العمليات. كذلك دققنا في معنويات الشــباب. باســتثناء واحــد أو اثــنين من الشباب العاديين الذين ال يختلف الجو عنــدهم بين "طهــران" والجبهــة، فإن باقي الشباب كانوا يعدون اللحظات بانتظار الهجــوم وليلــة العمليــات. كنا قلقين على وضع المسعف، الذي التحق مؤخرا بالفصيل ولم يندمج بعد بأجواء الشباب. كان ينبغي أن يتعود عليهم ويستأنس حــتى بأصــواتهم، كي يعرفهم في ظالم الليل أيضا، لكنه في هذه المدة، أمضى أغلب أوقاته بين زمالئــه الجــامعيين وشــباب في فصــيلين آخــرين، ومن جهــة أخــرى، كــانا االنســجام والتعـاون الجيـد مــع شــباب نقـل الجــرحى المطلوب منــه أيضــ

لضمان إنقاذ أرواح الجرحى أثناء المعارك.

في أحد األيام كان الجــو مــاطرا وبقي الشــباب في الخيمــة أغلب الــوقت. بعد صالة الظهر والعصر جماعة، جاءني "جواد نصــيري بــور" حــامال دفــتراــه. ســألني صغيرا وطلب مني أن أكتب له عبارات للذكرى. كتبت وأعدته ل

أيضا عن تاريخ ميالدي وكتبه في زاوية الصفحة.

في ذلك اليوم، جلست أنظف سالحي، ولعلها المــرة األخــيرة، بندقيــة ذات أخمص يطوى، قمت بتزييتها وتفقد دقة إصابتها. كان مسؤول الفصيل مثل

ا، يحمل كالشنكوفا بأخمص خشــبي - ــل جميع عشاق الله، بسيطا وترابي مثــدي عناصر المشاة العاديين - وحمل هذا السالح أصعب من األخمص الحدي

الذي يطوى، وبــالطبع كــان ذلــك "الكالشــنكوف" غنيمــة من غنــائم قــواتالعدو ممن كانوا يتركون سالحهم ويهربون عند اشتداد المعارك.

149

أخبرني األخ "كلستاني" في أحد األيام، بأن قوات بعض الكتائب قد تقدمتنحو خط التماس، وأن "كتيبة حمزة" ستلحق بهم قريبا.

ــد ســاعات بعض األخبار التي كان يقولها لي، كان يعود فيخبرها للشباب بعــباب ببعض أو بعد أيام، كذلك كان يطلب مني أحيانا أن أقوم أنا بإخبار الش

المعلومات.

في اليوم التالي، غادرنا معسكر "كــارون" وتوجهنــا إلى قريــة بــالقرب من نهر "بهمن شير"، وصلنا مع حلول الظالم، في تلك الليلة الــتي بــدأت فيهــا

ــة وفـق الئحـة نوبــات،8عمليات "والفجر "، قـام الشـباب بالحراســة الليلي تحسبا من خطر عناصر الطابور الخامس أو مجموعات الرصد واالسـتطالع

المعادية.

ا)ظهر اليوم التالي، اليوم األول للعمليــات، كــان الغــداء "تشــلو مــرغ" أرزــام عــدة مــرات في(ودجاجا ــذا الطع ــاولت ه ــد تن ، بالنســبة لي وكــوني ق

السابق، لم يكن له نكهة خاصة، إال مع اســتخدامي للملعقــة الــتي أهــدانيــل" ضــمن مجموعــة مالعــق أحضــرها من "طهــران" إياهــا األخ "علي قاب بشكل خاص لليلة العمليات، كــان البعض يتنــاول "تشــلو مــرغ" ألول مــرة

م.1983على الجبهة، أما أنا فكانت المرة األولى لي في شتاء العام

ــد1بعد ظهر ذلك اليوم، غادرنا ذلك البيت القروي وانتقلنا إلى عنابر* "أرونا كنار". نمنــا في تلــك الليلــة ونحن جالســون. وتناوبنــا على الحراســة أيضــ

ضمن الئحة قمت أنا واألخ "كلستاني" بإعدادها.

. كــانت( شــباط11) "بهمن" 22اليــوم ذكــرى انتصــار الثــورة اإلســالمية، طائرات العدو تغــير وتقصــف بجنــون، ربمــا إلشــغال القــوات وتشــتيتها، أو

انتقاما للضربة التي تلقاها العدو من حيث لم يكن يحتسب.

1. حديدية هنغارات أو مستوعبات

150

بعد الظهر، تركنا المقر )العنبر( وذهبنا إلى مرســى الفرقـة. بعـد سـاعة أو ساعتين من االنتظار، صعدنا إلى الزوارق المتوقفــة على الضــفة الموحلــة للنهر، وتقدمنا مئات األمتار حتى وصلنا إلى نهــر "أرونــد" الهــادر وانطلقنــا عبره لألمام، في هذه األثناء كانت طائرات العدو تقصــف النهــر والمنــاطقــا ألن الــزوارق صــغيرة وال يمكن المحيطة به، قصف الطائرات لم يجد نفع

إصابتها.

وصلنا إلى الضفة األخرى من "أروند" عند الغروب، إلى األراضي العراقيــة ومرفأ "الفاو". اســتقررنا في عـدة "مبــان حكوميــة". وعلى الفــور حــددت الئحة نوبات الحراسة وأعلمت الشباب بأوقاتها، مع التحذير بأن "الفاو" لم

يتم تطهيرها نهائيا حتى اآلن، ويجب أخذ أعلى درجات الحيطة والحذر.

ــاحب كانت ليلة األربعاء والموعد مع دعاء التوسل، كان األخ "كلستاني" ص الفكرة والمتابع لتنفيذها، كان يعلم بأن هناك فرصة ووقتا كافيا لهذا. جلس الشباب في غرفــة بالكــاد تتسـع لهم وغرقــوا في الـدعاء. في هــذه األثنـاء تذكرت مسألة الحراسة، وخشيت أن يكــون الحــارس قــد انشــغل بالــدعاء

وغفل عن مراقبة األعداء.

تركت المراسم وأسرعت نحو المدخل، كانت نوبة "علي قابل" وكان ظني في محلــه! فالمســافة ال تزيــد عن عشــرة أمتــار وصــوت األخ "كلســتاني" الشجي يصل إليه بوضوح، كان مستغرقا بكل خشوع في الدعاء والمناجاة. لم أقــل لــه أي شــيء وتــابعت الحراســة واالنتبــاه. لم يطــاوعني قلــبي أن

أرجعه من السماء لألرض!

بعد دعاء التوسل الذي لم يستغرق أكثر من نصــف ســاعة، اســترحنا حــتى منتصف الليل حيث صــدر األمــر بــالتحرك. حين ســمعنا صــوت الشــاحنات،

ركبنا وانطلقنا. سارت الشاحنات بهدوء قرابة الساعة.

151

وصلنا إلى مسافة عشرة كيلومترات عن "الفــاو"، وترجلنــا على جـادة "أمــل خطــرا كبــيرا. فانتشــر القصر". كان تجمــع الكتيبــة في مكــان واحــد يمث الشباب، كل اثنين في نقطة وسط الخنادق المحاذيـة ليمين الجــادة. الكـل هنا يقوم بالحراسة والمراقبــة حمايـة لنفسـه ولآلخـرين. كـانت أوامـر األخــا "كلستاني" أن ال يخرج أحد من الخندق. ســرت على طــول الخنــدق ذهاب

وإيابا ألتأكد من تنفيذ األمر.

ــا، ولكن البعض لم يجد خندقا فتدشم بأكياس الرمل وجلس يســتريح خلفهمن أين تأتي الراحة؟! لم يترك البرد لنا فرصة للراحة.

ــأتي بعض الشباب طلبوا بطانيات. أبلغت األخ "كلســتاني"، ولكن من أين ي بهــا؟ عــدد قليــل من البطانيــات كــان غنــائم وإال فــالمطلوب تحمــل الــبرد

والصقيع.

ــكلة في صلينا الصبح عن قعود وبتيمم. لم يواجه قدامى المحاربين أي مش هــذا األمــر، أمــا الجــدد فأخــذتهم الدهشــة: صــالة الصــبح ونحن جالســون،

والبوتين في أقدامنا، وتيمم بدل الوضوء؟!

سألني بعضــهم لــيرفعوا الشــك بــاليقين ويتأكـدوا من صــحة عملهم "يــا أخ فياض هل نصلي منتعلين البــوتين؟"، أو "يــا أخ فيــاض، أال يمكننــا الوقــوف

والصالة من قيام؟" فكان جوابي: - داخل الخندق، من قعود، بـ"البوتين"، تيممــا، ركعــتي صــالة الصــبح قربــة

إلى الله تعالى...

في تلك الليلة، لم أشعر بقسوة البرد ألنني كنت في حركة دائمــة ومتابعــة لألوضاع، لكن الشباب الذين بقــوا مجــبرين على الجلــوس من الليــل حـتى السحر والفجر داخل الخندق، كانوا يرتجفون بــردا. غفــوت قليال فتــابع األخ

"كلستاني" شؤون الشباب وإدارتهم.

152

عندما أضاء النهار، نظرت حولي، إنها صــحراء تحاصــرها النــيران من ثالثــة اتجاهات: مدافع العدو، ومدينة "الفاو" التي ينهمر القصــف عليهــا، وكــذلك خط التماس الذي يبعد عنا أقل من كيلومــترين. عنــدما ارتفعت الشــمس، جاء الطيران الحربي وبدأ باإلغــارة على محيطنــا. وألجـل التخلص من شــر هذا القصف، صدرت األوامر باالنتقال إلى الجانب األيسر للجادة، والتحــرك بموازاة الحافة الترابية والتقدم لألمام. فعلى مســافة كيلومــترا إلى األمــام

كانت الغارات والقصف أقل بكثير.

عند الساعة العاشرة تقريبا، حضر فريق إعالمي وقام بتصوير الشـباب في الخنادق، وألننا في الخط الثاني، لم يمكث معنا طويال وتابع مســيره للخــط

األول.

حتى في النهار، لم يكن مســموحا للشــباب الخــروج من الخنــادق والدشــمــل األخ "محســن" من دون ســبب. كنت أبلغهم التنبيهــات واألوامــر من قبــذهاب باستمرار: "ال يحق ألحد الخروج من الخندق" أو "ممنوع التحرك وال واإليــاب ألي مكــان من دون إذن". في ذلــك النهــار وبســبب تســاهل بعض

الشباب، فقد أصيبوا بجراح من القصف المعادي.

في تلك الجهة حيث كنا، غطى الماء الراكد أجزاء من األرض، وبعدها يوجد مســتنقع ويظهــر وراءه في األفــق الخليج الفارســي. غســلت يــدي ووجهي بذلك الماء. كان مالحا لدرجة احترقت معها بشــرة وجهي. فقمت وغســلته

بماء مطره الشرب التي بحوزتي ليخف التهابه وحريقه!

كان الغداء معلبات، تناولنـا الطعـام ثم أخـذ الشـباب اسـتراحة في انتظـار األوامر اآلتية. عندما تأكد األخ "محسن" بــأني ســأبقى مســتيقظا، اســتلقى في خندق وغفا تحت الشمس، مستفيدا من دفئهــا الممتــع في ذلــك الجــو

الشتوي البارد.

في تلك األثناء، رأيت األخ "سليماني" الذي كان مسؤول التخطيط

153

للعمليات في الفرقــة. جــاء والتقى مســؤولي الكتيبــة، ثم أتى وســلم على"سهيل مواليي" الذي كان مسؤول التجهيزات في فصيلنا ورحل.

صدر األمر باالستعداد عند الغروب. انشغل الشــباب بعنــاق بعضــهم البعض والوداع وطلب الشفاعة. استأذن "علي قابــل" ليــذهب ويــودع أخــاه الــذي كان يخدم في فصــيل آخــر. ذهب وعــاد بســرعة. وكــذلك قمت أنــا بتوديــع السيد "رحيمي" والشباب اآلخرين ومســؤول الفصــيل ومســؤولي الســرية و... واستودعتهم في أمان الله. عنــدما صــلينا المغــرب والعشــاء، اصــطف شباب الكتيبة في صف مرصوص. وقــف األخ "محســن" على رأس طــابورــة حمــزة" الكتيبة، فهو مسؤول الفصيل األول في السرية األولى في "كتيب وكنت أنا أتابع الشباب في آخر الطابور، سار الشباب بانتظام لمدة ســاعة ومن ثم توقف الطابور. التجأ الشـباب كلهم إلى السـاتر الـترابي المحــاذي للجادة. ذهب األخ "كلســتاني" للمشــاركة في جلســة ميدانيــة وبعــد نصــف ساعة، وصل بالغ "على القوات الرسمية أن تنفصــل عن الطــابور وتتجمــع جانبا". التحقت أنا أيضا بتلك الجلسة، تحت جسر إسمنتي كبير فوق جدول

ماء على الجادة.

وكان الموضوع هو اتخاذ القرارات النهائية بشأن عمليات هــذه الليلــة. بعــد وصولي بمدة، أخذوا القرار األخير، وتم إبالغه للجميع. كــان هنــاك خريطــة عمليــات بين يــدي مســؤولي الفرقــة والكتيبــة، وقــد بســطت على األرض ووضع فوقها أوراق بالستيكية شفافة. ركزت عليها ألرى ما الخبر، أين نحن

وإلى أين نتحرك؟

كــان الهــدف المحــدد، الســيطرة على جســر كبــير على جــادة "الفــاو- أم القصر"، ويفصلنا عنه مسافة خمسـة كيلومـترات. كـانت الجـادة منبسـطة وخالية من العوارض، أي إن قواتنا ليس أمامها أي ســاتر أو ملجــأ يحميهــا.

قالوا إن العدو ليس عنده أي نقاط أو حواجز على

154

الطريق، هناك فقــط عــدة دبابــات محترقــة وخلفهــا عــدة دبابــات ســليمة، خنادق ودشم وقوات العدو ليست كثــيرة، إلى الشــرق من الجــادة، األرض أكثر صالبة، أما لجهة الغرب فــاألرض رطبـة وموحلــة... أمــا آخـر توصـيات القادة فكانت "قوموا بالنفوذ من الجهة الغربيــة للجــادة كي تكســروا خــط التماس العراقي األول ثم طهروا المناطق الشرقية وتقــدموا حــتى تصــلوا

إلى الجسر... ".

فور إبالغ أمر العمليـات، تجـدد الشـغف والشـوق الحماسـي بين الشـباب، وعادوا للعناق والــوداع وطلب المســامحة من بعضــهم البعض. وأنــا كــذلك قبلت السـيد "رحيمي" للمـرة األخـيرة، كـان يقـف منتصـب القامـة وكأنـه يعانق الحمالة، فلم أســتطع معانقتــه جيــدا! اضــطررت أن أنحــني وأخفض رأســي ألقبــل بقيــة شــباب الفصــيل من الفتيــان الصــغار الســن والقصــار القامة. وضع "محمد عليان نجادي" صورة لإلمام الخميني على صدره وقــد ثبتها بزر جيبة بدلته. أغلب الشــباب وضــعوا عصــابات ملونــة على جبــاههم وقد كتب عليها: "هيهات منا الذلة" و"زائر كربالء" و"يا حسينعليه الســالم" و"يا عليعليه السالم" و... انطلقنا أخيرا، عبرنــا مثلث مصــنع الملح وأكملنــا المسير حتى وصـلنا إلى ســواتر دفـاع رمليــة. توقفنــا هنـاك قليال كي نعيـد

24ترتيب كل القوات. كانت الساعة مـا بين التاسـعة والعاشــرة ليال، ليلـة . تم تشــكيل مجموعــة متقدمــة(م1986 شــباط13) هـ.ش 1364"بهمن"

من مسؤولي السرية األولى ومسؤول الفصيل األول واثــنين من رمــاة اآلرــرك على بي جي ومساعديهما. وتجهزت أنا وبقية أفراد الفصيل األول للتح

بعد أمتار من مجموعة االقتحام تلك. وكانت آخر أوامر األخ "كلستاني":- "فياض"، أشرف على آخر الطابور وتابع نظمه وجمعه.

ذلك العمل الذي طالما كنت أقوم به. كنت أعرف واجبي ومسؤوليتي،

155

لكن هذه هي العبارات األخــيرة لمســؤول حــريص غيــور وقلــق على أرواح الشباب ويسعى ألداء التكليــف الملقى على عاتقــه. وذهب، ومشــى خلــف

المجموعة المقتحمة ليكون رائد هذا الطابور أيضا.

حان موعد االنتشار، ال أثر لنور القمر في السماء، القنابــل المضــيئة فقــط تنشر ضوءها بعيدا وقريبا منا، كانت تنير الســماء. كــان الشــباب يتحركــون منحني الظهور من الجهة اليمــنى للجــادة إلى الجهــة اليســرى. تأخرنــا في التقدم بسبب اضطرارنا في أماكن للزحف ومشية "البطة". كانت أصــوات

العراقيين تصل إلى أسماعنا.

لم أحــدد كم من الــوقت مــر بالضــبط وإذا بتكبــير الشــباب ينهض الطــابور وننطلق لألمام. كانت نيران القصف المعادي كثيفة، وكأن العــراقيين كــانوا

يعرفون كل شيء.

ــافة ثالثين وصلنا إلى محل سقوط أول شهيد لنا وأول قتيل بعثي على مس مترا من النقطة التي زحفنا منها. تقدمنا فإذا بشهيد آخر وجريح وقتلى من جنود العدو. كانت الخسائر كبيرة من الطــرفين. كــان يمكن تحديــد مســير حركة القوة المقتحمــة من آثــار القتــل والســير على خــط ســقوط الجثث. وعلى الرغم من تأثري بحال جرحانا، إال أنــه لم يكن هنـاك مجــال للتوقــفــدم ــابور والتق ــة الط ــراف على حرك ــان علي اإلش ــعافهم. ك ــة إس ومتابع بالشباب لألمام. كان مسؤول الفصــيل يقتحم ويقــود شــبابه بكــل شــجاعةــبر وبسالة وكان واجبي أن أشجع كل عناصر الفصيل على الحركة، بكل ص ودقــة، ألعيــد النظم للفصــيل الــذي تفــرق في الهجــوم وال أســمح بتشــتت

القوات وزيادة الخسائر.

تقدمت كثيرا لألمام، وعلى الــرغم من تنــاقص عديــد الفصــيل، إال أنــني لمألمح األخ "كلستاني". كانت نيران األعداء قد حولت الساحة

156

إلى جهنم. كلما رأيت مقاتال منفردا أعدته إلى تشكيل الطابور. كنت أتقدمــادة. مترا بعد متر، أحيانا إلى اليمين وأحيانا أخرى إلى اليسار أو وسط الج بعد قليل بدت لنا الدبابات المحترقــة، كــانت القــذائف والرشاشــات تنهمــر

من كل الجهات.

ــا بعالمـة خـط أجسـاد الشــهداء، اختلــط الحابـل لم يعد الســير قـدما ممكنــادة بالنابل. كان الشهداء متفرقين في شتى األنحاء. وال إمكان بعد هذا إلع تنظيم الطابور والعمـل على نظمـه. كـان الشـباب يرمـون قـذائف اآلر بي جي ويطلقون رصاص "الكالشينكوف" ويرمون القنابل اليدويــة. وبالمقابــلــاداني "حســين ا بين شــبابنا. فجــأة ن ــة تســقط أيضــ ــل اليدوي كــانت القناب

كلستاني" وهو أخو مسؤول فصيلنا:- أخ "فياض"، هل لديك قذيفة آر بي جي؟

أعطيته القذيفة الــتي كــانت معي. وضــعها على عجــل في القــاذف وســدد ورمى. لم يكن هناك أي فرصة للسالم والكالم، عن الطابور ولماذا تفرق؟ وهل تراجع العدو أم ال... و.. لم يكن لدي أي أخبار عن "محسن". افترقنــا عن بعضنا البعض. وصلت أنا إلى مكان الــدبابات المحترقــة، فــوق الجــادة وعلى مد النظر وحيثما تر العين كانت القنابــل المضــيئة تنــور الســماء في تلك الليلة المظلمة، يوجد آليــات ومــدرعات للعــدو. قلت في نفســي: كــل هذا العدد ومهما يكن، يجب أن يدمر حتى تصل الكتيبة إلى هدفها: الجســر

الكبير عل الجادة.

- قد جرح. حتى ذلك مسؤول السرية وصل الخبر بأن "حسن أميري فر" -الحين لم يكن هناك أي معلومات عن "محسن كلستاني".

ــا من أن تصــيب لم أكن قد أطلقت أكــثر من ممشــط "كالشــنكوف"، خوفرصاصاتي قواتنا. لم أصطدم بعد بالعراقيين وجها لوجه.

157

ــه تذكرت كلمات "محسن": "فياض، قم باإلشراف على آخر الطابور لنظم وجمعه". كنت ال أزال أتجرع تلك الغصة وأتمنى لو كان هناك مجــال لجمــع وتنظيم القوات المتبقية وتوجيهها نحــو الهــدف. كــان علي أن أقــوم بعمــل

إلزالة هذا الهاجس.

ــفلت، رأيت إلى ــيت قليال على اإلس ــرد أن مش ــادة، بمج ــرت على الج س جانبي ماللة كبيرة لألعداء، كانت هادئة مطفأة. التجأت وراءها ألطــل على أوضاع العـدو. في تلـك األثنـاء، فجـأة سـمعت سـقوط قنبلـة يدويـة قـرب قدمي. لم يكن هناك أي وقت لرد فعل، انفجرت القنبلــة. عنــدما شــاهدتــرب ــني. وبشــكل ال إرادي وقعت على األرض ق ضــوء االنفجــار أغلقت عي جـنزير الماللـة مســتلقيا على إســفلت الجــادة. وكــأن جـزءا من رجلي قــد تمزق. أصبت بذهول من الخوف والدهشة. على الرغم من أني قد أصــبت بجراح في السابق، إال أنني اضطربت وقلت يا الله مــا الــذي حــدث فجــأة،ـل بـأنني ولكن بالتـدريج أخـذت أضـبط وضـعي وأســيطر عـل نفسـي ألتقب

جرحت. وذلك ألستعيد زمام المبادرة في تلك االشتباكات وأنقذ نفسي.

لم يكن عندي أي خبر عن "محسن" وها أنا اآلن مجروح على الجادة قربهذه الماللة وال أحد يعرف عن إصابتي شيئا.

كان علي أوال أن أجد مكانا آمنا. كانت الرصاصــات التائهــة تطلــق من كــل حدب وصوب. كنت أسمع صدى ارتطـام بعضــها بأجســام صـلبة. خطــر لي بأن اللجوء إلى ما بين جنــازير المالالت هــو حــل جيــد وآمن نســبيا. زحفت

على األرض حتى وصلت.

كانت الــدماء تــنزف من رجلي اليمــنى غزيــرة وكأنهــا أنبــوب مــاء. الــدماءاألولى خرجت وفجوة الجرح لم تكن قد فتحت بعد، ثم صار

158

البخار يتصاعد من الدماء الجديدة، إلى أن خطر ببالي أن أنزع الكوفية عن رقبتي وأربط بها رجلي النازفــة، لم أعــد أســتطيع تحريــك يــدي وســاعدي. حاولت وحاولت من دون جدوى، أن أرفع يدي نحــو رقبــتي، لم أقــدر، كنت كالطفل الرضيع العاجز عن إبعاد بعوضة عن وجهــه! أو المشــلول الــذي الــة يقدر على فعل أي شيء. بدأت جفوني تطبق على عيني وتتشوش الرؤي

أمامهما.

كنت ألمح ظالال قاتمة تتحرك أمامي في كل اتجاه. لم أعرف مــاذا حصــل، ولكنني رأيت شهيدا يسقط إلى جانبي فجــأة. لعلــه كــان أصــيب قبــل هــذا واستشهد اآلن، أو أصــيب اآلن وســقط فـورا. ســيطر النــوم بالتــدريج على عيني. أردت أن أصرخ، لكن همهمة خافتــه كــانت تنطلــق من حنجــرتي فال يسمعها أحد. قلت لنفسي: يــا فيــاض، وكأنــك قــد استشــهدت! لكن ذهــني كان مشوشا ويسرح في ألف طريق وطريق، وال طريقا واحدا صــحيحا في

الواقع.

بعد قليل، ربما عشر دقائق، أقل أو أكثر. اســتعدت وعــيي وتركــيزي. كــان هناك شخص يرتدي اللباس الترابي اللــون ويقــف فــوق رأســي. قلت: من

ا! جماعتنا! فإذا أنا ال أزال حي

استعدت معنوياتي عند رؤيته. نزع حقيبتي عني ووضعها تحت رأســي مثــل وسادة. ثم بدأ بتضميد الجرح مستخدما كيس اإلســعاف الــذي كنت أحملــهــط ــدما رب ــيلنا. عن ــباب فص ــه، لم يكن من ش معي. دققت في مالمح وجه جرحي عدة مــرات ووجــد أن نزيــف الــدم لم ينقطــع، التفت إلى كوفيــتي.

ربطها فوق ركبتي فتوقف النزف أو خف كثيرا.

كان هناك مسعف آخر يعالج جريحا آخر بالقرب منا. لم أعرف من هو ذلكــدما رأيت ــة. عن ــرحى على الحمال ــل الج ــر حم ــعني عناص ــاب. وض المص

الحمالة، تذكرت السيد "رحيمي" في لقائنا األخير عندما

159

قبلته وكانت الحمالة مانعا بيننا فلم أعانقه كما يجب.

استلقيت منهكا على الحمالة. كانت عينــاي تغلقــان رغمــا عــني. كنت أعلمــاء ــدا للبق ــعيت جاه ــني س ــدا، ولك ــا ج ــام. كنت متعب ــه يجب علي أال أن أن مستيقظا. كانت دماء كثيرة قد نزفت من جسدي فصار باردا كلوح ثلج، إذا

انخفض ضغط الدم، فالموت حتمي!

ــوخ صــغير، شــبيه "كشــك" ــالقرب من ك ــيرا وضــعوني على األرض ب وأخ الحراسة. حين أدخلوني، شاهدت "علي شــهبازي"، مســعف فصــيلنا الــذي انتقل إلى الفصيل الثالث. بعــد أن أنهى إســعاف بعض الجــرحى اآلخــرين،ا، ثم وضع عدة ضمادات وصل إلي، عاين جرح قدمي مستخدما مصباحا آلي فوق الضمادات السابقة. أخذوني بعدها إلى خارج تلــك الغرفــة. بعــد ذلــكــوا الحمــاالت ووضــعوها في ــاك. رفع ــوقفت هن وصــلت ســيارة "جيب" وت القسم الخلفي للجيب، جــاء دوري فرفعــوني ولم يــنزلوني بعــدها، ثبتــوني على القسم المرتفع من "الجيب". فكنت أشاهد كل شــيء بشــكل أفضــلمن األعلى. وبالطبع فإن احتمال إصابتي برصاصة طائشة كان واردا جدا!

انطلقت الســيارة. كــان الهــواء البــارد يلفح جســدي فأكــاد أتجمــد. وبينمــا السيارة تسير، كانت تصطدم بالمطبات والحفــر فــترتفع ثم تهبــط. لحظــة بعد أخرى، كنا نبتعد عن خط التماس وتلــك الجــادة المشــتعلة. رجعت من العمليات أو نزلت من السماء لألرض أو عدت من اآلخرة للــدنيا، إحســاس

غريب مذهل.

توقفنا، أنزلوني ووضعوني إلى جــانب بقيــة الجــرحى على األرض. وعــادت ســيارة "الجيب" مــرة أخــرى إلى الخــط األمــامي لتنقــل جــرحى آخــرين. المكان الذي وضعونا فيه، كان مثلت طرق مصنع الملح. كان شــباب كتيبــة

األنصار مستقرين هناك. بقيت منتظرا لمدة نصف

160

ساعة، حتى جاء دوري لالنتقال بسيارة اإلسعاف.

ــاردة. فتحت وضعوني بالحمالة في اإلسعاف وانطلقنا، هنا ال أثر للريــاح الب عيني عدة مرات وأطبقتهما فكنا قــد وصــلنا. فتح بــاب اإلســعاف أدخلــوني إلى عنبر كبير فيه كهرباء. جاء ممرض ونظــر إلى رجلي الجريحــة. ال أعلم

إن قام بفعل شيء ما أم ال، بقي عندي عدة دقائق ثم تفقد جريحا آخر.

بعد قليل، أخرجوني من العنبر وغطوني ببطانية، كان الـبرد شــديدا لدرجـةكنت أرتجف حتى مع الغطاء.

استيقظت بعد دقائق، على صوت محرك القارب، كال، بل بســبب قطــرات - قـد وأنـا فوقها الماء التي كـانت تتنـاثر على وجهي. انتبهت أن الحمالـة -

وضعت في قارب.

ــاء عندما استيقظت مجددا وجدت نفسي في مستشفى ميداني. كان األطب هنــاك يرتــدون مالبس خضــراء. ســألت الممرضــين عن اســم المستشــفىــات فقالوا: "فاطمة الزهراء". إنه اسم المستشفى وكذلك كان رمز العملي

العسكرية!

ــاس ــوني لب ــوتين" وألبس ــ"ب ــكري والـ ــي العس ــني لباس ــوا ع ــاك، نزع هنــايلون ليعيــدوها لي المستشــفى. وضــعوا أغراضــي الشخصــية في كيس ن عندما أخرج من المستشفى. ثم دونوا معلومات عن إصابتي وأخــذوا مــني رقم هاتف وعنــوان منزلنــا. حقنــوني ضــد "الكــزاز" وبفيتــامين "ك" الــذيــروا لي الضــمادت وغســلوا مكــان الجــرح يساعد على انعقــاد الــدم، ثم غي

بمضاد لاللتهابات. بعد ساعات تم نقلي من هناك إلى مدينة "األهواز".

شباط أدخلوني إلى غرفة العمليات في مستشفى الشهيد 13في يوم

161

"بقــائي" في األهــواز. بقيت هنــاك ليلــة واحــدة، أرســلوني بعــدها إلىمستشفى "كامياران" في مدينة "مشهد".

كان المستشفى مزدحما جدا، لم يكن هناك مكان في الغــرف، فوضــعوني على سرير في الممــر. كــان األطبــاء والممرضــون يمــرون قــربي وال أحــد ينظر إلي. حــتى الســاعة التاســعة لم يــأت إلي أي طــبيب، وال وضــعوا لي

مصال وال أحضروا لي طعاما.

22كنت أشعر بضعف شديد من الجــوع. آخــر طعــام ســاخن تناولتــه ليلــة شــباط( في الــبيوت الســاحلية المحاذيــة لشــاطئ "الفــاو"،11بهمن )

"همبرغر" مقلي بالزيت المحترق ومخلل الخيار وخبز مرقوق يابس.

ساعة، أتى الطــبيب وعــاين إصــابتي وطــرح علي عــدة أســئلة، ثم15بعد سأل الممرضين متعجبا:

ــاكل في ــاني من مش ــريض؟! ال يع ــذا الم ــام له ــدموا الطع ــاذا لم تق - لماألعصاب وال الدماغ، يجب أن يأكل...

لم يحضروا الطعام بعد، وقد ارتفعت معنوياتي بســبب كالم الطــبيب! كــان الجرحى والمرضى العــاديون لــديهم من يــرافقهم ولكــني لم أرغب بإخبــار أهلي بحالي. منذ سنتين، عندما جرحت وجاءت أخــتي لعيــادتي، بمجــرد أن شاهدت وجهي مصابا ومتورما، أغشي عليها وغابت عن الــوعي. لم أرد أن أثقل على أحد هــذه المــرة. لكن عنــدما نفــدت طــاقتي ولم أعــد أســتطيع التحمل، أعطيت هاتف منزلنــا إلحــدى الممرضــات، لكنهــا قــالت لي بوجــه

عبوس: - يا سيد، يجب أن تنتظر ليأتي دورك باالتصال بالمنــاطق. ســأكتب اســمك

في الالئحة، وعندما يصل دورك سنخبرك بذلك...

لم أحمل أي ذكرى طيبة عن مستشفى "كامياران"، المكان الذي

162

وضعوني فيه، تلــك الممرضـة، طعـامهم القليـل والخـالي من الملح. ولـوال شفقة إحدى الممرضات وتعاونها، حــتى االتصــال الهــاتفي بـــ"طهــران" لم

يكن ليحصل!

لم يكن لدينا هاتف في منزل والدي. تحدثت مع أختي. عنــدما أخبرتهــا أني أصبت برجلي وإنها ملتهبة وتنزف. سألتني بقلق: "لم يقطعوا رجلــك أليس

كذلك؟".

قلت: "كال، ال تزال رجالي لي!".

لم يكن قد حضــر أحــد من أهلي بعــد، حين أدخلــوني إلى غرفــة العمليــات ليقوم األطباء بوصل الشرايين واألعصــاب المقطوعــة في قــدمي اليمــنى. عندما استعدت وعيي، وجدت نفسي في غرفة فيها أربعة أســرة، مــع إنهــا

صغيرة ومخصصة باألصل لسريرين فقط.

شــباط(، جــاءت أمي ومعهــا ابن خــالتي. لقــاء أمي17 بهمن )28في يوم أعاد لي الروح ورفع معنوياتي عاليا. ليبدأ العطف واالهتمام األمومي ومعه

الفاكهة والعصير والطعام المغذي و...

شاهدت أمي قدمي المجروحة والملتهبة، ولكنها لم تقل شيئا. كانت قدمي من الركبة لألسفل تعاني من التهابات خضراء، وقد اسودت كمــا يقــال. لم تنجح عملية وصل األعصاب والشرايين كـذلك كـان الطـبيب المعـالج يغـرز اإلبرة في باطن قدمي، ولكني لم أكن أشعر بأي شيء، أرى اإلبــرة بعيــني

وهي تدخل في قدمي، ولكن، ال ألم وال من يشعرون!

كان وجه أمي يمطر أسى وخوفا. كنت قلقا عليهــا وكــانت هي قلقــة علي. لكننا لم ننطق أي كلمة. عندما فقد طبيبي األمل، جاء أطباء آخرون وقامواــانوا بمعاينتي. حضروا بعدها مرة أخرى وشكلوا لجنة طبية خاصة بحالي، ك

يتناقشون ويتحدثون عن وضعي، وما فهمت

163

ــاب أي كلمة منهم، اصطالحات طبية وكلمات أجنبية. نتيجة آرائهم أن االلتهيتمدد لما فوق الركبة، وأنه ينبغي قطع رجلي من تحت الركبة.

نظرت إلى وجه أمي. تكاد تنفجر من الغصة والحزن. لكنها حبست دمعتهــاواكتفت بالقول:

- أماه ليتني كنت أنا المصابة وليس أنت!

ولكي ال تجرح مشاعري وتشجعني، عدلت من لهجتها وقالت:- ستتحسن يا ولدي، إن شاء الله...

أصابتني الحمى، فقد انتقلت االلتهابات من رجلي إلى دمي ورفعت حـرارة جسمي درجات، وكذلك فإن رائحة التعفن كانت تــؤذي كــل المحيطين بي. وكأنه صار واجبا علي أن أقطع كل تعلق قلــبي بهــذه القطعــة من جســديــر وال التي فسدت ويحتمل أن تقضي علي وتخطف روحي أيضا. ال خيار آخ

سبيل. سلمت قلبي للقضاء ورضيت برضى الله.

في صباح أحـد األيـام، أخـذوا من أمي إمضـاء وأثـر بصـمتها كوثيقـة قبــول بعملية قطع الرجل من تحت الركبة. للحظــة، وضــعت نفســي مكــان أمي، إمضاء تعهد بالرضى عن قطــع رجــل االبن، مــا أصــعبه من موقــف مخيــف وقاس، قمة العجز والتسليم عند األم: إن وقعت، يقطعون قدم ابنهــا، وإن

لم تفعل يخسر روحه.

أخذوني إلى غرفة العمليـات بعـد ظهـر ذلـك اليــوم. في الطريـق توســلت وأنــا ضــيف مدينتــه. اســتعدت(اإلمــام الرضــاعليه الســالم)باإلمام الثــامن

ذكريات ضريحه، المرقد المطهر والقبة الذهبية. جرى على لساني ذكر "ياــات. ــة العملي غريب الغرباء ويا معين الضعفاء" حتى وصلت إلى داخل غرف كان قلبي هادئا مطمئنا بذكر الله وذكر اإلمام الثامن. شعرت بحال معنوية

خاصة. تذكرت يدي حامل لواء كربالء المقطوعتين

164

ــا من كــل قلــبي أن وانهمرت دموعي. في تلك الحــال كنت مســتعدا وراغب يقطع جسدي إربا إربا في سبيل رضى الله، فلم يعد التخلي عن قطعة من

رجلي صعبا وال قاسيا. أعددت قلبي وفوضت أمري إلى الله.

كانت تلك العمليــة الجراحيــة الثالثــة الــتي أجريهــا. عنــدما اســتعدت وعي.

رأيت أمي وأخي أمــامي. نظــرت لألســفل، ال أثــر لرجــل تحت الشرشــف. لكن األطباء بعد العملية، ما زالوا قلقين من أن تكون االلتهابات قد تمددت للقسم األعلى من الرجــل. قــوة االلتهابــات منعتهم من اإلبقــاء على قســم

من الجلد لتغطية القسم المقطوع من الرجل.

كانت أمي قد شاهدت مناما في الليلة التي جـرحت فيهـا، رأت عصــفورين من طيور الحب يزقزقان في قفص وفجأة يبدأ أحدهما باالرتجاف ويســقطا عليه على أرض القفص. انتبهت من نومها مضطربة واستمرت حتى مغشي الصبح بالصالة وقراءة القرآن والدعاء لســالمة المقــاتلين وانتصــارهم على

المعتدين.

شــباط(، اســتطاعت أمي ومعهــا21في اليوم الثاني من شــهر "إســفند" ) أختي وابن خالتي، وبشق األنفس والرجاء والتهديــد، أخــذ ورقــة خــروج لي وانتقال إلى "طهران". عنــدما وقــع نظــري على نــور القبــة ومرقــد اإلمــام

الثامن خاطبته عن بعد قائال:- إن رجلي المقطوعة هذه، أمانة عندك إلى يوم القيامة!

عندما وصلنا إلى "طهــران" نقلــوني إلى مستشــفى أمــير المؤمــنين عليــه الســالم في شــارع "ســتارخان"، مــا إن عــاينني الطــبيب وشــاهد اصــفرار

وجهي ونحول جسمي حتى قال:- أعطوه دما!...

كان اسم الطبيب "موسى عدالت"، هذا االسم الذي ال أنساه أبدا،

165

نت حــالي أول وصفة أعادت الروح لجســدي. فــور تلقي وحــدتي دم، تحســ كثيرا. وصفته الثانية كانت عبــارة عن غســيل وتعقيم كامــل الجــرح ومحــل العملية، قامت الممرضات بها بدقة شديدة. كــان ال يــزال يخــرج من جــرح رجلي تراب ورمال منطقة العمليات وقطــع شــظايا القنبلــة، فكنت أرميهــا

في وعاء خاص وضعته الممرضات تحت قدمي.

ــذه ــل ه ــة بوجــود ك ــة جراحي ــف أجــروا لي في "مشــهد" عملي ال أعلم كي األجســام الغريبــة في رجلي؟! وهــذا من إتقــان ومهــارة أطبــاء وممرضــي مستشف "كاميــاران" وحنــانهم الــدافق! يضــاف إلى فضــائلهم وحســناتهم

األخرى!

تقرر أن أدخل مجددا إلى غرفة العمليات بعد أسبوع، والهدف هــذه المــرةشد جلد الرجل ليغطي مكان القطع والجرح ومن ثم تقطيبه.

ــا موصــوال بجــانب الجــرح ليخــرج منــه عندما أفقت من المخدر، رأيت أنبوبالتعفن والدم المتخثر ضمانا لعدم عودة االلتهاب للرجل.

أمضيت كل شهر "اسفند" )شباط/آذار(، أعاني األلم والحمى وآثار الجراح، مع استمرار وجود حوالي خمسين قطعة شظية صغيرة من أجــزاء القنبلــة في رجلي. كانوا قــد أخرجــوا الشــظايا الكبــيرة، لكن القطــع الصــغيرة من

الصعب إخراجها، وكذلك فهي ال تشكل خطرا وال تؤدي لاللتهابات.

م.1986 آذار21 هـ. ش./ 1365اقترب عيد "النوروز" ورأس السنة

في أحد األيام وجدت فرصة وفراغ بــال ألســتعيد ذكريــات الســنة الماضــية كلها، انتبهت إلى أن رجلي اليمــنى تعرضــت لثالثــة أحــداث هامــة في تلــك السنة! في المرة األولى وقع إبريق المــاء المغلي الموضــوع على المــدفأة

على قدمي فأحرقها وبقيت أعرج (الصوبيا)النفطية

166

لمدة عشرة أيام، لم أتمكن فيهــا من انتعــال "البــوتين" وال المشــاركة في التدريب والتمارين الصعبة. والمرة الثانية التهب ظفر إصبع قــدمي اليمــنى

الكبير بسبب ضيق البوتين واسود لونه حتى وقع.

في اللحظات التي تسبق تحويل العــام الجديــد، دعــوت دعـاء التحويــل )يــا مقلب القلوب واألبصـار... حـول حالنــا إلى أحسـن حـال( في المستشـفى وطلبت من اللــه أن يمنحــني الصــبر والقــوة ألعــود مجــددا لخدمــة الــدين

والناس وأرجع إلى الجبهة من جديد.

عندما خرجت من المستشفى كان وزني خمســين كيلوغرامــا، ســابقا كــان اثنين وســبعين كيلوغرامــا! نــزل وزني أكــثر من عشــرين كيلوغرامــا. كنت أشعر بالضعف في يدي ورجلي. لم أكن أستطيع المشي لوحــدي حــتى لــوــالج أن أمشــي ــائي المع ــني الطــبيب الفيزي ــأت على العصــا. طلب م توك

وأتحرك.

وأخيرا رجعت إلى البيت، برجل واحدة، ذهبت بــاثنتين وعــدت بواحــدة! مــا إن وصلت إلى المــدخل وخزانـة األحذيــة، هجمت األفكــار والـذكريات على ذهني. أصبح فكري مشغوال بالمقارنة بين الماضي والحاضر: رجالن ورجــل واحدة، زوج أحذية وفردة واحدة. درجــات المــنزل الــتي كنت أجتازهــا كــل اثنــتين بخطــوة، أصــبح عبــور درجــة منهــا صــعبا علي، األلعــاب الــتي كنت أمارسها ولم أعد أقدر و... كانت هذه الهواجس تجعل العرق البارد ينساب

على جسدي فأشعر بالوهن والضعف.

عنــدما بــدأت بالمشــي، تعــرفت بســرعة إلى مســير مؤسســة "جانبــازان" . ذهبت ورجعت، وتعرفت هنــاك إلى أصــدقاء جـدد من الجــرحى(الجرحى)

مثلي. كانوا هناك وتوطدت عالقتنا. كنت أطلع على آخر األخبار منهم أيضا،وخاصة ما يتعلق بالجرحى، مثل قصة الجريح

167

ــبيت الذي بترت رجله من فوق الركبة فدخل في أزمة وحبس نفسه في ال ولم يخرج منه لعدة أشهر، ولم يرغب حتى في لقاء أقرب المقــربين عنــه،

ثم تأقلم بالتدريج وتكيف مع إصابته و...

كان مهمتي الثانية أن أزور األصدقاء واألقارب الذين كانوا يقومون بعيادتي أثناء مدة العالج في المستشفى. وبهذا كنت أبادل محبتهم بمحبة من جهة، ومن جهة أخرى كنت أروح عن نفســي وأســتعيد نشــاطي ومعنويــاتي. في إحدى زياراتي، عندما أردت الخــروج، لم يلتفت صــاحب الــبيت وبــدأ يبحث

عن "الفردة" الثانية من حذائي! ويقول: - ال بــأس.. اآلن نجــدها.. يــا ويلنــا من شــيطنة األوالد.. الحيــاة في الشــقق

هكذا.. !

ا من الخجل واالرتباك.. عندما انتبه إلى المسألة، .. كان وجهه محمر

م قــد حــل، إال وكنت قــد وضــعت قــدما صــناعية1986لم يكن ربيع العــام ــة ــذه الرفيق ــود على ه ا. إضــافة إلى صــعوبة التع ــدريجي ــركت العصــا ت وت الجديدة، كان هنــاك مشــكلة أخــرى هي الرائحــة الكريهــة الــتي تنبعث من

جواربي. تعودت على هذا وصرت أغيرها وأغسل قدمي في كل مرة.

في صيف ذلك العام، عــاد الحــنين إلى الجبهــة يشــعل كيــاني. فــذهبت من "طهران" إلى "كوزران"، المعسكر الصيفي للفرقة. تقدمت حــتى وصــلتــني" هــو أول إلى خيام كتيبة "حمزة" الواقعة فوق الجبل. كان الحــاج "أمي

من شاهدته هناك. استقبلني بحرارة وحفاوة بالغة.

تحدثنا عن ذكريات تلك الليلة، فقال لو لم يقاتل شــباب "حمــزة" بضــراوةلكان ممكنا أن يقوم "العراق" بهجوم مضاد يستولي به على

168

كل المحور، ثم اقترح علي أن ألتحق بالخط الخلفي الداعم للجبهة. - يا أخ فياض، أنت عنصر متفرغ في الحرس الثــوري، وحيثمــا كــان عملــك

فأنت في خدمة الجبهة.

خلوت بعد ذلك بنفسـي وصـرت أفكــر: إن بقيت في الجبهـة فسـتربك فيليلة العمليات وتضطرب. ولهذا صرت أفكر بنصيحة الحاج "أميني".

اشتاق قلبي للفصيل األول. ذهبت إلى خيمة الفصيل. ال آثــار وال أخبــار عن المقاتلين القدامى. كان هنــاك بعض الشــباب في الخيمــة: "أحمــد أحمــدي زاده" و"علي شهبازي" و"سيروس مهدي بور". جلســت وصــرت أســترجع معهم ذكريات ليلة العمليات. ذكر لي أحدهم بأن أحد شباب السرية األولى في ليلــة العمليــات، اشــتبه بيــني وبين أحــد العراقــيين وصــار يناديــه يــا أخــاب إلى "فياض"، أخ "فياض".. يا سيد "حسين" التفت العراقي فانتبه الشــالفتى ــراقي الضــخم ب ــدم، فقــد أمســك الع ــع الن ــه ولكن حين ال ينف خطئ اإليراني ورماه أرضا ثم أطلق النار على رأســه. أخطــأت طلقــات الرشــق الهدف إال واحدة أصابته في جبهته. ولكن البعثي حين شاهد الــدماء تغطي

وجهه، تركه ومضى.

لم يعرف أحد اسم ذلك الفــتى، لكن هــذه الحادثــة تــدل على أن المعــاركــا لوجــه، ولكن أي وجــه ضــد أي وجــه؟ الغيالن كانت بالسالح األبيض ووجه البعثية المدربــة والمدججــة بالســالح مقابــل فتيــان صــغار من دون تجربــة،

ولكنهم مفعمون باإليمان والشجاعة.

كنت أعلم بأن "محسن كلستاني" و"محمد عليــان نجــادي" و.. آخــرين قــدــد ارتقى ا ق استشهدوا. ولكني هناك عرفت بأن السيد "علي رحيمي" أيضــ

شهيدا. قال الشباب إن السيد "علي" كان يساعد الجرحى

169

وينقلهم للخطوط الخلفية ولكنه عنــدما الحــظ نقص الــذخيرة صــار يحمــل السالح والعتاد وينقله للمقاتلين. آخر مــرة تقــدم للخــط األمــامي ســقطت

.1قنبلة يدوية وراءه فأصابت شظية كبيرة رأسه ونال مقام الشهادة

في تلك الليلة، استشهد "علي قابل" وأخوه الذي كان في الفصيل الثــالثفي السرية، فارتفعا معا شقيقين شهيدين.

تلك الليلة، كانت آخر ليلــة عمليــات أشــارك بهـا في حيــاتي، بعــدها تــابعتخدمتي في عمل إداري في وزارة الحرس الثوري.

ـة، تقبلت إصـابتي1986في أواخر العام م تزوجت من امـرأة مضــحية وفي وساعدتني كثيرا فبذلت جهودا كبيرة لتأسيس أسرة صالحة. في أحد األيام وبعد الزواج، التهبت رجلي بشدة وأصــبت بحمى ورجفــة. أخــذتني زوجــتي

إلى عيادة الطبيب بصعوبة. فكان كالمه:ا حتى الصباح... - لن يبقى حي

كانت رجلي المقطوعة قد انتفخت وصارت بحجم وســادة، ولم تنفــع معهــا األدوية والعالجات. وصلت حرارتي لألربعين. اضطر األطبــاء إلجــراء عمليــة جراحية، وعلى الرغم من أن التخــدير كــان خطــرا علي ومن الممكن أن ال أستعيد وعيي منه أبدا، أجروا الجراحة، وأخرجــوا التعفن من رجلي، وشــاء

الله أن أعود للحياة مجددا.

هذه المرة أيضا، أخرج الطــبيب الجــراح عـدة شــظايا من رجلي وأعطــانيــدفاع إياها. احتفظت بها كي ال تذهب ذكرى تلك الليلة وذكريات ســنوات ال

المقدس الثماني من بالي أبدا. أراني الطبيب قطعة

العام 1 شتاء " 1987في بعد " أيضا استشهد قد جواد ابنه أن سمعت .11م، أبيه شهادة من شهرا

170

سوداء وسألني ما هذه؟ نظرت وأجبته:أم القصر". - أيها الطبيب العزيز، هذه قطعة إسفلت من جادة "الفاو –

أخذتها كذلك واحتفظت بها.

ــان قــد في أحد األيام، التقيت "علي بي بي جان" في مؤسسة الجرحى. ك فقد بصره. قنبلة عراقية سلبت منه نور عينه. في تلك الليلــة اقتحم عمــق

جبهة العدو وأصيب بالقرب من المالالت.

قدسلم تكن الحرب قد انتهت، عندما توفقت مجددا للقاء اإلمام الخمينيــا بالضــبطسره . كان ابــني في األشــهر األولى من عمــره. أخذتــه معي. كن

تحت منصــة اإلمــام في حســينية "جمــاران". حين دخــل اإلمــام كنت تحت المكان الذي وقف اإلمام عليه. رفعت ابني بيدي. عندما شاهد اإلمام طفال صغيرا التفت إليه ومسح على وجهه ورأسه. كان هـذا آخـر لقـاء مـع مــراد

الشهداء والعاشقين.

انتهت الحرب، ورحل اإلمام أيضا. مضت سنوات طوال وأنــا مــا زلت كلمـاارتفعت حرارتي أرتجف وأخاف أن تكون رجلي قد التهبت مجددا.

كلما توفقت لزيــارة "مشــهد"، أتــذكر مستشــفى "كاميــاران" وغربــتي فيــامن ذلك المستشفى، وكيف علقت قلبي بنافذة الضريح المبارك لإلمام الث ودخلت غرفة العمليــات تحت عنايتــه وحين غــادرت "مشــهد"، كنت راضــيا

وهــذه عليــه الســالم مستبشر القلب بأني تــركت أمانــة عنــد اإلمــام الرضا األمانة المتواضعة التي ال قيمة لها، يمكن أن تلفت نظره الكريم فيرافقني

كرمه ولطفه حتى الموت ويوم القيامة.

لو لم تقع الحرب، ربما عملت في صناعة الحلويات أو تجارة القماش،

171

ــرغب في ــبي ي ولكني اآلن قد تقاعدت بعد خدمتي في الحرس الثوري وقل متابعة مهنة والدي في الحلويات. بعــد تلــك الليلــة الــتي ال تنســى، واجهت مصاعب عديــدة، بعضــها ال يعلمــه إال اللــه. إليــه أرغب ومنــه أطلب حســنــامن، العاقبة في حياتي وإن كانت تلك األمانة مقبولة لديه ولدى اإلمــام الث

أن يلحق بها بقية هذا الجسد والروح، إن شاء الله.

172

وثائق الفصل الثاني عشر

االسمالرقموثائق غير خطيةصوروثائق خطيةوالشهرة

دقيقة مقابالت323195حسين فياض1 الشهيد علي2

دقيقة مقابالت358175رحيميمع العائلة

حسين فياض-1المعلومات الشخصية: 1-1

- حاصل على الشهادة الثانوية، متزوج، لديه ثالثة أبنــاء، موظــف في وزارةالدفاع.

تاريخ ومكان الوالدة:م(، طهران.1964 هـ. ش )1343- العام

- مدة المشاركة على الجبهة ونوعها: شهرا خدمة تطوعية في التعبئة.19 شهرا في حرس الثورة اإلسالمية.18

العمليات والمهام:- عمليات "والفجر" التمهيدية )مساعد رامي آر بي جي(.

" )مساعد رامي آر بي جي(.1- عمليات "والفجر" )مساعد رامي آر بي جي(.3- عمليات "والفجر" )مساعد رامي آر بي جي(.4- عمليات "والفجر

م)رامي آر بي جي(.1984 هـ. ش/ 1363- دفاع "شاخ شميران" - عمليات "بدر" )قناص(.

م. )معاون فصيل(.1985 هـ. ش/ 1364- دفاع "مهران" " )معاون فصيل(.8- عمليات "والفجر

173

الجراح:م.1983هـ. ش./ 1362- كسر عظام الفك والوجه واليد اليمنى.

م.1984هـ. ش./ 1363- إصابة بالقنابل الكيماوية في الرئة م.1984 هـ. ش/ 1363- قطع الرجل اليمنى من تحت الركبة

%70- نسبة اإلصابة:

- من اليمين:91الصورة رقمفياض، أهري

المذكرات المكتوبة1-2نصيري بور دفIIIتر محمIIIد جIIIواد1-2-1

122الوثيقة رقم

123 الوثيقة رقم الكالم األخير.1-3

ــورة رقم ــ ــا من92الصـ ــ ــاض، - وقوفـ ــار: في اليســير ــدي كب ــتاني، مه ــن كلس زاده، نصــــــيري محس

بور. جلوسا: أحمد أحمدي زاده.

174

الشهيد علي رحيمي-2 الصورة رقم 124: الوثيقة رقم الهوية2-193

المIIIIIIIIIذكرات 2-2المكتوبة

دفتر محمد جواد نصيري بور2-2-1125الوثيقة رقم

175

الرسائل2-3

126الوثيقة رقم

ــة ــ 127رقم الوثيق

176

الوصية2-4128الوثيقة رقم

94رقم الصـــــورة

177

.(علي رحيمي) مقابلة مع زوجة الشهيد 2-5 كنت في العاشرة أو الحادية عشــرة عنــدما زوجــوني لشــاب في التاســعة

ــام ــدما أنجبت طفلي الســابع، انفصــلت عن1965عشــرة. في الع م وعن زوجي. كنت أعيش في منطقة "آريانا" وبالتدريج تعرفنا إلى أسرة "الســيد رحيمي"، وصار بيننا تواصل وزيارات. كنت قد ســمعت من أبي بأنــه رجــل مؤمن ومن فدائيي اإلمــام الخميــني، وأنــه يعــرف الســيد "نــواب صــفوي" ولديه نشاط سياسي وثوري. كذلك سمعت عنه أنــه يعمــل في فــرن وأنــه يضع بيانات اإلمام بين أرغفة الخبز ويوزعها على بيــوت النــاس. حــتى جــاء اليوم الذي حضر والده ووالدته لخطبتي. يومهــا عــرفت بأنــه كــان متزوجــا أيضا في السابق وقد انفصل عن زوجته ولديه ثالثة أبناء ويعيش معهم في منزل والده ووالدته. التجربة المريرة التي كنت عشتها في زواجي منعتـنيــه وزيارتهمــا من قبول عرض الســيد "رحيمي" ببســاطة، لكن إصــرار والدي

المتكررة لم تترك لي مجاال فقبلت وتزوجنا. بــدأت حياتنــا المشــتركة بشــكل بســيط(م1968 ) هـ.ش1347في العام

ومتواضع جدا. لم تمض فترة طويلة حتى كــان حب الســيد قــد اســتقر في قلبي وأزال كل قلقي وهواجسي. عندما شاهدت تعامله األبوي الحنون مــع

أوالدي، اطمأننت وارتاح قلبي.

ا للعيش معنــا. بعــد ســنة ولــد ابننــا "جــواد"، بعد عدة أيام، جاء أوالده أيضــ وبعده "محسن" و"معصومة". أصبحنا أسرة مكونـة من ثالثـة عشـر فـردا. في تلك األيام كان عند السيد "علي" مكتب معامالت عقاريــة، ولكنــه كــان يقــوم باالســتخارة ويعتمــد عــل القضــاء والقــدر، لدرجــة لم يكن ينجــز في السنة أكثر من معاملة واحدة! صارت السنة تمضي وراء الســنة ونحن في

حال فقر مدقع. وعلى الرغم من أني

178

أمية ولم أتلق أي تعليم مدرسي إال إني كنت أعمل كي نتعاون على تــدبير معيشتنا. أحيانا في "طهران" وأحيانا أخرى في "كرج" وأينمــا تــوافر عمــل لتأمين لقمـة عيش لألوالد. لم نكن نملـك حـتى أبسـط وسـائل الحيـاة فيــذهب إلى بيت ــورة، ن ــار الث ــا وألجــل االســتماع إلى أخب ــا أحيان ــبيت. كن ال

الجيران!

م، تعرض السيد "علي" لحادث سير خطير، فتكسرت كــل1977في العام أسنانه، ما اضطره لتركيب طقم أسنان صناعية.

عندما انتصرت الثورة، وتم تشكيل "جهــاد البنــاء" بــأمر من اإلمــام، انضــم م( أعطونا1980 هـ.ش )1359السيد "علي" إلى "جهاد البناء". في العام

غرفة في مبنى "جهاد البناء"، كانت غرفة صغيرة جدا وكأنها مكــان مصــعدمعطل، وصار عندنا نوع من االستقرار النسبي.

كان يبقى في العمل ليال حتى وقت متــأخر لــدعم وتجهــيز الجبهــة، فيقــومبالعمل تطوعا ومن دون حقوق وراتب، فكنا نعاني شظف العيش.

ــا نتعــاون معــا على كان حنونا ومضــحيا. يســاعدني في أعمــال المــنزل. كنغسل األلبسة والبياضات التي يحضرها للمنزل لتنظيفها.

ــرفض ــاء" وي ــاء عن حســاب "جهــاد البن ــير المــاء والكهرب ــدفع فوات كــان ي استخدام سيارات المؤسسة أو الهاتف لألمور الشخصية. كان في كثير من األحيان، يتنــاول كميــة صــغيرة جــدا من الطعــام كي يأكــل األطفــال أكــثر. وأحيانا كان يتذرع بأنه ســيتناول الفطــور مــع األخــوة الحــرس في العمــل، يخرج من البيت من دون فطور. ومع هذا كان نشيطا قوي البنية والحركــة.ــت ا في الثامنة عشرة من العمر ولس كنت أمازحه فأقول: "أنت تشبه شاب

كهال".

عندما بدأت الحرب، قرر السيد "علي" االلتحاق بالجبهة. لم أكن

179

راضية عن هذا القرار. قلت له:- يا سيد "علي"، هل هذا ما اتفقنا عليه؟

- أنا وعدتك أن أبقى معك حتى آخر العمر، ولكني لم أكن أعلم أن الحربستبدأ. إنه أمر اإلمام ويجب أن أذهب.

ــا استشــهدت ــة، ال تعتمــدي على األوالد. إن أن ــزالين صــبية وجميل أنت ال ت تزوجي حتما. أرجو أن تسددي لي ديوني، ال أريد أن يبقى حــق النــاس في

ذمتي.

قلت له: "أنت ال تحتاج للذهاب إلى الجبهــة، عملــك في المؤسســة يعــادلثواب الجهاد والشهادة".

- أين أنا من الشهادة؟- لألسف فأنا مقيدة بعهد اإليمان، وإال لما كنت أدعك تذهب.

ذهب أوال إلى جبهة "كردســتان". فيمــا بعــد التحــق "مهــدي" و"محســن" -ا. كــان "مهــدي" مــع أبيــه وكانا قــد تــأثرا - بــأبيهم وذهبــا إلى الحــرب أيضــ

وأصيب في عمليات "والفتح المبين".

وفي آخر مأذونية جــاء فيهــا إلى الــبيت(م1985 ) هـ. ش1364في العام . كــان محمومــا وضــعيف(مــرق اللحم)أعــددت لــه حســاء "آب كوشــت"

ــل ــتى أصــبحت ضــعيفا ونحي ــة ح ــأكلون في الجبه الجســم. ســألته: "أال تالجسم".

- "األكل في الجبهة، متوافر بكثرة، طعام ساخن وأطيب ما يكون!".

تغيرت تصرفاته، صار صامتا وصابرا.

في الليلة األخيرة لتلــك العطلــة ذهبنــا لزيــارة والــده الــذي لم يكن راضــياــرعى ــه: "أنت يجب أن تبقى وت ــذهاب "علي" إلى الجبهــة. كــان يقــول ل ب شؤون زوجتك وأوالدك. لم يقبل السيد "علي". صار يقبل يدي وقدمي أبيه

واعدا إياه أن تكون هذه المرة األخيرة التي يذهب فيها إلى

180

الجبهة. بكى والده وناح ولطم باللغــة التركيــة، وكــأن قلبــه أخــبره بأنــه لنيرى ولده بعد هذا اللقاء.

ــا ا كبــيرا وإبــرة وخيطان عند الوداع، كرر توصيته لي باألوالد. أخذ معه مقصــ كي يقوم بأعمال الخياطة وإصــالح ثيــاب الشــباب. كــان وداعـه لي قصــيرا

وسريعا. بكيت كثيرا وشعرت بأنه لن يعود إلينا.

في الخامس والعشرين من شهر "بهمن"، أحضــروا جثمانـه شــهيدا. كـانت شظية قد أصــابت عنقــه، كــان وجهــه من دون لحيــة وال أســنان، بــدا أكــثر نحوال. كانت تلك أول مرة أراه فيها من دون لحية. كان نائما بهدوء. طالمــا

تمنى أن يستشهد ببدلة "التعبئة" وقد تحققت أمنيته.

ــاه في كان جديرا بالشهادة، ومن حقه أن يغــادر الــدنيا بأفضــل شــكل. دفنمقبرة "بهشت زهراء"، وأقمنا له مراسم حافلة.

ــه1986في العــام ــط ل ــدما كنت أرب ــني "جــواد" بالجبهــة. عن م التحــق ابــا عصابته على جبينه في مركز "المقداد" كان مشــهد تشــييع جثمانــه متجلي

أمام ناظري. بعد خمسة أشهر، عاد شهيدا ودفنا جسده إلى جانب أبيه.

ــام ــة ألداء فريضــة1993في الع م وبإصــرار األوالد علي ســافرت إلى مكــا على ــيد علي"، حزن ــفر كنت أبكي على "الس ــترة الس ــوال ف "الحج". ط براءته وطيبته، وكيــف لم يســتطع أن يــذهب للحج. في إحــدى الليــالي في "مكة" شاهدته في منــامي بلبــاس اإلحــرام األبيض و"القلنســوة" البيضــاء.

قلت له وأنا أبكي.- يا حاج، لقد اشتقت إليك. ليتك جئت إلى هنا معي!

قال ضاحكا:- لقد كنت معك من اليوم األول، لكنك لم تريني!

181

مضت السـنوات وأنـا كـبرت وهـرمت وانحــنى ظهـري من حمـل مشــقاتــنحت الحياة وفراق أحبتي. لم أعد أقوى حتى على المشي، ولكني كلما ســران، ــواد". في إي ــيد علي وج ــريح "الس ــارة ض ــة أذهب إلى زي لي الفرصالكثيرات مثلي من األمهات والزوجات، لكن الويل لمن يخون دينه ووطنه.

عنوان القبر2-64، رقم 70، الصف 53طهران، بهشت زهراء القطعة

95الصورة رقم

182

183

القسم الثاني

السرية األولى

184

185

الراوي: عربعلي قابل )شهيد(ــاعد رامي آر بي جي، ــ ــكيل: مس ــ التش

الفصيل األولالراوي: عبد الله قابل )شهيد(

التشـــكيل: ناقـــل جـــرحى )مســـاعدمسعف(، الفصيل الثالث

1الفصل الثالث عشر*

المذكرات اليومية نورد في هذا الفصل المــذكرات اليوميــة المدونــة لعــربعلي قابــل، ومن ثم

المذكرات اليومية لعبد الله قابل.

"، حـتى مــا8تعود مذكرات عـربعلي إلى أشــهر خلت قبــل عمليــة "والفجر قبل تنفيذ العملية بعشرة أيــام، فيمــا كتب عبــد اللــه مذكراتــه خالل األيــام

العشرة التي انتهت بتنفيذ العملية.

النقـــاط على الســـطر هي عالمـــة على امتناعنـــا عن تكـــرار المـــوارد أو المواضيع المتفرقة. الجدير ذكره أن مطالعة دفتر مذكرات عبد اللــه قابــل والبحث فيه، كان عمال جذابا وفريدا من نوعه، كانت صفحات دفتر الشهيد

ذات لون خافت وقد خضبت بدمائه.

سيتم عرض ورقات من هذا الدفتر في وثائق هذا الفصل.

.14و 13الفصالن 1 مهدي علي الحاج ترجمة ،

186

المذكرات اليومية المدونة لعربعلي قابل-1 نيسان(13 فروردين )24) يوم السبت

.. ومحمد عليان نجادي التحقوا بالجبهة.

،1ليال عقد مسؤولو التعبئة جلسة في مســجد اإلمــام الهــادي عليــه الســالما. وقد تم اختياري مسؤوال تنظيمي

ــاة ــوم الحي ــا. عل ــة، األدب، الجغرافي ــدين، اللغــة العربي ــاة، ال ــوم الحي :2عل ســاعتان في النهـار، ســاعة واحـدة في الليــل. الـدين ســاعة واحـدة نهـارا وأخرى ليال. اللغة العربيــة نهــارا ســاعتان ونصــف ســاعة في الليــل. األدب

ساعتان نهارا . الجغرافيا ساعة ونصف الساعة نهارا، ونصف ساعة ليال.

نيسان(15 فروردين )26يوم االثنين ــك ذهبت إلى المدرســة ــد ذل ذهبت صــباحا إلى مدرســة دار الفنــون. بعــا إلى الســوق. بعــد الظهــر ذهبت إلى ثانويــة اإلرشــاد في االبتدائيــة والحق

يومي الدراسي األول وقد كان يوما ممتازا جدا.

نيسان(24 أرديبهشت )4يوم األربعاء صباحا أخــذت األوالد لمشــاهدة العــرض العســكري في "يــوم الجنــدي" ثم أكملت طريقي إلى المدرســة. كــانت المدرســة مقفلــة. ذهبت إلى ســاحةــالة، اإلمام الحسين عليه السالم لمشاهدة العرض العسكري. ليال، بعد الص

عقدنا جلسة للتعبئة في المسجد.

نيسان(25 أرديبهشت )5يوم الخميس اليوم يصادف ذكرى مرور أربعين يوما على شهادة صديقي وابن

1 . طهران في مجيدية محلة في2 . االختبارية العلوم اختصاص في الثانوية الثالثة السنة مواد

187

، تلك الشهادة المفجعة والمظلومة.. أربعون يومــا خلت منــذ1محلتي حميدأن طار إلى معشوقه وانتقل إلى لقاء الله تعالى.

أيار(8 أرديبهشت )18يوم األربعاء ــة ذهبنا إلى حقل الرماية في ثكنة اإلمام الحسين عليه السالم ونلت الدرج

األولى في مسابقة الرماية.

أيار(12 أرديبهشت )22يوم األحد ــام "شــمس العمــارة": ســقط ــوات أم شــهيدا، وأصــيب15.. زرعــوا عبخمسون آخرون بجراح .. لقد صمت اليوم استحبابا..

أيار(25 خرداد )4يوم السبت استيقظت عند الساعة التاسعة صباحا ودرست مادة الجبر. أرسلت رسالة

بواســطة البريــد. ذهبت ظهــرا إلى المســجد إلقامــة الصــالة2إلى عبد اللهولحضور جلسة التعبئة.

..قصفت الطائرات العراقية شارع "أنديشة".

أيار(27 خرداد )6يوم االثنين .. ليال قصفت الطائرات العراقية منطقة "جهارده مترى لشكر".

بقينا هنــاك حــتى الصــباح نقــوم بأعمــال المســاعدة واإلغاثــة، ورجعت إلى فجرا.4:30المنزل عند الساعة

حزيران(22 تير )31يوم االثنين .. ومحمد عليان نجــادي جــاؤوا في إجــازة من منطقــة القتــال. كنــا خارجــا

برفقة الشباب منذ مطلع الصباح.

1 . بدر عملية في استشهد محمدي حميد2 . القتال منطقة في موجودا الله عبد كان آنذاك

188

تموز(27 مرداد )5يوم السبت .. ومحمد عليان نجادي عادوا إلى الجبهة. ذهبت إلى المسبح.

أيلول(26 مهر )4يوم الخميس كان يوما رائعا.. استمعنا إلى مجلس عزاء ولطمنا صــدورنا. ال أعلم الحــال التي أمسيت عليها. فقد كنت أجهش بالبكاء كلما ذكر اسم اإلمام الحسـين عليه السالم. أمضيت اليوم كله أبكي حتى الليل. كانت ليلة الحــادي عشــر من شهر محرم، ليلة غربة أهل بيت اإلمــام الحســين عليــه الســالم. كــانت

قراءة النعي رائعة. رحت أبكي بشكل دائم: تنــاثرت أوراقهــا في كــربالء وا وا أسفاه على ورود حديقــة المصــطفى

أسفاه انفصــلت يــدها عن جســدها وا وقعت وردة على شــط العلقمي

أسفاه

كان جميال جدا. صرت أبكي بشكل دائم. أتمنى كثيرا أن تحصل مجددا تلكــا. ومــا إن وقعت عيــني الحال التي غمرتني في ذلك اليوم. كنت أقــرأ كتاب على اسم اإلمام الحسين عليه السالم حتى أجهشــت بالبكــاء. كنت أتصــور

في ذهني قصة سبي السيدة زينب عليها السالم وأبدأ بالبكاء.

تشرين األول(17 مهر )25يوم الخميس االلتحــاق بمنطقــة القتــال واالنضــمام إلى كتيبــة الحمــزة رحمــه اللــه في

محمد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم". وقفت بالصــف27"الفرقة عند الســاعة الرابعــة والنصــف بعــد الظهــر. شــباب الفصــيل األول شــباب جيدون. صــرت مســاعدا لــرامي رشــاش، مســاعد األخ غالم رضــا نعمــتي. بقيت اليوم بأكمله عند أخي عبد الله في الفصيل الثــالث. ليال، بعــد قــراءة

الدعاء

189

نمت في الحسينية برفقة أخي.

تشرين األول(18 مهر )26يوم الجمعة ذهبت صباحا مع عبد الله إلى مركز االتصاالت، وبعد ذلــك قصــدت دزفــول للمشاركة في صالة الجمعة. تناولنا الطعام والبوظــة قبــل الصــالة. التقيت هناك بالشباب، وذهبنا بعد الصالة إلى ثكنة دوكوهة. كان طعام الغداء كبابا باألرز ولبنا وخيارا. توجهنا بعــد الغــداء إلى حســينية الحــاج همت، وشــاهدنا

دقيقــة، ثم ذهبت عنــد4:20فيلما هنــاك. وقفنــا في الصــف عنــد الســاعة الساعة الخامسة إلى الفصيل الثالث ألرى عبد الله. كانوا قد قاموا بتسوية

حسابهم.

تشرين األول(19 مهر )27يوم السبت ــه إلى ذهبنا بعد صالة الصبح لتنفيذ البرامج الصباحية. اليوم سيغادر عبد الل طهران. بعد الصــالة وتنــاول طعــام الغــداء رافقت عبــد اللــه إلى المدينــة. مضى هو إلى طهران فيما رجعت أنــا إلى دوكوهــه. عنــدما ودعتــه نظــرت إليه داخل القطار. انقبض قلبي وشعرت بالحزن. ذهبت إلى حمــام الثكنــة. اغتســلت ونســيت مــئزري هنــاك. ذهبت إلى الحســينية قبــل الصــالة حيث

قرأت ما تيسر من القرآن حتى شعرت باالرتياح واالنفراج.

.. طلبت من الله في صالتي أن ينزع حب عـائلتي من قلــبي أثنــاء خـدمتي في الجبهة. لقد اشتقت إلى عبــد اللــه. جلســت في الغرفــة أنتظــر طعــام العشاء. لقد أحزنتني الوحدة، فأنا أحب البيت ومــدينتي طهــران كثــيرا. كم أرغب اآلن أن أكــون في طهــران، ولكن مــاذا أفعــل، فــإن إيمــاني باللــه ال

يسمح لي بالعودة، كما كان إيماني هو الداعي لي للمشاركة في الجبهة.

عندما أرى شباب الفصيل تنفرج أساريري. إنهم شباب طاهرون.

190

مؤمنون وقلوبهم صافية كصفو عين المياه. إني ألغبطهم. لقد نفــذ اإليمـان إلى أعماق وجودهم فال يفكرون بغير الله. عندما أتحدث مــع الشــباب أبــدأ بالبكاء، فالجميع يتحدثون بنفس العشق لله، بينما جل حديثي عن طهــران، وانا أتنفس خوفـا ومن انعـدام اإليمـان. أطلب من اللـه أن يجعلـني واحـدا

منهم.

ا بعــد .. كان أحد الشباب يبكي، ظل يبكي كــذلك أثنــاء الصــالة. رأيتــه أيضــالصالة وما زال يبكي. لقد غبطته كثيرا.

تمنيت لو أن ذرة من إيمانــه تصــل إلي. ال أدري لمــاذا أحب أن أكتب بهــذا القــدر. ربمــا هي عقــدة في قلــبي آن أوان حلهــا. واللــه العــالم. )الســاعة

السابعة وخمس وعشرون دقيقة عصرا.(

تشرين األول(20 مهر )28يوم األحد ــا ألداء استيقظت من نومي صباحا قبل حلول وقت األذان. بعد الصالة ذهبن البرنامج الصباحي. كان برنامجا جيدا، وركضنا بما فيه الكفايــة. في طريــقــا على مســامعنا: قــدوة كـل العودة قرأ مسؤول الفصيل األخ كلســتاني نعي

، يا عزيزي يا حسين.. حر

وأكملنا طريقنا إلى مبنى كتيبة حمزة.

ظهرا قصدنا حسينية الفرقة إلقامة الصالة. بعد ذلك عدنا إلى مبنى الكتيبة لتناول طعام الغداء. تحدث الشيخ الذي يؤمنــا بالصــالة في حســينية الحــاجــاق ــة االلتح ــاتلين، وعن أهمي ــبة للمق ــا بالنس ــة وأهميته همت عن الدراس بالجامعة، وإن لم نتابع دراســتنا فــإن اآلخــرين من أعــداء الثــورة ســيحلون

مكان عناصر حزب الله.

وارتديته.1ذهبت إلى خياط الثكنة وقصرت سروالي الجديد وأنقته

أنيقا 1 جعلته

191

وقفنا في الصف عنــد الســاعة الرابعــة والعشــرين دقيقــة عصــرا، وجمعنــا القمامــة المنتشــرة حــول مبــنى الكتيبــة. قصــدت الحســينية إلقامــة صــالة المغرب. أنشد الفتيان بين الصالتين نشيدا )يك دكلمــه(، كــان لطيفــا جــدا. عدنا إلى مبنى الكتيبة. تناولت طعام العشاء الذي كان "لحما بالمرق" مــع األرز الذي قــدموه لنــا على الغــداء، واآلن أريــد أن أحــل جــداول الكلمــات

المتقاطعة وأخلد للنوم.

تشرين األول(21 مهر )29يوم االثنين استيقظت قبل أذان الفجر ذهبت إلى صالة الجماعة. وقمنا في الصف عند الساعة الخامسة واألربعين دقيقة ألداء البرنامج الصباحي. ذهبنا إلى ساحة الغرفة المخصصة للبرنامج الصباحي بعد ذلك ألقى األخ شمخاني كلمة في

تلك الساحة.

دار الكالم حول المبادئ األساسية للمجتمع، وقد أكد على ضرورة استمرار الحرب حـتى تحقيــق النصـر النهـائي إمـا بالشـهادة أو بالـذهاب مشـيا إلى

كربالء. عدنا إلى مبنى الكتيبة وتناولنا طعام الفطور.

.. بعد الظهر غسلت ثيابي وقصدت الحسينية إلقامة الصالة. تحدث الشــيخبعد الصالة حول الولي الفقيه.

ــا وقــد اشــتقت كثــيرا إلى طهــران. ذهبت إلى الحســينية اليــوم كنت حزينوقرأت القرآن. لقد انفرجت أساريري برؤية الشباب.

عدت إلى مبنى الكتيبة بعد الصالة واآلن أنتظر طعام العشاء. الساعة اآلن دقيقة مساء.8:15

تشرين األول(22 مهر )30يوم الثالثاء استيقظت صباحا مــع أذان الفجــر وذهبت للصــالة. بعــد الصــالة ذهبنــا ألداء

مراسم الصباح. في ساحة المراسم الصباحية في الفرقة

192

تحدث إلينا مسؤول منظمة ثار اللــه األولى حــول تــاريخ الثــورة وأكــد على استمرار الحــرب. بعـد ذلـك ركضــنا قليال وعـدنا إلى مبــنى الكتيبـة. تناولنـا

دقيقــة صــباحا9:20طعام الفطور وسبحت في أفكاري قليال. عند الساعة كان لدينا صف دراسي حول أصول العقائد.

دقيقة عصرا وقفنا في الصف وركضنا قليال.. ليال خطب4:20عند الساعة ــه إلى فينا الشيخ قراءتي في حسينية الفرقة. كان كالمه جميال جدا، وقد نب

الكثير من المسائل كاإلسراف وما شاكل..

بشــكل لطيــف وجميــل، وقــدعليهم الســالمقــرأ مرثيــة عن أهــل الــبيت استأنست أيما استئناس.

ــنى بعد الشيخ قراءتي قرأ أحد المــداحين مجلس عــزاء، واآلن نحن في مبالكتيبة ننتظر طعام العشاء. الساعة اآلن السابعة وخمس وأربعون دقيقة.

تشرين األول(23 آبان ) 1يوم األربعاء رت عنــد الســاعة استيقظت قبــل أذان الفجــر وذهبت إلى المصــلى. تحضــ

ــل6:50 دقيقة للمراسم الصباحية. كان البرنامج الصباحي هذه المرة أفضمن األيام السابقة، ولكننا لم نحظ بليونة جيدة.

.. رأيت أحد الشباب من منطقتي )حينا(. فــرحت لدرجــة أوشــكت أن أبــدأبالبكاء. وصل اليوم عدد كبير من العناصر من طهران.

رجعنــا إلى مبـنى الكتيبـة لتنــاول الغـداء. انطلقت كتيبـة حـبيب إلى الخـطالدفاعي عند الساعة الواحدة.

تشرين األول(24 آبان )2يوم الخميس ــة ــق الليون ــنا قليال، ولكن لم نحق ــباحي، وركض ــد الص ــا إلى الموع .. ذهبن

المطلوبة.

193

.. عـادت كتيبــة األنصـار من الخـط الـدفاعي. التقيت بالشـباب. ذهبت إلى حسينية الفرقة إلقامة الصالة، وتناولت طعام الغداء في مبــنى الكتيبــة. لم

نجتمع بعد الظهر ) لم نقف في الصف(.

تشرين األول(25 آبان )3يوم الجمعة استيقظت قبل أذان الفجر وذهبت إلى الحسينية. قــرأت دعــاء الندبــة بعــد الصالة منفردا. لقد استأنست كثيرا وغــرقت في حــال معنويــة. رجعت إلىــا مبــنى الكتيبــة وتنــاولت طعــام الفطــور. بعــد ذلــك ذهبت واتصــلت هاتفيــذكر أن ــوان". ي ــغيرة "رض ــتي الص ــدثت إلى أمي وأبي وأخ ــران وتح بطهــد ــا رديئا. بع سماعة الهاتف كانت معطلة وكان التواصل الصوتي من خالله ذلك ذهبت إلى دزفول واشتريت صحيفة، أكملت طريقي إلى مكان إقامــة صالة الجمعة. عدت إلى الثكنة بعد الصــالة، تنــاولت طعــام الغــداء، وكتبت

رسالة أرسلتها إلى طهران.

دقيقــة عصــرا، وتحــدث مســؤول4:20تجمعنا )في الصــف( عنــد الســاعة ــه معي الفصيل األخ كلستاني. لم أعد أشعر بالوحدة. أصبحت أشعر أن الل

قبل كل شيء، وأن الشباب أخوة لي.

في اآلونة األخيرة عشقت الله سبحانه بشــكل عجيب، وكثــيرا مــا أصــبحتــل أشعر أني عاشق. لكم أحببت أن أعرف الله وأن أدركه وأشعر به في ك

ذرة من وجودي. ولكن ماذا أفعل، فأنا أشعر به بقلمي وعقلي فقط.

أتمنى لو استطعت أن أخبر أحدا بهذا ولكني خشــيت أن يفقــد األمــر شــيئا أوال – محمـد عليـان نجــادي، كـان من قيمته. لو استطعت ذلـك ألخـبرت –

ا جيدا ذا أخالق حميدة. شاب

فقط كان متصلبا قليال. كنت أستحسن أخالقه. كانت أخالق

194

األخ كلستاني جيدة أيضا. كانت تربطه عالقات طيبة بالشباب وكــان حازمــاعند اللزوم.

إني لفي عجب، كم أنا ضعيف في نفســي حــتى تخيفــني عطســة عطســها محمد. فكيف لي أن أتحمل عذاب الذنوب الــتي أذنبتهــا. أرى أنــه ليس لي

عليهم الســالمإال ســبيل واحــد، وهــو التوســل بعفــو اللــه وشــفاعة األئمــة وخصوصا سيدي أبا عبد الله الحسين عليه السالم.

.. أنتظر اآلن طعام العشاء في المبنى.

تشرين األول(26 آبان )4يوم السبت كانت نوبة حراستي من الثانية حتى الثالثة فجرا. اغتسلت غسال واجبا قبـل

انطلقنا8:30أذان الفجر. لم نذهب إلى المراسم الصباحية، وعند الساعة في مسير. عندما وصلنا إلى مقصدنا أقــاموا مســابقة رمايــة. نلت المرتبــة

األولى في الفصيل األول، وحصلت على جائزة: حبة رمان وبسكوت.

تشرين األول(27 آبان )5) يوم األحد استيقظت قبل أذان الفجــر وذهبت إلى الحســينية وأقمت الصــالة. تجمعنــا

ــركض6:50عند الساعة دقيقة، ثم انطلقنا ألداء البرنامج الصباحي. كان الــا ــنى وتناولن جيدا خالل هذا البرنامج، وكذلك الليونة. بعد ذلك عدنا إلى المب طعام الفطور. بعد الظهر خلدت إلى النــوم، ومن ثم تجمعنــا عنــد الســاعة

دقيقة.4:20

اليوم لم يكن تصرفي سيئا مع أحد. تحسن قليال سلوكي تجاه محمد عليانا ا وأنــا أيضــ نجادي. سلوك شباب الفصــيل تجــاه بعضــهم البعض جيــد نســبيــع بعضــهم البعض ــون م ــازحهم. بعض الشــباب يمزح أســعى إلى أن ال أم

)وتكسر الحواجز بينهم(. أسأل الله أن يهدينا إلى

195

الصراط المستقيم.

كان األخ كلستاني يتحدث ويقــول: "إذا رضــي اللــه عن عبــده أذاقــه حالوة مناجاته وحفظه من ارتكاب الذنوب.." كأن الله سبحانه قــد رعــاني ونظــر

إلي بلطفه، أشعر في داخلي برغبة بالدعاء والمناجاة.

ال تصدر مني الذنوب إال نادرا. أسأل اللــه أن أبقى على هــذه الحــال دائمــا وأن أحفظها. في كل مرة أذهب في إجازة إلى المدينة أفقــد هــذه الحــال، ثم تنظف تلك البقعــة الســوداء وتــزول عنــد أول دعــاء، أو عنــد اســتماعي لمجلس عزاء أو مع قليل من البكــاء. يــوم الجمعـة الفــائت كنت في مــزار

"سبز قبا" في دزفول حيث وقع نظري على مشهد ما وارتكبت إثما.

ليال، شعرت بالضربة أثناء استماعي لمجلس العزاء، وأدركت كيف أن ذلكالذنب قد سود قلبي.

ــة ورأســي إلى إن شاء الله، من اآلن وصاعدا سأسعى أن أسير في المديناألسفل حتى ال تقع عيني على أجنبية فأرتكب ذنبا.

7:40أسأل الله تعالى أن يعينني على هذا األمــر.. والســالم. الســاعة اآلن دقيقة مساء.

تشرين األول(28 آبان )6يوم االثنين استيقظت صباحا قبل صالة الفجر، وذهبت إلى الحســينية وصــليت فريضــة

الصبح، بعد ذلك ذهبنا إلى المراسم الصباحية.

بعد الفطور أحضــرت صــندوق ذخــائر فارغــا ألضــع أمتعــتي بداخلــه. ظهــراــا في الصــف4:40صليت وتناولت طعام الغداء. عند الساعة دقيقة تجمعن

)الطابور( وركضنا قليال، ثم اندمجت الســرية الثانيــة بالســريتين األخــريين.لقد فكرت كثيرا اليوم، فقد

196

تحدثت مرة مع محمد عليان نجادي، وقــد كــان مســتاء لمــاذا ألقي التحيــة.1عليه!. كان يتصور أن هذا األمر سيكون له تأثير في خلوص نيته

ا فهيما. يسعى دائمــا أن ال تكــون لــه عــداوة مــع أحــد، وفي أغلب كان شاباألحيان يحاسب نفسه ويحاكمها.

مســاء قــرأ األخ كلســتاني دعــاء اإلمــام علي عليــه الســالم بين الصــالتين،فأدركت أن قلبي قد تلطخ مرة أخرى بالسواد.

أشعر أن سبب هذه النقاط السوداء هــو الغيبــة، فهي أكــثر الــذنوب رواجــا بيننا وال نلتفت إليها، وفي أغلب األحيان نغتاب بدون أي التفات وهذا الذنب

عظيم جدا، نسأل الله أن نكون في حفظ منه.

.. كتبت عن2اليوم، كتبت رســالتين واحــدة ألهلي واألخــرى لهــادي عــامريفصيلنا الجيد وكيف نرى فيه مبادئ األخوة والمساواة.

المبادئ التي ال تتحقق إال في هذا المكــان )الجبهـة(. اليــوم كنت أفكــر في الروح المعنويــة العجيبــة للشــباب. فهم ال يفكــرون بطهــران إطالقــا، وكــل

همهم وشغلهم الشاغل عبادة الله سبحانه وذكره وطاعته.

ليال، بعد العشاء تحدثت مع األخ كلستاني حول األخ مسعود أهري، ففهمت إلى حد ما طريقة تفكيره وتقرر أن أتحدث مع مسعود قليال على أن يكونا على ما يقوم به كل شــخص من اختيــاره.. كــل شــخص أساس كالمنا مبني يستطيع أن يزيد من احترامه أو يقلله وأنه كيف لنــا أن نزيــد من قيمتنــا أو

دقيقة مساء.8:45ننقصها من خالل حديثنا.. والسالم. الساعة

1. الكبير على التحية الصغير يلقي أن اآلداب ومن قابل، علي من ا سن أصغر نجادي عليان محمد كان2.) محلتي ) منطقتي وابن وصديقي األول الفصيل في سابق مقاتل

197

تشرين األول(29 آبان )7يوم الثالثاء ذهبنا إلى برنامجنا الصباحي صباحا بعد صالة الفجر، ولكننا لم نركض.

تحدث بعضهم إلينا، وقالوا إننا ذاهبون إلى بحيرة سد دز إلجــراء التــدريبات البرمائية. صباحا ذهبت إلى دز برفقــة أربعــة عناصــر من الشــباب، ونصــبنا الخيام وجهزناها. مرة أخرى يغمر الحزن قلبي فأنا مشــتاق لطهــران فقــد

تذكرت الشباب في منزلي ومحلتي.

ــدوم شــباب ــع ق ــزن واالشــتياق زال م ــذا الح ــيرا، ولكن ه ــا كث كنت حزينالفصيل. حقا إنهم يملكون روحا معنوية وعجيبة. الجميع فرح وضاحك.

ا إني أتعجب من محمد عليان نجادي فهو يملــك روحــا قويــة وعجيبــة قياســ إلى عمره وصغر سنه. أساسا ال تجد في وجوده وكيانه أي أثــر للرغبــة في هذه الدنيا. أسأل الله سـبحانه أن يجعلــني مثلهم. اللــه أكـبر! كم يمكن أن نرى عظمة الله في هذا المكان! أي شباب هم هؤالء الشــباب! إذا عــددت

أسماءهم ستجد كل واحد منهم يليق بالجنة.

مساء قرأنا دعــاء التوســل، ومــرة أخــرى أشــعر بالســواد في قلــبي، إذ لم تخرج أي دمعة من عيني. فقط أخيرا عندما خرجت من الحســينية خــرجت

دمعة من عيني، وآمل أن يزول السواد عن قلبي بالقدر ذاته.

تشرين األول(30 آبان )8يوم األربعاء وقفت صباحا لقراءة زيارة عاشوراء ثم ذهبنا إلى البرنامج الصباحي.

كان البرنامج الصباحي في هذا اليوم جمادا ال روح له. فالبرنامج كان سيئا،وكذلك كان الركض والليونة. بعد طعام الفطور ذهبت

198

ومسعود أهـري لصــيد السـمك، تحــدثت معـه وأدركت كم هــو صــغير. بعـد اصطياد مقدار من السمك رجعنا إلى المقر، لم تكن الحصص الدراسية قد

بدأت بعد. أنا منزعج كثيرا إذ ال طاقة لي على الدراسة.

ــد الســاعة الخامســة، وتحــدث األخ ــا عن بعــد الظهــر نمت قليال، ثم تجمعن كلستاني يسيرا وأوصانا بأن ال يسأل أحد عن القضايا العسكرية. بعد صــالة المغرب تحدثت مع األخ كلستاني وقد كنا متفقين في أكثر المســائل. قــال إنه يعاني من مرض قلبي وال يستطيع القيام باألعمال الحربية. جاء إلى هنا ومضت األمور حتى اآلن على خير، واآلن يرغب بالمغادرة. طلبنا منه البقاء وعدم تركنــا. قــرر الــذهاب في إجــازة حــتى انتهــاء فــترة المخيم. العمليــةــدون، قريبة، هكذا بدا من خالل كالمه. تحدثت معه عن الشباب، كم هم جي وأن مرتفعة في الفصيل. إني أغبط هؤالء الشباب كثــيرا، كم هم طــاهرون

وأنقياء، تحدثنا أيضا حول مسعود أهري.

9:45قررت أن أنطلق في الدرس بإذن الله ابتداء من يوم الغـد. الســاعة دقيقة.

تشرين األول(31 آبان )9يوم الخميس صباحا ذهبنا بعد البرنامج الصــباحي في مســير وصـعدنا الجبــال. عبرنــا من الفجوة بين الجبلين. كم كان األمر عجيبا وجــذابا! حقا كــان يمكن أن نــرىــالعبور من خاللهــا الله بعين العقل كيف جعل فجوة بحجم تسمح لإلنسان ب ربما تصبح عبرة للمتكبرين. أثناء العودة تناقشت مع محمــد عليــان نجــادي

. ورجعنــا1حول الفصيل وعناصره. في طريق العودة قمنــا بعمليــات الرابلعند الساعة الرابعة إلى مقرنا ثم نمنا

1. وبكرة مشدود حبل باستخدام مرتفعين بين العبور الرابل

199

بعد تناول طعام الغداء. درست قليال بعد أن استيقظت من نومي ليال قرأنادقيقة.8:45دعاء كميل بجو من الصفاء، وتلذذنا كثيرا بقراءته. الساعة

تشرين الثاني(1 آبان )10يوم الجمعة ــال. في بعد البرنامج الصباحي وتناول طعام الفطور ذهبنا للمسير في الجب آخر المســير تحــدث األخ صــابري وهــو أحــد المــدربين العســكريين، وقــدم شروحا عن الحرب، وقال إن هذه التدريبات ضرورية لنــا لكي نســتطيع أن ندافع عن اإلسالم والقرآن في أي مكــان وزمــان. فخلــدت إلى النــوم بعــد تناول طعام الغداء ومن ثم درست قليال. صــباحا قــرأت دعــاء الندبــة وبعــد الظهر قرأت أيضا ســورة المؤمنــون. بين الصــالتين تحــدث إمــام الجماعــة

حول حياة اإلمام علي عليه السالم.

تشرين الثاني(2 آبان )11يوم السبت استيقظت قبل أذان الفجر وقرأت سورة من القرآن المجيــد، بعــد الصــالة ذهبنا ألداء البرنامج الصباحي حيث أعلنــوا أن صــفوف العمليــات البرمائيــة

صباحا بـدأ الصــف التعليمي األول، إنـه7:30ستبدأ من اليوم. عند الساعة ــا لم درس تعلم السباحة. خالل هذه الحصة علمونــا ســباحة الكــورال. طبع أتعرف إلى أي شيء لكي أنفذه بشكل عملي. عــدنا إلى خيمنــا بعــد تنفيــذ اختبار الســباحة العملي، ودرســت فصــال من مــادة علم المثلثــات وتنــاولت

فاكهة معلبة.

ــزوارق، وقــد1:45عند الساعة دقيقة كان لدينا حصة دراسية عن قيادة ال تعرفنا خاللها إلى أنواع الزوارق. ومن ثم ذهبنــا إلى الســباحة، حيث قضــينا

ما يقارب الساعتين في المياه.

بعد عودتنا ذهبنا إلى الصالة حيث تحدث الشيخ بين الفريضتين

200

عن نقطة أخرى من حياة اإلمام عليعليه الســالم. الســاعة الثامنــة وخمسعشرة دقيقة.

تشIIرين الثIIاني/أربعIIون اإلمIIام4 آبIIان )13يIIوم االثIIنين الحسين عليه السالم(

صــباحا، ذهب الشــباب إلى المدينــة للمشــاركة في مجــالس العــزاء، فيمــا بقيت من أجل الدراسة ودرست قليال. ظهرا جاء الشــيخ بروازيــان )محمــد بــروازي(. لديــه قــدرة جاذبــة عجيبــة! فلم أعــد أشــعر بالوحــدة هنــا على

اإلطالق.

ا، وكـذلك فعـل محمـد .. قـال األخ كبــير زادة اآلن: "اكتب إسـمي أنـا أيضــ عليان نجادي". عصرا ذهبت برفقة األخوة عليان نجادي وأحمدي زادة وبور كريم وأكبر مدني إلى السباحة، وقد اســتمتعنا كثــيرا. كــذلك عــاد الشــباب عصرا من إجازتهم في المدينة. قررت أن أحاســب نفســي ظهــرا وليال من كل يوم، حتى أصفي أعمــالي إن كــان ثمــة خطــأ فيهــا، قبــل أن تتثبت في

كتاب أعمالي السماوي.

تشرين الثاني(5 آبان )14يوم الثالثاء ــا إلى صــف استيقظت قبل أذان الفجر وذهبت ألصلي صالة الصــبح. توجهن الســباحة بعـد البرنـامج الصـباحي، ومن ثم ذهبنــا بعـد التـدريب إلى داخـل

المياه، وسبحنا بموازاة سد البحيرة ذهابا وإيابا.

عندما وصلنا إلى المخيم كنا متعبين منهكين. بعـد الظهـر كــان لـدينا حصــةــا دعــاء التوســل تجــديف وكنت أنــا في نوبــة الحراســة. درســت. ليال قرأن

.1وشعرت بأنس ولذة عارمة أو كما يقال فرحت كثيرا

تشرين الثاني(6 آبان )15يوم األربعاء صباحا ذهبت إلى الحمام لكي أغتسل، ومن ثم ذهبت إلى صالة الصبح.

1 ) كردم) حال

201

الحصة األولى كــانت عن التجــديف. جــدفنا بشــكل جيــد، ولكن في طريــق العودة وقعت حادثة فــدخل مقــدار كبــير من الميــاه إلى أحــد الــزوارق مــا سبب وقوع شــابين في ميــاه بحــيرة دز. الحقــا ذهبت إلى الصــف لحضــور

حصة عقائدية.

تشرين الثاني(7 آبان )16يوم الخميس ــا، وقــد دونتــه في صــفحة يــوم ..1 خــرداد31ليلة البارحة رأيت مناما عجيب

صباحا ذهبت إلى صالة الجماعة وبعد البرنــامج المعتــاد، في حصــة تــدريب السباحة تعلمنا طريقة الضــفدع. ظهــرا جــاء عناصــر الفصــيل الثــالث إلينــا وتناولنا طعام الغداء معا. بعد الظهر كــان لــدينا حصــة عن التجــديف، وقــدــاثرة في محيــط ســاحتنا. كانت جيدة جدا. بعد انتهائها جمعنا النفايات المتن

ليال لم أذهب إلى دعاء كميل ونمت في الخيمة.

تشرين الثاني(8 آبان )17يوم الجمعة أعلنوا اليوم أن صفوف الدرس معطلة. عندما تجمعنا في الطــابور تحــدث قائد الكتيبة األخ أميني قليال. وبعد الظهر تجمعنــا مــرة أخــرى في طابورنــا لتصوير شريط مسجل. لم أشارك بســبب ألم أصــابني في أســناني وبقيتــرر أستريح داخل الخيمة. ظل األلم يالزمني طوال اليوم وكنت منزعجا، تق

أن أزور غدا طبيب األسنان حتى ينزع ضرسي.

تشرين الثاني(9 آبان )18يوم السبت ذهبت صباحا إلى قسم الرعاية الصحية، وحصلت على وصفة ألحملها معي إلى المدينة. ركبت بــاص شــباب بوشــهر المتجــه إلى إنديمشــك. أعطــاني

الطبيب دواء وقال: "تعال في الغد" حتى أنزع

1. موجودة ليست الوثيقة هذه

202

ضرسك. ذهبت إلى ثكنة دوكوهه ونمت هناك ليال.

تشرين الثاني(10 آبان )19يوم األحد ــد الســاعة التاســعة .. ذهبت صباحا إلى المدينة لنزع ضرسي. وتم ذلك عن ومن ثم رجعت إلى الثكنة. عنــدما وصــلت إلى مخيم ســفينة النجــاة كــانت رسالة هادي عامري قد وصلت. حتى اآلن لم تصلني أي رســالة من أهلي. كان الدم ينزف من مكــان ضرســي المـنزوع بشـكل دائم. ليال جاءنـا إمــام جمعــة .. )غــير مفهــوم( وتحــدث إلينــا. لم يكن يفقــه شــيئا وكــان يتحــدث

ويصرخ عبثا. كان يتكلم ولم يكن كالمه واضحا، ال أوله وال آخره.

تشرين الثاني(11 آبان )20يوم االثنين .. كانت البرامج كالمعتــاد: البدايــة البرنــامج الصــباحي، ومن ثم حصــة عنا التجديف. حضر المدربان العسكريان األخ صابري وروغنكرها معنا. أساســ

لم يكونا يجدفان وأمضيا الحصة بالمزاح )والتعليقات الساخرة(.

حـتى قرابـة1بعد حصـة التجـديف درسـت مـادة الجـبر مـع األخ شـجاعيان الظهر. بعد ذلك انطلقنا إلى صف الســباحة. ثم بقينــا من دون عمــل حــتى

حلول الليل.

دقائق مســاء بعــد صــالة المغــرب، ثم ذهبنــا7:10تجمعنا في الطابور عند إلى حصة تجديف. جدفنا لمدة أربع ساعات.

تعبنا كثيرا. جدفنا وجدفنا ولم نصل إلى هدفنا. أخــيرا بعــد كثــير من الجهــدواإلصرار وصلنا إلى رصيف الميناء. لم يكن أحد يجدف. الشباب قليال جدا

" شابور 1 " ) السرية،) أركان إلى لينضم األول الفصيل ترك ثمانية والفجر عملية قبل شجاعيان، مهدييوم ليلة في . (13/2/1986 )24/11/64واستشهد حمزة كتيبة بليلة عرفت التي

203

ــد ــلنا إلى المخيم عن ــة. وص ــديفهم من دون نتيج ــدفون، وتج ــانوا يج ــا ك م من منتصف الليل.12الساعة

أصبحت جاهزا للنوم بعد أن ذهبت إلى المرحاض.

تشرين الثاني(12 آبان )21يوم الثالثاء صباحا استيقظت في وقت الصالة رغما عني. كنت تعبا جدا. صــليت صــالة

الفجر في الخيمة، ووقفنا في الطابور الصباحي بحذاء وثياب مبلولة.

ــذه ذهبنا إلى البرنامج الصباحي، وبعده إلى صف السباحة، وبدأنا الحصة به الثياب المبلولة. في البدايــة قمنــا بحركــات الليونــة واإلحمــاء، بجســد عــار بالطبع. كان المطر يتساقط خفيفا كالرذاذ، وعندما وصلنا إلى حافة الميــاه ازداد تســاقط األمطــار. عندئــذ قــال مــدرب الســباحة يمكنكم االنصــراف. عندما رجعنا من حافة المياه اشتد هطول المطــر وأصــبحت قطراتــه تنفــذ كاإلبر في األبدان. راح الجميع يركضون بأجســاد عاريــة نحــو المخيم. كــان المطر يهطل كالسيل. عندما وصلنا إلى الخيمة كانت الفوضى تعمها. ليال ، وقفنا مرة أخرى في الطابور بعد صالة المغرب وذهبنا إلى صف الســباحة. سبحنا لساعتين أو ثالث ورجعنا إلى هذه الجهة من المــاء. أشــعل الشــبابــة، واآلن ــدام حافي الدواليب كي ننعم بالدفء قليال، ثم رجعنا إلى الخيم بأق

دقيقة.10:45أنا جاهز للنوم. الساعة

تشرين الثاني(13 آبان )22يوم األربعاء استيقظت صباحا مـع حلــول أذان الفجــر، ولكني تباطــأت في الـذهاب إلى الحسينية بسبب األمطار. توقف هطــول المطـر ســريعا، فنــدمت ألنـني لم

أشارك في صالة الجماعة في الحسينية. ذهبنا إلى البرنامج

204

الصباحي، وبعد ذلك رجعنا إلى الخيم.

عند الساعة التاسعة وعشر دقائق التحقنا بصــف "الســيطرة على منطقــة، وقمنا بتمويه أنفسنا أثناء الهجوم. 1حيوية"

ــا وحال من رؤوســنا إلى أخمص أصبحت وجوه الجميع مثيرة للضحك. امتألنقدمينا. التقطنا صورا بعد انتهاء الصف.

ــة ذهبت إلى الحسينية إلقامة الصالة ولم أجد فيها متسعا فرجعت إلى خيمالفصيل. أقمت الصالة بإمامة أصغر أهري.

نمت قليال بعــد الظهــر فلم يكن ثمــة عمــل. ليال ذهبت إلى صــالة الجماعــة دقيقة مساء.9:15ورجعت. واآلن أنا جاهز للنوم. الساعة

تشرين الثاني(14 آبان )23يوم الخميس اسـتيقظت قبـل صـالة الفجـر وذهبت إلى الحسـينية برفقـة السـيد حسـن

رضي. أقمنا الصالة وقرأنا زيارة عاشوراء وما تيسر من القرآن.

بعد ذلك ذهبنا إلى البرنامج الصباحي وركضــنا. حلقت شــعر رأســي وبقيت عاطال من العمل حــتى الليــل. صــباحا قــرأت فصــلين من مــادة المثلثــات. ظهرا حللنا ضيوفا عند الفصيل الثاني على الغداء. ثم ذهبنا بعد الظهــر إلىا، ثم ذهبت إلى الحســينية قبــل صــالة المــاء، جلنــا قليال في المحيــط أيضــ المغرب، وأنهيت قراءة سورة القصص وشرعت بقراءة ســورة العنكبــوت،

وقرأت اآليات العشرين األولى من سورة العنكبوت.

ليال قرأنا دعاء كميل ثم رجعت إلى الخيمة. اآلن أنــا جـاهز للنــوم. السـاعة مساء.8:30

1 : أو ) هدف على السيطرة عن كناية عسكري اصطالح وهو الجسر، رأس منطقة احتالل أي گيري سربلمنطقة(.

205

تشرين الثاني(15 آبان )24يوم الجمعة اليوم ســنجري منــاورة ليليــة. لم أشــأ أن أوصــي، ولكن بمــا أنــه يمكن أن

ينقضي أجلي الليلة سأتكلم ببضع كلمات:أطلب المسامحة من أبي وأمي وأختي وأخي وأسألهم أن يدعوا لي.

أرجو من جميع أصدقائي ومعارفي أن يسامحوني.

ال أملك شيئا من أموال هذه الدنيا، وأترك ألخي عبــد اللــه حريــة التصــرفبكتبي وبما أملك.

ليصلوا عني صالة قضاء ما مقداره خمسة عشر يوما.

أسألكم الدعاء لإلمام الخميني.

إن شاء الله بعد أن تفتح طريق كربالء أسألكم أن تنوبوا عني بزيارة اإلمامالحسين عليه السالم وأن تسألوا الله أن يجعلني في زمرة أصحابه.

ــذين ال يســتطيعون ــك ال ــة، وأولئ ــتركوا الجبه أطلب من أصــدقائي أن ال ي المشاركة فيها ليكونوا في طهران في متاريس المدرسة والمسجد. أســأل

دقائق عصرا.(6:10الله أن يحشرنا مع الشهداء. والسالم. ) الساعة

تشرين الثاني(16 آبان )25يوم السبت ليلة البارحـة قمنـا بمنـاورة جيـدة. المشـكلة األساسـية في الكتيبـة سـببها

ربابنة الزوارق الذين ارتكبوا خطأ. بقينا عاطلين من العمل حتى الليل.

تشرين الثاني(17 آبان )26يوم األحد ر من الــدعاء. ذهبنــا إلى فجرا توجهت إلى المصلى، صليت وقرأت ما تيســ

البرنامج الصباحي وركضنا. أخبرونا على مائدة الفطور

206

بأن نجمع أمتعتنا ووسائلنا ونتجهــز لالنطالق. بعــد تجميــع أغــراض ووســائل خيمتنا عدنا إلى المــاء للســباحة. ســبحنا في البحــيرة بــدون ارتــداء ســترة النجاة. بقينا إلى الظهــر مشــغولين بالســباحة. ظهــرا ذهبت إلى الحســينية وقرأت القرآن. أريد أن أختم القرآن. لقد قرأت إلى اآلن حوالي ثمــان منــط. كبار السور. بدأت من سورة المؤمن )غافر( وبقيت سورة الفرقان فقــو بعد الصالة عدت إلى الخيمة، وبعد تناول الغداء ركبنا شاحنة وانطلقنا نح ثكنة دوكوهة. كان الجميع فرحا كأننا ذاهبون إلى البيت. كادت الشــاحنة أن تنحرف عن مســارها في طريــق المخيم الــرملي، ولكن مضــى األمــر على

مساء.8:30خير. نمت ليال بعد العشاء. الساعة

تشرين الثاني(18 آبان )27يوم االثنين استيقظت قبل أذان الفجر، وقرأت شيئا من القرآن وصــليت صــالة الليــل. وفي البرنامج الصباحي بعــد صــالة الجماعــة، تحــدث إلينــا األخ مــير كيــاني )معـاون قائـد الكتيبــة( حـول األمـر بـالمعروف والنهي عن المنكــر والنظم واالنضباط في محيط الكتيبة. كذلك قدم لنا العم حسن )حسن أميري فــر(

مسؤوال جديدا للسرية األولى.

بعـد تنــاول طعـام الفطـور تجمعنـا مـرة أخـرى في الطـابور عنـد السـاعة العاشرة والنصف، وذهبنــا إلى خــارج الثكنــة. تحــدث إلينــا العم حســن عن نفسه وأخالقه وأسلوبه. عدنا إلى الثكنة. حــدثت محمــد عليــان نجــادي عن

طباعي، ثم ذهبنا إلى "حسينية الحاج همت" إلقامة الصالة.

بدأ الشباب يتناقلون كالما عن إجازة إلى طهران، وأســأل اللــه أن نحصــل على إجازة. ليال ذهبت إلى الحســينية قبــل صــالة المغــرب وبــدأت بقــراءة

مساء.9سورة األحزاب. ها أنا قد عدت وأصبحت جاهزا للنوم. الساعة

207

تشرين الثاني(19 آبان )28يوم الثالثاء ذهبت إلى الحسينية قبل أذان الفجر وقرأت ما تيسـر من القـرآن وصـليت صالة الليل. وفي الموعد الصــباحي بعـد صــالة الجماعـة، كــان العم حسـن يتقــدم الســرية بنفســه. قطعنــا محيــط ســاحة البرنــامج الصــباحي )ســاحةا. قــام بإعطائنــا حركــات اإلحمــاء العم الثكنة( حــوالي خمس مــرات ركضــ

حسن نفسه. كان ممتعا كثيرا، وبعد ذلك عدنا إلى مبنى الكتيبة.

عند الساعة العاشرة والنصف تحدث األخ مــير كيــاني حــول مســألة حفــظ األسرار العسكرية، وقال أنه يريد االنتقال لتشكيل كتيبة جديــدة. اســتأنفت

قراءة سورة األحزاب في الحسينية بعد تلك الخطبة.

بعد الظهر ذهب األخــوان كلســتاني وشــيرازي في إجــازة. ليال قرأنــا دعــاءالتوسل. خلدت إلى النوم بعد تناول طعام العشاء.

تشرين الثاني(20 آبان )29يوم األربعاء عند الفجر قصدت الحمام ألغتسل غسال واجبا. بعــد صــالة الجماعــة بــدأت بقراءة سورة سبأ. ركضنا كثيرا خالل البرنامج الصــباحي، وبعــد ذلــك قمنــا بحركــات الليونــة واإلحمــاء. بعــد الظهــر لم يكن لــدينا أي عمــل. كــان منرت خيم الكتيبــة من مخيم ســفينة المحتمــل أن نحصــل على إجــازة. أحضــ

ــة10النجاة. من المقرر أن نجتمع بالطابور عند الساعة مساء. فلدينا حصدراسية عن معرفة النجوم. تجهزت للنوم عند أول الليل.

تشرين الثاني(21 آبان )30يوم الخميس استيقظت قبل أذان الفجر، ولكن عدم توافر الماء في بيت الخالء ألزمــني

بانتظار دوري حتى حلول األذان، وفي بدايته ذهبت إلى

208

الحسينية. لم نركض في البرنامج الصباحي. صعدنا إلى سطح مبنى الكتيبة وقالوا إننا حصلنا على إجازة لمــدة عشــرة أيــام. انتظرنــا ورقــة المأذونيــة

مساء وركبنا القطار في انديمشــك8حتى الليل. أخيرا تحركنا عند الساعة . كنت مع أهري وأحمدي زادة في المقصــورة ذاتهــا. ليال9:30عند الساعة

تجهزت سريعا للنوم.

تشرين الثاني(22 آذر )1يوم الجمعة توقــف القطــار في محطــة أراك إلقامــة صــالة الفجــر. لم أنم بعـد الصــالةــربى ــدة وم ورحت أجول بين المقصورات ألرى الشباب. كان لدينا خبز وزب ومعلبات طعاما للفطور، تناولناها مع الشــباب. تناقشــت مــع أصــغر أهــري حول قضايا الحرب المعاصرة. كان يملك وعيا واطالعــا جيــدا حــول األمــور

صــباحا إلى محطــة قم. ترجــل محمــد7:30الراهنة. وصــلنا عنــد الســاعة إلى طهران، وذهبنا مباشــرة11عليان نجادي وآخرون. وصلنا عند الساعة

مع أكبر مدني وبور كريم وأهري وأحمدي زادة إلقامة صالة يوم الجمعة.

.. كان مفتاح البوابة الرئيسية لمنزلنــا بحــوزتي، فشــكل دخــولي المفــاجئصدمة للجميع. بعد تناول الغداء جلست لمشاهدة التلفاز.

تشرين الثاني(26 آذر )5يوم الثالثاء رأيت ليال في المنام أنني استشهدت، وأن رصاصة قد أصابتني في رأسي، تحديدا في أذني اليمنى وخرجت من األذن اليسرى. شعرت أنني فجأة في حرم اإلمام الحسين عليه السالم، ولكن مهما أمعنت النظــر على أطــرافي لم أر الضريح المقدس ذا الزوايا الست. كان الشهيد رجائي والشهيد باهنر

نائمين هناك، وكان صدراهما مليئين بالدم. نهضت فجأة من نومي.

209

كانون األول(1 آذر )10يوم األحد ذهبت إلى السوق واشتريت مئة ملعقة بعــدد عناصــر الســرية. في طريــقــة، ثم ذهبت إلى العودة إلى بيتنا، مررت بمعرض التعبئة في مســجد المحل أخي عبد الله لــنرجع بعــد ذلــك معــا إلى المــنزل. تــوجهت أخــتي وقريبــاي

ا انطلقت عنــد1:30حســن ومحســن إلى كركــان عنــد الســاعة . أنــا أيضــ دقيقة. أثنــاء الــوداع، كــانت والــدتي حزينــة جــدا فقــد ذهبت1:55الساعة

ا أذهب. كــان فراقنــا صــعبا عليهــا. ركبت القطــار عنــد أخــتي وهــا أنــا أيضــالساعة الخامسة والنصف.

ــا، كان كل من أحمدي زادة وفياض وبي بي جاني وكلستاني وشــيرازي وأنــودرزي. نمت جميعنا في مقصورة واحدة. هناك تعرفت أكثر إلى محسن ك

ليال في مكان األمتعة.

كانون األول(2 آذر )11يوم االثنين صباحا إلى ثكنة دوكوهه وذهبنا إلى مبنى الكتيبة.7:30وصلنا عند الساعة

كانون األول(3 آذر )12يوم الثالثاء استيقظت قبيل الفجر. صليت صالة الليل في الحســينية وقــرأت شــيئا من الدعاء، وبعد صــالة الجماعــة كنت جــاهزا للموعــد الصــباحي. ركضــنا قليال، وأعطى حصة الليونة واإلحماء العم حسن بنفسه. عــدنا إلى مبــنى الكتيبــة لتناول طعام الفطور. مضت االستراحة من دون أي عمل حــتى فــترة بعــد

الظهر.

عصرا، وقــاموا بعمليــة إحصــاء لنــا. بعــد4تجمعنا في الطابور عند الساعة انتهــاء عمليــة اإلحصــاء ذهبت إلى الحســينية وقــرأت القــرآن حــتى حلــول

األذان، في تلك الليلة قرأت جزءا من دعاء التوسل، ولكن

210

لما وجدت أني لست متفاعال مع الدعاء توقفت عن القراءة ونهضت.

كانت عالقتي اليوم مع أهري وأحمدي زادة جيــدة جــدا، وقررنــا أن نتنــاول كنت جاهزا للنوم.8طعام الغداء معا. ليال عند الساعة

كانون األول(4 آذر )13يوم األربعاء استيقظت مع أذان الفجر. ذهبنا إلى الموعد الصباحي بعــد صــالة الجماعــة

وركضنا قليال. أعطى حسن قابل أعال حصة اإلحماء والليونة.

عدنا إلى مبنى الكتيبة لتناول طعام الفطور. كان أصغر أهري قد ذهب إلىــه قــد منزل عمه في انديمشــك يرافقــه أحمــدي زاده. عنــدما رجــع قــال إن تناول طعام الغداء. تحدثنا معا. قــدموا لنــا الهمــبرغر طعامــا على العشــاء.

أكلنا قليال من الطعام وقررنا أن نغير في سلوكياتنا.

كانون األول(5 آذر )14يوم الخميس ا اســتيقظت قبــل صــالة الفجــر.. ذهبت اليــوم إلى المدينــة واتصــلت هاتفي بالمنزل.. ليال تحــدث الشــيخ نجفي في حســينية الحــاج همت بعــد الصــالة.ــة تنــاول كان كالمه لطيفا جدا وأمتع أسماعنا. دار موضوع حديثــه حــول قل الطعام، وماذا نأكل وأي شيء نســكبه في داخــل بطوننــا. أصــبحت جــاهزا

للنوم.

كانون األول(6 آذر )15يوم الجمعة استيقظت مــع أذان الفجــر. تحــدث الشــيخ نجفي بعــد صــالة الجماعــة فيــد، علم األخالق وعلم ــ ــواع: علم العقائ ــ ــة أن ــ ــينية: "العلم على ثالث ــ الحس األحكام". بعد ذلك حدثنا عن أنفسنا وحذر من خطورة ارتكــاب المعاصــي.

بكيت كثيرا. بعد تناول الفطــور، ذهبت مــع أحمــدي زاده في إجــازة إلى داخــل المدينــة

وعدنا. درست مقدارا من دروسي بعد صالة المغرب وتهيأت للنوم.

211

كانون األول(7 آذر )16يوم السبت استيقظت قبل أذان الفجر. صليت صالة الليل وقــرأت قســما من الــدعاء. لم أذهب إلى الموعــد الصــباحي ودرســت. بعــد الفطــور ذهبت كي أقــدم االمتحان، وإن شاء الله سأحصــل على عالمــة نــاجح. بقيت من دون عمــل حتى بعد الظهر. عصرا ذهبت إلى الحمــام )مــع أصــغر أهــري(. ليال تحــدث الشيخ جاللي في الحسينية، كـان كالمـه مبعـثرا ولم يكن مهما. بعـد تنـاول

طعام العشاء تحدثت مع أصغر أهري واستعددت للنوم.

كانون األول(8 آذر )17يوم األحد .. كنت مكلفـــا اليـــوم بأعمـــال تنظيـــف الخيمـــة ولم أذهب إلى الموعـــد

ــه ابتــداء من على قــوات19/9الصــباحي. قــال قائــد الكتيبــة األخ أميــني إنــد فــترة ا بتمدي التعبئة تمديد خدمتهم ثالثة أشهر إضافية. بدوري قمت أيضــ خدمتي. ذهبت بعد الظهر أنــا وأهــري وأحمــدي زاده إلى الحمــام. ليال عنــد

كنت جاهزا للنوم.9الساعة

كانون األول(9 آذر )18يوم االثنين .. اليــوم كــان مقــررا القيــام بتنظيــف الحســينية بــدال من إجــراء البرنــامجــلت ــة واتص ــازة إلى المدين ــور ذهبت في إج ــاول الفط ــد تن ــباحي. بع الص بالمنزل. قالت أمي: "أقدم إلى المنزل لحضــور جلســة محاكمــة حســين".

نحــو3تحدثت إلى األخ الحاج أمين وتقرر أن أغــادر. انطلقت عنــد الســاعةطهران بالقطار.

كانون األول(13 آذر )22يوم الجمعة ذهبت صـباحا بعـد الصـالة لشـراء الخــبز. يـذكر أني رأيت في المنـام ليلــة

البارحة أني أصبت بجراح. هذه المرة أصابت رصاصة ظهري.

212

كنت برفقة قابل أعال.

بعد الفطــور ذهبت إلى محطــة ســكة الحديــد في طهــران لشــراء تــذكرة،ا4:30اشتريت واحدة لقطار الساعة . كــان قطــارا ســريع الســير مخصصــ

للنوم. كنت حزينا جدا. أردت أن أبكي. تجــاذبني في داخلي حــديثان، األولــة، وآخــر يقــول: الجبهــة، يقول: طهران، أمي، أصدقائي في الــبيت والمحلــا ــات والشــهادة. في الخالصــة كــانت معركــة انتصــر فيه ــدعاء والمعنوي الا آذى الكثــيرين الحديث الثــاني. فكــرت قليال في نفســي: لقــد كنت شخصــ بلعبه وشقاوته، كنت شخصا غارقــا في الفســاد والخطايــا والــذنوب ورأيت كيــف تبــدلت أحــوالي مــع انتصــار الثــورة، وصــرت على مــا أنــا عليــه اآلن فوضعت قدمي في الجبهة وأصبحت أتمنى زيارة كربالء والشــهادة. أنــاجي

الله تعالى وأبثه أسراري، هو الله الذي يبدل إنسانا ما في لحظة واحدة.

كانون األول(20 آذر )29يوم الجمعة ذهب شباب الكتيبة إلى مخيم كرخـة يــوم األحـد، ولكن بقيت أنــا وأحمـدي زاده للقيــام بــدهن الجــدار األمــامي حيث البوابــة الرئيســية لمبــنى كتيبــة سلمان. تساقط المطر ثالثة أيام متتالية ولم نستطع القيام بأي عمل. لونا قليال في يــوم األربعــاء، وكــذلك فعلنــا يــوم الخميس. كــانت خطبــة الشــيخ نجفي في ظهر يوم الخميس عن األخالق ومقام الشهيد عنــدما دخــل عــدد من عوائل الشهداء إلى الحسينية وهم يرددون المرثيات. بكى الشباب في حضورهم. لقد كان أمرا رائعا. بعد انتهاء قـراءة المرثيـات اسـتأنف الشـيخا، كــان حديثــه عن اإلمــام صــاحب الزمــان خطبته. تحدث صباح اليــوم أيضــ

ــا قليالعجل الله تعالى فرجه الشريف . ذهبنا ظهرا إلى صالة الجمعــة وجلنفي المدينة. رجعنا إلى ثكنة دوكوهه بعد صالة الجمعة.

213

كانون األول(21 آذر )30يوم السبت ــد الصــالة توجهت في أول الصباح إلى الحمام، وبعد ذلك إلى الحسينية. بع وتناول طعـام الفطـور، ذهبنـا إلنجــاز أعمـال الطالء، وقمنـا بطالء الواجهـة األمامية لمبنى كتيبة سلمان حتى فترة بعد الظهــر. ليال، بعــد تنــاول طعــام

.8:30العشاء أصبحت جاهزا للنوم. والسالم. الساعة

دي3يوم الثالثاء منذ الصباح كنا ننتظــر اآلليــات لتنقلنــا إلى مخيم كرخــة. ولكنهــا لم تتــوافر 1لهذا الغرض.. ذهبنا بعد صالتي المغرب والعشاء مع األخ أسد الله بازوكي

ــوم. ــاهزا للن ــبحت ج ــيل وأص ــباب الفص ــة. قبلت أغلب ش إلى مخيم كرخالساعة التاسعة وخمس وثالثون دقيقة.

كانون األول(25 دي )4يوم األربعاء فجــرا وصــليت في الخيمــة. ذهبت إلى البرنــامج5استيقظت عند الساعة

ا جيــدا. عنــد الصباحي حيث تحدث إلينا األخ أميني وبعد ذلــك ركضــنا ركضــ كان لدينا حصة دراســية عن ســالح اآلر بي جي، وأعطانــا أســتاذ9الساعة

ــر التدريب العسكري األخ سربي درسا في هذا السياق. أقاموا صــالة الظهــا في باحة البرنامج الصباحي. بعد الظهر تجمعنا في الطــابور بكامــل عتادنــل. وتجهيزاتنا، وذهبنا في مسير، ثم عدنا. عند الغروب لم يكن لدي أي عمــوا علينــا ضــيوفا يشار إلى أن عناصر الفصيل الثالث من السرية الثالثــة حل على طعام الغداء ظهرا. ليال أيضا استضفنا األخ نــائب قائــد الكتيبــة الســيد مجتهــدي واألخ روغنكرهــا قائــد الســرية. قــال الســيد حســن رضــي: اكتب

..2اسمي أنا أيضا

1. حمزة لكتيبة السابق القائد2) : العشاء ) على الدعوة في نصيبا لي اجعل المقصود

214

كانون األول(26 دي )5يوم الخميس ــد استيقظت قبل الفجر. صليت صالة الليل وقرأت ما تيسر من القرآن. بع ذلك توجهت نحو الحسينية لصالة الصبح ومن ثم ذهبنا إلى ساحة المراسم المعتادة وركضنا. لم يكن ثمة عمل حتى المساء. ظهرا حل شباب الفصيل الثاني من السرية الثانية ضــيوفا علينــا على مائــدة الغــداء. ليال ذهبنــا ألداء

. نشير إلى أن اليوم كان لدينا حصة دراسية عن1برنامج "التدريب القتالي"ــةBKCسالح رشاش الـ . كنت جاهزا للنوم بعد انتهاء برنامج الحــرب الليلي

مساء.9عند الساعة

كانون األول(27 دي )6يوم الجمعة ا سقط لنا البارحة شهيد خالل تنفيذ برنامج التــدريب القتــالي وأصــيب أيضــ

ا. نمت من8األخ روغنكرها بجراح. حــتى الســاعة لم أكن قــد نمت أساســ . لقد فقدنا هذا الشهيد نتيجة لعدم دقة وعــدم12 وحتى الساعة 8الساعة

احتياط أحدهم. كان الشباب مــنزعجين. تحــدث الســيد مجتهــدي وقــال إنا نمت بعـد المقصر في هذه الحادثــة هم العناصـر وليس المســؤولين. أيضــ الغداء. لم يكن لدينا عمل حتى المساء. أصبحت جاهزا للنوم عنــد الســاعة

ــة كبــيرة8:30 . أشير إلى أنهم قدموا لنا اليوم معلبات وفواكه معلبــة وكميمن الحلوى.

كانون األول(28 دي )7يوم السبت .. لم أذهب إلى البرنامج الصــباحي. كنت أشــعر بصــداع في رأســي. بقيتــه كــان لــدينا حصــة دراســية عن ســالح مســتريحا حــتى المســاء. يــذكر أن الدوشكا. لم أقم بأي عمل حــتى حلــول الليــل. قــرأت القــرآن وصــوال إلى

.9:30سورة الصف. مساء استعددت للنوم عند الساعة

1. الليلي التدريب أو

215

كانون األول(29 دي )8يوم األحد استيقظت قبل صالة الفجر. كان لــدي نوبــة حراســة ليلــة البارحــة. فجــرا،ــامج الصــباحي ا عن البرن ــاء الصــالة. عوضــ كنت أشــعر بنعــاس شــديد أثن المحذوف، ذهبنا في مسير ورجعنا ظهــرا. قــدموا لنــا البســكوت والفواكــه

المعلبة بدال من طعام الفطور.

جاء اليوم أخي عبد الله و.. . كان مقررا أن يلتحــق هــؤالء الشــباب بفرقــة . ليال في حســينية الكتيبــة،صلى اللــه عليــه وآلــه وســلممحمد رسول الله

أقمنا مراسم تأبين للشهيد موميان الذي فارقنا أثناء المنـاورة حيث تحــدث أحد المشايخ وقرأ األخ كلستاني مرثية، لقد كانت المراسم جيدة جدا. عند

كنت جاهزا للنوم.10الساعة

كانون األول(30 دي )9يوم االثنين اســتيقظت قبـل أذان الفجــر. ليلــة البارحـة كـان لـدينا برنــامج عن القتــال

الليلي. ذهبنا خارجا كل فصيل على حدة وتدربنا على معرفة النجوم.

بعد االنتهاء من العمل على معرفة النجوم تحدث األخ كلستاني عن التربيــة الشخصية والعائلية وبعد ذلك رجعنــا إلى خيمنــا. ذهبت إلى ثكنــة دوكوهــه. بعد ذلك تناولت الساندويش في المدينة أنــا وعبداللــه وآخــرون، ثم رجعت إلى مخيم كرخه. كـان مقـررا أن يلتحـق عبداللــه بالفصــيل الثـالث ليعمـل

مسعفا ينقل الجرحى.

كانون األول(31 دي )10يوم الثالثاء .. في البرنامج الصباحي وأثنـاء الـركض على شـاطئ كرخـه مألنـا حقـائب ظهورنا بالحجارة. تمزقت حقيبة ظهري. رجعنا إلى الخيمة حيث طلبوا منا أن ال يتناول أحد طعام الفطور. جاء عبد الله بعد الظهر وبقي ضــيفا عنــدنا

في الفصيل األول على طعام العشاء.

216

كانون الثاني(1 دي )11يوم األربعاء ــه أن .. ذهبت إلى العم حسن بعد الفراغ من البرنامج الصباحي وطلبت منــوا ــأتوا إلى ســريتنا فوافــق على األمــر والتحق ــه و.. أن ي ــد الل يســمح لعبــف ــباحا ذهبت إلى ص ــرحى. ص ــل الج ــعفين في نق ــالث مس ــيل الث بالفص رياضيات الجبر ودرست. أنا التلميذ الوحيد في هذا الصــف، وإن شــاء اللــه سوف أحصل على عالمة النجاح. لم يكن ثمة عمل حتى المســاء. أيقظونــا

ــا11عند الساعة وطلبوا منا أن نحضر أنفسنا لبرنامج القتال الليلي. أخبرن العم حسن أننا سنذهب والسرية الثالثة للقيام ببرنـامج قتـال ليلي طويــل!

في منتصف الليــل، ومشــينا من دون توقــف حــتى12انطلقنا عند الساعة دقيقة صباحا. صلينا صالة الفجــر في مركــز التخــريب التــابع6:20الساعة

للواء سيد الشهداء عليه السالم، وتناولنا طعام الفطــور في محطــة جســر. رجعنا إلى محل المخيم بعد استراحة قصيرة.1كرخه المجانية الصلواتية

كانون الثاني(2 دي )12يوم الخميس في طريق العودة عبرنا بجانب نهر كرخــه ووصــلنا ظهــرا إلى محــل خيمنــا في المخيم. ذهبت بعد الظهــر مــع أصــغر أهــري إلى حمــام المخيم، وعنــد

دقيقة كنت في حسينية الكتيبة ألداء صالة المغرب.5:15الساعة

كانون الثاني(4 دي )14يوم السبت 9:40.. بعــد الــركض الصــباحي انطلقنــا في مســير ورجعنــا عنــد الســاعة

"، أيضا علمونا اليوم بعضBKCدقيقة. بعد ذلك ذهبنا إلى صف "رشاش الـ الفنون والتكتيكــات القتاليــة. ظهــرا تجمعنــا في طابورنــا مــرة أخــرى بعــد

الصالة، وذهبنا إلى شاطئ نهر كرخه للتدرب على

1. محمد وآل محمد على يصلي أن على مجانا، يعني مصطلح

217

الرمايــة، وأطلقت اثنــتين وأربعين رصاصــة. عــدنا إلى الخيمــة وذهبت إلىصالة الجماعة، وبعد ذلك أصبحت جاهزا للنوم.

كانون الثاني(5 دي )15يوم األحد .. كان الــركض الصــباحي على مســتوى الكتيبــة، وقــد ركضــنا بمقــدار مــا. عاقبونا بعد إنجاز حركـات الليونـة فركضـنا مـرة أخـرى إضـافة إلى المـرةــف األولى. استلمنا اليوم أقنعة مضادة لغازات الهجمات الكيماوية. أقيم ص أخالق األستاذ مظاهري المصور عند الساعة العاشرة صــباحا، وقــد غفــوت من أولــه إلى آخـره. بعـد الظهـر كـان لـدينا حصــة حـول مواجهـة الهجــوم الكيماوي، ولم أشارك بها ألني ذهبت إلى صف الجــبر. انشــغلنا بعــد صــالة المغــرب والعشــاء بخياطــة أكيــاس من الخيش لنــؤمن من خاللهـا اســتتارا لخيمتنا. بقينا منهمكين في هذا العمل حتى الساعة الثانية عشرة ليال، وبعد

ذلك أصبحت جاهزا للنوم.

كانون الثاني(6 دي )16يوم االثنين .. في البرنامج الصباحي ركض الجميع باستثناء رماة اآلر بي جي. عدنا إلى الخيمة، وبعد تناول طعــام الفطــور درســت مــادة علم األرض. بعــد الظهــر غطينا خيمتنـا بأكيــاس الخيش. بعـد صـالتي المغـرب والعشـاء تحـدث األخ كلســتاني عن الســلوكيات الشخصــية، وأتى على ذكــر أصــدقائه الــذين

". بكى الشباب بكاء كثيرا.4استشهدوا في عملية "والفجر

حسين كلستاني أيضا بكى كثيرا. أصبحت جاهزا للنوم عند الساعة التاسعةوالنصف.

كانون الثاني(7 دي )17يوم الثالثاء .. ذهبت بعد البرنامج الصباحي إلى مجمع المقاتلين الدراسي

218

ــر كــان حيث أخذت كتاب علوم الحياة ودرست قليال حتى الظهر. بعد الظه لــدينا صــف عن القتــال الكيمــاوي، الميكــروبي والنــووي". وبقينــا في هــذا الصف حتى المساء. ليال قرأنا دعــاء التوســل في الحســينية. عنــدما عــدت

إلى الخيمة قمت بحزم تجهيزاتي وعتادي بإحكام.

كذلك تدربنا ليلة البارحة على القتال في تشــكيل بمســتوى ســرية. تحــدث العم حسن قليال حول معرفة النجــوم والقــبر )مــنزل اآلخـرة(.. رجعت إلى

الخيمة ونمت.

كانون الثاني(8 دي )18يوم األربعاء ــه استيقظت مع أذان الفجر. كان البرنامج الصباحي بعد الصالة، وركضنا في على مستوى الفصيل. بعد ذلك حضرنا صفا حول الحماية واألمور الوقائية. ظهرا حللنا ضيوفا عنـد الفصـيل الثـالث من السـرية الثالثـة لتنــاول طعـام الغداء. بعد الظهر، قرأت قليال في مادة اللغــة. بعــد ذلــك كــان لــدينا صــف

حول القتال الكيماوي، الميكروبي والنووي.

كانون الثاني(9 دي )19يوم الخميس استيقظت قبل أذان الفجر. صليت صــالة الليــل وقــرأت شــيئا من الــدعاء. ذهبنا إلى البرنامج الصباحي بعد صالة الجماعــة. كــان برنامجــا صــعبا هــذه المرة فقد ركضنا ونحن نضــع األقنعــة. بعــد ذلــك ذهبنــا إلى صــف الحمايــة والوقاية. رحنا بعد الظهر إلى شاطئ نهر كرخــه ودخلنــا هنــاك إلى حجــرة الغاز حيث تنفسنا من خالل األقنعــة بعــد أن رمــوا قنابــل مســيلة للــدموع.ــأت للنــوم بعــد قــراءة دعــاء كميــل مساء، قرأت القرآن في الحسينية وتهيا، وذلــك للتــدرب ــا أضــع القنــاع أيضــ وتنــاول طعــام العشــاء. ليال نمت وأن

والتمرن عليه.

219

كانون الثاني(10 دي )20يوم الجمعة .. زرت قبــل الظهــر مــع عبداللــه كتيبــة حــبيب ورجعنــا ظهــرا. قــدموا لنــا

بعـد الظهـر الفيلم3الكراعين على مائدة الغداء. عرضوا لنا عنــد الســاعة ــك السينمائي "عقود" بواسطة جهاز الفيديو.. ليلة البارحة، قامت كتيبة مال بمناورة كبيرة وضخمة. يحتمل أن ألتحق بكتيبة أخرى في حال عــدم تنفيــذ عملية. ريثما تذهب كتيبة حمزة إلى الخط الدفاعي وترجع. أصبحت جــاهزا

.9:30للنوم عند الساعة

كانون الثاني(11 دي )21يوم السبت .. لم نركض أثنــاء البرنــامج الصــباحي. التقطت وحــدة اإلعالم في الفرقــةــاتلين صورا للفصائل والحظائر. ذهبت أنا وسيد حسن رضا إلى مجمع المقــاعة الدراسي حيث درست ونمت في "سايبان" قليال. بقيت نائما حتى الس الحادية عشرة. بعد ذلك، رجعت إلى الخيمة ونمت مرة أخرى حتى موعــد

حلول أذان الظهر.

بعد الظهر انطلقنــا في مســير امتــد من جــانب نهــر كرخــه حــتى المحطــة الصلواتية على جسر النهر. صـلينا هنــاك العشـاءين ثم رجعنــا. وصـلنا عنـد

في منتصف الليل إلى الخيمة، ونمت بعد تناول العشاء.12:30الساعة

كانون الثاني(12 دي )22يوم األحد .. استأذنت األخ كلستاني قبل البرنــامج الصــباحي، وذهبت إلى الحمــام ثم رجعت إلى الخيمة، وتنــاولت طعــام الفطــور. بعــد ذلــك ذهبت مــع حســين كلستاني إلى مجمع المقــاتلين الدراســي حيث لم نجــد معلمــا، وبعــد ذلــك

ذهبنا إلى المكتبة الصوتية في وحدة اإلعالم في الفرقة.

أعلن األخ حسن أميري فر -العم حسن- أنه ال يحق ألحد أن ينام

220

ــا ــالي بقين ــدريب القت ــذا الت ــاز ه ــذا وإلنج ــتلقي. له ــتى أن يس ــوم أو ح الي كنت جــاهزا11مستيقظين وجالسين إلى حلــول الليــل. ليال منــذ الســاعة

للنوم.

كانون الثاني(13 دي )23يوم االثنين .. أعلنوا عن حصص تدريبية على القتــال الكيمــاوي: حصــة صــباحا وأخــرى أيضا بعد الظهر. أعادوا شرح جميــع الــدروس المتعلقــة بالقتــال الكيمــاوي مــرة أخــرى. ذهبت قبــل الظهــر إلى مكتبــة الصــوتيات في وحــدة اإلعالم

واستمعت إلى شريط مسجل يحكي عن "قساوة القلب".

ليال،12لم يكن لــدي أي مهمــة حــتى الليــل. انطلقنــا في مســير الســاعة وقمنا بدورية في الجبال المحيطة بالمخيم. كان هذا المسير مفعما بالكثير

من الصفاء.

كانون الثاني(14 دي )24يوم الثالثاء .. في طريـــق العـــودة من المســـير الليلي وصـــلنا إلى الخيم ألداء صـــالةــام الفطــور في ــاولت طع ــباحي. تن ــامج الص ــركض في البرن ــبح. لم ن الص الفصيل الثالث برفقة أخي عبد اللــه وبقيت نائمـا حــتى السـاعة العاشــرة. بعــد ذلــك، ذهبت إلى مجمــع المقــاتلين الدراســي )التعليمي( ونمت هنــاكا. رجعت ظهــرا إلى الخيمــة وكنت بال عمــل خالل فــترة بعــد الظهــر. أيضــ تحدثت مع األخ أصغر أهري والتقطت صــورة مــع أخي عبــد اللــه. ليال قــرأ األخ كلستاني دعاء التوسل وقام الشباب بلطم صدورهم. كــان هــذا األمــر

ــأت للنــوم عنــد الســاعة .10:15جيدا جدا ومفعما بالكثير من الصــفاء. تهييشار إلى أن كتيبة مالك وكتيبة األنصار ذهبوا اليوم في إجازتهم.

221

كانون الثاني(15 دي )25) يوم األربعاء .. اســتيقظت مــع أذان الفجــر وذهبت إلى الحســينية. بعــد صــالة الصــبح، صليت صالة قضــاء وقــرأت زيــارة عاشــوراء ودعــاء العهــد. أدينــا البرنــامج الصباحي وركضنا على مستوى الفصيل. بعد البرنامج الصــباحي كــان لــدينا صف دراسي عن اإلسعاف. لم نقم بأي عمل حتى الظهـر. كـان لـدينا بعـد الظهر أيضا صف عن اإلسعاف. بعــدها ذهبت مــع األخ ســعيد بــوركريم إلى الحمام ورجعنا مع حلول المغرب. أصبحت جاهزا للنـوم بعـد العشـاء وبعـد

قراءة سورة الواقعة.

كانون الثاني(16 دي )26يوم الخميس .. قــال األخ أميــني أثنــاء البرنــامج الصــباحي: "ســتذهب الكتيبـة اليـوم في إجازة لمدة ســتة أيــام. نرجــع يــوم الجمعــة المقبــل. انطلقت الكتيبــة بعــدــة الظهر إلى دوكوهه وركبنا قطار الساعة الثامنة مساء متوجهين نحو مدين طهران. لم يأت محمد عليــان نجــادي برفقتنــا. لقـد التحــق بــدورة تدريبيــةــتي كــان قــد أحضــر أمانــة لي حول التخريب. يشار إلى أن أحد شباب محل

من طهران: لقد سلمني جهاز الراديو الذي كانت أمي قد أرسلته لي.

كانون الثاني(17 دي )27يوم الجمعة ــارة المقــام ــاك،1.. ترجلت صباحا أنا وأمي في محطة قم. ذهبنا إلى زي هن

وانطلقنا نحو طهران. وصلنا إلى المنزل11:30وركبنا الباص عند الساعة .3:00عند الساعة

كانون الثاني(24 بهمن )4يوم الجمعة .. في طريق العودة إلى منطقة الحرب صلينا صالة الصبح في

الرضا ) 1 اإلمام أخت المعصومة السيدة مقام األرجح على السالم المقصود (.عليه

222

محطــة أراك. كــانت الســكة معطلــة وبقينــا حــتى الظهــر ننتظــر إصــالحها.ــه توقــف مــرة أخــرى في المحطــة أصلحت السكة وانطلــق القطــار، ولكن "سبعة". تناولت اللبن والخبز على طعام الغداء. كان لذيذا جدا. وصلنا عند

مســاء إلى ثكنــة دوكوهــه. بعــد أداء الصــالة انطلقنــا نحــو مخيم7الساعة . خلــدت إلى النــوم بعــد تنــاول9كرخــه، ووصــلنا إلى الخيم عنــد الســاعة

العشاء.

كانون الثاني(25 بهمن )5يوم السبت . بعــد المســير رجعنــا12:30.. ليلة البارحة قمنا بتدريب ليلي عند الساعة

ــتيقظت2إلى الخيمة عند الساعة بعد منتصف الليل وخلدنا إلى النوم. اس مع أذان الفجر. لم أذهب إلى البرنامج الصــباحي بعــد صــالة الجماعــة ألني

بمســير نحــو10كنت مكلفا بأداء الخدمة في الخيمة. انطلقنا عند الســاعة المحطة الصلواتية عند جسر كرخه. أثناء الطريق تحدث األخ كلستاني عن الهجوم المقبــل وعن اإلمــام الخميــني. تناولنــا طعــام الغــداء في المحطــة

حيث4 حــتى 2الصــلواتية عنــد الجســر، وتوقفنــا في الجبــل من الســاعة تحدث األخ كلستاني مـرة أخـرى عن أنـواع الهجــوم ومكانـه، وكيفيـة نقـلــة تعقب الرســائل أثنــاء وقوفنــا في الطــابور في ليلــة العمليــة، وعن كيفي الخطــوات. رجعنــا إلى المقــر. بعــد صــالة المغــرب حــل األخــوة مجتهــدي وروغنكرهــا والعم حســن ضــيوفا على فصــيلنا لتنــاول طعــام العشــاء. ليالــذكر أصبحت جاهزا للنوم بعد تقسيم الرصاص المخصص لحقــل الرمايــة. ي

أن األخ حسين فياض كان مريضا اليوم.

كانون الثاني(26 بهمن )6يوم األحد استيقظت مع أذان الصبح. صليت الصالة جماعة في الحسينية.

223

ــد الســاعة ــا عن ــا في طابورن ــا في مســير. أصــبحت6:15تجمعن وانطلقن المساعد الثــالث لــرامي اآلر بي جي األخ حســين كلســتاني. لهــذا الســببــة. نمت حــتى أطلقت قذيفة آر بي جي. رجعنا من حقل الرماية إلى الخيم

وقت صالة المغرب.

بعد الصالة قرأ األخ كلستاني مرثية كانت جميلة جــدا وقــد اســتفدت منهــا.تحدث بعد العشاء أيضا مع الشباب عن العملية.

مدونات عبدالله قابل اليومية-2 سالم على جميع الشهداء من صدر اإلسالم حــتى ثــورة إيــران. ســالم على

شهداء المستقبل في هذه العملية.

كانون الثاني(31 بهمن )11يوم الجمعة م، وغــدا هــو الــذكرى2/1986/ك31اليــوم هــو يــوم الجمعــة الواقــع فيــه

التاريخية لدخول اإلمام الخميني إلى ربــوع الــوطن. الليلــة الماضــية كــانتــة "علي" ــل في خيم ــاء كمي ــتاني دع ــرأ األخ كلس ــد ق ــفاء فق ــة بالص مليئ

المخصصة للفصيل األول.

ا عليه السالم خصوصا أننا كنا بين أشجار النخيل بــالقرب تذكرت اإلمام علي من الحدود مع العراق. خالصة القول إنها كانت ليلــة ممتعــة. صــباحا ذهبنــا إلى برنامج الصباح، وكان هذا خالفا أليام الجمعة الماضية. أرادوا من خالل هذا العمل أن يؤكدوا أن يوم الجمعة في الحــرب ليس بيــوم عطلــة. تــرك األخ أمــيري فــر )العم حســن( لمســؤولي الفصــائل أن يفعلــوا مــا بــدا لهم

- فقــد بالشباب. ذهبنــا في مســير، وعنــد الفطــور - تمنينــا لــو تكونــوا معناــروبي ــاوي، الميكـ ــال الكيمـ ــدينا صـــف عن القتـ ــان لـ ــا الحليب. كـ تناولنـ واإلشعاعي. كان تركيز القادة على هذا الموضوع واهتمامهم به عجيبا، ألن

من ال يراعي جانب االحتياط في هذا الشأن سيهلك.

224

شباط(4 بهمن )15يوم الثالثاء اقتربت اللحظات األخيرة. تمضي األيام كسرعة البرق. في الليلة الماضــية

من منتصــف الليــل12 عصرا من المخيم وبقينا حتى 5خرجنا عند الساعة لتنفيذ المناورة. ليلة البارحة نقلوا كتيبة حبيب إلى منطقــة العمليــات. اللــهــا أفكــر في وحده يعلم ما الذي سيحدث خالل األيام القليلــة المقبلــة! أحيانــل نفسي من من الشباب سيصل إلى معشوقه في المستقبل القريب. وه سأكون أنا أحـدهم. أسـأل اللـه أن أكـون واحـدا من هـؤالء، وإال بـأي وجـه سأذهب إلى محلتي ومنزلي، وأقــول إني كنت مــع الشــهداء في المــتراسا إذا بقي أحــد أجســاد الشــهداء في مكــان ذاتــه!؟ الويــل لي، خصوصــ استشهاده ولم نستطع سحبه. إن شاء اللــه نرجــع جميعــا متــوجين بالنصــر النهائي سالمين إلى منازلنا. ما أود قوله هو: إن استشهد علي كيف لي أنا! أذهب إلى البيت، وأجيب عن تســاؤالت أمي وأبي؟ ربمــا ال أذهب أساســا ال أعلم مــاذا أكتب. أسأل الله أن نرجع ســالمين متــوجين بالنصــر. أساســ

إلى جانب نهر كارون.4/2/1986الساعة الثانية من بعد ظهر يوم

بهمن18يوم الجمعة ــأت لتنفيــذ البرنــامج الصــباحي بعــد7/2/1986اليوم هو يــوم الجمعــة ، تهي

ــاة األر بي جي صالة الصبح. وقد بدأ فعال بتالوة القرآن، بعد ذلك فصلوا رم ومساعديهم جانبا. أصــبح كـل واحـد منــا يفكــر على طريقتــه. أنـا كنت في حيرة من أمري وال أدري ما الذي يريدون أن يتكلموا عنه. بعــد وقوفنــا في الطابور تحدث نائب قائد الكتيبــة األخ مجتهــدي بكلمــات عن ليلــة العمليــة

و.. أشــار إلى الجنايــة4وقــال: لقــد ســمموا الشــباب في عمليــة والفجــر ــة ــة المقبل األخيرة واعتبرها معجزة، وقال إن إمام الزمان ناظر إلى العملي

وإلى المقاتلين األعزاء.

225

ــه ضــربة ــافقين عن توجي ــه وبعــد عجــز المن ــتي حصــلت هي أن ــة ال الخيان للمقاتلين بواسطة الطعام وعوامل أخرى، قاموا هذه المــرة بإفســاد عــدد من صواريخ األر بي جي. وهو الذي كان في ليلة العمليــات ســالحنا الثقيــل بعد اإليمان بالله تعالى. فتصوروا الحال مع وجود خيانة ومؤامرة المنافقين أي فاجعة ستحل بنا في ليلة العمليات: أن يرى الشــباب دبابــات العــدو وال يستطيعون القيام بأي عمل لمواجهتها. قال مجتهدي: إننا نشكر الله تعالى

الذي أولى المقاتلين عناية خاصة وأفشل مؤامرة المنافقين ضد اإلسالم.

أسأل الله تعالى أن نكون في العملية القادمة أكثر توفيقا وأكبر نصــرا منــر ــد الكف ــاتلين ض ــائي للمق ــر النه ــل النص ــتي خلت. على أم ــات ال العملي

( نهر كارون.7/2/86 )18/11/64العالمي.

بهمن19يوم السبت ، من المقــرر أن تنتقــل كتيبــة مالــك األشــتر إلى8/2/1986يوافــق اليــوم

ا األخ مجتهــدي حــول المكــان المقصــود منطقــة القتــال. تحــدث إلينــا أيضــ غادرت كتيبة مالك.8:30لنذهب إليه. ليال، عند الساعة

شباط(9 بهمن )20يوم األحد ــرر أن صباحا، تجمعنا نحن أيضا في طابورنا للقيام بالبرنامج الصباحي، وتقــة. كــان الشــباب حاضــرين لالنطالق منــذ ننتقل اليوم إلى الخطوط األمامي

ــاعة ــير إلى 8الس ــاعة اآلن تش ــباحا. الس ــباب12 ص ــع الش ــرا. جمي ظها. غــدا ســيكون شــعب إيــران سالمون وبصحة جيدة. كذلك كــان علي أيضــ سعيدا وباألخص عوائل الشهداء. لكل واحد من الشــباب حالتــه وإحساســه الخاص، دائما عند اقتراب العملية يصــبح الشــباب على هــذه الحــال.. على

أمل النصر النهائي. نهر كارون.

226

شباط(10 بهمن )21يوم االثنين لألسف فإن جميع الكتائب غادرت البارحة وبعد ذلك انطلقنا نحن ليال. أثنــاء المسير عبرنا نهر بهمن شير. قطعنا جزءا من المسافة سيرا على األقدام، ولقد فاتكم مــا فــاتكم فقــد وقعت على األرض مــرتين. أخــيرا وصــلنا عنــد الســاعة الثانيــة فجــرا إلى الــبيوت القرويــة حيث محــل اســتراحتنا. الليلــة

. 1تمركزت كتائب األنصار، عمار وحبيب على خط الهجوم

(. على أمــل النصــر12/9/1985كذلك نحن ستصدر التعليمات إلينا اليوم )النهائي لمقاتلينا. ضفة نهر بهمن شير.

ــة. شرحوا لنا اليوم منطقة العمليات وتقرر أن نتقدم إلى خط الهجوم الليل جاءنا خبر مفاده أن إحدى القواعد الصاروخية التي كان مقررا أن تســيطرــة عليها فرقتنا قد تمت السيطرة عليها من قبل فرقة "ولي العصر|" وفرق

". انطلقنا بعــد الظهــر من بهمن شــير نحــو العنــابر في "أرونــد25"كربالء كنار". انطلقت كتيبتا األنصار وعمار للتمركــز عنــد خــط الهجــوم. نحن اآلن موجودون داخل العنبر، الساعة تشير إلى الثامنة مساء. على أمل االنتصار النهائي لمقاتلينا في كل الجبهات. نشير إلى أننا جاهزون للذهاب إلى خــط

الهجوم.

شباط(11 بهمن )22يوم الثالثاء اســترحنا ليال داخــل العنــبر. منــذ الصــباح بــدأ العراقيــون بالقصــف بشــكل هستيري. لعل العــدو قــد قــام بهجــوم قــوي ولكن مــدفعيتنا كــانت تقصــف

إنه حتى اآلن تم8عليهم قذائفها كل دقيقة. صباحا قالوا في أخبار الساعة أسير إلى الخطوط الخلفية لجبهتنا، فيما نحن مـا زلنــا لم نتقـدم100نقل

إلى األمام حتى اللحظة، وننتظر صدور األوامر

1. للهجوم واستعدت الفاو في األمامية الخطوط إلى الكتائب هذه تقدمت التاريخ هذا في

227

لكي نجعل زمن الصداميين دمارا. يذكر أن أخي علي ومحمد عليان نجاديموجودان في العنبر الذي خلفنا. أحيانا يقومون بزيارات خاطفة إلينا.

ــه منذ الصباح زارتنا المقاتالت العراقية مرات عدة ولم تستطع - بحــول الل - فعل أي شيء. يا إلهي، اصفح عن جميع ذنوبنا في هذه اللحظــات وقوته

األخــيرة، واجعــل النصــر حليــف مقاتلينــا وأطــل عمــر إمامنــا بطــول عمــر بهمن.22 دقيقة. صباح يوم 8:39الشمس. الساعة

تومــان الــذي أخذتــه من لــواء ســيد500لقد انتبهت اآلن وتذكرت مبلغ الـــ 500" عندما أعطوا كل شخص 3الشهداء. كان ذلك بعد عملية "عاشوراء

تومان ليذهب إلى زيارة مشهد. أنا أيضا حصلت على هذا المبلغ ولكــني لمــيد500أوفق بالذهاب إلى الزيارة. أعطوا تومان إلى مكتب دعم لواء "س

تومان أخرى صدقة. خذوا هذه المبــالغ من المــال500الشهداء"، وادفعوا .8:50الذي يعود إلي من الجبهة. الساعة

شــباط( وســيخرج النــاس11اليوم هو الثاني والعشــرون من شــهر بهمن )ــاركوا في ــنجاني، ليش ــيخ رفس ــال الش ــا ق ــوتهم كم ــوم من بي ــا الي جميعــد بــه نظــام البعث العــراقي المظاهرة. آمل أن ال يتحقق التهديد الذي توع الناس في طهران. وخالفا لمقولة صدام آمل أن يشارك الناس أكثر وأكــثر وتنزل الحشود إلى الشارع ليشكلوا سندا للمقاتلين. في هذه األثناء يقــاوم

المقاتلون تحت نيران العدو الثقيلة ويسطرون المالحم.

جاء خبر مفاده أن نائب قائد كتيبة عمار قد استشهد، وأن قائد الكتيبــة قــدــدد3000أصيب بإصابة بالغة. بلغ عدد قتلى العدو أكثر من قتيل ووصل ع

أســير. انطلــق اآلن شــباب كتيبــة أنصــار الرســول إلى800أســراهم إلى ـذكر أن "علي" إن شاء الله األمام لكي يضربوا - ـ - الخط الدفاعي للعدو. ي

كان صباحا عندنا في الفصيل الثالث. تحلق

228

اآلن الطائرة العراقية فوق رؤوسنا لذلك التجأنــا جميعــا إلى داخــل العنــبر.ــذكر أنــه لم يصــلنا أي خــبر حــتى اآلن عن بعد ذلك ودعنا "علي" ومضى. يــذلك كتيبة مالك التي تقدمت ليلة البارحة إلى األمام ولم ندر ماذا فعلوا. ك ال نعلم أين استقر األمر بكتيبــة حــبيب. إن شــاء اللــه ســيكون اللــه تعــالى

بعد الظهر. في هــذه2:30 بهمن الساعة 22ناصرهم ومعينهم أينما حلوا. اللحظة أتت عدة مقاتالت عراقية فتعامل معها دفاعنا الجــوي. بحــول اللــهــاهدا على ــد كنت ش ــرت وق ــك انفج ــد ذل ــائرة، وبع ــترقت الط ــه اح وقوت

احتراقها. نزل الطيار مستخدما المظلة. لقد قتل هو اآلخر أيضا.

بعد ذلك ركبنا الشــاحنة وتوجهنــا نحــو رصــيف المينــاء. بقينــا هنــاك لفــترة.ــا عندما أردت أن أركب في الزورق رأيت أحد أصدقائي من حينا. المهم أننــراق. ــاو في أرض الع ــاء الف ــالزوارق ووصــلنا إلى مين ــد ب ــر أرون ــا نه عبرن

منتصف الليل في المبنى اإلداري.12استرحنا حتى الساعة

شباط(12 بهمن )23يوم األربعاء كلم3نقلونا إلى األمام إلى جادة أم القصر. يبعد عنا خط الهجــوم حــوالي

حيث توجد كتيبة مالك هناك، وقــد باشــرت عملهــا، وبحســب بعض األخبــار فإن كتيبتي األنصار وحبيب هناك أيضا. العــدو في حــيرة عجيبــة من أمــره، فهو يطلق النيران عبثا وبشكل عشوائي. أصيب علي ليلــة البارحــة بجــراح سطحية. تقع منطقة مصنع الملح في شمال وشرق جادة أم القصــر، وهي مقر تكتيكي للجيش العراقي، وقــد أصــبحت تحت ســيطرة قــوى اإلســالم. أســأل اللــه تعــالى أن يرجــع مقاتلونــا األعــزاء إلى أهلهم مــؤزرين بالنصــر

(12/2/86.)1364 بهمن 23 دقيقـــة صـــباحا في9:54النهـــائي. الســـاعة محمد عليان نجــادي وأخي علي وآخــرون موجــودون في متراســهم بصــحة

.12/2/1986وعافية.

229

دقيقــة بعــد الظهــر. مروحيــات العــدو تــأتي بشــكل دائم1:20الساعة اآلن - وبــدأت بحــول اللــه وقوته وتناور. لقد استهدفت إحدى هذه المروحيات -

بـ"التشقلب" وسقطت.

كنا نجلس في الدشمة عندما سقطت قذيفة هاون بشــكل مفــاجئ، صــرخ أحد الشباب في الدشــمة المجــاورة قــائال: "يــا حســين". ذهبت إليــه، كــان يقول لقد أصبت بظهري. نظرت إليه فوجدت أن الشظايا قد أصابت كتفــه

23/11/64ورقبته من الخلف. بعد أن ضــمدت جراحــه نقلــوه إلى الخلــف. بعد الظهر. جادة أم القصر.4:30الساعة

230

وثائق الفصل الثالث عشر

الرقم

االسموالشهرة

وثائقوثائق غير خطيةصورةخطية

الشهيد عبد1 دقيقة مقابالت مع712195الله قابل

العائلة الشهيد2

دقيقة مقابالت مع19411195عربعلي قابلالعائلة

الشهيد عبدالله قابل1- الهوية1-1129الوثيقة رقم 96الصورة رقم

231

الرسائل1-2

130الوثيقة رقم

131الوثيقة رقم

232

الله قابل جزء من رسالة عبد1-3 والدي وأمي وأختي األعزاء، ربما هي اللحظات األخيرة وقد ال نــرى بعضــنا البعض بعد اآلن، وقد حــان الــوقت ألطلب منكم المســامحة وأن أشــكركم على الجهود الــتي بــذلتموها من أجلي خالل حيــاتي. أســأل اللــه تعــالى أنا ادعــوا لي. ال يمنحكم األجر العظيم والصبر الكبير.. أبي وأمي، أنتمــا أيضــــل ــجار النخي ــاردة تحت أش ــالي الب ــا. في اللي ــال نحن هن ــأي ح ــون ب تعلما ا عليه الســالم. أنتم أيضــ يتضرعون إلى الله وينتحبون ويذكرون اإلمام علي اسألوا الله تعالى أن يحيطنا بعناية خاصة منه في هذه اللحظــات، واطلبــواــاعب، ولكن لم يكن النصر من الله تعالى. بالخالصة، لقــد ســببت لكم المت باليد حيلة ســوى أن أقـول لكم: ال تنتظــروا ابنكم، ألن اللــه تعـالى قـد من عليكم بنعمة، وعليكم أنتم أن تتصرفوا بهذه النعمة في ســبيله. ولن يكــون شيء أفضل من أن تقدموا هذه الهدية في ســبيل الجهـاد ضــد أعـداء اللــه واإلنسانية. إذا ال تنتظروني. إن عدت إليكم فاشكروا الله تعالى، واشكروه أكـثر وأكــثر إن لم أعـد، ألن القـرآن يقـول: "وال تحسـبن الـذين قتلــوا فيــا بــل أحيــاء عنــد ربهم يرزقــون". ادعــوا لإلمــام الخميــني. سبيل الله أموات

الشهداء أحياء.. الله أكبر، مضرجون بدمائهم.. الله أكبر. عبدالله قابل.

الصورة 97الصورة رقم 98رقم

233

المذكرات1-4

الوثيقة132رقم

أوراق(5)

234

الوصية1-5133الوثيقة رقم

عنوان القبر1-6طهران، بهشت زهراء،

ــة ــ ــف 53القطع ــ 7الرقم ،83، الص99الصورة رقم

235

الشهيد عربعلي قابل-2 الهوية2-1

100الصورة رقم 134الوثيقة رقم

المذكرات المكتوبة2-2(135 دفتر محمد جواد نصيري بور )الوثيقة رقم 2-2-1(136 دفتر حسن أعالي نيا )الوثيقة رقم 2-2-2

الوثيقة رقم 135الوثيقة رقم 136

236

دفتر أحمد أحمدي زاده2-2-3

137الوثيقة رقم

237

المذكرات2-3

أوراق(4 )138 الوثيقة رقم 139الوثيقة رقم

2-4

الوصية )ورقتان(140الوثيقة رقم

101الصورة رقم من اليمين: عربعلي قابل، عبدالله قابل

238

مقابلة مع والدة الشهيد2-5عندما ولد عبدالله اخترت اسمه من القرآن في حرم "ابن اإلمــام صــالح")

ا، وحازما نشيطا ومنظمــا منــذ طفولتــه20 ( في تجريش. كان عبدالله جديفي البيت وفي المدرسة. لقد كان يملك وقارا خاصا ولكنه كان خجوال.

بعد سنة من والدة عبدالله ولد عـربعلي. لقـد اختــارت الجـدة اســمه. علي اسم معروف لدينا نحن اإليرانيين. لهذا قالت الجدة: لنسمه عرب أو عرب

عليــه الســالم في كاشــمير ونــائين علي. يوجد عالقــة ممــيزة باإلمــام عليحيث مسقط رأسنا.

ــر. ــدهما اآلخ ــا صــديقين حميمين يحب أح ــا، كان ــه وعلي مع ــد الل ــر عب كب يتصارعان مع بعضهما البعض ويلعبــان. اختلفت طبــاع علي عن طبــاع عبــد الله. كان ينــدمج ســريعا مــع أوالد الحي ورفــاق المدرســة، ويصــبح صــديقا

حميما لهم. وقد أحب المزاح وصعود الجبال.

كان علي ينام إلى جانبي حتى الثامنة من عمره. كانوا يطلقون عليه اســم "دلوع أمه" في البيت. ولكن لقــد كــان حقا أكــثر شــجاعة من أخيــه األكـبر

عبدالله والتحق قبله بالجبهة.

اللعب والشغب سمتان بارزتان في علي. وقع ذات مرة على أرض الحمام وانشق رأسه فاضطررنا أن نخيطــه حــتى يتعــافى. يوجــد على جســد علي

ا. عالمة أخرى هي الرقطة على صدره، كانت رقطة كبيرة نسبي

كانا كالهما يتابعان دروسهما. وفي المرحلة الثانويــة التحقـا بالجبهـة. طبعــاكانا ينشطان بفعالية كبيرة في مقر التعبئة في الحي الذي نسكن

239

فيه قبل التحاقهمــا بالجبهــة. ولكن أعمــال الحراســة والحراســة الليليــة لم التحـق علي بالجبهـة، وفي السـنة التاليـة1983تكن لتقنعهمـا. في العـام

لحقه أخوه ليصبحا كالهما موجودين في الجبهة.

ــام ــا1985في الع ــة. لم يكون ــداي كالهمــا رســالة لي من الجبه م بعث ول يمالن من الكتابة والدرس. ولربما لهذا السبب دأبــا على كتابــة المزيــد من الرسائل. رغم وجودهما في الجبهة اســتأنفا كالهمــا دراســتهما. دائمــا كنتا كنت أطلب منهمــا تجد كتبا دراسية في حقائبهما الخاصة بالجبهة. أنا أيضــ

أن يكتبا لي في رسائلهما عن حال دراستهما.

كان عبد الله يحب طعام الـــ"فســنجان" بينمــا أحب علي "األرز باللوبيــاء". عندما كانا كالهمــا يأتيــان معــا في مأذونيــة من الجبهــة كنت في حــيرة من أمري، أي طعام أصنع أوال، وفكرت بأن أصنع لونين من الطعــام وأقــدمهما

على المائدة. حقا كم كان صعبا علي اختيار أي طعام أصنعه قبل اآلخر.

ا خجوال، بينما كـان علي مشـاغبا كثــير المـزاح. كـان كان عبدالله األكبر سن عبدالله يتأثر بالدغدغة، وكان علي يمازحه ويدغدغه. كنت أحبهما بالمقــدار

ذاته.

في إحدى المرات اشترى علي ملعقــة معدنيــة من الســوق. عنــدما ســألته لعلهم ال يعطــونكم مالعــق أجــابني قــائال: "هــذه الملعقــة مخصصــة لليلــة

الهجوم. لم آخذ كالمه على محمل الجد، والحقا أدركت ما القضية.

في إجازتهما األخيرة، لم يمكثا أسبوعا واحدا. كان يوم الجمعة عندما أتيــا،ــدهما ــا ووال ــة، ومن ثم غــادرا في آخــر األســبوع. قبلت أن ــوم عطل وهــو ي وجهيهما. كانت هي اإلجازة األخيرة وقد غدوا كالهما كثيري المــزاح. أصــبح

عبدالله أيضا يمزح. كانا يتصارعان مع والدهما.

240

أحيانا ما كنت أستطيع صبرا، فأقدر أن "علي" يتعب أثناء المصارعة وكنت أتقـدم للــدفاع عنــه، ولكن في الواقـع لم يكن األمـر كـذلك. كــان والـدهما يصارعهما بليونة وبما يالئم حالهمــا، ولكني كنت أبــدي اهتمامــا بعلي، ألنــها. لم يكن األمــر بيــدي حــتى إني صــرخت ذات مــرة: تنحــوا كان أصغر ســنــا ــجن. في إجازتهم ــا في الس ــأزج بكم جميع ــد دهس طفلي س ـا. لق ـ جانب األخيرة صــنعت لهمــا طعــام "الكتلت" ليتنــاواله في القطــار، ووضــعته في

حقيبة عبدالله. فقد كانا في الجبهة جنبا إلى جنب.

شــباط( قــد شــارف على20) بداية أتى جثمــان عبداللــه. كــان شــهر بهمن نهايته عندما رأيت جثته، أصيب بجــراح في رقبتــه وفي أضــالعه واستشــهدــا بسبب النزيف. دفنناه وأقمنا أيضا مراسم تأبينية بعد مرور ثالثــة أيــام. كن نسمع كالما متناقضا عن علي. ال أعلم ما الذي جرى لولدي: هــل استشــهد

أم وقع في األسر؟ هل أصيب بجراح أو..

كنا بصدد التحضير لذكرى أسبوع عبدالله عندما وصل خبر يفيد بــأن جنــازةــه، ولم علي قد وصلت. كان جثمانه قد احترق من صدره إلى أســفل قدمي يكن يحمل قالدة عسكرية. ربما كان السبب في التأخير في إحضار جنازته هو عدم حيازة جثمانه القالدة، وألن األخوين كليهما كانــا قــد استشــهدا في الليلة ذاتها. عندما سألت زمالءه في الجبهة والقتــال والمــتراس: لمــاذا لم يكن لدى علي قالدة؟ أجابوني: لعله أراد أن يكون شــهيدا مجهــول الهويــة.

ــا كال28) عنــد انتهــاء األســبوع األول من شــهر أســفند ــا قــد دفن شــباط( كنــداي53الجثمانين في القطعة رقم في مقبرة "جنة الزهراء". لقد دفن ول

في القطعة ذاتها.

رأيت ملعقة بين الوثــائق والمســتندات الــتي أرفقت بالجثمــان، كــانت هيالملعقة ذاتها التي اشتراها علي قبل عدة أشهر.

ان رأس الملعقة ملتويا. عندما سألت زمالءه في القتال أجابوني: مالعــقكالجبهة خفيفة

241

وقابلة للكسر وال يمكن ثنيها.

لهذا السبب كان الشباب يهيئون مالعق خاصة بأنفسهم ليلة الهجوم.

19ولد عبدالله وعلي كالهما في فصل الشتاء. كان عبدالله يبلغ من العمر عاما. ونال االثنان شرف الشهادة في فصل الشتاء.18عاما وعلي

ــد العلي. لقــد أخــذت بعد استشهاد ولدي أعطاني الله ولدا آخر أسميته عب اســمه من عبــد اللــه وعلي. لم أســتطع أن أرجح شــهيدا على آخــر. تربــطــا صداقة قديمة عائلتنا بعائلة الشهيد محمد عليان نجادي. أصبحنا أكــثر قرب

وحميمية معهم بعد استشهاد ولدي.

عنوان القبر2-6،78 ، الصــف 78 ، الصــف 53طهران ، مقــبرة جنــة الزهــراء ، القطعــة

8الرقم

103الصورة رقم 102الصورة رقم

242

243

الراوي: علي شهبازيالتشكيل: مسعف، الفصيل الثالث

م، دوكوهه1988تاريخ ومكان أول مقابلة:

الفصل الرابع عشردفتر المذكرات

عندما بدأت الحرب ولكثرة األخبار المحزنة التي كانت تأتي من الجبهة، لمه، ولم يســمح لــه قلبــه يتمالــك والــدي، الــذي كــان يعمــل بالنجــارة، نفســ

بالمكوث فالتحق بالجبهة. وما لبث أن تبعه أخي، وأخيرا جاء دوري.

ــة والحــرب1981التحقت بالجبهة في العام م، عن طريق ركن دعم الجبه يوما في مدينــة األهــواز الــتي45في وزارة التربية والتعليم، وخدمت مدة

كانت في تلك األثناء تعتبر واحدة من مدن الحرب والقتال.

كــان محــل خــدمتي في نقطــة الشــهيد جــرفي في إحــدى ضــواحي مدينــة األهواز. في بداية األمر كانت مهمتي الحراسة، بعد ذلك أوكلوا إلي القيــامــاحة بأعمال أخرى، خصوصا عندما الحظوا كفاءتي وقدرتي على تقدير مس غرفــة أو مخــزن أو باحــة ومقاســاتها، وتحديــد عــدد الصــناديق الــتي يمكن وضــعها بــداخلها. فقــد اكتســبت هــذه المهــارة أثنــاء عملي مــع والــدي في

النجارة. كانت تسلية الشباب وسرورهم في أن

244

ــة. بعــد يسألوني: كم يبلغ طول ذلك الشيء أو الشخص، وكنت أجيبهم بدقا القيــام ببعض أعمــال مــرور أســبوعين إلى ثالثــة أســابيع أوكلــوا إلي أيضــ

غرفــة صــغيرة وبرجــا20النجارة، فصنعت خالل المدة التي قضيتها هنــاك للمراقبة.

لم يكن التحاقي بالجبهة على هــذا الشــكل ليرضــيني. كنت أتصــور الجبهــةــخاص بشكل آخر، ولم يكن هذا الذي أتوقعه منها. هناك لم يكن بعض األش يولون الصالة واألمور المعنوية والروحية االهتمام الكافي، األمر الـذي كـان

يؤذيني.

م انشغلت بدرســي وواجبــاتي المدرســية1985بعد ذلك وحتى شتاء العام في مدينــة طهــران. خالل هــذا الفصــل عــزمت مــرة أخــرى على االلتحــاق بالجبهة. أرسلني موقع مالك األشتر التعبوي للخضوع إلى تدريب عسكري. هناك وبعد انتهاء الدورة العامة خضــعت لــدورة إســعاف حــربي في مكــان

قريب من جادة جالوس، وقد صادف زمانه مع عملية بدر.

في تلك األيام كان ابن عمي حاضرا في الجبهة. أثناء قيلولــة يــوم الجمعــة رأيت في المنام أنه قد استشهد. اتصلت بالمنزل، لكن أحدا لم يقل شــيئا.

عندما رجعت إلى طهران أدركت أن رؤيتي كانت صادقة، وقد فسرت.

م وبعد انتهاء دورة التــدريب العســكرية، حصــلنا على1985في ربيع العام مأذونية لعدة أيام، وبعد ذلــك التحقنــا بجبهــة الجنــوب. وهنــاك، بعــد تحديــد

محمد رسول الله " تفرغت للخدمــة والعمــل27مكان خدمتي في فرقة " في مستوصف "ثكنة دوكوهه". رافقني في هذا السفر السيدان "مصطفى

بهار" و"حشمت الله معتمدي" اللذان كانا من

245

ــة. ذهبت لمــدة إلى وحــدة التخــريب، ثم عـدت زمالئي في الــدورة التدريبي مجددا إلى المستوصف، لعلي كنت حيران وأبحث عن شيء آخــر. قصــدت أخي الذي كان يعمل في لــواء "رمضــان" ألستشــيره حــول مهمــتي اآلتيــة ومكان خدمتي الجديد. كان يكبرني بسنوات، وقد اكتسب خبرة راكمها من خالل عمليات عدة شــارك بهــا. نظــر إلينــا نحن الثالثــة نظــرة، ولخص كــلا ابــق في ــا إلي قــائال: إن أردت أن تبقى حي كالمه في جملة واحدة، متوجهــال ــائب القت ــك في المستوصــف، وإن أردت أن تستشــهد التحــق بكت عمل

والهجوم.

سألته مباشرة: ماذا عن كتيبة حبيب وكتيبة حمزة.

قال بصالبة وبشكل قاطع: ال تكاد تلتحق حتى تستشهد.

رجعت من عنده مطمئن البال. فقد كانت الشهادة كـل أملنــا. كنــا نعلم أنــا أن مكاننــا لكتائب الهجوم معنويات وروحية خاصــة. أصــبحنا أكــثر اطمئنان

هناك.

في النصــف الثــاني من شــهر تمــوز، كلفت مــع مجموعــة من المســعفينــة إلى بمأمورية في كتيبة حمزة. رافقنا مسؤول الرعاية الصحية في الفرق مبنى كتيبة حمزة الذي كان يقــع بعــد حســينية "الحــاج همت" ليعرفنــا إلى المسؤولين هناك. جلس فريقنا منتظرا في غرفة "مساعد الطــبيب". كــان أثاثها غير مرتب، حتى الحصيرة كانت مطوية، وقد وضعت في إحدى زوايــا

الغرفة.

تعرفنا بداية إلى مساعد الطبيب في الكتيبة، السيد "تششمه اي". كنا نهم بالخروج من غرفــة الرعايــة الصــحية عنــدما أتى قائــد الكتيبــة. كــانت يــده اليسرى أول ما لفت انتباهنا، وقد قطعت من فــوق المرفــق. كــان يرتــدي ثيابا ترابية اللون وقــد ثــنى كم يــده المقطوعــة حــتى ال يبقى معلقــا. كــان

طويل القامة،

246

عريض المنكبين. يصل رأســي إلى كتفــه. صــافح الجميــع ورحب بهم فــردا فردا. كان يحمل اسم أسد الله بازوكي. تحدث إلينا لمدة عشر دقــائق. مــا أذكره من كل كالمه ذاك أنه قال: "ال يجــولن أحــد في الباحــة وهــو يرتــدي

ا". فانيلال وسرواال كردي

أثناء توزيع العناصـر أرسـلت أنـا و"أصــغر نيكبخت" إلى الفصــيل األول في السرية األولى. استقبلنا نــائب مســؤول الفصــيل بصــدر رحب. تعرفنــا إلى وجهه في باحة "البرنامج الصــباحي" للفرقــة، وســمعنا صــوته في مراســم الدعاء في حسينية الحاج همت. إنه محسن كلستاني الذي أخذ على عاتقه

مسؤولية الفصيل في وقت الحق.

في تلك الليلة وضعت رأسي على وسادتي -التي كانت غطاء مطويا- منعمــه البال مرتاحا ألنتفض من نومي فجأة على صوت مخيف. بداية اعتقدت أن قصف جوي، أو صوت صاروخ أتى خطأ إلى دوكوهــه بعــد أن كــان مســيره االفتراضي سيوصله إلى دزفول. وإذا بأصوات االنفجــارات وإطالق النــيرانا كــانت تــرمي بشــكل متواصــل. تأتي من كل مكان. الدفاعات الجوية أيضــــاني وركضــت نحــو الشــرفة. أردت أن أقفــز من الطــابق نهضــت من مك الخـــامس إلى األســـفل. عنـــدما دققت النظـــر جيـــدا من األعلى وجـــدت مسؤولي الفصيل والسرية يطلقــون الرصــاص. عندئــذ أدركت أنــه تــدريب

ــال الليلي ــوا في1على القت ــذين وقف ــيرين ال ــر األخ . كنت من بين العناصطابورهم. ولكن بدون عتاد وحذاء عسكري.

طبعا، لم أكن أنا وحدي الذي أصيب بالصدمة. منحنا مسؤول السرية -نحنـا عشـرة إلى المصدومين- ثالث دقائق لنذهب ونرجع مـع كامـل عتادنـا. كن

خمسة عشر شخصا. أثناء عودتنا قطعنا

1." ازعاج " طابور له ويقال التدريب من نوع

247

مترا مشيا، كقفز الغراب عقابا لنا. وبحسب قول شباب التعبئــة50حوالي ــالكثير من األمــور: إنها مراسم ترحيب الكتيبة بالقوات الجديدة وتعريفهم ب هذه الكتيبة كتيبة قتالية، ال يوجد معنى هنا لألكل والنـوم، عليكم أن تكونــوا

جاهزين لهذه األصوات وهذه المعارك، الكسل ممنوع.. وألف كالم آخر.

بعد أيام غادرت الكتيبة "ثكنة دوكوهه". وصلنا في منتصف ليلة من اللياليــررا أن األولى في العشر األواخر من شهر تموز إلى مدينة مهران. كان مق نحـل محـل كتيبـة مسـتقرة عنـد الخـط الـدفاعي لمدينـة مهـران. انفصــل فريقان من فصيلنا واستقر كل واحد منهمــا في جــزء من الخــط الــدفاعي لمدينة مهران. كان لفريقنا دشمتا تجمع ودشمتان للحراســة. كتب اســمي في أعلى قائمة الحراسة. رددت كثيرا: أني مسعف وال أستطيع الحراســة،

ولكني لم أجد آذانا صاغية.

كنت خائفا من عمل الحراســة، مــا الــذي يجب االنتبــاه إليــه، مــاذا علي أن أفعل عند رؤية العدو، وماذا على الحارس فعلــه إن ســمع صــوتا مــا. أثنــاء الحراسة حافظت على عيــني مفتوحــتين بصــعوبة، وعنــدما كــانت جفــونيــني أتــذكر ذلــك العــراقي ذا الشــارب العــريض المزعــوم، تطبــق على عي

وأتصور أنه يكاد يصل إلي ليقطع رأسي فيطير النوم من عيني.

مع طلوع نهار اليوم األول لحضورنا عند خط مهران الدفاعي وقعت عيناي على جـادة تصــل إلى داخـل تـراب العـراق، ولوحـة كبـيرة خضـراء مزقهـا

كلم". حقا تبلــغ85الرصاص وهشمتها الشظايا وقــد كتب عليهــا "كــربالء- كلم فقط؟85المسافة من هناك حتى كربالء

أغمضت عيني وقلت في نفسي: "لو أن الحرب لم تكن قائمة لقطعت كلهذه الطريق زحفا". فتحت عيني على قيظ شديد. كنت أرى

248

ــه الســالم ــام الحســين علي ــذكرت عطش اإلم ــق، ت الســراب فــوق الطري وأصحابه في يوم عاشــوراء. بكيت ثم هــدأت. قلت في نفســي: لقــد جئت

إلى كتيبة جيدة، والكتيبة أيضا جاءت إلى مكان جيد!

كانت دشمة تجمعنا هي دشمة قيادة العراقيين أثناء احتالل مدينــة مهــران. كانوا قد وضعوا في سقفها أوتادا من حديد، يبعد كل وتد عن اآلخر مسافة عشرين سنتيمترا، وقد أقاموا جدارا أمام بــاب المــدخل وذلــك ليحــدوا من

الخسائر إذا ما وقعت قنبلة من العدو االفتراضي في داخل الدشمة.

ــه مــا لم نــزعج العــراقيين فلن يقومــوا كنا في خط دفاعي هادئ. أدركنا أن بأي مبادرة تجاهنا، وفي الوقت عينه، فـإن إنجـاز األعمـال العاديـة اليوميـةــا في ظــرف لم يكن يصــلنا في ذلك الطقس الحار كان أمرا صعبا. وقد كن فيــه المقــدار الكــافي من الطعــام والمــؤن. كــان محســن كلســتاني يبــذل قصارى جهده ليسهل األمر على الشباب، ولكي تبقى روحياتهم ومعنوياتهمــة ــف أن محســن وبقي ــرون كي ــان الشــباب ي ــدما ك ــة. من جهتهم، عن قوي المسؤولين يبذلون قصارى جهودهم، كان كل واحد منهم يقوم بما يستطيع فعله: فترى واحدا دأبه تأمين المياه الباردة للشباب، وآخــر يهيئ المصــابيح لليل، وثالثا يفرش المائــدة ويجمعهــا، وآخــر يغســل الصــحون واألواني، و..ا، وكــانت األعمــال تنجــز جميعهــا. كــان ولم يكن شيء يهمل أو يترك أرضــ اهتمام الشباب بنظافة الدشمة ومحيطهــا ســببا في تقليــل إزعــاج الــذباب

والبعوض.

ذات يــوم، جاءنــا خــبر من الفريــق اآلخـر، يشــكون فيــه عـدم وجـود رادود )قارئ عزاء( وإمام صالة. ذهب محسن كلستاني وأقــام لهم عــدة مراســم

أدعية وصالة جماعة حتى زالت شكواهم. لم يكن لذلك

249

الفريق دشمة تجمعه. فكانوا يقــرأون أدعيتهم ويقيمــون صــالتهم في فنــاء خارجي إلى جانب الســاتر الــترابي. فكــان أن اتخــذت مراســمهم أجواءهــاــا وطابعها الخاص: أصوات الرصاص واالنفجارات تسمع بشكل جيــد، وأحيان تسقط قذيفة هــاون على مقربــة منهم أو بعيــدة. مهـران لم تكن أكـثر منــا كــان ــل. أحيان ــان مليئا ببســاتين النخي ــة ك خــراب، ولكن أطــراف المدينـا الشباب القدامى يذهبون إلى تلـك الـبيوت الخاويـة يجولـون بينهـا، وأحيان كان يذهب أحدنا إلى بستان النخيل ويحضر معه ثمــرا. في إحــدى المــرات رجع محسن كلستاني بكوفيــة مليئــة بــالتمر األصــفر )البلح( فتلــذذ الجميــع

بتناوله.

في منتصــف شــهر آب انتهت مهمــة الكتيبــة الدفاعيــة في مدينــة مهــران. سلمنا الخط الــدفاعي وعــدنا إلى ثكنــة دوكوهــه. مضــت ســتة أشــهر على

، ولكن1وجودي في الجبهة. كنت أســتطيع الحصــول على تصــفية الحســابا على عندما حصل عناصر الدفاع على إجــازة من الكتيبــة حصــلت أنــا أيضــ إجازة. أثناء الخروج من الثكنــة، كنت أحمــل بيــدي ورقــتين: ورقــة تصــفية حساب من الدائرة الصــحية في الفرقــة وأخــرى ورقــة مأذونيــة من كتيبــة حمزة. كنت أســتطيع -بعــد انتهــاء اإلجــازة- أن أرجــع إلى الكتيبــة أو أقــوم

بتصفية الحساب النهائية.

غمرنا جو من الصفاء في مقصورة القطــار. فال ريــاء في جمعنــا. هنــاك لم يكن شيء من ملذات الـدنيا، وكـان الصــدق والصــفاء والنقـاء والمعنويـات بالقدر الذي نتمناه، وهذا ما كنت ألتذ بــه. كــان محســن كلســتاني يريــد أن يترجل في محطة "جهار دانكه" قبــل محطــة مدينــة طهــران. قبــل أن يهم

بالنزول من القطار قرأ بيتين جميلين من الشعر

1 ) المدينة) إلى والعودة الجبهة في الخدمة إنهاء معاملة

250

على مسامع الجميع:نسترخص األرواح في سبيله في طريق العشق لسنا ناقضي العهود

لن نترك سيد الشهداء وحيدا لو ملئت الدنيا باليزيديين

هذان البيتان جعالني أغوص في بحــر أفكــاري. ذكرنــا بلســان الشــعر أن الــا، نكون كصديق نصف الطريق، بل فلترجعوا، إن الحسين عليه الســالم هن كــل طريــق غــير طريــق الحســين هــو طريــق ليزيــد، ونحن نفــدي طريــق الحسين بأرواحنا. كنت مترددا ماذا أفعل ومــاذا أقــول لعــائلتي، هــل أقــولــابع دروســي ألمي وأبي إني أتيت في إجــازة، أو أقــول إني أتيت ألبقى وأت

وفروضي.

شغل كالم محسن كلستاني ذهني: "في هذا الــزمن عنــدما رهن الكثــيرون أنفسهم لعملهم ومعيشتهم وظيفتنا نحن أن نرهن أنفسنا للحرب والجبهــة. إن بقينا أحياء حتى نهاية الحرب نرجــع إلى مــدينتنا ونهتم بأعمالنــا، وإن لم نعد واستشهدنا في الجبهة نكن قد حصــلنا على ســعادة الــدنيا واآلخــرة أن بــذلنا أنفســنا في ســبيل اإلســالم وطريــق اإلمــام". لقــد كابــدنا المشــقاتــا والجوع في الخط الدفاعي لمدينة مهران في شهر أب الحار، ولكن قلوبنــق ــدعاء وتحل كانت سعيدة برؤية بعضنا بعضا. كنا نسكن بقراءة القرآن والا حظيت بأصــحاب طالمــا بحثت عنهم ــا أيضــ ــا في الســماء. أن ــا عالي قلوبن وبلغت أملي ومناي. كأن قلبي أصبح معقودا على شباب الفصيل األول. لم أكن أريــد ولم أســتطع تحمــل فــراقهم. وصــل بي األمــر أن أخفيت ورقــة

تصفية الحساب الصحية

251

في جيــبي، وقــررت أن ال أتكلم بشــيء عن هــذا األمــر. فــأي مكــان أبتغيالذهاب إليه هو أفضل من المكان الذي كنت فيه؟

انتهت إجازة األيام العشرة وذهبت في اليوم المحــدد إلى محطــة القطــار، ولكن أكثر الشباب لم يحضروا في الموعد المقــرر. الشــيء الوحيــد الــذي خطر على بالي أنهم أحجموا وبقوا في منازلهم حتى ينعموا باستراحة أكثر

طوال الطريق كنت أفكر في هذا الموضوع.

ما إن وصلت إلى الثكنة حتى وجدتهم جميعا هناك. ســألت وتحققت فتــبين لي أنهم رجعوا إلى الجبهة بعد مضي يومين أو ثالثة أيام من إجازاتهم. أين تفكيري الساذج من روحية أولئك الشباب؟ ذهبت إلى الرعاية الصــحية في الفرقة، وحصلت على مأمورية جديدة في كتيبــة حمــزة لمــدة ثالثــة أشــهر التي كانت آنذاك في المخيم الصيفي للفرقة في كوزران. بعد ذلك انتقلت من دوكوهه إلى بــاختران في كرمانشــاه، ومن هنــاك أكملت طــريقي إلى كوزران. هناك أرسلني مسؤول عديد الكتيبــة مباشــرة إلى الفصــيل األول.

كان مسؤول الفصيل قد غادر وحل محله محسن كلستاني.

ــاء لم تكن هيكليــة الكتيبــة مكتملــة، فســنحت فرصــة جيــدة في تلــك األثن للتالميذ حتى يتابعوا دروسهم وفروضهم بشكل جيــد وهم فــارغو البــال في ذلك الطقس الجبلي المنعش. كانوا يتابعون عملهم هذا بحماس قل نظيره

تجعل من يراهم على حالهم يشتاق لمتابعة دراسته.

حان وقت االمتحانات. أنا أيضا كان علي تقديم امتحان في مـادة المعـارف اإلسالمية. ذهبت إلى حصة االمتحان في الموعد المحدد. وجدت أحد أفراد التعبئــة من ســريتنا. شــاب لطيــف، كثــير الحركــة والكالم، ذو وجــه دائــري

وجسم أقوى من جسمي. بدل مكانه مع

252

اآلخرين عدة مرات قبل بدء االمتحان. عندما بدأ االمتحــان لم يكن تركــيزهــا ألطرافــه في جلســة االمتحــان. في ورقة امتحانــه، بــل دائمــا كــان مراقب أمعنت النظر جيدا فوجدته يضع كتاب درسه تحت رجله ويفتحه في الوقت

المناسب ليكتب جواب األسئلة منه.

ــا إلى خيمتــه. لقــد أزهــر في بعد انتهاء جلسة االمتحان، ذهب كل واحــد من داخلي حس النهي عن المنكـــر. قصـــدته وقلت مـــا في جعبـــتي من كالم.

أجابني ضاحكا:ا لن أنجح.. ومــا يا أخي ال تأخذ األمور على محمــل الجــد كثــيرا. أنــا أساســ

3 و 2الفــرق في أن أكتب نقال عن الكتــاب أو ال؟ مــا الفــرق بين العالمــة ؟8 و 7والعالمة

كان اسمه محمد عليان نجادي. كان يصبح حميما مع اآلخــرين بســرعة ولميكن في قلبه أي غل أو ضغينة.

ا ــا أيضــ تشكلت هيئات للعزاء في الكتيبة في أيام شهر محرم الحرام. أحيان كنا نذهب إلى الكتائب المجاورة كمالك وعمــار واألنصــار لحضــور مجــالســاختران في العزاء. ذهبنا في يومي تاسوعاء وعاشوراء بالباص إلى مدينة ب كرمانشاه وشاركنا في مجالس العــزاء الشــعبية، وتناولنــا طعــام "القيمــة"

مطهوا بسمن كرمانشاه.

ــاق، لم يكن ــير متعب وش ــا من مس ــق عودتن ــام، خالل طري ــد األي في أح الشباب يرددون الشعارات الــتي يطلقهــا محســن كلســتاني بشــكل منظم وبلحن وصوت عال. فما كان من محسن إال أن أوقف مسير الفصيل حــتى يرتاح الشباب فيجددوا نشاطهم ويســتمع بــدوره إلى كالم قلــوبهم. ســأل:

لماذا ال تجيبون جيدا؟ لعلكم تعبتم من الجبهة؟

أجابه أحد الشباب عن ظهر قلب قائال: لماذا نقول كذبا؟ لقد

253

ــع إلى ــد أن نرج ــا، ونحن نري ــباب على نهايته ــة معظم الش ــارفت مهم شمدرستنا ودروسنا..

بعد أن استمع محسن إلى كالم الشــباب العفــوي قــال: هــذا الكالم عالمــة على منتهى صدقكم. إن لم تســتطيعوا أن تلتحقــوا بالجبهــة، إن شــاء اللــه ستنجزون أعماال جيدة والئقة في المدينة حتى ال يذهب ماء وجه التعبئة وال

يحبط أجركم.

ــا نمشــي صــعودا، لكن الشــباب كــانوا ــا كن بعد أن استأنفنا مســيرنا ومــع أن يرددون هتافات محســن كلســتاني بصــوت عــال وبليــغ. عنــدما اقتربنــا من المخيم كان عدد من الشباب يقفــون ويشــاهدون حماســة شــباب الفصــيل

األول.

بنا الخيم في أحــد في أواخر أيلول، عندما أصبح الطقس الجبلي باردا، وضــ األيام بشكل مفاجئ وسريع وحملناها في الشــاحنة، ومــرة أخــرى انطلقنــا

نحو الجنوب وثكنة دوكوهه.

ــام من أواســط لم يكن لكتيبة حمزة نشاط الفت في دوكوهه. في أحد األي شهر مهر قالوا : الليلة لدينا برنامج ليلي وعلى جميع العناصر التجمع فــوق

سطح مبنى الكتيبة.

حل الليل، الجميع حاضرون على سطح المبــنى. ومــع أن عديــد الكتيبــة لم يكن مكتمال إال أن ضيق المكان لم يسمح بأن نقف في تشــكيل عســكري.

شكلت السرايا صفوفا وجلسنا على السطح.

وقف السيد رضا دستواره وثلة آخرون إلى جانب أسد الله بازوكي. تحــدث األخ دستواره عن تــاريخ كتيبــة حمــزة المشــرف وشــكر األخ بــازوكي على جهوده. قال إنه من المقرر أن يتسلم األخ بازوكي عمال أكثر تخصصــية في

الفرقة، وسيترك مسؤولية كتيبة حمزة لألخ أميني:

254

ا ال كما تعلمون فإن األخ بازوكي هو جريح وشــهيد حي. الحــاج أميــني أيضــ" و..4يقل عنه شأنا فقد أصابت رصاصة دوشكا رأسه في عملية "الفجر

لم يكن أحد راضيا عن مغادرة بازوكي. التـف الشـباب حولـه بعـد الجلسـةوودعوه.

في األيام التالية، لم يستغرق األمر كثيرا حتى ســلك الحـاج أميــني طريقـهإلى قلوب الشباب.

في منتصف تشرين األول، قام عدد من العناصر بتصفية حسابهم وغــادروا، وجاء عدد من العناصــر الجــدد إلى الكتيبــة. في بدايــة االســبوع االخــير من الشهر غــادرت الكتيبــة ثكنــة دوكوهــه إلجــراء دورة تــدريب عســكري على

العمليات البرمائية.ــزوارق، الهجــوم على شاطئ بحيرة سد دز، تدربنا على السباحة، ركوب ال من اليابسة على الماء، والهجوم من الماء على اليابســة وغــير ذلــك.. بعــدتي ســباحة في اليــوم، أصــبحت جميــع مضي عدة أيام ولما كنا نقــوم بحصــ عضالتي وعظامي تؤلمني. كانوا يضغطون علينا كثيرا حتى تصبح أجســامنا أكثر تحمال ومقاومة. ولكن بالرغم من كل التعب الذي حل بأجسادنا إال أن اإليثار والتضحية لم يتغيرا. في أحد األيام رأيت "عــرب علي قابــل" يغســل الثياب المتسخة التي وجدها في الطشــت المملــوء والــتي لم يكن معلومــا

من هو صاحبها وبعد ذلك بدأ بغسل ثيابه.

ذات يوم ذهبنــا في مســير طويــل. ابتعـدنا عن مركـز الشــرطة العســكريةــا مســيرنا لمخيم سفينة النجاة، ومشينا عدة كيلومترات إلى األمام، وأكملن

في داخل أخدود حتى وصلنا إلى آخره. حيث كان يوجد

255

مغارة تشبه النفق. كانت الظلمة حالكــة في داخــل المغــارة. رحنــا نخطــو خطواتنا بهدوء، ملتصقين حتى ال يضيع بعضنا البعض اآلخــر. كــانت جــدرانــها ــل الملتصــقة ببعض ــات الرم ــى وحب ــوءة بالحص ــارة كأرضــها، ممل المغ )المتحجرة( فيما تنزل قطرات من المــاء قطــرة قطــرة من ســقفها. لقــد أزال المســير في تلــك المغــارة الجميلــة التعب عن أجســادنا، وأخــيرا بعــد حوالى الساعة من السير، خرجنا من الطرف اآلخر من النفق. كان مســير عودتنــا أكــثر إثــارة للــذكريات. نزلنــا من فــوق صــخرة مرتفعــة باســتخدام

الحبال لنسلك مسيرا أكثر سهولة ونصل من خالله إلى خيمنا.

كنت قد تعرفت بأحمد أحمدي زاده قبل مدة. ولكن لمــا كــان قليــل الكالم فقد طال األمر حتى أعلم ما هو عمله، وما هي المناطق الــتي ذهب إليهــا، وقد كان تردده بشكل متكرر إلى خيمات أركان السرية يدل على أنــه أحــد

العناصر القدامى.

كان قــد مضــى حـوالي ســنتين على وجـوده في الجبهـة. في صــيف العـام ، وبعد إنهائه لــدورة عســكرية أرســل إلى ســوريا وقــام هنــاك بــدور1982

ــا ينجــز التصــاميم ويرســم تبليغي، باإلضافة إلى عمله العسكري. كــان فنانــة بين لبنــان على الجدران. خــدم لمــدة ســتة أشــهر في المنطقــة الحدودي

ــتي "والفجر ــبر"4وسوريا وبعد ذلك عاد إلى إيران. شارك في عملي " و"خي وأصيب بجراح في ساعده. مع أنه كان هادئا ويتمتع بذوق فني، إال أنه كــان

يحب أن يكون أحد العناصر في كتيبة الهجوم.

لم يكن يهتم كثيرا بالنشاطات اإلعالميــة. ذات مــرة أطلعــني على بطاقتــهالعسكرية فوجدت أن اسم شهرته ينسب إلى "طوزن" سألته:

- أين تقع طوزن هذه؟

256

ــة "زواره واردســنان" في - هي قرية معروفة برمانها تقع بالقرب من مدينمحافظة أصفهان.

ــام ــان من الع ــود لشــهر أب ــه يع ــاريخ والدت (.1965 )تشــرين أول 1344تسألته: "هل ولدت في تلك القرية؟".

- كال، ولــدت في مدينــة طهــران في ليلــة المبعث النبــوي الشــريف ولهــذاأسماني أهلي أحمد.

رأيت دفتر مذكراتــه اإلبــداعي للمــرة األولى في خيمتنــا في مخيم ســفينة قليالA4النجــاة. كــان دفــترا مؤلفــا من مئــتي ورقــة بحجم يكــبر ورقــة الـــ

ــدا وجلده كحلي اللون. أطلعني على دفتره من الخارج فقط. وقد قطع وعــوا مــذكرات في هــذا الــدفتر أن ال يطلــع أحــدا على للمقــاتلين الــذين دون مضــامين مــذكراتهم قبــل استشــهادهم. حــتى ذلــك الــوقت امتألت خمس عشرة صفحة من الدفتر. كان قد درس التصــميم الكــرافيكي في مدرســة الفنون، ولهذا زين صــفحات دفــتره بأجمــل الرســومات واألشــكال. فــتراه قطع عبارات الحكم الدينية من المجالت وألصقها في أطــراف الصــفحات، كذلك كان يضع صورا للشخصيات المرموقــة فيهــا، ولم ينس وضــع صــورة

كاتب التذكار في زاوية الصفحة.

إنه الرابــع من تشــرين الثــاني، يــوم التلميــذ واليــوم األساســي في أســبوع التعبئة المدرسية. كــانت حـوارات ذلـك اليــوم بين الشــباب حــول "حسـين

فهميده" والدبابة العراقية ونوع القنبلة التي استخدمها لتدميرها.

في تلــك األيــام قــامت مجموعــة من تالميــذ ثانويــة "أبــو ذر الغفــاري" من لمدينة طهران بزيارتنــا في الجبهــة، واطلعــوا على14المنطقة التربوية الـ

كيفية التدريبات البرمائية هناك. أنشد لهم محسن كلستاني نشيد "يــا أيتهــاالدشمة سأبقى مكاني".

ليال أيضا شاركوا في مراسم

257

دعاء التوسل معنا. عندما رأوا أترابهم يخضعون لتدريبات عسكرية شــديدة في الفصــيل، ويدرســون دروســهم ولــديهم تلــك الــروح المعنويــة العاليــة،

.1تغيرت أحوالهم وبدا واضحا تأثرهم بذلك

كان الشباب في هــذه الــدورة يتســلون باصــطياد الســمك. في أول إجــازة حصلوا عليها قصدوا دزفول واشتروا صنارة صيد السمك وأحضروها معهم. أصبح القيام بهذا العمل منتهى المتعة عند الشباب. بعد ذلك، لم يعد يذهبــة قليلــة. خالل يــوم واحــد فقــط اســتطاع في إجازة إلى المدينة ســوى قل

ا من الماء. 180"حسن قابل أعال" استخراج حوالي كائنا حي

طبعا كان جزء من هذه الكائنات أســماكا يمكن أكلهــا، بينمــا أرجــع البــاقيإلى الماء.

ــدمنا حــتى ــالزورق في البحــيرة. تق ــة ب ــوم بدوري ــا نق ــام، كن في أحــد األي المنعطف األخير حيث النقطة األقرب من السد. كـان الحـارس هنـاك رجال

ا يصطاد السمك ولم يسمح لنا أن نقترب أكثر من حائط السد. مسن

بدأ أحد الشباب بالتحــدث معـه وســأله: "أيهــا الوالـد العزيــز، مــا هــو حجماألسماك هنا؟".

حك الشيخ صنارته وقال: "يوجد أسماك كبيرة بكثرة، ولكن ال يستطيع أحداصطيادها".

- أسماك كبيرة ال تزن الواحدة منها أكثر من ثالثة إلى أربعة كلغ؟؟ كلغ.18- ثالثة إلى أربعة كلغ؟! البارحة اصطدت واحدة يصل وزنها إلى

في طريق العودة وفي الخيمة كان محور حديثنا حول تلك السمكة

1 " الشهيد " ذكرى على الدشمة أيتها يا نشيد ينشدون أنفسهم التالميذ أولئك من مجموعة رأيت الحقاكلستاني.

258

الكبيرة. لم تكن األسماك كبيرة بما يكفي عندنا. حاز أحــد الشــباب الــرقم القياسي باصطياده سمكة كانت األكــبر ولم تكن تــزن أكــثر من كيلــوغرام

واحد.

ا عنــد البحــيرة يرســم المنــاظر في أحــد األيــام رأيت أحمــدي زاده جالســ الجميلة المحيطة به ويلونها. كان يلون باألزرق البحــيرة الــتي رســمها حين

سألته:- يا أحمد كم هو عدد إخوتك؟

- جميع الشباب في الجبهة هم إخوتي.

لم أفهم مــا الــذي يقصــده وعــاودت الســؤال: "كم لــديك من اإلخــوة فيالمنزل؟".

أجابني وهو مستمر في تلوين البحيرة التي رسمها: "ليس لدي أي أخ".

- هل لديك أخت؟- لقد تزوجت، مضى على زواجها عدة سنوات.

تحدثت معه أكثر، وعلمت أن والده يعمل سائقا في مؤسســة البريــد. لقــدكان قليل الكالم لدرجة لم يكن يجيب فيها إال باليسير اليسير من الكلمات.

كنت قد اشتريت فيلما آللة التصوير من مدينــة دزفــول لكي ألتقــط صــورا تذكارية مع الشباب. ذات يوم جاء إلى مخيمنا الســيد رضــا دســتواره واألخ بازوكي الذي كان قد عين آنذاك مسؤوال عن وحدة التدريب العسكري فيا. اســتغل الفرصــة أحـد الفرقة. كــان مسـؤول كتيبــة مالــك يرافقهمــا أيضــ

الشباب والتقط صورة مع أسد الله بازوكي

259

فاستحييت أن أتقدم إلى األمام وعدت أدراجي. فجأة يضــع أحــد يــده على يعني أنا واألخ بهار كتفي، لقد كان هو بنفسه. من المؤكد أنه كان قد رآنا -

ا نريــد أن نلتقــط - نحمل آلة التصوير بأيدينا ووقــع في قلبــه أننــا نحن أيضــصورة معه ولكننا خجلنا ولم نقدم على هذا األمر. قال بلطف وحنان:

- يا أخ شهبازي، أال تلتقط صورة معنا؟

التقطنا صورة إلى جانبه والبهجة تمأل قلوبنا. بعــد ذلــك رافقنــاه إلى خيمــة القادة ودخلنا إليها. بعد السالم، قال رفيقي للسيد رضا دســتوارة ممازحــا:

هل تسمح لنا أن نلتقط صورة معك؟

قال مبتسما: إن كنت ستعطينا نسخة منها إذا لماذا ال يمكن؟ التقط صــورابالقدر الذي تريد.

نحن بدورنا أبــدينا شــهامة والتقطنــا عــددا من الصــور. بعــد انتهــاء الــدورة التدريبية عدنا إلى مبنى كتيبة حمزة في ثكنة دوكوهه. كانت رائحة اإلجازة تنتشــر في األجــواء. شــاركت في مســابقة األحكــام الــتي أقامتهــا الوحــدة

الثقافية السياسية قبل ذهابي إلى اإلجازة.

ذهبنــا بالقطــار إلى طهــران وعــدنا بعــد عــدة أيــام. أخبرونــا أننــا فزنــا في سياسي(. كانت جائزة المسابقة كتــاب - مسابقة الوحدة الثقافية )عقيدتي

ــا قــد أتينــا حــديثا من أصول الكافي وزيــارة إلى مدينــة مشــهد. مــع أننــا كن اإلجازة إال أننــا حزمنــا حقائبنــا وأغراضــنا مــرة أخــرى وتوجهنــا إلى مشــهدــهد. برفقة اآلخرين. أمضينا أربعة أيام ذهابا وإيابا، ومكثنا ثالثة أيام في مش كنــا جميعــا حــوالي مئــتي شــخص. انضــم إلينــا الشــيخ بــروازي في مدينــةــا نصــلي صــلواتنا الخمس طهران. أقمنا في حسينية في مدينــة مشــهد. كن

في حرم اإلمام الرضا عليه السالم. من جهة أدينا

260

زيارة جيدة ومن جهة أخرى أبــدوا اهتمامــا جيــدا بنــا. كــذلك خطب الشــيخ بروازي فينا عــدة مــرات في الحســينية. ســأل أحــد الشــباب عن الجزيــرة الخضراء فأجابه الشــيخ في خطبــة طويلــة بحث فيهــا الموضــوع من كافــة جوانبه ليجيب عن مسألة هل هذه الجزيرة هي مثلث برمودا ذاك الموجود في المحيط الهادئ أم ال. كان الشباب متعطشين للمعرفة. كانوا يجتمعونــأل حول الشيخ ويسألونه كلما سنحت الفرصة لذلك. في إحدى المرات س أحدهم لماذا قبل اإلمام الرضا عليه السالم والية العهد من المأمون. كانتأسئلة الشباب حول موضوعات لطيفة ومؤثرة يشتاق الجميع إلى سماعها.

عنــدما رجعت من مشــهد وجــدت أن أحــدا أخــذ مــني مكــاني في الفصــيل األول. لهذا الســبب وبعــد مشــاورة محســن كلســتاني، ذهبت إلى الفصــيل الثــالث ألكــون في خدمــة زمالئي الجــرحى، وقــد كــان في اســتطاعتي أن أســتأنف عملي في الفصــيل األول في اختصــاص آخــر. لم يســتغرق األمــر

كثيرا حتى غادرنا ثكنة دوكوهه مرة جديدة.

كانت الوجهة هــذه المــرة إلى مخيم كرخــه المعــروف بمخيم فتح المــبين. كان الطقس ممطرا في بداية فصل الشتاء. ربطنــا الخيم بإحكــام، ومنعنــا دخــول مــاء المطــر إلى الخيمــة. حــتى ذلــك الحين لم يكن قلــبي يجــافي

الفصيل األول، وكنت أذهب أحيانا للقاء أصدقائي.

في أسبوع التعبئة، حصل أحمــدي زاده وشخصــان آخــران من كتيبتنــا على جــائزة "عنصــر التعبئــة النمــوذجي". كــان أحمــدي زاده يحمــل في حقيبتــهــاة ــاص والممح ــني كقلم الرص ــل الف ــائل العم ــة، ووس ــية متنوع قرطاس والمقص ومجالت مختلفة كان يستخدمها في تزيين دفــتره ذاك. ذات مــرة

طلب مساعدتي عندما كان يقص أطراف صورة

261

ص لهــا في محســن كلســتاني حــتى يصــبح حجمهــا مناســبا لإلطــار المخصــ صفحته. قمت بأخذ أبعــاد الصــورة وقياســها. طبعــا لم يكن عملي من دون شوائب. بعد تهيئة الصورة ألصــقها في صــفحة التــذكار المكتــوب من قبــل

محسن كلستاني.

في مخيم كرخه غادر مسؤول السرية األولى كتيبــة حمــزة ليلتحــق بكتيبــةــه "حســن أمــيرى فــر" في سلمان التي كانت قد أسست حديثا، وحل محلا، ويبلــغ مسؤولية السرية الذي كان المساعد الثاني لمسؤول الكتيبــة أيضــ

سنة، قوي البنية، طويل القامــة، داكن اللــون، شــعره25من العمر حوالىــد، صــدره عــريض وخصــره نحيــف. كنــا نناديــه باســم "العم حســن". مجعـا بعـد انتهـاء تضاعفت التدريبات العسكرية عدة أضعاف منذ يوم مجيئه. كن البرنــامج الصــباحي الــذي ينفــذ على مســتوى الكتيبــة، نتمــرن لفــترة على مستوى السرية. كأنه كان قبل ذلك أستاذا في التــدريبات العســكرية. لقــد كانت التمرينات التي يقوم بها دقيقة ومحسوبة لدرجة لم يكن أحــد يشــعر بالتعب جراء كل تلك الحركات الرياضية. عندما نصل إلى خيمتنا بعد انتهــاء البرنامج الصباحي كنا نجد أن السريتين األخريين قد تناولتا طعام فطورهما

وخلدتا إلى الراحة.

ــل" حظيت بأصدقاء جيدين في الفصيل الثالث. كان من بينهم "عبدالله قاب األخ األكبر لعلي قابــل الــذي يعمــل في الفصــيل األول. لم تنقطــع عالقــتيــد ــة من مول بالشباب من الفصيل األول. عندما تقرر توصيل أسالك كهربائي الديزل التابع لوحــدة الــدعم إلى خيم الكتيبــة تطــوعت أنــا وســيروس بــور للقيام بهذا العمل. استغرق األمر أياما حتى أوصلنا األسالك الكهربائيــة إلى الخيم. أطلــق الشـباب صـيحات الصـلوات بصــوت عـال في الليلـة األولى،

عندما أضيئت خيمهم

262

ـد. كـانت ليـالي الشـتاء طويلـة، ولهـذا كـانت بالكهربـاء بعـد تشـغيل المولا بالنســبة للشـباب الفائدة المرجوة من مصابيح الفلورســنت أكــبر خصوصــ الذين كانوا يريدون أن ينكبوا على دروسهم بعــد نشــاطات النهــار المتعبــة. أيضا عندما تتوافر الكهرباء نهـارا نشــاهد أشــرطة فيــديو مســجلة لــدروس

أستاذ األخالق الشيخ مظاهري.

ــالي ذهب لم يكتب لهذه اإلمكانات والمتع الكثير من العمر. في إحــدى اللي أحد الشباب إلى خيمة المولد حتى يشغله، وضع الفانوس عليه فوقع أرضاا. في مخيم كرخــه، خضــعنا وشــبت النــيران بالخيمــة واحــترق المولــد أيضــ ألنواع متعددة من التدريبات العسـكرية. كـان بينهـا مـادة معرفـة األســلحة والتعرف إلى سالح "ك، م، أ" )كيماوي، ميكروبي، إشعاعي(. كـانت غرفــة الغاز هي أحد التدريبات على مواجهة السالح الكيماوي. كنا ندخل مجموعةـة من التبن والطين حيث يرمـون بـداخلها تلــو مجموعـة إلى الغرفـة المبنيا لم يضـل الشـباب الطريـق، ففي الـوقت قنبلة مسيلة للدموع. هناك أيضــــدأوا يلطمــون ــه لضــيق في النفس وســالت دمــوعهم ب الــذي تعرضــوا في

صدورهم ويقرأون مجالس العزاء.

( أرســلت الكتيبــة الشــباب2في األسبوع األخير من شــهر دي )منتصــف ك في إجازة مرة أخرى، لعلها مأذونية الوداع. في تلــك اإلجــازة كــانت زيــارة مشهد من نصيبي مرة أخرى، كنت مع مجموعة مؤلفــة من اثــني عشــر أو ثالثة عشر شخصا، ركبنا مقصورتين في القطار. كــان من عناصــر الفصــيل األول كــل من محســن وحســين كلســتاني، أحمــدي زاده، ســعيد بــوركريم ومهدي كبير زاده. كــان ســفرا مليئا بالبركــة، وقــد أمتــع أســماعنا محســن

كلستاني خالل هذا السفر بندبياته ومجالس عزائه.

بعد أن رجعنا إلى المخيم في نهاية اإلجازة ذهبت الكتيبة إلى حقل

263

الرمايــة للقيــام بعمليــة تصــحيح للرمايــة عــبر تصــفير األســلحة. بعــد ذلــك تسلمت وحدة التعاون في الفرقــة الحقيبــة واألغــراض الشخصــية لألفــراد، وتجهزنا لمغادرة مخيم كرخــه نحــو المقصــد التــالي. كــانت رائحــة العمليــة

تنتشر في كل مكان.

ا وغادرنـا مخيم كرخـه لنصـل ليال إلى بعد ظهر يـوم من األيـام، ركبنـا باصـ مستقرنا التالي، إنه مخيم كارون الذي نصــبت خيامــه بين بســاتين النخيــل

الكثيفة إلى جانب نهر كارون.

صباحا، ألقيت نظرة على األطراف. كانت أرض البســتان مليئــة باألعشــابــدة. التالفة واألغصان اليابسة، ما يدل بوضوح على إهماله منذ سنوات عدي لم نكن نبعد كثــيرا عن نهــر كــارون. بــالرغم من أن أشــجار النخيــل كــانت تشكل ساترا جيدا للخيم إال أننا قمنا بتغطيتهــا باألغصــان اليابســة وأكيــاس

الخيش.

ــدما كان الوضع الصحي في المخيم سيئا. لم يكن عدد المراحيض كافيا. عن كنا نســير يلتصــق الطين المنتشــر في أرض المخيم بأحــذيتنا فيزيــد وزنهــاــة، وكــان أقــل من المخيم الســابق. ــات كافي ــيرا. لم يكن الطعــام بكمي كثا كــان بــالقرب من مركـز دعم الفرقــة الـذي يبعــد عن كتيبتنــا الحمام أيضــ مسافة ساعة من الزمن سيرا على األقدام، كان الحمــام عبــارة عن عنــبر

"دوشات" حيث كنا ننتظر نصــف ســاعة في الصــف حــتى8 إلى 7بداخله ــداء ــأتي الن يأتي دورنا فندخل لالستحمام، وال نكاد نفتح حنفية المياه حتى ي

تلو النداء أن: "يا أخ، أسرع.. ".

في أحد األيام، قصد أحد الشـباب مركــز الــدعم في الفرقــة لكي يســتحم، وفي طريق عودته وجد كيسا من الخبز اليابس المتعفن فأحضره معـه إلى

الخيمة. بقينا لعدة أيام نتناول األجزاء السليمة

264

من ذلك الخبز حتى تغــاث بــه بطوننــا الجــوعى. كــان مطبخ الفرقــة يــوزع الطعام على الكتائب مرة في األسبوع تقريبا فكان الشــباب يطلقــون على ذلك اسم "الحدث األسبوعي". كان يبدو وكأنهم يجمعــون الطعــام المتبقيــه ــه ويقدمون على مــدار األســبوع ثم يضــعونه مجــددا في القــدر ويخلطون

كطعام للشباب.

ــات ــة الهجم ــدرب على مواجه ــرى بالت ــرة أخ ــا م ــارون، قمن في مخيم ك الكيماوية. كان العراقيون قد وجهوا لنا ضربات شــديدة بالســالح الكيمــاوي خالل العملية السابقة. هناك قمنا أيضا بعدة مناورات ليليــة، كــان من بينهــا تمــرين على اســتخدام األقنعــة المضــادة للســالح الكيمــاوي، حيث قطعنــا

- ونحن نضعها على وجوهنا. ذهابا وإيابا مسافة ستة عشر كيلومترا -

.1التمرين التالي كان على كيفية التحرك في جادة قــد غمــر المــاء طرفيها في المناورة األخيرة كان مسؤول الكتيبة يردد على مسامعنا دائما وبشكل

صارم:- ليلزم الجميع مكانه في الطابور وال يحدثن أي انقطاع فيه..

ــركض، ونحن ــام وال حقا، كم كان عمال صعبا ومضنيا السير والجلوس والقيا بالنســبة لنــا نحن الــذين كنــا في آخــر نحمل كل تلك التجهــيزات، خصوصــ الفصيل الثالث عند مؤخرة طابور الكتيبة. ومن نافل القول لو أن كل واحد من العناصر في بداية الطابور ابتعد لمسافة عشرة سنتمترات عن العنصر الذي يتقدمه، فإنه عندما نجمع هذه المسافات الصغيرة مــع بعضــها البعض وتصل إلينا في آخر الطابور ستصبح حوالي عشرة أمتــار. وهــذا يعــني أننــا

نحن في آخر الطابور كنا مضطرين أن نركض كل

1 . الفاو في أيام عشرة بعد معنا حدث ما بالضبط يشبه التدريب هذا كان

265

المسافة أو نتوقـف وقفــات غـير محسـوبة. لطالمــا كـرر مســؤول الكتيبــةــه كــان موجــودا في عمليــة "والفجــر "، وشــاهد كيــف أن أحــد4القــول إن

الشباب لم يحافظ على المسافة، فتفرق الطابور وضــاع الشــباب ووقعــوا في كمين العراقيين، وبعد ذلك استشــهد عــدد كبــير من الشــباب، وأصــيبعدد آخر بجراح إلى أن التقى قسما الطابور مجددا واتصال ببعضهم مجددا.

ــذي لم كانت المناورات متعبة، ال أدري ما كان السبب، هل بسبب الجوع الــا يكن منه شفاء، أو بسبب التجهيزات الثقيلة الــتي كنــا نحملهــا. كنت أحيانــيرة أردد لنفسي مصرع بيت من الشعر حيث يقال: "إن روح المــؤمن الكبــل التعب ال تقبل التمرد" عساني أقوى على نفسي الضعيفة وأستطيع تحم والعناء، ولكن في بعض األوقات لم يكن هذا المصرع ليــأتي بنتيجــة، فكنتــك األثقــال المضــنية وأغطي نفســي ــا أرغب في التخلص من كــل تل أحيان باألغطية القديمة في خيمتنا وأنام وأرتاح. كنت أفكر ربما لــو تناولنــا كميــةا: ـا كنت أقـول أيضــ طعام أكبر الستطعنا تحمل هذه المصـاعب أكـثر. أحيان "ربما لو امتألت بطوننا لشعرنا أكــثر بالنعــاس ولن نجــد طاقــة على إنجــاز

أعمالنا".

ا غذائيــة حربيــة. في أحــد األيــام وزعــوا علينــا الــذخائر األساســية وحصصــــك ــار، مال ــائب األنص ــدهما كت ــار ومن بع ــبيب وعم ــائب ح ــمعت أن كت س والشهادة قد غادروا جميعا مخيم كارون. وصــل الــدور إلينــا بعــدهم، عصــر أحد األيام ركبنا شاحنات مغطاة وانطلقنا نحو مقصدنا التالي. كــان المطــر يتساقط رذاذا خفيفا. مضينا إلى أن وصلنا إلى نهر بهمن شير. ترجلنا هناكــا إلى أن من الشاحنات، وعبرنا من فوق جسر ومشينا نصــف ســاعة تقريب بلغنا إحدى القرى وتموضعنا في بيوتها. تلك الليلة هي ذاتها ليلة بدء عملية

".8"والفجر

266

بعد ظهر اليوم التالي غادرنا ضفة نهر بهمن شــير بشــاحنات غــير مغطــاة.كانت العملية قد بدأت ولم يعد للتخفي تلك المنفعة الكبيرة.

عند الغروب وصلنا إلى أروند كنار. كان هناك عدة عنابر مجهزة الستقبالنا. نزل في كل عنبر ثالثون إلى أربعين شخصا في الوقت الذي لم يكن يتسـع

الواحد منها إال لعشرين شخصا.

استراح البعض مستلقيا والبعض اآلخر جالسا، ونام آخرون. كنت أرتاح فيــان يجلس إلى جــانبي إلى ــبر. ذهب من ك ــوس في آخــر العن وضــعية الجل الحمام وعندما رجع لم يجد مكانا يضع فيه قدميه ليدخل، فبقي جالسا عند

الباب حتى الصباح.

شــباط(. كـان17اليوم التالي كان يوم الثامن والعشرين من شــهر بهمن ) صوت الراديــو يعلــو من مكــبرات صــوت وحــدة اإلعالم في الفرقــة ويــذيع

موسيقى العمليات العسكرية.

قرابة الظهر تم اســتهداف مقاتلــة عراقيــة وســقطت. رأيت طيارهــا يقفــز منها خارجا. بعد ساعة عندما غادرنا "أروند كنار" لنــذهب إلى حافــة الميــاه رأيت مظلــة ذلــك الطيــار العــراقي وقــد علقت بأغصــان إحــدى شــجرات

النخل.

ــا لم تكن حافة المياه تبعد مسافة كبيرة عن "أروندكنار". قطعنا قسما منهبالشاحنة والقسم اآلخر سيرا على األقدام.

ــع ــد رصــيف المرســى كيال تســتدل الطــائرات على محــل تجم ــا بع ترجلن الشباب. لقد سلبت غارات الطـائرات األمن والســكون من الجميـع. كـانت

تنقض من أعلى إلى أسفل لتطلق القنابل والصواريخ ثم تمضي.

مرات عدة جاءنا أمر بـالتفرق في بسـتان النخيـل حـتى ال نتعـرض لضـربةجماعية.

267

استغرق طريق ذهابنا نصف ساعة. وصلنا إلى المرسى الذي كان يقــع إلىــني من التبن والطين. كنــا نرفــع أرجلنــا فــوق الوحــل جانب منزل قــروي ب

والطين المنتشرين على ضفة النهر الفرعية لنضعها في داخل المركب.

عند رصيف المرسى، كانت هذه الحال العملياتية للفرقــة. كــان يــركب في كل زورق خمسة عشر شخصا من الشباب. في الوقت ذاته كــان مســؤول الدائرة الصحية في الفرقة يسعى لينقل ســيارة إســعاف بواســطة مــركب خاص إلى الجهة األخرى من النهر. وصل الــدور إلى الفصــيل الثــالث وكنــا نحن آخر مجموعة، قال ربان زورقنا: "البسوا ســترات النجــاة هــذه". كــانــة التعب باديا على وجهه. كان واضحا أنه قد عمل بشكل متواصل منذ الليل السابقة، أعاد كالمه مرة ثانية وقاد الــزورق بســرعة نحــو أرونــد. بدايــة لم أعر كالمه أي أهمية. قلت: "قطعا، إن نهر أروند مثــل بهمن شــير وكــارون ودز". ولكن عندما دخلنا من الرافد الفــرعي إلى نهــر أرونــد أدركت حينهــا ماذا يعني هذا النهر. التقطت سترة النجاة وارتديتها. بعد ذلك ضحكت على حالي وخياالتي، إذ كنت قد قلت في نفسي: "إذا استهدف الزورق سأسبح

ألصل إلى الشاطئ".

بعد أن ارتـديت سـترة النجـاة أمسـكت بحافـة الـزورق بيـدي وبـدأت أعـد اللحظات بانتظار وصولنا إلى الشاطئ الغربي لنهر أرونــد، ولكن المســافة كانت طويلة. ولم تكن طــائرات العــدو لتــدعنا وشــأننا. كــانت كنســر جــائع يبحث عن فريسته. كانت الصــواريخ الجويــة تنفجــر حولنــا في المــاء فيهيج النهر أروند وتتالطم أمواجه. مع انفجار كل صــاروخ أو قنبلــة كــانت الميــاهــاء ترتفع صعودا في الهواء على شكل نافورة وترجع فتتساقط قطرات الم

على رؤوسنا ووجوهنا.

268

أخيرا رأينا المرسى. رصيف مؤلف من عدة قطــع من جســر متحــرك )پــل خيبرى( وألواح من الخشــب وجــذوع النخــل وضــعت جميعهــا على شــاطئ النهر حتى ترسو الزوارق إلى جانبهــا. فال مجــرى نهــر فــرعي للترجــل من الزوارق. نزل الشباب من زورقنــا في المــاء على مســافة حــوالي خمســة عشر مترا من الرصيف، فيما بقيت جالسا أنتظر توقف الزورق إلى جانبه. في تلــك األثنــاء أدى انفجــار قذيفــة أطلقتهــا إحــدى الطــائرات إلى تراجــع زورقنا في عمق الماء. قــام الربــان مــرة أخــرى بقيــادة الــزورق بأعصــاب

هادئة إلى الرصيف حيث ترجل الشباب الباقون.

كان الحاج بخشي موجودا على الشاطئ يعمل على رفع معنويات الشباب.ــد إلى جــانب الشــاطئ حــوالي ربــع ســاعة من مشــينا على الطريــق المعب

الزمن لنصل إلى منازل اتخذناها محل استراحتنا.

كان الظالم قد حل. على وقع أصوات االنفجـارات الـتي ينبعث ضــوؤها منــبيوت ــك ال بعيد والقنابل المضيئة تتألق وتلمع في السماء. جلنا قليال بين تل النظامية، وأخيرا خلدنا إلى الراحــة. تلــك كــانت ليلــة األربعــاء، أي مناســبة دعــاء التوســل، وصــوت محســن گلســتاني يصــل من الفصــيل األول إلىا: مسامعنا. نحن أيضا تلونا الــدعاء معــه. هــذا طعــام العشــاء قــد أتى أيضــ

همبرغر وخبز اللواش وكبيس الخيار.

في منتصف الليل جاءنا أمر بالتحرك. ثم وصلت بعد ذلك الشــاحنات، خالل عدة ساعات لم يغمض لنــا جفن من شــدة الحماســة. فلم نكن نــدري أين نحن، مــتى وإلى أين سـنذهب. ركبنــا الشـاحنات وترجلنــا بعـد ســاعة على

جادة معبدة يقال لها جادة أم القصر. ترجلنا

269

. ولجأنــا إلى الســواتر الترابيــة الــتي أقيمت1في موقع "الهالل" الصاروخي على يمين الجــادة. بقينــا هنــاك إلى أن ســطع ضــوء النهــار ثم انتقلنــا إلى الكتف اليسرى من الجادة واختبأنــا هنــاك. خالل النهــار تفقــدتنا الطــائراتــار ــرى آث ــا ن ــا! كن ــرات لتســأل عن أحوالن ــة عــدة م ــات العراقي والمروحي

االشتباكات ونسمعها من بعيد.

ظهرا انتقلنا مئات األمتار وتقدمنا إلى األمــام على امتــداد الجــادة. أرهقتنــا هذه االنتقاالت إلى أن استرحنا في مكــان، واســتحدثنا دشــمة نحتمي بهــا. جــاء أمــر باالنتقــال. قلت في نفســي: ليســت الجبهــة إال هــذا. لقــد أتيت لتحارب. الحرب هي شيء يختلف عن المخيم والبرنامج الصباحي والتدرب على الحرب الليلية. لقد انتهى زمن األكـل والنـوم التقليـدي والمعتــاد على

رأس الساعة. تهيأ للحرب.

عند الغروب أيضا جاءنا أمر بالتحرك. قبلنا شباب الفصيل. التقيت "أحمديا. جــاءني "محمــد أمين شــيرازي" من الفصــيل األول، زادة" وودعتــه أيضــ

وقال:- يا أخ شهبازي، سامحني، ال تنساني من الشفاعة..

لم أكد أكمل صالة العشاء حتى انطلــق طــابور الفصــيل الثــالث، فأوصــلت نفسي إليه على عجــل. بــدأت الكتيبــة تتحــرك إلى األمــام بهــدوء وصــمت. عندما كانت القنابل تضيء السماء يتوقف الطابور فنجلس وننتظــر إلى أن تنطفئ. بعد ساعة من المسير استرحنا نصف ساعة. كان القادة يستقرونــازوكي ــه ب تحت جسر بالقرب منا. كان بينهم الحاج رضا دستواره، أسد الل

وعدة أفراد من وحدة استطالع العمليات.

1 . : الشكل الهاللية السواتر ذو الصاروخي الموقع قصد ربما

270

خذ القرار حــول العمليــة الليليــة لكتيبــة حمــزة في تلــك في ذلك المكان ات - أم القصــر واحتالل الليلة نفســها. كــان القــرار: التقــدم على جــادة الفــاو

الجسر الكبير الذي يبعد أربعة كيلومترات إلى األمام، ومن ثم يقوم عناصر التخريب في الفرقة بتدمير الجسر، وبعد ذلك تشكيل خــط هجــومي جديــد

خلف الجسر واستحداث قناة لتأمين مياه مصنع الملح.

بعد أن أصـبحت خطـة العمليــة حتميـة جاءنـا أمـر جديـد بـالتحرك. الحافـة األماميــة لمنطقــة القتــال كــانت مقصــدنا التــالي. كــان الســيد مجتهــدي -

- يسير بمحاذاة الطابور ويردد ذكــرا للــه يهبــه المساعد األول لقائد الكتيبةوللشباب قوة القلب:

- يا منزل السكينة في قلوب المؤمنين!

في تلك الليلة قطعنــا كيلومــترا واحــدا خالل ثالثــة أربــاع الســاعة. الجميــع.عليهم السالممشغول بذكر الله وبالتوسل بالمعصومين

كنت قلقا جدا. قلق مقداره ألف ضعف من قلق التلميذ الــذي يشــارك في االمتحانات الرســمية للــدخول إلى الجامعــة. لم نكن نــذهب لنواجــه ورقــةــز بالعتــاد في ســاحة وأربعة أسئلة، بل كنا عازمين على مقارعة عــدو مجه القتال أتى إلى أرضنا لسحقنا. طبعا، في تلــك األثنــاء، نحن من كــان يبحث عن موطئ قدم في أرضه عســى أن نســتحوذ على ورقــة رابحــة. لقــد زاد من قلقنا عدم معرفتنا بأرض العــدو. بالنســبة لــذلك التلميــذ لم يكن خطــر الموت وبتر األعضاء واألسر محدقا به، فيما نذهب نحن إلى معركة حلواها و"مقبالتها" المدفع والهاون والرشاش واللغم والقصف الجوي. أضــف إلى

بعــد أشــهر من الجهــد والســعي- الــذي أواجهــه ذلك أنــه االمتحــان األول -والشبان اليافعين أمثالي.

271

ــا ــان لبنيتن ــذلك ك ــل. ك ــذا القبي ــان من ه لم يســبق أن شــاركت في امتحا إلى العراقــيين المتعجــرفين الجسدية وقوتنــا البدنيــة حكايــة أخــرى قياســ

الذين كنا قد سمعنا عن أوصافهم ورأينا صورهم.

ما ذكرته هو واحد من االضطرابات الكثيرة، وقد بقي عالقا في ذهني، تلكاألرض المجهولة والمعركة التي تقطع األنفاس.

مع ذكر الله تعالى والمعصــومين األربعــة عشــر األطهــار، تالشــى كــل هــذا القلق بالنسبة لنا جميعا وكنا نؤنس قلوبنا أننا حملنا دماءنا وأرواحنــا بأكفنــا

ــدي1ووضعنا أرجلنا في طريق يحمل مشعله "شيخ جماران" لذلك فإن األي الغيبية سترعانا وتحفظنا بكــل تأكيــد. وحتمــا فــإن كــل مــا يصــيبنا في هــذا الطريق الذي اخترنـاه بأنفسـنا ســيكون خـيرا، وكـل مـا ســيحدث سـيكون

جميال.

بعد وقفــة على الحافــة األماميــة حــان وقت االنفصــال. فــانطلقت الســرية األولى. كــان مقــررا أن يقــوم الفصــيل األول وفريــق من الفصــيل الثــاني بتطهير الجهة اليمنى من الجادة، وعهد أمر تطهير الجهة اليسرى منهــا إلى الفصيل الثالث والفريق اآلخر من الفصيل الثاني، وأيضا على كال الفريقين

التقدم بقدر ما يستطيعون.

بعد أن عبرنا الســاتر الــترابي ركضــنا قليال، ومن ثم تقــدمنا زحفــا وبجســم منحن من الجهة اليمنى للجادة إلى الجهة اليسرى منها. وبعـد ذلـك مشـينا مشية البطــة. رأيت أول دبابــة محترقــة على الجــادة. كــان جنــدي عــراقيــدة يتمشى إلى جانبها، وقد وصلنا ونحن نمشي مشية البطة إلى مسافة ع

وجعلنا ﴿أمتار منه. لقد أعمت عيناه اآلية الكريمة :

الخميني 1 .اإلمام سره قدس

272

ولم تسمع أذناه أيضا األصوات المحيطة. 1﴾من بين أيديهم سدا..

أوصل إلينا الشخص الذي أمامنا خبرا مفاده: "يبدأ الهجوم عند انفجــار أول قنبلة يدوية وتكبير العم حسن" تم تحرير "أمــان" األســلحة لتصــبح جــاهزة

لالشتباك. الجميع ينتظر أن يعلو ذانك الصوتان.

ــا، فلم ما إن بدأ الهجوم حتى امتأل جسم ذلك العـراقي الســيئ الحــظ ثقوب يكــد يصــل صــوت انفجــار القنبلــة وتكبــير العم حســن إلى مســامعنا حــتى استهدف عدد من الشباب ذلك المسكين برشاشاتهم، بعــد رمايــة الشــباب تــدفق ســيل من رصــاص العــدو نحونــا. أردت أن أصــل بنفســي إلى فــوق الجادة، ولكن لم أستطع. لقد كــان الرصــاص غزيــرا لدرجــة ال يمكن معهــا التقدم على الجادة. تحركت من الجهة اليسرى للجادة. لم يســتغرق األمــر أكثر من عدة دقائق حتى استطاع الشباب أن يتقدموا خمســين إلى ســتين

مترا إلى األمام، ولكن الخسائر لم تكن قليلة أيضا.

كان محسن كودرزي الجريح األول الذي ضــمدت جراحــه. هــو أحــد شــباب الفصيل األول. لقد رأيته يرجع إلى الوراء يضع يــده على صــدره وقــد تغــيرــه إلى ا. حملت لون وجهه. ما إن رآني حتى نادى: "يا شهبازي" ثم وقع أرضــ جانب الطريق وبدأت أسعفه. كانت رصاصــة قــد أصــابت قفصــه الصــدري وكان جرحه يتعرض للهــواء. لم يكن لديــه خــبرة، فقــط كــان يعلم أنــه في حاالت كهذه عليه أن يضــع يـده على الجــرح ويضــغط عليــه. وضـعت عليــه

شاشا معقما وجبصا )مشمع( حتى ال يسحب الهواء.

1 : اآلية يس، .9سورة

273

تحسنت حاله قليال بعد أن ضمدت جرحه جيدا وقال: - بداية عندما أصبت بالجراح كان الرصاص غزيرا جدا فأخفيت نفســي بين

الجثث. بعد ذلك بقليل عندما انخفضت حدة النيران رجعت إلى الخلف.

كانت الدشم والدبابات العراقية تدمر واحدة تلو األخرى، ولكن كأنــه ال لهــانهاية. كان عناصرهم منتشرين كالجراد.

ــام. بدا واضحا أن تقرير استطالع العمليات لم يكن صحيحا. ذهبت إلى األم - يجلس إلى جــانب جــريح. هــو مســعف الفصــيل الثــاني رأيت األخ بهــار -

مهدي شــجاعيان عامــل بريــد الســرية حيث كــان قــد داس على لغم قفــاز فبترت رجاله كالهما، واحدة من األســفل واألخــرى من فــوق الركبــة. وقــد

نزف بشدة. قلت لبهار: "هل تريد مساعدة؟".- "كال، اذهب واهتم باآلخرين".

وجدت أن مهدي أصيب بجرح في صدره كان بهار قد ضمده. تحــدثت معــهقليال لكي أسليه وأعزيه، فكأنه لم يسمع صوتي.

كان يلتف فجأة، وأحيانا يحاول الجلوس ليرى رجليه المقطوعتين، ومن ثمــنزيف لم ــار(، ولكن ال ــد. نفــد الشــاش من المســعف )به يســكن من جدي

يتوقف. ربط بهار كوفيته بالجرح أيضا، ولكن من دون جدوى.

- وسأل: وصل معتمدي -وكان مسعفا في الفصيل الثاني أيضا- أال تريد مساعدة يا أخ بهار؟

قبل أن يتفوه بهار بكلمة قلت:- أنا موجود هنا، اذهب أنت.

274

.1مضى األخ معتمدي واستطاع بهار جاهدا أن يوقف النزيف

بعد أن ارتاح بالي انطلقت. وصلت إلى طابور )رتــل( العــدو المؤلــل الــذي لم يكن لــه نهايــة. رأيت معتمــدي هنــاك وقــد استشــهد إلى جــانب جــريح

مستلق بجانبه. ذهبت إليه ألكمل عمل معتمدي الذي لم ينته منه.

قال الجريح بغصة ومرارة: - لقد استشهد من أجلي. لو لم يكن مشغوال بتضميد جراحي لما استشهد، كان يضمد جرحي عندما سدد نحوه أحــد العراقــيين من تحت الدبابــة. لقــد رأيته ولكن انعقد لساني ولم أســتطع الكالم. لم ينتبــه إلى العــراقي مهمــا

حاولت تنبيهه.

كان يعتقد أنــني أتــأوه بســب جــرحي وألمي، ولكــني كنت قلقــا عليــه. فينهاية المطاف فعل ذلك العراقي فعلته..

كان يبكي. أنا أيضا خنقتني العــبرة أنــه لمــاذا ال يحمــل المســعفون ســالحا صغيرا يدافعون فيه عن أنفسهم. حتى لو انتبه معتمدي إلى ذلــك العــراقي

ماذا كان يستطيع فعله )وال سالح بيده(؟

ا. كــانت ــة حمــزة عملهمــا أيضــ ــة في كتيب ــة والثالث ــدأت الســريتان الثاني بــا وآخــذ بطــرف نقالــة االشــتباكات شــديدة. كنت أضــمد جــراح شــاب حين

الجرحى لننقل جريحا إلى الخلف حينا آخر.

ــعف لو لم أضمد جراحه وبقي على األرض الستشهد من شدة النزف والضوالبرد.

في إحدى المرات عندما أوصلت أحد الجرحى إلى نقطة االنفصال وجــدت فوضى عارمــة هنــاك. كــان نــاقلو الجــرحى يحضــرون المصــابين إلى ذلــك

المكان، ويضعونهم أرضا ويذهبون. كان بعض الجرحى

1. النزيف شدة من استشهد ولكنه الميناء، رصيف إلى إيصاله استطاعوا أنهم سمعت الحقا

275

بحاجة إلى اهتمام أكثر.

جلت قليال في المكان هناك. على بعد أربعين مترا من الجادة وجدت غرفةــ . دخلتPlateبنيت جدرانها من حجارة الباطون وصنع سقفها من ألواح الـ

إلى الغرفة وأضأت المصباح اليدوي. كانت فارغة تقريبا. بــدا لي أن أجعــلا صــغيرا. في تلــك اللحظــة رأيت نــاقلي من ذلك المكان مستشفى ميــداني

الجرحى يضعون حمالة على األرض، ناديتهم:- يا أخ، أحضر الجريح إلى هنا.. أحضر الحمالة إلى هنا..

ا هكــذا كــانت انطالقــة هــذا المستشــفى، وجــدت مصــباحا )ســراجا( نفطي وأشعلته. شــع نــور خفيــف في تلــك الغرفــة الصــغيرة. بعــد دقــائق امتألت الغرفة بالجرحى. ومنذ ذلك الحين أصبحت سيارات اإلســعاف تقصــد ذلــك المكان لنقل الجــرحى. تحت ضــوء ذلــك المصــباح النفطي كنت أنظــر إلىــا ضمادات جراح الجرحى. فكنت أضمد مرة أخرى الجراح التي لم يعتن به بشكل جيد، وأترك الجراح التي أتقن المسعفون ضــمادتها. بعــد ذلــك كنت

أخرجهم أيضا إلى خارج تلك الغرفة ريثما تأتي سيارة اإلسعاف وتنقلهم.

ــر فجأة أحضروا عددا من الجرحى بحاالت حرجة. واحد خرجت أمعاؤه وآخ قطعت رجله، وجريح وقع في مياه خليج عبد الله المالحة، وذاك فقد عينه،

وآخر تعرض لعصف انفجاري ولم يكن يدرك ما الذي يفعله.

فقدت القدرة على متابعة العمل، طلبت العون من الله:- يا منزل السكينة في قلوب المؤمنين، أدركني!

ذكرت هذا فســكنت نفســي واســتأنفت عملي من جديــد، ولكن أي عمــل؟في تلك األثناء كانت الثواني واللحظات مصيرية. فحين كنت

276

ا على معالجة أحدهم، كنت أعلم أن العد العكسي لحياة جريح آخر قد منكب بدأ وربما تنتهي حياته إن تأخرت بإسعافه. أدت جــراحهم البالغــة وحــاالتهمــه ــريح ألداويـ ـا كنت أذهب إلى جـ ــ ــطرابي وقلقي. أحيان ــة إلى اضـ الحرجـ

فيموت، فتغمرني كل أحزان العالم. كنت أعتبر نفسي مسؤوال عن موته.

لم يعد لدي الكثــير من العمــل في تلــك الغرفــة الصــغيرة فــانطلقت مــرة بدون أسلحتهم أخرى نحو ميدان القتال. كان شباب كتيبة األنصار قد أتوا -

- لمساعدة ناقلي الجرحى. تقــدمت إلى قلب المعركــة. مــا زالت مســافة تفصلني عن الطالئع األولى حيث وجدت عامل بريد السرية جريحا. كان قد أصــيب في وجهــه وجبهتــه. ذهبنــا معــا إلى مكــان آمن كي أضــمد جراحــه.

سألته:- كيف أصبت بالجراح؟ أين تشعر باأللم..

ا واقفـا أمـامي. كـان يحمـل - عندما عبرت عن رتل الـدبابات رأيت شخصــ رشاشا بأخمص حديدي قابل للثني. اعتقدت أنه حســين فيــاض نــائب قائــد الفصيل. ناديته: يا حسين، هل هــذا أنت؟ ســحب أقســام رشاشــه قبــل أن يلتفت إلى الخلف. أدركت أنني أخطأت، ولكن متــأخرا جــدا. التفت خلفــه. عينان واسعتان ووجه أسود وشاربان عريضان. لم أكــد أتحــرك من مكــاني حتى ضغط على الزناد ورماني بصلية من الرصــاص. من بين تلــك الصــلية أصابت رصاصة يدي ثم وقعت أرضا. بعد ذلك اقترب مــني. وضــع ســبطانة سالحه على رأسي وأطلق علي رصاصة الرحمة! فتنـاثر الـدم على عيـني.ا. فتحت عيــني رويــدا رويــدا. كــان رأســي لم أكن أصدق أنــني مــا زلت حيا يؤلمـــني ولكن ليس هنـــاك مـــا يشـــير إلى عـــالم المـــوت، مـــا زلت حي

فالرصاصة قد احتكت بجمجمتي

277

وذهبت. عندما أدركت جيدا مــا الــذي حصــل ومــا يــدور حــولي نهضــت منمكاني ورجعت إلى الخلف.

أخبرني بقصته بعــد أن لففت يــده ورأســه بالشــاش بشــكل جيــد، ومضــىوتركني أفكر في مشيئة الله.

إلى األمام أكثر، بين مدرعات العــدو، وجــدت جريحــا يتــأوه ويئن من األلم. كان قصير القامة ونحيفا. كان الظالم حالكا هناك. بدا لي أنه "ما شاء اللــه

نانگير" الذي كان يعمل في وحدة اإلعالم في الكتيبة.

ضمدت جرحه. بعد أن فرغت من عملي سألته:- يا "ما شاء الله " هل هناك جرح آخر؟

فارق الحياة في تلك اللحظة. فلم يصدر منه صوت أو نفس بعد ذلك.

قلت: هنيئا لك يا "ما شاء الله "! لقد بلغت مناك..

فجأة أضاءت قذيفة مضيئة السماء فوق رؤوسنا. نظرت فوجدت أنــه ليس "نانگير" ولكنه جريح عراقي ذو وجه خشن وشاربين عريضين. كان جسمه وبنيته أشبه "بنانگير". شعرت بالخوف وغضــبت، من الوحــدة ومن الحــزن واألسى الــذي بذلتــه لــه. امتألت يــداي وثيــابي ورأســي ووجهي دمــا. لعــل

انتابني الخوف ودهمني عندما رأيت كل هذا الدم خالل زمن قصير.

تذكرت مقولة مــدربنا في وحــدة الرعايــة الصــحية حيث قــال: "يجب أن الــراد يخاف المسعف من الدم، وإال فإنه سيفقد معنوياته ويعتقد أن جميع أف الفصيل أو السرية قد استشهدوا.. ". وفي مقولــة أخــرى: "يجب علينــا أن نفكر بــالجرحى وأن ال نهتم بالعــدو وبخســائرنا. علينــا أن نحصــي الجــرحى

حتى ال يكون فكرنا وعملنا في المكان غير الصحيح".

278

عددت الجــرحى الــذين ضــمدت جــراحهم فوجــدت أنهم حــوالي العشــرينــد داع ــائال: إذا ال يوج ــا. عــزيت نفســي ق ــة جريح ــق. رجعت إلى غرف للقل

اإلسعاف فوجدت أن الجريح الذي كان قبــل نصــف ســاعة هنــاك مــا يــزالموجودا في مكانه يئن من األلم. سألت: "ما الذي يحدث هنا؟".

قالوا: "ال سيارة إسعاف هنا".

تذكرت نائب مسؤول وحدة الرعاية الصحية في الغرفة الــذي كــان يســعىلنقل إسعاف بواسطة زورق خاص. ذكرته بالدعاء له في قلبي.

كان الحاج رضا دستواره موجودا هناك. قلت له:- يا حاج، لدينا عدد كبير من الجرحى. إن لم نوصلهم سيفارقون الحياة..

- أخبرناهم بواسطة جهاز الالسلكي. وهم في طريقهم إلينا.

مهمــا انتظرنــا لم يحــدث شــيء. كنت بحــال من الغضــب إذ لم أتمكن من فعــل شــيء للجــرحى. وقعت عيــني على آليــة إي?ا عراقيــة. ذهبت إليهــا ومهما حاولت أن أشغلها لم تعمــل. لم أكن أســتطيع البقــاء ســاكنا. عــدتــا لهم. مرة أخـرى إلى غرفــة اإلســعاف ألكــون بالحــد األدنى مســليا ومعزي

هكذا كنت بنفسي أهدأ وأسكن أيضا.

وصــلت ســيارة الجيب القياديــة لرضــا دســتوارة. كــانت تــؤدي دور ســيارة اإلســعاف في غيابهـا، مألنــا الســيارة بــالجرحى المحمــولين على نقالـة، أو اآلخرين الذين يستطيعون التحرك حتى يتم نقلهم بسرعة. لم أعد أستطيع

القيام بأي عمل هناك فقصدت ساحة القتال مرة أخرى.

فجأة، بين رتل الدبابات، رأيت مجروحا إلى جانب دبابة مشتعلة

279

ــه كـان أحــد قد شبت به النار ولم يكن باستطاعته أن يخلص نفسه. تبين أن العاملين بنقل الجرحى، وقد ذهب ليحضــر جريحــا، كــان قــد ضــمد جراحــه مسعف واســتطاع أن يحضــره إلى الخلــف، ولكن، في اللحظــات األخـيرة، شبت به النار. تقدمت إلى األمام، ولكني لم أستطع القيام بأي عمل. وفيــار المحاولة الثانية وضعت يدي على وجهي عسى أن ال يحــترق بألســنة الن الملتهبة، ولكن لم أستطع فعل شيء أيضا. بلل أحد الشباب غطــاء بالمــاء

الراكد إلى جانب الطريق وركض به مقتحما قلب النار لينجي الجريح.

ا وقـد أصـيب بجــراح، ففقـد جـزءا من العظم رأيت حسـين گلسـتاني أيضـ المتحرك في ركبته، وقام المسعفان بتضميد جراحه. كان يرجع بنفسه إلى

الخلف ولم يكن يسمح ألحد بمساعدته ويقول:- اذهبوا واهتموا بباقي الجرحى. أنا في وضع جيد..

في المرة التالية التي ذهبت فيها إلى غرفة اإلسعاف وجدت جرافــة تشــقالساتر الترابي حتى تتمكن سيارات اإلسعاف من التقدم إلى األمام.

ــا ألي لم يكن سائق الجرافة الــذي أحيــط باألصــوات والضــجيج يعــير انتباها على إنهــاء عملــه شيء أو ألي شــخص حولــه، وكــان جــل اهتمامــه منصــب بأسرع وقت ممكن. كاد -ذات مرة- أن يسحقنا تحت العجلة، ومــرة أخــرى

كاد أن يدفننا تحت رفشه الكبير.

مرة أخرى ذهبت إلى األمــام ألنقــل جريحــا آخــر إلى الخلــف. كــان محمــدــز قمصري، أحد شباب الفصيل األول، وقد أصيب بفخذه وأسفل بطنه. أنج المسعف عمله بحذاقة، واستطاع أن يوقف نزيــف الــدم، ولكن لــون وجــه

محمد كان قد تغير، فقد أصيب بالجراح منذ بداية

280

ــذت العملية، وبقي على األرض حتى ذلك الحين. وضعناه على الحمالة وأخ بطرفها من األمام وانطلقنا. في الطريق تــوقفت الحمالــة بشــكل مفــاجئ وارتفع صوت تــأوه وأنين محمــد. ســحبت الحمالــة عــدة مــرات عســى أن تتحرك ولكن كأنها قد أقفلت ولم تتحرك أبــدا. أمعنت النظـر جيــدا وجـدت

الطرف المسدل لكوفية محمد السوداء قد علق بشريط شائك.

فصلت الكوفية عن الشريط الشائك وفي اللحظة نفسها أدركت أننا دخلنــاــا حقل ألغام. تعجبت كيف أنني ترددت عــدة مــرات في هــذا الطريــق ذهاب

! مرة أخرى أصــاب بدهشــة من مشــيئة اللــه1وإيابا ولم يصبني أي مكروه وتقديره الجاري. قلت في نفسي: لقد كانت كوفية محمد في هذا المشــهد مظهرا لقدرة الله تعــالى، إن لم تكن آيــة ظــاهرة وواضــحة فمــاذا عســاها

تكون؟

الحقا قمت بتفقد المنازل التي بــنيت بشــكل ولــون موحــد، وتــوزعت على الجهة اليمنى من الجادة، عسى أن أجد شهيدا أو جريحا ألنقله إلى الخلف.

خططت جدران هذه المنازل بشكل يساعد في استتارها.

ــان، ما إن تقدمت قليال إلى تلك الجهة حتى بدأ الرصاص يأتيني من كل مك من جهة تلــك المنــازل، من تحت الــدبابات، من الصــحراء ومن المســتنقع،

ولم يكن من مجال للتقدم فرجعت أدراجي.

ــة حمــزة في تلك الليلة تراجعت جميع قوات العمليات )الهجومية( في كتيب ولم تســتطع الوصــول إلى هــدفها. أصــبحت نقطــة االنفصــال هي الحافــة األمامية لمنطقة القتال مجددا. ما زال الجرحى في داخل غرفــة اإلســعافا. قــاموا بتجبــير يــد أحــدهم ولكنهــا كــانت مــا زالت وخارجها ممددين أرضــ

تؤلمه. جلست وفككت ضمادة جرحه ووضعت

1. المكان ذلك من األلغام من كيسا جمعوا التالي اليوم صباح في

281

عليها جبيرة مرة أخــرى بعــد ذلــك علقت يــده برقبتــه بواســطة ربطــة، ثمألصقتها بصدره حتى ال تهتز. ما إن خف ألمه حتى شكرني.

ــا ســيارة ال زال صوت السيد رضا دستوارة بواسطة الالســلكي يــتردد طالبإسعاف من الخلف:

من عندك.1- أسد - أسد، رضا.. يلزمنا "ممقاني"أجبته:

- من بين الجرحى يوجد عدة أشــخاص لــديهم جــراح شــفاطة في الصــدر،وعدة آخرون مصابون بنزف وريدي..

أجابني بمحبة ولطف:-عافاك الله.. على عيني.. قواكم الله..

ومرة أخرى ينــادي صــارخا عـبر الالســلكي على القــوات الخلفيــة. لم يبــقــق رمــق في متسع من الوقت حتى يطلع النهار واقترب بزوغ الفلق. لم يب

جسمي. كان شباب كتيبة األنصار يرتبون دشم الحافة األمامية.

جاء أمر يقضي بأن يجهز عناصر كتيبة حمزة أنفسهم للرجوع إلى الخلــف،الرجوع إلى المكان ذاته الذي كنا فيه عند الغروب.

انطلقنــا في طريــق العــودة مشــيا على األقــدام. جــاء الكثــير من عناصــر االحتياط إلى الحافة األمامية للمســاعدة ولم يكن شــيء لينتج من جســمناــاردا المرهق ومعنوياتنا المهزومة. عبرنا مثلث مصنع الملح. كان الطقس ب

جدا.

فجأة سمعنا صوتا جعلنا نقف في أماكننا من دون حركة:- قف.. قف..

1. الالسلكي جهاز على إسعاف لكلمة رمز المشفرة الكلمة هي

282

قلت بصوت عال:- نحن قوات صديقة..- ماهي كلمة السر؟

- نحن قوات صديقة، من شباب كتيبة حمزة.. أتينا من الخط األمامي..

عندما تأكد من كوننا قوات صديقة أظهر نفسه وقال:- يا أخي، تعال إلى أسفل.. الجادة في مرمى نيران المدافع المباشرة.

ــترابي. أصغينا إلى كالمه والتعب باد علينا وبدأنا بالسير على كتف الجادة ال وبعد دقيقة واحدة أصابت قذيفة مباشــرة المكــان الــذي كنــا فيــه بالضــبط

فانبطحنا جميعا على األرض.

كانت تراودني أفكار مشوشــة. كــان ذهــني كطــائر غــدا فريســة للعاصــفة،يطل في كل لحظة على مكان، يذهب ويأتي.

ــعنا فتراه تارة في المخيمات التي كنا فيها، وأخرى في التدريبات التي خضلها، وثالثة يعرج على قصص الليلة الماضية.

ــرية األولى ــط من الس ــراد فق ــة أف ــان ثماني ــر، ك ــلنا إلى المق ــيرا وص أخ موجــودين هنــاك. صــلينا صــالة الصــبح ونحن نرتــدي ثيابنــا المليئــة بالــدمــا ــتيمم. كنت تعب ــالتراب بعــد أن أســبغنا ال وجســمنا المعــرق والممــزوج ب ومرهقا، أشعر بالنعاس ويكاد النوم يغلبني، وبطــني ال طاقــة لهــا وال صــبر على الجوع. حصلت على علبــة فواكــه معلبــة من الــدعم. ثقبتهــا وشــربت ماءها فردت روحي إلي قليال. قلت في نفسي: الشهداء اآلن ضــيوف على

عليهامائدة سيدي أبي عبد الله الحسين عليه السالم وأمه فاطمة الزهراء وأنت تفرح بالتفاح المعلب هذا! بعد ذلك أنبت نفسي السالم

283

بكل ما خطر على بالي، ونــدبت ســوء حظي وعــدم ليــاقتي وتفــاهتي.. ثمغلبني النوم من شدة التعب.

لم أكد أستيقظ من نومي الذي استغرق عدة ساعات، وقبــل أن أنهض من مكاني حتى بدأت تلك الحرب الذهنيــة تــدور في رأســي: هي حــرب، وهي عاصفة، سؤال وجواب، تأنيب واستجواب وأحيانا أمل أيضا وبشارة أنــه مــا زالت الفرصـة سـانحة. لقـد قلت في نفسـي وأنـا أبكي: إلهي، إذا لن أرى شباب الفصيل الثــالث بعــد اآلن؟ أين هم شــباب الســرية األولى اآلن؟ ألن أسمع صــوت محســن بعــد اليــوم؟ أين محمــد عليــان نجــادي، محمــد أمين شيرازي، معتمدي واآلخرون.. لقد استشهدوا جميعهم؟ خــرجت من العنــبر حتى أرى شخصا ليهدأ روعي، ولكني لم أجد أحدا. حتى إن التقيت بأحد ما فالجميع حالهم كحــالي. كــأن كتيبــة حمــزة قــد اســتحالت مــاء وذهبت إلى

باطن األرض، أو ربما إلى السماء.

كنت أبكي وأتمشى وأبحث عمن يسليني، ولم أجد أحــدا. لقــد ذهب جميــعأصحابي، فهم إما شهيد أو جريح، لم يبق أحد منهم أبدا.

وأنا على هذه الحال واألوضاع وصل الحاج بخشي يحمل معه آلــة التصــويرخاصته. ما إن أتى إلي حتى قلت باكيا:

ــوم رجــع بعض - ما الذي تريد أن تصوره؟ أنني لم أستشهد؟! في ذلــك الي الجــرحى الــذين كــانت جــراحهم طفيفــة إلى الكتيبــة فــازداد عديــد قواتهــا عشرة إلى عشرين عنصرا، كان سيروس مهدي پور وحميد رضا رمضــاني من جملة هؤالء. كان سيروس قد لف رجله بالشــاش، فيمــا لــف رمضــاني

رأسه.

هل العمل لم يكن ليتقدم من دونهم؟ أو هل للعمل أن يتقدم كثيرا

284

بوجــودهم؟ أو أنهم وجــدوا أنفســهم يــدينون ألصــحابهم الشــهداء، فرجعــوا ليحاربوا حتى آخر قطــرة من دمــائهم وآخــر نفس يتنفســونه؟ إن كنت أنــا

مكانهم هل كنت سأرجع؟

كنــا ثالثــة أشــخاص، أقمنــا صــالتي المغــرب والعشــاء جماعــة. كــان إمــام الجماعة يقرأ سورة الفاتحة ويبكي، يقرأ سورة بعدها ويضج بالبكاء، يقــول

ذكرا ويبكي، وكذلك كانت الحال بالنسبة للمأمومين!

عند غروب يــوم الخــامس عشــر من شــباط غادرنــا الموقــع "الصــاروخي"ــه عــدة ــذي يبعــد عن ــا إلى الموقــع الصــاروخي "ذوذنقــة" ال الهاللي وذهبن كيلومترات. الموقع األول هو في هذه الجهة من الجادة بينمــا يقــع الموقــع اآلخر في الجهة األخرى منهــا. في هــذا الموقــع الــذي أقيم على خليج عبــد الله كانت قوات كتيبة مالك تدافع دفاعـا ســاحليا لتحــول دون تقـدم العـدو

من الماء. هناك حرست عدة ساعات.

في ليلة الثامن عشر من شباط صنعنا طعاما ساخنا وجيدا للعشاء لنتناولــه كــانت رائحتهــا مســكرة.1معا، "يخنة القيمة" بالبهارات والحامض المجفف

لدرجة لم ندرك كيف أقمنا صــالتنا. كنــا نتجهــز للجلــوس إلى المائــدة حين سمعنا صوتا يشبه نداء قائد الكتيبــة يصــل إلى مســامعنا من خــارج العنــبر

الدافئ والناعم والمضيء. ركضنا إلى الخارج، قال القائد: - ليتجهــــز كــــل من يريــــد المشــــاركة في العمليــــة. عديــــد قــــوات

االنقضاض)الهجوم( قليل.. كل من يريد التبرع ليكن جاهزا.. يا علي..

كان نائب قائد الكتيبة برفقته. قال:

1 . عماني ليمو

285

ــا - اليوم ستنقض كتيبة حبيب على خط العدو، ومن المقرر أن تنجــز فرقتن عجــل اللــه تعــالى فرجــهالمهمة الليلة، باإلضافة إلى فرقــتي "ولي العصر

" و"علي بن أبي طالبعليــه الســالم". علينــا احتالل جســر جــادة أمالشريفالقصر وإن شاء الله سوف تتم السيطرة عليه..

لم يكن ذلك الطعام اللذيذ من نصــيبنا. وقفت شــاحنة تويوتــا -من الطــراز الحديث- مشــغلة المحــرك أمــام عنــبر القيــادة وكــان الشــباب المتــبرعون يركبون فيها. استخرت اللــه بحضــور قلب وذكــر الصــلوات وفتحت قــرآني

ــة: ــني على اآلي ــوقعت عي ــرت ف ــبي. نظ ﴿فيهمIIا فاكهIIة ونخIIلالجيان من سورة الرحمن. أصبح قلــبي مســتنيرا. ازددت يقينــا أن ذلــك1﴾ورم

الطريـــق الصـــعب هـــو مســـير الســـعادة وإدراك النعم واللـــذات اإللهيـــة والمعنوية. جهزت حقيبة اإلسعاف وأخــذت عتــادي وهــربت من تلــك الــدنياا، وعــذابات جمــة وشــهادة ــر بعــدها إال عمال يبقى ناقصــ الدنيــة الــتي لم ن األصدقاء، وحتى إنهــا لم تمنحنــا فرحــا ولــو يســيرا. فــررت إلى اللــه وإلى

الملذات الخالدة.

عندما رآني الحاج أميني جاهزا سألني:- ما هو اختصاصك؟

- أنا مسعف.

مباشرة قال: "ال حاجة لمسعف، فقط مساعد رامي آر بي جي.. ".- "يا حاج، الشباب يصابون بالجراح، وجود المسعف ضروري".

وقف وتوجه نحوي قائال:- كما قلت، نريد عناصر قتالية فقط.

اآلية 1 الرحمن، .68سورة

286

ــة ذخــائر ــة كالشــنكوف وحقيب ــة، بحثت فوجــدت بندقي ــد حيل - لم يكن بالي فغدوت مســاعدا لــرامي آر بي جي. األخ المســعف "بهــار" التقــط بندقيــة أيضا وحمل حقيبة وذخائر آر بي جي وغدا مســاعدا مثلي. بعــد ذلــك ركبنــا

وانطلقنا.

بدأ أحــد شــباب اإلعالم الــذي كــان يرافقنــا بإنشــاد نشــيد "كــل هــدفنا هــو عقيدتنا". فتوجه قلــبي نحــو كـربالء ومصــائب يــوم عاشــوراء. ولكــني كنت

عام على تلك الحادثة المفجعة أضــع قــدما1300سعيدا أنني وبعد حوالي ــني إلى ســاحة هي ــق شــهداء كــربالء، وأركب في شــاحنة تحمل على طري ميدان قتال بين حسين زمانــه ويزيــد عصــره الســفاح. شــكرت اللــه إنــني نزعت -بلطف منه- التعلق بهذه الدنيا الدنيــة من قلــبي بســهولة وتحــررت من التعلقات المادية، ووضعت قدمي مسرعا في طريق ســفر مليء بهــذا

القدر من األخطار.

تتقدم الشاحنة بمصابيحها المطفأة في قلب الظالم فيما أتمتم مع نفسي:- يا منزل السكينة في قلوب المؤمنين!

عبرنا من نفق النار واالنفجارات وترجلنا بالقرب من الخط األمامي وأكملناــوم طريقنا سيرا على األقدام. بدا واضحا منذ لحظة وصولنا أن قوات الهج واالنقضاض تفتقر إلى التنسيق والنظم. قالوا: بداية تقوم كتيبــة من فرقــة

.27" بالهجوم ثم تكمــل العمــل كتيبــة "حــبيب" من الفرقــة 7"ولي العصر كانت كلمة السر، السكين والمقص. عندما يواجه شخصان غريبان أحــدهماــبر اآلخــر ويقــول األول: "ســكين" على اآلخــر أن يقــول: "مقص" وإال اعت عدوا. أو إن قال األول: "ما هو لــون كوفيتــك" على اآلخــر أن يجيبــه قــائال:

"لونها أسود".

287

بدأ الهجوم بدون تنسيق. ال أدري هل عناصر فرقة ولي العصرعليه السالمــير بأصــوات أو فرقة علي بن أبي طالب عليه السالم أطلقوا صيحات التكب عالية هناك أمام أعيننا وانطلقوا؟! علمــا أن نقطــة انفصــالهم )انتشــارهم( كانت عند الســاتر الــترابي األمــامي. عنــدما علت أصــواتهم بــالتكبير حــول العراقيون المكــان إلى جهنم، كــانوا يطلقــون في كــل دقيقــة حــوالي مئــةــان يوجــد قذيفة هاون تنفجر جميعها حولنا، وقد التصقنا بالساتر الترابي. ك

ملم تــرد على مصــادر النــيران العراقيــة60إلى جانبنا قبضة)قطعة( هاون بشكل منتظم ودائم.

تــدك خــط الــدفاع27أيضا كانت دبابة تابعة لوحدة المدرعات في الفرقــة العراقي بالقذائف المدفعية والمباشرة. فيما نحن كنا كقــوة احتيــاط، وقــد

جلسنا إلى جانب حفرة النيران هذه ننتظر األوامر.

كنا منشغلين بالمشاهدة عندما جاء مقاتل إلى متراسنا وقال: - أيها األخوة، لقد وصلت سيارة الــذخائر، إن لم نتحــرك بســرعة ســتتطاير

السيارة في الهواء.. تعالوا لنفرغ الصناديق من السيارة.

لم يصغ أحد إلى كالمه. قلت لبهار: "هيا بنا نذهب للمساعدة".

قال بهار: "الذخائر ضرورية بكل تأكيد. مــا زلنــا في بدايــة االشــتباك، ولكنأن يذهب واحد منا أفضل، فإن لدينا مهمة أخرى".

أجبته مباشرة: "إذا أنا سأذهب.. أنت ابق هنا".

ــناديق،81ذهبت ونقلت عدة صناديق تحوي ذخائر هاون ملم. بقي عدة ص " عراقية حــالت دون نقلهــا. اســتطعت11فقد سقطت قذيفة "آر بي جي

التملص من القذيفة األولى ولكني أصبت من القذيفة الثانية.

استلقيت على اإلسفلت فأصابت شــظيتها ســاقي. جلســت ووضــعت يــديعلى الجرح. كان الدم يتدفق. لم أكن أشعر بأي

288

ــار خــارج ــان به ــار حــتى يضــمد لي جــرحي. ك ألم. مشــيت ألذهب إلى به الدشمة مشغوال بتدعيم جدرانها. قبل أن أصل إلى الدشمة أصابت قذيفــة دبابة مباشرة الساتر الترابي، حيث كان متراسنا. حــال تــراب الســاتر دون تطاير الشظايا، ولكن بهار والدشمة امتزجــا بشــكل لم يعــد شــيء واضــحا في قلب ذلك التراب والغبار. عندما انحســر الغبــار رأيت بهــار بين أنقــاض

ا وقد أصيب بالجراح. الدشمة المنهدمة. كان حي

عندما وصلت إليــه نســيت أوجــاعي. كــان الــدم يغطي وجهــه بالكامــل، لمأستطع أن أساعده كثيرا فقد نقلوه بسرعة. شعرت باالرتياح.

ضمدت جرح رجلي مستخدما تجهيزات اإلسعاف التي بحوزتي. كنت أشعربحدة الشظية وألمسها بيدي. أستطيع البقاء أو الرجوع.

جلست هناك داخل دشــمة نصــف مهدمــة حــتى ال تصــيبني شــظية أخــرى. سمعت من الدشمة المجاورة صوت تــأوه وأنين. كــان الصــوت يصــدر من

جريح. صرخت:- مسعف.. نريد مسعفا..

لم يسمع أحد صــوتي في وســط جهنم تلــك المليئــة باألصــوات والضــجيج.

ذهبت إليه. وجدت جراحات ثالثا في صدره. هو نفسه أحد مسعفي كتيبتنا. كانت حاله تبدو وخيمة. وضعت يدي على صدره. كان قلبه ينبض ببطء. إنه

بحاجة إلى تدليك قلبي وتنفس صناعي.

ن بدأت القيام بأعمال إسعافه. وصل أحد المقاتلين. استطعنا معا أن نحســ حاله. أفاق ثم غاب عن الوعي مجددا. لم أعــد أســتطيع القيــام بــأي عمــل

هناك. أصبحت حالي أكثر سوءا.

كنت أخشى أن أتركه هناك فيفارق الحياة. ولكني أنا نفسي لم يعد

289

ــا1لي طاقــة على البقــاء. في النهايــة تركتــه وحيــدا . ســحبت نفســي زحف وانطلقت نحو الخلف وأنــا أعــرج. وصــلت إلى حاويــة حيث طــوارئ الخــط األمامي. كان صوت الجرحى يعلــو من داخلهــا. مــا إن دخلت حــتى نــادانيــل أحدهم. كان األخ "بهار". كان صوت االنفجارات من حولنا يدوي في داخ تلك الحجرة الحديدية ويبدو مهوال. في الصباح الباكر وصلت عدة ســيارات إسعاف ونقلت الجرحى الذين كانت أحــوالهم وخيمــة. كــان عــددهم كبــيرا

لدرجة لم أحظ بفرصة لنقلي. أخيرا جاءت آلية نقل الجند وقال سائقها: - كل من هو هنا عليه أن يركب، إنهـا وسـيلة النقـل األخـيرة، من ال يـركب

عليه أن يرجع سيرا على األقدام..

ــاخبة ــيران الص ــا من قلب الن ــدي وعبرن ــان الحدي ــك الحص ــا على ذل ركبنسالمين.

عبرنا نهر أروند في ظهــر اليــوم الثــامن عشــر من شــهر شــباط، وســجلوا الميــداني، ثمعليها الســالم اسمي وعنواني في مستشفى فاطمة الزهراء

أرسلت إلى األهواز بعــد معــاينتي وتضــميد جــرحي. أجــريت صــورة أشــعة لرجلي في مستشفى الشــهيد بقــائي في األهــواز. في غــروب ذلــك اليــوم

أيضا ركبت القطار متوجها نحو مدينة طهران.

ــة إلى ــوني من المحطـ ــة قم. نقلـ ــاكر إلى مدينـ ــباح البـ ــلنا في الصـ وصـــان ــاء ك ــة األطب ــد معاين ــاك وبع ــة قم. هن ــوئي" في مدين ــفى نك "مستش

تشخيصهم أنه يفضل عدم إخراج الشظية ألن عصب رجلي ما

القطعة ) 1 في طهران في الزهراء جنة مقبرة في أتمشى كنت عندما ، يوما عشرين نظري( 53بعد لفت. . . قبره بالطة تغسل العجوز أمه كانت بذاته هو كان مكاني في وتجمدت شهيد وجه

290

زال سالما. بعد ذلــك غســلوا جــرحي ونظفــوه وعقمــوه، ومن ثم ضــمدوهوأرسلوني بسيارة اإلسعاف -بالطبع مع عكاز- إلى منزلي في طهران.

عند باب المنزل فكــرت لــو أن والــدتي رأتــني بلبــاس المستشــفى أحمــل عكازا فإنها ستصــاب بســكتة قلبيــة - ال قــدر اللــه. أعطيت العكــاز لســائق اإلسعاف، ولم أطرق الباب، بل ناديت أخي من وراء الباب الخــارجي. جــاء وفتح البــاب. أخــذت العكــاز من الســائق وأعطيتــه ألخي، وغــادرت ســيارة اإلسعاف. تقدمت حتى باب الغرفة من دون عكــاز وبــدون أي ضــجة. كــانلدى أمي ضيوف. دخلت الغرفة، جلست في إحدى الزوايا وألقيت التحية.

التفتت والدتي متعجبة إلي وقالت والفرحة تغمرها:- السالم عليك يا روح أمه!

وقفت وتقدمت نحوي. لم أســتطع الوقــوف. جلســت إلى جــانبي، أخــذتني بأحضانها وقبلتني. حتى اآلن لم تعرف شيئا عن إصابتي. نظرت إلى رأسي

وصدري وعانقتني مرة أخرى.

لقد تحررت من كــل ذلــك التعب واأللم، والعطش والضــغط الــذي الزمــني لعدة أشهر وشعرت بالسكون والراحة تماما كما أشعر عندما أقرأ القــرآن

أو أدعو بدعاء.

لم يطل أمر إخفائي لما أصابني فأدركت والدتي كل شيء. سألتني:- ما هذه الثياب التي ترتديها؟ لماذا ال تثني رجلك؟

طأطأت رأسي وقلت:- أصبت بجرح طفيف. ليس شيئا مهما.

ودعت أمي ضيوفها وجاءت إلي. ال مناص لي من أن أجيب عن

291

أسئلتها. فأجبت عنها كلها بالصدق والحقيقة.

تحسن جرح رجلي سريعا، ولكن ذكريات تلك الليلة والعبر التي أخذتها من مشاركتي في تلك العملية بقيت عالقة في ذهـني، وغـدت مصـباحا يضـيء

لي الطريق وال يفارقني.

في تلك الليلة كان "أحمدي زاده" قد أصيب بجراح. ذات يوم قرأنا معا فيــا من أخالقهم وروحيتهم ــ ــة، ونهلن ــ ــهداء المدون ــ ــات الش ــ ــران ذكري ــ طه ومعنوياتهم. في ذلك اليوم أدركت قيمة عمل أحمــدي زاده، وكــذلك قيمــة

تلك الكتابات.

كنت حاضرا في الجبهة، ولكن هذه المــرة لم1986في ربيع وصيف العام أكن في كتيبة حمزة. سمعت أن أحمدي زاده أصيب مرة أخرى ببطنــه في خط الفاو الدفاعي في أواخر أيام الربيع. كانت هذه هي إصابته الثانية. في

خريف ذلك العام التحقت مرة أخرى بالفصيل األول.

استشهد "سيروس مهدي پور" في خط مهران الــدفاعي في أواخــر فصــلالخريف.

60في تلك األثناء كنت في الدشمة المجاورة عندما سقطت قذيفة هاون )ملم( على دشمتهم، واستشهد هو باإلضافة إلى ثالثة أشخاص آخرين.

بعد ذلك الحين، ازدادت مرافقتي ألحمدي زاده. في فصل الشتاء من ذلــك ".5العام)الشمســي( شــاركت أنــا وأحمـدي زاده معـا في عمليــة "كـربالء

خالل تلك المدة كنت أساعده في الحصول على ذكريات مدونة من زمالئنافي المعارك.

، ذات ليلة طلب مني أن أدون له ذكرى. 1987في آذار من العام

292

استغرقني األمر أسبوعا لكي أكتب شيئا وأعيد الدفتر إليه.

" في شــهر8في النهاية، استشــهد أحمــد أحمــدي زاده في عمليــة "كــربالء ، إلى جــانب قنــاة ســمك شــلمجة، وبقي جثمانــه في87نيسان من العــام

ــا منطقة القتال. أنا أيضا كنت موجودا في تلك الليلة. وقد انتهى األمر ليلته . وضــع13/2/1986بالتراجع واالنسحاب تماما، كمــا حصــل في عمليـة ليلة

زمالؤنا جثمانــه إلى جــانب الجــادة حــتى ينقلــوه إلى الخلــف عنــدما تســنح الفرصة. ولكن هجوم العراقيين المعــاكس في ســحر تلــك الليلــة، لم يــدع

مجاال للقيام بهذا العمل.

حتى اآلن لم يرجع جثمانه الطاهر. ربما يكون في مقــبرة جماعيــة أو ربمــا تحت ردم ساتر ترابي، لعله في حقل ألغــام أو لعلــه.. ولكن دفــتر ذكرياتــه

المدونة ما زال حيا باقيا.

بعد نهاية الحرب ما زلت أتتبع أثر ذلك الدفتر القيم، وأتابع مآلــه ومصــيره.ــل في مؤسســة ــة( أعم ــدما كنت في الســبعينات )التســعينات الميالدي عن

ا كتبــوا85الشهيد وصل ذلــك الــدفتر إلى يــدي. أدركت أن من بين شخصــ مذكراتهم في ذلك الدفتر، استشــهد ســبعة وثالثــون. كنت أرغب أن أجعــلــا ومــا اســتطعت. وكــان مآلــه أن عــرض في متحــف من ذلــك الــدفتر كتاب الشهداء أمام أعين الناس جميعا، في شارع طالقــاني في مدينــة طهــران.

- تلــك الـذكريات - بشــكل من األشــكال اليوم أيضا ما زلت آمــل أن أقــدمــل الحاضــر ــق الســوي، من الجي ــاحثين عن الحــق والطري ــة إلى الب الثمين

والمستقبلي. وفي هذا السبيل أعقد أملي على العون من الله تعالى.

293

وثائق الفصل الرابع عشر

الرق الوثائقاالسم والشهرةم

المكتوبةالصور

الوثائق الغيرمكتوبة

دقيقة مقابالت531265علي شهبازي1

الشهيد أحمد أحمدي214225زاده طورزني

دقيقة مقابالت145مع العائلة

دقيقة بصوت25والشهيد

علي شهبازي1 معلومات شخصية1-1

ــد واحــد، يعمــل في مؤسســة ــه ول - ليســانس في علم النفس، متأهــل، لالشهيد وشؤون المضحين )ايثار گران(.

طهران.1968- تاريخ ومحل الوالدة: العام 17 شــهرا خدمـة تعبئـة، و25- مدة المشاركة في الجبهة ونـوع العضــوية:

شهرا خدمة جندية. )الشــرطة1982- تاريخ المشاركة بالعمليات والرتب العسكرية: األهــواز،

ــران، ــاع مهـ ــط دفـ ــكرية(، خـ ــة والفجر1986العسـ ــعف(، عمليـ 8 )مسـ 1 )مســـعف(، عمليـــة كـــربالء1987)مســـعف(، خـــط الفـــاو الـــدفاعي،

)مســاعد طــبيب الكتيبــة(، عمليــة1987)مسعف(، خط مهــران الــدفاعي )مساعد طبيب الكتيبة(، عملية 5كربالء

294

)مســاعد1982 )مساعد طبيب الكتيبة(، خــط شــلمجة الــدفاعي، 8كربالءطبيب الكتيبة(، خط

2 )مسـاعد طـبيب الكتيبــة(، عمليـة بيت المقـدس 1988دوبازا الدفاعي، )مســاعد طــبيب الكتيبــة(،4)مساعد طبيب الكتيبة(، عملية بيت المقــدس

)مســاعد طــبيب1989خــط دفــاع شــاخ شــميران، الكتيبة(.

(،1985- تاريخ اإلصابات: إصــابة بالرجــل اليســرى ) (، إصــابة اليــد1986إصــابة كيماويــة بالرئــة والجلــد )

(، إصابة اليد اليمنى1987اليسرى والرجل اليسرى )(.1989(، إصابة كيماوية بالرئة )1988)

- نسبة اإلعاقـة المئويـة: لم يقـدم على إنشـاء ملــففي المؤسسة.

الوثائق المغتنمة من جبهة البعثيين1-2 : صورة لبطاقة تجوال في منطقة القتــال141- شرح الوثيقة رقم

م.1984ممهورة بإمضاء قائد الوحدة عن أشهر خريف العام

: صورة لبطاقة تجوال في142شرح الوثيقة رقم منطقة القتال ممهــورة بإمضــاء نقيب من الوحــدة

م.1984الصاروخية عن أشهر صيف العام

الكالم األخير1-3143الوثيقة رقم

295

105الصورة رقم من اليمين: محمد كوثري،

شهبازي، مصطفى بهار

المذكرات المكتوبة1-41-4-1

دفتر أحمدأحمدي زاده144الوثيقة رقم

)ورقتان(

296

الهيد أحمد أحمدي زاده طورزني-2 الهوية2-1

الصورة رقم 145الوثيقة رقم 106

رسالة 2-2146 الوثيقة رقم

297

المذكرات المكتوبة2-3 دفتر حسن أعاليي نيا2-3-1

107 -الصورة رقممن اليسار: أحمدي زاده،

محمد عليان نجادي

147الوثيقة رقم الوصية2-4

1985 وصية العام 2-4-1148الوثيقة رقم 108الصورة رقم

108الصورة رقم

298

1986 وصية العام 2-4-2تم تفريغ هذا المتن عن شريط صوتي مسجل.

أنا أوجد في كل مكان مملوء بكامله بالصفاء وحب اللـه تعـالى. هـو مكـانــو ــه. ه يفوح عطر الله من كل نواحيه. عندما ترى أي شخص سيذكرك باللــرى مكان تتنزل فيه العطايا الربانية وتغمره النعم اإللهية في كل لحظــة. ت العشـق إلى عـالم الوجـود والعشــق إلى اللقــاء مشـهورين في آن. هم لم يأتوا ليبقــوا، وهم لم يــأتوا ليــذهبوا، بــل إن جــل مطلبهم وأملهم أن يــؤدوا

وظيفتهم على أكمل وجه بما يرضي الله تعالى.

إن بقوا سيتقدمون مجددا إلى األمــام، وإن ذهبــوا فهنيئا لهم إذ ســينظرونإلى وجه الله تعالى..

مرت تلك اللحظات كالبرق من أمــام نــاظري. لقــد انتهى كــل ذلــك الكالم وذلك الحب في ليلــة واحـدة. تلـك الليلــة كـانت ليلــة المغـادرين لنـا. ليلــة الوصول إلى وصال الحق، ليلة معرفة النفس، ليلــة لقــاء الحــبيب وتجاهــل النفس. ليلة مظلمة كانت تضيئها قنابل العدو الضوئية ونيران قذائفــه. في تلك الليلة كانت صيحات التكبير عاليــة. بعضــهم كــانوا يضــرجون بــدمائهم، وبعضهم اآلخر كانوا يحملون إلى الخلف بعد أن يصابوا برصاصة أو شظية، وآخرون ما زالوا يتقدمون إلى األمام. في تلك اللحظات كــان يوجــد أنــاس آخرون أيضا كــانوا يــرون كــل هــذا المشــهد، ولكنهم لم يكونــوا قــد وجــدوا

الحقيقة. هل سيصل الدور إلي في آخر المطاف؟

149الوثيقة رقم

299

مقابلة مع والدة الشهيد2-5 فقدت ثالث بنات وابني الوحيد قبل والدة أحمد. كانوا إما أطفاال أو حــديثي

ا، وبقيت على1962الوالدة. في العام ولــدت أخت أحمــد األكــبر منــه ســنقيد الحياة.

ا ولـد في ليلــة عليها السالمكنت قد نذرت نذرا للسيدة فاطمة . أحمد أيضــا بالنـــذر1965المبعث النبـــوي الشـــريف في العـــام ا بقي حي وهـــو أيضـــ

والدعاء.

ا كــان يحب كــان أحمــد يحب الحيوانــات المنزليــة كالدجاجــة والــديك. أيضــ الرسم. كان يرسم بشكل جيــد الشــجرة والجبــل والنهــر ومظهــر اإلنســان

والحيوان. لهذا السبب تسجل في مهنية الغرافيك.

(1366) ، وخــدم حــتى العــام1982(ــ 1361) التحــق بالجبهــة في العــام شهرا.45، اي حوالي 1987

جاء في إجازة للمرة األخــيرة. في المــرة1987(ــ 1366) في نيروز العام األخيرة التي جلسنا فيها إلى المائــدة ذاتهــا كــان الطعــام "اللحم بــالمرق"ا على المائــدة اللبن والخضــار الطــازج كان يحب هذا الطعام. وضــعنا أيضــــه شــيئا من اللحمــة ــز ل والخــبز الحصــوي)الســنكك(. طلب مــني أن أجه

المهووسة كزاد لطريقه. قال: - تناول اللحم المدقوق على مائــدة الفطــور في القطــار لذيــذ جــدا.. كــان يجيد ركوب الدراجات الهوائية والنارية جيدا. كان قد مضى حوالي السنتين

له.125على شراء أبيه دراجة هوندا

ــك رخصــة لقد تحولت هذه الدراجة سببا للتحسر بعد رحيله. كان أحمد يمل.52قيادة. في تلك األيام كنا نملك سيارة بيكان من طراز ال

- ويقوم بزيارات - بإذن والده أحيانا كان يركب هذه السيارة

300

عليهــا الســالملمنازل أصدقائه ورفــاق خندقــه، وإلى مقــبرة جنــة الزهــراءوينجز مستعينا بها األعمال الفنية المتعلقة به.

109الصورة رقم

من اليمين: أحمد أحمدي زاده، عباس اعتماديان

كان أحمد قليل الكالم، غارقا في ذاته وخجوال. حتى إنه كــان يخجــل مــني، أنا أمه. عندما أصابته شظية في بطنه وبقي عدة أيــام في المستشــفى لم يخبرنا. في آخر المطاف جاء إلى البيت وقال إنه أصيب بجرح طفيــف في

بطنه.

عندما بلغ الواحدة والعشرين من عمره قلت له:تزوج يا ولدي. -يا أمي العزيزة لقد تزوجت بالجبهة. - دع المزاح جانبا، إن أردت أن تذهب إلى الجبهــة، اذهب وانتســب عضــوا -

في الحرس. فتتزوج وتذهب إلى الجبهة أيضا.كال يا أمي العزيزة، أحب أن أكون أحد أفراد التعبئة دائما. إن -

301

انتســبت للحــرس يصــبح ذهــابي إلى الجبهــة للحصــول على المســتحقاتوالمال. اآلن ال أريد ماال وال زوجة. سأتزوج بعد أن تنتهي الحرب.

ــه كتب لي ذات مــرة في صباه لم يكن يحب يخنة الـ"قورمه ســبزي" ولكن من الجبهة في رسالة: "يا أمي أنا هنا آكــل الـــ"قورمــه ســبزي" والترشــي

أيضا".

كان أحمد قد طلب من أختــه أن تخيــط قطعــة قمــاش مكتــوب عليهــا "يــا فاطمــة الزهــراء" على جيب قميص جبهتــه. ذهب إلى الجبهــة مرتــديا هــذا القميص، وبكل تأكيد استشهد وهو يرتديه ونام في قلب الــتراب في زاويــة

من أرض شلمجه.

. عليها السالمهو أيضا قبره مخفي كالسيدة الزهراء

110الصورة رقم ــر من اليسار: أحمد أحمدي زاده، فخ

الدين حجازي،حاج محمد بروازي.

302

303

القسم الثالث

كتيبة حمزة

304

305

الراوي: هادي قيوميالتشكيل: قائد السرية الثانية

م، طهران2003تاريخ ومكان المقابلة األولى:

1الفصل الخامس عشر*

ليلة السرطانا، أدركت القائـد الجديـد لكتيبــة حمـزة حين اتصل الحاج أميني - - بي هاتفي

أن ثمة أخبارا قادمة من الجبهة. فالشــواهد والقــرائن كــانت تشــير إلى أنا في ــة مصــيرية بانتظارنــا. كنت المــدرب في الثكنــة، وعضــوا رســمي عمليــات "والفجر الحرس الثوري، وكانت معرفتي بالحاج أميــني تعــود إلى عملي

ـرت فيــه هـذه1983" في العـام 1 . كـان شــجاعا وصـبورا وهادئا. وقـد خبــات بـأم عيــني. لم يســاورني أدنى تــردد الصفات الثالث ورأيتها أثناء العملي

للعمل معه.

ــا ننتظــر بلهفــة كانت زوجتي قد دخلت الشهر األخير من حملها، وكنا جميع مسافرنا الصغير الذي كان يتدلل قبيل قدومــه. وعلى الــرغم من أني كنت قلقا جدا عليه وعلى أمه، إال أني انقطعت عن تلك العالئق وانسلخت عنها.ــا مناســبا للعمــل في الجبهــة. وكلتهمــا إلى اللــه شعرت بــأني وجــدت مكان

وتوجهت إلى الجبهة.

.16و 15الفصالن: 1 : يوسف سمية ترجمة ،

306

ــني الزمتني هواجسي حتى "خوزستان". كنت أعلم أن غيــابي يؤذيهمــا، لكن كنت أعزي نفسي بأن ذهابي إنما هو ألجلهما، بل ألجل جميع أمهات إيــران وأبنائهـا، سـواء لحاضـرهم أو لغـدهم. غـير أن االضـطراب عـاد ليسـاورني مجددا، فكانت السكينة تالزمني تــارة وتهجــرني طــورا. كنت أتواصــل عــبرــانون األول حيث ــامس من ك ــتى الخ ــراف ح ــائل أو التلغ ــاتف أو الرس اله وصلتني برقية عبر التلغراف مفادها: "هادي، لقــد ولــد ابنــك محمـد". كــانــه إن كــان ذكــرا ذلك في شهر ربيع األول. كنت قد أخبرتهم قبل ذهــابي بأن

.2/1/1985فسموه "محمد". ولد محمد في

ــام ثم عــدت. في طريــق ــة، فــذهبت لثالثــة أي أعطاني الحاج أميــني مأذونيــة مــا رأيتــه كــانت مالمح العودة ما برحت أتصور وجــه طفلي الرضــيع. لقلا كبــيرا لكي أتــذكر تفاصــيل وجهــه وجهه تغيب عن ذهني. بذلت جهــدا ذهني

وألصقها معا فتشكل وجه "محمد".

ــق رافقني في ســفري شــعور جديــد، هــو شــعور األبــوة المــركب من التعل والمسؤولية. كنت أظن أن األبوة ستقيد يدي ورجلي، لكنهــا لم تفعــل. بــل زادت من شعوري بالمسؤولية تجاه جيل المســتقبل. كنت طــوال الطريــقــا فرحا بأن هذا الشعور الغريب والجديد لم يعق تحركي، وإنمــا كــان محرك

يقودني إلى األمام.

في أواسط شــهر كـانون الثــاني تقــرر أن نغـادر الثكنــة ونــذهب إلى مخيم "كرخه". أذهلتني زحمة العمل عن محمــد ووالدتــه، وبــات فكــري مشــغوال بعمل السرية. قبيل مغادرة الثكنة، ونظرا لعلمي ببعد المخيم عن المدينة،

أجريت مكالمة هاتفية أخرى مع العائلة.

في إلى حســن أمــيري ذكراي التي ال تنسى من مخيم "كرخه"، كــانت تعــر فـر، المعـاون الثــاني لمسـؤول الكتيبــة، والـذي أصـبح بعيـد وصـولي قائــد

السرية األولى مع احتفاظه بالتوصيف السابق. كان عضوا في

307

ــة. كــان الحرس. وكان طويل القامة، عريض المنكبين، وذا لحية ســوداء كثــة "ربــاط ــه ترعــرع في محل من مواليد "رفسنجان" وذا لهجة كرمانية، لكن

كريم" في طهران.

كانت خطــط التــدريبات العســكرية والتمــارين والمنــاورات تعــد في خيمــةــة. كنت الكتيبة، ثم يتم تنفيذها على مستوى الكتيبة أو السرية أو المجموع أقصــد خيمــة قيــادة الكتيبــة بشــكل متواصــل، فأتســلم خطــط المنــاورات والقتال الليلي، وأبلغها لقادة المجموعات الذين كــانوا يــترددون إلى خيمــة

قادة السرايا.

كانت خيمة قادة السرايا تسع خمسة عشر شخصا. فيما كــان لكــل فصــيلا أو خيمتــان متالصــقتان تضــم كــل منهمــا خمســة خيمة تسع ثالثين شخصــا. وكــانت خيمــة تجهــيزات الســرية تســتوعب خمســة عشــر عشــر شخصــ

شخصا، وقد نصبت قرب خيمة قادة السرايا.

كان شباب التعبئة يخضعون للتدريبات العسكرية الصــعبة بشــوق ونشــاط. كانوا من كافة أطياف الناس، شيبا وشبابا، ومن أعلى المدينة وأدناهــا. في السرية الثانية كان هناك تلميذ مدرسة يــافع من عائلــة مرفهــة. كــان أبــوه صاحب مصنع، وصديقا للسيد حسين دستواره شقيق السيد رضا دستواره،ــذي امتهن معاون قائد الفرقة. كنت على معرفة بوالد األخوين دستواره، الــار ــة. معي ــه في المدين ــان يســتخرجه من المنجم ويبيع ــذي ك ــع الملح ال بي التفاضل في الجبهة كان األمور المعنوية، أما متــاع الــدنيا واألمــور الماديــة

فلم يكن لها مكان داخل إطار القيم.

بعد المراسم الصباحية كانت السرايا تحضر دروسا عسكرية أو دينية بإدارةــا خال بعض الصــباحات المدربين العسكريين أو المبلغين التابعين للكتيبة. م التي كان العناصر قد قاموا في لياليها بمسير طويل أو مناورة شاقة، حيث

كانت الدروس تعطل في اليوم التالي.

308

ــأكثر. خالل جلساتنا في خيمة الكتيبة أخذت أتعرف إلى "أميري فر" أكثر فــد ابنــه في شــهر لقد رزق مثلي بطفل في السنة ذاتها اسمه عبد اللــه. ول

.صلى الله عليه وآله وسلمربيع األول أيضا، فسماه باسم والد النبي

ذات مرة ذهبنا معا إلى أطراف المخيم بغية إيجــاد مكــان مناســب إلجــراءالمناورة أو القتال الليلي. خالل الطريق سألته:

- حسن، متى انخرطت في صفوف الحرس؟.1982- في العام

- هل كنت في الجبهة قبل ذلك؟ا. وطئت قـدماي ميــدان الجبهـة ألول مــرة عـام م، بعـد1981- كنت تعبوي

أسر أخي.- متى وقع في األسر؟

.1980- في شهر تشرين الثاني من العام - في أي منطقة؟

- "مهران".

سبق لـحسن أن شارك في عمليات: الفتح المبين، بيت المقدس، رمضان،ــدوره4، والفجر1مسلم بن عقيل، والفجر التمهيدية، والفجر ، خيبر وبـدر. ب

سألني عن سوابقي العسكرية فأجبته. سألته مجددا:- متى جرحت ألول مرة؟

ــربي1983- في شتاء العام . في عمليات "والفجر التمهيدية"، انفجرت بق ملم(، وكان لرأسي ورقبتي نصيبهما من شظاياها.60قذيفة هاون )

- هل جرحت غير تلك المرة؟

309

ــري. قبعت في ا، في رجلي وظهـ ــ ــبر" أيضـ ـات "خيـ ــ ــرحت في عملي - جـالمستشفى مدة شهر كامل.

ا بجبهــة "كردســتان". في في الفترة ذاتها التحــق أخــوه األصــغر معــه أيضــ السنوات األولى للحرب تولى مسؤولية الحرس في "رباط كريم"، لكنه ما

لبث أن ترك العمل في المدينة وذهب إلى الجبهة.

في ذلك اليوم وجدنا معا مكانا قرب النهر إلجــراء المنــاورة ونصــب كمين،ـدة. كمـا صـب عناصــر وفي الليلة نفسها أجرت السـريتان معــا منـاورة جي

الكمين نيرانا مباشرة على رؤوس القوات المهاجمة.

ــون ذات يوم وبينما كنا نعقد جلسة في خيمة قيادة الكتيبة، أحضر لنا القيمــد الحــاج رات. وبعــد أن تأك على تجهيزات الكتيبة بضعة أكياس من المكســا وقدمــه أميني من تقسيم المكسرات على جميع عناصر الكتيبة، فتح كيســــديثنا إلى ــا انســاق ح رات فيم ــ ــل المكس ــغلت مــع حســن بأك لنــا. انش "رفسنجان" وبساتين الفستق. كان ألبيــه بســتان كبــير من الفســتق، وقــد

دعاني للذهاب إلى هناك بصحبة العائلة.

في خيمة مسؤولي السرية الثانية كنت ومساعداي "حســن خــاني وقاســمــان لمســؤول الســرية ــا ك ــد الســرية. أحيان ــودرزي" وصــياد ســاعي بري ك مساعدان، ولكل سرية أمين سر. وكان يوجــد في بعض األحيــان عنصــر أو أكثر ممن يخدم بشكل حر في السرية. في األزمنــة الحرجــة كــان عناصــرــام ــكين بزم ــان ممس ــل في أي مك ــدان العم ــون مي ــرة يلج ــوات الح الق المســؤولية، فلــو جــرح أحــد قــادة الفصــائل أو أي قائــد آخــر، وأخــرج من الميدان أخذ العنصر الحر في السرية مكانــه لكي يســتكمل إنجــاز العمــل. طبعا، قبيل العمليات كان قسم االتصاالت في الكتيبة يرسل عاملي إشارة

أو ثالثة عمال إلى السرية، فكانت خيمة األركان مكان استراحتهم.

في أحد األيام وأثناء المراسم الصباحية

310

ــد العــام ــتي جــرت على مســتوى الفيلــق خطب محســن رضــائي، القائ ال للحرس الثوري. وصلت إلى مشامنا رائحة العمليات. في تلك الليلة حضــرا كــان يخــدم في والد زوجتي لرؤيتي وأطلعني على أحوال العائلة. هو أيضــ الفرقة. عندما حل المساء ذهبنا معا إلى حسينية الكتيبــة لكي يــؤدي نافلــةــيرا الليل. كان الجو في الحسينية باردا. في تلك الليلة رأيت فيهــا عــددا كب

ممن حضر للمناجاة في السحر. ال بد أن هذا كان دأبهم كل ليلة.

ــة على مســتوى الكتيبــة ولمــدة أســبوع واحــد. كــان قرعت طبول المأذونيــة الســابقة لم يتســن لي ولدي محمد قد تجاوز األربعين يومــا. في المأذونيــة فقــد اكتــظ المكــان باألصــدقاء واألقربــاء رؤية أحد. أما في هذه المأذوني

الذين حضروا إلى منزلنا ليقدموا لنا التهنئة والتبريك.

لم أشعر كيف انقضى ذلك األســبوع. ركبت القطــار مجــددا نحــو الجنــوب. كنت في المقصورة مــع أمــيري فــر، وكــانت فاكهــة مجلســنا الحــديث عن محمد وعبد الله. بدا مثلي مشتاقا لولــده. حين وصــلنا إلى "كرخــه" أصــدر الحاج أميني أمره بالذهاب إلى حقل الرماية، فذهبنا وجرب جميع العناصــر

أسلحتهم.

وفي أحد األيام قال الحاج أميني:- بعد أسبوع سنغادر "كرخه"..

ب الخيم انطلق عدة أشــخاص من كــل ســرية لتجهــيز المخيم التــالي، نصــ وخزان المياه و.. . فيما سلم اآلخرون أغراضهم الشخصية لقسم األمانــاتــا مخيم "كرخــه" )التعاون( في الفرقة. بعد ظهر اليوم التالي أو غده غادرنــير، إذ بالحافالت. قبيل االنطالق كتبت آخر رسالة لي وأجريت االتصال األخ

كانت جميع أشكال االتصال في المخيم

311

التالي غير ممكنة رعاية لشروط السالمة.

في مخيم "كارون" لم يفصــل بين الخيم ســوى مســافات قصــيرة، وكــانت الخيم مستترة بشكل جيد. أصدر المسؤولون أوامر مشددة بأن نأخذ تمــامــل العــدو. كــان على ــة من قب با لهجــوم باألســلحة الكيميائي الحيطــة تحســ العناصر حمل "األقنعة الواقية" معهم أينمــا ذهبــوا. كمــا صــدر أمــر بــإجراء تمرين عسكري بها. بدوري أكدت على قادة الفصائل بأن يتشددوا في هذا

ــؤ لها األمر منعا لفشل العمليات - - قبــل التي بذلت قصــارى الجهــود للتهيــة للمواجهــات باألســلحة شروعها، في حال قصــف العــدو الخطــوط الخلفيا، ــا عســكري الكيميائية. أحيانا كنت أرى أحد المسؤولين يعاقب عنصــرا عقاب مشي القرفصاء، أو قيام - جلوس... وحين رأيت أن أحــدهم ذهب للوضــوءــه في أو لقضاء الحاجــة ولم يكن القنــاع بحوزتــه، أعلمت أفــراد الســرية أن حال تخلف أحد عن االمتثال لهــذا األمــر العســكري المهم فســوف أعاقبــه

بنفسي.

أول من عوقب كان محمود أستاد نظري. رأيته وقد خرج من الخيمة وسار بضــع خطــوات، ولم يكن القنــاع الــواقي بحوزتــه. ولمــا ابتعــد عن الخيمــة

مضيت نحوه وسألته:- أين قناعك؟

أجاب مضطربا:- سآتي به حاال.

ذهب وأتى به من داخل الخيمة. أما عناصر المجموعة فحين رأوا اضطرابهخرجوا من الخيمة خلفه. قلت له: "اتبعني".

- إلى أين؟- إلى السباحة.

312

انطلق عناصر الفصيل أيضا. همس السيد حسين دستواره في أذن محمود شيئا. مضينا حتى وصلنا إلى مرسى مهجور قرب الخيم. وحين وصلنا قلت

له:- اقفز في الماء...

جعــل يماطــل وقــد اعــتراه الخــوف والخجــل. لمــا رأيتــه على تلــك الحــال غطســت بنفســي في ميــاه "كــارون". فــأتبعني أســتاد نظــري ودســتواره وبضعة أشخاص آخرين قفزا في الماء. بعد عدة لحظات التفت إلى الخلفــا نغتســل ألرى مئة شخص داخل الماء. عندما خرجنا قال لي العناصــر: "كن

غسل الشهادة!".

ــدعى أمــير حســين تكررت هذه القصة مرة أخرى، لكن بطلها كــان فــتى ية. ــه الغصــ مينائي. عندما انتبه إلى أنه كان واقفا قربي من دون قنــاع خنقت وحين أمرته بأن يتبعني مضى مسرعا وأحضر قناعه. عنــدما رآني الشــبابة، ــا عرفــوا القصــ ــا نحــو الضــفة غضــبان، وأحــدهم يــركض خلفي باكي ذاهب

فانطلقوا جميعا في أثرنا للمرة الثانية. عند الضفة قلت له:- اقفز في الماء.

فعال صوته بالبكاء. أما أنا فلم أنتظر وقفزت في المــاء، فلحــق الفــتى بي. لم تمض أكثر من دقيقة واحــدة على وجــودي في المــاء حــتى رأيت جميــع

عناصر السرية قد قفزوا داخل النهر أيضا.

ــدا في مخيم "كــارون". فكــان معظم لم يكن وضع الطعام والتجهــيزات جيــذا الوضــع ــل ه ــات. لم يكن تحم ــوع في أغلب األوق ــانون الج الشــباب يع بالنسبة لنــا صــعبا، نحن الشــباب والعناصــر القــدامى. أمــا الفتيــان فكــانوا

يعانون األمرين في ظل تلك الظروف، خصوصا عندما

313

كنا نخضع لتمارين أو نجري مناورة صعبة. ذات مرة وإثر عودتنا من تمرين على مستوى الكتيبــة، نفح )أمــد( قســم التجهــيزات الشــباب خــبزا وتمــرا،

فعاجلنا تلك الضيافة غير المنتظرة أكال، والفرحة تغمرنا!

ــة في الفرقــة، في أحد األيام، وبعد تنسيق تم ما بين الكتيبة وقســم البحري وصلت عدة زوارق حملت الشباب على متنها، فأجرينــا تمــارين على المــاء

لمدة نصف يوم.

ذات يوم أبلغنا بأن نجتمع في خيمة قيادة الكتيبة. تعرفنا، إلى حــد مــا، فيــات. في ختــام تلك الجلسة التي عقدت بشــكل ســري، إلى منطقــة العملي الجلسـة تقـرر أن نـذهب بعـد صـالة فجـر اليـوم التـالي إلى أقـرب نقطـةــات عــبر المنظــار ومن على بــرج ممكنــة، ليتم تعريفنــا إلى منطقــة العملي

المراقبة.

صباح اليوم التالي، ومن دون أن يطلع أحد على ذهابنــا، مضــينا على جــادةــاك "آبادان"، ودخلنا بستان النخيل الواقع على ضفاف نهر "أروند". كان هن بــرج يبلــغ طولــه ســتين مــترا. وقــد حضــر قــادة الكتــائب يرافــق كال منهمــا مــا بين العشــرين والثالثين نفــرا. أخــذ قــادة مسؤولو ســراياه الثالثــة. كن الكتائب يصعدون وينزلون، مجموعة بعد أخرى. كان الوقت األمثــل للرؤيــة واالستطالع من أول الصباح حــتى أذان الظهــر، وذلــك ألن ضــوء الشــمس

كان يسطع على المشهد من خلفنا.

أبدى الحاج أميني جلدا هذه المرة أيضا، فوقــف آخــر صــف الكتــائب، لكييكون لنا الوقت الكافي للتعرف والتوجيه.

وصل دور كتيبة "حمزة"، فتقدم الحاج أميني وصعد إلى أعلى البرج، فتبعه مسؤولو الكتيبة واحدا تلو اآلخر. كــان حــارس بــرج المراقبــة أعلى الــبرج. استطلعت مع أميري فر كــل المنطقــة عــبر المنظــار. كــانت شــبه جزيــرة

"الفاو" محاطة بمياه نهر "أروند" وخور "عبد الله"، وقد

314

ــحا ظهرت فيهما السفن الغارقة. على الجهة األخرى من الخور بدا لنا واض كل من الميناء ومصفاة النفط الكويتية المعروفــة بـــ"أحمــدي". كمــا رأيت منصات صواريخ هاللية الشكل وأخرى مستطيلة. هذا وقــد تم تعــيين جــادة

صــلىمحمــد رســول اللــه" 27"أم القصر" كنطاق لعمليات كتائب فرقــة " . كانت تلك الجادة ثالث الطــرق الــتي تربــط بمنطقــةالله عليه وآله وسلم

- البصــرة، - البحــار، الجــادة الثانيــة: الفــاو "الفــاو"، الجــادة األولى: الفــاو- أم القصر. والجادة الثالثة: الفاو

استمعنا بدقة إلى كالم راصد برج المراقبة كامال. مما قاله: أصــابت قذيفــة دبابة البرج في اليوم الســابق فجــرحت عــددا من األشــخاص، مــا رفــع من معنوياتنا بشدة! في ذلك اليوم لم يحدث شيء لحسن الحظ، وعدنا جميعا

سالمين إلى المخيم.خالل الطريق تحدثت وأميري فر. سألته:

- هل رأيت عبد الله؟- عبد الله؟!

- أجل، خور عبد الله...

ــذي ــدي ال فضحك، وأخذنا نتجاذب أطراف الحديث بحميمية. حدثته عن وال اعتقله عمالء الـ"ســافاك" والشــرطة في ميــدان "آســتانه" في قم، وذلــك

، ولم نــره بعــدها أبــدا. أمــا هــو1966ليلــة التاســع من محــرم من العــام فحدثني عن قصة زواجه قائال:

كنا سبعة أشخاص في الجبهة، حيث عزمنا جميعــا1984- في صيف العام ــا على أن نذهب في أقرب فرصة إلى طهــران ألجــل الخطبــة والــزواج. كن

من "رباط كريم"، "ورامين" و"شهر ري". تزوجت إحدى

315

ــا عليــه قريباتي، وأقمنا حفال متواضعا. بدورهم نفذ أولئك الشباب مــا اتفقنــات "بــدر" ــا، وغــدونا في عملي ــات "خيــبر" عزاب أيضا، فكنا جميعا في عملي

متأهلين.

في مخيم "كارون" ذهبنا إلى ميدان الرماية مــرة أخــرى. بعــد ذلــك تســلم الشباب المعدات الحربية األساسية والحصص الغذائية. في المــرة األخــيرةــل التي اصطففنا فيها أكدت مجددا على مسألة حمل األقنعة الواقية في ك

زمان ومكان.

ــا المخيم، جــال شــباب قســم اإلعالم على ــرر لمغادرتن ــوم المق صــباح الي العناصر فردا فــردا بغيــة تســجيل رســائلهم. جــاءني أحــدهم، فعــرفت عن نفسي وذكرت عنوان بيتي، ثم وجهت رســالة مختصــرة جــدا أن: "واصــلوا

طريق اإلمام الحسينعليه السالم".

وفي ظل طقس غائم خرج عناصر كتيبة "حمزة" من مخيم "كــارون" علىــا على األطــراف ــزمن ترجلن ــة من ال ــد بره متن شــاحنات مســقوفة، وبع الشرقية لنهر "بهمن شير"، وعبرنـا في رتــل جسـر النهـر، ثم دخلنـا قريـة

مهجورة واقعة غرب النهر، وتموضعنا هناك.

طوينا الليلة داخل غرف أحد البيوت القروية. لم تنقطع أصوات االنفجارات لحظة. ما برحت مدفعية قواتنا ترمي بقذائفها، فيما كانت القنابل المضــيئة

تنير السماء البعيدة بال انقطاع، كأنه مهرجان لألضواء واألصوات.

في صــباح اليــوم التــالي المصــادف للعاشــر من شــهر شــباط ذهب الحــاجــدء ــه األخ الســيد مجتهــدي بب ــا نائب ــادة الفرقــة. أخبرن ــني إلى مقــر قي أمي

العمليات وكسر الخط األمامي للعدو. حينئذ أذن لنا أن نطلع عناصرنا

316

على مــا بجعبتنــا من معلومــات، ففعلنــا. في ذلــك اليــوم تم توجيــه جميــعمجاهدي كتيبة "حمزة" وإطالعهم على منطقة العمليات بشكل دقيق.

ظهر اليوم نفسه، وصل طعام العمليات، مرق الدجاج مــع األرز. فمــا كــانعدهم، بعــد مقاســاة من الشباب إال أن انقضوا على الدجاج، فكان يــوم ســ

أسبوعين من الجوع في مخيم "كارون".

ــات قــد بــدأت، بعد الظهر انطلقنا على متن شاحنة مكشوفة. كــانت العملي فلم يعد ثمة داع للكتمان. في تلك المرة أخذ الشــباب ينظــرون من داخــلــة. قبيــل الغــروب وصــلنا إلى دشــم ــة ودق الشــاحنة إلى كــل مكــان بحري "أروندكنار"، مقرنا التالي. كان لكل سرية دشمتان غير كبيرتين كفايــة، مــا اضطر الشباب الذين ضاق بهم المكان إلى االستراحة جلوسا حــتى أســفر

الصبح.

جاء الحاج أميني إلينا ليال، بعد أن أمضى يومــه مــع قــادة الصــف األول في ". هــذا وكــان قــد ذهب إلى الجهــة األخــرى من27المقــر وقــادة "الفرقــة

"أروند"، أعني مدينة "الفاو"، فحمل لنا في جعبته الكثير من الكالم. تحدثمعنا لعدة ساعات، وراح يوجهنا ويرشدنا عن طريق الخريطة.

صباح الحادي عشر من شهر شباط كان العدو قد عرف لتوه مكان حصول العمليات األصلية، فأخذ يشن غارات جوية شرسة. كانت العمليات الوهميةــة، قد جرت تزامنا مع العمليات األصلية في جزيــرة "أم الرصــاص" العراقي وتكللت بالنجاح. في ذلك اليوم قصد الحاج أميني مقر الفرقة مــرة أخــرى

ــة ــائب "الفرق ــاح كت ــاره تحكي عن نج ــانت أخب ــاد. ك ــة27ثم ع " المولج بالعمليات في مهمتها. بدورنا أوصلنا األخبار إلى أسماع جميع الشباب بغية

رفع معنوياتهم.

317

ــد بعد الظهر غادرنا الدشم على متن شاحنات قالبة، وترجلنا بعد ســاعة عنــة مرسى الفرقة الواقع على أحد األنهار المتفرعــة من "أرونــد". نظــرا لقل الزوارق وكثافة الغارات الجوية اضطررنا إلى االنتظار في نواحي المرسى لساعة. وصل دورنا بعد كتيبــة "األنصــار". ركب أوال شــباب الســرية األولى مجموعة تلو أخرى، ثم ركب أميري فر بعد جميع قواتــه على متن الــزورق ومضى. جاء دور سريتنا، فكانت الزوارق المسرعة تغادر الضفة واحدا بعــد آخــر، وهي تشــق عبــاب ميــاه "أرونــد" المتالطمــة كــالحوت. انطلقت مــعــع ــأتي م ــاعدي لكي ي ــا بقي مس ــريتي، فيم ــطى من س ــة الوس المجموع المجموعة األخيرة. أثناء الطريق أتحفتنا الطائرات الحربية بحسن ضيافتها.يين يخرجـــان من بطن نظـــرت إلى الســـماء وإذ بي أرى صـــاروخين فضــــا قــاب الطائرة الحربية، وأخذا بالهبوط حتى سقطا قـرب زورقنــا بحيث كن

قوسين أو أدنى من أن ينقلب الزورق بنا رأسا على عقب.

في عتمة الليــل ترجلنــا عنــد الســاحل الغــربي لنهــر "أرونــد"، حيث وطئت أقدامنا تراب "الفاو". سرنا صفا على الجــادة السـاحلية مئــات األمتــار إلى األمام، واستقررنا في منازل تابعة لمؤسسات قد هجرها أصحابها. في تلك الليلة قرأ الشباب دعاء التوسل. كان ذلك مساء الثالثاء، ليلة الثــاني عشــر من شباط. سرت إلى مشامنا رائحــة خفيفــة مريبــة، كأنهــا رائحــة أســلحة كيميائية، ما حدا بي إلى إصدار توصية بتوخي الحذر. كان الحراس الليليون

مكلفين بالمبادرة إلى إيقاظ اآلخرين بمجرد استشمام رائحة مشكوكة.

عند انتصاف الليل حضرت الشاحنات لتنقلنا نحو جـادة "أم القصــر". ركبنــا الشاحنات ثم ترجلنا منها بعد مسير ســبعة أو ثمانيــة كيلومــترات. تمــترس

الشباب خلف ساتر ترابي على يمين الجادة الذي

318

ا لقاعدة مهجورة. بقينا حتى الصباح ننتظر أمر مقر القيادة كان ساترا هالليــات لكن لم يكن ثمــة حاجــة بالــذهاب لمســاندة الكتــائب المولجــة بالعملي

لذلك. فجميع األخبار كانت تزف بشائر النصر.

ــا قــوات في اليوم التالي رأيت عبر المنظار القوات العراقية، التي قيل إنه الحرس الجمهوري، تقاتل بجنون وعشوائية. أكد أميري فر، الــذي كــان لــهــاربون سابقة في المواجهات مع العراقيين في عدة جبهات، أن البعثيين يح بتهور واستهتار موقعين بأنفسهم الخسائر، وهذا يعــني أن فتح جبهــة الفــاو

قد فرط عقد عملهم وأقض مضاجعهم!

قرابة التاسعة صباحا اشتد القصف العراقي على موضع اســتقرارنا. أصــدرالحاج أميني أمرا باالنتقال منعا لوصول األذى إلى قوات الكتيبة.

بعد الظهر وصــلت رســالة من الحــاج أميــني يطلب فيهــا من قــادة الصــف األول في الكتيبة الذهاب إلى مثلث مصنع الملح. انطلقت بصــحبة "أمــيري فر" و"فرخي". كان المثلث يبعد عن جبهة القتــال مســافة كيلومــتر واحــد. حين وصلنا وجدنا قادة الصف األول للفرقة هناك أيضا. من ثم سرنا مشــيا على األقدام نحو الخط األمامي. في غضون نصف الســاعة الــتي قضــيناهاــات هناك اطلعنا، من خالل المنظار وصفحة الخارطــة، على منطقــة العملي بأكملها، وعلى أوضاع الخط ونطاق عمل الفرقة. شــاهدنا الســاتر الــترابيا على الجادة، والذي اخترقتــه قــذائف الــدبابات المواجه الذي نصب عموديــه والمســتنقع، وإلى اليمين المباشرة. إلى الجهة اليسرى كان خور عبد اللــدبابات ــدد من ال ــرف الصــغيرة المســتترة. باإلضــافة إلى ع ــدد من الغ ع

وناقالت الجند المحترقة على الجادة، وأخرى سالمة كانت خلفها.

319

":1نظر "حسن أميري فر" عبر المنظار وقال مستذكرا عمليات "والفجر - ينبغي استطالع هذه البيوت المرقطة إلى اليمين بدقة، وإال فقــد يتعــرض

كل من يتقدم لضربة قاسية. عنــدما أنهينــا االســتطالع والتوجيــه عــدنا أدراجنــا. خالل ذهابنــا إلى الخــط

- وتم محســن كــاظمي األمامي ورجوعنا منه جــرح ســاعي بريــد الكتيبــة -نقله إلى المشفى.

قبيل الغروب مضينا سيرا على األقدام نحو "مثلث مصنع الملح"، ســالكين الطريق نفسها التي سبق أن سلكتها برفقة عدد من األشــخاص في وضــحــدر النهار. استغرق مسيرنا ساعة واحدة. ما إن وصلنا حتى الذت قواتنا بص الساتر الــترابي. مكثنــا ســاعة إلى ســاعتين بانتظــار اتضــاح مهمــة الكتيبــة

ووصول األمر باالنطالق.

شــباط، لم يكن من الواضــح بعــد أي13حتى الساعة العاشرة من مســاء ا كانت "حمزة" أم "األنصار" الكتيبتين - - ستكون هي الكتيبة المهاجمة. وأي

الكتيبة المهاجمة، كــان على األخــرى االنتظــار كقــوة احتيــاط بغيــة دخولهــا الميدان عنــد اللــزوم. في النهايــة، وتحت جســر صــغير على مجــرى مــائيــائي وانطلقت قريب، حيث مقر قادة الصف األول للفرقة، اتخذ القرار النهــادة األخ كتيبة "حمزة". كما تقرر أن تتموضع سرية "الشهادة" الخاصة، بقي صفرخاني، على السد الغربي لمصنع الملح، والذي يبعد مسافة كيلومترينــا لوصــول أي ضــربة على خاصــرة القــوات ــا عن الجــادة، وذلــك منع تقريب

األصلية المهاجمة.

ما إن وصل خبر الهجوم إلى أسماع الشباب حتى دبت الحماســة والشــوقفي نفوس الجميع، وازدحم سوق القبالت وطلب الشفاعة. لدى

320

ــة. كنت مســرورا ألني رؤيتي ذلك المشهد اعترى قلبي سرور مشوب بكآب ماض إلى العمليات بصحبة من هم بعين الله، وحزينا أتساءل أيهم ســيكون

بعد ساعة واقفا على التراب أو ممددا عليه.

ــدي، لكي نبت اجتمعنا مجددا، مسؤولو السرايا والحاج أميني والسيد مجتهــق بخطــط عمــل الســرايا. وبعــد أخـذ ورد في محضــر قائــد األمر فيما يتعل الكتيبة، تقرر أن تتــولى ســرية "حســن أمــيري فــر" الهجــوم، فيمــا تتــولى سريتي أنا مهمة التطهير حــتى الجســر الكبــير، أمــا الســرية الثالثــة فتبقىــد صــباح ــوم مرت ــاط لكال الســريتين، على أن تتصــدى ألي هج ــوة احتي كق

العمليات، وذلك خلف الجسر المدمر.

بعد تلك المقررات طوى رتل الكتيبة طريقه حتى جبهــة المعركــة الــتي لم تكن تبعد أكثر من مسير عشر دقائق. المرة األخيرة التي رأيت فيها حسن أميري فر كانت في منطقــة خــط التمــاس، إذ كــان ينظم صــفوف عناصــر سريته. وكان قد شكل مجموعة خاصة تحت إشراف قسم المعلومات فيـه وطلبت منـه ــات، بغيـة بـدء العمــل وكســر خـط دفــاع العـدو. قبلت العملي الشــفاعة. كــانت عينــاي مســمرتين على قامتــه حين صــدر األمــر بتحــرك

السرية األولى.

تحت سماء خلت من قمر أو نجم انطلق أفراد السرية األولى، فساروا منــدأت ــاك ب ــة اليســرى، وهن ــو الجه ــادة "أم القصــر" نح ــنى لج ــة اليم الجهــاس االشتباكات. كنت وفرخي إلى جانب الحاج أميني في منطقة خط التم نراقب تحركهم. كان إطالق النــار كثيفــا من كال الطــرفين، مــا دل على أن العراقيين لم يباغتوا. توقعنا أن تقل حدة نيرانهم بعد بضع دقائق، لكن هــذا لم يحصل، بل اشتدت كثافتها. كان الحاج أميــني على اتصــال بـــأميري فــر عبر الالسلكي، وذلك من خالل عامل اإلشارة أحيانا مستخدما الرموز ولغة

الشيفرة، وأحيانا كان

321

يأخذ سماعة الجهاز بنفسه فيرسل ويتلقى. بعد مــرور ربــع ســاعة لم تعــد السماعة تبارح يد الحاج أميني. ما عنى بأن الوضع بات حساسا أو متأزمــا!ــة ــانت كلم ــرطان". ك ــة "الس ــادل كلم ــرارا خالل الكالم المتب ــمعت م ســباب. "السرطان" رمزا لآلليات المدرعة التي اتضح أن براثنها أوقعت بالش سرعان ما وصل خبر جــرح حســن أمــيري فــر. قلت في نفســي: ال بــد أن جرحه ليس لدرجة تعيقه عن مواصلة عمله. كنت آمل هــذا، لكن األمــر لم يكن كذلك. بدا أن عدد سراطين العــدو وتشــكيالتهم كــان غــير ذلــك الــذي

أخبرنا به.

ــترابي انطلق الحاج أميني. عند ذهابه أمرني قائال: "ابق هنا خلف الساتر القرب جهاز الالسلكي بانتظار األوامر. ال تتحرك حتى أطلب منك ذلك".

في النهاية صدر أمر بتحرك الســرية الثانيــة. عبرنــا خـط التمـاس وواصــلنا المسير حذو الفصيل األول. كانت الخسائر كبيرة لكال الطــرفين، فقــد امتأل جانبا الجــادة ووســطها بــالقتلى والجــرحى. كــان مســعفونا يتعاهــدون أمــر الجرحى. عبر رتل سريتنا وسط كل ذلك حتى وصلنا إلى المعركة األصلية.ــة وخالفا لخطة تحرك فصيل أميري فر، الذي كان القــرار أن يباشــر العملي في الجهة اليسرى من الجادة )خور عبد الله(، مضيت بقــواتي نحــو الجهــة اليمنى من الجادة، لكي يتسنى للشباب االشتباك مع تجمع العــدو في تلــك

الجهة، وبالتالي كشف مصير تلك البيوت المرقطة.

في تلك الليلة كنا قد توغلنا مسافة مئة وخمســين مــترا إلى األمــام داخــل شرخ الجادة، أي الخط األمــامي للعــدو، حين رأيت بضــع دبابــات محترقــة.ــة العــدو. كان الحاج أميني نفسه هناك أيضا. تداولنا أوضــاع قواتنــا وموقعي

قال الحاج أميني:

322

- لم يعد باإلمكان التعويل على السرية األولى. قيومي، تقدم ما استطعت.لدينا الكثير من العمل الليلة.

ــأن ــا ب بعد مسافة قليلة رأيت رتال من الدبابات وناقالت الجند. كنا قــد أبلغن عددها ليس كبيرا، غير أنه كان من الواضح جــدا في تلــك العتمــة أن رتال ال نهاية له قد اصطف قبالتنا. بعد التنسيق مع الحاج أميني وعقــد جلســة مــع قادة المجموعـات في خضــم تلــك الغوغــاء، فصــلت رمــاة اآلر بي جي عنــتفادة منهم الفصائل، ووكلت أمرهم إلى قادة المجموعات لكي تكون االس أكبر. بعد تلك الخطوة انفصل الفصــيل األول عن السـرية الثانيــة، هـذا في

متر( عن خط التماس، وقــد مضــى300الوقت الذي كنا قد ابتعدنا قرابة )نصف ساعة من بدء العمليات.

كانت نيران العدو غزيرة وشديدة. قرأت في بعض الوجوه أمــارات ضــعفــا أو بطريقــة )مشــية البطــة(، بــل أخــذت الهمم. لذا ما عــدت أســير منحني أذهب وأجيء منتصب القامة قــرب رتــل قــواتي الــذين كــانوا قــد التصــقوا بالحافة الترابية للجــادة، وجعلت أتكلم بصــوت عــال، بغيــة شــحذ همم من ضــعفت عزيمتــه. فقــد كـان لســقوط عــدد كبــير من الضــحايا من الســرية

األولى وتعقد أمور العمليات أثرهما البالغ في إضعاف المعنويات.

وصــلتنا رســالة مفادهــا أن الفصــيل األول في الســرية الثانيــة بقيــادة األخ ميرآخوري قد واجه مشــكلة. تقــدمت حــتى وصــلت إليهم فــرأيت أن أحــداــة الشــباب. كـانوا على بعـد منهم ال يضغط على الزنــاد. تحققت من موقعيــون فكــانوا قــد شــقوا خمسين مترا من رتل اآلليات العسكرية. أما العراقيــاة والســاتر ــاة في األرض ورمــوا ترابهــا إلى الجهــة األخــرى. تلــك القن قن الترابي الصغير الــذي تالهــا كانــا عقبتين في طريــق الشــباب. هــذا وكــانت

البيوت المرقطة قد بدت على بعد مئة متر من الجادة. لم

323

ــا على هــذا الجــانب من يفصل بين الشباب والعدو سوى عشرين مــترا. كن القناة وكان العراقيون على الجــانب اآلخــر من الســاتر الــترابي الــذي يلي القناة، لكن أحدا لم يأت بحركة. كأن األجساد قد تجمــدت. كــان على أحــدــه كسر هذا الجليد. تطوع أحدهم، ذاك الذي قد ال يتوقــع أحـد منــه ذلــك. إن

تعبوي السرية الفوضوي الثرثار: الحاج هاشم!

ــة. كمــا كــان كان في العشرين من عمره، وكــان مفعمــا بالنشــاط والحيويا ومشاغبا بعض الشــيء. كــانت حركاتــه من بين ســائر التعبــويين ال فوضوي تخلو من غرابة. فقد كان باستطاعته، بمفرده، إثــارة الفوضــى في الفرقــةـام كلها، ناهيك عن السرية والكتيبة. لقد فعلها ذات مرة فعال. ففي أحد األيــدت، وأعــني بـــ"فقــدت" أبلغ الجميع بأن دراجة نارية خاصة بالفرقة قد فقرقت. نقب عناصــر الشــرطة العســكرية التابعــة للفرقــة معســكر أنهــا ســا على عقب، لكنهم لم يجــدوا "دوكوهه" المترامي األطــراف، وقلبــوه رأســ الدراجة النارية. أين كانت الدراجة طوال تلك المدة؟ كــانت بحــوزة الســيد هاشم! متى عرفنا؟ حين قبض عليه حـارس المعسـكر لحظــة خروجـه منــل المعسكر وهو على متن الدراجــة. خضــع الحــاج هاشــم للتحقيــق من قبــام بمثــل تلــك ــدا بعــدم القي قســم القضــاء في الفرقــة، وأخــذوا منــه تعهطوا لــه التصرفات ثانية. أردت أن أصرفه، إال أن أمــيري فــر وآخــرين توســــتفز لكي يبقى. غير أنه لم يكف عن شغبه. ففي مخيم "كرخه" لم يفتأ يس عالم الدين، ويقابله بالسخرية والهــذر حــتى تكــدر خــاطر ذلــك المســكين، وهم بأن يغادر المعسكر، وكدنا أن نبقى من دون إمام للصــالة لــوال تــدخل

اآلخرين.

قبيل العمليات، اعترت هذا الشخص نفسه -الحــاج هاشــم- ســكينة عجيبــةأثارت استغرابنا. كأنه جمر تحت الرماد أو ضوضاء في قلب السكوت!

324

صحت قرب رتل الفصيل األول من سريتي:- أطلقوا النار.. أطلقوا النار على هؤالء الجبناء..

كان الحاج هاشم أول المتقدمين في الهجــوم، فصــوب نحــو أحــد البعــثيين التعساء وأخذ يركض خلفه. فيما تولى سائر العناصر أمر بقية الجنود الذين قتــل بعضــهم، والذ اآلخــرون بــالفرار. الحــق الحــاج هاشــم ذلــك العــراقيـون قـد اتخـذوا التعيس الحظ حتى الـبيوت المرقطـة. وهنــاك كـان العراقي دشمة للرشاش الثقيل، فما كان من الحاج هاشم إال أن دمرها. عندما رأىــرت المعادلــة، وحــل التقــدم ا فتغي ــأوا روحي الشــباب بســالته وإقدامــه تعب

والتطهير محل الجلوس والنظر.

ركض عراقيان نحــو نــاقالت الجنــد، فشــغال محــرك إحــداها وهمــا بــالفرار. أعطيت أمرا ألحد رماة اآلر بي جي المحاذي لي بــإطالق النــار، فجثــا على

ركبته واستعد إلطالق النار. صحت:- أطلق.. أطلق..

انعطفت ناقلــة الجنــد بغيــة الرجـوع. أمــا رامي اآلر بي جي فكــان ال يــزال يعالج قبضة السالح، فما كان مني إال أن أخــذتها منــه ووضــعتها على كتفي لكي أرمي بنفسي، غير أن الناقلة اختفت. لم يكن ثمة أثر لها سوى دخان

في السماء. أرجعت اآلر بي جي لصاحبه خائبا.

أصيب مــير آخــوري، قائــد الفصــيل األول بجــروح، فشــد المســعف جرحــهفــون بنقــل الجــرحى. تواصــل التقــدم على الجــادة وأخــذه العناصــر المكلــات العسـكرية. كنت على وطرفيها، وشـن الشــباب هجومــا على رتـل اآللي اتصال بالحاج أميني، إمــا أكلمــه بنفســي عــبر جهــاز الالســلكي، أو يوصــل عامل اإلشارة رسائلي إليــه. عنــدما وصــلت إلى الرتــل وجـدت أن نــاقالت

الجند قد ركنت قرب بعضها البعض بحيث ال يمكن فتح

325

ــون من باب إحـداها. لعـل ذلــك كــان من أجــل أن ال يتمكن الجنــود العراقيالترجل منها والفرار.

ــة بــدء لم يكن للصف نهاية. أبلغت الحاج أميني عبر جهاز الالسلكي بإمكانيمنا عمــل الســرية الثالثــة. كنت مشــغوال بــالتطهير حين رأيت فــرخي. قســ

ـو ومـا زالت العمل فيما بيننا، فتولى هو وسريته - الـتي نــزلت الميــدان للت - مهمة تطهير الجهة اليمنى للجادة التي كانت األصعب. أما تتمتع بالنشاط

ــدة سريتي فتولت مهمة الجهة اليسرى منها. فيما كانت الجادة نفســها بعهكال السريتين.

ذات مرة، وبينما كنت واقفا على الجــادة بين نــاقالت الجنــد ســمعت جلبــة عالية. كان أحدهم يقول: "اقتله"، ويصيح اآلخر: "ال، ال تقتله، حرام عليك". تقدمت من الصوت وإذ بستة أو سبعة من شبابنا ومعهم أسير عــراقي قــد جلس مطرقــا برأســه إلى األســفل. ســكت الشــباب لــدى رؤيتهم لي. أمــا العراقي فقد عرف أنني المسؤول حين رأى عامل اإلشارة برفقتي. وضــع الحاج هاشــم ســبطانة ســالحه على صــدغ ذلــك المســكين وهــو ينظــر إلي

متسائال أيقتله أم ال؟ قال مساعدي ويدعى خاني:ــوا، لكن - يا أخ قيومي، امنع هؤالء. صحيح أن الشباب قد استشهدوا وجرح

هذا أسير..

حين اســتتب الهــدوء عــرفت أن األســير العــراقي أراد أن يأخــذ خــاني من الخلف ويدخله إلى ناقلة الجند، غير أن الشباب اكتشفوا أمره وحــالوا دون

ذلك. يا لحال الدنيا! لقد كان قلب خاني يحترق عليه أكثر من اآلخرين!

أشرت إليه بأن ينهض. عندما نهض رأيت أنه ليس إنســانا، بــل مــارد! فقــدكان رأسي يصل إلى صدره. كانت عيناه مغرورقتين بالدموع. رق

326

قلبي لحاله. أرسلته برفقة أحدهم إلى الخلف بغيــة أخــذ المعلومــات منــه.وبذلك نجا العراقي وفض النزاع في آن معا.

همس عامل اإلشارة في أذني بأن الحاج أميني يريدني في أمر ما. رجعت إلى الخلف مسافة مئة متر حتى وصلت إليه. كان الحاج جالسا في المكان

نفسه حيث انطلقت ناقلة الجند العراقية الئذة بالفرار.

جلست بجانبه. كانت خالصــة حوارنــا أن قــدرة كتيبــة حمــزة شــارفت علىـات. طلب النفاد، وأن الطريق مـا زالت طويلـة حـتى تحقيـق هـدف العملي مني الحاج أن أرجع إلى خــط التمــاس، لكي أطلــع قــادة الصــف األول فيــا كنت أهم ــات. بينم ــدو وأرض المواجه ــة والع ــوال الكتيب ــة على أح الفرق

بالنهوض ألنفذ أمره سألته مستغربا:- يا حاج، لم ال تخبرهم عبر جهاز الالسلكي؟

ــون. أخــبرتهم عــبر الالســلكي مــا أمكنــني. - من الممكن أن ينتبــه العراقيا، ويأتي بقوات الدعم. ينبغي على أحد أن يذهب ويخبرهم بذلك شخصي

ــة ا، والبالغ ــ ــاس ركض ــط التم ــتى خ ــق ح انطلقت ســريعا وطــويت الطريــوهت مسافتها ثالثمئة متر. عثرت على السيد رضا دستواره. لم أكن قد تف

سوى ببضع كلمات حين قطع كالمي وقال:- يا أخ قيومي، أنا ال أريد أن أرى قائد سريتي هنا أثناء العمليات...

قلت بغصة:- الحاج أميني... الدبابات... شباب محتشم...

فكرر قائال:- على قائد السرية أن يبقى إلى جانب قواته. مكانك ليس هنا...

هممت بالرجوع. ما إن رآني أهم بذلك حتى قال:

327

- سأرسل شباب "األنصار" إلى األمام بنفسي...

كان إيابي أسرع من ذهابي. قصصت على الحاج أميني القصة كاملة. ولمــا وصلت إلى نهايتها أبلغنا رضا دستواره عبر جهاز الالسلكي رسالة مفادهــا: إن األخ جعفر طهراني، أحد العناصر القدامى في قسم معلومات العمليات وأحــد كــوادر الفرقــة، ســيتقدم إلى األمــام بغيــة التحقــق من وضــع قواتنــا وقوات العدو. عندما رأيت أن عملي قد انتهى هنــاك، تــركت الحــاج أميــني

وعدت إلى قواتي.

ــات العســكرية ذاك. عندما وصلت قررت أن أكتشف مدى طــول رتــل اآللي

ــا. قمت بتشكيل دورية مؤلفة من خمسة أو ستة أشخاص، بعد ذلك انطلقن كنا نسير من الجهة اليســرى للجــادة تــارة ومن الجهــة اليمــنى لهــا طــورا، وعلى الجادة نفسها تارة أخرى حتى وصلنا إلى نهاية رتل الدبابات وناقالت الجنــد بعــد طي مســافة خمســمئة إلى ســتمئة مــتر. كــان عــددها يقــاربــل السبعين. أثناء الطريق كان الشباب يطلقون النار أحيانا أو يلقــون القناب اليدوية. ساد المكان صمت عجيب! بدت األرض والسماء وهميتين. لم يكن ثمة إطالق نار حقيقي سوى رصاصات كانت تطلــق من رشــاش "دوشــكا" بعيد. واصلنا التقدم. بعد مسافة مئــتي مــتر واجهتنــا مجموعــة حلقــات من األسالك الشائكة، وهذا يعـني أننــا اقتربنــا من مكــان عســكري مهم. تابعنــا

سيرنا متوخين حيطة أكبر. سبقنا أحد العناصر، ما لبث أن عاد وقال: - ليس هناك شيء. ال يوجد على الطــرف اآلخــر من األســالك ســوى بضــع

جثث ممددة.

تقدمنا جميعا. كــانت إحـدى الجثث تعــود للحــاج هاشــم، وأخـرى لفــتى منين. كــأنهم تقــاتلوا رجال لرجــل. السرية الثانية. كما كان هناك جثتان لعــراقي

فصلنا جثتي المجاهدين المقدامين عن ذينك القتيلين

328

وأخرجناهما من بين األسالك الشائكة لكي نحملهما معنا.

فجأة، وفي خضم ذلك السكوت تناهى إلى أسماعنا صوت يرافقه نــور الحــة. عنــدما اقــتربت بمــا فيــه ألبصــارنا. اختبأنــا. كــانت مركبــة "جيب" عراقي الكفاية أطلقنــا النــار نحوهــا. بــدورهم ردوا علينــا بشــكل عشــوائي. كــانت الغلبة لنا نظرا ألننا كنا نطلق النار على هــدف متحــرك من مكــان مســتتر. فجأة اخترق األسماع صوت غير منقطع لبوق المركبــة. بــدا وكــأن الســائق أصيب برصاص فهلك ووقع على المقــود. اقتربنــا من المركبــة بحــذر. فقــدا أو جريحا. وعندما رأينا أن ليس هناك كان من الممكن أن يكون أحدهم حيــة ــود بركل سوى بخار متصاعد من دمائهم تقدمنا، فأزحت السائق عن المق مني لكي يتوقف صوت البوق. كانوا ثالثة أشخاص. كان الشـخص الجــالس قرب السائق ضابطا. كما بدا أن الشخص الــذي جلس في الخلــف هــو منــة أردت أن أجمــع معلومــات ــك الحادث ــل وقــوع تل ــا. قب ــار علين ــق الن أطل استخبارية أكبر عن عمق جبهة العدو، لكن وبعد ذلك التأخير لم يعد الوقت متاحا لذلك. أبلغنا الحاج أميني بأن قيادة الفرقــة أصــدرت أمــرا بانســحابـا مكلفين ـ الكتيبة إلى خط التماس، نقطة بدء العمليات. طبقا لهذا األمر كن

بإخالء الجرحى والشهداء وتدمير آليات العدو ومدرعاته قدر المستطاع.

لدى سماعي ذلــك األمــر المــر ســرى التعب في جســدي وروحي، لكن لمــا يكن ثمة مجال لكي أظهر ذلــك. فمــا كــان ينبغي لقــواتي أن يــروني خائب ومنكسرا. ومهما كان األمر كنا تبعا له، سواء أكان أمرا بالتقدم أو التراجع.ــة الحــاج هاشــم جعلت أوصي نفسي بالصبر. نهضت واضــعا يــدي تحت جث وانطلقت. حضر الشباب ومــدوا يــد العـون، وحمــل آخـرون الشــهيد اآلخـر

الهمام من كتيبة حمزة، وأخذنا نطوي مسير العودة.

قبل وصولنا إلى آخر رتل اآلليات أرسلت أحد الشباب لكي يدمر

329

دبابة مطفأة كانت على الجهة اليسرى للجادة، فقد تكون مصدرا للمشاكللو بقيت سالمة. كما أن األمر بتدمير اآلليات قد صدر.

حين وصلنا إلى طابور اإلخوة رأيت فرخي، فتبادلنا الحديث. كانت األوضاع معقدة، فقد اختل نظم قواتنا، أمــا البعــثيون فمنهم من الذ بــالفرار، ومنهم من قتل أو تظاهر بالموت، ومنهم من اختبأ في جحــر مــا. وبمــا أن تطهــيرــو المكان من العدو لم يكن ممكنا في ذلك الوضع، كان األمر باالنسحاب ه القرار األمثل. قــررت وفــرخي أن نــدمر مــدرعات العــدو من نقطــة نهايــةــون ــانوا ال يزال الرتل، غير أن مشكلة واجهتنا وهي أن الجرحى والشهداء كا. أبلغنــا الحــاج ــات وعلى طــرفي الجــادة أيضــ على أرض الجــادة وبين اآللي أميني عبر جهاز الالسلكي بذلك، فما كان جوابه إال أن قال: إنه من المقرر أن تنجز قوات كتيبتي "األنصــار" و"حــبيب"، باإلضــافة إلى وحــدة "تعــاون"

الفرقة، مهمة إخالء الجثث سريعا.ــة، فتشــكلت على ريثما ينهي أولئك عملهم بادرنا إلى جمـع الــذخائر الحربيــثيين الجادة تلة من الذخائر العائدة لنا وللعدو. هذا وقد سقط عدد من البع الفــارين نحــو "خــور عبــد اللــه" على األرض بعــد أن اســتهدفهم عناصــرنا بنيرانهم. قلت في نفسي: الموت بالرصاص خــير من الغــرق في مســتنقع

الخور.

قرابة الثالثة فجرا بدأنا عملية تدمير اآلليات ابتداء من نهايــة الرتــل. دمرنــا ناقالت الجند األواخـر بواســطة اآلر بي جي نظـرا إلمكانيـة وجــود البعـثيين فيها، فال يصح االقـتراب منهـا في تلــك الحـال. أمـا تلـك الـتي في أواسـطــة. كنت وأحـد الشـباب الرتل وبدايته فقد دمرناهـا بواســطة القنابــل اليدوي نقفز فوق الناقلة، فيرمي كل منا قنبلة يدوية داخلها ثم نقفز إلى األســفل.

وهكذا فعلنا بالتالية والتالية.

330

ــة أحيانا كنا نسمع صوت أحد العراقيين من بين الناقالت فننتقــل إلى الناقل التالية. كنا نهدف من عملنــا هـذا إلى عـدم إتاحـة الفرصــة للعـراقيين، ألنــاك أدنى فرصــة ــون هن ــالي، وال يك ــوم الت ــات في صــباح الي يشــغلوا اآللي

لالشتباك في الساعات المتأخرة من تلك الليلة.

ذرعنا الطريق جيئة وذهابا ما بين كومة الذخائر ورتل اآلليات مــرات عــدة.فحين كانت ذخائرنا تنفد كنا نقصد التلة فنمأل جيوبنا وأيدينا ونقفل عائدين.

في نهاية المطاف أنهينا عملنا عند الســاعة الخامســة صــباحا. كــان الحــاجــرة أميني ال يزال في الموقع. قلت له إنني سأسلط ضوء المصباح آلخــر م على األجساد، لئال يبقى جريح أو شهيد لنا في المنطقة ال سمح الله. عندما

اطمأن باله قفل عائدا إلى خط التماس بإصرار مني.

أنجزت العمل الذي ذكرته، وكنت آخر من خرج من ميدان المواجهات.

في خط التماس بحثت عن أميري فر، إال أن أحـدا لم يكن لديـه خـبر يقين عنه. خالل الساعات العدة التي أمضيناها في الميدان أولت وحدة الهندسة في الفرقة عناية تامة بهيكل الســاتر الــترابي الواقــع على الخــط األمــامي وأعادت ترتيبه. كان هناك عدد هائل من الشهداء والجرحى الممددين على األرض. عمد أحد مسعفي السرية األولى، ويدعى علي شهبازي، إلى إعداد حجيرة لإلسعاف، ولم يأل جهدا في خدمــة الجــرحى. أمــا مركبــة "الجيب" الخاصة برضا دستواره فغدت سيارة إسعاف الخط األمامي. كــانوا ينقلــون فيهـا أوال الجـرحى، مجموعـة تلــو أخـرى إلى الخلــف، يليهم الشــهداء. في إحدى المرات، وبينما كنت أرفع أحد الشهداء ألضــعه على ســقف "الجيب" سالت دماء حارة من جميع أجزاء بدنــه على رأســي وجســدي! كمــا كــانت

جثة محمود أستاد نظري

331

ــاة - صديق السيد حسين دستواره الذي سبق أن ذكرت أنه كان يعيش حي - ممــددة على األرض، فمــا كــان مني إال أن وضــعتها هي األخــرى الرفاهية

على ظهر "الجيب".

عندما تركت خط التماس كان إخالء الشهداء قد شارف على االنتهاء. صدر األمر بتراجع كتيبة حمزة إلى الخطوط الخلفية. هذا وقد كــان مثلث مصــنعــتواره يبحث الملح مزدحما. بعد أن أديت صالة الصبح رأيت السيد رضا دس

بين جثث الشهداء عن شخص ما. ما إن رآني حتى خاطبني قائال:- هل قتلت شقيقي يا أخ قيومي؟

- ال يا سيد رضا... إنه حي. يقولون إنه جريح. حملوه إلى الخلف..

لكن كالمي لم يقنعــه، فواصــل البحث بين الشــهداء حــتى تعب وكــف عنعمله.

- ســميكة وثقيلــة جــراء الــدماء الــتي جفت كقماش الشوادر كانت ثيابي -ــا قــد عليهــا. كمــا ودخلت الــدماء إلى جزمــتي. وصــلت شــاحنة قالب - كن

- لنقــل الشــهداء فيهــا. تعــاون الشــباب في حمــل جثث األصــدقاء غنمناها ووضعوها داخل الشاحنة. أصــدقاء كــانوا حــتى ليلــة األمس يجلســون معنــاــة، ــبيت أو المدين على هذا التراب، وكان لكل واحد منهم من ينتظره في الــيرين. حين تم تحميــل جثث الرفــاق، ــزا بالنســبة لكث وكــان كــل منهم عزيــا انعطفت الشاحنة استعدادا للمغادرة وإذ بنهر من الدماء انهمــر من خلفه

وسال على التراب.

بـــدوري ركبت الجيب وتـــركت ذاك المثلث الـــدامي الـــذي ال يمحى مننا أمل بالنصر. الذاكرة، ومضيت عائدا على الطريق الذي قطعناه ذهابا وكل كـــانت ســـلواي الوحيـــدة أني أديت تكليفي في ذلـــك الطريـــق المليء

باألخطار، وقد أديته بشكل جيد. كانت المركبة تشق طريقها

332

قدما، أما أنا فكنت أتساءل: هل بقيت ألكــون شــاهدا على الســيطرة على ذلك الجسر وغيره من الجسور؟ غير أن هواء شــهر شــباط البــارد لم يبــق

لذهني المنهك رمقا لكي أجد جوابا لهذا السؤال.

نت قاعــدة الصــواريخ المهجــورة - - محال المعروفــة بالســاتر الهاللي عي الستراحتنا. عنــدما وصــلنا انضــممنا إلى رفاقنــا المجاهــدين. لم يكن هنــاك

أكثر من مئة شخص من كتيبة حمزة. عثرت على زاوية ونمت فيها.

استيقظت من نــومي قبيــل الظهــر. نــاولني الرجــل الهــرم المتــولي أمــورــا من الشــاي، فشــربته وزال عني العنــاء. الطعــام في الســرية الثانيــة كوب كانت وظيفــتي األولى في ذلــك اليــوم إعـداد إحصــائية للســرية تــبين عــدد الشهداء والجرحى واألصــحاء. طلبت من مسـؤولي الفصــيلين اللــذين بقيــا سالمين أن يحضرا إحصــائيتيهما. كمـا ذهب المعـاون مـير آخـوري إلحضــار

إحصائية الفصيل األول.

-13/2وصلنا خبر مفاده أن الجيش العراقي شن يوم ــام أي في رابــع أي - هجمات مرتدة عنيفة خصوصا على جادة "الفاو- البصــرة". أمــا العمليات

في جادة "أم القصر" فلم يتمكنوا من القيام بأي عمل وذلك ألننا لم نــتركلهم أي دبابة أو ناقلة جند سالمة.

في الرابع عشر من شهر شباط أبلغني الحــاج أميــني بــأن أســتعد لحضــور جلسة في المقر. بعد الظهر ذهبنا معا، يرافقنــا فــرخي، إلى مقــر التكتيــكــاهى إلى أســماعنا بشــكل متواصــل أصــوات ــا. تن ــان قريب في الفرقــة. ك متداخلة لعدد من األجهزة الالســلكية وجلبــة صــادرة من الغرفــة المحاذيــة للغرفة حيث الجلسة المنعقدة. كنت أكثر من تحدث في تلك الجلسة التي

دامت ساعة واحدة. تكلمت حول جميع

333

األمور، حتى الماء والطعام. في نهاية الجلسة تقرر أن أذهب برفقة الكتيبة المقتحمة التالية بغية االســتفادة من معلومــاتي. وهــذه كــانت نتيجــة كــثرة

الكالم! لكني وافقت بكل سرور.

بقي الحاج أميني في مقر أركان الفرقــة، فيمــا عــدت وفــرخي إلى مقرنــاــل. على متن سيارة تابعة للكتيبة. توليت القيادة بنفسي. كان الظالم قد ح كنت أقــود بمصــابيح مطفــأة. فجــأة رأيت ســيارة قبــالتي، فــأدرت المقــود فزعا، ونجونا بلطف اللــه من الحــادث. عنــدما ســكن روعي قلت: "الحمــد

لله، مرت على خير!".

قال فرخي: "يا أخ قيــومي، لــو كنت مكانــك لمنعت حــتى عجالت الســيارةمن أن تسير على الرمل المحاذي للجادة".

قلت وأنا أرى نفسي محقا: "سيد مهدي، هــل نســيت أننــا نســير بمصــابيحمطفأة..!".

ــدة، وإن علي أن لكن فــرخي لم يأبــه لمــا قلت وقــال إن قيــادتي غــير جي أتوخى الدقة أكثر. لم أسترسل في الجــدال معــه، واكتفيت بقــولي: "على

. عيني"، ثم سكت

في الخامس عشر من شباط علمت بأن الفرقة قد اتخــذت قــرارا حاســما بالسيطرة الكاملة على الجسر. كان كــل من كــتيبتي االقتحــام المتجــددتي النشاط، "سلمان" و"مسلم" قد تأهبتا لهــذا العمــل. عنــد الغــروب وصــلتــه عمــل غــير صــائب، إال أن المجاهــدين إلى مقر كتيبة "ســلمان". ورغم أن كانوا يؤدون صالة الجماعة في الساحة المفتوحة. التحقت بصالة الجماعة. كانت القذائف تتساقط قريبا وبعيدا ثم تنفجر، غــير أن أحــدا لم يأبــه لتلــك االنفجارات. لقد كانت تلك الصالة، بالنســبة لكثــيرين، آخــر صــالة لهم على

وجه األرض. بعد

334

تعقيبات الصالة، طلب مني مسؤول الكتيبة أن أتحدث مع قواتــه نــاقال لهمتجربتي في الليالي الثالث الماضية.

- يا شباب، توكلوا على الله. حذار أن يختل نظم الفصائل والمجموعات. الــاهرون ــثيين، فهم يتظ ــة الخالص على جثث البع ــوا عن إطالق رصاص تتوان

بالموت عادة. كونوا جادين في عملية التطهير. و...

ذكرت كــل تجربــة كــانت لي من تلــك الليلــة. حين أنهيت كالمي انصــرفت القوات إلى إماكنها لالســتعداد للهجــوم. أمـا أنـا فبقيت هنــاك ألشــارك فيــا االستعداد لعمليات تلك الليلة إلى جانب قائــد كتيبــة "ســلمان". ذهبنــا مع حتى خط التماس. كـانت الجبهـة قـد شــهدت تغـيرات جمـة، كمــا اشــتدتهر النحيــف يســتر وجهــه الرقيــق. قبيــل كثافة نيران العدو. أخــذ هالل الشــ

دقائق من بدء عمل كتيبة سلمان تناهى إلى سمعي صوت مألوف:- قيومي، هل أحضرت بندقيتك الليلة؟!

كان السيد رضا دستواره، الذي حضر إلرشاد كتيبة سلمان. قلت:- ال يا حاج رضا!

- ألم أطلب منك أن تحملها معك؟!- ال مشكلة يا حاج! عندما يستشهد أول شخص أو يجرح سآخذ بندقيته.

- حتى ذلك الحين قد يفعل البعثيون فعلتهم.- حتى ذلك الحين لدي قنبلتان يدويتان. لن أسمح لهم بأن يفرحوا...

تحقق قادة كتيبة سلمان من خطة هجــومهم للمـرة األخـيرة. أوصــيت بــأنيوكلوا إلحدى السرايا مهمة التقدم من أحد األطراف، لتهجم

335

على جــادة "أم القصــر" من الخاصــرة، وذلــك على بعــد مئــات األمتــار مننقطة بدء العمليات.

ــة ــات حــتى أصــيب مســؤول الســرية األولى في كتيب ــدأت العملي مــا إن ب "سلمان" بجروح، وهو المصير ذاته الذي كان لمسؤول الســرية األولى في كتيبة "حمزة"، ما أدى إلى تعقد عمل السرية. أرسل قائــد الكتيبــة معاونــهــدة. لكي يحل المشكلة، وقد حلها بالفعل. فلوال شجاعته لبقيت األمور معق

وهو نفسه ارتقى شهيدا.

عندما وصل نبأ شــهادة صــفا مظفــري، شــكل قــادة الكتيبــة مجموعــة من سبعة أشخاص -وكنت واحدا منهم- لكي تتقــدم وتعــاين األوضــاع عن كثب.

. بــدا كــل شــيء كمــا كــان في13/2عندما عبرنا خط التماس تذكرت ليلة ــة تلك الليلة تماما، غير أن العراقيين أخلوا الدبابات وناقالت الجند المحترق

وجاؤوا بأخرى سالمة عوضا عنها.

ــات العســكرية، لكن األخبــار الواصــلة عن لم تصل مجموعتنا إلى رتل اآللي مواجهات سريتي كتيبة "سلمان" كانت تحكي عن ذلك. استطاعت السرية الثانية -طبق ما توقعته- أن تلحق الخلل في صفوف تشــكيالت العــدو، وأن

تمهد الطريق الختراق جبهته.

كان البعثيون يقاومون بشكل متفرق. وقد اشتبكت مجموعتنا الصغيرة مــع إحدى مجموعاتهم وجها لوجه. رميت القنبلتين اللتين كانتا بحوزتي نحوهم، فعلت صــيحات األلم منهم. فجــأة وجــدتني وقــد ابتعــدت عن مجموعــتي. جعلت أجيل بطرفي يمينا وشماال قلقا، بينما أنــا كــذلك وإذ بي أســمع دويبت انفجار قنبلة يدوية خلفي، تاله مباشرة ألم في مؤخرة رأسي. لقــد أصــ بجــروح. حللت الكوفيــة عن عنقي وربطتهــا حــول رأســي. لم يعــد بقــائي مجديا. فلو بقيت لسببت المتاعب لآلخــرين. فمــا كــان مني إال أن انطلقت

عائدا إلى الخلف. كان ثمة

336

جرحى آخرون على الطريق فسرت برفقتهم.

في خط التماس رأيت رضا دستواره فقلت له: - يا حاج، لقد واجهت كتيبة "سلمان" مصير كتيبة "حمزة" نفســه. إن عــدد

دباباتهم ال يحصى...

قلت هذا وقصدت الدائرة الصحية. ضمدت جرح رأسي. ومضيت من مكانإلى آخر، حتى وصلت إلى طهران.

ــتي على كان ولدي محمد قد بلغ الشهر الثالث من عمره، وقد حملت زوجعاتقها مسؤولية الحياة بكل محبة.

لم أكمل فترة نقــاهتي وعــدت مجــددا إلى "خوزســتان". تنقلت من مكــان إلى آخر حتى وجدت كتيبــة حمــزة في دشــم وعنــابر "أرونــد كنــار". كــانوا

يستعدون للذهاب إلى مخيم "كارون"، فرافقتهم.

ـون دون باستخدامهم األسلحة الصاروخية ضد قوات المشـاة، حـال العراقي وصول الشباب إلى الجسر تلك الليلة. جــل مــا تقدمــه الشــباب خالل تلــك الليالي كان أربعة كيلومترات، وفي الليلة السادسة عشرة من الشهر كــانــات الجســر ال يزال يفصلنا عن الجسر مسافة كيلومتر ونصف الكيلومتر. بــه بالنســبة يشكل شاخصا لكال الطرفين، شاخصا للنصــر بالنســبة لنــا، ولعل لهم شاخص للشرف الذي عدموه! لقد خسروا شرفهم منذ سنوات عديدةـون خرمشـهر فسأسـلمهم مضـت، يـوم قـال صـدام: "إن اسـترجع اإليراني مفتاح البصرة". ولكنه لم يفعل. هــذا وقــد شــن نظــام العــراق في الثــامن عشر من شهر شباط هجوما مضادا، وأجبر القوات اإليرانية على الــتراجع،

فتراجعنا إلى الوراء نصف المسافة التي كنا قد تقدمناها تقريبا.

مهـدي فـرخي الـذي مـا فـتئ يتهمـني بجهلي بفن القيـادة حين كنت أقـودالسيارة ليلة رجوعنا من مقر أركان الفرقة إلى مقر كتيبة

337

حمزة، تعرض نفسه لحادث سيارة بعــد أربــع وعشــرين ســاعة، ونقــل إلى - الذي شاءه المولى مستشفى "نجمية" في طهران. تزامن هذا الحادث -

مع وضع زوجته حملها في المستشــفى ذاتــه، فــذهب مهــدي للقــاء زوجتــه وابنه بيد ورجل مكسورتين ومع باقــة من الزهــور طبعــا! وبهــذا رزق قــادةــه سرايا كتيبة حمزة الثالثة خالل ذينك الخريف والشتاء بذكور، هم: عبد الل

أميري فر، وابني محمد، وميثم فرخي.

ــد ــا لم نج حتى أوائل شهر آذار كان كل ظننا أن "أميري فر" قد جرح، لكنن له أثرا في أي مكان. لم يكن اسمه موجــودا في أي مستشــفى. ذات يــوم قصدت "معراج شهداء األهواز" بغية التعرف إلى أحد العناصــر المفقــودين في سريتي، فرأيت جثة "أميري فر" هناك، فأخبرت عائلتــه. ال أدري لمــاذاــه كــان قــد ســقط في الميــاه الراكــدة بجــانب اسودت جثتــه وانتفخت. لعل الجادة. كان قد أصيب برصاص في صدره ورجله. هــذا وقــد وجــدت ورقــة

ــا: أخلي في ، جــادة أم16/2/1986مرفقة بالجثة، فقرأتها، وقد كتب عليهالقصر.

ــاك ــدت إلى مخيم "كــارون". وهن ــة حســن إلى طهــران، فيمــا ع نقلت جث ذكرت يوم صعدنا برج المراقبة برفقة سائر مسؤولي كتيبــة حمــزة. يومهــا

قلت لـحسن: - سنذهب إلى خور عبد الله، وستستشهد في ذلك المكان الموافــق الســم

ابنك...

فقال: ال يذهبن خيالك بعيدا! سأســقيك هــذا الشــراب وأصــلي على محمــدوآل محمد.

وهكذا، فقد أتى على ذكر اسم ابني في كالمه أيضا.

أعيد تأهيل كتيبة حمزة في مخيم "كارون". فألحقت قوات كتيبة

338

سلمان بكتيبة حمزة. لقد أدهش فتح "الفــاو" الكثــير من القــوات القديمــة وجذبهم إلى الجبهة. أحد هؤالء كان األخ كبريــائي الــذي أصــيبت رجلــه في عمليات "بيت المقدس"، فلم يعد قادرا على العمل كما في الســابق. وقــدـات الفـاو من المستشـفى الميـداني أو من طهـران عاد بعض جرحى عملي إلى المنطقة. وهكذا كلفت الكتيبة ذات السريتين بمهمة الدفاع على جادة أم القصر. بعد انتهاء فترة المأمورية عدنا إلى عنابر "أرونــد كنــار". وهنــاك

-، فعاد أفراد الكتيبة إلى طهران في1365حلت السنة الشمسية الجديدة إجازة لمدة عشرة أيام.

ذهبت إلى "رباط كــريم" في أول فرصــة، فتفقــدت أســرة الشــهيد حســن أميري فر، وقرأت الفاتحة عند ضريحه. أطلق على مقــر التعبئــة التــدريبي في "رباط كريم" اسم "مقر الشهيد حسن أميري فر التدريبي". بعــد ذلــك قصدت منطقة "جهاردانكه" وتفقدت أسرة الشهيد كلستاني. ال أزال أذكــر من شهداء تلك العمليات: الحــاج هاشــم، أســتاد نظــري، مينــائي، وكثــيرين

غيرهم.

حين انتهت المأذونية، عدنا إلى الجبهة لنبدأ من جديــد. فــالحرب لمــا تضــعــر أوزارهــا، ولم تكن ثمــة فرصــة لالســتراحة والجلــوس. لم يكن أحــد يفك بالبقاء في المدينة. أما أولئك الذين ذاقوا مرارات الجبهة فكانوا أشد شوقا

للعودة إلى ساحات الجهاد.

أقحمت كتيبة حمزة في قتــال رجــل لرجــل1986في شهر آذار من العام ــدأ الهجــوم هــذه المــرة. حين وصــلنا إلى الخــط ــثيين، فهم من ب مــع البع األمامي وجدنا أن شكله قد خضع لتغييرات جمة، وقد أجريت عليــه أعمــال هندســية كثـيرة. فخــط التمــاس بـات على مســافة بضــعة كيلومــترات إلى

األمام من مثلث مصنع الملح. حفرت قناة بشكل عمودي على الجادة.

قبل القناة بمسافة خمسمائة متر بني ساتر ترابي على

339

هيئة يد عصا )هاللي الشكل(. أسفل منه استحدث ساتر ترابي ذو جدارين. كمــا إن المســتنقع على الجهــة اليســرى من الجــادة كــان قــد جــف فكــان

العناصر يتنقلون عبره.

تموضعت فصائل كتيبة حمــزة الثالثــة على النحــو اآلتي: واحــد على الخــطــوراء قليال، في ــالث إلى ال ــاني على مثلث مصــنع الملح، والث ــامي، الث األم قاعدة "ذو زنقة" الصاروخية. كان هذا التموضع للحؤول دون وقوع ضــحايا

بال طائل.

في ليلة الهجمة المرتدة شن البعــثيون هجــومهم على خــط التمــاس. كــان الحاج أميني نفسه داخل القناة. بادرت القوات المسـاندة بالتقـدم الســريع من مثلث مصنع الملح والقاعدة الصاروخية وذلك بشكل تدريجي، للوقوف في وجه العدو. عنــد منتصــف الليــل هــاجم العــدو الســاتر الــترابي الهاللي الشكل، فوقعت قواته في حصار مطبــق بين كــل من القنــاة، الجــادة على امتدادها، والساتر الترابي ذي الجدارين. فكــانت النــيران تنهمــر عليهم من ثالث جهات. سقط لنا في تلك الليلة مئة شخص ما بين شهيد وجريح، كمــا

وأصيب حسين دستواره في الليلة نفسها بجروح للمرة الثانية.

بعــد تلــك الهجمــة المضــادة الخائبــة رضــي نظــام العــراق بخســارة أرضــه واحتاللها من قبل إيران. ثبت كال الطرفين مواقعهما، واقتصر عملهما على

تبادل القصف المدفعي.

كنت في الجبهة عندما ولد محمد، وحين نطق أولى كلماته، وكذا حين سار أولى خطواته أيضا. جئت ذات يوم في إجازة فرأيت في وجهه مالمح حــال ال تمحى من ذاكرتي بتاتا. حال بين البكــاء والضــحك، بين الحــزن والفــرح. لقد سر لرؤيتي وفي الوقت عينه كان يفر مني. كــان يــركض مســرعا إلى

أحضاني تارة ويشعر بالغربة طورا. يومها التهب

340

ــه لم يكن باليــد كــل كيــاني، ولم أعلم كيــف أتصــرف إزاء ذلــك الغم! إال أنحيلة. لم يكن بأيدينا حيلة. إنها الحرب!

محمد اليوم رجل أتم العشرين من عمــره. أســتطيع اآلن أن أعتمــد عليــه. لكن ماذا عن عبد الله أميري فر؟ ألم أقصر أنا وغــيري في حقــه؟ فهــو لم يجــرب من ذلــك الشــعور المختلــط الــذي رأيتــه يومــذاك في وجــه ولــدي فاشتعلت، سوى الشعور بالغربة. ولم يذق لذة طعم حضن األب. أليس هوــة ســوى بعض أقرب إلى الله من ابني؟ لم يبق لي من تلك الحرب المهول الجــراح الــتي بقيت آثارهــا في جســدي والمــذكرات الــتي كتبتهــا. لكن في قلوب عوائل الشهداء، في قلب عبد الله أميري فر جراح ال تعرف االلتئام.

فليرحمنا الله جميعا، فليرحمنا الله!

341

وثائق الفصل الخامس عشر

الوثائق غيرالمكتوبة

الصور

الوثائقالمكتوبة

االسموالشهرة الصف

8 دقيقة245مقابلة لـ 1 هادي قيومي 1مقابلة مع العائلة لـ

7 دقيقة115 5 الشهيد حسنأميري فر 2

هادي قيومي-1 معلومات شخصية1-1

- إجازة في العلوم التربوية، متأهل ولــه ثالثـة أبنـاء، موظــف في مؤسسـةالثقافة والفن التابعة لبلدية طهران.

، قم.1961- تاريخ ومحل الوالدة: سنة - مدة الحضور في الجبهة ونــوع الخدمــة: خمســة عشــر شــهرا خدمــة في

التعبئة، وخمسة وعشرون شهرا خدمة في الحرس الثوري. 1981 )قناص(، مهاباد، 1980- التاريخ الجهادي والرتب العسكرية: آبادان

)قناص(. عمليات طريق القدس )رامي آر بي جي(. عمليات محمد رســولــات1الله )ص( )رامي آر بي جي(، عمليات والفجر )معــاون ســرية(، عملي

ــميران4والفجر )معاون سرية(، عمليات خيبر )معاون كتيبة(، خط شاخ ش )معاون سرية(. عمليات بدر )قائد سرية( عمليات والفجر1984الدفاعي،

)قائد سرية(. خط الفاو 8

342

ــات كــربالء 1986الدفاعي، ــات4 )قائد سرية(. عملي )قائــد ســرية(. عمليــات بيت8 )قائــد ســرية(، عمليــات كــربالء 5كــربالء )قائــد ســرية(، عملي

)قائد كتيبة(، عمليات مرصاد )عنصر حر في اللواء(.2المقدس

(، إصــابة في مــؤخرة الــرأس )1983- جراحه: إصابة في الرجل اليمــنى ) (، إصــابة في مرفــق اليــد1985(، إصابة كيميائية في الرئة والعين )1985

(.1986اليسرى ) %10- درجة اإلصابة:

الكالم األخير1-2

150الوثيقـــــــة رقم 111الصورة رقم

ــومي. الصــف112الصورة رقم - الصف األمامي: قي الخلفي، الشخص الثاني والثالث من اليســار: حســن

أميري فر، أسد الله بازوكي.

343

الشهيد حسن أميري فر-2 بطاقة خدمة1 -2

الصورة رقم 151الوثيقة رقم 113

رسالة2-2 )رسالة إلى مخيم األسرى اإليرانيين في العراق(152الوثيقة رقم

344

مذكرة خطية3 -2 دفتر أحمد أحمدي زاده2-3-1

، ضــمن الصــفحات143النســخة الملونــة لهــذه الوثيقــة في الصــورة رقم المرفقة آخر الكتاب.

ــورة رقم ــن114الص - من اليمين: حســازوكي، علي ــه ب ــد الل ــر، أس ــيري ف أم

ميركياني

الوصية2-4نسخة خط اليد غير متوافرة.

أعـزائي، دين اإلسـالم اليــوم هـو المسـؤول عن تحقيـق السـعادة والهنـاء، والضامن لتحقيق الراحة والرفاه في المجتمع، وال يمكنه األخــذ بيــد النــاس نحو التعــالي والتكامــل إال حين يكــثر الفــداء في ســبيله، وتــرخص األرواح، ويطيب الجود باألنفس في سبيل تطبيق أحكامــه. فكمــا قــال قائــد الثــورةــرعة الكبير: عندما يتذوق الناس لذة الثقافة اإلسالمية سينتشر اإلسالم بس على امتداد العالم، ويعود المحرومون والمستضعفون إلى حضــن اإلســالم، ولن ينحنوا أمام ذل المجرمين والظلمة أبــدا، ولن يطــأطئوا رؤوســهم لهم

تعظيما.

أعزائي، اشكروا الله كثيرا على نعمة القيــادة العظيمــة الــتي من اللــه بهــا علينا، فتشملنا بذلك رحمتـه وبركاتـه ونصــره، ونوفـق ألداء تكليفنـا بـالنحو

األحسن. لقد أوجب الله علينا الحرب والقتال وقال: إنه وإن

345

ب، وأنتم لهــذه المشــقات كــارهون، كان في الحرب والقتــال مشــقة ونصــ.1ولكن اعلموا أن عاقبة هذه الصعوبات والمآسي خير وسعادة لكم*

في الختام، لدي كالم مع عوائل الشهداء األعزاء.

يا عوائل الشــهداء، أيهــا اآلبــاء واألمهـات، ويــا زوجــات الشـهداء وأبنــاءهم. اعلموا أن الله تعالى يريد بعباده كمال اللطف والمرحمــة، وال يــأمر عبــاده إال بما فيه علو درجــات إيمــانهم ومقــامهم ومــنزلتهم. صــحيح أنكم فقــدتمــر صــعب، ولكن، أعزاءكم، وال شك أن تحمل فقد األحبة وفلذات األكباد أم بما أن هذا العمل هو امتثال لألمر اإللهي، وفقدكم أحبتكم كــان في ســبيل الله، فكونوا على يقين بأنكم لم تخسروا، بل إنكم تــركتم أيــدي شــهدائكم

وسلمتموها ليد الرب القادر المقتدر. أعزائي، من المسـلم أن تحمـل فقـد الشـباب أمـر مريـر، وأن فقـد الولـد والزوج واألخ واألب أمر ال يطاق، ولكن اعلموا أن حفــظ اإلســالم أعــز من

دماء شهدائنا.

يا من قدموا أحبتهم قرابين في سبيل الله اعلموا أن لكم عنــد اللــه مقامــارفيعا جدا.

مقابلة مع ابن الشهيد5- 2 ما سأقوله لكم بشــأن والــدي إنمــا هــو ممــا قــد ســمعته، ومن أخبــار أمي وجدتي واألصدقاء والمعارف. لقد أتعبوا أنفسهم وســاهموا في أن أتعــرف

إلى والدي من خالل ذكرياتهم رغم قصرها.

لقــد كــان لي من العمــر بضــعة شــهور عنــدما استشــهد أبي. اليــوم مضــىعشرون عاما على ذلك الوقت ويمألني الشوق لسماع أخباره.

1 (.. : من قسم البقرة، لكم خير وهو شيئا تكرهوا أن وعسى لكم كره وهو القتال عليكم كتب اآلية مضمون(.216اآلية

346

- في م1985التي كــانت في خريــف العــام لقد سجل أبي تاريخ والدتي -ــه كــان على بطاقة الهوية في شــهر آب )الــذي ســبق(. وهــذا يــدل على أن

عجلة لكي أتعلم. كان يريدني أن أصل بدراستي إلى مرتبة ما.

ــة. كــانت ما أعرفه عن حياة والدي القصيرة هو أنهمــا كــان يتبــادالن المحبــل أمي، كغيرها من زوجات المجاهدين، تحمل على كاهلها عبء البعد الثقي

عن أبي. عبء تضاعف ثقله أضعافا كثيرة بعد شهادته.

ــذي قيل لي إن أبي كان يحب الرياضة، فريق "رباط كريم" لكرة القدم، ال كان أحد أفراده ويلعب في خط الدفاع، فاز مرات عدة بلقب البطولة. كما

قيل لي إنه كان ملما بالمصارعة التقليدية.

قالوا لي إنه وفي السنوات األولى للحرب كان مسؤول الحرس في مدينــة "رباط كريم"، لكن العمل خلف الجبهة لم يكن بحجم طموحه، فتوجــه إلى

الجبهة.

ــى ــد أمض ــذكرى من أبي. لق ــنجان" ك ــتق في "رفس ــتان فس بقي لي بس المرحلة المبكرة من شبابه هناك. كلما قصدت رفسنجان وبستان الفستق

ذاك، أشم رائحته وأسمع وقع أقدامه قرب كل شجرة.

ــة تقول والدتي إن جثة والدي كانت قد اسودت. وكان فخذه مربوطا بكوفيــف فجــوة وثمة أثر لرصاصة أصابت صدره. وأحدثت لدى خروجها من الخل

كبيرة في ظهره.

ــه كــان والــدي"، لكني هذا كل ما لدي من معلومات عن رجــل يقولــون "إنــا لبطــل قاتــل في الجبهـة ببســالة، لكي أشعر بسعادة ال توصــف كـوني ابن أعيش وجميع أطفال إيران براحــة. أنــا أعلم أن األمن الــذي نعيشــه اليــوم

إنما هو نتيجة تضحياته وتضحيات رفاق دربه، وعلينا أن نقدر هذا األمر.

347

مكان الضريح2-6طهران، رباط كريم، مزار شهداء إمام زاده عماد

115الصورة رقم

116 الصورة رقم

348

349

الراوي: محمود أمينيالتوصيف: قائد كتيبة

م، طهران1992زمان ومكان المقابلة األولى:

الفصل السادس عشرالجادة الثالثة

م، وفي عمليات "بدر"، كانت قدماي قد1985 من العام 1في منتصف آذار وطئتــا للتــو الجهــة األخــرى من الهــور وشــرق دجلــة حين أصــبت بجــروح. فأرجعوني، أنا القادم لتوي، لتستغرق فترتي العالج والنقاهــة عــدة شــهور.

عندما جرحت كنت قائد كتيبة كميل.

عدت إلى منطقة الحرب. حينهــا كــانت الفرقــة قــد1985في صيف العام ــع ــألت عن موق ــاء. س ــديث اإلنش ــوزران" الح ــا في مخيم "ك حطت رحله كوزران، قيل لي إنها منطقة واقعــة بين "بــاختران" )كرمانشــاه( و"إســالم

آباد".

وصلت إلى هناك، فمــررت على مقــر الفرقــة أوال وأعلمتهم بحضــوري، ثم قصدت مقر "كتيبــة كميــل"، فلم أجــد ســوى عــدد قليــل من الخيــام شــبه المقفرة. فبعد إصــابتي، ســقط المســاعدون وســائر قــادة الكتيبــة مــا بين

شهيد وجريح، وقدمت الكتيبة في عمليات "بدر" خسائر

الشمسي 1 الهجري العام .1363أواخر

350

جمة. لم يبق من الكتيبة سوى قلة قليلة.

ـة الكتيبـة، إال أن آراء أول خطة خطـرت في بـالي كـانت إعـادة بنـاء هيكلي ، وظهــرت أمــامي1985أخرى طرحت بين شــهري آب وأيلــول من العــام

سبل أخرى.

ــا في ــازوكي، جارتن ــه ب ــادة األخ الجــريح أســد الل ــة حمــزة بقي ــانت كتيب كــة" ســنة ــات "فك . في1982"كوزران". لقد عرفت "أسد اللــه" منــذ عملي

ــولى تلك العمليات بترت يده من أعلى المرفق. اقترح علي ذات يوم أن أت قيادة كتيبة حمزة. لما سألته عن الســبب، قــال إن الفرقــة اقــترحت عليــهــه رفض االقــتراح لتبقى رايــة كتيبــة إنشــاء وحــدة التــدريب العســكري، وإنــاج "حمزة" مرفوعة، لكن بعيد مجيئي أخبر قيادة الفرقة بأنه إن وافق الح

أميني على تولي مسؤولية الكتيبة فسيكون حاضرا إلنشاء تلك الوحدة.

ــدة كنت أتفهم شعوره. فكل قائد تربطه باسم كتيبته وذكرياتها عالقــة وطي ومشاعر جياشة. لم يرد لكتيبته التي بــذل جهــودا حثيثــة مــدة ســنة كاملــة حفاظا عليها أن يمحى اسمها دفعة واحدة. وأنا، كذلك، لو لم أفقــد قــواتي

دفعة واحدة لكان لدي الشعور نفسه تجاه كتيبتي.

كان هذا الحوار ال يزال قائما ولما يصل إلى نتيجة ترجى، حين حزمنا أمتعة السفر تاركين "كوزران" لنقصد معسكر "دوكوهه". في "دوكوهــه" أخــذت أجــادل نفســي. درســت الظــروف وقمت ببعض االستشــارات، وفي نهايــة المطاف حسمت رأيي، فقطعت آمالي من كتيبــة كميــل وإعــادة إصــالحها، وقبلت مسؤولية قيادة كتيبة "حمزة". وبهذا لم يبــق من كتيبــة "كميــل" إال

اسمها وذكراها.

في ذلك الحين وقبله، لم يكن للكتائب في "دوكوهه" مبنى خاص.

351

عندما وصلنا إلى "دوكوهه"، ونظرا إلى انعدام القوات في كتيبــة "كميــل"، استقرت قــوات كتيبــة "حمــزة" في مبــنى كتب فــوق بابــه اســم "كميــل". وعندما بات أمر دمج الكتيبتين قطعيا أخذ اسم كتيبة "حمزة" مكانــه أعلى

الباب.

ة ـة الخاصـ ــة واإلعالمي بعد انحالل كتيبة "كميل" أحضرنا التجهـيزات التمويني بها إلى كتيبة "حمزة". كان لكتيبة "كميل" تاريخ عريق، فقد كان لدينا حتىــرت القــوات في الكتيبــة بين ظروف رسائل تحمل اسم وشعار الكتيبة. خي

، أو أخذ مأذونية. من بين1االنضمام إلى كتيبة "حمزة"، أو تصفية حساباتهم كوادر الكتيبة انضم السيد محمد مجتهدي معي -مساعدي في كتيبة كميل-

إلى كتيبة حمزة.

أقيمت جلسة تعــارف بيــني وبين قــوات كتيبــة حمــزة ووداع لـــ"أســد اللــه بازوكي" في أجواء حميمية. اجتمع شباب كتيبة حمزة على ســطح المبــنى،ــف من مئــتي شــخص. قــال وعرفني رضا دستواره إلى أفراد الجمــع المؤل

في نهاية حديثه عني: - األخ أميني جريح أيضا. أصيب برصاصــة "دوشــكا" في رأســه، وقــد مألوا

قسما من جبهته باإلسمنت.

تاله بازوكي فتحدث لعدة دقائق، وفي الختــام تحــدثت مــع الشــباب عشــرــق الجميــع حــول أســد اللــه ليودعــوا ا. حين انتهت الجلســة تحل دقائق أيضــ

قائدهم. لمحت في عيون بعضهم غصة عميقة، كانت لي نموذجا يحتذى.

في النصف األول من شهر تشرين الثاني أمضيت وقتي في ترتيب

أعمال 1 انتهاء أو لهم، حددت التي ومأمورياتهم وظائفهم أداء بعد الجبهة من العناصر خروج معاملة.. الجبهة من كاالنصراف آخر سبب ألي أو المحور،

352

أمور كتيبة حمــزة. قــام عــدد من العناصــر بتصــفية حســابه والمغــادرة من البداية. فيما أخذ بعضهم إجازة فذهب ثم عاد. حين انتهى الــذهاب واإليــابــدا ــأن على الراغــبين بالبقــاء في الكتيبــة أن يقــدموا تعه ــع ب أعلمت الجمي بالحضــور لثالثـة أشــهر، لكي يتسـنى لي التعويـل على قـواتي خالل إعـداد

الخطط، ولن يسوى حساب أحد قبل انتهاء األشهر الثالثة.

ــة كان قراري األول مع قيادة الفرقة هو خضوع عناصر الكتيبة لدورة تدريبي على العمليات البرمائية. سعيا مني إلصالح تشكيالت الكتيبة حللت الســرية الثانية التي كــانت تفتقــر إلى الكــوادر والقــوات، وذلــك لتكميــل الســريتينــد الســرية األخريين. كان علي ليائي قائد السرية األولى، وقاسم كاركر قائ الثالثة. أما علي ميركياني معاون الكتيبة فبات معاوني الخاص. كــان هــؤالء الثالثة من كوادر كتيبة حمزة الذين بقوا معي. أمــا الســيد محمــد مجتهــدي الذي جاء برفقتي من كتيبة كميل فعينته مساعدي الثاني. هــذا وقــد أبقيت كال من مسؤولي أقسام التجهيزات، شؤون العاملين، التعــاون، االستشــفاء )الدائرة الصحية(، التسليح، االتصاالت، المعدات واإلعالم في مســؤولياتهم

في الكتيبة.

ــا نحــو مخيم ــتين وأقســام أركانه ــة بســريتيها المكتمل ــوجهت الكتيب بهــذا ت "سفينة النجاة" التــدريبي الواقــع على ضــفاف بحــيرة ســد "دز"، والمــزود بخيم جاهزة معدة لسكن العناصر. قبل االنطالق رافقتنا سرية من القوات التابعة لوحدة "ذو الفقار" - وهي قسـم المعـدات في الفرقـة - لئال تـذهب قدرات مدربي وحدة البحرية سدى. حــل أولئــك ضــيوفا على كتيبــة حمــزة

أثناء مدة الدورة التدريبية، بعد ذلك عادوا إلى عملهم الخاص.

ــاة، ــة اســتخدام ســترة النج ــدريب على طريق ــدورة جــرى الت ــك ال في تلالسباحة، إدارة الدفة، االستتار في الماء واليابسة، وكذا طريقة الهجوم

353

من اليابسة إلى الماء وبالعكس. وفي نهايــة الــدورة أقيمت منــاورة مهمــة وناجحة في أخذ موطئ قدم على ســاحل العــدو. كــانت ميــاه بحــيرة "دز" باردة في تلك األجواء الخريفية، وقد تحملت القــوات التــدريبات والتمــارينــة حــل كــل من قائــد الفرقــة: وتلقتها بقوة وثقة. في يوم المنــاورة الختامي محمد كوثري، ومعاونه رضا دستواره، ومسؤول وحدة التدريب العســكري: أسد الله بازوكي يرافقهم آخرون من قادة الفرقة ضيوفا علينــا، ليشــاهدواــاورة بث عــبر شاشــة ــذه المن ــد تم تصــوير فيلم له ــدريبات. وق نتيجــة الت

.1التلفاز

سررت للقاء أسد الله. إذ ما برح رفاقه الذين بقوا في الكتيبة، مثل قاسم كاركر وميركياني، يحدثونني عن خصاله الحميدة، فكنت أزداد شوقا لرؤيتهــات يوما بعد يوم. كان له من العمر حوالى ثماني وعشرين سنة. بعــد عمليــه "خيبر" التي استشهد فيها قائد الكتيبة حسن زماني، قصد رفاقه أسد الل بازوكي ليسلموه راية الكتيبة. كان أسد اللـه حينهـا يعمـل في طهـران إثـر

".1قطع يده في عمليات "والفجر

كان الشهيد حســن زمــاني من قــدامى المجاهــدين في الجبهــة، ومن ذوي األسماء الالمعة في كتيبة حمزة. ولقد زينت عتبة باب مبــنى الكتيبــة العليــا

. وفي أي مكــان1984في معسكر "دوكوهه" باسمه المبــارك منــذ العــام نصبت لوحة مكتوب عليها: "نقطة الشهيد حسن زماني" كانت هذه اللوحة

.2تعلم بحضور كتيبة حمزة

إن تاريخ كتيبة حمزة حافل وجدير بالمطالعة. فقد أسس هذه

بعد 1 الجبهة في الفنية لألعمال تفرغ الذي القدامى الفرقة قادة أحد وهو دهقان، قاسم الفيلم بتصوير قام . العام من آب في قاسم الحاج استشهد النهاية في إلصابة .1996تعرضه

شباط 2 في جراغي رضا يد على حمزة كتيبة ". 1982تأسست وقد " المبين الفتح عمليات قبل وذلك ، سنة رضا والفجر "1983استشهد عمليات .1في فرقة" قائد وكان

354

ــات "والفجر الكتيبة من بقي من قوات كتيبة "سيف" التي انحلت بعد عملي ". يومها تولى حسـن زمــاني في مخيم "قالجـه" مسـؤولية الكتيبــة. وقــد1

ارتقى شهيدا في جزيرة "مجنون" بعد أن سطرت قواته أروع المالحم في " و"خيبر". بعد ذلك قصدت هيئــة أركــان كتيبــة "حمــزة"4عمليتي "والفجر

االخ بازوكي الذي رفع بدوره راية الكتيبة ثانية. بعد حضوره في خط "شاخــادة1984شميران" الدفاعي سنة ــذا قي ، والمشاركة في عملية "بدر"، وك

ــك خط الفرقة الدفاعي في "مهران" سلمني بازوكي مسؤولية الكتيبة وذل.1985سنة

ــد انقضــائها15استغرقت دورة التدريب على العمليات البرمائية يوما، وبع قفلنــا عائــدين إلى معســكر "دوكوهــه". وبمــا أن معظم القــوات كــان من الشباب والفتيان وهواة السباحة وركــوب الــزوارق، فقــد تخطــوا صــعوبات التدريب ومشاكله من خالل التسلية والترفيه الســليمين، كصــيد األســماك،ـات ـ ــارب عن العملي ــا أيقنت أن في جعبتهم تج ـة. حينه ـ ــثر حيوي ــاتوا أك فب المائية. في المخيم التدريبي كنت أمر أحيانا بجانبهم وهم مشغولون بشــي السمك بواسطة سيخ تنظيف البندقية، فكانوا يدعونني إلى مائــدتهم. كــان

رواج فن صيد األسماك وطهوها إحدى نتائج تلك الدورة التدريبية أيضا!

بعد وصولنا إلى المعســكر مــررت على مبــنى قيــادة الفرقــة وعلى الســيدعشرة أيام مأذونية! رضا دستواره لتلقي األمر التالي. كان األمر كاآلتي:

ــة، صباح اليوم الذي نقلت فيه خبر المأذونية أثناء المراسم الصباحية للكتيبــح أني لم أر بريق السعادة في عين أي عنصر من العناصر. كان من الواض نقلت لهم خبرا بائتا، وأن "إذاعــة التعبئــة" أطلعت المجاهــدين المحــترمين

على تفاصيل عمل الكتيبة!

355

ذهبت أنا أيضا مع العناصر في إجــازة. تفقــدت زوجــتي وأطفــالي وعــائلتيورفاقي، ثم عدت أدراجي.

ما إن عدت حتى علمت بأن الفرقة تلقت أمرا بزيــادة عــدد الكتــائب بغيــةــة االشتراك في العمليات اآلتية. لهذا كان واضحا للعيان وجــود حركــة دؤوب في كل مكان بهدف تشكيل كتائب جديدة. من بين كوادر كتيبتنا تلقى علي ميركياني أمرا بتشكيل كتيبة. لدى رؤيتي لهذه األوضاع بــادرت ســريعا إلىا بعدد من رفاقي القدامى الذين كــانوا يعملــون في طهــران، االتصال هاتفي وطلبت منهم الحضور الفوري إلى معسكر "دوكوهه". من بين هــؤالء كــان

هادي قيومي ومهدي فرخي.

في شهر كانون األول خضعت الكتيبة لتغييرات جمة فكان ال بــد من إجــراء ترتيبات جديدة فيها. انفصل عنا كل من علي ميركياني والحــاج علي ليــائي وعدد آخر بغية تشكيل كتيبة جديدة باسم "سلمان". من جهة أخــرى حضــر قيومي وفرخي من طهران لكي يساعداني في إدارة الكتيبة. تزامنت هــذه

- مـع أسـبوع التعبئـة وتوافـد "قاصـدو كـربالء"، بلطـف المـولى األحداث -الذين أثارت أمواج حضورهم ضجة في معسكر "دوكوهه".

مع وصول القوات المتوافدة اكتملت تشكيالت جميع الكتائب بما فيها كتيبة حمزة، فأتممت الحجــة مــرة أخــرى في المراســم الصــباحية: أن على منــه لن يســوى حســاب يرغب البقاء في الكتيبة الحضور مدة ثالثة أشهر، وأن

أحد في وسط الطريق.

ــادي كان قادة سرايا كتيبتي حينها: حسن أميري فر، قائد السرية األولى، ه قيومي، قائد السرية الثانية، مهدي فرخي، قائد السرية الثالثة، ما شاء الله نانكير، مسؤول اإلعالم، حميد سربي، مســؤول التســليح )الــذخيرة والعتــاد

العسكري(، السيد مجتهدي، مساعدي، قاسم

356

ــذين رافقــوني في كــاركر، عنصــر حــر، وغــيرهم... هــؤالء هم أنفســهم ال.1986 شباط 9" التي بدأت في 8عمليات "والفجر

كان حسن أميري فر رفيق الجهاد القديم لـبازوكي. وقد ســلمته مســؤولية السرية األولى، التي تقع على عاتقها أشــق األعمــال عـادة، بعــد استشــارة بازوكي. الحدث الذي ال أنساه من تلك األيام هــو أن قــادة الســرايا الثالثــة كــانوا جميعــا بانتظــار أول مولــود لهم، فكــانوا يبحثــون عن هــاتف عنــد أي فرصة سانحة، بغية محادثة عائالتهم في طهــران. أذكــر أن ابن أمــيري فــر

سبق اآلخرين في الوالدة، وأنهم سموه عبد الله.

اجتمعنا ذات يوم في مقر الفرقة، فتقرر أن نبحث عن مكان لنصب الخيامــدد أرواح ــا، فيته ــائب في داخله ــع الكت ــة، لئال تبقى جمي ــراف الثكن في أطــات المقبلــة خطــر القصــف الجــوي. لم يكن المخيم الشباب ومصير العمليا. فقــد كــان يحــد أحــد ــا جغرافي الســابق للفرقــة الواقــع شــرق الثكنــة، آمن أطرافــه جبــل، فيمــا تحيــط الصــحراء بجهاتــه الثالث األخــرى. حضــر ذلــك االجتماع كل من السيد رضا دستواره، أسد اللــه بــازوكي، جعفــر محتشــم، نصــرت أكــبري، علي ميركيــاني، وآخــرون. كــان ذلــك قبيــل الظهــر. قــال أحدهم: "هذا غير ممكن اليــوم، الــوقت يقــترب من الظهــر، وحــتى نــذهب

ونعود سيتأخر الوقت".أما أنا فقلت:

ل ظهــرا إلى مقــام الــولي الصــالح - على العكس، الــوقت مناســب. سنصــ "سبزقبا" في "دزفول"، فنؤدي صــالتنا، ونــزور الضــريح، ثم نتنــاول طعــام

الغداء ضيوفا على السيد رضا دستواره. بعد ذلك نقوم بعملنا.

ــرا لم اخــترت أن حسمت صلوات األصدقاء األمر. أما دستواره فبقي متحي"أخرب بيته" من بين جميع أولئك! لكن لم يكن لديه سبيل للفرار.

357

بعــد الصــالة والغــداء مضــينا على جــادة "دهلــران"، فتوجهنــا نحــو منطقــة "شاوريه" الواقعة غرب نهر "كرخه"، والتي تبعد مســافة ثمــانين كيلومــترا عن ثكنة "دوكوهه". لكن أسد الله بازوكي أشار إلى مكان قريب من النهر يبعد نصف المسافة السابقة. بتوجيه منه ذهبنا إلى "شاوريه" وإلى المكانــرملي المليء ــه ال ــد شــق طريق ــان نظــام صــدام ق ــه. ك ــذي أشــار إلي ال بالمنعطفات في سنوات االحتالل، وكانت المنطقة تعج بــالمقرات والدشــمــا مناســبا. من فــوق مرتفــع بعلــو التي اتخذت شكل حدوة الخيل. بــدا مكان مئتي متر أخذنا نجول بنظرنا على أرض المخيم المستقبلي الــذي يقــع إلى الشــرق منــه نهــر "كرخــه" الهــادر، وفي غربــه واد فســيح يشــبه الــدهليز. وبوضع بــرج للحراســة أمكن مراقبــة جميــع أنحــاء المخيم. هـذا وقــد بــدت

األخاديد الكثيرة والوديان التي تتخللها،مكانا مناسبا الستقرار الكتائب.

حظي المكان برضى الجميع، وأخذ كل قائــد يعين مكــان كتيبتــه أو قســمه،وإذ بصوت بازوكي يرتفع معترضا:

- ماذا عن قسم التدريب العسكري؟!

قال رضا دستواره:- إن أرض الله وهذا الجبل واسعان، وكل مسلم له مكان يكفيه.

ثم أردف مشيرا إلى شمال المخيم:- سيكون أعلى المدينة و"شميران" مخيما خاصا بالتدريب العسكري!

خذ لمقر كتيبة حمزة مكان في زاوية المخيم، والذي يعتبر مكانا جيدا من اتــة، وكــان طريــق الناحية األمنية. فقد أحاطت التالل بجهتيه الغربية والجنوبي

الوصول إليه عبر الجهة الشرقية والشمالية.

358

غادرنا المكان عنــد الغــروب. كــان بإمكــان وحــدة الهندســة العســكرية في الفرقة إنجاز بناء الساحة وإنشاء الطرق في غضون أسبوع واحد. هذا وقد تقرر استقرار شــرطة حراســة الفرقــة في تلــك المنطقــة بــدءا من اليــوم

التالي.

ــرا. في طريق العودة مررنا ثانية على بائع الكباب الدزفولي حيث أكلنا ظه كــان طعــام عشــائنا على نفقــة الحــاج عباديــان، مســؤول قســم التمــوين

والتجهيز آنذاك.

حين رجعنــا إلى الثكنــة تقـرر إرســال مجموعــة من كــل كتيبــة إلى المخيم الجديــد، بغيــة المســاعدة في أعمــال البنــاء. بــدوري أرســلت لهــذا العمــل

شخصا بإشراف حسن أميري فر.15مجموعة من

في أواسط شهر كانون األول، تسلم العناصـر غـير المسـلحين أسـلحة من قسم التســليح في الكتيبــة، واســتعدت الكتيبــة لالنتقــال. أخــيرا، وفي يــوم

شددنا الرحال نحو المخيم الجديد على متن الحافالت والشاحنات.

ــائب واألقســام، في مخيم "كرخه" بدأت التدريبات والتمارين الخاصة بالكت وكنت أشترك بنفسي في المراســم الصــباحية وتمــارين الليونــة والرياضــةالصباحية التي كانت تقام غالبا على مستوى الكتيبة مستغرقة وقتا طويال.

الــذي خضــع لشــتى أنــواع قام حميد سربي، مسؤول التذخير في الكتيبة - - التــدريب العســكري الكالســيكي، والــذي كــان ذائــع الصــيت في الرماية

ا. فكــان يعلمهم بإنشاء عدة صفوف للتــدريب العســكري للشــباب أســبوعيفيها طرق استعمال أنواع األسلحة العادية وكيفية فكها وتركيبها.

هذا وقد أقام قسم اإلعالم في الكتيبة صفوفا متنوعة لتعليم القوات

359

ــولى إدارة بعض تلــك الصــفوف أســاتذة في مــادة ــة. ت المعــارف العقائدي العقيدة، فيما كانت تبث في البعض اآلخر أشرطة مسجلة ومصــورة. وبمــا أن خيمة اإلعالم كانت تعنى بإقامة المراسم الصباحية وبث القرآن الكــريم واألذان في أرجــاء الســاحة، فقــد كــانت الخيمــة الوحيــدة المــزودة بالتيــار

الكهربائي من مولد يعمل على البنزين.

- بمســاعدة مســؤول التجهــيزات والتمــوين بعد مدة أحضرنا إلى الكتيبــة - مولدا كهربائيا يعمل على الكاز، فتولى الشباب أنفســهم مهمــة التمديــدات الكهربائية إلى كافة خيم الكتيبة بغية إنارتها ليال. إال أن تلك اإلنــارة وفرحــةــد واحــترق، الشــباب لم تــدم ألكــثر من أســبوع واحــد، فقــد اشــتعل المول

وعطبت جميع األسالك!

حينما كان أحدهم يدخل فناء الكتيبــة لم يكن يجــد صــعوبة في العثــور على خيمة القيادة فيها. فقد كانت شــاحنة "تويوتــا" وقــاطرة مركونــتين بجــانب خيمتنا غالبا. كان لكل كتيبة شاحنتان، وضــعت إحــداهما في تصــرف قســم التجهيزات في الكتيبة. في العام نفسه استرجعت وحدة النقل في الفرقــة الشاحنات القديمة من جميــع األقســام والكتــائب، واســتبدلتها بــأخرى ذات هياكل جديدة، فكان الشباب يطلقون عليها اسم "التويوتا الفاسقة" بسبب

شكلها الخارجي الجميل!

في خيمة قادة الكتيبــة الــتي تســمى بخيمــة القيــادة، كنت أنــا ومســاعداي وساعيا بريد وأمين سر الكتيبة وعدد من العناصر الحرة. عندما كانت تقــام

في خيمتنا جلسة مع قادة الكتائب كان المكان يضيق بالجميع.

ا. في تلــك الجلســات كنت أنقــل إليهم كان ذلك يحدث عدة مرات أســبوعياألخبار الجديدة، أو نتحادث بشأن التخطيط لمناورات على صعيد الكتيبة.

360

كمـا كـان رائجـا في بعض في كتيبة حمزة كـان ارتـداء البنطـال الكـردي - - والتدخين ممنوعين. أما مسنو الكتيبــة المعتــادون على التــدخين، الكتائب

فقد سمح لهم بالتــدخين في الخفــاء وبعيــدا عن األنظــار. لم يكن أحــد في خيمة أركان الكتيبة مدخنا. وإن كان ثمة مــدخن فكــان يمتنــع عن التــدخين داخــل الخيمــة احترامــا ألمــري. كنت أعتمــد االعتــدال والوســطية في كــلــذين األمور. فالتدخين في المأل العام ممنوع على الجميع، أما كبار السن ال قضوا عمرا وهم يمارسون هــذه العــادة الخاطئــة فقــد كــان مســموحا لهمــالس بالتدخين بقدر رفع الحاجة بشكل مخفي. كانت هذه طريقتي في مجــو العزاء أيضا. وقد رضي الشباب بهذه الطريقة وتقبلوها بشكل صحيح. فل سبب منشد ما في كتيبة حمزة هرجا ومرجا كان الشباب أنفسهم يبتعدون

عنه.

كانت األعمال التدريبية في الكتيبة تسير على مــا يــرام، إلى أن حــدث في إحدى المناورات أن استشهد أحد التعبويين، كما أصيب األخ سربي بجــروح

طفيفة سرعان ما برئ منها.

كدرت تلك الحادثة األليمة صــفو حيــاة الجميــع. لم يكن بيــدي حيلــة ســوىم كل من بحوزته نــوع من تقصي أسبابها. وكانت النتيجة أن أمرت بأن يسلــه ال يحــق العتاد الحربي سالحه إلى قسم التسليح في الكتيبة، وأبلغتهم بأن ألحد حمل السالح سوى مسؤولي الفصائل والسرايا. وقد أقمنا في الكتيبةا مجلس تـأبين تخليـدا لـذكرى رفيـق جهادنـا الشـهيد. في تلـك األيـام أيضـ قدمت كتيبة "األنصار" شهيدا في إحدى مناوراتها، ما زاد من عزيمتنــا على

توخي الحيطة أكثر.

بين أواخر شهر كانون األول وبداية كانون الثاني، حضر محسن رضائي إلىمخيم "كرخه". أخبرنا من مقر الفرقة فذهبنا إلى

361

تصــلنا عــبره األخبــار1هناك. وجد في خيمة قيــادة الكتيبــة هــاتف عســكري العادية من قبل قسم االتصاالت في الفرقة. أما الرسائل المهمة والســريةا. عندما وصلت إلى خيمة المقر فكان ساعي بريد الفرقة يبلغنا بها حضوري كان جميع مسؤولي الكتــائب واألقســام في الفرقــة حاضــرا. كنت منشــغال باالستفسار عن أحوال بازوكي حين بدأت الجلسة. تحدث محسن رضــائي، وقد جلس بإزائه محمد كوثري، لمدة ساعة أمــام الحاضــرين. مــا بقي في ذاكرتي من كالمه هو: إن كسر خط العدو والتقــدم إنمــا هــو نصــف العمـلــه أصــعب من األول، فهــو حفــظ المنطقــة فحسب، أما النصف اآلخر، ولعلــات ال يقــل أهميــة عن المحررة. فصد هجوم العدو المضاد في نهــار العملي التقدم ليلة العمليات، بل قد يكــون األول أكــثر أهميــة.. لــو نجح العــدو فيــة.. ال إجبارنا على التراجع أثناء الهجــوم المضــاد، فكأنمــا لم نقم بــأي عملي ينبغي للقوات أن تخلد إلى الراحة مباشرة بعد العمليات، عليهم أن يحفرواــا، لكي يــأمنوا شــر دشــما لهم، أو أن يعــدوا ملجــأ ولــو كــان صــغيرا ومؤقت

الرصاص والشظايا المتطايرة.

قام محسن رضائي في تلك الجلســة بتحليــل نقــاط قــوة الجيش العــراقي ونقاط ضعفه، وأعلن أن العمليات القادمة ستترك تأثيرا بالغا على ظروف وأوضاع منطقة الشرق األوسط برمتها. سيصيب الهلع حماة نظام العراق، وستفقد طــرق إمــدادات العــدو أمنهــا. في ختــام حديثــه شــدد على أهميــةــدة، ــدو الجدي التدريبات مقابل األسلحة الكيميائية التي كانت تمثل حيلة الع

والتي كان يلجأ إليها عند المواقف الحساسة.

عقارب 1 مع باإلصبع األرقام يأخذ الذي الدائرة القرص ذو الشكل المربع القديم الهاتف اي، قورباغه تلفنالساعة..

362

تال ذلك تقرير وضعه قائــد الفرقــة بين يــدي القائــد العــام للحــرس الثــوري يرتبط بالوضع العام للفرقة، ومدى جهوزية الكتائب. بعــد ذلــك أدينــا صــالة الجماعة ثم جلسنا على مائدة العشاء. بالطبع، المكان هنا ليس "دزفــول"، وبالتــالي لم نحــل ضــيوفا على أحــد. كــان الطعــام طعــام الفرقــة وســائرة كــل شــخص محــددة ومســاوية لحصــص التعبــويين نفســه، وكــانت حصــ

اآلخرين.

في اليوم التالي جرت مراسم صباحية مشتركة على صعيد كتائب ووحدات الفرقة كافة، وخطب محسن رضائي أمام جموع المجاهدين الثائرين. أثناءــات ــك األبي ورودهم أنشد شباب كتيبة حمزة شعرا بشكل جماعي. كانت تل الشــعرية تتنــاهى إلى األســماع كــل صــباح من ســاحة المراســم الصــباحية

الخاصة بالكتيبة:يجب االستعداد للفداء يجب العبور من الدنيا بيسر

ما أجمله من عروج إنساني أن نمضي نحو الحسين بوجه دام

سر الشباب كثيرا لدى رؤيتهم القائد العام للحرس الثوري، وبعد ســماعهمـات القادمـة. بـدا خطابـه أخـذ كـل واحـد منهم يتكهن حـول منطقـة العملي واضحا من خالل األحاديث الــتي طــرحت بــأن "إذاعــة التعبئــة" لم تســتطعــدت جلســة هذه المرة أن تقدم أي تخمين يقارب الواقع. مساء، عندما عقــني على علم بمكــان في خيمــة قيــادة الكتيبــة، كــان ظن قــادة الســرايا أن العمليات، وعلى حد قول التعبويين: إن القضية من باب "قــالوا ال تقولــوا".ا أدنى اطالع على منطقــة ــه وحــتى ذلــك الحين لم يكن لــدي أنــا أيضــ إال أن

العمليات. في ذلك الحوار الساخن

363

أخذ كل واحد يدلي بدلوه ويقدم حدسه.

ــني فيمــا يرتبــط ــوراء، فحــدثتهم عن تخمي ــذاكرتي إلى ال ــدوري رجعت ب ب" التي كنت قد سمعت خطتها قبل عمليات "بدر".7بعمليات "والفجر

يومــذاك علمت من األخ دســتواره بــأن قــادة الجيش والحــرس يخططــون لعملية تقوم على عبور نهر "أروند"، وهي خطة تعتبر غير قابلة للتنفيذ في انظمة وخطط جيش نظامي كالسيكي. وبما أن تلك البقعة كانت المنطقــة الوحيدة التي لم تصل إليها جبهات القتال فقد عرضــت تكهنــاتي حينهــا فيــه قــد تقــرر الجلسة، وقلت: ربما عادت تلك الفكرة إلى الحياة ثانيــة، ولعل العمل في ذلك المكان مجددا. كما إن تاريخ العمليات الماضية يلفت نظــر

ــهر" أقفلت ــد فتح "خرمش ــه. بع ــان نفس ــرء إلى المك ــر1الم ــة إث المنطق عمليات "رمضان" في منطقة "شلمجه" ونقطة حراسة "زيد". كانت تلــك المنطقة النقطة األقرب إلى مدينــة البصــرة في العــراق. في شــتاء العــام

ــة" و"والفجر1983 " في منطقــة1 ونيسان جرت عمليتا "والفجــر التمهيديــة"، وتعطــل طريــق الحــل ذاك. في شــتاء العــام وشــتاء العــام1984"فك

ــوذ التالي جرت عمليتا "بدر" و"خيبر" الكبيرتان في الهور العظيم بغية النفــق الهــدف النهــائي. بنــاء على إلى البوابة الشمالية للبصرة، ولكن لم يتحقــات ذلك كان السبيل الوحيد المتبقي لكسر ذلك الحصار وفك عقــدة العملي

ــان7هناك هو عبور نهر "أروند" الصاخب. إال أن عمليات "والفجر ــتي ك " الــوقفت بســبب ــاون مــا بين الجيش والحــرس ت ــا بالتع ــرر إجراؤه من المقــوطئ اختالف وجهات النظر في طريقة العمل. كان الجيش يخطط ألخذ مقدم على ساحل العدو بالطريقة الكالسيكية وعبر نيران المدفعية الثقيلة.

وتعسر 1 العدو يقظة بسبب وذلك ممكنا، فيها العمل يعد لم وبالتالي أمرها، كشف أي المنطقة أقفلت. الضحايا من كبير عدد سقوط مع ذلك وترافق العمليات،

364

في حين أن رؤية الحرس كانت مبنية على العمليات المباغتة والليلية.

م،1983كــان ثمــة عــدد كبــير من التالميــذ في كتيبــة حمــزة. حــتى العــام ـون فرصــة ـ ـات العســكرية لم يجــد الطالب التعبوي ـ وبحكم تــوالي العمليــترة للدراسة. لكن، وبعد عمليات "خيبر"، حيث بات يفصل بين العمليات فــة طويلــة، قــرر الطالب الحاضــرون في الوحــدات العســكرية متابعــة زمني تحصيلهم العلمي. في ذلك الوقت، ولحســن الحــظ، كــانت كتيبــة "حمــزة"

المســؤول تضم مديري مــدارس فضــال عن معلمين، حتى إن األخ مظفــر - - كـان موجـودا. وبـذلك فقـد الرفيـع المسـتوى في وزارة التربيـة والتعليم

كانت العناصر البشرية متوافرة من أجل نجاح التالميذ في بلوغ مقاصدهم.

ى في ســاحة الكتيبــة يومــا فــرأيت أحــد المجاهــدين غارقــا في كنت أتمشــ مطالعة كتاب ما. كان مشدودا إلى عملــه بالكامــل بحيث لم يلتفت إلي إالـة واالحـترام. قلت لـه وقـد بعد أن صرت مواجهـا لـه. حين رآني أدى التحي

غمرتني الفرحة لرؤيته مشغوال بالدرس:- ادرس جيدا لكي ال تتأخر عن زمالئك لدى عودتك إلى بيتك.

- حاضر يا حاج... ولكن أليست الجبهة جامعة كما يقولون؟

حركت رأسي موافقا. فقال: - إذا مــا دمنــا أتينــا إلى الجامعــة فمــا الــداعي إلى الــذهاب والحضــور في

صفوف األكابر مجددا؟

رأيت حس الدعابة في عينيه، وضحكنا معا. نظرت إليه، فرأيت فيه خليطــا من الفضــائل: فــتى يــافع، تلميــذ، تعبــوي، ســعيد، طريــف، مــؤدب، محب، جريء و... وغيرها من عشرات الفضائل التي ربما خفيت علي. غمر كياني

- في أعني خادما سرور عظيم لكوني قائدا -

365

الجبهة لديه أمثال هؤالء المجاهدين.

ــة الكتيبــة. في إحدى الليالي قررنا تنظيم مســير ليلي للحفــاظ على جهوزي كنا بانتظار توقف الذهاب واإلياب ونــوم الجميــع وســكونهم. جلســنا ورحنــا وجئنا وانتظرنــا، لكن من دون جــدوى. ففي الســاعات الــتي تســبق طلــوع

الصباح إذ يحلو النوم، كان نصف الكتيبة مستيقظا ومنشغال بتهجد الليل.

ــاآلخرين. إال كانت ثيابي تماثل ثياب التعبويين هيئة ولونا. أحببت أن أكون كحين كنت أذهب إلى جلسة رسمية فكنت أرتدي زي الحرس الثوري.

كنت وســائر قــادة الكتيبــة نقصــد خيم الفصــائل بين الحين واآلخــر، فنحــلــدعو فصــيال آخــر ــان، كــان أحــد الفصــائل ي ضــيوفا عليهم. في بعض األحي فيخبروننا بذلك. حينئذ كان الشباب أنفسهم يهيئــون ضــيافة إضــافية كعلبــة

"دوغ".1حلوى أو بعض الخضار أو الفاكهة أو شراب اللبن

ــثر ــان أك أيام الجمعة، كانت الكتيبة تعطي إجازة قصيرة األمد للعناصر، فكـة أو ـ العناصر يقصدون المدينة لشراء الحاجيات أو إجراء المكالمات الهاتفيــا كنت ومســؤولو الســرايا نــذهب إلى "دزفــول" بقصــد االســتحمام. أحيان الزيارة والســياحة في آن. كــان اســم بــائع الكبــاب المعــروف في المدينــة "إحسان"، ذاك الذي قصدناه برفقــة دســتواره وعباديــان وســائر األصــدقاء مرات عدة، وأسعدنا النفوس بتناول الغداء عنــده. كــان حســن أمــيري فــر

يتلو هذه اآلية من باب الفكاهة:- هل جزاء اإلحسان إال اإلحسان؟

- أننا حين نأتي إلى "دزفول"، بال قياس أو تشبيه كان يقصد بذلك -

1 . - لبنان في العيران معلبات يشبه الماء إليه المضاف اللبن دوغ،

366

أيحسن أن ال نقصد محل الكباب "إحسان"؟

، ذهبنا إلى حقل الرمايــة ليجــرب العناصــر85في أواخر شهر كانون األول أسلحتهم. وبسبب الحادث الذي وقــع في المنــاورة الــتي جــرت قبــل عــدةــوا عن ــادة أن ال يغفل ــزاح، وأن على الق ــال للم ــدت أن ال مج ــابيع، أك أس

عناصرهم ولو للحظة. لحسن الحظ لم يحصل هناك أي مكروه.

كانت الكتيبة على أتم الجهوزية. أبلغت مقر القيادة والسيد رضــا دســتواره بجهوزية الكتيبــة، وطلبت مأذونيــة لهــا. تمت الموافقــة على ذلــك: خمســة أيام، باإلضافة إلى "يــومين على الطريــق". كــانت تلــك المأذونيــة األخــيرة

ــات "والفجر ــدت على الجميــع أن ال8للكتيبة قبل عملي ". قبيــل الــذهاب أكــدريبات ــة والفرقــة والت ــوا مــع أحــد في طهــران حــول وضــع الكتيب يتكلم والتمارين العسكرية وتنظيم القوات ومنطقة استقرارهم وكل مــا يعلمونــهــات القادمــة عرضــة لفتنــة عن الجبهــة، وذلــك لكي ال يكــون مصــير العملي

العدو.

في األيام األخيرة من شهر كانون األول شاركت في جلسة قيــادة الفرقــة. كانت الفرقة في حالة من الفوضى بسبب نقل القوات وانتقالها. بعد ذلــك

توالت الجلسات الواحدة تلو األخرى.

في أحد األيام غادرنا مخيم "كرخـه" برفقـة دســتواره وســائر المســؤولين، وتوجهنا نحو جادة "األهــواز" وصــوال إلى "دارخــوين". كــان المخيم الجديــد

- يقع هناك، غرب نهر "كارون"، من جنــوب وبالطبع لسائر الفرق للفرقة - "األهــواز" حــتى "خرمشــهر" وفي أطــراف بســاتين النخيــل. بعــد أن حــدد السيد رضا موقع كل كتيبة، رجعنا إلى مخيم "كرخــه"، وتــوجهت مجموعــة

- نحو المخيم الجديــد بغيــة نصــب الخيــام. كما جرت العادة من كل كتيبة - طلبت من المسؤولين تهيئة القوات لتسليم حقائبهم ووســائلهم الشخصــية

إلى "قسم التعاون". كما طلبت

367

منهم أن يكتبوا آخر رسائلهم، ألن جميع أشكال االتصــال بطهــران ســتكونمقطوعة في المخيم الجديد، وستقتصر على الرسائل الواردة.

دب النشاط والحماسة في الكتيبــة من جديــد. في زوايــا الباحــة وأطرافهــا انشــغل بعض العناصــر بكتابــة وصــاياهم لكي يســلموها إلى قســم تعــاون الفرقة مــع وســائلهم الشخصــية، إذ إن حقــائب الجــرحى والشــهداء كــانتـات. كـانت الوصـية الـتي كتبتهـا قبـل ترسل إلى عناوين بيوتهم بعـد العملي عمليات "الفتح المبين" ال تــزال بحــوزتي. بعــد مــرور عــدة ســنوات فتحتــذي كنت الظرف وقرأت محتواها. لم يكن ثمة ما أضيفه. كالمي هو ذاك ال قد كتبته. اكتفيت بكتابة تــاريخ اليــوم أســفل الوصــية ووقعتهــا، ثم وضــعتها

، حينهــا1983قرب كتاب "مفاتيح الجنان" الجيبي الذي الزمني منــذ العــام وزعت الفرقة كتب "المفاتيح" على الجميع، فكان أحدها من نصــيبي. كــان

حجم الكتاب وخطه جيدا، ال صغيرا وال كبيرا.

قبــل مغادرتنــا مخيم "كرخــه" خطب الســيد مجتهــدي ذات ليلــة في جمــع قوات الكتيبــة خطبــة رائعــة نفــذت إلى قلــوب الجميــع. كــانت خطبتــه عن الشهادة والشفاعة. كان الجميع، شيبا وشــبانا، يبكــون، ال من الخــوف، بــل

شوقا إلى السبيل السامي الذي اختاروه.

في اليوم التالي غادرنا مخيم "كرخه". انطلقنـا عنـد الظهـر بغيــة الوصـول إلى مخيم "كارون" مساء. كان المخيم الجديــد صــغيرا جــدا، وكــانت الخيم

ضيقة. نبهت إلى ضرورة ستر الخيام جيدا.

في مخيم "كارون" كانت المراسم الصباحية والتمارين الرياضية التي تليهــا تقام كما في السابق. وكنت أتردد بشكل متواصل بين الكتيبة ومقر قيــادة الفرقة. رحلة كــانت تســتغرق في كــل مــرة مــا بين العشــرين دقيقــة إلى

نصف ساعة بالسيارة.

368

تارة كنت أذهب لتلقي خبر جديد، وأخرى كانوا يســتدعونني، وطــورا أذهب وسائر القادة لحضور جلسة مع مسـؤولي مقـر القيــادة أو قيــادة الفرقـة..ــد كــل مــرة على تعليم ســبل التصــدي ــدوره مــا بــرح رضــا دســتواره يؤك ب

للهجمات الكيميائية. ذات مرة تقرر إجراء مناورة مشتركة بيننا وبين قسم البحرية ألخذ مــوطئ قدم عند ساحل العدو االفتراضي. لدى عــودتي أعطيت مســؤولي الســرايا والوحدات التوجيهات الالزمـة، ووضــعت بالتعـاون مــع أمـيري فـر، قيــوميــدة أجريناهــا بنجــاح في اليــوم التــالي بمســاعدة قســم وفــرخي خطــة جيــة في الفرقـة. في تلــك المنــاورة ركب الشــباب على متن الــزوارق البحري لعدة ساعات في نهر "كارون"، وأحكموا في النهاية السيطرة على ســاحل

العدو االفتراضي.

ــة على مســتوى هذا وقد أجرينا، بناء على توصيات دستواره، مناورة تدريبي الكتيبة في كيفية التصدي للهجمات الكيميائية. في تلك المناورة سار جميع عناصر الكتيبة لساعات، واضعين األقنعة الواقيــة على وجــوههم، ومرتــدين السترات الواقية من المطر لكي يتعرفوا إلى هــذه الصــعوبات. وقــد قمت

في تلك المناورة الشاقة بمشاركة أفراد كتيبتي.

في مخيم "كارون" ذهبنا إلى حقل الرماية لتجريب األســلحة مجــددا ورفــع إشكاالتها. وحسنا فعلنا، إذ إن بعض قذائف "اآلر بي جي" لم تعمل حســبــه ما أذكر. عرضت المشــكلة على مســؤول التســليح في الكتيبــة، لكي يتنب

عند استالم العتاد الحربي.

ــد. عنــدما عرضــت تواصلت مشكلة نقص المواد الغذائية في المخيم الجدي ذلك على قسم التمــوين في الفرقــة تــبين أن تلــك لم تكن مشــكلة كتيبــةــات كبــيرة من المــواد "حمزة" فحسب، إذ ليس بوسع الفرقــة تخــزين كمي

الغذائية وذلك ألسباب أمنية ووقائية. وعلى الرغم من أن ذلك

369

ــة، إال أننــا لم نجــد حيلــة لم يكن عذرا مقبوال يبرر نقص كمية المواد الغذائيسوى القبول والتحمل.

فضال عن الســرايا كــانت أقســام الكتيبــة منهمكــة بعملهــا وتأديــة وظائفهــابجدية.

كان تسجيل الرسائل وتصوير الشباب جزءا من األعمال التي أنجزها قسمــا على ســير عملهم ــات، وكنت مطلع إعالم الكتيبة بشكل جيد قبيــل العملي وراضيا عنه. كان "ألبوم" صورهم الذي أعدوه فريــدا من نوعــه. فقــد أخــذ قسم إعالم الكتيبة صورا لعناصر الكتيبة فردا فردا، البالغ عــددهم أربعمئــة

عنصر!

أما قسم االتصاالت فقــد كــان يــؤدي عملــه بصــعوبة وجديــة. كــذلك قســم االستشفاء )الدائرة الصحية( في الكتيبة الذي كان يسعى بكل ما أوتي من قوة لكي ال يواجه أي من العناصــر مشــكلة مــا فيحــرم من المشــاركة في العمليات. كما أخذ شباب قسم التعاون يعدون أنفسهم لأليام اآلتية الصعبةبل والمليئة بالعمــل. لم يــأل قســم التجهــيز والتمــوين جهــدا في توفــير ســ الراحة للشباب، على الرغم من أن النقص كان ســيد الموقــف دائمــا وفي

كل مكان.

تدعيت ــام حين اســ كان قد مر على وجودنــا في مخيم "كــارون" عشــرة أي لجلسة في مقر الفرقة. وهناك تقرر أن نذهب إلى منطقة العمليات لتلقية بهــا. في الموعــد المحــدد انطلقت برفقــة أمــيري فــر، التوجيهات الخاصــ قيومي وفرخي نحو جزيرة "آبــادان" ومنطقــة "أرونــدكنار". وهنــاك، قــرب برج للمراقبة، نقل لنا مسؤولو الصــف األول في الفرقــة كــل مــا يعرفونــه

عن منطقة العمليات العتيدة:- ستجري العمليات المقبلة في مدينة "الفاو" العراقية، ومرحلتها

370

ــل27األساس عبور نهر "أروند". لن تشارك الفرقة في الخطوة األولى، ب سيكون عملها في العمق والداخل. فبعد كسر الخــط األمــامي والســيطرة

" نحــو جـادة "أم27 على الفــاو )من قبــل قــوات الهجــوم( تتوجــه "الفرقة القصر". هذه الجادة هي الجادة الثالثة الواقعة بموازاة "أروند"، والتي تقــعــة باتجــاه الشــمال. ــة - الكويتي على ساحل "خور عبد الله" والحدود العراقي عندها ستخوض كتائب الفرقة غمار العمليات كتيبة تلو األخرى بغية إيصــال خط الفرقة إلى مثلث مصــنع الملح الـذي هــو الحــد النهــائي لنطــاق عمـل

فرقتنا...

بعــد ذلــك، وبينمــا كــانت الشــمس تســطع على المنطقــة من خلفنــا حيث الوقت األنســب للمشـاهدة، صــعدنا بـرج المراقبــة العـالي - الـذي لم يكن

-27خاصا بالفرقة مجموعة تلــو أخــرى، ونظرنــا عــبر المنظــار في كــل ناحية: الساحل الغربي ألرونــد، مينــاء الفــاو المضــيء، مدينــة الفــاو، جــادة

ــتي - البحار، جادة الفاو الفاو ــة ال - البصرة االستراتيجية وجادة الفــاو الثالثــة. بعـد يطلق عليها اسم "أم القصــر"، والواقعـة في عمـق الجبهـة العراقيــل ــانت تق ذلك ألقينا نظرة على تجهيزات العدو وانشاءاته المحكمة التي ك أو تبدو كذلك كلما ابتعدنا بنظرنا عن أروند. بنظرة شاملة أمكن رؤية ثالث منصات صواريخ في المنطقة يطلق على اثنتين منهــا "هاللي" و"ذوزنقــه". كان مصنع الملح ومثلثه من المعالم البــارزة على جــادة أم القصــر، والــتي

". نظرنا عبر المنظار إلى كل مكــان27كانت مفاتيح خطة معركة "الفرقة كتب اسمه على الخارطة، ولم نترك مكانا منها.

ــه من ــا في جعبت ــأفرغ لي م ــذ، ف ــودا يومئ ــازوكي موج ــه ب ــد الل ــان أس ك معلومات. كانت الخارطة والصورة الجوية بين أيدينا. جلسنا في ظل نخلة،

وبدأنا الحديث عن العمليات فما لبثنا أن سقنا الحديث إلى كل

371

ــه حضــر قبــل الثــورة اتجاه، إلى الماضي والمستقبل. عرفت عن ماضيه أن دورة جندي ومظلي. كان عضوا في الكتيبة الرابعــة للحــرس. تــزوج بفتــاةــا في "أنديمشــك" في بيت من أقاربه وله ولدان، وهم يعيشــون اآلن جميع

مستأجر هيأه لهم مقر القيادة.

ـدة نفــذها بعض القـادة الـذين كــانوا موجـودين في الجبهـة كانت فكــرة جيــوم ــا أو بعض ي بشكل دائم. من خاللها كان باستطاعتهم رؤية زوجاتهم يوم في األســبوع، على الــرغم من ابتعــاد عــائالتهم عن أقــاربهم في طهــران. كانت مدة ابتعادي عن عائلتي طوال سنوات الحــرب الثمــاني تطــول، ولم أستطع أن أقوم بمـا قــام بـه غـيري، فلم أســتطع الحضــور بقـربهم إال في

فترة االستشفاء بعد كل إصابة أو في المأذونيات.

تحدثت في الوقت المتبقي مع السيد رضا دستواره حول عمليات "والفجر " التي لم تنفذ بتاتا. بدوره أكد أن المنطقة الــتي أخــذت بعين النظــر في7

تلك العمليات كانت أعلى قليال من نطاق العمليات اآلتية، وبالطبع فقد كان عبور نهر"أروند" جزءا منها. كما شدد على الفكرة القائلة إن هذا العمــل الــه لهــذا الســبب لن يكــون يمكن إنجــازه بالطريقــة الكالســيكية، وقــال: إن

للجيش حضور سوى من خالل المدفعية والقوات الجوية.

عدنا إلى مخيم "كارون" بذهن ممتلئ. بدت الكتيبــة في حــال من النشــاط المتجدد. كان قسم التسليح في الكتيبة يسلم الشباب العتاد الحــربي. كمــاــة إلى مســؤولي التمــوين في ــة الحربي سلم قسم التموين الحصص الغذائي السرايا، فوزعوهــا بــدورهم بين القـوات. أمــا شــباب قســم اإلعالم فكــانوا يواصــلون عملهم في تلــك اللحظــات المزدحمــة بالــذكريات. لم يكن أحــد

عاطال من العمل.

372

ــائب األخــرى من مخيم ــال الكت ــد أن طــرق ســمعي خــبر انتق أخــيرا، وبع "كارون" جاء دور كتيبة "حمزة". كان يتحتم أن تتم عملية االنتقــال بشــكلــدت وحــدة أمن المعلومــات في الفرقــة ــاة. أك مخفي وعبر شــاحنات مغطــة خالل على أن ال يخرج أحد رأسه من تحت الشادر، وأن ال تظهر أي بندقي عملية االنتقال وحركة الشاحنات... بدوري أبلغت قادة الســرايا والوحــداتــات بتلــك بكل ذلك، لكي يتشددوا في مراقبة تنفيذه، لئال يكون مصير عملي

األهمية رهينة أخطاء سخيفة.

ــتي بقيت ــام، ال كانت المشكلة الكبرى قبيل التحرك هي اختيار حرس للخي منصوبة لتكون لنا مكانا لالستراحة عند عودتنــا )بعــد العمليــات(، فلــزم أن يكون حارس لخيام كـل فصــيل. أمـا الحـراس المنتخبـون فكـانوا إمـا رجالا صــادف أن مــرض ــازه، أو شخصــ كبيرا في السن، أو جريحا جــاء على عكــبين ــام عجيب بين المنتخـ ــب خصـ ــك نشـ ــر ذلـ ـام، أو.. إثـ ــ ــك األي في تلـ والمسؤولين. من كان الحكم بين هــؤالء؟ أنــا. لم أدر كيــف أتصــرف حيــالــثي ــف بع هذه المصيبة التي كنت بالطبع قد واجهتها مرارا! فالحرب ضد أل عراقي وجها لوجه وجسدا لجسد كــانت أســهل من إقنــاع تعبــوي متحمس

وصل إلى النقطة األخيرة بقبول هذا األمر.

انطلقنا بعــد الظهــر، فوصــلنا مســاء إلى قريــة "أبــو شــانك" الواقعــة علىــات "والفجر "8أطراف نهر "بهمن شير". كانت تلــك الليلــة ليلــة بــدء عملي

الكبيرة في أرض العدو وفي منطقة الفـاو. عنــدما اطمـأننت إلى اســتقرارــة ــات الوقائي ــة، أبلغت العناصــر التعليم ــبيوت القروي ــة في ال ــل الكتيب كام الصادرة عن مقــر القيــادة، وكــان الســيد مجتهــدي رفيقي كعادتــه في كــل

مكان.

ــة األصــدقاء الــذين عندما سنحت الفرصة تحدثت إلى السيد مجتهــدي وبقي"، وأقر 8خبروا الحرب حول جميع ما يتعلق بعمليات "والفجر

373

ــع - ــذلك الجمي ــانوا ســعداء ل ــل خطــوة من وك ــد تمت دراســة ك ــه ق - بأنالعمليات، وجرى التفكير حولها بدقة، من جملة ذلك وجـود كتــائب "الفرقة

ــرغم من أن27 ــات، على ال ــة من منطقــة العملي ــة قريب " في منطقــة آمن اشتراك تلك الكتائب في العمليات كان في الخطوة الثانيــة حســبما تقــرر.ــرا وال متــأخرا. فلــو كان دخولنا إلى المنطقة في الــوقت المناســب، ال مبك حضرنا في وقت مبكر لكان من الممكن أن يتنبه العدو لتجمعنا، ولو وصلنا متأخرين لكان من المحتمل أن يقصف العدو بأسلحته الجوية جسور نهــريــات قبــل بــدئها. طريقــة انتقــال "كــارون" أو "بهمن شــير"، فتحبــط العملي القوات، وضع المنطقة تحت المراقبة قبل فترة طويلة، وأهم من ذلك كله عملية العبور من أروند الصاخب، كــل ذلــك دل على التــدابير العاليــة الــتي

اتخذها القادة، فسررنا من أعماق قلوبنا لذلك!

ة في العاشر من شهر شباط قصــدت بمفــردي عــبر شــاحنة صــغيرة خاصــ بالكتيبة مقـر القيــادة المســتقر في منطقـة "أرونــدكنار". كـانت خشخشــة األجهزة الالسلكية والرسائل المتبادلة بشكل متتابع تسمع إلى خارج حجرة القيادة. كان ثمة قــادة كتــائب آخــرون غــيري. وهــؤالء مثلي لم يســتطيعوا البقاء ضمن كتائبهم في تلك الدقائق. كانت زوايا حجــرة القيــادة وجــدرانها تعج بخرائط منطقة العمليات. كان الخبر يتلو الخبر، والجميع تواقون للخبرــد ونجحت الالحق. حتى ذلــك الحين عملت الوحــدات المقتحمــة بشــكل جي في عملها. كما إن العملية الموهمة في جزيــرة "أم الرصــاص" كــانت ذات تأثير كبير، ما أدى إلى تخبط العدو وحيرته. عالوة على تحريــر الفــاو، كــانــزة عبور نهر "أروند" الثائر نفسه وأخذ موطئ قدم على ساحل العدو معج

تحققت باللطف اإللهي!

بعد ساعة ركبنا على متن زورق برفقة السيد رضا دستواره

374

ومسؤولين آخرين وتوجهنا نحو الضفة األخــرى من أرونــد، ووطئت أقــدامناتراب مدينة الفاو المحررة.

كان أزيز الرصـاص يتنـاهى إلى األسـماع من كافــة أنحــاء المدينــة وأزقتهـاــد. جلنــا في المدينــة وشوارعها. بدا واضحا أن المدينة لما تطهر بشــكل جي على متن سيارة كان اإلخوة قد غنموهــا من العــدو. شــمال غــرب المدينــة كان هناك مبنى مرتفع أشــار إليــه دســتواره، فصــعدنا جميعــا إلى ســطحه. كانت المدينة خالية من المدنيين. شاهدنا من خالل منظار أحــد المــرافقين جادة "أم القصر" التي كانت تمتد نحو الغرب والشمال الغــربي. من هنــاك كانت قاعدة الصــواريخ الهالليــة الشــكل واضــحة. من األعلى تحــدثنا حــول جميع ما يتعلق بالعمليات، وضع جبهة العـدو وجبهتنــا، الكتــائب الـتي دخلتــائب ــة، كت ــائب االحتياطي ــة، الكت ــة األولى لعمــل الفرق ــات في الليل العملي

الليالي الالحقة و..

بعد برهة عدنا أدراجنا برفقة ســائر قــادة الكتــائب. فيمــا بقي الســيد رضــا دستواره وأسد الله بازوكي في الفاو. سبق أن سمعت بأن من المقــرر أن تدخل القوات أرض العراق عبر مروحيات "شينوك"، لكن حتى ذلــك الحينـات قـد وصـلت إلى هـذه الجهـة عن طريـق كانت الكتائب المولجة بالعملي

المياه وعلى متن الزوارق.

حين وصلت إلى الجهة األخــرى من "أرونــد" علمت أن كتيبــة "حمــزة" قــد انتقلت من قرية "أبوشانك" إلى دشم "أروندكنار" الــتي ال تبعــد كثــيرا عن

. وقبل حلول الغروب انضممت إلى السيد مجتهدي وقوات27مقر الفرقة كتيبتي.

ــماع جاء كل من حسن أميري فر، هادي قيومي ومهدي فرخي إلي بغية س األخبار الجديــدة مني، ونقــل مــا يهم منهــا لقــادة الفصــائل. فتحت خارطــة

العمليات التي كانت وحدة معلومات العمليات قد أعطتنيها،

375

فوضعتها على األرض أمام الجمع، وأخذت أخــبرهم بمــا شــاهدته. اعــترتهم الدهشة مثلي، مع فــارق أن الــذي ســمعوه بــآذانهم كنت قــد شــاهدته بــأم

عيني.

كانت ليلة الحــادي عشــر من شــهر شــباط الليلــة األولى الــتي دخلت فيهــا الميدان. دعونا جميعا لنصر رفاقنا المجاهدين. بعد ذلــك خلــدت27الفرقة

إلى النوم. إذ كنت أعلم أن عيني لن تذوقا طعم النــوم في الطــرف اآلخــرمن "أروند"!

صباح اليوم التالي الموافق لذكرى انتصــار الثـورة اإلســالمية زف لنــا بريــد الفرقة أخبار النصر، فقد حققت كافة كتــائب الفرقــة األهــداف المرســومة لها. كما إن شدة هجمات العدو الجوية كــانت خــير دليــل على أنهم بوغتــوا

وأدركوا للتو ماذا يجري حولهم!

بعد ظهر الحادي عشر من شباط جاء األمر من قبل مقر القيادة بــالتحرك. فمضينا إلى رصيف المرسى بواسطة الشاحنات. لم يكن المكان يبعد أكثر من سبعة أو ثمانية كيلومترات، لكن طي ذلك الطريق بواسطة الشــاحناتــة، ولضــمان أمنهم ــاء من جه ــان من أجــل عــدم التســبب لإلخــوة بالعن ك

وسالمتهم من جهة أخرى.

عند الرصيف انتظرنا ريثما يتم نقل كتيبة "األنصــار"، وبعــدها وصــل دورنــا.ــانت بين النور والعتمة عبرنا نهر أروند الصاخب، وما إن حل الظالم حتى ك كتيبة حمزة قد استقرت بشكل كامــل في مدينــة الفــاو. لــدى وصــولنا إلى الجهة األخرى شغلنا جهاز الالسلكي الخاص بالكتيبة لكي نكون على اطالع تام بكل حركة أو تغيير طــارئ أو أمــر صــادر. في تلــك الليلــة كــانت كتيبتــا "مالك" و"األنصار" وسرية "الشهادة" الخاصة تخوض المعارك، فيما كــانت كتيبة حمزة "كتيبة االحتياط". في الليلة نفسها كان من المقرر أن تســيطر

كتيبة مالك على قاعدة "ذوزنقه"

376

الصاروخية القريبة من خور عبد الله والمليئة بالعديد والعتاد، وذلك لم يكنبالعمل السهل.

منتصف الليل تقدمنا من الفاو حتى جادة أم القصر وقاعدة الصواريخ على متن الشاحنات، واستقررنا خلف السواتر الترابية الهاللية الشكل، والواقعة على يمين الجادة. تلك الليلة وفقت جميع الكتــائب الــتي خاضــت المعــارك

في عملها ولم يكن ثمة حاجة إلى كتيبة "حمزة".

كان الثاني عشر من شباط يوم الهجمات المضادة الثقيلــة الــتي شــوهدت أماراتها بــدون منظــار. أصــدرت أمــرا للقــوات باالبتعــاد عن جــادة البصــرة واالستقرار في أطراف جادة أم القصــر. في ذلــك اليــوم طــالت شــرارات تلك النيران الثقيلة بعض أطراف مواضع استقرار كتيبة حمزة مــا أدى إلى إصابة اثنين من المجاهدين بجروح. أبلغنــا أن الكتــائب األخــرى، وإن كــانت قد نجحت في عملها، إال أنها خسرت الكثير من قواتها حــتى على مســتوى

في الحــادي2 كتيبــة عمــار ومعاونه1القادة. فقد استشهد كــل من مســؤول في الثاني عشر منه.3عشر من شباط، ثم استشهد خلفهما

ــادة بعد ظهر الثاني عشر من شباط جاءني رضا دستواره. شكلت وإياه وق فصائلي الثالثة جلسة في دشمة عراقية. في تلك الجلسة شــرح دســتواره على صفحة الخارطة آخر أوضــاع خــط قواتنــا وخــط العــدو. بعــدها قصــدنا جميعا مثلث مصنع الملح ومن ثم خط التماس لكي نعاين ما سمعناه. كان

خط التماس يبعد مسافة كيلومتر واحد عن

إصفهاني 1 رضاكشا 2 كره أميرآذري 3 شيخ حسن

377

ا جــدا وغــير آمن. بعــد مــرور نصــف المثلث، وكان ساتره الــترابي منخفضــ ساعة على حضورنا في الخط األمامي جرح ساعي بريد الكتيبة فلم نمكث بعدها، وقفلنا عائدين إلى مقر كتيبــة حمــزة. حــل المســاء، فأمرنــا الكتيبــة باالنطالق إلى األمام لكي تستقر في دشم كتيبة "األنصار". في تلك الليلــةــة ونكــون نحن في ــة "األنصــار" المعرك ــرر أن تخــوض كتيب ــان من المق ك احتياطها. كانت كتيبة "األنصار" قــد ســيطرت على مثلث مصــنع الملح فيــذكر. عنــدما وصــلنا المثلث رأيت الليلة الفائتة من دون أن تقــدم خســائر ت دشم كتيبة "األنصار" ما تــزال تعج بــالقوات. وقــع نظــري على نــائب قائــد

فسألته:1الكتيبة- لماذا لم تستعدوا للعمليات؟

فقال: - بقيت قواتنا ترزح تحت النار من الصباح حتى الغروب. كانت خسائرنا في الصباح أكثر من ليلــة األمس إذ خضــنا المعركــة. لم يعــد لــدينا قــدرة على

العمل..

ــار" - ــة "األنص ــد كتيب ــيت وقائ ــر محتشم مض ــاج جعف ــتواره الح - إلى دسوبازوكي. فما كان من دستواره إال أن أكد الكالم نفسه وأردف قائال:

- وردت كتيبة "حمزة" الميــدان للتــو، وتســتطيع أن تمضــي بالعمــل قــدما.األفضل أن تكون كتيبة "األنصار" في االحتياط.

قلت لــــرضا دســـتواره إن علي إطالع مســـؤولي ســـراياي ألرى مـــدىجهوزيتهم!

أرسلت ساعي بريد الكتيبة خلف: أميري فر، قيومي، وفرخي. حضر الثالثةوعقدنا جلسة طارئة تحت جسر صغير بحضور رضا

كربالء ) 1 عملية شهيد أحمد بور (.5رضا

378

ـا مناسـبا لنشـر الخارطــة وتسـليط نـور دستواره. كان أسفل الجسـر مكانــا أن المصباح عليها. هناك شرح دســتواره وضــع كتــائب الفرقــة، وطلب من نحرك الخط األمـامي للفرقـة، ونتقـدم بـه حـتى جسـر جـادة "أم القصــر" الكبير. عندما أعلن قادة سراياي الثالثة عن كامـل جهـوزيتهم رفعت جميــع الشكوك، وفي الساعة التاسعة من تلك الليلــة بــات محســوما أمــر خــوضــا على ــالطبع، كن كتيبة حمزة المعركة وبقاء كتيبة "األنصار" في االحتياط. ب اطالع بأن تلك الليلة، وبالتزامن مع معركتنــا، ســتخوض ســرية "الشــهادة"ــنع الملح ــربي لمص ــد الغ ــة على الس ــفرخاني- معرك ــادة ص ــة -بقي الخاص

الموازي لجادة أم القصر.

ــا فإننــا لم ولكن بما أنهم كانوا على بعد مســافة كيلومــتر واحــد أو أكــثر منــة نكن نراهم. كــان هــذا العمــل يهــدف إلى تشــتيت انتبــاه القــوات المعادي

وإضعاف قواهم.

ــات عن وجــود عـدد من في الجهة المقابلة أبلغنــا عناصــر معلومــات العملي الدبابات المحترقة وبعض ناقالت الجند السالمة المتموضــعة على جــادة أم القصر. كمــا علمنــا بــأن ليس ثمــة حقــل ألغــام للعــدو، وأن جبهتــه ليســت عميقة. كــانت رؤيــة قــادة الصــف األول تقــوم على مــا يلي: بمــا أن كتيبــة "األنصار" تمكنت في الليلة الفائتة من التقدم خمسة أو ســتة كيلومــترات، فإن باستطاعة كتيبة حمزة التقدم إلى الجســر المحــدد بســهولة، وبالتــالي

التقدم بالخط األمامي للفرقة )إلى مسافة مهمة(.

هــذا وقــد وعــد دســتواره بإيصــال تجهــيزات الفرقــة وذخائرهــا إلى الخــطــرد على هجــوم ــة حمــزة بمفردهــا، ولتتمكن من ال األمــامي لئال تبقى كتيبــا تلقى قســم ــاط. كم ــوات االحتي ــا تســتقر ق ــدو المضــاد وصــده ريثم الع "التخــريب" في الفرقــة أمــرا بالتــأهب خلــف "كتيبــة حمــزة" بغيــة وضــع

العبوات والمواد المتفجرة على أعمدة الجسر الكبير استعدادا لتفجيره

379

وتدميره بمجرد السيطرة عليه.

ريثمــا يبــدأ العمــل عقــدت جلســة بحضــور أســد اللــه بــازوكي ومســؤوليــة. سراياي الثالثة لكي نصل إلى أفضل خطة للهجوم. راجعنا معلوماتنا ثاني لم يكن أمامنا حل سوى العبور من جادة أم القصر وطرفيها وذلــك بســبب

وجود مستنقع على يسار الجادة، ووجود مياه راكدة على يمينها.

اقترحت أن تتولى السرية األولى االقتحام. أيد بازوكي اختياري، لعــل ذلــك بسبب معرفته الجيدة بـأميري فر وثقته الكبيرة بــه. أمــدني تأييــد بــازوكيــومي أمــر الســيطرة على الجســر، ووضــعت ــدت إلى قي بقــوة القلب. عه الســرية الثالثــة في احتيــاط الســريتين، إضــافة إلى إيالئهــا مســؤولية صــدــدفاع ــة ال الهجمة المضادة صباح اليوم التالي للعمليات. كنت أعلم أن مهم

صباح العمليات ال تقل أهمية عن الهجوم ليلتها.

ــوا توجيــه أنهينا حديثنا، فأرســلت قــادتي لكي يخــبروا قــادة الفصــائل ويتول قواتهم. مرت برهة قصيرة وإذ بهالل الشهر الــدقيق يظهــر ثم مــا يلبث أن

يختفي مؤذنا بساعة االنطالق.

تأهبت الكتيبة، ما لبثت أن أخذت تشق طريقها داخل أرض العدو وفي جنح الظالم مشكلة رتال مؤلفا من أربعمئة نفر. أبلغنا حسن أميري فر بتشــكيلهــه. ونظــرا ألن فريقا خاصا بهدف اقتحام خطوط العدو وتوجيه أول ضربة لــه الــرأي. عرض منطقة العمليات ليس سوى الجــادة وطرفيهــا فقــد وافقتـه يعيــق التحـرك فوجود قوات إضافية ليس أمرا غير مجــد فحسـب، بـل إنأيضا. جعلتني كفاءته وفكرته أكثر طمأنينة، وبعثتا في أمال متجددا بالنصر.

ــة ــامي للفرق ــط األم ــذنا مواضــعنا في الخ ــاو - أم27أخ ــادة "الف على جالقصر". اتصل رضا دستواره عبر جهاز الالسلكي بمقر قيادة الفرقة

380

طالبا اإلذن ببدء العمليات من محمد كوثري. ألقيت نظرة على ساعة يــدي الليلية التي كنت قد سترت زجاجها برباط جلدي. كانت تشير إلى العاشرة والربع. ما إن وصل إذن قائد الفرقة حــتى أمــرت بــانطالق الســرية األولى

- حيث اســتقرار كتيبــة حــبيب التي ستعبر الساتر الترابي لخــط التمــاس - وتبدأ العمليات. تقــدم أمــيري فــر يرافقــه عنصــران من عناصــر معلومــات العمليات وبقية أفراد فريقه، ولحق به سائر عناصر السرية بعــد أن عــبرواــة متفرقــة. كــان جهــاز الالســلكي الخــاص الســاتر الــترابي بفواصــل زمني بالسرية يعمل، إال أن أحدا لم يتحدث عبره لئال يتنبه العدو. كانت اللحظات تمر ببطء. مرت برهة قصيرة من دون أن تنشــب أي مواجهــة. تنــاهى إلى سمعنا بضع كلمات مرموزة عبر جهاز الالسلكي. أوضح عامــل اإلشــارة أن القوات واجهت حقل ألغام. تعجبت من ذلك، لكني لبثت منتظرا. بعد قليل سمع دوي إطالق نار كثيف على بعد مئة وخمسين مترا، كمــا اخــترق عــدد من القنابل المضيئة عنان الســماء، فــراحت القــوات الموجــودة على خــط التماس تطلق نيرانها على جهة القنابل المضيئة بهــدف مســاندة مجاهــدي كتيبة حمزة. أخذت نيران العدو تزداد كثافة. بدا الوضع مضطربا. أثــار خــبر حقل األلغام قلقي. لم أكن أتوقع مثل هذه المقاومة من قبل العدو. أخذت أتساءل: هــل كــان ثمــة خطــأ في معلوماتنــا أو حســاباتنا؟ هــذا ولم تصــلحــاولت ســماعة جهــاز ــا. تن الرســائل الالســلكية من ســوء حــالي. كنت قلقــه أصــيب الالســلكي ألتصــل بـــأميري فــر. حين تم االتصــال بــه عــرفت بأنــتواره ــأخبرت دس ــاء ف ــق البق ـه. لم أط ـ ــان قلقي في محل ــروح. إذا، ك بجــدي وانطلقت بنفسي نحو الميدان، فتبعني عامال اإلشارة. أما الســيد مجته

والسريتان األخريان فقد بقوا خلف الساتر الترابي لخط التماس.

بعد عدة خطوات صار أزيز الرصاص يأتي من كل حدب وصوب

381

وصار يتطاير حولنــا. بــدا من خالل نــيران العــراقيين أنهم لم يبــاغتوا وأنهم كانوا باالنتظار. بعد برهة قصيرة وجدت "حسن أميري فر". كانت رصاصــة قد أصابت فخذه، فراح يقود قواته وهو جالس على األرض. كــان قــد ربــط جرحه بالكوفية، غير أن الدماء صبغت فخذه بالكامل. ســألته غــير مكــترث

لجرحه:- ما الخبر؟

- العراقيون يبدون مقاومة شرســة. أعــدادهم كبــيرة. لــديهم من الــدباباتوالمدرعات فوق ما تتصور.

قلت في نفســي: لعلهم جــاؤوا بجميــع هــذه الــدبابات ونــاقالت الجنــد إلىالجادة أول الليل.

- إن دشمهم في الجهـة اليمــنى أكـثر منهـا في اليســرى، وهنــاك عـدد منالرشاشات الثقيلة يطلق النار من وسط المياه في الجهة اليسرى...

قلت له:- ارجع إلى الخلف.. سآخذ مكانك..

بعد مسافة قصيرة رأيت "محسن كلستاني" فسألته:- كيف حالك يا سيد محسن؟

أجابني بهدوء:- ليست سيئة يا حاج.

- سمعت بأن الذهاب إلى كربالء يتطلب بذل الدماء؟ ذاك الدم هو دمك...

فضحك، ولكن بوجه يغشاه الغم. سألته عن وضع العدو. قال:- كالجراد المنتشر على الجادة وطرفيها، كما إنهم محصنون.

382

ة والفصــائل الثالثــة في الســرية األولى كــل مــا بــذلت المجموعــة الخاصــ بوسعهم، فاقتحموا الخط العراقي األمامي، وتقدموا مسافة مائة وخمسين مترا. غير أنهم قدموا الكثير من الخسائر في هذه األمتار المئة والخمســينــات المدرعــة التي استغرق التقدم فيها خمس عشرة دقيقة. كان رتل اآللي

العراقية يبدو تحت نور القنابل المضيئة كحية حديدية.

اتصلت عبر جهاز الالسلكي وأصــدرت أمــرا للســرية الثانيــة بــاالنطالق. لمــومي بجــانبي يتبعــه رتــل ســريته. ارتفعت تمض بضع دقــائق حــتى كــان قي معنويات الجميع لدى رؤيتهم وقد وصلوا إلينا سريعا. أخبرت قيومي كل ما أعلمــه، لكي يبــدأ مهمتــه بــاطالع كامــل. طلبت منــه أن يتقــدم من الجهــة اليمنى من الجادة، وأن يعمد إلى تطهير دشم تلك الجهـة والجــادة نفسـها. فمن الجهة اليسرى منها حيث المســتنقع لم يكن ثمــة خطــر يتهــددنا. عنــد الســاعة الحاديــة عشــرة ليال، لحظــة انطالق الســرية الثانيــة، كنت ال أزال أظن أن ليس على الجادة أكثر من عشرين أو ثالثين دبابة. لم يكن يفصــلــة ســوى مســافة ــات العراقي بين نقطــة انطالق الســرية الثانيــة ورتــل اآللي خمســين مــترا. كــان الرجــل منهم يــبرز لدبابــة. مــع تقــدمهم بــات عمــل

المسعفين ونقل الجرحى أفضل.

بعد برهة قصيرة اتصلت بـقيومي عبر الجهاز الالسلكي. بدا من كالمه أنهم ألحقوا هزيمة نكراء بالعدو، إال أنهم كــانوا يحتــاجون إلى المســاندة بســببــات ــل اآللي وجود عدد هائل من اآلليات والجنود العراقيين. تقدمت حــتى رت العراقية. كانت نــاقالت الجنــد تقــف على الجــادة وطرفيهــا، وهي مفتوحــة بقدر مرور سيارة فقط. أما ناقالت الجند فقد كانت من القرب إلى بعضـها البعض بحيث كنت أمر بينها بشكل جانبي. أما عامــل اإلشــارة لــدي، الــذي كان يحمل على ظهره جعبة جهاز الالسلكي، فقد كان يمــر بينهــا بصــعوبة.

لم أر طوال عمري

383

ــة كــانت من نــوع ــة الحديدي العسكري مشهدا كهــذا. حينئــذ أدركت أن الحي"كوبرا"، ولكن ال نهاية لها!

ــد ــه بعي حان وقت دخول السرية الثالثة المعركة. وصل مهدي فرخي وقوات اتصالي بهم. طلبت منه ومن قيومي التقدم من طــرفي الجــادة إلى نهايــة رتل اآلليات بغية التطهير العسكري. أوكلت المهمة األصــعب، وهي التقــدم من الجهة اليمنى للجادة وتطهيرها، إلى سرية فــرخي نظــرا لكونهــا وردت الميدان للتــو، ولم تسـتنفذ طاقتهـا بعـد. كـان ال يـزال يفصـلنا عن الجسـر مسافة خمسة كيلومترات. لم أدر كيف السبيل إلى طي هذا الطريق. هــل أنجزنا العمل الصعب وما بقي كان سهال، أم أننا كلما تقــدمنا كــانت األمــور ستزداد تعقيدا؟ ال شيء كــان واضــحا. وكــان علينــا متابعـة العمــل على أي

حال.

ــاالت مضى وقت طويل على تركي خط التماس. كنت قد أجريت عدة اتص السلكية بـرضا دستواره، ولكن أنى يمكن شرح ذلك الوضـع الحـرج وطلب المساعدة عبر الالسلكي ولغة الرمــوز؟! لم أشــأ التحــدث من دون رمــوز، لئال يتوصل التنصت العراقي إلى معرفة شيء عن وضعنا. فلو أدرك العــدوــه قلة عددنا ألنزل بنا ضربة أشد إيالما. لذا أخبرت هادي قيومي وطلبت من الرجوع إلى خط التماس وإخبار دستواره بما عليه الكتيبــة من وضــع حــرج

بشكل مفصل، وبأن يأتي بكتيبة "األنصار" إن أمكن.

مضى قيومي، وسرعان ما عاد خالي الوفاض وحيدا. سألته:- ماذا حدث؟

- عندما رآني دستواره قال: ال أريد أن أرى قائد سريتي هنا! - هــل ذكــرت لــه مــا لــدى العــراقيين من كم هائــل من الــدبابات ونــاقالت

الجند؟

384

- ال!- هل طلبت منه إرسال شباب كتيبة "األنصار"؟

- ال!- ماذا فعلت إذا؟!

- ذهبت وعدت فحسب. لم يدع لي دستواره مجاال ألن أنطق بكلمة.

أرسلت قيومي إلى قواته. فكرت للحظة أن أذهب بنفســي لكني ســرعانـة إلى مـا صـرفت النظـر عن ذلـك. إذا كيــف لي أن أنقـل مجريـات العملي دستواره ومقر القيادة؟ الطريقة الوحيــدة الــتي خطــرت في بــالي هي أن

أكرر عبر جهاز الالسلكي وبفواصل زمنية:- سرطان .. سرطان..

بعد ذلك طلبت من دستواره أن يقف على الســاتر الــترابي لخــط التمــاس ويشاهد السرطانات من هناك تحت نور القنابل المضيئة. فمن جهة لم أشأــاز ــبر جه ــحة ع ــالتي واض ــال رس ــتطع إيص ــة، ولم أس ــرك أرض المعرك ت الالسلكي من جهة أخرى، كما إن دســتواره أجــاب مســؤول ســريتي بتلــك

الطريقة، لذلك كله لم أجد أمامي سوى ذلك الحل.

بعد قليل وصل جعفر طهراني، وكــان من قــدامى المجاهــدين في الجبهــة، برفقة رضا دستواره الذي حضر لمعاينة الوضع عن كثب، ثم العودة بتقرير إلى مقر القيادة. فرحت لمجيئه ومشاهدته، وكذا لعودته سالما. أما جعفــر طهراني فبقي. تشاورنا معا، بعد ذلك أخذ يتردد بين مقــر القيــادة وميــدان

المعركة مرارا ناقال األخبار وحامال األوامر.

كنت جالسا بين جهــتين غلبت الفوضــى على بعض أجزائهمــا. فعلى إحــدى جهتي تمدد الجرحى والشهداء، وكنت أشرف على عمل المســعفين ونقــل

الجرحى. وعلى الجهة األخرى استقر رتل آليات العدو

385

التي انشغلت ســريتا كتيبــتي بتــدميرها وتطهيرهــا، فيمــا كنت على اتصــالالسلكي دائم بقائديهما.

األوضاع ما زالت مضطربة، والطريــق طويلــة حــتى الوصــول إلى الجســر.فجأة ظهر شباب كتيبة "األنصار". سألني قائدهم:

- أهذا أنت يا حاج أميني؟- أجل.

- نحن مستعدون للعمل.

ا إليصــال القــوات المســاندة إلى كــانوا قرابــة فصــيل واحــد. كلفت شخصــ قيومي. كان من الواضــح أن فصــيال واحــدا لن يتمكن من المضــي بــاألمور

قدما.

اتضح لي من خالل االتصاالت الالسلكية التي جرت بين دستواره ومحتشــم -قائد كتيبة "األنصار"- أن كتيبة "األنصار" لن تدخل المعركة بشــكل كامــل. قال محتشم: إنه ال يستطيع العبور من منطقة لم يتم تطهيرها وال مواصلةــلة التقدم. أما دستواره فقد أجبرني بالقوة مجددا على جمع قواتي ومواص التقدم. بدا متعبا، وكان يتكلم بال رموز. فما كان مني إال أن أجبتــه بــالنفي. أي قوات يقصد؟ من علي أن أجمع؟ ماذا كان بوســعي أن أفعــل وأنــا أرى بأم عيني كل هــذا العــدد من قــواتي قـد ســقطوا بين شــهيد وجــريح؟ حين تكلم بال رموز ثانية ضــغطت على زر جهــاز الالســلكي، لكي يســود صــمت على األثير وال يستفيد العدو مما سمعه من حوارنا. بعــد برهــة رفعت يــدي

عن الزر فصاح دستواره:- يا أخ أميني، أمسك زر السماعة بشكل صحيح..

جاءنا جعفر طهراني، ولكن هذه المرة بأمر انسحاب كتيبة حمزة إلى خــطالتماس، أي الرجوع إلى حيث كنا. فما لم يكن ثمة قرار

386

ــومي وأبلغتــه بإحضار قوات الستكمال عملنا فال خيار آخــر لــدينا. نــاديت قي أمر االنسحاب. على الرغم من أن ما طلبته كان أمرا صعبا إال أنه قبل من

دون أي جدال. رأيت في وجهه عالمات التعجب والطاعة في آن معا.

ــات، إال أني ا بـــفرخي . كـانت ســريته قــد عــبرت رتــل اآللي اتصلت الســلكي فهمت من كالمه أن العراقيين المختبــئين داخـل نــاقالت الجنــد وتحتهـا قــد عاثوا فسادا بنظم قواته. وهذا ما أشــار إليــه محتشــم في كالمــه: ال يمكنــدا فلن يكــون التقدم بنحو مؤثر من دون تطهير، وحتى لو كان التطهــير جي باإلمكان السير قدما كل تلك المسافة. لعل شــباب كتيبــة "حمــزة" وقعــوا ضحية هذا التناقض. حين تكون المعلومات ناقصة أو خاطئــة فلن يكــون إال

ما كان.

وافق فرخي على أمر االنسحاب أيضا. فمع تشتت نظم قواته لم يكن لديهــوا حل سوى اإلطاعة. لــو كـان ثمــة مخــرج أو مفــر في ظــروف أخـرى ألتــات. لكنهم بحجة ما، أو لتمردوا وحالوا بإيثارهم وفدائهم دون فشــل العمليــة الحيلــة، وهــو أمــر يتطلب شــجاعة ال ما قبلوا األمر باالنسحاب سوى لقل

مثيل لها. االنسحاب جزء من القتال، وهو أحيانا نوع من التكتيك.

ا وسارت عملية إخالء الجرحى والشهداء بوتــيرة بات األمر باالنسحاب علني سريعة. كانت وظيفة جميــع أفــراد الكتيبــة في تلــك الظــروف أن ال يــدعوا جريحا أو شهيدا على أرض المعركــة قبــل طلــوع الصــباح. في ذلــك الحينــة "األنصــار" أســلحتهم في ــل كتيب ل من قب وضــع أفــراد الفصــيل المرســ

دشمهم، وأعانوا شباب كتيبة حمزة في عملهم.

كانت المهمة األخرى تدمير اآلليات العراقية. تولى هذه المسؤولية كل منقيومي وفرخي وبضعة عناصر مدربين. قبل أن يشرعوا بعملهم

387

أوصيتهم بأن يتوخوا الحذر من أسفل نــاقالت الجنــد وحــتى من الجثث. فالــالفرار! يبعد أن تنتفض إحدى الجثث من مكانها فجأة وتطلق النار أو تلوذ بـات بدأ الشباب عملهم من نهايـة الرتـل وجعلــوا يتقـدمون بعـد تفجـير اآللي

واحدة تلو األخرى.

شــباط وشــيكا. عنــد الســاعة السادســة صــباحا13كان انبالج صــباح يــوم ــات العــدو. وقبــل ذلــك تم إخالء جميــع الجــرحى أنجــزت مهمــة تــدمير آلي والشهداء من أرض المعركة. دنــا بــزوغ نــور الشــمس، ولم يبــق لنــا عمــل فغادرنا المنطقة بأقدام ثقيلة، تلك المنطقة التي تعمد كل شــبر منهــا بــدم شهيد من شهدائنا أو جريح من جرحانا. عنــدما وصــلنا إلى الســاتر الــترابي الخلفي لخط التماس، تشابه المكان علينـا. فقـد رفعت الجرافـات السـاتر وباشرت العمـل في مكـان آخـر. كـانت أصـواتها تتنـاهى إلى األســماع من مكان قريب. صنع شباب قسم التخريب حقل ألغــام أمــام الســاتر الــترابي

وجعلوا له معبرا تم إقفاله عقب رجوع آخر عنصر من الكتيبة.

خلف خط التماس افترش الجــرحى والشــهداء من عناصــر كتيبــتي األرض،ــتواره ولم نجد سيارة إسعاف، بل حتى سيارة عادية تحملهم. جاء رضا دس بسيارة من نوع "جيب"، فكــان يحمــل معــه مجموعــة ومــا يلبث أن يعــود. أظهرت أوضاع الكتيبة أن نصف أفرادها ســقطوا بين شــهيد وجــريح. رأيت أسد الله بازوكي هناك. كان الشباب يجلسون جماعات وأشــتاتا. فمــا كــان من بازوكي إال أن جعل يمسح على رؤوســهم ووجــوههم ويســأل اللــه لهمالعافية. فأولئك كانوا من عناصره أيضا. سألني عن حال أميري فر. قلت:

- لقد أصيب بجروح.- سمعت ذلك.. هل نقلوه إلى الخلف؟

388

ــتى لم يكن لي علم. كان القلق يطفح من وجهه. بقيت في خط التماس حــا في ذاكــرتي من ــتي حملته ــا ال ــة ذاته ــة الجميل إخالء آخــر جــريح. التجرب

في مرتفعات "كاني مانكــا". بقيت1" واألخدود الجوزي*4عمليات "والفجرهناك أيضا حتى إخالء آخر جريح من األخدود.

نقل الشهداء على متن الشاحنة أيضا. ذهبت الشاحنة وجــاءت مــرارا حــتىــط ــزة في خ ــة حم ــد من كتيب ــق أح ــع الشــهداء. وحين لم يب تم إخالء جميا التمـاس غــادرت المكــان وانسـحبت إلى مثلث مصــنع الملح. وهنـاك أيضــ مكثت حتى نقل شهداء الكتيبة وجرحاها إلى الخط الخلفي للفرقــة. بعــدها عدت على متن شاحنة صغيرة إلى مقر الكتيبة في القاعدة الهاللية برفقــة

مجموعة من المسؤولين، وخلدت إلى النوم سويعات.

شباط طلبت من قسم شؤون األفراد في الكتيبــة تقــديم13بعد ظهر يوم ــة ــالي: قراب ــانت على الشــكل الت ــدد الشــهداء والجــرحى وك إحصــائية بع السبعين شهيدا، ومائة وثمانون جريحا. لم يبق من السرية األولى أكثر من

عشرة أشخاص سالمين.

أما السريتان الثانية والثالثة فقد سقط نصف أفرادهما بين شــهيد وجــريح.بات ثلثا قوات الكتيبة غير مؤهلين للعمل.

ــون فرصــة لتغطيــة ألغامــه بــالتراب كان حقل األلغام الذي لم يجد العراقيـات المدرعـة أمـرين لم نكن على علم بأولهمـا، كمــا والكم الهائل من اآللي صور لنا الثاني بطريقة مصغرة جدا. هذان األمران أفشال العمليات برمتها،

وشتتا شمل السرية األولى في كتيبة "حمزة".

حين نقل لي "حسن أميري فر" خبر وجود هذا العدد الكبير من

1 ." " : كردويي شيار النص في جاء

389

ــدبابات ــك ال الدبابات وناقالت الجند قلت له: إنك مخطئ، ماذا تفعل كل تل والناقالت على الجادة! لكن دخــول قــوات الســريتين الثانيــة والثالثــة أرضــات أصــح، ســاهم في تقليص حجم الضــربات، ــا معلوم ــة، وبجعبته المعركــرق ــراقي وتف ــل للجيش الع ــربات أفض ــدد ض ــع أن تس ــا في الواق وخوله صفوفه. ومع ذلــك فقــد نــال الســريتين مــا نالهمــا من تبعــات ذلــك النقص

والخطأ في المعلومات.

أما محسن كلستاني، قائد الفصيل األول في السرية األولى، والذي مازحته في ميدان المعركة مرددا قول الحاج همت الشــهير: "الــذهاب إلى كــربالء

الــذين يتطلب بذل الدماء"، فقد نال مع كثــير من عناصــر فصــيله الفــتي -- وسام الشهادة. كانوا طليعة الكتيبة

ــة مدينــة الفــاو وطرقهــا13في ــة العراقي شباط قصفت الطــائرات الحربيا. كان سرب الطائرات يشــن كــل نصــف والمواقع المهمة فيها قصفا مركزا ثم يغـادر، فـترتفع إثـر ذلـك ســحب الـدخان والنـار من ساعة هجومـا جويــد. مخازن النفط في الفاو. كانت مضاداتنا الجوية تقــوم بعملهــا بشــكل جي في خضم ذلك المخاض لم يجــد من تبقى من كتيبــة حمــزة، الــذين قضــوا ليلة عصيبة في معركة طاحنة دامية، حرجــا في أن يخلــدوا إلى الراحــة بالــف ــيق من دوي كـــل ذلـــك القصـ ـة، وال ضـ ــ ــات الجوي خـــوف من الهجمـ

واالنفجارات.

وصلت أنباء من جادة الفاو - البصرة، ذات األهمية، مفادها أن العدو يشــن هناك هجوما مضادا شرسا. لو كانت مواقعنا قد سقطت على تلــك الجــادةــوات ــع الق ــادة أم القصــر وجمي ــوقعت ج ــدم ل ــون من التق وتمكن العراقي المرابطة عليها في دائرة الحصار، وألبيدوا جميعا! لذلك فقد كنا نتابع أخبارــدو المتموضــعة تلك المنطقة على الدوام. كنت سعيدا بأن تدمير آليات الع

على جادة أم القصر لن يمكنه من

390

القيام بأي عمل يذكر.

ــدة خلوت ونفسي، وأخذت أقوم في ذهني عمل الجميع، قيادة الفرقة، وحــدريبات الــتي تلقوهــا... ــتي والت ــات، نفســي، قــوات كتيب معلومــات العملي

" وذلك حتى صباح الثــالث عشــر من شــباط. درســت8وعمليات "والفجر عمل كل واحد منهم وحللته بموضوعية. ثم أعطيت عالمــة لكــل منهم. بين

ذلك كله نقدت نفسي كالتالي: كان باستطاعتي أن أتمرد على أمر دســتواره بعــد تهــرب كتيبــة "األنصــار" من العمليات، أو أن آتي بعـذر، لكني لم أفعـل. فخــبرتي العسـكرية كــانت تقضي بإطاعة القيادة. ومن دون هــذه اإلطاعــة - الــتي كــان منشــأها فينــا

- مــا أنجــز عمــل العشق والتعقل أكثر من كونها ذات منشأ عسكري بحتــرى على صعب ولن ينجز. لقد أطعت األوامر وحدث ما حدث، وجرى ما جــائب قواتي. ال يستطيع أحد أن يخمن ماذا كان مصير العمليات وقوات الكت

األخرى لو لم أطع األمر.

لعل قواتي كانوا كبش فداء لمصير العمليات أو لرفاقهم المجاهدين.

ــل ومن لو علمت مبكرا أن من المقرر أن تخوض كتيبتي المعركة، ربما - بــرة على المؤكد ــات، وأللقيت نظـ ــدينا من معلومـ ــا بأيـ - كنت تحققت ممـ

المنطقة عبر المنظار، وألعدت النظر في جميع العوائق والمعلومات واحدا واحدا، ولواجهت عناصر المعلومــات الــتي أعــدت التقريــر، وتحــدثت إليهم للتأكد من صحة معلوماتهم، ولنظمت صفوف قواتي على أســاس مواجهــة

اآلليات، و...

ما إن أنهيت نقد نفســي بمــا فيــه الكفايــة حــتى شــعرت بــدوار شــديد في رأســي. نهضــت لكي أذهب إلى دســتواره. لحســن الحــظ كــانت الســيارة والدراجة النارية الخاصتان بالكتيبة قد جاءتا من الجهة األخرى من "أروند".

كان دستواره ال يزال في الخط األمامي، فسلمته إحصائية

391

ــنع الملح. فهمت من ــريب من مثلث مص ــه الق ــر نفس ــة تحت الجس الكتيبكالمه أن كتيبة حمزة قدمت أكبر عدد من الخسائر. ثم قال:

- قام العراقيون اليوم بتطهير الجادة فحسب. لم يفعلوا شيئا غيره...

كان عناصر الرصد قد أفادوا بأن العراقيين سحبوا الدبابات ونــاقالت الجنــدالمحترقة بواسطة القاطرات.

عند الغروب رجعت إلى مقر الكتيبــة. لم تقم الفرقــة في تلــك الليلــة بــأيعمل.

في اليــوم الرابــع عشــر علمنــا أن الفرقــة تنــوي خــوض المعركــة مجــددا، فذهبت وقيومي وفرخي إلى قائد الفرقة لنقل ما عايناه تلك الليلة، عســى أن ينفع القوات المقتحمة. وفي جلســة امتــدت لســاعة واحــدة أفــرغ كــل

.1واحد منا ما في جعبته، وكان قيومي أكثر من تكلم بيننا

في تلك الجلسة أبدى قيومي استعداده لمرافقة أعضاء قيادة كتيبة سلمان في الهجوم التالي، لكي يضع خبرته وتجربته في تلك الليلــة تحت تصــرفهمــالث ــة الث على أرض الميدان. ال حد لطاقته! ذكر الشباب أنه في هجوم ليل

عشر كان يصيح: "أين أنت يا صدام؟ لقد جئنا لنقاتلك..".

بقي قيومي هناك. أما أنا وفرخي فقفلنا عائدين إلى مقر كتيبة "حمزة".

في اليوم الخامس عشر كانت الفرقة تضج بالحماسة والنشاط المتجددين استعدادا للهجوم التالي. كانت وظيفة كتيبــة "حمــزة" الــذهاب إلى قاعــدة "ذوزنقه" الصاروخية لكي تتصدى للهجوم على ساحل "خور عبــد اللــه". إذ

كان من الممكن أن يشن العدو هجوما على

1 . الكتاب هذا من الثاني المجلد في كامال الجلسة تلك محضر ذكر على سنأتي

392

جادة أم القصر من الخاصرة.

أوائل الليل تعرض فرخي لحــادث ســيارة مريــع بحيث اضــطر الشــباب أنــفى، لم يخرجوه من بين أنقاض السيارة المحطمة. حين نقل إلى المستش

يبق لدي سوى قيومي الذي تقرر اشتراكه في الهجوم مع كتيبة سلمان.

شباط أصيب قيومي بجروح خالل هجوم كتيبة ســلمان، فكــان16في ليلة ــة ــذكر أن الفرق ــتي! جــدير بال ــة في كتيب ــد الســرية الثالث ــذا مصــير قائ ها. على استطاعت التقدم بالخط األمامي إال أنها لم تصــل إلى الجســر أيضــــار. بعد كيلومتر ونصف الكيلو من الجسر توقفت العمليات وأجلت إلى النه

وفي النهار حالت دبابات العدو وآلياته دون تقدم قواتنا.

ــر، لكن18في ليلة شباط حاولت قوات الفرقة مجددا الوصول إلى الجســطرنا إلى العراقيين منعوها وشنوا في الصباح هجوما مضادا شرسا. ما اضــة ــد ثالث ــا على بع ــبيت مواقعن ــف، فتم تث ــتر ونص ــافة كيلوم ــتراجع مس ال

كيلومترات من الجسر.

ــام أطلــق على ذلـك الجســر الصــعب المنــال "جســر صــدام"، في تلك األي وأشيع بأن صدام نفســه يشــرف على القــوات المدافعــة عن الجســر. كــل

بـذلت كـل مـا27ذلك لم يكن مهما بالنسبة لنا، مـا أهمنـا هـو أن الفرقـة بوسعها للسـيطرة على الجســر، لكنهـا لم تتمكن من ذلـك. كمـا إن العـدو البعثي أبدى عنادا شديدا، وخسر كثــيرا من نخبــة قواتــه من أجــل الحفــاظ

على الجسر الذي كان يمثل لنا أهمية استراتيجية.

ــات. يومهــا20في يوم شباط صدر أمر بمغادرة كتيبة حمزة منطقة العملي عناصــر. ذهبنــا على متن شــاحنات إلى110كان لدى هــذه الكتيبــة قرابــة

الساحل الغربي، ومنه عبر الزوارق إلى السـاحل الشـرقي. أمضــينا النهـارفي دشم "أروندكنار". وفي المساء ذهبنا إلى مخيم "كارون" على

393

يومــا خرجنــا من المخيم وعــددنا13متن الحافالت المطلية بالوحــل. قبــل شخص.100، وها نحن اآلن نعود إليه وال يتجاوز عددنا 400

ــومي إلى المخيم، وكــان قــد جــرح قبــل عــدة ليــال خالل وصــل هــادي قي مرافقته كتيبة سلمان. سررت لرؤيتــه، وتــذكرت قائــدي ســريتي اآلخـرين: حسن أميري فر ومهدي فرخي. تمنيت من كل قلبي لو كانــا حاضــرين هنــا

أيضا.

ابتداء من اليوم التالي شاركت في جلسات مقر قيادة الفرقة، والتي كانتا وأحيانا مرة كــل يــومين. صــدر عن الجلســة أمــر بإعــادة هيكلــة تقام يومي الفرقة. صودق في تلك الجلسات على قــرار تكميــل كتيبــة حمــزة بقــوات

عدد من الكتائب المنحلة.

أما المهمة الثانية فكانت إجراء بعض التعديالت على إحصائية قوات الكتيبة حتى ذلك الحين ألقدم بها تقريــرا إلى مقــر قيــادة الفرقــة. عنــدما قــدمتف عدد من العناصر التابعين لســرية "الشــهادة" الخاصــة وكتيبــة التقرير كلــادة ــان ق ــل تشــكيلتها. ك ــة "حمــزة" لتكمي "ســلمان" باالنضــمام إلى كتيب سراياي الثالثة في التشكيلة الجديدة: قاسم كــاركر، هــادي قيــومي ونعمــة الله سوري. أما السيد مجتهدي الذي جرح في عمليات الليلة الثالثة عشرة

فقد عاد ليعينني في مواصلة العمل. وقد بعث حضوره األمل في قلبي.

عندما سنحت الفرصة ذهب قيومي للبحث عمن فقد من عناصره، فتعرفــواز". في إحدى المرات إلى جثة "حسن أميري فر" في "معراج شهداء أه إذ لم تجد عائلة "أميري فر" له أثرا حتى ذلك اليوم، وكان آخــر خــبر لــدينا

عنه أنه جرح.

ا لم يكن يتوقــع هــذا الخــبر. أخبرت بازوكي باألمر، فتغيرت حاله. فهو أيضــ واسيته، ثم تحدثنا معا، وأخذت الحديث في كل اتجاه لكي أنسيه. في تلــك

األيام كان يفكر في إعادة

394

عائلته من "أنديمشك" إلى "باكدشت ورامين" لقضاء عطلة العيد.

في أحد األيام كنت في مقر القيادة فجاءنا نبــأ شــهادة بــازوكي الــذي قلبـا لتفقـد مواقـع الفرقـة في جـادة أم القصــر حيث أحوال الجميع. كان ذاهبــا استشهد على مثلث مصنع الملح، والمعروف بمثلث "محتشم". يومهــا كن كالسمكة داخـل المـاء، فرفـاق الجهـاد يمألون مـا حولنــا، فلم نشـعر بـألم الغصة حينها. فيما بعد، وحين خال المكـان من حولنـا، عرفنـا عظم مـا حـل

بنا.

في النصف األول من آذار عــادت كتيبــة "حمــزة" إلى المنطقــة للمرابطــة أيام في الخــط األمــامي و5على خط دفاع جادة "أم القصر". رابطنا مدة

ــة رأس ســنة 10 ــاط. قضــينا ليل ــام في االحتي ــ- ش )1365 أي آذار20 هـ ( في عنابر "أروندكنار"، ما لبثنا أن عــدنا في الثــاني والعشــرين من1986

ــة ــه". وفي النهاي ــكر "دوكوه ــارون"، ومن ثم إلى معس آذار إلى مخيم "كذهبت الكتيبة في مأذونية بعد ستين يوما من العناء والمشقة.

ــازوكي، ــة ب ــدت عائل ــت ورامين"، فتفق ــدت أوال "باكدش ــران قص في طهــا. شـعرت بحـزن مريــر في ــا كئيب وقرأت الفاتحة عنــد ضـريحه. كـان غروب قلبي. لقد كان بازوكي رجال فريدا. بعــد ذلــك قصــدت المستشــفى لعيــادة مهدي فرخي، وأطلعته على أخبار الجبهــة. من ثم ذهبت إلى "جهاردانكــه"ــد الفصــيل األول في الســرية األولى، حيث ضــريح محســن كلســتاني، قائ والتي كلما انتسب أحد الشــباب اليــافعين إلى الكتيبــة أرســلته إلى فصــيلــة شــؤون كلستاني، ليتم استيعابه فيه. فقد كنت مرتاح البال بالنســبة لكاف الفصيل األول. بعد ذلك حاولت قدر اإلمكان أن أتفقد عوائل شهداء كتيبتي

بمساعدة "ما شاء الله نانكير"، مسؤول اإلعالم في الكتيبة.

395

بعد المأذونية عدنا إلى المعسكر. في مقــر قيــادة الفرقــة أقيمت جلســاتــات "والفجر ــائج عملي ــة لدراســة نت ". في النصــف األول من شــهر8متتالي

نصــر" خــط الــدفاع على جــادة أم القصــر إلى5نيســان أعــادت الفرقــة " صلى الله عليــه وآلــه محمد رسول الله" 27"كتيبة حبيب" التابعة للفرقة "

.وسلم

- يستعرض في إحــدى مسؤول كتيبة "حبيب" ذات يوم كان حسن محقق -الجلسات تقريرا حول وضع الخط وقواته:

ــة كثيفــة جــدا. إنهم يقصــفون خــط ــة العراقي ــيران قــذائف المدفعي - إن ن 81 ملم( يطلقــون قــذائف هــاون )60التماس على الدوام بقذائف هــاون )

ملم( على الجــادة، يــدكون الســاتر الــترابي ذا الجــدارين بقــذائف هــاون ) ملم(، إضافة120ملم(، ويقصفون القاعدة الصاروخية بقذائف هاون )120

ــة فيقصــفونها بمــدافع ) إلى القذائف المدفعية. أمــا جــدد الخطــوط الخلفي ملم( وأخرى فرنسية. زد على ذلك أنهم يشــنون هجمــات على الخــط130

(..PC7األمامي بالمروحيات وطائرات )

قلت في نفسي: فليكن الله بعون الكتيبة التالية! - قائد الفرقة شارفت الجلسة على االنتهاء حين التفت إلي محمد كوثري -

وقال: - ستتسلم كتيبة "حمزة"، إن شــاء اللــه، خــط الــدفاع من كتيبــة "حــبيب".

مستعدون، أليس كذلك؟

لم يكن الرفض غير مجد فحسب، بل أطلق محقق رصاصة الخالص بقوله: - على كتيبة "حمزة" تسلم الخط فورا. لقــد أنهــك شــباب كتيبــة "حــبيب"، ولدينا الكثير من الشـهداء والجـرحى.. إن تـأخرتم في المجيء فقــد يـؤدي

ذلك إلى سقوط الخط!

396

أعطيته وعدا بأن أعد كتيبة حمزة للتحــرك ســريعا. أثنــاء الطريــق شــعرتــائال: هــل بالندم ألنني عارضت للحظة أمر القائد، وأخذت أخاطب نفسي قــك أردت أتيت إلى الجبهة لتأكل وتنام في المعسكر أم لتقاتل؟ اآلن وبما أن

أن تكون في كتيبة جهادية مقتحمة فال تتردد أبدا..

كنت غارقا في الحديث مع نفسي حين وصلت إلى مبــنى الكتيبــة. أرســلت خلف قادة سراياي الثالثة، فلما حضروا أبلغتهم بمأمورية الكتيبــة الجديــدة، ونقلت لهم أخبار خط الدفاع لكي يستعدوا. على الفور بــادر قســم تســليح الكتيبة بتوزيع األسلحة والذخيرة على الشباب، ثم ذهبت السرايا إلى حقل

الرماية الواحدة تلو األخرى، بعدها أعلن الجميع عن جهوزيته.

ساعة عنــدما كــانت الكتيبــة24لم يمض على الوعد الذي قطعته لـمحقق ــالطين إلى مستعدة لالنطالق. بعد الظهر مضينا على متن حافالت مطلية ب "أرونــدكنار" من دون أي توقــف، وقضــينا الليــل في دشــم المنطقــة. عنــد غــروب اليــوم التــالي عبرنــا نهــر "أرونــد"، واســتقررنا مســاء في القاعــدة

الصاروخية في منطقة "خور عبد الله".

تم تبديل كتيبة "حبيب" بكتيبة "حمزة"، دشمة إلى دشــمة، ومجموعــة إلى مجموعة، وفصيل إلى فصيل وسرية إلى سرية. استمر هذا األمــر لليلــتين، لكي ال يشعر العراقيون بذلك، ولئال تكون قواتنا عرضــة للقصــف المعــادي المركز، ولتتعرف قوات كتيبتنا إلى تجارب قوات كتيبة حــبيب المفيــدة في فرصة زمنية أطول. لقد أكد لي قائد الكتيبة نفسه أن وضــع الخــط متـأزم، وقد يشن العدو هجوما في أي لحظة. هذا وقد أجريت تغيــيرات جمــة على جميع الخطوط الخلفية، وكذا على الخــط األمــامي، وبــات شــكل المنطقــةــدأت ــباط حين ب ــهر ش ــابق. في ش ــا في الس ــيرا عم ــا مختلفين كث وهيئته

العمليات، كانت جادة أم القصر جادة إسفلتية

397

صحراوية عادية. في شهر آذار صنع ساتر ترابي من إســفلت الجــادة وممــا تحته من تراب. أما في شهر نيسان فقــد كــان اســتحداث عــدد من الجــدد

وساتر ترابي وقناة كفيال بتغيير شكل المنطقة بالكامل.

ــد ــاس على بع ــط التم ــات خ ــا بقيت3ب ــنع الملح، كم كلم من مثلث مص كلم للوصول إلى الجسر العصي. بين المثلث وخــط التمــاس لم3مسافة

ــة محصــورة بين ســاترين يعد ثمة أثر لإلسفلت، بل كان هناك طريــق رمليــاة ترابيين مرتفعين. على بعد كيلومتر واحد قبل خط التماس استحدثت قن

مترا داخل جبهــة العــدو، وذلــك150مخفية بعمق متر واحد وطول حوالي بغية تأمين الجناح األيسر لخــط التمــاس. على مســافة كيلومــتر واحــد من القناة، وبموازاتها، استحدث ساتر ترابي بجدارين لجهــة الخــور يمتــد حــتى المستنقع، ونصبت فيه دشمة "دوشكا". في ذلك الساتر كــان ثمــة دشــمة خاصة بقوات وحدة "ذو الفقار"، قسم المعدات والتسليح في الفرقة. هــذا ولم يجلس الجيش العــراقي -على الجهــة المقابلــة- مكتــوف اليــدين، بــل استحدث قناة ساعدته على التوغل إلى حيث استطاع من جهــة خــور عبــد

الله، أي من الجهة الشمالية لخط تماسه.

شكلت وكال من دستواره وجعفر تهراني وآخرون جلسة للتنبؤ بخطة العدو في هجمته المضادة المحتملة. كنا نتوقع أن يشن نظام العراق هجومه من الجناح الشمالي لخــط الــدفاع، وأن يســتفيد من الــزوارق. لــذا تقــرر، بعــدــة، وأتــرك ســرية استشارة الرفاق، أن أضع ســريتين في الخطــوط األمامي

احتياط في عنابر القاعدة الصاروخية.

شباط تفقدت خط الدفاع مرات عــدة، ألطلــع عن كثب19 و17في ليلتي ــر ــالي األخــرى في مق ــاك، فيمــا أمضــيت اللي ــات األحــداث هن على مجري

التكتيك. في تلك األحيان حين كان يستلزم األمر حضوري في

398

غ عبر جهاز الالسلكي، فأحضر سريعا إلى هناك على الدراجة الخط كنت أبل النارية. في ليلة العشرين أخبرت رضــا دســتواره بــأني ســأبقى في الخــط طوال الليل. فقال دستواره: "سآتي أنا أيضا". حين ســمع جعفــر طهــراني بذهاب كلينا إلى الخط أراد المجيء معنا. كأن شيئا ما وقع في قلوبنــا نحن الثالثة. لكن، نظرا لعدم إمكانية خلو مقــر القيــادة من قائــد بقي دســتوارهــراني" هناك بغية حفظ االتصال بالمقر المركزي، فيما توجهت و"جعفر طه

نحو الخط.

جل ما كانت الفرقة قد أعدته للمواجهة هــو تموضــع دبابــة مهمتهــا الــدفاع عن خــط التمــاس، ســاتر تــرابي ذو جــدارين، وعــدد من المخــازن المألى بالذخيرة، والموجودة في أمــاكن مناســبة عــدة، لكي ال نحتــاج إلى ذخــيرة

الخطوط الخلفية ونضطر إلى نقلها خالل هجوم العدو.

استقررت وعمال اإلشارة خاصتي في القناة المخفية من أول الليل. كانت الفرقة تلك الليلة على أهبة االستعداد. عند منتصف الليـل شـوهد رتـل منــا نــراهم بشــكل واضــح من العراقيين يقترب ما أمكنه من خط تماســنا. كن القناة المخفية من الجانب بل من الخلف تقريبا. أعلمت القوات المستقرة على خط التماس بحضورهم عبر الجهاز الالســلكي. كــانت قواتنــا متيقظــة ومنتبهة. عطل العراقيون األلغام، واقتربوا من األسالك الشائكة. بعــد ذلــكــا وبحماقة مشهودة، أخذوا األقسام جميعــا وفي آن واحــد، فكــان هــذا كافي لتنبيه قواتنا بشكل أفضــل! إمــا أنهم لم يكونــوا على اطالع بفنــون القتــال الليلي، أو أنهم كانوا خائفين ومضطربين. كانت قوات خط التمــاس تنتظــرــد ــتربون إلى ح أمري واأليادي على الزناد. كانت خطتي أن ندع البعثيين يق

اإلمكان، لكي نتمكن من إيقاع أكبر عدد من الخسائر في صفوفهم.

وفي الوقت المناسب أمرت بإطالق النار. وفي لحظة واحدة ضغط

399

ــون على األرض وعلت صــرخاتهم. لــو الجميع على الزنــاد، فســقط العراقي أمرت بإطالق النار مبكرا لالذوا بالفرار، أو متأخرا لتمكن بعضهم من عبور الساتر الترابي لخط التماس. بعد أن تبعثر نظم القوات المعادية اســتمرت قواتنا بإطالق نيرانها على جبهة العدو نحو نصــف ســاعة، فيمــا لم تســتطع

نيرانهم المتفرقة إحداث أي فارق.

ــه هــدوء يســبق عند الساعة الواحدة فجرا ساد الهـدوء أرجــاء المكــان، لكنــثيين من ــدى البع العاصفة. كان من الواضح أن تلك الهجمة ليست كل ما ل قوة. انتظرنا خطوتهم التاليــة. انتــاب جعفــر طهــراني القلــق من هــدوئهم، الذي فاق الحد. هدوء استمر لساعتين، من الســاعة الواحــدة حــتى الثالثــة

فجرا.

ا من جهـة الخاصـرة على عند الساعة الثالثة شن البعثيون هجومـا هسـتيري الساتر الترابي ذي الجدارين. لو نجحوا في ذلك لوقعت جميــع قــوات خــط التماس في دائرة الحصار. عبرت طالئــع قــواتهم الســاتر الــترابي وتمكنــوا من الســيطرة على دشــمة الدوشــكا. كنت من داخــل القنــاة أشــرف على الساتر الترابي وعلى خط التماس في آن. أطلقت القــوات المســتقرة في القناة نيرانا كثيفة نحو الســاتر، حــتى اضــطر مســاعد رامي الرشــاش إلى

تغيير سبطانة الرشاش مرات عدة.

ذهبت برفقة جعفر طهـراني باتجــاه السـاتر الـترابي. اتصـل جعفـر بقسـم المدرعات في الفرقة. بعد برهة وصــلت الدبابــة المســتقرة قــرب الســاتر إلى أرض المعركة. مضى نصف ساعة على شروع الهجمة العراقية الثانية، فيمــا اســتمرت المواجهــات على الوتــيرة ذاتهــا. وشــنت القــوات المعاديــة هجوما على خط التمـاس، فبــات خـط الـدفاع في جـادة أم القصــر مهـددا

ـة - الـتي لم تتمكن من التقـدم بشـكل جـدي. عقب قصــف الدبابـة اإليرانيعلى الطريق الترابية أكثر من نصف المسافة بسبب

400

- تراجع العراقيون إلى ما وراء الساتر الترابي ذي الجدارين. الوحول

عند الساعة الرابعة والنصف فجرا ساد الهــدوء األجــواء من جديــد، إال أنهم كانوا يظهرون لنا تحت نور القنابل المضيئة. بدا واضــحا أنهم مــا زالــوا في

مكان قريب، فيما كان بزوغ شمس النهار وشيكا، وهو أمر لمصلحتنا.

ــة حــتى الصــباح تحتم على العــراقيين إمــا الهجــوم في تلك الدقائق المتبقي ثانية أو االنسحاب كامال. بينمــا هم حيــارى في البقــاء أو العــودة وقــع عــدد

ــوم سالمين وجرحى منهم - - في األسر. أما نحن فسقط لنا في ذلك الهج المضاد الذي شنه العدو ليال نحو مئة بين شهيد وجريح. في تلك الليلة أيضا

استشهد جعفر طهراني الذي كان رفيقا شفيقا لي.

ــام بقيت قائدا لكتيبة حمزة -ميراث أسد الله بازوكي- حتى نهاية الحرب عــالي في1988 . كانت كتيبة "حمزة" بيتي األول. كنت أقضي جل أيامي ولي

الكتيبة، ما خال أيام المأذونيات واالستشفاء. كان كل واحد من التعبويين قدــام أنس بكتيبة ما. أواخر الحرب انضم بعضهم إلى عوائل الشهداء. في األي

ـات شقيق أسد الله األخيرة للحرب استشهد "بهروز بازوكي" - ـ - في عملي "مرصاد". كنت حينها مسؤول أحد محاور الفرقــة ومهمــتي اإلشــراف على عدد من الكتائب، وكان بهروز معـاوني. ذات مـرة قصــفت طـائرات العـدو

- كرمانشــاه المــدرج الجــوي االضــطراري على تقــاطع "إســالم آبــاد –أنديمشك"، ما أدى إلى شهادة بهروز.

إن صحيفة أعمال كتيبــة "حمــزة" بعــد بــازوكي مشــرفة. ولم تقــل فعاليــةالكتيبة في العمليات من بعده عما مضى إن لم نقل إنها زادت.

مــرات، ال يــزال كــل من رأســي5في حــرب الســنوات الثمــاني جــرحت ورجلي وحنجرتي وظهري يحتفظ بذكريات منها، ما خال الجروح الســطحية

التي تعرضت لها، وبقيت شظايا صغيرة وأخرى كبيرة في

401

ــف آثارهــا على روح اإلنســان ونفســه أكــثر ممــا جسدي. إال أن الحرب تخلــر اإلنســان. لــو لم تكن الحــرب في تخلفــه في جســده. ففي الحــرب يتغي حياتي وفي إيــران لكنت إنســانا آخــر من دون أدنى شــك. فميــدان القتــالــرة ــاس م ــد الن ــدوء يول يســهم في نضــج اإلنســان. في زمن الصــلح واله ويموتون مرة، أما في الحرب فقد يطوي المرء هذه الفترة الطويلة مرات

ومرات!

ــل في ليالي العمليات الـتي ال تنســى، كـان العبــور من نقطــة االنطالق يمثــترابي، والدة، ولعله يمثل موتا. إذ يترك المرء جميع العالئق خلف الساتر الك بهــا، وال ويشق كالزورق عباب البحــر الهــائج إلى حيث ال عــروة يستمســا أمل يتعلق به سوى اللــه. االنطالق من الســاتر الــترابي ليس عمال جســديــات والدة فحسب، بل هو هجرة روحية. كما إن مشاهدة ضــوء صــبح العملي جميلة. فرؤية نور الشمس بعد كل تلك الصعاب، من انفجــارات ورصــاص،ــة والدة لألشــخاص ومطر وبرد أحيانا، وجراح وشهادة وأسر، لم تكن بمنزل فحسب، بل هي والدة للحيــاة. أوال يحكي العبــور من بين زخــات الرصــاص األفقي، والنجاة بالنفس من بين وابــل القــذائف والمــدافع العمــودي شــدة

التصاق الموت بالحياة وامتزاجهما؟

- هي للحياة والسعي المقــدس فيهــا. فــالحرب، في البين لكن الديمومة - وإن طــالت، إنمــا هي كطــل الربيــع، أمــا الحيــاة فهي نهــر دائم الجريــان.

ال الحرب نار تحرق الجسد والروح لتزهر الحياة من بينهما. كانت الحــرب - - صقال للجسد والــروح. سيما حربنا التي تضج بالمعاني السامية والعرفانية

على الرغم من أن الحرب مظلمة قبيحة مرة، إال أنها تصنع البشر والحياة. من ذا الذي ال يلتذ لرؤية شجاعة مجاهد وال يكاد يطير فرحا؟ ال تتجلي تلك

الشجاعة إال في ساحة المعركة وفي قلب النار والدخان والدماء!

402

لقد مرت سنون على نهاية تلك الحرب بجميع مــا حملت من ويالت ودمــار وقتل، إال أنها ال تزال تمثل مدرســة لنــا وألبنائنــا. في تلــك الحــرب لم يحنــد ــوا بأي أبناء هذه األرض رؤوسهم أمام الظلم، ولم يخضعوا للذل. لقد وقف خالية وذادوا عن دينهم وأرضهم. لقد انتهت الحرب، لكن ذكرياتها المفعمــة بالعبر ال تنسى. كل من خطا خطوة في تلك الحرب هو بطل وطني ســعى في خلق ملحمة. لقد بذل مجاهدو الفصيل األول أرواحهم من أجل اإلسالمد ــني. فلتخل ــام الخمي ــر اإلم ــران، ومن أجــل ابتســامة أزهــرت على ثغ وإي أسماؤهم وذكراهم! والخزي والعــار األبــدي على من أشــعل فتيــل الحــرب

من البعثيين وجميع داعميهم والراضين بفعلهم!

403

وثائق الفصل السادس عشر

الوثائق غيرالمكتوبة الصور الوثائق

المكتوبة االسم

والشهرةالصف

11 دقيقة415مقابلة لـ 2 محمود أمينيجز 1

مقابلة مع العائلة لـ14 دقيقة175 209 الشهيد أسد

الله بازوكي 2

7 ورقة وثيقة مكتوبــة و14ورد في هذا القسم من مجموع وثائق الفصل: قطع من الصور.

محمود أميني جز-1 المعلومات الشخصية1-1

- إجازة من الكلية الحربية، متأهل، وله ولدان، يعمــل في الحــرس الثــوري)عميد(.

، أصفهان.1956- تاريخ ومحل الوالدة: سنة - مدة الحضور في الجبهة ونــوع الخدمــة: أربعـة عشــر شــهرا في صــفوف

التعبئة، وخمسة وسبعون شهرا في صفوف الحرس الثوري. 1982 و1981- التاريخ الجهادي والـرتب العسـكرية: خـط دفـاع دلهـران،

ــات بيت )عنصر حر في السرية(، عمليات الفتح المبين )قائد فصيل(، عمليــات مســلم بن المقدس )قائد سرية(، عمليات رمضان )قائد ســرية(، عملي

عقيل )قائد سرية(، عمليات والفجر التمهيدية

404

)قائد كتيبة(،4 )قائد كتيبة(، عمليات والفجر1)قائد كتيبة(، عمليات والفجرــات بــدر ــات والفجر عمليات خيبر )قائد كتيبــة(، عملي 8)قائــد كتيبــة(، عملي

)قائــد كتيبــة(. خــط دفــاع مهــران،1986)قائد كتيبــة(. خــط دفــاع الفــاو، ــات كــربالء1)قائد كتيبة(. عمليات كربالء1986 )قائــد5 )قائد كتيبــة(. عملي

)قائد كتيبة(.1987 )قائد كتيبة(. خط دفاع دوبازا، 8كتيبة(. عمليات كربالء )قائد كتيبة(.4 )قائد كتيبة(. عمليات بيت المقدس2عمليات بيت المقدس

)قائد لواء(. عمليات مرصاد )قائد لواء(.1988خط دفاع شاخ شميران،

(، كسـر في1982- الجراح التي أصيب بهـا: إصـابة في الســاق اليســرى ) (، جــروح في1982(، إصــابة في الرئــة )1982عظمة كف اليــد اليســرى )

(، كســر في الجمجمــة وجــرح في الســاعد األيمن )1983العنق والظهــر )(، إصابة في الساق اليسرى )1984(، جروح في الفخذين والكتف )1983 (، جــروح في الســاق والفخــذ1986(، جــروح في الجبهــة والوجــه )1986

ــة )1987األيمن ) ـة في الرئ ـ ــابة كيميائي ــه1988(، إص ــروح في الوج (، ج(.1988والصدر )

%50- نسبة اإلصابة:

الكلمة األخيرة1-2 117 والصورة رقم 153الوثيقة رقم

405

118الصورة رقم

ــورة رقم ــ ــود119الص ــ - من اليمين: محمأميني، السيد محمد مجتهدي

- من اليســار: أســد اللــه120الصــورة رقم بازوكي، السيد رضا دستواره

- من اليســار: أســد اللــه121الصــورة رقم بازوكي، أمير عباس رحيمي

أمر عسكري1-3ــارهم عن ــا17منع اشتراك المجاهدين التعبويين الذين تقل أعم عام

في العمليات.

154الوثيقة رقم

406

الشهيد أسد الله بازوكي-2)مذكرات( المالحظات2-1

155الوثيقة رقم 156الوثيقة رقم

)خمس أوراق(

157الوثيقة رقم

122الصورة رقم

407

ورقة الرموز والشيفرة2-2 )ورقتان(158الوثيقة رقم

رسالة2-3159الوثيقة رقم

الوصية2-4

مقابلة مع زوجة الشهيد 2-5 كان أسد الله ابن خالي. وبرغم وجود هذهــة لم أكن على اطالع دقيــق الصــلة القريبــنة ــد س ــه. ول ــه وعمل ــيل حيات على تفاص

ـه ترعــــرع1957 ـــ في "بيالقي الر". لكنونشأ في "باكدشت ورامين".

قبل الثورة وحين أنهى دراسته

408

الثانوية، التحق بالقوات الجوية في الجيش. وبعد انتصــار الثــورة دخــل فيــات ــة المجموع ــتان لمحارب ــوري، وذهب إلى كردس ــرس الث ــفوف الح ص

المناهضة للثورة.

ا شــجاعا ــه بــدا لي ممــا ســمعت عنــه شــاب ــام قلمــا رأيتــه، لكن في تلك األيــه ودود ا ومنضــبطا. فيمــا بعــد تــبين لي أن ــا، وفي الــوقت عينــه جــدي ومؤمن

ومتسامح أيضا.

ــد1981ربطتني به عالقة حب، فتزوجنا عــام . أقيم حفــل زفافنــا بنحــو جيوفق العادات والتقاليد العائلية.

بعد الزواج مضى أسد الله إلى الجبهة فيمـا بقيت أنـا في طهـران. تعـرضــه لم يــأت في عمليات بيت المقدس )تحرير خرمشهر( لجروح طفيفــة لكن

إلى طهران لتلقي العالج.

، ولد ابننا األول، علي.1982في خريف العام

بعد سنة أصيب أسد الله وأخوه األصغر "مسعود" بجروح. جــرح أســد اللــه جــراء انفجــار قنبلــة، واحــترقت يــده اليســرى وتالشــت بحيث اضــطر إلى قطعهــا من فــوق المرفــق. كــانت اليــد نفســها الــتي أصــيبت بشــظايا في كردستان. كما جرح فخذه األيمن والتهب. جاؤوا به إلى طهران بعــد مــرور أسبوع على إصابته، فذهبت لرؤيته خارج وقت الزيارة. كــانت حالــه ســيئة. كان كيس المغذي)المصل( موصوال إلى يده اليمنى، فيمــا أخفيت اليســرىــة تحت البطانية. ما إن رآني حتى ســألني عن علي. بعــد ذلــك أزاح البطاني

بإعياء وقال: "هل ترين حالي؟ ألست مستاءة؟".

قلت: "أشكر الله أنك ال تزال على قيد الحياة. وهــذه الجــروح ســرعان مــاتبرأ".

بعد إصابته طلب منه البقاء في طهران، وتسلم مسؤولية غير

409

القتال، لكن أسد الله قال: "أنا مستعد أن أكــون في خدمــة التعبــويين بيــدواحدة وأن ال أبقى في طهران".

، وبعد أن تعافى بشـكل نســبي ذهبنـا إلى كردســتان1984في شتاء العام ــا مــدة ــة، على أمــل أن نبقى مع ــة "ســنندج" المنكوب ــد إلى مدين وبالتحدي أطول. فقد تحملت سنتين من البعد عن أسد الله، وكنت حاضرة لمرافقته

أنى ذهب، ولو تحت وابل المدافع والقذائف.

رغم فقدانه إحدى يديه، كان أسد الله يقوم بكثير من األعمال لوحده. حتى إنه كان يقود بيد واحدة. لقد كان منظما في عمله. فكان يســجل برنامجــه اليومي في دفتر صغير لكي ال يغفل عن أي عمل. كمــا كــانت ثيابــه مرتبــة

ومكوية دوما.

أردت ذات مــرة أن أقص كمــه لكي ال يعيقــه فمنعــني قــائال: "إن قصصــتالكم فلن يكون قابال لالستفادة ثانية".

ا آخــر. لم كان أسد الله رجل حرب، لكنه عنــدما يكــون بقــربي أراه شخصــ يكن يطيق رؤية أذى عائلته أو مرضها، وكــان دائم القلــق على ســالمتنا. ال

أدري كيف كان يقوى، بقلبه الحنون ذاك، على القتال في الحرب؟!

ذهبنــا إلى "إســالم آبــاد الغــرب" وســكنا في مــنزل قــريب من1984عام المعسكر حيث محل خدمة أسد الله.

في أحد األيام، وبينمــا كنت ألبس ولــدي "علي"، تنبهت لوجــود ورم صــغيرتحت إبطه. أخذناه إلى طبيب المعسكر.

احتمل الطبيب الجــراح وجــود مــرض الســل وقــال: "هــذا الــورم هــو أحــدعوارض مرض السل".

توجهنا على الفور إلى طهران، فقيل لنا إن الورم غير خطير لحسن الحظ، وإنه ال داعي للجراحة. األمر ال يستدعي سوى إخــراج الســائل من الــداخل

على ثالث مراحل، بعدها يزول الورم بشكل نهائي.

410

ــام حضــر بعد إجراء األعمال األولية رجعنا إلى المنطقــة العســكرية. بعــد أي أسد الله بشكل مفاجئ إلى البيت. وعندما ســألته عن ســبب مجيئــه قــال:

"غدا موعد زيارة طبيب علي"!

ــا إلى1985عام ، وفي أوج القصف الصاروخي على المدن الحدودية، ذهبنـام هـز المدينـة اثنـا "دزفـول"، واسـتقررنا في بيت مسـتأجر. في أحـد األي عشر صاروخا. كنت كلما ســمعت صــوت الموســيقى العســكرية أو جــرس الخطر اعتراني الخوف، فأجلس منتظرة وقوع حادثة ما. في بعض األحيان كنت أمل كل تلك األسفار الحربية وأبدأ بالشكوى، فيضحك أسد الله قائال: "يا سيدة، إنه لمن دواعي السرور أن تتعرفي إلى مــدن كثــيرة خالل هــذه

األسفار"!

في شهر رمضان من تلــك الســنة، كنت في أيــام حملي األخــيرة، وبمــا أنا. ولـد ابـني الثـاني جميع القوات عادت إلى طهران، عدنا إلى طهران أيضـ في أيام ذكرى شهادة اإلمام علي عليه السالم، فسميناه "مرتضــى" إحيــاء لمظلومية أمير المؤمنين. كان مرتضى يشبه أباه. وهو اآلن يشبهه إلى حد

كبير أيضا.

ــا نــراه. كنت أعــد في تلك األيام كان أســد اللــه كثــير المشــاغل، وقلمــا كن اللحظات بانتظار رؤيته. وبدوره كان يحضر لرؤيتنــا ولــو لبضــع ســاعات إن

استطاع.

كان علي قد تجاوز السنتين من العمر، وكان حديث العهد بالمشي، ويتكلمــد. كــان مولعــا بكــرة القــدم، وقــد طلب من أبيــه ذات مــرة أن بشــكل جي يشتري له كرة. لم يترك أسد الله مكانا في المدينة إال وبحث فيه، فإيجــادــه على الــرغم من كرة قدم في تلك المدينة المنكوبة كان عمال شــاقا. لكن

ذلك عاد إلى المنزل أواسط الليل وبيده كرة بالستيكية.

411

ــه كان علي نائما. عندما قبله والده استيقظ وسر لرؤية الكرة، فما كان من إال أن رمى نفســه في حجــر أبيــه وهــو يضــحك. في تلــك الليلــة بقي علي

وأبوه يلعبان بالكرة حتى وقت متأخر.

في آخر مأذونية له أثنى أسد الله على طبخي، وقال: "ال شــيء يعلــو علىطبخ المنزل"!

ــه في المــنزل جلس وقت األذان على ســجادة الصــالة في آخــر غــروب ل وجعل يبكي. لم أكن قد رأيته قبل ذلك الحين يبكي، فظننت أن مكروها لم أعلم به قد وقع ألخيه. جلست بجانبه وسألته عن سبب بكائه. قال: "أشعر

بكآبة غريبة. كلما سمعت باسم علي احترق قلبي لمظلوميته".

ثم سألني: "ماذا ستفعلين لو سمعت نبأ شهادتي؟".

قلت: "ما هذا الكالم؟ أنا ال أطيق ذلك، سأموت!".

فقــال بحــال من الضــحك المشــوب بالبكــاء: "ليس األمــر كــذلك. إن اللــهيمنحك صبرا لن تتخيليه!".

تلك الليلة كان قلبي ينبئني بأنني لن أراه ثانية. صــباح اليــوم التــالي حضــرــل ــا للعــادة، لم يقب ــا. عنــد ذهابــه، وخالف رضــا دســتواره مبكــرا ليــذهبا مع الطفلين، واكتفى بإلقاء نظرة عليهمــا. ثم قــال: "ســأعود ســريعا، ونــذهب

معا إلى طهران".

كما وعد علي بأن يأخذه في المرة القادمة لرؤية البحر.

مضيا سريعا. بدا واضحا أن لديهما عمال مهما. كان ذلــك في شــهر شــباط." عبر المذياع.8بعد أيام سمعت أخبار عمليات "والفجر

في أوائل شهر آذار، أخبرني أصدقاؤه ذات ليلة بأنه جــرح، لكني كنت علىيقين بأن أسد الله قد نال الشهادة.

عندما وصلت إلى طهران كان والده قد علم بأمر شهادته. كان

412

الرصاص قد فلق مؤخر رأس أسد الله وخاصرته.

ــا ــدور حــولي ويســألني: "هــل أصــيب باب ــرح علي ي ــا ب ــوم م ــك الي في ذلبرصاصة؟ إذا متى سيأتي لنذهب إلى البحر؟".

ــة في قلــبي. لقــد كــان والــد ابــني مضى أسد الله، لكن ذكـراه ال تــزال حي وشريك حياتي. ال أزال حتى اليوم أكلمه في وحدتي وأبثه لواعج أشــجاني. حين استشهد أبوهما كان علي ومرتضى صـغيرين لدرجـة أنهمــا ال يــذكرانــدا أن أباهمــا كــان رجال عظيمــا، رجال شيئا عنه، لكنهما مع ذلك يعلمــان جي

يعشق عائلته وولديه، لكنه بذل مهجته فداء لعشق أسمى.

عنوان الضريح6 -2-طهران، جادة ورامين، باكدشت، روضة شهداء باكدشت.

413

ملحق - صور * أسماء شهداء الفصيل األول

- قدامى الفصيل األول1 - الدرس والمهارة )الشطارة(2 - ثكنة دوكوهه3 - مخيم سفينة النجاة التدريبي4 - المأذونية5 - مخيم كرخه6 - مخيم كارون7 - منطقة عمليات: )بهمن شير، أرون كنار، الفاو، جادة أم القصر(8 - الشهيد أمير همايون صرافي9

414

415

جدول أسماء شهداء الفصيل األول

- جادة أم القصر:13/2/1986شهداء ليلة عمليات

شهداء العمليات األخرى:

أسماء األفراد المتبقين من الفصيل األول:

416

قدامى الفصيل األول-1

ــاني:1982/عــام 124الصــورة رقم من اليمين، الشخصــان األول والثمحسن كلستاني، العقيد علي صياد شيرازي.

الصــــــــــورة رقمــام 125 ـ1983/ع

ــد من اليمين الشخصان األول والرابع، أحمد أحمدي زاده، والحــاج محمإبراهيم همت.

417

الصــــــورةــام126 رقم ــ /ع

من اليســار، الشخصــان الرابــع والســادس: أســد اللــه بــازوكي،1983محمود أميني.

الصورة رقم

/عام127 الشخص الثاني الجالس إلى اليسار, محسن كودرزي.– 1984

418

الدرس والمهارة )الشطارة(-2

, مهدي من اليمين، أحمد أحمدي زاد1984/عام 128الصورة رقم كبير زاده, حسين كلستاني, مسعود أهري, غالمرضا نعمتي.

من اليسار: محمد أمين شيرازي./129الصورة رقم

419

/من اليمين: االمتحانات المدرسية.130الصورة رقم

الصورة /131 رقم

الصفاألول من اليمين، الشخصان األول والثالث:

420

/من اليمين الشخصان األول والثاني: أصغرأهري،132الصورة رقم أحمد أحمدي زاده.

رةالصو 13 رقم

3/ /134الصورة رقم

أحمد غالمرضا نعمتي. أحمدي زاده.

421

13رقم الصورة أحمد /دفتر5

زاده أحمدي مكتوبة )مذكرات

من قبل سعيد بور كريم ـ راجع: مستندات ووثائق الفصل األول(.

422

رقم الصورة ر/دفت136

أحمد زاده أحمدي

)مذكرات مكتوبة من قبل مهدي كبير زاده ـ راجع: مستندات ووثائقالفصل الثاني(.

423

رقم الصورة فتر أحمد/د137

زاده أحمدي )مذكرات

من قبل مكتوبةمحمد عليان نجادي ـ راجع: وثائق الفصل التاسع(.

424

الصورة13 رقم

ر أحمد/دفت8 أحمدي

زاده )مذكرات مكتوبة من قبل حسن أميري فرـ راجع: وثائق الفصل

الخامس عشر(.

425

/فوق بوابة مبنى كتيبة حمزة ـ من اليسار: حسين144الصورة رقم فياض.

/على سطح مبنى كتيبة حمزة ـ من اليمين: محمود139الصورة رقم أميني.

426

رقم الصورة140/

المعرض الذي أقيم بمناسبة "أسبوع التعبئة" في قوات التعبئةـ من اليمين: مهدي كبير زاده، أحمد احمدي زاده، غالمرضا نعمتي، حسن

أعاليي نيا،أكبر مدني.

/حسينية الشهيد همت ـ الشيخ محمد بروازي.141الصورة رقم

427

رقم الصورة ما /142

ـ أثناء التدريب على1985بين تشرين األول وتشرين الثاني من العام العمليات البرمائية.

رقم الصورة بحيرة /143

ـ سد دزالصف الخلفي في الوسط: محسن كلستاني.

428

/التدرب على االستتار والتمويه.144الصورة رقم

باحة المخيم. /145الصورة رقم

429

رقم الصورة الوافقون /146

من اليسار: عربعلي قابل ، غالمرضا نعمتي، محرم نعمتي، الجالسون من اليسار، الشخصان األول والثالث: حسن أعاليي نيا، أصغر علي لك

آبادي.

رقم الصورة من /147

اليمين: حسن رضي، رضا أنصاري، محمد جواد نصيري بور، والشخصالذي في المقدمة هو عربعلي قابل.

430

/من اليمين: رضا أنصاري )ماسح األحذية في148الصورة رقم الفصيل(.

رقم الصورة ة/خيم149

األول. الفصيل

431

/خيمة القيادة ـ من اليمين: الشخص األول، الثالث،150الصورة رقم والخامس: محمود أميني، محمد كوثري، السيد رضا دستواره.

رقم الصورة ي/ف172

)ذاهبون في إجازة(، من اليمين: حسن رضى، أكبر مدني، المأذونيةغالمرضا نعمتي، محمد عليان نجادي.

432

في مقصورة القطار. /152الصورة رقم

الواقفون من اليمين: عربعلي قابل، أحمد أحمدي /153الصورة رقم زاده، حسن رضي، مهدي كبير زاده، حسن أعاليي نيا/ الجالسون من

اليمين: أكبر مدني، محسن كلستاني.

433

مشهد المقدسة. /154الصورة رقم

/ المجموعة األولى من الفصيل األول.155الصورة رقم

434

/ المجموعة الثانية من الفصيل األول.156الصورة رقم

/ مجموعة من الفصيل الثاني.157الصورة رقم

435

/ مجموعة من الفصيل الثالث.158الصورة رقم

/ قادة السرية األولى.159الصورة رقم

436

صورال رقم ة

/في186باحة المراسم الصباحية للكتيبة ـ السرية األولى من كتيبة حمزة.

صوال رة رقم

/جادة المخيم ـ من اليسار: أمير عباس رحيمي، علي بي بي187جاني.

437

توزع الخيم في )المعسكر( ـ مهدي ملكي. /162الصورة رقم

/ 163الصورة رقم الحفرة )القبر( الخاصة باألفراد الفصيل األول الشخص النائم

أمير عباس رحيمي.

438

خيمة الفصيل األول. /164الصورة رقم

الصورة /165 رقم

الشخص النائم: مسعود أهري/من اليسار: أصغر أهري.

439

مسؤول كتيبة حمزة: محمود أميني. /166الصورة رقم

محمود أميني في خيمة الفصيل األول. /167الصورة رقم

440

قادة السرية الثانية ـ الشخص الثالث الواقف من /168الصورة رقم اليسار: هادي قيومي، والشخص الثاني الجالس من اليسار: حسن

أميري فر )مسؤول السرية األولى(.

الصورة رقم

صالة1986ما بين شهري كانون الثاني وشباط من العام /169الجماعة في باحة المخيم.

441

من اليمين: علي شهبازي. /170الصورة رقم

محسن كلستاني. /171الصورة رقم

442

- منطقة عمليات 8)بهمن شير, أرون كنار, الفاو, جادة أم القصر(

بيت في قرية أبو شانك في منطقة1986شباط 172/10الصورة رقم بهمن شير.

منطقة أروند كنار، إلى جانب1986 شباط 173/11الصورة رقم العنابر.

443

أروند كنار. /174الصورة رقم

على ضفة أحد أنهر أروند كنار. /175الصورة رقم

444

/الساحل الغربي لنهر أروند.176الصورة رقم

/عند مدخل مدينة الفاو.177الصورة رقم

445

جادة أم القصر، تحت جسر صغير، محل آمن لعقد /178الصورة رقم القادة اجتماعاتهم.

جادة أم القصر، مثلث مصنع الملح. /179الصورة رقم

446

من مثلث مصنع الملح. جسر صغير بالقرب /180الصورة رقم

الغرف المرقطة بهدف التمويه في محيط جادة أم /182الصورة رقم القصر.

447

- الشهيد أمير همايون صرافي9)راجع كتاب: قبل الكالم(

ثكنة دوكوهه، الباحة األمامية لمبنى كتيبة حمزة ـ /183الصورة رقم من اليسار، الشخصان الثاني والثالث: محد كبريايي، أمير همايون

صرافي.

ولد أمير همايون /184الصورة رقم في مدينة لندن.1967صرافي في العام

حيث كان والده آنذاك مشغوال - الدكتوراه، وقد رجع بالدراسات العليا

إلى إيران حينما نالها. كان أمير همايون طالبا في السنة األولى هندسة معمارية

حين التحق بالجبهة، وقد نال الشهادة ما 1986بين شهري آذار ونيسان من العام

في جادة أم القصر، وذلك أثناء تصديه لهجوم شنه العدو، وكان حينها ساعي

بريد السرية.

448

جديد سلسلة سادة القافلة

- 20 تلة جاويدي وسر أشلو- 19 ( / أماه )ج1 دا )ج-21 نور الدين ابن ايران

2)

الروضة الحادية عشر-22 زقاق نقاشها- 23

يصدر قريباأنا على قيد الحياة.-القرآن وخنادق الجهاد.-نهج األخيار.-

449