+ All Categories
Home > Documents > موقع مكتبة المعارف...

موقع مكتبة المعارف...

Date post: 29-Jun-2020
Category:
Upload: others
View: 12 times
Download: 0 times
Share this document with a friend
493
سات درا ي ف ج ه ا ن م ر سي ف ت ل ا1
Transcript

التفسير مناهج في دراسات

1

التفسير مناهج في دراساتالكتاب: اإلسالمية المعارف جمعيةنشر:

الثقافيةوالترجمة للتأليف نون مركزإعداد: اإلعداد

اإللكتروني:_اإلسالمية المعارف شبكة

www.almaaref.org

143م- 2012 شباط ،األولىالطبعة:هـ3

© محفوظة الطبع حقوق جميع

2

اإلسالمية المعارف سلسلةالتفسير مناهج في دراسات

إعـدادوالترجمة للتأليف نون مركز

3

بسم الله الرحمن الرحيم

4

الفهرس5الفهرس9المقدمة

11الدرس األول: التفسير والتأويل 13التفسير

13الحاجة إلى التفسير 15التأويل

17الفرق بين التفسير والتأويل18التأويل عند الطباطبائي

19هل يعلم التأويل غير الله؟ 23الدرس الثاني: أصول التفسير

25تمهيد ر في عملية التفسير 26ما يالحظه المفس

ر الدرس الثالث: شروط ومؤهالت ومهارات المفس(1وآدابه)

33

35من العلوم والمعارف التي يحتاجها 36ـ معرفة اللغة العربية وعلومها138- معرفة بعض ما يختص بعلوم القرآن 2

40وجه الحاجة إلى التمييز بين المكي والمدني الدرس الرابع: شروط ومؤهالت ومهارات المفسر

( 2وآدابه)45

47تمهيد 47ـ العلوم التي لها صلة بعلم التفسير 3

55الدرس الخامس: المناهج واالتجاهات التفسيرية 57نشوء وتطور مناهج التفسير

5

59الفارق بين المناهج واالتجاهات التفسيرية 61تقسيم المناهج التفسيرية

62تقسيم االتجاهات التفسيرية 64مالحظة حول طرق كتابة التفسير

64آراء المتخصصين في تقسيم المناهج واالتجاهات 69( 1الدرس السادس:منهج تفسير القرآن بالقرآن )

71تمهيد 71المراد من تفسير القرآن بالقرآن72تاريخ منهج تفسير القرآن بالقرآن

73لماذا يجب تفسير القرآن بالقرآن؟76حجية ظواهر القرآن

81الدرس السابع: تطبيقات عملية 83تمهيد

83الطرق الفرعية لمنهج تفسير القرآن بالقرآن 91 الدرس الثامن: منهج التفسير الروائي للقرآن الكريم

93تمهيد 93معنى التفسير الروائي

95األدوار التاريخية للمنهج الروائي 98مكانة الروايات في التفسير

101الدرس التاسع: مالحظات على التفسير الروائي 103تمهيد

103أسباب الوهن في التفسير الروائي 106ومن أشهر من روى اإلسرائيليات

108أهم كتب التفسير الروائي108نموذج عن أصحاب التفسير بالمأثور

الدرس العاشر: التفسير في عهد الصحابة )ابنعباس نموذجا(

113

115تمهيد115المفسرون من الصحابة

116من أعلم الصحابة بمعاني القرآن121 تفسير ابن عباس

الدرس الحادي عشر: الدسائس اإلسرائيلية فيتفسير القرآن

123

125اإلسرائيليات في قصة داوود عليه السالم126الكذب على النبي صلى الله عليه وآله وسلم 

129  التفسير الصحيح لآليات الدرس الثاني عشر: منهج التفسير العقلي

واالجتهادي للقرآن131

133تمهيد133المراد من التفسير العقلي االجتهادي

6

134تاريخ العمل بالمنهج العقلي للتفسير136االختالف في معنى التفسير العقلي

138أدلة جواز االعتماد على المنهج العقلي في التفسير141الدرس الثالث عشر:منهج التفسير بالرأي

143تمهيد144المراد من التفسير بالرأي

145الجذور التاريخية للتفسير بالرأيأدلة بالرأي

المخالفين للتفسير146

147أدلة القائلين بجواز التفسير بالرأي الدرس الرابع عشر: الطباطبائي وموقفه من منهج

التفسير بالرأي151

153تمهيد153حول تفسير الميزان154مزايا تفسير الميزان

155بيان الطباطبائي لمنهج التفسير بالرأي155معنى "الرأي" عند الطباطبائي

156التفسير المنهي عنه(1الدرس الخامس عشر: منهج التفسير اإلشاري )

منهج العرفاء والمتصوفين161

163تمهيد163معنى المنهج اإلشاري في التفسير

164الواقع التاريخي لهذا المنهج165أهم تفاسير الصوفية وأهل العرفان

169المؤاخذات على التفاسير الصوفية والعرفانية الدرس السادس عشر: اأقسام منهج التفسير

(2اإلشاري )171

173العرفان والتصوف174أقسام التفسير اإلشاري ونماذجه

176المالحظات األساس على هذه المناهج

7

177نماذج من التفسير الباطني الصحيح179  معايير التفسير اإلشاري الصحيح

الدرس السابع عشر: االتجاه الكالمي في تفسيرالقرآن

181

183نبذة تاريخية184االتجا

184أشهر المدارس الكالمية في التفسير190  النماذج

الدرس الثامن عشر: التفسير على ضوء منهجاألشعري

193

195،ـ جواز التكليف بما ال يطاق1198  ـ إمكان رؤية الله2

الدرس التاسع عشر: تفسير اآليات على ضوء مدرسةاالعتزال

201

203ـ الشفاعة حط الذنوب أو رفع الدرجة1205هل مرتكب الكبيرة يستحق المغفرة أم ال؟ -2

209الدرس العشرون: االتجاه الفقهي في تفسير القرآن211تمهيد

211نبذة تأريخية212خصائص االتجاه الفقهي 

213األنواع والمصادر216نماذج وموضوعات

نماذج تفسيرية221الدرس الواحد والعشرون: آية الوالية

235(1الدرس الثاني والعشرون: آية الوضوء )247(2الدرس الثالث والعشرون: آية الوضوء )

الدرس الرابع والعشرون: تفسير موضوعي لبحث:حب الدنيا

267

الدرس الخامس والعشرون: تفسير موضوعي لبحث:(1الشفاعة)

281

الدرس السادس والعشرون: تفسير موضوعي لبحث:(2الشفاعة )

299

8

المقدمة

الحمد لله رب العالمين، والصالة والسالم على العالم بالقرآن ورسولالرحمان موالنا أبي القاسم محمد بن عبد الله وعلى آله الكرام.

يعتبر القرآن الكريم المصدر األول للشريعة اإلسالمية الحقة، وهو الكتاب األوحد الذي يعد قطعي السند، وواصل إلى األمة اإلسالمية بالتواتر

اللفظي، وما ذلك إال لشدة عناية واهتمام المسلمين بكتابهم المقدس.وقد برز

شدة االهتمام بأن دأب علماء األمة على تفسير كالم الله سبحانه، فتعددت التفاسير، وتضافرت االتجاهات، على مر القرون، فنالحظ أطياف التفسيرتختلف من قرن إلى قرن، ومن عالم إلى آخر، حتى كاد الداخل المبتدئ

في علم التفسير يضيع لكثرة اتجاهات ومناهج التفسير الموجودة، بينما يجد فيها العالم الخبير أنسا ورونقا وجماال وعزا لهذا الكتاب، فيجد فيها

منهله، ويروي فيها عطشه.

من هنا كان هذا الكتاب "دراسات في مناهج التفسير" خطوة متقدمة في مجال معارف اإلسالم، يضعه مركز نون للتأليف والترجمة في جمعية

المعارف اإلسالمية الثقافية بين يدي رواد المعرفة والحقيقة، حتى يتسنىلهم الدخول

9

في علم التفسير بتؤودة ورفق، ويرشفوا من رحيق القرآن الكريم مختلفا ألوانه، فإن ظاهره أنيق وباطنه عميق ال تفنى غرائبه، وال تنقضي عجائبه،

وعلى أمل أن يسد هذا السفر القيم فراغا في المكتبة العلمية، ويمأل حاجة طالب المعرفة. وأن يتقبل الله سبحانه منا بأحسن القبول، ويعجل

فرج صاحب العصر والزمان، إنه نعم المولى ونعم المأمول.

مركز نون للتأليف والترجمة

10

الدرس األول:

التفسير والتأويل

أهداف الدرس

- أن يتعرف الطالب إلى معنى التفسير والتأويل والفرق بينهما1- أن يدرك الحاجة إلى التفسير2

11

12

التفسير

أ- لغة: التفسير من فسر، بمعنى أبان وكشف.

ويقال "فسر" للداللة على التكثير، تنزيال لما يعانيه المفسر من كد الفكرلتحصيل المعاني الدقيقة.

ب- اصطالحا: هو: إزاحة اإلبهام عن اللفظ القرآني المشكل، أي المشكل في إفادة المعنى المقصود، أو الكشف عن اإلبهام في الجمل والكلمات

القرآنية، وتوضيح مقاصدها وأهدافها.

الحاجة إلى التفسير

﴿يا أيهاإذا كان القرآن الكريم قد أنزله الله نورا وهدى وتبيانا لكل شيء بينا بكم وأنزلنا إليكم نورا م ، 1﴾الناس قد جاءكم برهان من ر

﴾هذا بيان للناس وهدى وموعظة للمتقين هذا بصائر للناس 2﴿ ،﴿ ، وإذا3﴾وهدى ورحمة لقوم يوقنون

.174- سورة النساء، اآلية: 1.138- سورة آل عمران، اآلية: 2.20- سورة الجاثية، اآلية: 3

13

﴿وال يأتونك بمثل إال جئناككان قد جاء ليكون بنفسه أحسن تفسيرا .4﴾بالحق وأحسن تفسيرا

فما هي الحاجة إلى علم التفسير؟

يمكن اإلجابة عن هذا السؤال بذكر األسباب التالية:

- إن القرآن الكريم جاء تشريعا لألصول والمباني، وأجمل في البيان1إيكاال إلى تبيين النبي صلى الله عليه وآله وسلم تفاصيل ما نزل إليهم.

قال اإلمام الصادق عليه السالم: "إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نزلت عليه الصالة ولم يسم لهم ثالثا، وال أربعا، حتى كان رسول

.5الله صلى الله عليه وآله وسلم هو الذي فسر لهم ذلك"

- احتواء القرآن على معان دقيقة ومفاهيم رقيقة، مثل أسرار الخليقة2 والوجود وصفاته تعالى، وهي فوق مستوى البشرية آنذاك، ليقوم النبي

صلى الله عليه وآله وسلم بتبيينها وشرح تفاصيلها.

- اشتمال القرآن على بيان حوادث غابرة وأمم خالية، جاء ذكرها ألجل3 العظة واالعتبار إلى جنب عادات جاهلية كانت معاصرة، عارضها وشدد

، ومسألة النسيء6النكير عليها، مثل نهيه عن دخول البيوت من ظهورها ... فقطعها من جذورها. وكل هذه األمور جاءت مجملة بحاجة إلى شرح7

وبيان ال تتم إال من خالل التفسير بالمأثور.

- جاء في القرآن الكريم كلمات عربية غريبة صعبةالفهم على عامة4الناس وهي على أفصح وأبلغ وجه، فكانت بحاجة إلى شرح وبيان وتفسير.

.33- سورة الفرقان، اآلية: 4 ، دار286، ص 1- الكافي، محمد بن يعقوب الكليني، تحقيق: علي أكبر الغفاري: ج 5

م.1986الكتب اإلسالمية، .189- سورة البقرة، اآلية: 6.37- سورة التوبة، اآلية: 7

14

ولذا قال الراغب في المفردات: فالتفسير إما أن يستعمل في غريب األلفاظ نحو: "البحيرة" و"السائبة" و"الوصيلة" أو في وجيز كالم يبين

وال وصيلة وال سآئبة وال بحيرة من الله جعل ما﴿ويشرح، لقوله: الذين ولكن حام ال وأكثرهم الكذب الله على يفترون كفروا

أو في كالم مضمن بقصة ال يمكن تصوره إال بمعرفتها، نحو8﴾يعقلون﴾إنما النسيء زيادة في الكفرقوله تعالى: ﴿وليس البر وقوله: 9﴿

.10﴾بأن تأتوا البيوت من ظهورها

التأويل

حظي معنى التأويل باهتمام المحققين والمفسرين منذ عهد بعيد، وقيل فيه كالم كثير. وجاءت لفظة التأويل سبع عشرة مرة في القرآن، إحداها

؛ أي في اآلية السابعة من11عند تقسيم آيات القرآن إلى محكم ومتشابه ﴿هو الذي أنزل عليك الكتاب منهسورة آل عمران، يقول الله تعالى:

ا الذين في حكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات فأم آيات م قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويلهاسخون في العلم يقولون آمنا به الله والر وما يعلم تأويله إال

أولوا األلباب ن عند ربنا وما يذكر إال ففي هذه اآلية يبين﴾كل م الله تعالى أن من في قلوبهم زيغ يتبعون اآليات المتشابهة طلبا للفتنة

ورغبة في تأويل المتشابه.

وهناك موضوعات مهمة في هذا البحث ال بد من التعرض لها، وهي:

، والبحيرة هي الناقة إذا ولدت عشرة أبطن، شقوا أذنها103- سورة المائدة، اآلية: 8 وتركوها، فال تركب وال يحمل عليها، والسائبة: إذا ولدت خمسة أبطن، تسيب في

المرعى، فال ترد عن حوض وال كالء، والوصيلة: إذا ولدت الشاة توأمين ذكرا وأنثى، فاليذبح الذكر، ويقال وصلت أخاها فيتركونها ألجلها.

.37- سورة التوبة، اآلية: 9.189- سورة البقرة، اآلية: 10 - المحكم هو ما ال يحتمل إال معنى واحد، والمتشابه ما يحتمل وجوها متعددة،11

وعرف الشيخ الطوسي المحكم بأنه: ما أنبأ لفظه عن معناه من غير اعتبار أمر ينضم إليه.. والمتشابه: ما كان المراد به ال يعرف بظاهره بل يحتاج إلى دليل، وذلك ما كان محتمال ألمور كثيرة أو أمرين، وال يجوز أن يكون الجميع مرادا فإنه من باب المتشابه، ،1وإنما سمي متشابها الشتباه المراد منه بما ليس بمراد. التبيان، الشيخ الطوسي، ج

.9ص

15

أ- معنى التأويل:

في اللغة التأويل: من األول، وهو الرجوع إلى حيث المبدأ؛ فتأويل الشيء إرجاعه إلى أصله وحقيقته، فكان تأويل المتشابه توجيه ظاهره إلى حيث

مستقر واقعه األصيل.

والتشابه قد يكون في كالم إذا أوجب ظاهر تعبيره شبهة في نفسالسامع، أو كان مثارا للشبهة.

وقد يكون التشابه في عمل كان ظاهره مريبا، كما في أعمال قام بها صاحب النبي موسى عليه السالم ، بحيث لم يستطع النبي موسى عليهالسالم الصبر عليها دون استجوابه، والسؤال عن تصرفاته تلك المريبة!

ب- استعماالت التأويل في القرآن الكريم

جاء استعمال لفظ "التأويل" في القرآن على ثالثة وجوه:

ـ تأويل المتشابه: بمعنى توجيهه حيث يصح ويقبله العقل والنقل، إما في1ا الذين في قلوبهم زيغمتشابه القول، كما في قوله تعالى: ﴿فأم

فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم ﴿سأنبئك بتأويل ما لم أو في متشابه الفعل، كما في قوله: 12﴾تأويله

﴾ذلك تأويل ما لم تسطع عليه صبرا ، 13﴾تستطع عليه صبرا ﴿14.

.15ـ تعبير الرؤيا: وقد جاء متكررا في سورة يوسف في سبعة مواضع2﴾يعلمك من تأويل األحاديثقال تعالى: ﴿16.

ـ مآل األمر وعاقبته: وما ينتهي إليه األمر في نهاية المطاف، قال تعالى: 3

.7- سورة آل عمران، اآلية: 12.78- سورة الكهف، اآلية: 13.82- سورة الكهف، اآلية: 14.101ـ 100ـ 45ـ 44ـ 36ـ 21ـ 6- اآليات: 15.6- سورة يوسف, اآلية: 16

16

﴾وزنوا بالقسطاس المستقيم ذلك خير وأحسن تأويال ، أي17﴿أعود نفعا وأحسن عاقبة.

- المراد الحقيقي والواقعي من اآلية: وهو ما يعبر عنه ببطن القرآن، وال4 يعتمد التأويل على ظاهر اللفظ وال على القرائن اللفظية، ومن هنا كان

﴿هذا تأويل رؤياي من قبل قدخطاب النبي يوسف عليه السالم:ا فإن تفسير الرؤيا أنه رأى أحد عشر كوكبا ورأى18﴾جعلها ربي حق

الشمس والقمر كل ذلك رآه ساجدا له، ولكن بعد مرور الزمن واالبتالءات تم تأويل هذه الرؤيا بما ال يظهر من األلفاظ المستعملة في آية الرؤيا،

وقد ورد عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "ما في القرآن آية إال ولها ظهر وبطن"، سئل اإلمام الباقر عليه السالم عن هذا الحديث فقال: "ظهره تنزيله وبطنه تأويله، منه ما قد مضى ومنه ما لم يكن يجري كما

.19تجري الشمس والقمر"

الفرق بين التفسير والتأويل

كان التأويل في استعمال السلف مترادفا مع التفسير، وقد دأب عليه أبو جعفر الطبري في "جامع البيان". لكنه في مصطلح المتأخرين جاء متغايرا مع التفسير، فالتفسير هو: رفع اإلبهام عن اللفظ المشكل، فمورده: إبهام

المعنى بسبب تعقيد حاصل في اللفظ.

وأما التأويل: فهو دفع الشبهة عن المتشابه من األقوال واألفعال، فمورده حصول شبهة في قول أو عمل، أوجبت خفاء الحقيقة )الهدف األقصى أو

المعنى المراد( فالتأويل إزاحة هذا الخفاء.

فالتأويل هو: بيان المراد الحقيقي لآلية التي ال تفهم من خالل األلفاظ، والتي تكون بعيدة عن القرائن اللفظية الظاهرة، والتفسير يكون برفع

الخفاء

.35- سورة اإلسراء، اآلية: 17.100- سورة يوسف، اآلية: 18 ، منشورات مكتبة195- بصائر الدرجات، محمد بن الحسن بن فروخ الصفار، ص 19

هـ.1381المرعشي النجفي، قم،

17

باالعتماد على الظاهر من اللفظ والقرائن، بينما التأويل يكون بيان المعنىالحقيقي والواقعي من دون ذلك االعتماد.

التأويل عند الطباطبائي

قال العالمة الطباطبائي: "فسر قوم من المفسرين التأويل بالتفسير وهو المراد من الكالم... وقالت طائفة أخرى أن المراد بالتأويل هو المعنى

المخالف لظاهر اللفظ... وهذا المعنى هو الشائع عند المتأخرين كما أن واستنتج20المعنى األول هو الذي كان شائعا بين قدماء المفسرين..."

العالمة بعد ذكره وتفنيده لكل اآلراء، ما يلي:

"إن الحق في تفسير التأويل أنه الحقيقة الواقعية التي تستند إليها البيانات القرآنية من حكم أو موعظة أو حكمة، وأنه موجود لجميع اآليات القرآنية محكمها ومتشابهها، وأنه ليس من قبيل المفاهيم المدلول عليها باأللفاظ، بل هي من األمور العينية المتعالية من أن يحيط بها شبكات األلفاظ، وإنما

قيدها الله تعالى بقيد األلفاظ لتقريبها من أذهاننا بعض التقريب فهي كاألمثال تضرب ليقرب بها المقاصد وتوضح بحسب ما يناسب فهم السامع...، ولم يستعمل القرآن لفظ التأويل... إال في المعنى الذي

.21ذكرناه"

ومن الشواهد على هذا االستخدام لكلمة التأويل ما ورد في قصتي"موسى والخضر" و"يوسف" وما شابه ذلك.

﴿إذ قال يوسف ألبيه يا أبت إني رأيت أحدففي قصة النبي يوسف: مس والقمر رأيتهم لي ساجدين .22﴾عشر كوكبا والش

، مؤسسة األعلمي،49 و44، ص 3- تفسير الميزان، العالمة الطباطبائي، ج 20هـ.1391، 2بيروت، ط

.49، ص 3- م.ن، ج 21.4- سورة يوسف، اآلية: 22

18

وبعد مضي سنوات طويلة وحوادث كثيرة، جاء تأويل هذه الرؤيا فيالسورة بالشكل التالي:

دا وقال يا أبت هذا وا له سج ﴿ورفع أبويه على العرش وخرا .23﴾تأويل رؤياي من قبل قد جعلها ربي حق

فما رآه النبي يوسف في الرؤيا يعود إلى سجود أبيه وأمه وإخوته، وهذاالتأويل والرجوع من قبيل رجوع المثال إلى الممثل والواقع الخارجي.

هل يعلم التأويل غير الله؟

يثار السؤال المذكور في ضوء ما ورد في اآلية السابعة من سورة آلحكمات هن أمعمران: ﴿هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات م

ا الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون الكتاب وأخر متشابهات فأم ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إال

ن عند ربنا وما اسخون في العلم يقولون آمنا به كل م الله والر أولوا األلباب . فقد وقع خالف مهم حتى في قراءة اآلية24﴾يذكر إال

وتالوتها، وهو حسب قول البعض أهم اختالف في القراءات وأعمقه معنى في القرآن كله. ويدور االختالف حول الوقف أو عدمه بعد كلمة "الله" في

اللهاآلية الشريفة: ﴾وما يعلم تأويله إال ﴿.

فالقول بالوقف يعني أن علم التأويل عند الله وحده، وأما القول بالعطف فمعناه أن علم التأويل ليس لله وحده، وإنما الراسخون في العلم لديهم

علم بالتأويل أيضا.

يعتقد العالمة الطباطبائي أن العلم بالتأويل ال يختص بالله تعالى وذلكاستنادا إلى أدلة من اآليات والروايات.

.100- سورة يوسف، اآلية: 23.7- سورة آل عمران، اآلية: 24

19

فمن اآليات القرآنية:

رون ه إال المطه ﴾إنه لقرآن كريم * في كتاب مكنون* ال يمس ﴿25

وال شبهة في ظهور اآلية في أن المطهرين من عباد الله يمسون القرآن ﴿إنما يريد الله ليذهب عنكمالكريم، وهم آل البيت عليهم السالم:

ركم تطهيرا جس أهل البيت ويطه .26﴾الر

ومن الروايات:

﴿وماعن بريد بن معاوية قال: "قلت للباقر عليه السالم: قول الله تعالى: اسخون في العلم الله والر قال: يعني تأويل القرآن﴾يعلم تأويله إال

كله إال الله والراسخون في العلم، فرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد علمه الله جميع ما أنزل عليه من التنزيل والتأويل، وما كان الله منزال عليه شيئا لم يعلمه تأويله، وأوصياؤه من بعده يعلمونه كله، فقال الذين ال

﴿يقولون آمنا به كليعلمون: ما نقول إذا لم نعلم تأويله؟ فأجابهم الله: ن عند ربنا .27﴾م

وماوعن الفضيل بن يسار عن أبي جعفر الباقر عليه السالم قال: "﴿ اسخون في العلم الله والر .28 نحن نعلمه"﴾يعلم تأويله إال

وعن أبي بصير عن أبي عبد الله الصادق عليه السالم قال: "نحن.29الراسخون في العلم، فنحن نعلم تأويله"

.79ـ 77- سورة الواقعة، اآليات: 25 ، ص3. انظر: تفسير الميزان، العالمة الطباطبائي، ج 33- سورة األحزاب، اآلية: 2655..646، الحديث رقم: 293، ص1- تفسير العياشي، مصدر سابق، ج27.647- م.ن، الحديث: 28.648- م.ن، الحديث 29

20

خالصة الدرس

التأويل في اللغة: األول، وهو الرجوع إلى حيث المبدأ. والتشابه قد يكون في الكالم وقد يكون في العمل.

ـ التأويل في القرآن الكريم على ثالثة وجوه: تأويل المتشابه، تعبير الرؤيا، مآل األمر وعاقبته، والمعنى الرابع المفهوم العام المأخوذ من اآلية الواردة

بشأن خاص. ـ الفرق بين التفسير والتأويل: كان التأويل في استعمال السلف مترادفامع التفسير، ولكنه عند المتأخرين يعني المعنى المخالف لظاهر اللفظ.

ـ عند العالمة الطباطبائي التأويل ليس من قبيل المفاهيم المدلول عليها باأللفاظ بل هي من األمور المتعالية من أن يحيط بها األلفاظ، فهي

كاألمثال تضرب ليقرب بها المقاصد.

ـ اختلف المفسرون في أنه هل يعلم التأويل غير الله تعالى، من حيث ﴿وما يعلماختالفهم في عالمة الوقف على كلمة الله في قوله تعالى:

، الله ولكن العالمة الطباطبائي استدل من غير هذه اآلية﴾تأويله إال بغض النظر عن الخالف في عالمة الوقف بآيات أخرى وروايات، على

إمكانية أن يعلم غير الله التأويل، باإلضافة إلى أن هناك دليال عقليا.

21

22

الدرس الثاني:

أصول التفسير

أهداف الدرس:

- أن يتعرف الطالب إلى أصول التفسير ومداركه1 - أن يميز بين أقسام أخبار اآلحاد2

23

24

تمهيد

الظن على نحوين، ظن معتبر يمكن االعتماد عليه، وظن غير معتبر منهي عنه ال يمكن االعتماد عليه، لذلك ال يجوز أن يعتمد في تفسير كالم الله

تعالى إال على ما ثبت اعتباره وحجيته كالظواهر الظنية، فال يجوز االعتماد فيه على الظن غير الحجة، وال على االستحسان، وال على غيرهما مما لم

تثبت حجيته، كقول المفسر قديما كان أم حديثا، موافقا كان أم مخالفاوذلك للنهي عن متابعة الظن.

فقد ورد الكثير من اآليات والروايات المانعة عن القول بغير علم واتباع ﴿وال تقف ما ليس لك بهالظن واالفتراء على الله تعالى، قال تعالى:

﴾قل آلله أذن لكم أم على الله تفترونوقال سبحانه: 1﴾علم ﴿2

ظنا إن الظن ال يغني منويقول سبحانه: ﴿وما يتبع أكثرهم إالومن الروايات: عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:3﴾الحق شيئا

.36- سورة اإلسراء، اآلية: 1.59- سورة يونس، اآلية: 2.36- سورة يونس، اآلية: 3

25

وعنه صلى الله عليه وآله وسلم:4"ما آمن بي من فسر برأيه كالمي" .5"من قال في القرآن بغير علم فليتبوأ مقعده من النار"

ر في عملية التفسير ما يالحظه المفس

وبالجملة: ال محيص عن االعتماد في ذلك على ما ثبت اعتباره، وعلمت حجيته من طريق الشرع، أو من حكم العقل، فإذا ال بد للمفسر

الستكشاف مراد الله تبارك وتعالى من مالحظة األمور التالية في عمليةالتفسير:

أوال: اتباع ظواهر الكتاب، التي يفهمها العارف بالعربية الفصيحة، فإنظواهر الكتاب حجة.

ثانيا: االستناد إلى ما ثبت عن المعصوم من نبي أو إمام في بيان مراد اللهتبارك وتعالى.

ثالثا: اتباع ما حكم به العقل الفطري الصحيح، الذي هو المرجع إلثبات أساس التوحيد، واتصاف الكتاب باإلعجاز المثبت للرسالة، فإنه ال ريب في

حجيته.

وال بد من التكلم في هذه األمور الثالثة التي هي أصول التفسير ومداركه.

- أدلة حجية ظواهر الكتاب1

أ- ال ينبغي االرتياب في أن القرآن الكريم إنما أنزل، وأتى به النبي صلى الله عليه وآله وسلم ليفهم الناس معانيه، ويتدبروا آياته، ويجعلوا أعمالهم

مطابقة ألوامره ونواهيه.

ومن المعلوم أن الشارع المقدس لم يخترع لنفسه طريقة خاصة إلفهام

.6- األمالي، الشيخ الصدوق، ص 4.512، ص 30- بحار األنوار، العالمة المجلسي، ج 5

26

مقاصده، بل خاطب الناس بالطريقة المألوفة المتداولة في فهم المقاصد  من طريق األلفاظ والعبارات، وحينئذ فال محيص عن القول باعتبار ظواهر

الكتاب كظواهر سائر الكتب الموضوعة للتفهيم وإرادة المقاصد، كيف وقد حث الكتاب بنفسه الناس على التدبر في آياته، واعترض على عدم

التدبر؟!

ب- إن القرآن الكريم هو المعجزة الخالدة على النبوة والرسالة، ولو لم تكن العرب عارفة بمعاني القرآن، ولم تكن تفهم مقاصده من ألفاظه

وآياته، بل لو كان من قبيل األلغاز وغير قابل للفهم، لم يكن وجه التصافهباإلعجاز.

ج- حديث الثقلين المعروف بين الفريقين، الدال على لزوم التمسك بهما، وال يكفي في ذلك مجرد االعتقاد بأنه قد نزل من عند الله تعالى، بل

للعمل بما فيه، وهذا يقتضي حجية ظواهره.

د- الروايات المتواترة، الدالة على عرض األخبار على الكتاب، وطرح ماخالف منها.

هـ- الروايات الكثيرة الدالة على استدالل األئمة عليهم السالم بالكتاب فيموارد كثيرة.

- قول المعصوم2

ال إشكال في أن قول المعصوم نبيا كان أو إماما حجة في مقام كشف مراد الله تبارك وتعالى من ألفاظ كتابه العزيز، وآيات قرآنه المجيد، أما النبي فواضح، وأما اإلمام فألنه أحد الثقلين اللذين أمرنا بالتمسك بهما، واالعتصام بحبلهما، فرارا عن الجهالة، واجتنابا عن الضاللة، فمع ثبوت قوله في مقام التفسير، ووضوح صدوره عنه عليه السالم ال شبهة في

لزوم األخذ به. وذلك مع ثبوت قوله إما بالتواتر، أو بالخبر الصحيح المعتبرأو المحفوف بالقرائن القطعية.

27

وهذه األحاديث التي وصلتنا تنقسم إلى أقسام متنوعة، ولكن التقسيمالذي يفيدنا هو ما يلي:

وهي عبارة عن خبر جماعة )يفيد بنفسه القطعاألحاديث المتواترة: وليس بانضمام القرائن( يستحيل تواطؤهم على الكذب، وفي النتيجة

يوجب العلم بمضمون الخبر.

وبعبارة أخرى: هو نقل الروايات إلحدى القضايا بصور متعددة وبطرق مختلفة بحيث يحصل االطمئنان بعدم كذب مضمونها؛ ألنه من غير الممكن

عادة أن يتفق جميع الرواة على الكذب. وتعتبر األحاديث المتواترة حجة في التفسير؛ ألنها تفيد العلم، فال بد من األخذ بها في التفسير والعمل

.6بمضمونها

أخبار اآلحاد: وهي الروايات التي لم تصل إلى حد التواتر )أي الروايات المنقولة بطريق أو بطريقين ونحو ذلك(، وتقسم أخبار اآلحاد إلى ثالثة

أقسام:

أي الخبر غير المتواتر والذيأ الخبر الواحد المحفوف بالقرائن: يصل عن طريق معتبر ومحفوف بقرائن وشواهد تفيد الصدق واليقين

بصدوره عن المعصوم )كما في بعض خطب نهج البالغة( أو تكون موافقةلظاهر القرآن، وهذا القسم حجة في التفسير أيضا.

وهي األخبار غير المتواترة وليس لها سندب أخبار اآلحاد الضعيفة: معتبر، ولذلك ال يوجد اطمئنان بصدورها عن المعصوم، وهذا النوع من

األحاديث يرد كثيرا في الروايات التفسيرية، وربما يكون موضوعا أو مناإلسرائيليات، وهذا القسم غير معتبر في التفسير وال يعتبر حجة.

.261، ص 12- تفسير الميزان، العالمة الطباطبائي، ج 6

28

رين دراسة هذه األحاديث من ناحية المتن، مالحظة: حاول بعض المفس واالستفادة منها كشاهد في التفسير، إذا كان هناك ما يدل على صدقها

كموافقتها لظواهر القرآن مثال ألن المبنى عنده هو حجية الخبر الموثوق وقد يحصل الوثوق من نفس المتن، ومن هؤالء العالمة الطباطبائي، أما السيد الخوئي فقد ذهب إلى حجية األخبار القطعية في التفسير وعدم

ألن المبنى عنده حجية خبر الثقة.7حجية األخبار الضعيفة

أي األخبار غير المتواترة التي يكون لهاج أخبار اآلحاد المعتبرة:طريق معتبر، والتي تفيد الظن بالصحة وال تورث اليقين.

مكانة خبر الواحد المعتبر في التفسير

ثمة خالف بين علماء الشيعة بشأن حجية واعتبار خبر الواحد، فقد ادعى الشيخ الطوسي اإلجماع على حجيته وكذلك كثير من المتأخرين، وفي مقابل هذا الرأي هناك من ادعى اإلجماع على عدم حجية خبر الواحد

كالسيد المرتضى. أما في الوقت الحاضر فإن مشهور علماء اإلمامية ذهب إلى حجية خبر

الواحد والعمل به في األحكام الشرعية، ودليلهم الرئيس هو سيرة العقالء.

أما ما نريده هنا فهو: هل أن خبر الواحد يكون حجة في التفسير كما هوالحال في األحكام الشرعية؟

وهل يجوز التفسير على طبقه أو ال؟ توجد ثالثة آراء رئيسة:

األول: الموافقة على حجية خبر الواحد في التفسير.

. تفسير الميزان، العالمة398- البيان في تفسير القرآن، السيد الخوئي، ص 7.185 184، ص 3الطباطبائي، ج

29

الثاني: عدم الموافقة على حجية خبر الواحد في التفسير. الثالث: التفصيل بين الموافقة عليه في ما إذا كان مفاد الخبر حكما

شرعيا، وعدم الموافقة على حجيته في غير باب األحكام الشرعية)كاالعتقادات مثال(.

ومجمل القول في بيان هذه اآلراء وتوضيح المراد هو أن القائلين بحجية الخبر الواحد في التفسير قالوا: إن جميع األحكام وسنن الشريعة التي

تفصل مجمالت القرآن، وتفسر هذه اآليات التي وصلتنا عن طريق الخبر الواحد الجامع للشرائط تكون معتبرة، إال في الخبر المخدوش من حيث

.37السند والمضمون فال يعتبر حجة في هذه الحالة

- حكم العقل3

ال إشكال في أن حكم العقل القطعي، وإداركه الجزمي من األمور التي تعد من أصول التفسير، فإذا حكم العقل بخالف ظاهر الكتاب في مورد ال

محيص عن االلتزام به، وعدم األخذ بذلك الظاهر، ضرورة أن أساس حجية الكتاب، وكونه معجزة كاشفة عن صدق اآلتي به، إنما هو العقل الحاكم

بكونه معجزة خارقة للعادة البشرية، ولم يؤت، ولن يؤتى بمثلها، فإنهالرسول الباطني الذي ال مجال لمخالفة حكمه ووحيه.

ففي الحقيقة يكون حكمه بخالف الظاهر وإدراكه الجزمي لذلك بمنزلة قرينة متصلة، موجبة للصرف عن المعنى الحقيقي، وانعقاد الظهور في

المعنى المجازي.

افمثال قوله تعالى: ا صف ﴾وجاء ربك والملك صف وإن كان ظهوره8﴿االبتدائي

.23- 22، ص 2- التفسير والمفسرون، محمد هادي معرفة، ج8.22- سورة الفجر، اآلية: 9

30

في كون الجائي هو الرب نفسه، وهو يستلزم الجسمية الممتنعة في حقه  تعالى، إال أن حكم العقل القطعي باستحالة ذلك الستلزام التجسم لالفتقار واالحتياج المنافي لوجوب الوجود، ألن المتصف به غني بالذات يوجب عدم

انعقاد ظهور في هذا المعنى، وهو اتصاف الرب بالمجيء.

حمن على العرش استوىوهكذا قوله تعالى الر :﴾ ، ومثله اآليات9﴿الظاهرة على خالف حكم العقل.

.5- سورة طه، اآلية: 10

31

خالصة الدرس

ـ يجب االعتماد في تفسير القرآن الكريم على ما ثبت اعتباره وحجيته، واليجوز االعتماد على الظن، وال على االستحسان.

ر في استكشافه لمراد الله تعالى في كتابه الكريم من ـ ال بد للمفس مالحظة األمور العامة في عملية التفسير، والتي تعتبر أصول التفسير

للقرآن الكريم وهي:

أوال: اتباع ظواهر الكتاب الكريم، والتي ثبتت حجيتها من خالل األمر بالتدبر بآيات الله تعالى، وبكون القرآن هو المعجزة الخالدة للنبوة، وحديث الثقلين، وبالروايات المتواترة الدالة على عرض األخبار على الكتاب

الكريم.

ثانيا: قول المعصوم )النبي أو اإلمام(، وهو حجة في مقام كشف مراد اللهتعالى من ألفاظ كتابه العزيز، وآيات قرآنه المجيد.

اختلف العلماء في حجية الخبر الواحد واالستدالل به في تفسير القرآنالكريم.

ثالثا: حكم العقل القطعي وهو من أصول التفسير نظرا إلدراكه الجزمي،فإذا حكم العقل بخالف ظاهر الكتاب في مورد فال محيص عن االلتزام به.

32

الدرس الثالث:

ر وآدابه) (1شروط ومؤهالت ومهارات المفس

أهداف الدرس

ـ أن يتعرف الطالب إلى بعض من العلوم والمعارف التي يحتاجها1المفسر في اللغة العربية

- أن يتعرف إلى بعض المعارف المختصة بعلوم القرآن2

33

34

ر من العلوم والمعارف التي يحتاجها المفس

ال بد للمفسر من شروط ومؤهالت ومهارات ينطلق منها ويعتمد عليهاتساعده على القيام بتلك المهمة الجليلة.

فما هي تلك الشروط والمؤهالت والمهارات؟

في هذه المسألة جانبان:

األول: الجانب العلمي والمعرفي: ويتضمن أنواع العلوم اآللية والمعارفالتي يجب أن تتوفر في المفسر حتى يكون أهال للتفسير.

: ونقصد به المؤهالت والمهارات1الثاني: الجانب الشخصي النفسيالشخصية والمواصفات النفسية التي يجب أن يتمتع بها المفسر.

األول: الجانب العلمي والمعرفي

ر إلى أنواع من العلوم والمعارف اآللية التي تعينه على القيام يحتاج المفسبمهمة التفسير، وقد ذكرها العلماء في كتبهم تحت أبواب وعناوين متعددة

- الجانب الثاني يأتي تفصيله في الدرس الالحق.1

35

  . وأوجزها الراغب األصفهاني2أوصلها بعضهم إلى خمسة عشر علمابعشرة.

ويمكن لنا إيجاز العلوم والمعارف التي يحتاجها المفسر كما يلي:

ـ معرفة اللغة العربية وعلومها1

ونقصد بها ما يتعلق بها من نحو، وصرف، واشتقاق، وبالغة، ومعاني مفردات، وهذه من أولى العلوم التي يحتاجها المفسر؛ فإن معرفة اللغةر فالقرآن نزل )بلسان عربي العربية وما يتعلق بها أمر ضروري للمفس

مبين(. فال سبيل لبيانه إال من جهة لسان العرب، لذا ال يجوز ألحد أن يدعي فهما لكالم الله تعالى فضال عن تفسيره ما لم يكن عالما باللغة

العربية وعلومها.

أ- علم النحو

وهو ضروري للمفسر ومن أهم ما يحتاجه في مقام التفسير، ألن المعنىيتغير ويختلف باختالف اإلعراب؛ أي يتغير بتغير الحركات.

وبعبارة أخرى: فإن المعنى التركيبي للكلمات، وبالتالي معنى الجملة من اآلية ال يتضح إال من خالل معرفة موقع ودور كل كلمة فيها. فمن ال يعرف

أن الكلمة في موقع الفاعل أو المفعول، أو الصفة، أو الموصوف، أو المبتدأ، أو الخبر، وما إلى ذلك فليس بمقدوره أن يبين ويحدد معنى ومراد

﴾إنما يخشى الله من عباده العلماءالجملة واآلية، فقوله تعالى: ال3﴿ يتضح إال من خالل معرفة موقع كل كلمة من اآلية. فإن لم نعرف موقع

)يخشى( و)الله( و)العلماء( ونحدد حركاتها ال يمكن لنا أن نبين معنى اآليةومراد الله منها.

وبناء عليه فإن قراءة اآلية وكلماتها بنصب هاء الجاللة، ورفع همزة

، المقدمة.1- اإلتقان في علوم القرآن، السيوطي، ج 2.28- سورة فاطر، اآلية: 3

36

العلماء يؤدي إلى المعنى والمراد الصحيح، ألن معنى اآلية: الذين يخشون الله من عباده هم العلماء دون غيرهم أي حصر خشية الله بعباده العلماء.

ولو عكس فقرأت بضم هاء الجاللة، ونصب همزة العلماء لفسد المعنى.

قصة لطيفة

في تحقيق السبب الذي دعا أمير المؤمنين عليه السالم إلى وضع أصول علم النحو وتحديد حدوده وتحقيق السبب الذي دعا أبا األسود إلى ما

رسمه من النحو ألن الناس اختلفوا في المقامين وذكروا في المقام األول وجوها، أحدها ما ذكره ابن األنباري في خطبة شرح سيبويه قال: إن

﴿أن اللهرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سمع يوما قارئا يقرأ ن المشركين ورسوله بجر الم الرسول، فغضب صلى الله﴾بريء م

عليه وآله وسلم وأشار إلى أمير المؤمنين علي عليه السالم: إنح النحو واجعل له قاعدة، وامنع من مثل هذا اللحن، فطلب أمير المؤمنين عليه السالم أبا األسود الدؤلي وعلمه العوامل والروابط وحصر كالم العرب

وحصر الحركات اإلعرابية والبنائية، وكان أبو األسود كيسا فطنا ذهنا، فألف ذلك وإذا أشكل عليه شيء راجع أمير المؤمنين عليه السالم ورتب وركب بعض التراكيب وأتى به إلى اإلمام أمير المؤمنين عليه السالم فاستحسنه

وقال نعم ما نحوت أي قصدت فللتفاؤل بلفظ علي عليه السالم سمي هذا .4العلم نحوا

ب- علم الصرف واالشتقاق

أما االشتقاق فهو الذي يبين لنا مادة الكلمة وجذرها وأصلها حتى نرجع في تبيين معناها إلى جذورها، وهذا أمر مهم جدا لمن أراد الخوض في مجال

بيان كالم الله تعالى.

.155- الشيعة وفنون اإلسالم، السيد حسن الصدر، ص4

37

.5وأما الصرف "فبه تعرف األبنية والصيغ وبه يتضح المبهم من الكلمات"وبه يعرف الماضي من المضارع وكالهما من األمر إلى غير ذلك.

ج- معاني المفردات

وهي من أولى وأهم األمور التي يجب أن يقف عندها المفسر آليات الله تعالى فإن اآليات تتركب من عدة مفردات، وال يمكن له فهمها وبيانها ما

لم يعرف معانيها.

د- علوم البالغة: وهي، البيان والمعاني والبديع

- معرفة بعض ما يختص بعلوم القرآن2

ومن أهمها:

أـ القراءات

ومعرفتها ضرورية للمفسر ألنه بها يرجح بعض الوجوه المحتملة على بعض. وبسبب اختالف القراءات يختلف المعنى المراد من الكلمات

واآليات القرآنية.

إنما سكرت أبصارناومثال ذلك اختالف تفسير قوله تعالى :﴾ ، فمن6﴿رت( مشددة، فإنما يعني "سدت" ومن قرأ )سكرت( مخففة فإنه قرأ )سك

يعني "سحرت".

ب- أسباب النزول

أسباب النزول: جمع سبب, ونقصد به: ما نزلت بسببه آية أو أكثر. وهوعبارة

.213، ص 4- اإلتقان في علوم القرآن، السيوطي، ج 5.15- سورة الحجر، اآلية: 6

38

عن: واقعة أو أمر حدث في عصر الوحي اقتضى نزول الوحي ألجله  وبشأنه، وهذه األسباب قد تكون مدحا أو ذما لموقف، أو حال لمشكلة، أو

جوابا لسؤال، أو بيانا لحكم ونحو ذلك.

وفيما يلي مثاالن على أهمية معرفة أسباب النزول:

﴿اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتيقوله تعالى: .7﴾ورضيت لكم اإلسالم دينا

فمعرفة المراد من هذه اآلية المباركة وفهمها فهما صحيحا يتوقف على معرفة سبب وظروف نزولها، ومن المتواتر أنها نزلت في غدير خم بعدما

م ك وإن ل ب غ ما أنزل إليك من ر سول بل ها الر يا أي ﴿نزلت اآلية المباركة:اس إن الله ال يهدي القوم غت رسالته والله يعصمك من الن تفعل فما بل

، فجمع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الناس في غدير8﴾الكافرين خم عند مفترق طرق، وأعلن عن والية أمير المؤمنين عليه السالم قائال:

من كنت مواله فهذا علي مواله، إلى آخر الحديث المعروف... وأخذ المسلمون يهنئون عليا عليه السالم بقولهم: بخ بخ لك يا علي أصبحت

موالنا ومولى كل مؤمن ومؤمنة. وفي المقابل إن تجاهل اآلخرين لهذا الحدث العظيم الذي كان داعيا وباعثا

لنزول اآليات أدى إلى تجافي الحق والخطأ في فهم كالم الله تعالىوالعمل بخالف مراده سبحانه وتعالى من هذه اآلية المباركة.

جس أهل البيتقوله تعالى: ﴿إنما يريد الله ليذهب عنكم الرركم تطهيرا . فإن فهم اآلية المباركة ومعرفة من هم أهل البيت9﴾ويطه

عليهم السالم المقصودون فيها يتوقف

.3- سورة المائدة، اآلية: 7.67- سورة المائدة، اآلية: 8.33- سورة األحزاب، اآلية: 9.

39

على معرفة الزمان والمكان واألشخاص والظروف التي نزلت فيها اآلية المباركة، وبالوقوف على كل ذلك نفهم اآلية فهما صحيحا ونقف على

المراد اإللهي منها، فنعرف أن أهل البيت في اآلية المباركة هم: محمد، وعلي، وفاطمة، والحسن، والحسين عليهم الصالة والسالم، وليس أي أحد

سواهم، كما ادعى اآلخرون حيث وقعوا في سوء الفهم والخطأ الكبيرألنهم تجاهلوا أسباب وظروف نزول اآلية المباركة.

ج- تمييز المكي عن المدني

والمكي من اآليات هو: ما نزل قبل الهجرة من مكة إلى المدينة، أي فترة إقامة النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم في مكة المكرمة. سواء

نزلت داخل مكة أم خارجها.

والمدني من اآليات هو: ما نزل بعد هجرة النبي محمد صلى الله عليه وآلهوسلم إلى المدينة المنورة، سواء نزلت داخل المدينة أم خارجها.

وجه الحاجة إلى التمييز بين المكي والمدني

وأما الحاجة إلى التمييز بين المكي والمدني، فألنه يساعد على جالء الحقيقة في بيان معنى بعض اآليات، ويرفع اإلبهام الذي قد يقع فيه

البعض، أثناء تفسيره لبعض اآليات المباركة بسبب عدم تمييزه بين المكيوالمدني ومثال ذلك: ﴿قل ال أسألكم عليه أجرا إال المودة فيتفسير قوله تعالى:

الواردة في سورة الشورى وهذه السورة مكية.﴾القربى

واآلية المباركة حسب المتواتر نزلت في أهل البيت عليهم السالم وهم: اإلمام علي عليه السالم والسيدة فاطمة الزهراء عليها السالم واإلمامان

الحسن والحسين عليهما السالم.

فربما يتوهم البعض ويستبعد نزولها في حق أهل البيت عليهم السالم ،بحجة أن

40

السورة مكية، وأن اإلمامين الحسن والحسين عليهما السالم لم يكونا فيمكة.

ولكن هذا التوهم سرعان ما يرتفع إذا عرفنا أن اآلية ثالث وعشرون من سورة الشورى مدنية، وليست مكية، وأن كون السورة مكية ال يعني ضرورة كون جميع آياتها مكية، فكم من سورة مكية ضمت بين آياتها

مدنية وبالعكس. وسورة الشورى وإن كانت مكية إال أن بعض آياتها مدنيةومنه هذه اآلية المباركة.

د- داللة السياق

ر على تحديد المراد داللة السياق، فإنها من من األمور التي تعين المفس أعظم القرائن الدالة على مراد المتكلم، فمن أهمله فقد واحدة من أهم الدالالت ووقع في الخطأ في كثير من الموارد، وال بد من اإلشارة إلى أنر في الداللة على المراد ما لم تقم قرينة أقوى منها داللة السياق إنما تؤث

على خالفها، كما هو الحال في آية التطهير.

﴾ذق إنك أنت العزيز الكريمأنظر: إلى قوله تعالى: . كيف نجد أن10﴿ سياق اآليات يدل على أن المراد من العزيز الكريم )الذليل الحقير(. قال

﴿خذوه فاعتلوه إلى سواء الجحيم * ثم صبوا فوق رأسهتعالى: .11﴾من عذاب الحميم* ذق إنك أنت العزيز الكريم

ولزوم مراعاة السياق ال يعني أن القرآن الكريم يعتمد األسلوب عينه الذي تعتمده المؤلفات والكتب البشرية بحيث يأخذ البحث في موضوع محدد فإذا فرغ منه يبتدئ بموضوع جديد، وذلك بشكل متسلسل. بل نجد أن القرآن الكريم ربما يتعرض للموضوع الواحد في عدة موارد وفي كل

مورد يأخذ طرفا من الموضوع، وذلك بحسب الهدف والغاية التي اقتضتالتعرض لهذا الموضوع أو ذاك.

.49- سورة الدخان، اآلية: 10.49ـ 47- سورة الدخان، اآليات: 11

41

هـ- معرفة العام والخاص والمطلق والمقيد

ضة ألحكام األفعال والموضوعات مجملة ورد إن كثيرا من اآليات المتعر تفسيرها في السنة القطعية وأحاديث أئمة أهل البيت عليهم السالم ،

ر من الرجوع إليها كالصالة، والزكاة، والحج وغير ذلك مما ال محيص للمفسفي رفع اإلجمال وتبيين المبهم، وهو أمر واضح.

وهناك سبب ثان للرجوع إليها، وهو أنه ورد في القرآن الكريم مطلقات ولكن أريد منها المقيد، كما ورد عموم أريد منه الخصوص؛ وذلك وفقا

لتشريع القوانين في المجالس التشريعية، فإنهم يذكرون قيودها ومخصصاتها في فصل آخر باسم الملحق، وقد حذا القرآن في تشريعهدات هذا الحذو فجاءت المطلقات والعمومات في القرآن الكريم والمقي

والمخصصات في أخبار النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته عليهمالسالم.

بايقول سبحانه: م الر ﴾وأحل الله البيع وحر . وجاء في السنة12﴿ مخصصها، وأنه ال ربا بين الزوج والزوجة، والولد والوالد، فقد رخص

اإلسالم الربا هنا.

قال اإلمام الصادق عليه السالم: قال أمير المؤمنين عليه السالم: "ليس.13بين الرجل وولده ربا، إنما الربا فيما بينك وبين ما ال تملك"

وروى زرارة عن أبي جعفر عليه السالم: "ليس بين الرجل وولده، وبينه.14وبين عبده، وال بين أهله ربا، إنما الربا فيما بينك وبين ما ال تملك"

.275- سورة البقرة، اآلية: 12.436، ص 12- الوسائل، الحر العاملي، ج 13- م.ن.14

42

سول فخذوه وما نهاكمولعل قوله سبحانه وتعالى: ﴿وما آتاكم الر ، يوحي إلى هذا المعنى.15﴾عنه فانتهوا

وـ معرفة الناسخ والمنسوخ والمحكم والمتشابه

ر من معرفتها الناسخ والمنسوخ، والمحكم من األمور التي ال بد للمفسوالمتشابه.

فإنه من لم يعرف من كتاب الله عز وجل الناسخ والمنسوخ، والمحكم والمتشابه فليس بعالم بالقرآن وال هو من أهله، كما جاء في المروي عن

اإلمام الصادق عليه السالم.

فقد جاء في تفسير النعماني بإسناده إلى إسماعيل بن جابر قال: "سمعت أبا عبد الله عليه السالم جعفر بن محمد الصادق يقول: "... اعلموا،

رحمكم الله، أنه من لم يعرف من كتاب الله عز وجل الناسخ من المنسوخ، والخاص من العام، والمحكم من المتشابه... فليس بعالم

.16بالقرآن وال هو من أهله"

فمثال على الناسخ والمنسوخ: في بداية مبعث الرسول صلى الله عليهوآله وسلم أمر المسلمون بمداراة أهل الكتاب في قوله تعالى فاعفوا :﴿

.17﴾واصفحوا حتى يأتي الله بأمره

﴿قاتلوا الذينوبعد مدة أنهي هذا الحكم وأمروا بقتالهم في قوله تعالى: م الله مون ما حر ال يؤمنون بالله وال باليوم اآلخر وال يحر

.18﴾ورسوله وال يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب

.7- سورة الحشر، اآلية: 15.80، ص 3- تفسير الميزان،العالمة الطباطبائي، ج 16.109- سورة البقرة، اآلية: 17.29- سورة التوبة، اآلية: 18

43

حمن علىومثال على اآليات المتشابهات: ظاهر قوله تعالى: ﴿الرا وقوله تعالى: 19﴾العرش استوى ا صف ﴾وجاء ربك والملك صف ﴿20

يدل على الجسمية. وأن الله تعالى مادة، ولكن لو أرجعناها إلى قولهميع البصيرتعالى: ﴾ليس كمثله شيء وهو الس علمنا أن االستواء21﴿

والمجيء ال يراد منه المعنى المادي.

خالصة الدرس

من العلوم والمعارف التي يحتاجها المفسر:

أ علم النحو، ب علم الصرفـ معرفة اللغة العربية وعلومها:1 واالشتقاق، ج معاني المفردات، د علوم البالغة: وهي: البيان والمعاني

والبديع.

أـ القراءات، ب أسباب- معرفة بعض ما يختص بعلوم القرآن:2 النزول، ج تمييز المكي عن المدني، د داللة السياق، هـ معرفة العام

والخاص والمطلق والمقيد، و معرفة الناسخ والمنسوخ والمحكموالمتشابه.

.5- سورة طه، اآلية: 19.22- سورة الفجر، اآلية: 20.11- سورة الشورى، اآلية: 21

44

الدرس الرابع:

(2شروط ومؤهالت ومهارات المفسر وآدابه)

أهداف الدرس

ـ أن يتعرف الطالب إلى بعض آخر من العلوم والمعارف التي يحتاجها1المفسر

- أن يدرك المؤهالت والمهارات الشخصية والمواصفات النفسية التي2يجب أن يتمتع بها المفسر.

45

46

تمهيد

قلنا في الدرس السابق أنه ال بد للمفسر من شروط ومؤهالت ومهارات ينطلق منها ويعتمد عليها تساعده على القيام بتلك المهمة الجليلة. وقلنا

إن في هذه المسألة جانبين:

األول: الجانب العلمي والمعرفي: ويتضمن أنواع العلوم اآللية والمعارفالتي يجب أن تتوفر في المفسر حتى يكون أهال للتفسير.

الثاني: الجانب الشخصي النفسي: ونقصد به المؤهالت والمهاراتالشخصية والمواصفات النفسية التي يجب أن يتمتع بها المفسر.

الجانب األول: الجانب العلمي والمعرفي

وقد ذكرنا في الدرس السابق بعضا مما يتعلق بهذا الجانب:

ـ معرفة اللغة العربية وعلومها.1

ـ معرفة بعض ما يختص بعلوم القرآن. وبقي الكالم عن:2

ـ العلوم التي لها صلة بعلم التفسير3

ر باإلضافة الى ما مر في ومن العلوم والمعارف التي يحتاجها المفسالدرس السابق عدد من العلوم التي لها صلة بعلم التفسير، منها:

47

أ- علم الكالم

وهو يهتم بأصول العقيدة كالتوحيد والعدل، والنبوة، والمعاد، كما يهتمبالمسائل المرتبطة بها، كالجبر والتفويض، والحسن والقبح... وغيرها.

ب- علم أصول الفقه

ر في مجال آيات األحكام والبحوث الفقهية. علم أصول الفقه ويفيد المفس

وصلة علم أصول الفقه بالتفسير باعتبار أن قسما مهما من آيات القرآن المباركة تناولت األحكام الشرعية والمسائل الفقهية، وهي التي جمعت

تحت عنوان آيات األحكام، وهي موضوع لعلم األصول.

ولقد وضعت أسس هذا العلم اعتمادا على قواعد عقلية، ونقلية، وقد استمد العلماء الكثير من مباحث هذا العلم من علوم مختلفة منها علم

التفسير نفسه.

وهذا العلم يزود علم التفسير بضوابط وقواعد عامة من شأنها أن تفيدر إذا استعان بها، ال سيما في مجال بيان آيات األحكام. المفس

ج- معرفة تاريخ العرب قبل اإلسالم وبعده

ومن األمور التي لها صلة بعلم التفسير، ويستفيد منها المفسر دراسة تاريخ العرب، ونقصد دراسة الواقع أو الحال الذي كان يعيشه الناس قبل

اإلسالم وفي زمن البعثة النبوية الشريفة.

فقد نزل القرآن الكريم في جو مجتمع الجزيرة العربية، ولهذا المجتمع خصوصياته التاريخية واالجتماعية والجغرافية، كما له مميزاته وخصائصهالتربوية والثقافية والدينية، حيث كان مجتمعا متعدد األديان والثقافات.

فقد كانت الجزيرة آنذاك موطن كل من الوثنيين والمشركين إضافة إلىأهل الكتاب من يهود ونصارى.

48

كما كانت تسود بين أهلها أعراف وقيم وعادات وتقاليد تحكم تصرفاتهم وحركتهم االجتماعية. فقد بعث النبي صلى الله عليه وآله وسلم في هذه

األمة ولهؤالء الناس جميعا.

والقرآن الكريم خاطب كل هؤالء وجادلهم وأقر لهم أمورا واعترض على أخرى، وعنفهم في أشياء وزجرهم عن أخرى، وعمل على تغيير الواقع

القائم وإقامة واقع جديد.

وهو يشير في أكثر من مورد من آياته المباركة إلى تلك األمة، ويتحدثعن عاداتها وتقاليدها الجاهلية.

من هنا كانت الصلة الوثيقة بين علم التفسير ومعرفة التاريخ. فإن االطالع على تاريخ الجزيرة العربية قبل اإلسالم وتاريخ عصر رسول الله صلى الله

عليه وآله وسلم والبعثة المباركة، له األثر اإليجابي الكبير في عملية بيانوتوضيح مداليل ومقاصد كثير من اآليات المباركة.

ر أحد قوله تعالى: ﴿واذكروا نعمة الله عليكم إذفال يعقل أن يفس وهو ال1﴾كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا

يعرف كيف كانت أحوالهم قبل ذلك، وسبب العداوة بينهم، ونوعها وحدودها، ثم كيف رفع الله تعالى العداوة والبغضاء من قلوبهم، وكيف

ألف بينهم، وكيف كانت مظاهر األخوة، إلى غير ذلك من األمور التي ال بد من االطالع عليها حتى يمكن له فهم واستيعاب ما ترمي إليه اآلية

المباركة.

﴿وإذا الموؤودة سئلت بأيوكذلك الحال بالنسبة إلى قوله تعالى: فال بد في تفسيرها من معرفة عاداتهم وتعامالتهم مع2﴾ذنب قتلت

نسائهم وبناتهم، ال سيما المولودات حديثا حتى نقف عند مداليل هذه اآليةالمباركة.

.103- سورة آل عمران، اآلية: 1.9 8- سورة التكوير، اآليتان: 2

49

﴿يا أيها الذين آمنوا إنما الخمروكذلك بالنسبة إلى قوله تعالى: يطان ن عمل الش والميسر واألنصاب واألزالم رجس م

.3﴾فاجتنبوه لعلكم تفلحون

يف *وقوله تعالى: تاء والص ﴿إليالف قريش* إيالفهم رحلة الشن فليعبدوا رب هذا البيت* الذي أطعمهم من جوع وآمنهم م

.4﴾خوف

فكيف يمكن فهم مداليل هذه اآليات، ما لم نطلع على أحوال قريش، وتجارتها إلى اليمن في الشتاء، وإلى الشام في الصيف، وكيف كان حالهم قبل ذلك وبعدها، وكيف أطعمهم الله من جوع، وآمنهم من خوف، إلى غير

ذلك من األمور التي ترتبط بتاريخهم وعاداتهم وأعمالهم.

الجانب الثاني: الشخصي النفسي

ونقصد به المؤهالت والمهارات الشخصية والمواصفات النفسية التي يجبأن يتمتع بها المفسر، ومنها:

ـ صحة وصدق المعتقد:1 ال بد للمفسر من أن يملك معتقدا سليما صحيحا، ال سيما االعتقاد بوالية أهل البيت عليهم السالم ودورهم

ومرجعيتهم الفكرية والدينية، ألنهم عليه السالم الثقل الثاني بعد القرآن الثقل األول الذي أمرنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن نتمسك به وهم عليهم السالم القرآن الناطق الذي يبين ويفسر الحقائق القرآنية على أكمل وجه، "إني تارك فيكم الثقلين ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا،

.5كتاب الله وعترتي أهل بيتي وإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض" فالذي ال يملك اعتقادا سليما بهذه المسألة، ال يمكن له فهم القرآن فهما

صحيحا.

.90- سورة المائدة، اآلية: 3.4 1- سورة قريش، اآليات: 4.285،ص2- بحار األنوار، العالمة المجلسي، ج5

50

ومن صفات المفسر وآدابهـ اإلخالص وصحة المقصد والغاية:2 اإلخالص وصحة المقصد فيما يقول، ليلقى التسديد والهداية إلى المراد،

﴿والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمعقال تعالى: رون. وقال سبحانه: 6﴾المحسنين ه إال المطه ﴾ال يمس ، فال يدرك7﴿

حقائق القرآن الكريم إال أصحاب القلوب الطاهرة والنفوس الزكية.

قال الطبري: "وإنما يخلص له القصد إذا زهد في الدنيا، ألنه إذا رغب فيها لم يؤمن أن يتوسل به إلى غرض يصده عن صواب قصده ويفسد عليه

.8عمله"

ر أن يبتغي فضال من الله ورضوانا، فال يتوخى من عملية فينبغي للمفس التفسير متاع الحياة الدنيا، والوصول إلى مقامات دنيوية. ما يؤدي به إلى االنحراف عن القصد اإللهي من التفسير، كما حدث مع وعاظ السالطين،

وبعض المفسرين الذين اعتمدوا منهجا سياسيا للتفسير، أي كانوايفسرون القرآن تفسيرا سياسيا منحرفا.

قال في البرهان: "اعلم أنه ال يحصل للناظر فهم معاني الوحي، وال يظهر له أسراره وفي قلبه بدعة أو كبر أو هوى أو حب للدنيا، أو هو مصر على

.9الذنب أو غير محقق باإليمان أو ضعيف التحقيق"

﴿سأصرف عن آياتي الذين يتكبرونوفي هذا المعنى قوله تعالى: .10﴾في األرض بغير الحق

.69- سورة العنكبوت، اآلية: 6.79- سورة الواقعة، اآلية: 7.201، ص 4- أنظر: اإلتقان في علوم القرآن، السيوطي، ج 8.180،ص2- البرهان، الزركشي،ج9

.146- سورة األعراف، اآلية: 10

51

د فيسير إلىـ الموضوعية:3 د، أي أن يقرأ اآليات بتجر بمعنى التجر حيث تأخذه اآليات، وال يأخذ اآليات إلى حيث أفكاره ومعتقداته المسبقة

ز. ويلزم القرآن بها، والموضوعية هنا مقابل التحي

ر على الجمع والربط بين اآليات:4 أي أن يكونـ قدرة المفس عنده شمولية في فهم القرآن الكريم؛ فالقرآن ال يمكن أخذه وتفسيره كآيات متناثرة، ألنه هناك وحدة موضوعية بين اآليات، وعلى المفسر أن

يراعيها، ويربط بينها، وإال فإنه ال يستطيع تفسير القرآن وفهمه فهماصحيحا.

ر عقال متدبرا واعيا ال عقال غافال وقارئا:5 ـ أن يملك المفسرين: نوع يقرأ اآلية ويقرأ ما يتعلق بها منهناك نوعان من المفس

روايات ويقرأ آراء المفسرين ويجمعها ثم يكتب على ضوء ما رآه، وهذا مايسمى "بالكاتب القارئ".

ر ويستنتج ر ويفك وهناك من يقرأ اآلية والروايات وآراء المفسرين ويتدب فيأتي بمعنى جديد وهذه من أهم الصفات التي يجب أن يتمتع بها المفسر الذي يجب أن يملك عقال واعيا يمكنه من االستنتاج واإلتيان بالجديد كي ال

يراوح مكانه.

ر ال يأتي بجديد لم يسبقه يقول الشيخ محمد جواد مغنية: "فإن أي مفس إليه أحد، ولو بفكرة واحدة في التفسير، هذا يعني أن هذا المفسر ال يملك

عقال واعيا، وإنما يملك عقال قارئا، يرسم فيه ما يقرأ لغيره، تماما كمار ترتسم صورة الشيء في المرآة على ما هو من لون وحجم دون أي تأث

أو تأثير.

ذلك أن معاني القرآن عميقة إلى أبعد الحدود، ال يبلغ أحد نهايتها مهما بلغت مكانته من العلم والفهم وإنما يكشف منها ما تسعفه معارفه

ر السابق عند حد من الحدود، ثم جاء الالحق ومؤهالته، فإذا وقف المفس وترسم خطاه ال يتجاوزها، ولو بخطوة واحدة كان تماما كاألعمى يتوكأ

.11على عكاز، فإذا فقدها جمد في مكانه"

.10، ص 1- التفسير الكاشف، الشيخ محمد جواد مغنية، ج 11

52

من تتبع آياتـ النظر إلى القرآن باعتباره كتاب هداية وحياة:6 القرآن الكريم، وتدبرها جيدا، يجد أن وراءها هدفا جامعا مشتركا، وإطارا

عاما يربط بين كل آياته وسوره، وهو أن هذا القرآن يهدف إلى هداية البشرية إلى التي هي أقوم، وأنه يحمل دعوة إلى الحياة الطيبة يسودها األمن والعدل والسالم، بحيث يعيش الناس فيها في كل سعادة وطمأنينة

ورفاه.

رقال تعالى إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم ويبش :﴿ الحات أن لهم أجرا كبيرا .12﴾المؤمنين الذين يعملون الص

سول إذاوقال سبحانه: ﴿يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللر.13﴾دعاكم لما يحييكم

ر أن ينطلق في وعلى هذا األساس ومن هذا المنطلق ينبغي للمفس محاولة تفسيره آلي الذكر الحكيم وبيان مصادرها وأهدافها، بحيث يجعل

هذا الهدف العام والمشترك حاكما على كل ما يمكن أن يتوصل إليه أثناءتفسيره فال يناقضه أو يهمله.

ـ الحضور واإلحساس واالنسجام القلبي والعقلي مع القرآن:7 يقول الشيخ محمد جواد مغنية: وهنا شيء آخر يحتاج إليه المفسر، وهو

أهم وأعظم من كل ما ذكره المفسرون في مقدمة تفاسيرهم ألنه األساس والركيزة األولى لتفهم كالمه جل وعال. ولم أر من أشار إليه...

وهو أن معاني القرآن ال يدركها، ولن يدركها على حقيقتها، ويعرف عظمتها إال من يحسها في أعماقه، ويسلم معها بقلبه وعقله، ويختلط إيمانه بها

بدمه ولحمه، وهنا يكمن السر في قول أمير المؤمنين عليه السالم: "ذاك.14القرآن الصامت وأنا القرآن الناطق"

.9- سورة اإلسراء، اآلية: 12.24- سورة األنفال، اآلية: 13، المقدمة.1- التفسير الكاشف، الشيخ محمد جواد مغنية، ج 14

53

خال صة الدرس

ـ من العلوم التي لها صلة بعلم التفسير علم الكالم فيمكن للمفسر االستفادة مما توصل إليه هذا العلم الذي يعتمد على محكم القرآن وما

جاء صريحا على لسان أهل الذكر عليهم السالم أثناء تفسيره وبيانه لتلك اآليات، وذلك لكي يكون على بينة مما يجوز على الله تعالى وأنبيائه عليهم

السالم وما يستحيل عليهم.

ر في مجال آيات األحكام والبحوث ـ وهناك علم أصول الفقه ويفيد المفس الفقهية وغير ذلك. وصلته بالتفسير باعتبار أن قسما مهما من آيات القرآن

المباركة تناولت األحكام الشرعية والمسائل الفقهية، وهي موضوع لعلماألصول.

ر بضوابط وقواعد عامة من شأنها أن تفيده إذا وهذا العلم يزود المفساستعان بها، ال سيما في مجال تفسير آيات األحكام.

ـ ومن األمور التي لها صلة بعلم التفسير، ويستفيد منها المفسر معرفةتاريخ العرب قبل اإلسالم وفي زمن البعثة النبوية الشريفة.

هناك صلة وثيقة بين علم التفسير ومعرفة التاريخ، فإن االطالع على تاريخ الجزيرة العربية قبل اإلسالم وتاريخ عصر رسول الله صلى الله عليه وآله

وسلم والبعثة المباركة، له األثر اإليجابي الكبير في عملية بيان وتوضيحمداليل ومقاصد كثير من اآليات المباركة.

ـ من المؤهالت والمهارات الشخصية: صحة وصدق المعتقد، صحةر على الجمع والربط بين اآليات، أن المقصد، الموضوعية، قدرة المفسرا واعيا ال عقال غافال وقارئا، النظر إلى القرآن يملك المفسر عقال متدب

باعتباره كتاب هداية وحياة، الحضور واإلحساس واالنسجام القلبيوالعقلي مع القرآن.

54

الدرس الخامس:

المناهج واالتجاهات التفسيرية

أهداف الدرس

- أن يتعرف الطالب إلى نشوء وتطور مناهج التفسير1- أن يميز بين المناهج واالتجاهات التفسيرية2- أن يعدد تقسيمات المناهج واالتجاهات التفسيرية3

55

56

نشوء وتطور مناهج التفسير

بدأ علم التفسير منذ صدر اإلسالم، وكان مصدره الوحي اإللهي الذير للقرآن ، وكان الرسول1عرف الرسول صلى الله عليه وآله وسلم كمفس

صلى الله عليه وآله وسلم يعتمد على القرآن نفسه في التفسير، ومن هنا نشأت طريقة تفسير القرآن بالقرآن، وقد تصدى أهل البيت عليهم السالم وعدد من الصحابة لتفسير القرآن على ضوء المنهج السابق مع االستفادة من المنهج الروائي، أي االستناد إلى الروايات الصادرة عن الرسول صلى

الله عليه وآله وسلم في تفسير آيات القرآن.

وقد تصدى النبي صلى الله عليه وآله وسلم لتفصيل ما أجمل في القرآن، وبيان ما أبهم منه إما بيانا في أحاديثه الشريفة وسيرته الكريمة، أو تفصيال

جاء في جل تشريعاته من فرائض وسنن وأحكام وآداب... وهكذا فكل ما جاء في الشريعة من فروع أحكام العبادات والسنن والفرائض، وأحكام

المعامالت، واألنظمة والسياسات، كل ذلك تفصيل لما أجمل في القرآنالكريم من تشريع وتكليف.

هذا وقد تورطت مجموعة بتفسير وتأويل القرآن طبقا لميولها وبدونرعاية

)سورة النحل، اآلية: 1 ل إليهم اس ما نز ن للن وأنزلنا إليك الذكر لتبي ﴾- قال تعالى: ﴿44.)

57

الضوابط والقرائن، ومن هنا نشأ التفسير بالرأي. وقد تصدت األحاديث  الصادرة عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وأهل البيت عليهم

السالم لهذا النوع من التفسير ومنعته بشدة، فعن رسول الله صلى الله.2عليه وآله وسلم عن الله تعالى: "ما آمن بي من فسر برأيه كالمي"

ثم ظهرت في القرن الثاني الهجري وما بعده مناهج وأساليب أخرى بين  المسلمين بشكل تدريجي، نتيجة ترجمة آثار وكتب الحضارتين اليونانية

والفارسية ونفوذ أفكارهم وعلومهم.

وقد تكونت االتجاهات التفسيرية الكالمية بسبب ظهور المباحث الكالمية والفلسفية، فكانت كل فرقة من فرق المسلمين كاألشاعرة والمعتزلة

و... تفسر القرآن طبقا آلرائها وعقائدها.

وفي القرن الثالث وما بعده، بدأت تظهر أساليب جديدة في التفسير على.3يد العرفاء والمتصوفة. ما أدى إلى تطور المنهج اإلشاري في التفسير

وأما محدثو السنة والشيعة فقد اكتفوا بنقل الروايات محدثين بذلك المنهج واالتجاه الروائي في التفسير والذي ظهر في المرحلة األولى )القرن

الثالث والرابع الهجري( على شكل تفاسير مثل: تفسير العياشي، والقمي، والطبري، وفي المرحلة الثانية )من القرن العاشر حتى الحادي عشر(

الدر المنثور، والبرهان، ونور الثقلين، وخالل هذه الفترة؛ أي بعد المرحلة األولى من ظهور التفاسير الروائية بدأت تظهر التفاسير الفقهية بأسلوب

موضوعي وعلى شكل تفسير آيات األحكام. وبعد أن أخذت بعض التفاسير هـ( وأحكام370شكلها الطبيعي مثل أحكام القرآن للجصاص الحنفي )ت

م( استمرت كتابة هذا النوع من204القرآن المنسوب إلى الشافعي )ت التفاسير فيما بعد مثل أحكام

.6- األمالي، الشيخ الصدوق، ص 2- ستأتي اإلشارة إلى المنهج اإلشاري في الدرس الخامس عشر.3

58

هـ(. ثم ظهرت في القرن الخامس والسادس573القرآن للراوندي )ت  الهجري التفاسير الجامعة االجتهادية مثل: التبيان، ومجمع البيان؛ وذلك

باالستفادة من العقل واالجتهاد ومراعاة جوانب متعددة في التفسير، وال تزال هذه الطريقة متداولة حتى اآلن. وقد بادر بعض الفالسفة إلى كتابة

التفسير أيضا. كما ظهرت وتطورت في القرن األخير أساليب ومناهج.4جديدة في التفسير مثل طريقة التفسير العلمي واالتجاه االجتماعي

الفارق بين المناهج واالتجاهات التفسيرية

ر هو تبيين طريقة كل مفسر في تفسير المنهج التفسيري لكل مفس القرآن الكريم، واألداة والوسيلة التي يعتمد عليها لكشف الستر عن وجه

اآلية أو اآليات؟ فهل يأخذ العقل أداة للتفسير أو النقل؟ أو يعتمد في تفسير آيات القرآن على نفس القرآن الكريم، أو على السنة الشريفة، أو

على كليهما، أو غيرهما؟

وفي الجملة ما يتخذ مفتاحا لرفع إبهام اآليات، هو ما نسميه المنهج فيتفسير القرآن.

وأما البحث عن االتجاهات واالهتمامات التفسيرية، فالمراد منها المباحثر في تفسيره مهما كان منهجه وطريقته في تفسير التي يهتم بها المفس اآليات، مثال تارة يتجه إلى إيضاح المادة القرآنية من حيث اللغة، وأخرى

إلى صورتها العارضة عليها من حيث اإلعراب والبناء، وثالثة يتجه إلى الجانب البالغي، ورابعة يعتني بآيات األحكام، وخامسة يصب اهتمامه على

الجانب التاريخي والقصصي، وسادسة يهتم باألبحاث األخالقية، وسابعةيهتم باألبحاث االجتماعية، وثامنة يهتم باآليات الباحثة عن الكون وعالم

- سنتعرض لكل هذه المناهج في بحوث هذا الكتاب بإذن الله تعالى.4

59

الطبيعة، وتاسعة يهتم بمعارف القرآن وآياته االعتقادية، وعاشرة بالجميع حسبما أوتي من المقدرة.

وال شك أن التفاسير مختلفة من حيث االتجاه واالهتمام، إما الختالفرين وكفاءاتهم ومؤهالتهم، أو الختالف بيئاتهم وظروفهم، أو أذواق المفس

غير ذلك من العوامل.

ق بين البحثين فنأتي بكلمة موجزة، وهي أن البحث في وإن شئت أن تفر المناهج بحث عن الطريق واألسلوب، والبحث في االهتمامات بحث عن

ر، وتكون علة غائية لقيامه بالتأليف األغراض واألهداف التي يتوخاها المفس.5في مجال القرآن

وعرف بعض الباحثين المنهج واالتجاه بما يلي:

هو االستفادة من الوسائل والمصادر الخاصة في تفسير القرآنالمنهج: والتي يمكن من خاللها تبيين معنى ومقصود اآلية والحصول على نتائج

مشخصة.

إن كيفية كشف واستخراج معاني ومقاصد آيات القرآنوبعبارة أخرى:الكريم هو ما يطلق عليه "منهج التفسير".

االتجاه: هو تأثير االعتقادات الدينية، الكالمية، واالتجاهات العصرية وأساليب كتابة التفسير، والتي تتكون على أساس عقائد واحتياجات وذوق

.6وتخصص المفسر

، دار21 20، ص 4- المناهج التفسيرية في علوم القرآن، الشيخ جعفر السبحاني، ج 5م.2005هـ 1426الوالء، بيروت،

- دروس في المناهج واالتجاهات التفسيرية، محمد علي الرضائي، تعريب قاسم6 هـ.1426، المركز العالمي للدراسات اإلسالمية، قم، 19ـ 18البيضاني، ص

60

تقسيم المناهج التفسيرية

التقسيم نختار وسوف مختلفة، جهات من متعددة تقسيمات التفسيرية المناهج قسمت: يلي ما خالل من وذلك المشهور

باطل وغير معتمدصحيح ومعتبرالتفسير بالرأيتفسير القرآن بالقرآن

التفسير الروائي )على أساسالسنة(

بعض طرق التفسير اإلشاريوالعلمي

العلمي )العلوم التجريبية(العقلي )االجتهادي(اإلشاري )العرفان(

الكامل )جميع الطرق المتقدمة(

المنهج الكامل في التفسير

المقصود بذلك هو المنهج الذي يستفيد من جميع هذه الطرق )المناهج المذكورة سابقا غير التفسير بالرأي، وبعض طرق التفسير اإلشاري

والعلمي( لكي يتبين مقصود اآليات بصورة كاملة من جميع الجوانب.

إن التفسير الصحيح والمعتبر هو الذي يستفيد من جميع هذه المناهج )الخمسة( في مكانها المناسب. وقد ال يكون هناك استخدام لبعض

المناهج في بعض اآليات، فمثال قد ال توجد رواية في تفسير بعض اآليات أو ال توجد إشارة علمية )العلوم التجريبية( في بعض اآليات، فإذا المنهج

الكامل المستخدم في مورد تلك المجموعة من اآليات هو الذي يمكن أن يستفيد قدر اإلمكان، من المناهج المناسبة والمتعددة، ومن الطبيعي أن

عدد المناهج المستخدمة يرتبط باآلية وإمكانية االستفادة من المناهجالصحيحة في هذا المجال.

61

مالحظة: إن التفسير بالرأي ال يعتبر تفسيرا صحيحا ومعتبرا؛ وفي الحقيقة ال يعتبر تفسيرا للقرآن )بيانه في بحث التفسير بالرأي(. فذكره بين أنواع

المناهج التفسيرية هو من أجل رده والتنبيه على خطره؛ أي إننا إذا تعرضنا للمناهج التفسيرية بصورة عامة )أعم من كونها صحيحة أو خاطئة(، فحينئذ

سيدخل التفسير بالرأي في نطاقها، وسوف نقوم بدراسة وبحث كل منهذه المناهج وأقسامها الفرعية وكيفية اعتبارها فيما بعد.

تقسيم االتجاهات التفسيرية

يمكن تقسيم االتجاهات التفسيرية إلى أقسام فرعية على أساس االعتقادات، واألفكار، واالتجاهات العصرية، وطريقة الترتيب، والذوق

رين، وإليك البيان: والتخصص العلمي للمفس

ـ المذاهب التفسيرية1

ر أصحاب المذاهب اإلسالمية آيات القرآن على أساس العقائد التي فسر في تفسيره أحد المذاهب، أو يتخذ طريقة يؤمنون بها فربما يختار المفسرو الشيعة طبقا إلرشادات أئمتهم بظاهر وباطن خاصة. فمثال اعتنى مفس

القرآن واآليات المتعلقة بأهل البيت، فقد راعوا عصمة األنبياء فيتفسيرهم آليات القرآن و...

ومن هنا نشأ أسلوب خاص في التفسير. كما لجأت الفرقة اإلسماعيلية إلى التفسير الباطني والرمزي، أما الخوارج فلهم أسلوبهم الخاص في

التفسير. وعلى هذا فقد اتخذ كل منهم مذهبا خاصا في التفسير، ويمكنأن نلحق تفاسير الصوفية بالمذاهب التفسيرية كذلك.

62

- المدارس التفسيرية )االتجاهات الكالمية(2

أقدم بعض أصحاب المدارس الكالمية كالمعتزلة واألشاعرة على تفسير القرآن على أساس ميولهم الفكرية، فمثال كتب الزمخشري تفسيره

الكشاف بإسلوب كالمي.

- األلوان التفسيرية3

ذهب المفسرون الذين لهم تخصص أو اهتمام بعلم من العلوم إلى كتابة تفاسيرهم على أساس ذلك التخصص أو االهتمام؛ فأكثروا من طرح

المباحث التي تخصصوا بها. ومن هنا ظهرت اتجاهات وألوان تفسيرية متعددة منها: اللون األدبي، الفقهي، االجتماعي، العرفاني، األخالقي،

التاريخي و...

- االتجاهات العصرية في التفسير4

رين إلى أحد االتجاهات في التفسير نتيجة للظروف قد يذهب بعض المفس المحيطة به ونتيجة لعامل االحتياج والضرورة، فربما تكون المسائل

ر؛ فيتوجه المعنوية والتربوية واألخالقية من أهم المسائل في عصر المفس إلى اآليات األخالقية والمعنوية في تفسيره بصورة أكثر من غيرها )كما هو

الحال في تفسير في ظالل القرآن و...(.

وربما تكون عناية المفسر باألمور الجهادية والسياسية ومناهضة االستبدادقة بهذا الموضوع أكثر فتحدو به هذه العناية إلى التركيز على اآليات المتعل

من غيرها.

ر هو الوحدة اإلسالمية والتقريب بين المذاهب، فيأخذ وقد يكون هم المفستفسيره مثل هذا الطابع.

63

مالحظة حول طرق كتابة التفسير

رين؛ فهي تتفاوت على أساس الذوق يختلف أسلوب الكتابة عند المفس ومراعاة حال المخاطب. فقد يكون التفسير ترتيبيا؛ أي تفسير القرآن آية

آية ومن أوله إلى آخره، كما هو الحال في تفسير )الميزان، واألمثل،ر أحد المواضيع ويجمع ومجمع البيان(. أو قد يكون موضوعيا فيختار المفس

كل ما يتعلق به في جميع اآليات والسور ثم يخرج بنتيجة معينة مثل )تفسير نفحات القرآن، آلية الله مكارم الشيرازي؛ ومنشور جاويد آلية الله

السبحاني و...(.

وربما يكتب التفسير بصورة مختصرة أو متوسطة أو مفصلة؛ أي من حيث الحجم والكمية كما هو الحال في التفاسير: األصفى، والمصفى، والصافي

للمرحوم الفيض الكاشاني، وكذلك التفاسير: الوجيز، والجوهر الثمين، وصفوة التفاسير للمرحوم عبد الله شبر، وأيضا التفاسير الثالثة للمرحوم الطبرسي وهي: جوامع الجامع، ومجمع البيان، والكافي الشافي، فاألول مختصر والثاني متوسط والثالث مفصل. وربما يأتي التفسير على شكل متن وشرح فتكون اآلية متنا والتفسير شرحا لآلية، وقد يختلط التفسير

ر ونفحات الرحمن للنهاوندي. باآليات بصورة مزجية مثل تفسير شب

وفي بعض األحيان يكون التفسير شامال لجميع آيات القرآن مثل مجمع البيان، وأخرى ناقصا ومشتمال على سورة واحدة أو عدد من السور، أو

حتى مجموعة من السور مثل تفسير أحكام القرآن للراوندي الذي يشتملعلى اآليات الفقهية فقط وتفسير آالء الرحمن للبالغي وهو تفسير ناقص.

آراء المتخصصين في تقسيم المناهج واالتجاهات

تعتبر هذه المباحث من العلوم الجديدة في مجال تفسير القرآن، وهي

64

في حالة نمو وتطور، وفي كل سنة تحرر مقاالت وتدون كتب عديدة في  هذا المجال، وتطرح آراء جديدة. فال مانع من وجود بعض النواقص في

تقسيم المتخصصين في هذا المجال، باعتبارهم أصحاب الخطوة األولىفي هذا المجال، ونحن نشير هنا إلى أهم وأشهر هذه التقسيمات:

7- تقسيم جولدزيهر1

تناول هذا المستشرق التفسير أوال، ثم التفسير بالرأي. وذكر الروايات الواردة في مذمته. وبعد ذلك قسم التفسير على ضوء العقائد؛ فذكر

طريقة المعتزلة في التفسير ونماذج من كالمهم، وفي فصل آخر تناول ، ثم8طريقة الصوفية في التفسير والمنهج اإلشاري وتأثرهم بـ )فيلون(

ذكر تفسير إخوان الصفا واإلسماعيلية الباطنية. وفي فصل آخر قسم التفسير على ضوء الفرق الدينية. فذكر تفسير الشيعة، الخوارج، الغالة و... وأخيرا ذكر التفاسير الجديدة في العالم اإلسالمي: منهج سيد أمير

علي في الهند بعنوان المعتزلة الجدد، ومنهج السيد جمال الدين األفغاني.9والحركة الجديدة في مصر ومنهج محمد عبده صاحب المنار

والمستشرق المذكور هو أحد المبدعين لهذا البحث وهو أول من خطا الخطوات األولى في هذا البحث ومع هذا فإن كتابه ال يخلو من إشكاالت؛

فليس هناك نظام منطقي حاكم على هذه المباحث، ولم يتناول بحثالمناهج )مثل منهج التفسير بالمأثور( واالتجاهات بصورة كاملة.

7 -Ignaz Goldzhe( مستشرق يهودي مجري، درس1921ـ 1850 عليهم السالم )م في بودابست، وبرلين، واألزهر في مصر.

- فيلون: فيلسوف يهودي مولود ما بين عشرين وثالثين سنة قبل الميالد. أنظر:8.259، ص 4التفسير والمفسرون، الدكتور الذهبي، ج

- جولدزيهر، مذاهب التفسير اإلسالمي، ترجمة: الدكتور عبد الحليم النجار. تفسير9 من سورة النساء بإنشاء الشيخ محمد عبده126المنار كان من أول القرآن إلى اآلية

ثم سار تلميذه السيد رشيد رضا بإكمال هذا التفسير على نهج أستاذه حتى سورة.1011، ص 2يوسف. أنظر: التفسير والمفسرون، الشيخ محمد هادي معرفة، ج

65

- تقسيم الدكتور الذهبي2

بعد أن تناول التطور التأريخي للتفسير من عصر النبي صلى الله عليه وآله وسلم فما بعده، قام الذهبي بتقسيم التفسير إلى فرعين رئيسين،

وهما:

- التفسير بالمأثور )الروائي(.

- التفسير بالرأي.

ثم قسم التفسير بالرأي إلى فرعين أيضا: ممدوح )التفسير العقلي( . ثم اعتبر التفسير بالرأي المذموم هو تفسير الفرق والمذاهب10ومذموم

وهي: المعتزلة الشيعة )اإلثنى عشرية( والشيعة اإلسماعيلية، والشيعةالزيدية، والبهائية والخوارج، والصوفية، والتفسير العلمي.

ويبدو أن تقسيم الدكتور الذهبي ال يتمتع بنظام منطقي؛ ألنه يستخدم التفسير النقلي )المأثور( في مقابل التفسير العقلي واالجتهادي، باإلضافة

إلى أن تقسيم التفسير بالرأي إلى ممدوح ومذموم غير صحيح، وسيأتي بيان ذلك في بحث منهج التفسير بالرأي والمنهج العقلي في التفسير، كما

أنه خلط في تقسيمه المذكور بين المذاهب التفسيرية والمدارس؛ ألن فرق الشيعة تقع في قبال فرق أهل السنة وليس في مقابل الفرق

الكالمية )مثل المعتزلة(، إال إذا كان المقصود بالشيعة هم متكلمو الشيعة.

- تقسيم آية الله معرفة3

قسم سماحة الشيخ معرفة التفسير إلى فرعين:

أ- التفسير بالمأثور، ويشمل:

ـ تفسير القرآن بالقرآن.1

.284 255، ص 1- التفسير والمفسرون، الدكتور الذهبي، ج 10

66

ـ تفسير القرآن بالسنة.2

ـ تفسير القرآن بأقوال الصحابة.3

ـ تفسير القرآن بأقوال التابعين.4

ب- التفسير االجتهادي )أي على أساس النظر واالستداللالعقلي(.

ثم ذكر أن هذه الطريقة تقسم على أساس القدرة العلمية وأنواع العلومرون إلى ألوان مختلفة مثل: اللون المذهبي/ الكالمي/ التي يمتلكها المفس

الفلسفي/ الفقهي/ العلمي... ويعتبر هذا التقسيم أفضل من تقسيم الدكتور الذهبي بكثير، ولكنه اعتبر طرق التفسير العلمي والعرفاني من

األلوان التفسيرية في حين يمكن أن نعدها من المناهج ومن األلوان أيضا.

خال صة الدرس

ـ تتعلق مناهج التفسير بالمصادر واألدوات وكيفية استخراج معاني ومقاصد اآليات، أما االتجاهات التفسيرية فتتعلق بذوق وعقائد وعلوم المفسر

وأسلوب الكتابة.

ـ بدأت بعض المناهج بالظهور في عهد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم كمنهج تفسير القرآن بالقرآن، وقد ظهرت وتطورت أساليب ومناهج

جديدة في القرن الثاني الهجري نتيجة عوامل مختلفة.

ـ العوامل المؤثرة في نشوء وتنوع المناهج واالتجاهات التفسيرية عبارة عن: طبيعة القرآن، األمر القرآني باتباع النبي صلى الله عليه وآله وسلمرين، اآلراء الشخصية، نفوذ أفكار را للقرآن، اعتقاد المفس باعتباره مفس

غير المسلمين في األوساط

67

اإلسالمية، اختالف المصادر والوسائل، االتجاهات العصرية، أسلوب الكتابةعند المفسرين.

م المناهج التفسيرية إلى قسمين: ناقصة وكاملة، والمناهج الناقصة ـ تقسستة أقسام:

القرآن بالقرآن، الروائي، العلمي، اإلشاري، العقلي، االجتهادي، والتفسير بالرأي. والمنهج الكامل هو الذي يراعي كل المناهج السابقة عدا التفسير

بالرأي.

: التالي النحو على التفسيرية االتجاهات قسمت ـتفسير اإلسماعيليةـ المذاهب التفسيرية1

تفسير اإلثني عشريةتفسير المعتزلةـ المدارس التفسيرية2

تفسير األشاعرةالتفسير الفقهيـ ألوان التفسير3

التفسير األدبي أو الفلسفي أواألخالقي

التفسير الجهاديـ االتجاهات العصرية4التفسير السياسي

الترتيبيـ أساليب كتابة التفسير5الموضوعي

المختصر، المتوسط، المفصلالمزجي

68

الدرس السادس:

(1منهج تفسير القرآن بالقرآن )

أهداف الدرس

- أن يتعرف الطالب إلى المراد من منهج تفسير القرآن بالقرآن1- أن يتعرف إلى تاريخ هذا المنهج2- أن يدرك األدلة على جواز تفسير القرآن بالقرآن3- أن يتعرف إلى رأي األخباريين في تفسير القرآن بالقرآن4

69

70

تمهيد

تعتبر طريقة تفسير القرآن بالقرآن من أقدم الطرق في تفسير القرآن، وهي إحدى أقسام المنهج النقلي؛ ألن األخير ينقسم إلى قسمين: تفسير القرآن بالقرآن وتفسير القرآن بالرواية. وقد استحسن جميع المفسرين والمتخصصين إال ما شذ هذه الطريقة في التفسير، واستفادوا منها في

الكثير من الموارد، بل إن بعضهم اعتبرها من أفضل الطرق في التفسير.

المراد من تفسير القرآن بالقرآن

يعتمد هذا المنهج على توضيح آيات القرآن بواسطة آيات أخرى وبيان مقصودها. وبعبارة أخرى: تكون آيات القرآن بمثابة المصدر لتفسير آيات

أخرى.

وعرفه بعضهم بأنه: "مقابلة اآلية باآلية وجعلها شاهدا لبعضها على اآلخر.1ليستدل على هذه بهذه لمعرفة مراد الله تعالى من القرآن الكريم"

.42- أنظر: دروس في المناهج واالتجاهات التفسيرية، محمد علي الرضائي، ص 1

71

تاريخ منهج تفسير القرآن بالقرآن

يعتبر كما ذكرنا تفسير القرآن بالقرآن من أقدم طرق التفسير، ويرجع استخدامه إلى زمن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وقد استخدمه

األئمة عليهم السالم وبعض الصحابة والتابعين.

وفيما يلي بعض األمثلة على ذلك.

ـ سئل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم عن معنى "الظلم" في اآلية1﴾ولم يلبسوا إيمانهم بظلمالكريمة: فأجاب صلى الله عليه وآله2﴿

رك لظلم عظيموسلم وباالستناد إلى اآلية ﴾إن الش بأن المقصود3﴿.4بالظلم في اآلية األولى هو الشرك المذكور في اآلية الثانية

يتبين من خالل هذا الحديث واألحاديث المشابهة أن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم استخدم هذا المنهج في التفسير، فإنه صلى الله عليه

وآله وسلم قام بتعليم أتباعه عمليا على استخدامه.

﴿وفصاله فيـ استنتج اإلمام علي عليه السالم من خالل اآليتين 2﴾وحمله وفصاله ثالثون شهرا 5﴾عامين بأن أقل مدة للحمل هي6﴿

ستة أشهر. باعتبار أن مدة الرضاع سنتين كما تشير اآلية األولى، ومدة كما تشير اآلية الثانية، والجمع بينهما7الحمل والرضاع معا ثالثون شهرا

يقتضي كون أقل الحمل ستة أشهر. وهذا نوع من تفسير القرآن بالقرآن.

رو الشيعة هذا المنهج بعد ذلك مع ظهور تفاسير مثل وقد استخدم مفس

.82- سورة األنعام، اآلية: 2.13- سورة لقمان، اآلية: 3.378،ص1- مسند أحمد،ج4.14- سورة لقمان، اآلية: 5.15- سورة األحقاف، اآلية: 6 ، وبهذا الدليل دفع اإلمام180، ص 40- أنظر: بحار األنوار، العالمة المجلسي، ج 7

عليه السالم الرجم عن تلك المرأة التي حكم عليها عمر بن الخطاب بالرجم وهيحامل وقد وضعت لستة أشهر.

72

التبيان للشيخ الطوسي ومجمع البيان للشيخ الطبرسي، وكذلك مفسرو أهل السنة.

وقد ذكر العالمة المجلسي في كتابه بحار األنوار اآليات التي تتعلق بموضوع معين في بداية كل فصل. وهذا يعني أنه استفاد من الطريقة الموضوعية في تفسير القرآن بالقرآن. وقد حظي هذا المنهج باهتمام

رين في القرن األخير، كما يتضح ذلك في تفسير واسع خاصة عند المفسالميزان للعالمة الطباطبائي، وآالء الرحمن للشيخ البالغي و...

لماذا يجب تفسير القرآن بالقرآن؟

اعتمد أصحاب هذا المنهج على عدة أدلة لالستدالل على جواز ولزوم هذاالتفسير، من القرآن والسنة والسيرة.

- الدليل القرآني1

لنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء وهدى ورحمةأ- قال تعالى: ﴿ونز.8﴾وبشرى للمسلمين

استدل العالمة الطباطبائي قدس سره بهذه اآلية على تفسير القرآن بالقرآن فقال: "وحاشا أن يكون القرآن تبيانا لكل شيء وال يكون تبيانا

.9لنفسه"

بيناب- قال تعالى: ﴾وأنزلنا إليكم نورا م . قال العالمة الطباطبائي10﴿ قدس سره عند استدالله بهذه اآلية: "كيف يكون القرآن هدى وبينة وفرقانا ونورا مبينا للناس في جميع ما يحتاجون إليه وال يكفيهم في

.11احتياجهم إليه وهو أشد االحتياج"

.89- سورة النحل، اآلية: 8.15ـ 14، ص 1- تفسير الميزان، العالمة الطباطبائي، ج 9

.174- سورة النساء، اآلية: 10.14، ص 1- تفسير الميزان، العالمة الطباطبائي، ج 11

73

حكمات هنج- قال تعالى هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات م :﴿ . فقد قسمت هذه اآلية آيات القرآن إلى12﴾أم الكتاب وأخر متشابهات

مجموعتين: محكمات ومتشابهات. وكلمة "المحكم" من "اإلحكام" بمعنى "المنع"، ولهذا يقال للمواضيع الثابتة القوية محكمة؛ ألنها تمنع عن نفسها عوامل الزوال. كما أن كل قول واضح وصريح ال يعتريه أي خالف يقال له

"قول محكم"، وعليه فإن اآليات المحكمة هي اآليات ذات المفاهيمالواضحة والتي ال مجال للخالف والجدل حولها.

أما اآليات المتشابهة فهي اآليات ذات المعنى المعقد، أو التي تحتمل معاني متعددة، والتي ال يتضح معناها المقصود إال في ضوء اآليات

المحكمة. وقد أطلق على اآليات المحكمة "أم الكتاب" أي هي األصل والمرجع لآليات األخرى، وبعبارة أخرى: ال بد من إرجاع اآليات المتشابهات

إلى المحكمات لكي يتضح معناها. وهذه الطريقة هي إحدى أنواع تفسيرالقرآن بالقرآن.

د- إن تكرار اآليات يستلزم هذه الطريقة في التفسير: ألنه لكي نفهم بعض اآليات ال بد من مراجعة اآليات المشابهة، فقد جاء ذكر قصة النبي

ـ9، طه: 136ـ 105موسى عليه السالم وفرعون في سور: األعراف: ، النمل، وال يمكن تفسير هذه اآليات ورفع اإلبهام67ـ 10، الشعراء: 98

عنها ما لم يتم مراجعة هذه السور بآياتها المتعلقة بموضوع النبي موسىعليه السالم وفرعون وإال فإنه قد يؤدي إلى وقوع المفسر في أخطاء.

- الدليل الروائي2

يمكن االستدالل بالسنة على مطلوبية تفسير القرآن بالقرآن من جهتين:

أ- السنة العملية لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته عليهمالسالم ، حيث استخدموا هذه الطريقة عمليا.

.7- سورة آل عمران، اآلية: 12

74

ب- األحاديث الخاصة التي أشارت إلى هذا األمر، ومنها:

ما ورد عنه صلى الله عليه وآله وسلم: "إن القرآن ليصدق بعضه بعضا فال.13تكذبوا بعضه ببعض"

وقال اإلمام علي عليه السالم: "وكتاب الله بين أظهركم ناطق ال يعي لسانه، وبيت ال تهدم أركانه، وعز ال تهزم أعوانه.. كتاب الله تبصرون به،

وتنطقون به، وتسمعون به، وينطق بعضه ببعض، ويشهد بعضه على بعض، .14وال يختلف في الله وال يخالف بصاحبه عن الله"

- الدليل العقلي3

من أجل فهم أي كالم ال بد من مراعاة القرائن الموجودة فيه، فإذا جاء ذكر أحد المطالب بصورة مطلقة وعامة، وفي مكان آخر بصورة مقيدة

ية باعتباره مجموعة كاملة، وخاصة، فال بد من النظر إلى الكالم بصورة كلوهذه هي طريقة العقالء في فهم أي كالم.

والقرآن الكريم غير مستثنى، من هذه القاعدة، وهذا هو نفس الشيء الذي يعرف باسم تفسير القرآن بالقرآن، يعني االستفادة من بعض اآليات

كقرائن لفهم وتفسير آيات أخرى، والشارع المقدس لم يمنع من هذه الطريقة العقالئية، بل قام بتأييدها طبقا لألحاديث السابقة. وعندما نراجع

طريقة األئمة عليه السالم والصحابة والتابعين ومفسري القرآن على طول التاريخ نرى أنهم استخدموا هذه الطريقة، أي االستفادة من بعض اآليات

في فهم آيات أخرى. ومن خالل استمرار طريقتهم هذه نستدل على جوازهذا المنهج باإلضافة إلى عدم وجود منع من الشارع.

- كنز العمال في سنن األقوال واألفعال، عالء الدين علي المتقي بن حسام الدين13هـ.1399، مؤسسة الرسالة، بيروت، 2861، ح 619، ص1(، ج 975الهندي )ت

. 16، ص 2- نهج البالغة، شرح الشيخ محمد عبده، ج 14

75

حجية ظواهر القرآن

مات ومنها حجية ظواهر القرآن، يتوقف تفسير القرآن على بعض المسلر أن يستدل بظواهره. حيث يمكن للمفس

والمراد من ظاهر القرآن الكريم هو المعنى الذي يفهمه العارف باللغةالعربية بموجب القوانين الثابتة عند أهل العرف وأبناء اللغة من اللفظ.

ومذهب المشهور من علماء مدرسة أهل البيت عليهم السالم حجيةظواهر القرآن الكريم، واستدلوا على ذلك بوجوه منها:

أ - أن القرآن نزل بلسان عربي مبين.

ب - أن القرآن معجزة اإلسالم الخالدة.

وقد تحدى الباري عز وجل المشركين على اإلتيان بسورة من مثله، وال معنى للتحدي إال إذا فرض أن الذين تحداهم القرآن كانوا يفهمون معانيه

من خالل ظواهره.

ج - حديث الثقلين

والقاضي بضرورة التمسك بالقرآن والعترة، ومعنى التمسك بالقرآن ليس مجرد االعتقاد بأنه قد نزل من عند الله تعالى، بل األخذ به والعمل بما فيه

من أوامر ونواهي واالستناد إليه في كل اعتقاد أو قول أو فعل.

د- روايات العرض على القرآن

فعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "إن على كل حق حقيقة،وعلى كل صواب نورا، فما وافق

76

، وعن اإلمام الصادق15كتاب الله فخذوه، وما خالف كتاب الله فدعوه"   عليه السالم: "كل شيء مردود إلى الكتاب والسنة، وكل حديث ال يوافق

فإن أخبار العرض على القرآن خير شاهد على16كتاب الله فهو زخرف"إمكان فهم معانيه.

أما األخباريون فقد استدلوا على عدم حجية ظواهر القرآن بما يلي:

- إن فهم القرآن مختص بأهله، وهم المخاطبون الحقيقيون به، وهم1النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأهل البيت عليهم السالم.

- إن القرآن يحتوي على مضامين عالية وعميقة ال يفهمها إال الراسخون2في العلم، وال تنالها األفكار العادية للناس.

- إن القرآن الكريم يشتمل على آيات متشابهة وهو ما يؤدي إلى المنع3عن اتباع ظواهر الكتاب.

- إننا نعلم علما إجماليا بوجود مخصصات ومقيدات لكثير من ظواهر4القرآن الكريم مما يعني عدم إمكانية التمسك بالظواهر القرآنية.

وأجاب علماء األصول عن هذه اإلشكاالت بإجابات، منها:

- المقصود من اختصاص فهم القرآن بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم1 وأهل البيت عليه السالم ، وأنهم المخاطبون الحقيقيون هو الفهم الكامل

للقرآن أعم من المحكم والمتشابه، والمنع من االستقالل بالفتوى دون مراجعة الروايات، وأما بعد مراجعة القرائن النقلية، أو بعد البحث وعدم

العثور على روايات معتبرة، فال يوجد مانع من األخذ بظواهر القرآن الكريم، إضافة إلى ذلك فإن الروايات نفسها قد أرجعتنا إلى القرآن

واالستدالل به. كما في رواية عبد األعلى مولى آل سام،

.69، ص 1- الكافي، الشيخ الكليني، ج 15- م. ن.16

77

قلت ألبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق عليه السالم: عثرت فانقطع  ظفري، فجعلت على إصبعي مرارة، فكيف أصنع بالوضوء؟ قال عليه السالم: "يعرف هذا وأشباهه من كتاب الله عز وجل، قال الله تعالى:

﴾وما جعل عليكم في الدين من حرج .18 امسح عليه"17﴿

- ال يوجد تعارض بين وجود مضامين عالية وصعبة الفهم في القرآن،2والرجوع إلى الظواهر الواضحة واالستدالل بها.

- إن ظواهر القرآن ليست من المتشابهات، أي إن المقصود من3 المتشابهات هنا هو اآليات المجملة، ولكن ظواهر القرآن ليست مجملة وال

متشابهة.

دات4 - إن األخذ بظواهر القرآن يكون بعد مراجعة المخصصات والمقي والروايات األخرى، وعندها ينحل العلم اإلجمالي ويرتفع حينئذ المانع من

األخذ بالظواهر.

خالصة الدرس

ـ بدأ منهج تفسير القرآن بالقرآن منذ عهد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ، وهناك نماذج متعددة في روايات أهل البيت عليهم السالم تشير

إلى استعمالهم هذا المنهج، وقد استفاد الصحابة والتابعون من هذا المنهجأيضا.

ـ إن أهمية هذا المنهج تكمن في االستفادة من اآليات واالستعانة بها في تفسير آيات أخرى من القرآن، وهذا األمر يعتبر ضروريا في كل من

التفسير الموضوعي والترتيبي لكي يتبين مقصود اآليات بشكل واضح.

.78- سورة الحج، اآلية: 17.327، ص 1- وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج 18

78

ـ كتبت تفاسير متعددة على أساس تفسير القرآن بالقرآن على امتداد التأريخ منها في عصرنا الحاضر تفسير الميزان، بل بعضهم اعتبره من

أفضل المناهج في التفسير.

ـ استدل الموافقون على هذا المنهج باآليات والروايات وبناء العقالء وأثبتواجواز ومطلوبية هذه الطريقة في التفسير.

ـ استدل القائلون بتفسير القرآن بالقرآن بمضامين بعض اآليات مثل مادل على أن القرآن تبيان، القرآن نور، ولزوم التدبر في القرآن.

ـ ظاهر القرآن حجة فال يوجد إشكال على تفسير القرآن بالقرآن من هذه الناحية، باإلضافة إلى عدم تمامية أدلة األخباريين على منع حجية ظاهر

القرآن، على فرض ثبوت هذه النسبة إليهم.

79

80

الدرس السابع:

تطبيقات عملية

أهداف الدرس

- أن يتعرف الطالب إلى األنواع المتعددة من أنواع تفسير القرآن1بالقرآن

- أن يتعرف إلى بعض النماذج التطبيقية لهذه األنواع2

81

82

تمهيد

يعتبر "تفسير القرآن بالقرآن" منهجا كليا يتضمن تحته مصاديق وطرقا فرعية متعددة يستفيد منها المفسرون في التفسير، وإن معرفة هذهر على تقديم تفسير جامع آليات القرآن الكريم. الطرق تساعد المفس

ر للقرآن بالقرآن، سوف نشير ولكي تتوضح صورة االستدالل عند المفس إلى أهم هذه األنواع وأكثرها شيوعا، مع األمثلة والنماذج التوضيحية لهذا

المنهج.

الطرق الفرعية لمنهج تفسير القرآن بالقرآن

- إرجاع المتشابهات إلى المحكمات1

، وتعتبر اآليات المحكمة1تنقسم آيات القرآن إلى آيات محكمة ومتشابهة هي األساس والمرجع لآليات القرآنية، وال بد من إرجاع اآليات المتشابهة

إليها لكي يتضح معناها، أو يتعين أحد احتماالتها.

- أنظر: في بيان معنى المحكم والمتشابه الدرس السابق )األدلة على تفسير القرآن1بالقرآن(.

83

مثال: توجد بعض اآليات في القرآن يدل ظاهرها على التجسيم؛ مثل ، واآلية2اآليات التي تصف الله سبحانه وتعالى بأنه: "سميع" و"بصير"

﴾يد الله فوق أيديهمالشريفة ، وال بد من إرجاع مثل هذه اآليات إلى3﴿﴾ليس كمثله شيءاآليات المحكمة مثل اآلية: حيث يتضح معناها في4﴿

ضوء هذه اآلية وأمثالها، فعندما نقارن اآليات المذكورة مع اآليات المحكمة، فسوف يتبين أن المقصود باليد هنا ليست هي اليد الجسمانية ﴿يدبل هي كناية عن شيء آخر كالقدرة مثال. وعلى هذا يمكن تفسير اآلية

بمعنى قدرة الله.﴾الله فوق أيديهم

- الجمع بين اآليات المطلقة والمقيدة2

جاءت بعض اآليات بصورة مطلقة بدون قيد في حين ذكرت آيات أخرى مقيدة ببعض القيود؛ فتفسير اآليات المطلقة بدون النظر في اآليات

المقيدة غير صحيح وال يكشف عن المراد الجدي للمتكلم، وبعبارة أخرىرة لآليات المطلقة، فمثال جاء ذكر الصالة في دة مفس إن اآليات المقي

الةبعض اآليات بصورة مطلقة ﴾وأقيموا الص ، في حين قيد هذا5﴿الة لدلوكاإلطالق بزمان خاص في آيات أخرى كما في اآلية: ﴿أقم الص

مس إلى غسق الليل وقرآن الفجر .6﴾الش

- الجمع بين العام والخاص3

جاءت ألفاظ بعض اآليات على جهة العموم والشمول ألفراد كثيرين، وذلكباستعمال بعض ألفاظ العموم، مثل كل، في حين خصصت آيات أخرى هذا

.11- سورة الشورى، اآلية: 2.10- سورة الفتح، اآلية: 3.11- سورة الشورى، اآلية: 4 و..77 والنساء، 110، 83، 43- سورة البقرة، اآليات: 5.78- سورة اإلسراء، اآلية: 6

84

العموم. وبما أن تفسير القرآن هو تعيين المراد اإللهي وتوضيح اآلية  بصورة كاملة، فإن هذا ال يحصل إال بوضع الخاص بجانب العام. وبعبارة

ن العموم في اآليات األخرى، فمثال جاء أخرى إن اآليات الخاصة تفسر وتبي ﴿فانكحوا ما طاب لكم منذكر الزواج بصورة مطلقة في اآلية:

وال تنكحوا ما نكح واستثنيت موارد خاصة في اآلية الكريمة7﴾النساء :﴿ ما قد سلف إنه كان فاحشة ومقتا وساء ن النساء إال آباؤكم م

هاتكم وبناتكم....... مت عليكم أم ففي اآليات األولى8﴾سبيال * حر وردت الرخصة في الزواج من جميع النساء، أما في اآليات األخرى فقد

استثنيت األم واألخت وزوجة األب و...

- توضيح اآليات المجملة بواسطة اآليات المبينة4

وردت بعض اآليات في القرآن الكريم بصورة مختصرة ومجملة، فيما جاء بيان هذا الموضوع بصورة مفصلة في مكان آخر. فالمجموعة الثانية من

ر اآليات األولى. وقد ال يفهم المعنى والمراد من اآليات اآليات تفسالمجملة دون الرجوع إلى اآليات المبينة، وحينئذ ال يكون التفسير صحيحا.

:أشار القرآن الكريم إلى مسألة أكل لحوم الحيواناتالمثال األول ما يتلى عليكمبقوله أحلت لكم بهيمة األنعام إال :﴾ وقال في آية9﴿

مت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزيرأخرى: ﴾حر . ففي اآلية10﴿ األولى جاء تحليل لحوم بعض الحيوانات بصورة مجملة، وأنه سوف يأتي تحريم بعض أنواع اللحوم في المستقبل؛ وقد بينت هذه الموارد في اآلية

األخرى؛ فهنا تكون اآلية الثانية مفسرة لآلية األولى.

.3- سورة النساء، اآلية: 7.23ـ 22- سورة النساء، اآليتان: 8.1- سورة المائدة، اآلية: 9

.3- سورة المائدة، اآلية: 10

85

وردت ثالثة تعابير في شأن ليلة القدر في القرآن الكريمالمثال الثاني:وهي:

باركةـ 1 ﴾إنا أنزلناه في ليلة م ﴿11.

﴾إنا أنزلناه في ليلة القدرـ 2 ﴿12.

﴾شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآنـ 3 ﴿13.

وعند وضع اآليات الثالث معا نستنتج أن القرآن نزل في ليلة القدر وهي ليلة مباركة من ليالي شهر رمضان. ومثل هذا التفسير الكامل ال يحصل بقراءة اآليات بصورة منفصلة، بل ال بد من ضم اآليات بعضها إلى بعضها

اآلخر.

- االستفادة من سياق اآليات5

السياق عبارة عن: نوع خاص لأللفاظ أو العبارات أو الكالم يظهر على أثراقترانه مع كلمات وجمل أخرى.

ويعد اتصال الكالم وارتباطه واعتماد قرينة السياق على فهم كالم األفراد من األصول العقالئية المعتمدة في جميع اللغات. فالمفسرون يعتمدون

ة. على هذه القرينة أيضا في فهم آيات القرآن ويعتبرونها قرينة ظني

والسياق له عدة أقسام: فربما يكون السياق سياق كلمات، أو سياقجمل، أو سياق آيات، وسنوضح ذلك بأمثلة:

كلمة "الدين" لها معان متعددة يتحدد أحدها من خاللالمثال األول:،السياق ففي اآلية: ﴾ملك يوم الدين جاء الدين هنا بمعنى يوم الجزاء﴿

حيث يجزي

.3- سورة الدخان، اآلية: 11.1- سورة القدر، اآلية: 12.185- سورة البقرة، اآلية: 13

86

الله العباد يوم القيامة، واستفدنا هذا المعنى من السياق، في حين جاء  ، ألن هذا المعنى هو14لفظ "الدين" في آيات أخرى بمعنى الشريعة

مقتضى سياق تلك اآليات.

قوم طعام األثيم * قال تعالى: المثال الثاني: ﴿إن شجرة الز كالمهل يغلي في البطون * كغلي الحميم * خذوه فاعتلوه إلى

وقد جاء 15﴾سواء الجحيم * ثم صبوا فوق رأسه من عذاب الحميم﴾ذق إنك أنت العزيز الكريمفي نهاية هذه اآليات: ﴿16.

فإذا أخذنا بظاهر هذه اآلية دون االلتفات إلى سياق اآليات المتقدمة لفهم منه أن الله سبحانه وتعالى يخاطب شخصا محترما وعزيزا، أما إذا أخذنا بنظر االعتبار اآليات المتقدمة فسوف يتبين أن هذا الشخص )الذي اعتبر

عزيزا كريما في ظاهر اآلية( ما هو إال ذليل حقير.

ماء واألرض وما بينهما قال تعالى: المثال الثالث: ﴿وما خلقنا الستخذناه من لدنا إن كنا العبين * لو أردنا أن نتخذ لهوا ال

.17﴾فاعلين

رين رأيان في معنى اللهو: وللمفس

اعتبر بعض المفسرين أن معنى اللهو في هذه اآلية هو المرأة والولد وهيإشارة إلى نفي عقائد المسيحيين الذين يعتقدون أن لله زوجة وولدا.

والمجموعة األخرى ذهبت إلى أن معنى اللهو التسلي، أو األهداف غيرالمعقولة. وعلى هذا يكون معنى اآلية أن هدف الخالق ليس هو التسلي.

ه )التوبة، اآلية:14 ذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كل هو ال -﴾ ﴿ 33).48-43- سورة الدخان، اآليات: 15.49- سورة الدخان، اآلية: 16.17ـ 16- سورة األنبياء، اآليتان: 17

87

وقد تمسك أصحاب الرأي الثاني بالسياق لرد الرأي األول؛ ألن ارتباط اآلية أعاله باآليات السابقة سينقطع على الرأي األول، إضافة إلى أن كلمة

"اللهو" إذا جاءت بعد كلمة "اللعب" فتعني التسلي وليس المرأة والولد.

- تحديد معاني االصطالحات القرآنية باالستعانة باآليات6األخرى

توجد في القرآن الكريم اصطالحات خاصة خارجة عن معناها اللغوي، فال يمكن تفسيرها بمراجعة كتب اللغة، بل يجب مراجعة اآليات األخرى

ومعرفة لغة القرآن.

األمثلة: مصطلح الجن: المعنى اللغوي هو "المستور، المخفي" وفياصطالح القرآن هي موجودات عاقلة ال ترى بالعين.

"الكافر": بمعنى الساتر، أما في اصطالح القرآن فتطلق على الشخصالذي ينكر وجود الله، أو يوم القيامة أو.. وقد تأتي بمعنى عدم الشكر.

"اآلية": تعني العالمة، أما في القرآن فقد تأتي بمعنى اآلية القرآنية أو المعجزة وهناك اصطالحات أخرى مثل الصالة، الزكاة، الجهاد.. ويفهم

معناها االصطالحي بالتدبر في آيات القرآن.

- جمع اآليات الناسخة والمنسوخة7

لقد جاءت بعض اآليات لتبين بعض األحكام ثم أنزلت آيات أخرى )على أساس المصلحة والشرائط الجديدة( ونسخت اآليات السابقة وشرعت أحكاما جديدة. وثمة اختالف بين المختصين في علوم القرآن في عدد

اآليات المنسوخة.

ر حين يشرع في تفسير اآلية أن يأخذ بنظر االعتبار اآليات وعلى المفسالناسخة والمنسوخة، وإال فسوف يكون تفسيره تفسيرا ناقصا.

88

مثال: ورد األمر في سورة المجادلة بأن على المؤمنين أن يتصدقوا في حالة وجود كالم خصوصي لهم مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، ولم يعمل بهذا الحكم إال اإلمام علي عليه السالم ، وقد نسخ هذا الحكم في

، وعلى هذا فبيان الحكم األول بدون ذكر الناسخ في اآلية18اآليات األخرىاألخرى يكون تفسيرا ناقصا.

- االلتفات إلى اآليات المشابهة )من حيث اللفظ أو8المحتوى(

القرآن الكريم كتاب هداية وتربية، فقد يطرح الموضوع الواحد في عدة سور وتتناول كل سورة من السور جانبا من جوانب هذا الموضوع بصورة

ر الشمولية في فهم الموضوع، قد تتشابه في التفسير، فإذا أراد المفسعليه أن يضع اآليات بعضها مع بعضها اآلخر حتى يتضح معناها.

فقد تأخذ هذه الطريقة في الواقع اسم التفسير الموضوعي كما فعل ذلك آية الله مكارم الشيرازي في كتابه التفسيري )نفحات القرآن( وآية الله السبحاني في كتاب )مفاهيم القرآن(، أو قد تأخذ طابع التفسير الترتيبير بجمع آيات الموضوع الواحد في موارد مختلفة من فيما إذا قام المفس

التفسير، كما استخدم العالمة الطباطبائي هذه الطريقة في تفسيرالميزان.

( من سورة البقرة29 قام العالمة الطباطبائي في اآلية )المثال األول:بدراسة المباحث المتعلقة بإعجاز القرآن واآليات التي جاءت حوله.

طريقة تفسير القرآن بالقرآن لها ثمرات عملية كثيرةالمثال الثاني: في تفسير القصص القرآني فقد ذكرت قصة النبي آدم عليه السالم

( من25ـ 11( من سورة البقرة، واآليات )38ـ 20وإبليس في اآليات ) سورة األعراف، وكذلك وردت قصة النبي موسى عليه السالم وإبليس في

( من سورة األعراف،155ـ 103اآليات )

سول فقدموا بين يدي18 ذين آمنوا إذا ناجيتم الر ها ال ﴿-وذلك في قوله تعالى: يا أيحيم ه غفور ر م تجدوا فإن الل كم وأطهر فإن ل * أأشفقتم أن نجواكم صدقة ذلك خير ل

ه عليكم فأقيموا الصالة ﴾تقدموا بين يدي نجواكم صدقات فإذ لم تفعلوا وتاب الل(.13ـ 12)سورة المجادلة، اآليتان:

89

( من سورة الشعراء فما10( من سورة طه، واآلية )98ـ 90واآليات )  بعد، فقد تناولت كل من هذه السور أحد المواضيع بصورة مختلفة ومن أبعاد وزوايا متعددة، فنضطر حينئذ لمراجعة جميع هذه السور للحصول

على تفسيرها بشكل شمولي.

خالصة الدرس

هناك أنواع متعددة من أنواع تفسير القرآن بالقرآن، ولكنأكثرها شيوعا واستعماال هي:

- إرجاع المتشابهات إلى المحكمات.1

- حمل اآليات المطلقة على المقيدة.2

- حمل اآليات العامة على الخاصة.3

- توضيع اآليات المجملة بالمبينة والمفصلة.4

- االستفادة من السياق في التفسير.5

- تحديد معاني االصطالحات القرآنية باالستعانة باآليات األخرى.6

- الجمع بين اآليات الناسخة والمنسوخة.7

- االلتفات إلى اآليات المتشابهة من حيث الموضوع.8

90

الدرس الثامن:

منهج التفسير الروائي للقرآن الكريم

أهداف الدرس

- أن يتعرف الطالب إلى منهج التفسير الروائي1- أن يطلع على األدوار التاريخية للمنهج الروائي2 - أن يطلع على اآلراء الرئيسة بالنسبة إلى مكانة األحاديث في تفسير3

القرآن

91

92

تمهيد

يعتبر منهج التفسير الروائي من أقدم المناهج التفسيرية وأكثرها شيوعا. وهو أحد أقسام "التفسير بالمأثور" أو "التفسير النقلي". وللتفسير

الروائي مكانة خاصة بين المناهج التفسيرية، وكان دائما محط اهتمامالمفسرين.

فا حيث إن بعض المفسرين لم وقد اتخذ في بعض األحيان اتجاها متطر يرتض إال هذا المنهج في التفسير ورفض بقية المناهج. وفي الواقع إن

فة ومعتدلة في استخدام هذا هناك اتجاهات مخالفة لهذه الطريقة المتطرالمنهج.

قة بهذا المنهج وهي: وسوف نقوم هنا ببحث بعض األمور المتعل

معنى التفسير الروائي

الرواية في األصل تعني "النقل والحمل"، ورواية الحديث بمعنى نقل وتحمل الحديث. وقد قسم العلماء التفسير بالمأثور )التفسير النقلي( إلى

أربعة أقسام:

93

- تفسير القرآن بالقرآن.1

- تفسير القرآن بالسنة.2

- تفسير القرآن بأقوال الصحابة.3

.1- تفسير القرآن بأقوال التابعين4

ولكن المقصود من التفسير الروائي هو تفسير القرآن بالسنة والتي تعني "قول وفعل وتقرير" المعصوم )النبي صلى الله عليه وآله وسلم واألئمة عليهم السالم (، أي إنه قد يصدر عن المعصوم كالم في تفسير آية، وقد يقوم بعمل )كالصالة( يكون تفسيرا لآليات المتعلقة بالصالة، وقد يكون تقريرا من المعصوم وذلك فيما إذا صدر عن شخص كالم أو عمل عمال طبقا لبعض اآليات في حضور اإلمام وأقره على ذلك، أي إن المعصوم

يؤيد هذا الكالم أو الفعل بسكوته عن ذلك الفعل أو القول.

والحاصل: إن المقصود من منهج التفسير الروائي هنا هو استفادة المفسرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأهل البيت عليهم السالم ، من سن

والتي تشمل قولهم وفعلهم وتقريرهم، لتوضيح معاني آيات القرآنومقاصدها، وهذا المنهج يحقق نتائج وآثارا خاصة أيضا.

رغم أنه يمكن االستفادة من روايات الصحابة والتابعين فيمالحظة: تفسير القرآن في موارد خاصة، وأن الكثير من أقوالهم في التفسير يعتبر

نافعا ومفيدا ولكن هناك اختالف بين علماء المسلمين في حجية سننهمومساحة اعتبار رواياتهم.

.21، ص 2- أنظر: التفسير والمفسرون، الشيخ محمد هادي معرفة، ج 1

94

األدوار التاريخية للمنهج الروائي

يمكن تقسيم األدوار التاريخية للتفسير الروائي إلى أربعة أدوار:

- عصر النبي صلى الله عليه وآله وسلم 1

نشأ التفسير الروائي مقارنا للوحي: ألن النبي صلى الله عليه وآله وسلمن للقرآن، وقد جاء األمر اإللهي بهذا الخصوص في هو أول مفسر ومبي

ل إليهمقوله تعالى: ﴾وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نز ﴿2. الحق أن سنة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وبيانه يرجع في جذوره إلى

الوحي أيضا، كما روي عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: "أال وإني . فقد كان الصحابة يرجعون إلى النبي صلى3أوتيت القرآن ومثله معه"

الله عليه وآله وسلم في تفسير القرآن ويأخذون منه معانيه. روي عن ابن مسعود أنه قال: "كان الرجل منا إذا تعلم عشر آيات لم يجاوزهن حتى

.4يعرف معانيهن والعمل بهن"

وقد يكون عمله صلى الله عليه وآله وسلم تفسيرا للقرآن، كما روي عنه صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال بشأن الصالة: "صلوا كما رأيتموني

. وفي هذه الصورة6 ، وروي عنه أنه قال "خذوا عني مناسككم"5أصلي" تكون أفعال النبي صلى الله عليه وآله وسلم تفسيرا لجزئيات الصالة

والحج.

روي عن اإلمام الصادق عليه السالم أنه قال: "إن الله أنزل على رسوله الصالة، ولم يسم لهم ثالثا وال أربعا، حتى كان رسول الله صلى الله عليه

ر لهم ذلك" ن الرسول صلى الله عليه7وآله وسلم هو الذي فس . نعم لقد بية في القرآن الكريم مثل وآله وسلم المسائل التي ذكرت بصورة كلي)الصالة، الصوم، الحج و..(، وكذلك وضح موارد تخصيص العمومات

.44- سورة النحل، اآلية: 2.174، ص 4- اإلتقان في علوم القرآن، جالل الدين السيوطي، ج 3 ، دار28- 27، ص 1- جامع البيان في تفسير القرآن، محمد بن جرير الطبري، ج 4

هـ.1406المعرفة، بيروت، .279، ص 85- بحار األنوار، العالمة المجلسي، ج 5. 323، ص 2- الخالف، الشيخ الطوسي، ج 6.286، ص 1- الكافي، الشيخ الكليني، ج 7

95

ن االصطالحات الجديدة في القرآن، والناسخ  وتقييد المطلقات، وبي والمنسوخ. وجميع هذه األمور كانت تفسيرا للقرآن وصلتنا بواسطة

ة وال تزال موجودة كمصادر للتفسير الروائي. الروايات والسن

- عصر أهل البيت عليهم السالم 2

استمرت طريقة التفسير الروائي إلى عصر األئمة عليهم السالم. وكان اإلمام علي عليه السالم تلميذ الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في

التفسير يسمع ما يقوله النبي صلى الله عليه وآله وسلم في تبيين آيات القرآن ويقوم بنقله وروايته، وقد اتبع أهل البيت عليهم السالم هذا المنهج أيضا، فكانوا ينقلون األحاديث للناس عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم

واإلمام عليه السالم ويستدلون بها، وقد وصل عدد الروايات المروية عنهم عليهم السالم إلى بضعة آالف وقد تصدى أهل البيت عليهم السالم لتفسير القرآن الطالعهم على العلوم اإللهية؛ ولذا اعتبرت سنتهم )قولهم وفعلهم

وتقريرهم( من مصادر التفسير وجزءا من التفسير الروائي؛ وفي هذا اإلطار سأل رجل اإلمام الرضا عليه السالم فقال: إنك لتفسر من كتاب الله ما لم يسمع. فقال: "علينا نزل قبل الناس ولنا فسر قبل أن يفسر

وقال في حديث8في الناس، فنحن نعرف حالله وناسخه ومنسوخه و.." آخر: "فإنما على الناس أن يقرؤا القرآن كما أنزل، فإذا احتاجوا إلى

.9تفسيره فاالهتداء بنا وإلينا"

وعلى هذا، قام أهل البيت عليهم السالم بتبيين مسائل متنوعة في مجالة التي وردت في القرآن وآيات األحكام، المخصصات، األمور الكلي

دات، الناسخ والمنسوخ، وكذلك تبيين باطن اآليات وتأويلها المقيومصاديقها.

، المطبعة19، ح 595، ص 4- تفسير نور الثقلين، عبد علي بن جمعة الحويزي، ج 8هـ.1383ـ 2العلمية، قم، ط

.197، ص 27- بحار األنوار، العالمة المجلسي، ج 9

96

- عصر الصحابة والتابعين3

ة للنبي صلى الله عليه وآله وسلم وأهل البيت حظيت الروايات التفسيري عليهم السالم باهتمام الصحابة والتابعين، حتى أن بعض الصحابة الكبار

أمثال ابن عباس وابن مسعود كانوا ال يرون أنفسهم مستغنين عن اإلمام علي عليه السالم ، واالستفادة من علمه. وإن كثيرا من أحاديث التفسير

البن عباس تلقاها عن اإلمام علي عليه السالم.

وفي الحقيقة إن الصحابة والتابعين قاموا بتفسير القرآن أيضا، وقد وصلتناروايات كثيرة عن ابن عباس وغيره.

ة باسم ة في هذه الفترة جمعت بصورة تدريجي يذكر أن الروايات التفسيري"كتب التفسير الروائي".

- عصر جمع وتأليف الروايات التفسيرية4

أول تدوين في هذه المجموعة عند الشيعة هو الكتاب المنسوب إلى اإلمام علي عليه السالم ، والذي ورد على شكل رواية مفصلة في بداية

.10تفسير النعماني

وهناك كتاب آخر، هو مصحف علي بن أبي طالب، الذي جاء فيه تأويل القرآن والتفسير وأسباب النزول والناسخ والمنسوخ وهو مرتب على

.11حسب النزول، وإن كان هذا الكتاب ليس في متناول أيدينا اآلن

هـ(114 57ثم التفسير المنسوب إلى اإلمام الباقر عليه السالم ) المعروف بتفسير علي بن إبراهيم القمي المنقول عن طريق أبي حمزة

الثمالي وأبي الجارود، والتفسير المنسوب إلى اإلمام الصادق عليه السالمهـ(، وتفسير فرات148 83)

- قد تذكر هذه الرسالة بعنوان رسالة المحكم والمتشابه، وتنسب إلى السيد10المرتضى، وقد رويت في بحار األنوار )المجلدات المختصة بالقرآن(.

.40، ص 89- نظر: بحار األنوار، العالمة المجلسي، ج 11

97

هـ(، والتفسير المنسوب لإلمام العسكري307الكوفي )كان حيا في سنة  هـ(.260 232عليه السالم )

وقد جمعت الروايات الفقهية عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأهل البيت عليهم السالم في مجاميع روائية مثل: الكافي، ومن ال يحضره

الفقيه، والتهذيب، واالستبصار؛ كما دون في هذا الوقت تفسير جامع البيان هـ(، وكذلك الصحاح الستة320في تفسير القرآن البن جرير الطبري )ت

ألهل السنة.

ثم واجهت حركة تدوين التفاسير ركودا نسبيا من القرن الخامس إلىالتاسع الهجري؛ فيما برزت التفاسير العقلية واالجتهادية.

وفي عصر كتابة التفاسير الجديدة، برز االهتمام بالروايات التفسيرية والتي عادة ما تبحث خالل التفسير أو بصورة منفصلة؛ كما فعل العالمة

الطباطبائي حيث يذكر البحث الروائي بعد كل مجموعة من اآليات.

لم تسلم الروايات التفسيرية في عصر التدوين والجمع منمالحظة: ظاهرة الوضع، ووجود اإلسرائيليات وتسلل بعض الروايات الضعيفة؛ وهذا

ما يستوجب الحذر والدقة عند االستفادة من بعض الكتب الروائية.

مكانة الروايات في التفسير

يمكن تقسيم آراء العلماء حول مكانة وحدود االستفادة من الروايات فيالتفسير إلى ثالثة آراء:

- استقالل القرآن وعدم احتياجه إلى األحاديث في التفسير:1

ومنشأ هذا الرأي هو أن القرآن نزل بلسان عربي مبين، وأن العقل يكفيلفهم القرآن وال يحتاج إلى األحاديث لتفسيره.

98

﴿وأنزلنا إليك الذكروهذا الرأي يتعارض مع ما جاء في قوله تعالى: ل إليهم ، وكذا حديث الثقلين، ويمكن أن يقال12﴾لتبين للناس ما نز

بأن الجذور التأريخية لهذا الرأي ترجع إلى شعار "حسبنا كتاب الله"، الذي رفع في عصر النبي صلى الله عليه وآله وسلم والذي أصر على فصل

القرآن عن أهل البيت عليهم السالم.

- عدم جواز تفسير القرآن إال بالروايات:2

ف المنسوب إلى األخباريين، وقد ناقشناه في مبحث وهو الرأي المتطرتفسير القرآن بالقرآن.

- اتخاذ الروايات وسيلة وقرينة لتفسير آيات القرآن:3

وهو الرأي المعتدل والمختار، والذي يعتبر الروايات الشريفة قرائن لتفسير القرآن، وأدوات لتوضيح معاني ومقاصد اآليات، ولها استخدامات

متنوعة في التفسير، كما هو الحال بالنسبة إلى القرائن العقلية وآيات القرآن. فأحاديث أهل البيت عليهم السالم ال يمكن أن تفترق عن القرآن

ألنه األصل والروايات هي الفرع لذلك األصل.

وفي الختام يمكن أن يقال إن سنة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأهل البيت عليهم السالم تعتبر مصدرا لتفسير القرآن من جهة، ومن جهة

أخرى تكون قرينة ووسيلة للتفسير وال يوجد تنافي بين اإلثنين.

.44- سورة النحل، اآلية: 12

99

خالصة الدرس

ـ المقصود من الرواية في "منهج التفسير الروائي" هو السنة نفسها قول وفعل وتقرير المعصوم عليه السالم وتشمل سنة النبي صلى الله عليه

وآله وسلم وأهل البيت عليهم السالم.

ـ بدأ التفسير الروائي في عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم واستمر إلى زمن أهل البيت عليهم السالم والصحابة، الذين نقلوا الروايات

التفسيرية للنبي صلى الله عليه وآله وسلم في الكثير من أقوالهم، ثمجمعت في مجاميع تفسيرية.

ـ هناك ثالثة آراء رئيسة بالنسبة إلى مكانة األحاديث في تفسير القرآن:

- استقالل القرآن وعدم حاجته إلى األحاديث.1

- عدم جواز تفسير القرآن إال باألحاديث.2

- استخدام الروايات كوسيلة وقرينة في التفسير.3

ولكل من هذه اآلراء أدلة خاصة تعرضنا لها بشكل إجمالي.

100

الدرس التاسع:

مالحظات على التفسير الروائي

أهداف الدرس

ـ أن يتعرف الطالب إلى آفات التفسير الروائي1- أن يطلع على بعض كتب التفسير الروائي2- أن يطلع على نموذج من أصحاب التفسير الروائي3

101

102

تمهيد

علمنا أن التفسير النقلي يشمل ما كان تفسيرا للقرآن بالقرآن، وما كان تفسيرا للقرآن بالسنة، وما كان موقوفا على الصحابة، أو المروي عن

التابعين، أما تفسير القرآن بالقرآن بعد وضوح الداللة فهو مما ال خالففيه، وكذلك بما ثبت من السنة الصحيحة.

وأما ما أضيف إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم أو إلى أحد األئمة األطهار عليهم السالم ، وكان في سنده ضعف أو في متنه وهن، فذلكمردود غير مقبول، ما دام لم تصح نسبته إلى المعصوم عليه السالم.

وأما تفسير القرآن بالمروي عن الصحابة والتابعين، فقد تسرب إليه الخلل، وتطرق إليه الضعف والوهن الكثير، إلى حد كاد يفقدنا الثقة بكل

ما روي من ذلك.

أسباب الوهن في التفسير الروائي

وعلى أي تقدير فأسباب الوهن في التفسير الروائي تعود إلى األمورالثالثة التالية:

103

- ضعف األسانيد1

مما يوجب الوهن في التفسير الروائي، ضعف األسانيد بكثرة المجاهيل أو ضعاف الحال أو اإلرسال أو حذف اإلسناد رأسا، وما إلى ذلك مما يوجب

ضعف الطريق في الحديث المأثور.

- الوضع في التفسير2

كان الوضع والدس من أهم أسباب الوهن في التفسير الروائي، وكانت الدواعي متوفرة للدس واالختالق في المأثور من التفسير، إلى جنب

الوضع في الحديث، فهناك أسباب سياسية وأخرى: مذهبية وكالمية، وربماعاطفية.

وقد تفعل ذلك على يد معاوية، حيث كان يجعل الجعائل على وضع الحديث أو قلبه تمشية لسياسته الغاشمة ذلك الحين، وراج ذلك طوال

عهد األمويين وبعدهم في عهد العباسيين.

وأما أهم أسباب الوضع بشكل عام:

وهذه األسباب التي سنوردها لها تأثير بشكل ولو غير مباشر على األحاديثالتي تفسر القرآن الكريم أو ترتبط به بوجه، وهي:

ـ ما وضعه الزنادقة الالبسون لباس اإلسالم غشا ونفاقا، وقصدهم بذلك1 إفساد الدين وإيقاع الخالف واالفتراق بين المسلمين، قال حماد بن زيد:

، وروى ابن الجوزي بإسناده إلى حماد1وضعت الزنادقة أربعة آالف حديث بن زيد، يقول: وضعت الزنادقة على رسول الله صلى الله عليه وآله

.2وسلم أربعة عشر ألف حديث

وهذا يعني أن هناك عددا من األحاديث ال يمكن االستدالل بها في التفسير.

.221- أضواء على السنة المحمدية، ص1.38 37، ص1- الموضوعات البن الجوزي: ج2

104

ـ الوضع لنصرة المذاهب في أصول الدين وفروعه، فقد جعل العديد من2أصحاب المذاهب يستفرغ ما بوسعه إلثبات مذهبه ودعم عقيدته.

ـ وضع الحديث تزلفا لدى األمراء، فمثال كان الرشيد يعجبه الحمام واللهو3 به، فأهدي إليه حمام، فروى له أبو البختري عن أبي هريرة أن النبي صلىالله عليه وآله وسلم قال: ال سبق إال في خف أو حافر أو جناح. فزاد جناح

3.

ـ الوضع نزوال مع سياسة الطغاة، فقد حث معاوية قوما من الصحابة4 والتابعين، على رواية أخبار قبيحة في اإلمام علي عليه السالم تقتضي

الطعن فيه والبراءة منه، وجعل لهم أمواال طائلة مقابل ذلك، ومن هؤالء: أبو هريرة، وعمرو بن العاص، والمغيرة بن شعبة، ومن التابعين عروة بن

الزبير.

ـ الوضع نزوال مع رغبة العامة، ورغبة في ما بأيديهم من حطام الدنيا.5 وهذه مهنة القصاصين. وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: "قد كثرت علي الكذابة وستكثر. فمن كذب علي متعمدا فليتبوأ

مقعده من النار. فإذا أتاكم الحديث فاعرضوه على كتاب الله وسنتي، فما وافق كتاب الله وسنتي فخذوه، وما خالف كتاب الله وسنتي فال تأخذوا

.4به"

- اإلسرائيليات3

كانت العرب منذ أول يومها تزعم أن أهل الكتاب، وال سيما اليهود القاطنين بين أظهرهم، أهل دين وثقافة ومعرفة بشؤون الحياة، ومن ثم

كانوا يراجعونهم فيما تتوق إليه نفوسهم في معرفة شؤون الخليقةوتواريخ األمم السالفة واألنبياء وما إلى ذلك.

.80-79، ص1- تفسير القرطبي، ج3.225، ص 2- بحار األنوار، العالمة المجلسي، ج 4

105

وبعد ظهور اإلسالم حث القرآن الكريم العرب على مسائلة أهل الذكر والكتاب بالنسبة إلى عالمات نبوة النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم.

﴾فاسألوا أهل الذكر إن كنتم ال تعلمونقال تعالى: ﴿5.

وقد حسب بعض المسلمين األوائل، أن ذلك تجويز لهم أيضا في مراجعةاليهود، وسؤالهم عن بعض شؤون الشريعة ومعارفها.

.6من هنا جاء النهي عن مراجعة أهل الكتاب من القرآن والسنة

ومن أشهر من روى اإلسرائيليات:

كان حبرا من أحبار اليهود، فأسلم عند مقدمـ عبد الله بن سالم:1 النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى المدينة، وكان عبد الله بن سالم

ممن يحوك األحاديث ليستجلب أنظار العامة ليرفع منزلته لديهم، من ذلك ما حاكه حول صفة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في التوراة،

فكان يذكر من أوصاف الرسول الراهنة، ويقول: وجدتها كذلك في التوارة ، وكان يدعي أنه أعلم اليهود وأخبرهم بكتب السالفين.7

جاء مع عشرة نفر من بني عبد الدار علىـ تميم بن أوس الداري:2 هـ(9رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعد منصرفه من تبوك سنة )

فأسلم مع أخيه وكانا نصرانيين، وقيل عنه: كان تميم راهب عصره وعابد فلسطين وقد بالغ أصحاب التراجم بشأنه وذكروا له كرامات ومناقب من

نسج الخيال، وهذا الكاهن المسيحي والذي بقيت معه نزعته المسيحية إلى ما بعد إسالمه هو أول من سن القص في المسجد، وذلك على عهد

عمر بن الخطاب.

من كبار أحبار اليهود، كان أبوه كاهنا، ولد قبل الهجرةـ كعب األحبار:3

.7- سورة األنبياء، اآلية: 5.597ـ 596، ص 2- أنظر: التفسير والمفسرون، الشيخ محمد هادي معرفة، ج 6.87، ص 1- أنظر: الطبقات، ابن سعد، ج7

106

باثنتين وسبعين سنة، وأسلم بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم هـ(.32في أوائل خالفة عمر، وهلك أيام عثمان سنة )

اصطفاه معاوية وجعله من مستشاريه، وأمره أن يقص في بالد الشام، وبذلك أصبح أقدم األخباريين في موضوع األحاديث اليهودية والمتسربة

إلى اإلسالم والتي تحتوي على طائفة من أقاصيص التلمود اإلسرائيليات وما لبثت هذه الروايات أن أصبحت جزءا من األخبار التفسيرية والتاريخية

في حياة المسلمين.

أسلم قبل أبيه عمرو، وعمرو أسلمـ عبد الله بن عمرو بن العاص:4قبل الفتح سنة ثمان، ولد عبد الله قبل الهجرة بسبع سنين، ومات سنة )

هـ(.65

هو أول من أشاع اإلسرائيليات بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، ويبرر ذلك بما رواه عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من قوله:

.8"حدثوا عن بني إسرائيل وال حرج"

لم يعرف أصله وال نسبه ونشأته، وال شيء من تاريخهـ أبو هريرة:5 قبل إسالمه، غير ما ذكر هو عن نفسه، من أنه كان يلعب بهرة صغيرة

وأنه كان معدما فقيرا، يخدم الناس على شبع بطنه.

أخذ العلماء على أبي هريرة كثرة حديثه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، مع قلة صحبته وقلة بضاعته حينذاك، ومن ثم رموه بالتدليس واالختالق. كان يسمع الحديث من أحد الصحابة ثم يدلس، فيرفعه إلى

النبي صلى الله عليه وآله وسلم.

وكان كثيرا ما يسمع الحديث من أهل الكتاب وال سيما كعب األحبار، فيسنده إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم أو أحد كبار صحابته تدليسا

وتمويها على العامة.

هـ(.110هـ( ومات سنة )34 ولد سنة )ـ وهب بن منبه:6

.207، ص 4- صحيح البخاري، ج 8

107

هـ(.117هـ( ومات سنة )39 ولد سنة )ـ محمد بن كعب القرطبي:7

.9هـ(150ـ 80 من أصل رومي نصراني )ـ ابن جريج:8

أهم كتب التفسير الروائي

, تفسير فرات الكوفي100- 99أما عند الشيعة - غير ما تقدم في ص هـ(، تفسير320هـ(، وتفسير العياشي )ت: حوالي 307)كان حيا سنة هـ(،1091هـ(، وتفسير الصافي )للفيض الكاشاني، ت: 342النعماني )ت:

هـ(، ونور الثقلين )لعلي بن1107والبرهان )السيد هاشم البحراني، ت: هـ(.1112جمعة الحويزي، ت:

أما عند السنة فهناك جامع البيان إلبن جرير )ذهب البعض إلى كونه من هـ(، والدر المنثور في التفسير بالمأثور )لجالل الدين310الشيعة( )ت:

هـ(، وهذان التفسيران يحتويان على روايات ضعيفة911السيوطي، ت: هـ(.774وموضوعة فضال عن اإلسرائيليات، وتفسير ابن كثير )ت:

نموذج عن أصحاب التفسير بالمأثور

الطبري صاحب جامع البيان

هـ( نسبة إلى طبرستان،310 224هو أبو جعفر محمد بن جرير الطبري ) ولد بآمل من بالد مازندران إيران، رحل إلى بغداد واستقر بها ونشر علمه

هناك حتى توفاه الله.

يعتبره بعضهم أبا للتفسير وكذلك للتاريخ لجامعية تفسيره واستقصائه آلراء السلف وأقوالهم وعلى الرغم من ذكره لإلسرائيليات، واحتوائه على

الروايات

.627 621، ص 2- أنظر: التفسير والمفسرون، الشيخ محمد هادي معرفة، ج 9

108

يعد من أهم المراجع التفسيرية الجامعة آلراء السلف عند الضعاف،السنة، ولواله لربما ضاعت أكثر تلكم اآلراء.

منهجه في التفسير ونقد اآلراء

إنه يذكر اآلية أوال ثم يعقبها بتفسير غريب اللغة فيها، أو إعراب مشكلها، وربما يستشهد بأشعار العرب وأمثالهم، وبعد ذلك يتعرض لتأويل اآلية، أي

تفسيرها على الوجه الراجح، فيأتي بحديث أو قول مأثور إن كان هناك رأي واحد، وأما إذا ازدحمت اآلراء، فعند ذلك يذكر كل تأويل على حدة،

وربما رجح لدى تضارب اآلراء أحدهما وأتى بمرجحاته.

موقفه تجاه أهل الرأي في التفسير

إنه يقف في وجه أهل الرأي في التفسير موقفا عنيفا، ويرى ذلك مخالفة بينة لظاهر دالئل الشرع، ويشدد في ضرورة الرجوع إلى العلم المأثور

عن الصحابة والتابعين، وأن ذلك وحده هو عالمة التفسير الصحيح.

موقفه تجاه أهل الظاهر

كان الطبري إذا رأى من ظاهر النقل ما يتنافى مع العقل، يعمد إلى التأويل بوجه مقبول، ويستنكر على أولئك الذين يقتنعون بظاهر التعبير من

غير تعقل أو تحصيل.

يواجه آراء يستنكرها ويؤول10نراه عند تفسير االستواء من سورة البقرة اآلية بما ال يستدعي التحيز في ذاته تعالى، األمر الذي استنكره عليه

مشايخ الحنابلة ببغداد.

.29- سورة البقرة، اآلية: 10

109

موضع والئه آلل البيت عليهم السالم

لم نجد علما من أعالم األمة إال وهو خاضع لوالء آل بيت الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ، لذا يقول عنه الذهبي: اإلمام الجليل المفسر، ثقة

أي تشيع من غير مغاالة. ومن ثم فآثار11صادق، فيه تشيع ومواالة ال تضر هذا التشيع والوالء بادية أثناء تفسيره الجامع وكذا تاريخه الكبير، ومن

( حيث يروي ستة33الشواهد على ذلك تفسيره آلية التطهير )األحزاب: عشر حديثا مسندا مؤكدا أنها نزلت في علي وفاطمة والحسن والحسين

، وصنف كتابا في مجلدين بشأن حديث الغدير، وله تأليف آخر12خاصةبشأن حديث "الطير المشوي" في فضل اإلمام علي عليه السالم.

وذكر أنه دفن ليال خوفا من العامة، ألنه كان يتهم بالتشيع، ومع ذلك اجتمععلى جنازته من ال يحصى عددهم.

خالصة الدرس

ـ من اآلفات الكبيرة للتفسير الروائي تسرب الخلل إليه، والضعفوالوهن، حتى كاد يصل األمر إلى فقدان الثقة بكل ما روي في ذلك.

ـ أهم أسباب الوهن في التفسير النقلي:

ضعف األسانيد.

الوضع في التفسير وأسباب الوضع كثيرة، منها:

- ما وضعه الزنادقة الالبسون لباس اإلسالم نفاقا.1

- الوضع لنصرة المذاهب في أصول الدين وفروعه.2

.7306، رقم 499 498، ص 3- ميزان االعتدال، أبو عبد الله الذهبي، ج 11 ، دار7 5، ص 22- جامع البيان في تفسير القرآن، أبو جعفر بن جرير الطبري، ج 12

هـ.1406المعرفة، بيروت،

110

- وضع الحديث تزلفا لدى األمراء.3

- الوضع نزوال مع رغبة العامة.4

ج - اإلسرائيليات، ومن أقطاب محدثي الروايات اإلسرائيلية: عبد الله بن سالم، وتميم بن أوس الداري، وكعب األحبار، وعبد الله بن عمرو بن العاص، وأبو هريرة، ووهب بن منبه، ومحمد بن كعب القرطبي، وابن

جريج.

ـ ذكرنا أهم كتب التفسير الروائية عند الشيعة والسنة.

ـ ذكرنا نموذجا تطبيقيا ألشهر كتب التفسير الروائي وهو تفسير ابن جريرالطبري.ها.

111

112

الدرس العاشر:

التفسير في عهد الصحابة )ابن عباس نموذجا(

أهداف الدرس

-أن يعدد الطالب إلى أهم الصحابة المعروفين في التفسير1- أن يطلع على ابن عباس نموذجا في التفسير2

113

114

تمهيد

ضي الله عنهم ورضوا عنهال شك أن الصحابة، ممن ﴾ر كانوا هم1﴿ مراجع األمة بعد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم إذ كانوا حاملي لوائه ومصادر شريعته إلى المأل، نعم كانوا على درجات من العلم والفضيلة، وال

يشك أحد بأن اإلمام علي عليه السالم الذي ينحدر عنه السيل وال يرقى كان في صدارة هؤالء الصحابة والتالمذة النجباء لرسول الله2إليه الطير

صلى الله عليه وآله وسلم ، وعرف من أسباب النزول ما ال يعرفه أحدلمالزمته للنبي صلى الله عليه وآله وسلم.

المفسرون من الصحابة

اشتهر بالتفسير من الصحابة أربعة، ال خامس لهم في مثل مقامهم في العلم بمعاني القرآن، وهم؛ علي بن أبي طالب عليهما السالم: وكان رأسا وأعلم األربعة، وعبد الله بن مسعود، وأبي بن كعب، وعبد الله بن عباس،

كان أصغرهم وأوسعهم باعا في نشر التفسير.

ولهذا نرى أنه من الضروري اإلطاللة اإلجمالية على دور هذه الشخصياتفي علم التفسير، ونختم الكالم بنموذج شبه تفصيلي.

، التوبة، اآلية:8، البينة، اآلية:22، المجادلة، اآلية: 119- أنظر سور: المائدة، اآلية:1100.

)الشقشقية(.3- نهج البالغة، الخطبة: 2

115

من أعلم الصحابة بمعاني القرآن

ـ اإلمام علي بن أبي طالب عليهما السالم 1

قال ابن عباس: جل ما تعلمت من التفسير، من علي بن أبي طالب عليه السالم. وقال: علي علم علما علمه رسول الله، ورسول الله علمه الله

فعلم النبي من علم الله، وعلم علي من علم النبي، وعلمي من علم علي عليه السالم. وما علمي وعلم أصحاب محمد صلى الله عليه وآله وسلم

.3في علم علي إال كقطرة في سبعة أبحر

وقال ابن مسعود: إن القرآن أنزل على سبعة أحرف، ما منها حرف إال.4وله ظهر وبطن، وإن علي بن أبي طالب عنده من الظاهر والباطن

ويصف اإلمام عليه السالم نفسه وموضعه من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيقول: "سلوني عن كتاب الله، فإنه ليست آية إال وقد عرفت

. "والله ما نزلت آية إال وقد علمت5بليل نزلت أم بنهار، في سهل أو جبل".6فيم نزلت، وأين نزلت إن ربي وهب لي قلبا عقوال ولسانا سؤوال"

ـ عبد الله مسعود2

هو من السابقين إلى اإليمان، وأول من جهر بالقرآن بمكة، وأوذي في الله من أجل ذلك، وكان من أحفظ الناس لكتاب الله، وكان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يحب أن يسمع القرآن منه، وكانت له مكانة سامية في

التفسير لذا كان يقول: "والذي ال إله غيره، ما نزلت آية من كتاب الله إال وأنا أعلم فيم نزلت وأين نزلت" وروي عنه الكثير ال سيما من قبل كبار

رين من التابعين، والمتفق عليه أنه أخذ العلم من علي عليه السالم المفس بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وليس من غيره بتاتا. وكان ابن

مسعود ممن

.106 105، ص 89- بحار األنوار، العالمة المجلسي، ج 3 ، دار الكتب العلمية،509، ص 2- اإلصابة في تمييز الصحابة، ابن حجر العسقالني، ج 4

هـ.1415بيروت، ، المكتبة العلمية283، ص 8- تفسير العياشي، محمد بن مسعود العياشي، ج 5

اإلسالمية، طهران..190، ص 1- أنظر: التفسير والمفسرون، الشيخ محمد هادي معرفة، ج 6

116

شد وثاقه بوالء آل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، لم يشذ .7عن طريقتهم المثلى منذ أول يومه إلى آخر أيام حياته

ـ أبي بن كعب3

أبي بن كعب بن قيس بن عبيد بن زيد بن معاوية بن عمرو بن مالك بنالنجار.

بهذا العنوان من أصحاب8عده الشيخ الطوسي رحمه الله في رجاله رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقال يكنى أبا المنذر شهد العقبة

مع السبعين وكان يكتب الوحي، آخى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بينه وبين سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل. شهد بدرا والعقبة وبايع

لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. ومثله بحذف اسم آبائه إلى كنيته ، وقد نقل عنه في التفسير الكثير.156ما في الخالصة في قسم المعتمدين

ـ عبد الله بن عباس4

حبر األمة وترجمان القرآن وأعلم الناس بالتفسير تنزيله وتأويله تلميذ اإلمام علي عليه السالم ، وقد بلغ من العلم مبلغا قال في حقه اإلمام

. وال غرو في9علي عليه السالم: "كأنما ينظر إلى الغيب من ستر رقيق" ذلك فإن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم قد دعا له بقوله: "اللهم

وقال صلى الله عليه وآله وسلم: "ولكل10فقهه في الدين وعلمه التأويل".11شيء فارس، وفارس القرآن ابن عباس"

ولد قبل الهجرة بثالث سنين، وتربى في حجر النبي صلى الله عليه وآلهوسلم ثم اإلمام علي عليه السالم ،

.193، ص 1- التفسير والمفسرون، الشيخ محمد هادي معرفة، ج 7هـ.1415، مؤسسة النشر اإلسالمي، 22- رجال الطوسي، ص8هـ.1417، 1، مؤسسة نشر الفقاهة، ط66، ص1- خالصة األقوال، العالمة الحلي، ج9

.19، ص 3- م. ن، ج 10- م. ن.11.343، ص 22- بحار األنوار، العالمة المجلسي، ج 12

117

ومن ثم كان من المتفانين في والء اإلمام عليه السالم. 

وكان يراجع سائر االصحاب ممن يحتمل عنده شيء من أحاديث الرسول وسننه، فكان يأتي أبواب األنصار ممن عنده علم من الرسول، ويستطرق

: لزمت هذا الغالم12األبواب لكبار الصحابة ليسأل عما يريد. قيل لطاووس يعني ابن عباس لكونه أصغر الصحابة يومذاك وتركت األكابر من أصحاب

رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ؟ قال: "إني رأيت سبعين رجال من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، إذا تدارؤوا في أمر صاروا

.13إلى قول ابن عباس"

وله في فضائل أهل البيت وال سيما اإلمام علي عليه السالم أقوال وآثار باقية، إلى جنب مواقفه الحاسمة، ويكفيك أنه من رواة حديث الغدير،

را له بالخالفة والوصاية بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم وكان مفس اإلمام الباقر عليه السالم يحبه حبا شديدا، وقد كف بصره بعد واقعة

الطف، لكثرة بكائه على مصائب أهل البيت عليهم السالم ، وكانت وفاته.14هـ(68سنة )

أ- توسعه في التفسير

لم تمض العشرة األولى من وفاة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم إال ونرى ابن عباس قد تفرغ للتفسير واستنباط معاني القرآن. بينما سائر

الصحابة كانت قد أشغلتهم شؤون شتى، نراه صارفا همته في فهم القرآن وتعليمه واستنباط معانيه وبيانه، فكان يستطرق أبواب العلماء من

الصحابة الكبار وال سيما من اإلمام علي عليه السالم باب علم النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، وكان يعقد الحلقات القرآنية في مسجد النبي صلى

الله عليه وآله وسلم بأمر من اإلمام علي عليه السالم.

لكن بموازاة انتشار العلم منه في اآلفاق، راج الوضع على لسانه ونسبتإليه

- هو طاووس بن كيسان اليماني، وروي أنه أدرك خمسين من الصحابة. عدة الشيخ13 106الطوسي في رجاله من أصحاب السجاد عليه السالم، مات رحمه الله تعالى سنة

.94، ص 3هـ. أنظر: رجال الطوسي، ج رقم:334 330، ص 2- أنظر: اإلصابة في تمييز الصحابة، ابن حجر العسقالني، ج 14

4781..203ـ 198، ص 1- أنظر: التفسير والمفسرون، الشيخ محمد هادي معرفة، ج 15

118

الكثير من الروايات، لمكان شهرته ومعرفته في التفسير. ومن ثم فإن التشكيك في أكثر المأثور عنه أمر محتمل.

ب- منهجه في التفسير

أخذ ابن عباس العلم عن اإلمام علي عليه السالم وتتلمذ على يديه وتلقى التفسير عنه سواء في أصول مبانيه أم في فروع معانيه. وسار على منهج

مستقيم في استنباط معاني القرآن، ولم يحد عن منهج السلف الصالحفي تفسير القرآن وفهم معانيه.

وحدد ابن عباس معالم منهجه في التفسير بقوله: "التفسير على أربعة أوجه: وجه تعرفه العرب من كالمها، وتفسير ال يعذر أحد بجهالته، وتفسير

. 15يعلمه العلماء، وتفسير ال يعلمه إال الله"

فالقرآن فيه مواعظ وتكاليف يجب على المسلمين معرفتها والعمل بها، وفيه غريب اللغة ومشكلها، مما يمكن فهمها وحل معضلها، بمراجعة

الفصيح من كالم العرب، وفيه مسائل عن المبدأ والمعاد وفلسفة الوجود ال بد من الرجوع في تفسيرها إلى أهل العلم والمعرفة، وبقي المتشابه ما

ال يعلمه إال الله أو من أطلعهم الله عليها وهم النبي صلى الله عليه وآلهوسلم والصفوة من أهل بيته عليهم السالم.

وعلى ضوء هذا التقسيم الرباعي يمكننا الوقوف على مباني التفسير التياستند إليها ابن عباس في تفسيره للقرآن الكريم:

- مراجعة ذات القرآن في فهم مراداته1

إذ خير دليل على مراد أي متكلم، هي القرائن اللفظية التي تحف كالمه، والتي جعلها مسانيد نطقه وبيانه، وهكذا بالنسبة إلى القرائن المنفصلة )من دالئل العقل..(، والقرآن فيه من العموم ما كان تخصيصه في بيان

آخر، أو

.26، ص 1- تفسير الطبري، أبو جعفر بن جرير الطبري، ج 16

119

ر أن يأخذ بظاهر آية ما لم يفحص عن  تقييد لمطلقاته، وليس ألي مفسصوارفها وسائر بيانات القرآن التي جاءت في غير آية.

﴿ربناومن هذا القبيل ما رواه السيوطي عن ابن عباس، في قوله تعالى: قال: "كنتم أمواتا قبل أن يخلقكم؛16﴾أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين

فهذه ميتة، ثم أحياكم؛ فهذه حياة، ثم يميتكم فترجعون إلى القبور؛ فهذه ميتة أخرى، ثم يبعثكم يوم القيامة؛ فهذه حياة. فهما ميتتان وحياتان، فهو

﴿كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتا فأحياكم ثمقوله تعالى: .17﴾يميتكم ثم يحييكم ثم إليه ترجعون

- رعايته ألسباب النزول2

والتي لها دورها الخطير في فهم معاني القرآن؛ حيث اآليات والسور نزلت نجوما، وفي فترات وشؤون يختلف بعضها عن بعض، ولوال الوقوف على

تلك األسباب الواردة في شأن النزول لما أمكن فهم مرامي اآليات. ولهذا اهتم ابن عباس واعتمد لفهم معاني القرآن على معرفة أسباب النزول،

وكان يسأل ويستقصي عن األسباب واألشخاص الذين نزل فيهم قرآنوسائر ما يمس شأن النزول.

عن ابن عباس قال: لم أزل حريصا أن أسأل عمر عن المرأتين من أزواج ﴿إن تتوباالنبي صلى الله عليه وآله وسلم اللتين قال الله تعالى بشأنهما:

حتى حج عمر وحججت معه...18﴾إلى الله فقد صغت قلوبكما......19فقال: واعجبا لك يا ابن عباس! هما: عائشة وحفصة

وبلغ به األمر في تقصيه ألسباب النزول أن يعرف الحضري من السفري، والنهاري من الليلي، وفيم أنزل، وفيمن أنزل، ومتى أنزل، وأين أنزل،

20وأول ما نزل، وآخر ما نزل...

.11- سورة غافر، اآلية: 17 ، وراجع الدر المنثور في التفسير بالمأثور، جالل الدين28- سورة البقرة، اآلية: 18

هـ.1403، 1، دار الفكر، ط347، ص5السيوطي: ج.4- سورة التحريم، اآلية: 19.242، ص 6- الدر المنثور، جالل الدين السيوطي، ج 20 76ـ 68، و64ـ 60 و57ـ 51، ص 1- أنظر: اإلتقان في علوم القرآن، السيوطي، ج 21

وغير ذلك.

120

- اعتماده المأثور من التفسير المروي3

وهذا واضح من خالل تتبعه آثار الرسول وأحاديثه، واستطراقه ألبواب الصحابة العلماء، ليأخذ منهم ما حفظوه من سنة النبي وسيرته الكريمة،

وقوله: "ما أخذت من تفسير القرآن فعن علي بن أبي طالب عليهما.21السالم "، إنما يعني اعتماد المأثور من التفسير

- اضطالعه باألدب الرفيع4

فقد نزل القرآن بالفصحى من لغة العرب، فما أشكل من فهم معاني كلماته، ال بد لحلها من مراجعة الفصيح من كالم العرب المعاصر لنزول

القرآن.

وكان ابن عباس صاحب ذوق أدبي رفيع وثقافة لغوية عالية، فكان يقول: الشعر ديوان العرب، فإذا خفي علينا الحرف من القرآن، الذي أنزله الله

. فقد سئل ابن22بلغة العرب، رجعنا إلى ديوانها، فالتمسنا معرفة ذلك منهمال عزينعباس عن قوله تعالى: ﴾عن اليمين وعن الش . قال:23﴿

﴾إذا أثمر وينعهالعزون: الحلق الرقاق، وعن قوله تعالى: قال: نضجه24﴿﴾الفلك المشحونوبالغه، وعن ، قال: السفينة الموقرة الممتلئة،25﴿

﴾جد ربناوعن ، قال: عظمة ربنا، وفي كل ذلك استشهد بقول26﴿.27الشعراء

تفسير ابن عباس

هناك تفاسير منسوبة إلى ابن عباس، منها: ما رواه مجاهد بن جبر برواية

.210، ص 1- أنظر: التفسير والمفسرون، الشيخ محمد هادي معرفة، ج 22.212- م. ن، ص 23.37- سورة المعارج، اآلية:24.99- سورة األنعام، اآلية: 25.119- سورة الشعراء، اآلية: 26.3- سورة الجن، اآلية: 27.88ـ 56، ص 2- أنظر: اإلتقان في علوم القرآن، السيوطي، ج 28

121

حميد بن قيس، وأبي نجيع يسار الثقفي، وقد طبع أخيرا باهتمام مجمع  هـ(، والثاني: تفسير ابن عباس1367البحوث اإلسالمية بباكستان سنة )

عن الصحابة، ألبي أحمد عبد العزيز بن يحيى الجلودي المتوفى سنة ) هـ(، والثالث: تفسير ابن عباس الموسوم بـ "تنوير المقباس" من332

تفسير عبد الله بن عباس، في أربعة أجزاء، من تأليف محمد بن يعقوب. 28هـ(817 729الفيروز آبادي صاحب القاموس )

خالصة الدرس

ـ كان الصحابة ممن رضي الله عنهم مراجع األمة بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، وعلى رأسهم اإلمام علي عليه السالم في بيان معاني القرآن

الكريم. ـ اشتهر بالتفسير من الصحابة أربعة: اإلمام علي عليه السالم وكان رأساوأعلم األربعة، وعبد الله بن مسعود، وأبي بن كعب، وعبد الله بن عباس.

ـ كل الشواهد التأريخية وما رواه ابن عباس تشير إلى أن ابن عباس أخذ علم التفسير عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم واإلمام علي عليه

السالم ، وهكذا عبد الله بن مسعود، وأبي.

ـ أعتبر ابن عباس حبر األمة وترجمان القرآن لسعة علومه واطالعه علىمعاني القرآن وأسباب النزول.

ـ استند ابن عباس في تفسيره للقرآن إلى عدة أمور هي:

ـ مراجعة ذات القرآن في فهم مراداته.1

ـ رعايته ألسباب النزول.2

ـ اعتماده المأثور من التفسير المروي.3

ـ إضطالعه باألدب والشعر العربي الرفيع. 4

.256ـ 254، ص 1-أنظر: التفسير والمفسرون، الشيخ محمد هادي معرفة، ج 29

122

الدرس الحادي عشر:

الدسائس اإلسرائيلية في تفسير القرآن)نموذج تطبيقي(

أهداف الدرس

- أن يطلع الطالب على نموذج من اإلسرائيليات1- أن يتعرف إلى التفسير الصحيح للنموذج المذكور2

123

124

اإلسرائيليات في قصة داوود عليه السالم

من اإلسرائيليات التي تحط من مقام األنبياء عليهم السالم ، وتنافي عصمتهم، ما ذكره بعض المفسرين في قصة نبي الله داوود عليه السالم

عند تفسير قوله تعالى:

روا المحراب * إذ دخلوا على ﴿وهل أتاك نبأ الخصم إذ تسو داوود ففزع منهم قالوا ال تخف خصمان بغى بعضنا على بعض

راط * إن فاحكم بيننا بالحق وال تشطط واهدنا إلى سواء الص هذا أخي له تسع وتسعون نعجة ولي نعجة واحدة فقال

ني في الخطاب * قال لقد ظلمك بسؤال نعجتك أكفلنيها وعزن الخلطاء ليبغي بعضهم على بعض إال إلى نعاجه وإن كثيرا ما هم وظن داوود أنما الحات وقليل م الذين آمنوا وعملوا الص

فتناه فاستغفر ربه وخر راكعا وأناب * فغفرنا له ذلك وإن له.1﴾عندنا لزلفى وحسن مآب

2فقد ذكر ابن جرير، وابن أبي حاتم، والبغوي، والسيوطي في الدر المنثور

من األخبار ما تقشعر منه األبدان، وال يوافق عقال، وال نقال، عن ابن عباس،ومجاهد، ووهب بن منبه، وكعب األحبار، والسدي، وغيرهم ما محصلها: أن

.25ـ 21- سورة ص، اآليات: 1.302-300, ص5- الدر المنثور, جالل الدين السيوطي, ج2

125

داوود عليه السالم حدث نفسه؛ إن ابتلي أن يعتصم، فقيل له: إنك  ستبتلى وستعلم اليوم الذي تبتلى فيه، فخذ حذرك، فقيل له: هذا اليوم

الذي تبتلى فيه، فأخذ الزبور ، ودخل المحراب، وأغلق بابه، وأقعد خادمه ، إذ جاء طائر3على الباب، وقال: ال تأذن ألحد اليوم. فبينما هو يقرأ الزبور

مذهب يدرج بين يديه، فدنا منه، فأمكن أن يأخذه، فطار فوقع على كوة المحراب، فدنا منه ليأخذه، فطار، فأشرف عليه لينظر أين وقع، فإذا هو

، وكان زوجها غازيا في سبيل الله، فكتب4بامرأة عند بركتها تغتسل... ، وكان حملة التابوت5داوود إلى رأس الغزاة: أن اجعله في حملة التابوت

إما أن يفتح عليهم، وإما أن يقتلوا، فقدمه في حملة التابوت، فقتل.

وفي بعض هذه الروايات الباطلة: أنه فعل ذلك ثالث مرات، حتى قتل في الثالثة، فلما انقضت عدتها، خطبها داوود عليه السالم ، فتسور عليه

الملكان، وكان ما كان، مما حكاه الله تعالى.

ولم يقف األمر عند هذه الروايات الموقوفة على بعض الصحابة والتابعين، ومسلمة أهل الكتاب، بل جاء بعضها مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه

وآله وسلم !!

الكذب على النبي صلى الله عليه وآله وسلم

ومن ثم يتبين لنا كذب هذه الرواية المنكرة المرفوعة إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وال نصدق، بورود هذا عن المعصوم، وإنما هي

اختالقات، وأكاذيب من إسرائيليات أهل الكتاب، وهل يشك مؤمن عاقل يقر بعصمة األنبياء عليهم السالم ، في استحالة صدور هذا عن النبي داوود

عليه السالم ، ثم يكون على لسان من؟ على لسان من كان حريصا

- كتاب داوود عليه السالم.3- قمنا بحذف بعض العبارات مما ال يليق ذكره فضال عن نسبته إلى نبي عليه السالم.4 - صندوق فيه بعض آثار أنبياء بني إسرائيل، فكانوا يقدمونه بين يدى الجيش كي5

ينصروا.

126

على تنزيه إخوانه األنبياء عليهم السالم عما ال يليق بعصمتهم، وهو نبينا  محمد صلى الله عليه وآله وسلم ومثل هذا التدبير السيئ، واالسترسال

فيه على ما رووا، لو صدر من رجل من سوقة الناس وعامتهم، العتبر أمرا مستهجنا مستقبحا، فكيف يصدر من رسول جاء لهداية الناس، زكت

نفسه، وطهرت سريرته، وعصمه الله من الفواحش ما ظهر منها ومابطن، وهو األسوة الحسنة لمن أرسل إليهم؟!!

ولو أن القصة كانت صحيحة لذهبت بعصمة النبي داوود عليه السالم ، ولنفرت منه الناس، ولكان لهم العذر في عدم اإليمان به، فال يحصل

المقصد الذي من أجله أرسل الرسل، وكيف يكون على هذه الحال من؟قال الله تعالى في شأنه: ﴾وإن له عندنا لزلفى وحسن مآب قال﴿

ابن كثير في تفسيرها: "وإن له يوم القيامة لقربة يقربه الله عز وجل بها وحسن مرجع، وهو الدرجات العالية في الجنة لنبوته وعدله التام في

.6ملكه"

ولكي يستقيم هذا الباطل قالوا: إن المراد بالنعجة هي المرأة، وأن القصة خرجت مخرج الرمز واإلشارة، ورووا: أن الملكين لما سمعا حكم داوود، وقضاءه بظلم صاحب التسع والتسعين نعجة لصاحب النعجة، قاال له: وما

جزاء من فعل ذلك؟ قال: يقطع هذا، وأشار إلى عنقه. وفي رواية: "يضرب من ها هنا، وها هنا، وها هنا وأشار إلى جبهته، وأنفه، وما تحته،

فضحكا، وقاال،:أنت أحق بذلك منه، ثم صعدا".

وذكر البغوي في تفسيره وغيره، عن وهب بن منبه: أن داوود لما تاب الله عليه بكى على خطيئته ثالثين سنة، ال يرقأ دمعه ليال ونهارا، وكان أصاب

الخطيئة، وهو ابن سبعين سنة، فقسم الدهر بعد الخطيئة على أربعة أيام: يوم للقضاء بين بني إسرائيل، ويوم لنسائه، ويوم يسيح في الفيافي،

والجبال، والسواحل،

.35، ص 4- تفسير ابن كثير، ج 6

127

ويوم يخلو في دار له فيها أربعة آالف محراب، فيجتمع إليه الرهبان فينوح  معهم على نفسه، فيساعدونه على ذلك. فإذا كان يوم نياحته يخرج في الفيافي، فيرفع صوته بالمزامير، فيبكي، ويبكي معه الشجر، والرمال، والطير، والوحش، حتى يسيل من دموعهم مثل األنهار، ثم يجيء إلى الجبال فيرفع صوته بالمزامير، فيبكي، وتبكي معه الجبال، والحجارة،

والدواب، والطير، حتى تسيل من بكائهم األودية، ثم يجيء إلى الساحل فيرفع صوته بالمزامير، فيبكي، ويبكي معه الحيتان، ودواب البحر وطير

. والحق: إن اآليات ليس فيها شيء مما ذكروا، وليس هذا7الماء والسباع في شيء من كتب الحديث المعتمدة والتي عليها المعول، وليس هناك ما

يصرف لفظ النعجة من حقيقته إلى مجازه، وال ما يصرف القصة عنظاهرها إلى الرمز واإلشارة.

وما أحسن ما قال اإلمام القاضي عياض: "ال تلتفت إلى ما سطره األخباريون من أهل الكتاب، الذين بدلوا، وغيروا، ونقله بعض المفسرين،

ولم ينص الله تعالى على شيء من ذلك في كتابه، وال ورد في حديثوظن داوود أنما فتناهصحيح، والذي نص عليه في قصة داوود :﴾ ﴿ .8وليس في قصة داوود، وأوريا خبر ثابت

والمحققون ذهبوا إلى ما ذهب إليه القاضي، قال الداودي: ليس في قصة داوود وأوريا خبر يثبت، وال يظن بنبي محبة قتل مسلم، وقد روي عن

اإلمام أمير المؤمنين عليه السالم أنه قال: "من حدث بحديث داوود على 9ما يرويه القصاص جلدته مائة وستين جلدة"، وذلك حد الفرية على األنبياء

.10، وهذا الكالم مروي عن اإلمام الصادق عليه السالم أيضا

.58 57، ص 4- تفسير البغوي، ج 7 ، دار الفكر،158، ص 2- الشفا بتعريف حقوق المصطفى، القاضي عياض، ج 8

م.1988هـ 1409بيروت، - ألن حد القذف لغير األنبياء عليهم السالم ثمانين، فرأى عليه السالم تضعيفه9

بالنسبة إلى األنبياء عليهم السالم وفي الكذب عليهم رمي لهم بما هم براء منه، ففيهمعنى القذف لداود بالتعدي على حرمات األعراض والتحايل في سبيل ذلك.

؛ بحار األنوار، العالمة472، ص 8- أنظر: مجمع البيان، الشيخ الطبرسي، ج 10.29، ص 14المجلسي، ج

128

التفسير الصحيح لآليات

وإذا كان ما روي في تفسير هذه اآليات من اإلسرائيليات الباطلة، فماالتفسير الصحيح لها؟

والجواب: إن الذي أوضحه القرآن المجيد في هذا الشأن ال يتعدى أن شخصين تسورا جدران محراب النبي داوود عليه السالم ليحتكما عنده،

وأنه فزع عند رؤيتهما ، ثم استمع إلى أقوال المشتكي الذي قال: إن ألخيه تسع وتسعون نعجة وله نعجة واحدة، وإن أخاه طلب منه ضم هذه النعجة إلى بقية نعاجه، فأعطى النبي داوود عليه السالم الحق للمشتكي، واعتبر

طلب األخ ذلك من أخيه ظلما وطغيانا، فالتفت النبي داود عليه السالم إلى المدعي قبل أن يستمع كالم اآلخر، وقال: من البديهي أنه ظلمك

بطلبه ضم نعجتك إلى نعاجه.

على أية حال، فالظاهر أن طرفي الخصام اقتنعا بكالم النبي داوود عليه السالم وغادرا المكان. ولكن النبي داوود غرق في التفكير بعد مغادرتهما،

رغم أنه كان يعتقد أنه قضى بالعدل بين المتخاصمين ، فلو كان الطرف الثاني مخالفا إلدعاءات الطرف األول - أي المدعي - لكان قد اعترض

عليه، إذا فسكوته هو خير دليل على أن القضية هي كما طرحها المدعي. ولكن آداب مجلس القضاء تفرض على النبي داوود عليه السالم أن يتريث

في إصدار األحكام وال يتعجل في إصدارها، وكان عليه أن يسأل الطرف الثاني أيضا ثم يحكم بينهما، فلذا ندم كثيرا على عمله هذا، وظن أنما فتنه الباري عز وجل بهذه الحادثة. وهنا أدركته طبيعته، وهي أنه أواب، إذ طلب

العفو والمغفرة من ربه وخر راكعا تائبا إلى الله العزيز الحكيم.

وهنا تبرز مسألتان دقيقتان أيضا: األولى مسألة االمتحان ، والثانية مسألة االستغفار. القرآن الكريم لم يفصل الحديث بشأن هاتين المسألتين، إال أن

الدالئل الموجودة في هذه اآليات والروايات اإلسالمية الواردة بشأنتفسيرها

129

تقول: إن النبي داوود عليه السالم كان ذا علم واسع وذا مهارة فائقة في  أمر القضاء، وأراد الله سبحانه وتعالى أن يمتحنه، فلذا أوجد له مثل تلك الظروف غير االعتيادية ، كدخول الشخصين عليه من طريق غير اعتيادي

وغير مألوف، إذ تسورا جدران محرابه، وابتالئه باالستعجال في إصدار الحكم قبل االستماع إلى أقوال الطرف الثاني ، رغم أن حكمه كان عادال. ورغم أنه انتبه بسرعة إلى زلته، وأصلحها قبل مضي الوقت ، ولكن مهما

كان فإن العمل الذي قام به ال يليق بمقام النبوة الرفيع، ولهذا فإن استغفاره إنما جاء لتركه العمل باألولى، وإن الله شمله بعفوه ومغفرته.

والشاهد على هذا التفسير هو اآلية التي تأتي مباشرة بعد تلك اآليات، والتي تخاطب النبي داوود عليه السالم: يا داوود إنا جعلناك خليفة في األرض فاحكم بين الناس بالحق وال تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله.

وهذه اآلية تبين أن زلة النبي داوود كانت في كيفية قضائه وحكمه. وبهذا الشكل فإن اآليات المذكورة أعاله ال تذكر شيئا يقلل من شأن ومقام هذا

.11النبي الكبير

خالصة الدرس

ـ من اإلسرائيليات الداخلة إلى التراث اإلسالمي في تفسير القرآن الكريمقصة النبي داوود عليه السالم وحاشا لنبي أن يقع بمثل ما ورد.

ـ إن التفسير الصحيح المتعلق بالنبي داوود هو: أن النبي داوود عليه السالم كان ذا علم واسع في أمر القضاء، وأراد الله )تعالى( أن يمتحنه،

فلذا أرسل إليه الشخصين من طريق غير اعتيادي، وابتاله الله )تعالى( في إصدار الحكم قبل االستماع إلى أقوال الطرف الثاني، رغم أن حكمه كان

عادال. فاستغفاره عليه السالم كان لعدم استماعه إلى الطرف الثاني.

.483و481،ص14- التفسير األمثل،الشيخ مكارم الشيرازي،ج11

130

الدرس الثاني عشر:

منهج التفسير العقلي واالجتهادي للقرآن

أهداف الدرس

- أن يتعرف الطالب إلى المنهج العقلي في التفسير1- أن يتعرف إلى اآلراء في بيان معنى التفسير العقلي2- أن يطلع على أدلة المجوزين للمنهج العقلي3

131

132

تمهيد

ف بتعاريف كثيرة( بمنزلة خاصة يحظى منهج التفسير العقلي )الذي عر بين مناهج التفسير، وقد اتخذت المذاهب الكالمية )الشيعة، المعتزلة،

األشاعرة...( بأزاء هذا المنهج مواقف مختلفة، وقد يطلق عليه في بعض األحيان منهج التفسير االجتهادي، وقد يذكر كأحد أقسام منهج التفسيربالرأي، وقد ينظر إليه بنظرة مساوية لالتجاه الفلسفي في التفسير.

المراد من التفسير العقلي االجتهادي

لكي يتوضح المقصود من منهج التفسير العقلي االجتهادي ال بد من بيانمعنى هاتين المفردتين وهما:

أ- العقل:

في اللغة: هو بمعنى اإلمساك، والحفظ، ومنع الشيء.

في االصطالح: يطلق على معنيين:

- القوة المستعدة لحصول العلم، وهي نفس ذلك الشيء الذي بفقدانه1يرتفع التكليف عن اإلنسان، وقد ورد مدح العقل في أحاديث كثيرة.

133

- العلم الذي يحصل عليه اإلنسان بواسطة هذه القوة، وقد ورد هذا2 المعنى في القرآن عندما ذم الكافرين بسبب عدم التعقل، وقد استدل

على هذا المعنى بأحاديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم.

والنتيجة: يستفاد مما تقدم أن العقل قد يطلق على القوة المفكرة تارة،وأخرى على مدركات هذه القوة، أي العلوم المكتسبة.

ولهذا فإن العقل ينقسم إلى العقل الفطري والعقل االكتسابي، وقد يقسم.1إلى عقل نظري وعقل عملي

ب- االجتهاد

المقصود باالجتهاد هنا هو بذل الجهد الفكري واستخدام قوة العقل في فهم آيات القرآن ومقاصده، وعلى هذا فاستعمال االجتهاد هنا أعم من

االجتهاد االصطالحي في علم الفقه؛ ألنه يشمل آيات األحكام وغيرها، أي أن التفسير االجتهادي يكون في قبال التفسير النقلي؛ ففي التفسير

النقلي يتم التأكيد على النقل أكثر من غيره، أما في التفسير االجتهاديفيتم التأكيد على العقل والنظر.

تاريخ العمل بالمنهج العقلي للتفسير

يمتلك منهج التفسير االجتهادي العقلي ماضيا قديما، وقد حصل في وقت مبكر، في عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم الذي علم أصحابه كيفية االجتهاد العقلي في فهم النصوص الشرعية )من الكتاب والسنة( ويمكن

أن نجد نماذج من التفسير

- هناك تعاريف كثيرة للعقل النظري والعقل العملي، فقد يكون االختالف بينهما من1 حيث اإلدراك، فإن كان اإلدراك متعلقا بالعمل، وبما يجب أن يعمل ويطبق على الحياة كقولنا: العدل حسن والظلم قبيح فيكون العقل عمليا، وأما إذا لم يكن اإلدارك متعلقا

بالعمل، أو بإدراك ما يجب أن يعمل، كحاجة الممكن إلى العلة، يكون العقل نظريا.

134

العقلي في األحاديث التفسيرية ألهل البيت عليهم السالم ، وكذا في عهد التابعين، حيث انفتح باب االجتهاد وإعمال الرأي والنظر في التفسير،

وشاع النقد والتمحيص في المنقول من اآلثار واألخبار. ولم تزل تتوسع دائرة ذلك مع مرور الزمن. نعم، كانت آفة ذلك لدى الخروج عن دائرة التوقيف، وولوج باب النظر وإعمال الرأي أن ينخرط التفسير في سلك

التفسير بالرأي الممقوت عقال، والممنوع شرعا.

ووصل هذا المنهج إلى أوج تطوره فيما بعد على يد المعتزلة، وظهرت عند هـ(،460 385الشيعة تفاسير عقلية مثل تفسير التبيان للشيخ الطوسي )

هـ(، وكذلك التفسير الكبير للفخر548ومجمع البيان للطبرسي )ت: الرازي عند أهل السنة، وقد بلغ هذا التطور مدى بعيدا في تفسير الميزان

هـ(.1270للطباطبائي عند الشيعة وروح المعاني لآللوسي )ت:

ومن األمثلة على استخدام هذا المنهج في أحاديث أهل البيت عليهم السالم ما رواه عبد الله بن قيس، عن أبي الحسن الرضا عليه السالم

﴾بل يداه مبسوطتانقال: سمعته يقول: ، فقلت: له يدان هكذا 2﴿. 3وأشرت بيدي إلى يديه ـ؟ فقال: "ال، لو كان هكذا كان مخلوقا"

ففي هذا الحديث استفاد اإلمام عليه السالم من العقل في تفسير اآلية ونفي اليد المادية عن الله سبحانه وتعالى؛ ألن وجود مثل هذه اليد

يستلزم الجسمية والمخلوقية لله، وهو سبحانه منزه عن هذه الصفات )فالمقصود من اليد هنا هو القدرة اإللهية(.وهناك نماذج من التفاسير العقلية وصلتنا عن طريق أحاديث أهل البيت عليهم السالم بخصوص

العرش والكرسي. وقد استفاد اإلمام علي عليه السالم في بعض خطب.4نهج البالغة من مقدمات عقلية لتفسير آيات القرآن الكريم

.64- سورة المائدة، اآلية: 2.279، ح 650، ص 1- تفسير نور الثقلين، الشيخ الحويزي، ج 3.228ـ 184ـ 152- أنظر: نهج البالغة، الخطبة: 4

135

االختالف في معنى التفسير العقلي

تضاربت آراء العلماء حول مفاد منهج التفسير العقلي، وتعددت األقوال بشأن معناه، فكل شخص يحكم على هذا المنهج على أساس فهمه،

وسوف نستعرض أهم اآلراء في هذا الموضوع:

ـ االستفادة من القرائن العقلية كأداة في التفسير: وذلك لفهم معاني1 ﴿يداأللفاظ والجمل، ومن جملتها القرآن والحديث، فمثال عندما يقال:

، فالعقل يقول: بأنه ليس المقصود من اليد هنا هو5﴾الله فوق أيديهم هذه الجارحة التي تحتوي على خمسة أصابع، ألن الله تعالى ليس بجسم، وإن كل جسم فهو محدود وفان، والله ليس محدودا وال يفنى، وهو أزلي

أبدي، بل المقصود من ذلك هو قدرة الله تعالى، فإطالق اليد على القدرةإطالق مجازي.

إذا ليس المراد من التفسير العقلي اآلراء واألذواق الشخصية أو األفكارالخيالية التي ال أساس لها.

ـ التفسير العقلي هو التفسير االجتهادي نفسه: فقد ذكر البعض أن2 التفسير االجتهادي يعتمد العقل والنظر أكثر مما يعتمد النقل واألثر؛ ليكون

المناط في النقد والتمحيص هو داللة العقل الرشيد والرأي السديد، وأن أحد خصائص تفسير التابعين هو االجتهاد في التفسير واالعتماد على الفهم

العقلي "فأعملوا النظر في كثير من مسائل الدين، ومنها مسائل قرآنية كانت تعود إلى معاني الصفات، وأسرار الخليقة، وأحوال األنبياء والرسل وما شاكل. فكانوا يعرضونها على شريعة العقل ويحاكمونها وفق حكمه

. وهذا الرأي6الرشيد، وربما يؤولونها إلى ما يتوافق مع الفطرة اإلنسانية"كما هو واضح يجعل التفسير العقلي واالجتهادي بمعنى واحد.

.10- سورة الفتح، اآلية: 5.249، ص 2- التفسير والمفسرون، الشيخ محمد هادي معرفة، ج 6

136

ـ التفسير العقلي نوع من أنواع التفسير بالرأي: فقد جعل بعضهم3 التفسير العقلي في مقابل التفسير النقلي، وأنه يعتمد على الفهم العميق والمركز لمعاني األلفاظ القرآنية التي تنتظم في سلكها تلك األلفاظ وفهم

.7داللتها، ثم سمى هذا البعض التفسير العقلي بالتفسير بالرأي

كما: أشار الدكتور الذهبي إلى نفس هذا الرأي فقال: "والمراد هنا.8االجتهاد، وعليه فالتفسير بالرأي عبارة عن تفسير القرآن باالجتهاد"

ولكن سيتضح في مبحث التفسير بالرأي أن هذا التفسير هو غير التفسير العقلي أو االجتهادي، وأن هناك اختالفات رئيسة بينهما. ففي التفسير

ر على التفسير؛ على أساس الذوق والنظر بالرأي يقدم شخص المفس الشخصي بدون مراعاة القرائن النقلية والعقلية، أما بالنسبة إلى التفسير

ر يأخذ بنظر االعتبار القرائن النقلية والعقلية في العقلي فإن المفس التفسير. وكذلك بالنسبة إلى التفسير االجتهادي فقد اتضح أن االجتهاد

على نوعين:

1 - هو االستنباط دون مراجعة القرائن العقلية والنقلية وهو ما يعتبر نوعامن التفسير بالرأي.

- هو االجتهاد الصحيح والمعتبر وهو الذي يأخذ بنظر االعتبار القرائن2العقلية والنقلية، وهذا التفسير ال يعتبر من التفسير بالرأي.

والحاصل أنه مع تعدد هذه اآلراء من القول بأن التفسير االجتهادي وفقا للرأي المشهور يعتبر من أقسام التفسير العقلي، ألنه يستفاد في هذا

النوع من التفسير من قوة الفكر والعقل في تجميع المسائل والمواضيع.

، دار النفائس، بيروت،167- أصول التفسير وقواعده، خالد عبد الرحمن العك، ص 7هـ.1414، 3ط ، دار الكتب الحديثة، ط255، ص 1- التفسير والمفسرون، محمد حسين الذهبي، ج 8م.1976، 2

137

أدلة جواز االعتماد على المنهج العقلي في التفسير

اختلف العلماء حول جواز هذا المنهج في التفسير وعدمه، وقد استدلالقائلون بالجواز بأدلة متعددة منها:

ـ القرآن الكريم1

،9فقد اهتم القرآن الكريم كثيرا بدعوة الناس إلى التعقل والتفكر في آياته . فإذا لم يكن للعقل اعتبار ومنزلة10بل إنه ذم الذين ال يتدبرون القرآن

عند الله تعالى، فإن هذا الخطاب سيصبح حينئذ عديم الفائدة وبدون معنى، وما نتيجة التدبر والتفكر في آيات الله إال التفسير العقلي

واالجتهادي.

ـ الروايات2

يحتل العقل مكانة خاصة في األحاديث وله موقع متميز فيها، فقد ورد عن اإلمام الكاظم عليه السالم أنه قال: "يا هشام إن لله حجتين، حجة ظاهرة

وحجة باطنة، فأما الظاهرة فالرسل واألنبياء واألئمة، وأما الباطنة.11فالعقول"

فإذا كان العقل حجة باطنة، وجب أن يكون الشيء الذي يدركه ويحكم به بصورة قطعية، حجة على اإلنسان، وواجب االتباع، وإال فإن الحجية تصبح

ال معنى لها.

ـ السيرة3

نسب بعض العلماء هذا المنهج إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلمواألئمة عليهم السالم ، وهناك نماذج

.17، والقمر، اآلية: 2، ويوسف، اآلية: 10- راجع السور التالية: األنبياء، اآلية: 9.24- راجع سورة محمد، اآلية: 10.6، ص1- الكافي، الشيخ الكليني، ج 11

138

من هذا المنهج في أقوال األئمة، وإن فعل وقول المعصوم يدل على  جواز ذلك في أقل التقادير، إضافة إلى السيرة المستمرة لكبار

المفسرين.

ـ بناء العقالء4

إن طريقة بناء العقالء في التفسير االجتهادي، هي التمسك بظاهر كالم المتكلم، واستخراج مقاصده ومعاني كالمه عن طريق القواعد األدبية،

ع اإلسالمي لم يمنع من والدالالت اللفظية والقرائن الموجودة، والمشرهذه الطريقة العقالئية ولم يخترع طريقة جديدة في التعامل.

وفي مقابل ذلك ذهب بعض آخر إلى عدم جواز االعتماد على هذا المنهج في التفسير متمسكا بجملة أدلة منها: ما روي عن اإلمام السجاد عليه

، وببعض الروايات التي12السالم أنه قال: "إن دين الله ال يصاب بالعقول"تشير إلى عدم جواز تفسير القرآن إال باألثر الصحيح والنص الصريح.

فإذا منهج التفسير العقلي واالجتهادي طريق ال يوصل إلى نتيجة.

وفي الجواب عن هذا الدليل نقول: إن هذا النوع من األحاديث صدر في وجه المخالفين ألهل البيت عليهم السالم ، والذين لم يلتفتوا إلى القرائن

النقلية وكالم المعصومين عليهم السالم ، والذين يفتقدون شرائط االجتهادويستخدمون التفسير بالرأي.

وهذا الرأي تبناه األشاعرة أيضا لكونهم يعتقدون بأن منشأ كل تكليف هو حكم الشارع وليس العقل، وال يعتمد على إدراكات العقل كاالعتماد على

حكم الشارع.

.303، ص 2- بحار األنوار، العالمة المجلسي، ج 12

139

ولكن فات هؤالء أن عقل اإلنسان كاشف عن الحكم الشرعي، أي أن عقل اإلنسان ال يصدر حكما مخالفا للحكم الشرعي، وقد اتضح في أصول

الفقه أنه: "كل ما حكم به العقل حكم به الشرع".

خالصة الدرس

ـ للتفسير العقلي مكانة خاصة بين المناهج التفسيرية وكان موضع مناقشةونقض بين المذاهب اإلسالمية )الشيعة، المعتزلة، األشاعرة(.

ـ أرجع بعض العلماء تاريخ هذا المنهج إلى عصر النبي صلى الله عليه وآله وسلم وجذوره موجودة في روايات أهل البيت عليهم السالم ، وقد عني

بهذا المنهج كثيرا في عصر التابعين.

ـ تضاربت اآلراء في بيان معنى التفسير العقلي، وقد عرضنا لهذه اآلراءبشيء من اإليجاز.

ـ اختلف العلماء حول جواز هذا المنهج في التفسير، واستدل المجوزون- بناء العقالء.4- السيرة، 3- الدليل الروائي، 2-الدليل القرآني، 1بما يلي:

أما المانعون فقد استدلوا بجملة روايات تشير إلى عدم جواز تفسيرالقرآن الكريم إال باألثر الصحيح والنص الصريح.

ومن جملة المانعين لهذا المنهج األشاعرة.

140

الدرس الثالث عشر:

منهج التفسير بالرأي

أهداف الدرس

- أن يتعرف الطالب إلى التفسير بالرأي 1- أن يطلع على تاريخ التفسير بالرأي2- أن يطلع على أدلة المانعين والموافقين للتفسير بالرأي3- أن يعدد أقسام ومصاديق التفسير بالرأي4

141

142

تمهيد

من العوامل األساس التي أدت إلى إعاقة حركة التفسير عند علماء المسلمين،بل تحولت في كثير من الحاالت إلى مانع يصد عن التعاطي مع

كتاب الله وعقبة تردع المفسرين من ارتياد معانيه والغوص في أعماقه، الخطأ في فهم النصوص المستفيضة بل المتواترة الواردة عند الفريقين

عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته عليهم السالم التي تحدثت عن ظاهرة تفسير القرآن بالرأي، فعن النبي صلى الله عليه وآله وسلم

ر القرآن برأيه فقد افترى على الله الكذب" ، وعنه1أنه قال: "من فسر في القرآن برأية فليتبوأ صلى الله عليه وآله وسلم أيضا: "من فس

.2مقعده في النار"

ويعتبر منهج التفسير بالرأي من المناهج المذمومة والمرفوضة في التفسير، وقد جاء بحث ودراسة هذا المنهج كما ذكرنا بسبب ورود

األحاديث في ذمه، واألخطار المترتبة على المفسر في حالة استخدامه؛ والتي قد تؤدي به إلى االنحراف عن التفسير، وبالتالي يكون مصيره جهنم

كما ورد في الروايات، ولهذا السبب فإن معرفة هذا المنهج التفسيريواالحتراز عنه تحظى بأهمية خاصة عند المفسرين.

.190، ص 27- وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج 1.85، ص 1- تفسير الطبري، ج 2

143

وإذا أخذنا التفسير بمعناه العام )الصحيح والخاطئ(، فإن هذا المنهج )التفسير بالرأي( سوف يعد جزءا من المناهج التفسيرية؛ أما إذا كان

مقصودنا من التفسير هو الصحيح فقط، فحينئذ يكون إطالق اسم التفسير على التفسير بالرأي من باب المسامحة في التعبير ؛ ألن هذا المنهج ال

يكشف وال يبين المراد من آيات القرآن، بل يبين نظر ورأي المفسر.

المراد من التفسير بالرأي

الرأي: األصل في معنى هذه الكلمة هو النظر بكل وسيلة، وتشمل النظربالعين أو بالقلب أو عن طريق الشهود الروحاني أو بقوة الخيال.

وكلمة "الرأي" بمعنى: اعتقاد النفس أحد النقيضين عن غلبة الظن. ويرى بعض المفسرين أن القرآن والسنة لم يستعمال "الرأي" بمعنى اإلدراك

العقلي. فإذا يمكن أن يقال إن معنى "الرأي" هو العقيدة أو االنطباع وخالصة القول في منهج التفسير3الشخصي الذي يتكون على أساس

بالرأي: إن الشيء المذموم أو الممنوع شرعا، الذي استهدفه حديث "منفسر القرآن برأيه..."، أمران:

- أن يعمد شخص إلى آية قرآنية، فيحاول تطبيقها على ما قصده من1 رأي أو عقيدة أو مسلك، تبريرا لما اختاره في هذا السبيل، أو تمويها على

العامة.

وهذا قد جعل القرآن وسيلة إلنجاح مقصوده بالذات، ولم يهدف إلىتفسير القرآن في شيء.

- االستبداد بالرأي في تفسير القرآن، محايدا طريقة العقالء في فهم2 معاني الكالم، وال سيما كالمه تعالى، فإن للوصول إلى مراده تعالى من

كالمه

- أنظر: المفردات في غريب القرآن، الحسين بن محمد المعروف بالراغب3هـ(، مادة »رأي«، دار المعرفة، بيروت.502األصفهاني )ت:

144

وسائل وطرقا، منها: مراجعة كالم السلف، والوقوف على اآلثار الواردة  حول اآليات، ومالحظة أسباب النزول، وغير ذلك من شرائط يجب توفرها في مفسر القرآن الكريم، فإغفال ذلك كله، واالعتماد على الفهم الخاص،

مخالف لطريقة السلف والخلف في هذا الباب. ومن استبد برأيه هلك،.4ومن قال على الله بغير علم فقد ضل سواء السبيل

الجذور التاريخية للتفسير بالرأي

ال يوجد تشخيص دقيق لبداية هذا المنهج في التفسير؛ ولكن روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعض الروايات في ذم هذه الطريقة في

التفسير؛ ولعل ذلك يكشف عن أن هذا المنهج بدأ في زمن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ؛ ولهذا فإنه صلى الله عليه وآله وسلم ذكر هذا

التفسير وذم القائمين به.

ثم طرحت هذه المسألة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم في زمان األئمة عليهم السالم ، فصدرت عنهم روايات متعددة في ذم التفسير

بالرأي، بل روي عن اإلمام علي عليه السالم ، أنه خاطب بعض األفراد ونهاهم عن هذا النوع من التفسير، ثم انتشر هذا المنهج في العصور التالية في بعض كتب التفاسير، فأخذ بعض المفسرين والفرق باتهام بعضهم بعضا في استخدام هذا المنهج، كما أتهم بعض الكتاب الفخر

الرازي صاحب التفسير الكبير وإخوان الصفا، وبعض الصوفية، وأحيانا األشاعرة والمعتزلة باستخدام التفسير بالرأي، لتأويلهم آيات القرآن طبقا

لعقائدهم. وقد بلغ هذا المنهج أقصى ما وصل إليه في العصر الحاضر، حيث سعى بعض المنافقين مع ظهور المدارس اإللحادية والتفسير بالرأي

أن يجذبوا شباب المسلمين إلى صفوفهم، وإخفاء مقاصدهم اإللحاديةتحت هذا الستار، وقد

.64 63، ص 1- التفسير والمفسرون، الشيخ محمد هادي معرفة، ج 4

145

أطلق الشهيد المطهري على هذا المنهج تسمية "المادية المغفلة"، أو "المادية المنافقة".

أدلة المخالفين للتفسير بالرأي

- آيات القرآن الكريم، مثل:1

م ربي الفواحش ما ظهر منها وماأ قوله تعالى: ﴿قل إنما حرل به بطن واإلثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينز

.5﴾سلطانا وأن تقولوا على الله ما ال تعلمون

﴾وال تقف ما ليس لك به علمب قوله تعالى: ﴿6.

بيان االستدالل:

أ- إن التفسير بالرأي كالم غير علمي ينسب إلى الله تعالى؛ ألن المفسربالرأي ال يملك اليقين بالوصول إلى الواقع، وغاية ما يتوصل إليه هو الظن.

ب- إن نسبة الكالم غير العلمي إلى الله حرام؛ للنهي عن ذلك في القرآن.7كما في اآليتين المتقدمتين؛ فالنتيجة هي حرمة التفسير بالرأي

- روايات المنع من التفسير بالرأي2

ثمة روايات متعددة في مصادر الشيعة والسنة يمكن تقسيمها إلى عدةمجموعات:

أ- الروايات التي تدين وتذم التفسير بالرأي فقط وتذكر جزاءهم، منها:

.33- سورة األعراف، اآلية: 5.36- سورة اإلسراء، اآلية: 6.210، ص 4- اإلتقان في علوم القرآن، السيوطي، ج 7

146

ـ عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: "من فسر القرآن برأيه فليتبوأ.8مقعده من النار"

ـ عن اإلمام الصادق عليه السالم قال: "من فسر برأيه آية من كتاب الله.9فقد كفر"

ـ عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: "قال الله جل جالله: ما آمن.10بي من فسر برأيه كالمي"

ب- الروايات التي تعتبر التفسير بالرأي نوعا من أنواع الكذب والقول بغيرعلم، منها:

ر القرآن برأيه فقد ـ عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: "من فس.11افترى على الله الكذب"

ـ وعنه صلى الله عليه وآله وسلم قال: "من قال في القرآن بغير علم.12فليتبوأ مقعده من النار"

ج- الروايات التي تدين التفسير بالرأي من جهة كونه ضالال، منها:

ـ عن اإلمام الباقر عليه السالم قال: "ويحك يا قتادة إن كنت إنما فسرت.13القرآن من تلقاء نفسك فقد هلكت وأهلكت"

د- األحاديث التي تدين التفسير بالرأي وإن كانت النتيجة صحيحة، منها:

ـ عن اإلمام الصادق عليه السالم قال: "من فسر القرآن برأيه إن أصاب.14لم يؤجر، وإن أخطأ فهو أبعد من السماء"

أدلة القائلين بجواز التفسير بالرأي

- اآليات القرآنية التي تحث على التفكر والتدبر، منها:1

.75، ص 3- تفسير الميزان، العالمة الطباطبائي،ج 8 ، المطبعة العلمية، إيران،19، ص 1- تفسير البرهان، هاشم الحسيني البحراني، ج 9

هـ.1393.116، ص1- عيون أخبار الرضا، الشيخ الصدوق، ج 10.7، ص 16- تفسير البرهان، هاشم الحسيني البحراني، ج 11.75، ص 3- تفسير الميزان، العالمة الطباطبائي، ج 12.7، ص 16- تفسير البرهان، هاشم الحسيني البحراني، ج 13.110، ص 89- بحار األنوار، العالمة المجلسي، ج 14

147

﴾أفال يتدبرون القرآنقوله تعالى: ، ومنها اآلية التي تشير إلى15﴿ ﴿ولو ردوه إلىمسألة االستنباط من القرآن وهي: قوله تعالى:

سول وإلى أولي األمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم ﴾الر16.

فقد ورد الحث في هذه اآليات على التفكر والتدبر في آيات القرآن، وأشارت اآلية األولى إلى أن أصحاب العقول والفهم يمكنهم االستنباط من

القرآن والوصول إلى المطالب القرآنية عن طريق االجتهاد والعقل.

وال معنى ألن يحثنا الله سبحانه وتعالى على استخدام العقل والتدبر ثميقف حائال دون استعمال االجتهاد والنظر والرأي.

والجواب: لقد خلط هؤالء بين مورد التفسير بالرأي مع التفسير العقلي والتدبر في فهم القرآن، فما ورد في هذه اآليات هو الترغيب والحث على التدبر في فهم القرآن، وأنه ال يجوز االجتهاد واالستنباط من اآليات إال بعد

مراجعة القرائن العقلية والنقلية والتدبر فيها. أما بالنسبة إلى المفسر بالرأي فإنه يعلن رأيه الشخصي قبل الرجوع إلى هذه القرائن ويقوم

بتحميل نظره الشخصي على اآليات، فالمنع من التفسير بالرأي ال يعنيعدم جواز التدبر والتفكر في آيات القرآن.

- إن المنع من التفسير بالرأي ال يعني عدم جواز االجتهاد2في التفسير:

ألن المنع من االجتهاد يؤدي إلى تعطيل الكثير من األحكام، وهذا األمر باطل بالضرورة؛ ألن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يفسر جميع

اآليات، فال بد للمجتهد من استنباط األحكام من القرآن وإذا ما أخطأ فيذلك فهو مأجور أيضا.

.82- سورة النساء، اآلية: 15.83- سورة النساء، اآلية: 16

148

والجواب: إن االجتهاد في األحكام على قسمين: االجتهاد قبل مراجعة القرائن العقلية والنقلية، والثاني: االجتهاد بعد مراجعة القرائن العقلية والنقلية، واألول ممنوع؛ ألنه اجتهاد وفتوى بغير دليل واآلخر جائز ألنه

اجتهاد صحيح.

وكذلك االجتهاد في التفسير فإنه ينقسم إلى هذين القسمين أيضا، فيطلق على القسم األول التفسير بالرأي، وعلى الثاني التفسير االجتهادي

الصحيح.

- لقد قرأ أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم القرآن3واختلفوا في تفسيره:

وألن جميع أقوالهم التي اختلفوا فيها لم يؤخذ جميعها من النبي صلى الله عليه وآله وسلم قطعا بل اعتمدوا فيها على آرائهم الشخصية، واجتهدوا في مقابل بعضهم البعض، فإن كان التفسير بالرأي حراما فهذا يعني أن

الصحابة قد ارتكبوا الحرام.

والجواب: ال بد من االلتفات إلى عدة نقاط في مسألة اختالف الصحابةفي التفسير:

أ- يمكن أن يكون ذلك االختالف نتيجة لوصول أخبار مختلفة للصحابة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أو يكون ناشئا عن اختالف فهمهم لكالم

رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

ب- يحتمل أن يكون تفسيرهم ناشئا عن االختالف في فهم اآليات المتشابهة، أو الجمع بين الناسخ والمنسوخ أو العام والخاص وأمثال ذلك،

وهذا أمر طبيعي وال يعتبر من التفسير بالرأي.

ج- لم يثبت أن الصحابة قاموا بتفسير القرآن في كل الموارد دون مراجعة المعايير المعتبرة في التفسير، أو دون مراعاة القرائن العقلية والنقلية

وااللتفات إلى اآليات المحكمة.

د- على فرض أن بعض الصحابة قد تورط في التفسير بالرأي عن طريق الغفلة أو السهو أو الكذب على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ،

فال يوجد دليل على عصمتهم لكي

149

يكون عملهم دليال على جواز التفسير بالرأي. 

وعلى هذا فمن مجموع أدلة المخالفين لهذا المنهج في التفسير القوية والمقبولة يتبين أنه منهج خاطئ، وأن أدلة القائلين بجوازه ضعيفة ال تنهض

ألن تكون أساسا للعمل بهذا المنهج.

خالصة الدرس

ـ إن منهج التفسير بالرأي منهج مذموم، وال بد من معرفته واالطالع عليهلالجتناب عنه.

ـ إن معنى "الرأي"، في منهج "التفسير بالرأي" هو العقيدة والرأيوالذوق الشخصي الذي ينبع من الظن.

ـ من مجموع األحاديث يتضح أن بداية هذا المنهج كانت في زمن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ، واستمر في زمن األئمة عليهم السالم ،

واتسع وتطور في العصر الحاضر.

ـ استدل المخالفون للتفسير بالرأي باآليات التي تدل على منع نسبة غير العلم إلى الله، وهو استدالل مقبول، وكذلك بالروايات التي تدل على منع

التفسير بالرأي والتي تنقسم إلى عدة أقسام ذكرناها في البحث.

ـ استعرضنا عدة أدلة للموافقين لمنهج التفسير بالرأي، وبعد الجواب عنهاتبين لدينا أنها غير تامة، وال تثبت هذا المنهج في التفسير.

150

الدرس الرابع عشر:

الطباطبائي وموقفه من منهج التفسير بالرأي

أهداف الدرس

-أن يتعرف الطالب إلى أهمية تفسير الميزان1- أن يدرك معنى التفسير بالرأي عند العالمة الطباطبائي2

151

152

تمهيد

يعتبر كتاب الميزان في تفسير القرآن، للعالمة السيد محمد حسين الطباطبائي واحدا من أشهر وأهم كتب التفسير في واقعنا المعاصر،

ونظرا لشهرته اخترنا هذا التفسير ليكون نموذجا لبحثنا.

حول تفسير الميزان

من تأليف العالمة الحكيم السيد محمد حسين الطباطبائي المولود بتبريزهـ(.1402هـ(. والمتوفى بقم المقدسة سنة )1321سنة )

وهو تفسير جامع حافل بمباحث نظرية تحليلية ذات صبغة فلسفية في األغلب، جمع فيه المؤلف إلى جانب األنماط التفسيرية السائدة، أمورا

مما أثارته النهضة الحديثة في التفسير، فقد تصدى لما يثيره أعداء اإلسالم من شبهات، وما يضللون به من تشويه للمفاهيم اإلسالمية، بروح اجتماعية

واعية، على أساس من القرآن الكريم.

153

مزايا تفسير الميزان

ر القرآن آية1 - جمع بين نمطي التفسير: الموضوعي والترتيبي، فقد فس فآية وسورة فسورة، لكنه إلى جنب ذلك، نراه يجمع اآليات المتناسبة

بعضها مع بعض، ليبحث عن الموضوع الجامع بينها، كلما مر بآية ذات هدفموضوعي، وكانت لها نظائر منبثة في سائر القرآن.

- عنايته التامة بجانب الوحدة الموضوعية السائدة في القرآن، كل سورة2 هي ذات هدف أو أهداف معينة، هي تشكل بنيان السورة بالذات، فال تتم

السورة إال عند اكتمال الهدف الموضوعي الذي رامته السورة، ولذلك نجدالسور تتفاوت في عدد آياتها.

- االستعانة بمنهج "تفسير القرآن بالقرآن"، فقد حقق القرآن هذا األمر3 وأوجده بعيان؛ إذ نراه يعتمد في "تفسيره" على القرآن ذاته، فيرى أن

غير القرآن غير صالح لتفسير القرآن، بعد أن كان تبيانا لكل شيء فيا ترىكيف يكون القرآن تبيانا لكل شيء وال يكون تبيانا لنفسه؟!

يقول العالمة الطباطبائي: "الطريقة المرضية في التفسير هي أن تفسر القرآن بالقرآن، ونشخص المصاديق ونعرفها بالخواص التي تعطيها اآليات،

لنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيءكما قال تعالى: ﴾ونز وحاشا1﴿ ويمكن القول2القرآن أن يكون تبيانا لكل شيء وال يكون تبيانا لنفسه"

بحق إن "الميزان في تفسير القرآن" هو من التفاسير الجامعة لكل مناهج وألوان التفسير حيث تجد أن السيد الطباطبائي جمع إلى جانب منهج

تفسير القرآن بالقرآن منهج التفسير الروائي والفلسفي والتاريخيواالجتماعي...

.89- سورة النحل، اآلية: 1.9، ص 1- تفسير الميزان، العالمة الطباطبائي، ج 2

154

بيان الطباطبائي لمنهج التفسير بالرأي

ذكر العلماء والمفسرون آراء متباينة حول مفاد روايات التفسير بالرأي،وسنعرض لرأي العالمة الطباطبائي وموقفه من هذا المنهج.

اعتبر السيد الطباطبائي أن التفسير بالرأي يحتمل وجوها متعددة، أهمها:

- تفسير المتشابه الذي ال يعلمه إال الله.

- التفسير المقرر للمذهب الفاسد بأن يجعل المذهب أصال والتفسير تبعا، فيرد إليه بأي طريق أمكن وإن كان ضعيفا. وهذا يحصل فيما لو كان

ر ميل إلى نزعة أو مذهب فيتأول القرآن على رأيه ويصرفه عن للمفسالمراد، فيجر شهادة القرآن لتقرير رأيه.

- التفسير بأن مراد الله تعالى كذا على القطع من غير دليل.

- التفسير باالستحسان والهوى ومن دون االستناد إلى نظر في أدلة العربية ومقاصد الشريعة، وما ال بد منه من معرفة الناسخ والمنسوخ

وسبب النزول.

- القول بالقرآن بما يعلم أن الحق غيره.

ت، سواء علم أن الحق خالفه أم ال. ثم - القول في القرآن بغير علم وتثب علق عليها بقوله: "وربما أمكن إرجاع بعضها إلى بعض، وكيف كان فهي

.3وجوه خالية عن الدليل، على أن بعضها ظاهر البطالن"

معنى "الرأي" عند الطباطبائي

ثم بعد أن استعرض النصوص الدالة على النهي عن تفسير القرآن بالرأي قال: "قوله صلى الله عليه وآله وسلم: "من فسر القرآن برأيه..."، الرأي

هو االعتقاد عن اجتهاد، وربما أطلق

.78، ص 3- م.ن، ج 3

155

على القول عن الهوى واالستحسان، وكيف كان لما ورد قوله برأيه مع اإلضافة إلى الضمير، علم منه أن ليس المراد به النهي عن االجتهاد

المطلق في تفسير القرآن حتى يكون بالمالزمة أمرا باالتباع واالقتصار على ما ورد من الروايات في تفسير اآليات عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته عليهم السالم على ما يراه أهل الحديث. بل اإلضافة في

قوله: "برأيه" تفيد معنى االختصاص واالنفراد واالستقالل بأن يستقل المفسر في تفسير القرآن بما عنده من األسباب في فهم الكالم العربي، فيقيس كالمه تعالى بكالم الناس، فإن قطعة من الكالم من أي متكلم إذا ورد علينا لم نلبث دون أن نعمل فيه القواعد المعمولة في كشف المراد

الكالمي ونحكم بذلك: إنه أراد كذا، كما نجري عليه في األقارير والشهادات وغيرهما، كل ذلك لكون بياننا مبنيا على ما نعلمه من اللغة

ونعهده من مصاديق الكلمات حقيقة ومجازا.

والبيان القرآني غير جار هذا المجرى، بل هو كالم موصول بعضه ببعض في عين أنه مفصول، ينطق بعضه ببعض ويشهد بعضه على بعض كما قاله

اإلمام علي عليه السالم ، فال يكفي ما يتحصل من آية واحدة بإعمال القواعد المقررة في العلوم المربوطة في انكشاف المعنى المراد منها،

دون أن يتعاهد جميع اآليات المناسبة لها ويجتهد في التدبر فيها كما يظهرأفال يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير اللهمن قوله تعالى :﴿

.4﴾لوجدوا فيه اختالفا كثيرا

التفسير المنهي عنه

فالتفسير بالرأي المنهي عنه أمر راجع إلى طريق الكشف دون المكشوف وبعبارة أخرى إنما نهى صلى الله عليه وآله وسلم عن تفهم كالمه تعالى

على نحو ما يتفهم به كالم غيره وإن كان هذا النحو من التفهم ربما صادف الواقع، والدليل على ذلك قوله صلى الله عليه وآله وسلم في الرواية

األخرى: "من تكلم في القرآن برأيه فأصاب فقد أخطأ"،

.82- سورة النساء، اآلية: 4

156

فإن الحكم بالخطأ مع فرض اإلصابة ليس إال لكون الخطأ في الطريق، .5وكذا قوله عليه السالم: "إن أصاب لم يؤجر"

وليس اختالف كالمه تعالى مع كالم غيره في نحو استعمال األلفاظ وسرد الجمل وإعمال الصناعات اللفظية، فإنما هو كالم عربي روعي فيه جميع

سول إال وما أرسلنا من ر ﴿ما يراعى في كالم عربي، وقد قال تعالى: ن لهم وهذا لسان عربي مبين6﴾بلسان قومه ليبي ﴾ وقال تعالى: وقال7﴿

كم تعقلون عل ا ل ا جعلناه قرآنا عربي إن ﴾تعالى: وإنما االختالف من جهة8﴿المراد والمصداق الذي ينطبق عليه مفهوم الكالم.

توضيح ذلك: إنا من جهة تعلق وجودنا بالطبيعة الجسمانية وقطوننا المعجل في الدنيا المادية، ألفنا من كل معنى مصداقه المادي واعتدنا

باألجسام والجسمانيات، فإذا سمعنا كالم واحد من الناس حملناه على ما هو المعهود عندنا من المصداق والنظام الحاكم فيه، لعلمنا بأنه ال يعني إال

ذلك؛ لكونه مثلنا ال يشعر إال بذلك، وعند ذلك يعود النظام الحاكم في المصداق يحكم في المفهوم، فربما خصص به العام أو عمم به الخاص أو

تصرف في المفهوم بأي تصرف آخر، وهو الذي نسميه بتصرف القرائنالعقلية غير اللفظية.

مثال ذلك إنا إذا سمعنا عزيزا من أعزتنا ذا سؤدد وثروة يقول: وإن من شيء إال عندنا خزائنه، وتعقلنا مفهوم الكالم ومعاني مفرداته حكمنا في

مرحلة التطبيق على المصداق أن له أبنية محصورة حصينة تسع شيئا كثيرا من المظروفات، فإن الخزانة هكذا تتخذ إذا اتخذت، وأن له فيها

مقدارا وافرا من

.77ـ 76، ص 3- أنظر: تفسير الميزان، العالمة الطباطبائي، ج 5.4- سورة إبراهيم، اآلية: 6103- سورة النحل، اآلية: 7.3- سورة الزخرف، اآلية: 8

157

الذهب والفضة والورق واألثاث والزينة والسالح، فإن هذه األمور هي التي  يمكن أن تخزن عندنا وتحفظ حفظا. وأما األرض والسماء والبر والبحر

والكوكب واإلنسان فهي وإن كانت أشياء لكنها ال تخزن وال تتراكم، ولذلك نحكم بأن المراد من الشيء بعض من أفراده غير المحصورة، وكذا من الخزائن قليل من كثير، فقد عاد النظام الموجود في المصداق وهو أن

كثيرا من األشياء ال يخزن، وأن ما يختزن منها إنما يختزن في بناء حصين مأمون عن الغيلة والغارة، أوجب تقييدا عجيبا في إطالق مفهوم الشيء

والخزائن.

ثم إذا سمعنا الله تعالى ينزل على رسوله قوله: ﴿وإن من شيء إال 9﴾عندنا خزائنه

فإن لم ترق أذهاننا عن مستواها الساذج األولي فسرنا كالمه بعين ما فسرنا به كالم الواحد من الناس، مع أنه ال دليل لنا على ذلك البتة فهو

تفسير بما نراه من غير علم.

وإن رقت أذهاننا عن ذلك قليال، وأذعنا بأنه تعالى ال يخزن المال وخاصةعلومإذا سمعناه تعالى يقول في ذيل اآلية: بقدر م له إال ﴾وما ننز ﴿

زق فأحيا به األرض بعدأيضا: ماء من ر ﴿وما أنزل الله من الس حكمنا بأن المراد بالشيء الرزق من الخبز والماء، وأن المراد10﴾موتها

بنزوله نزول المطر ألنا ال نشعر بشيء ينزل من السماء غير المطر، فاختزان كل شيء عند الله ثم نزوله بالقدر كناية عن اختزان المطر

ونزوله لتهيئة المواد الغذائية. وهذا أيضا تفسير بما نراه من غير علم؛ إذ ال مستند له إال أنا ال نعلم شيئا من السماء غير المطر، والذي بأيدينا ها هنا

عدم العلم دون العلم بالعدم.

وإن تعالينا عن هذا المستوى أيضا واجتنبنا ما فيه من القول في القرآن ﴿وإن منبغير علم وأبقينا الكالم على إطالقه التام، وحكمنا أن قوله:

عندنا شيء إال

.21- سورة الحجر، اآلية: 9.5- سورة الجاثية، اآلية: 10

158

يبين أمر الخلقة، غير أنا لما كنا ال نشك في أن ما نجده من﴾خزائنه  األشياء المتجددة بالخلقة كاإلنسان والحيوان والنبات وغيرها ال تنزل من

﴿وإن من شيءالسماء، وإنما تحدث حدوثا في األرض، حكمنا بأن قوله: عندنا خزائنه كناية عن مطاوعة األشياء في وجودها إلرادة الله﴾إال

تعالى، وأن اإلرادة بمنزلة مخزن يختزن فيه جميع األشياء المخلوقة، وإنما يخرج منه وينزل من عنده تعالى ما يتعلق به مشيته تعالى. وهذا أيضا كما

ترى تفسير لآلية بما نراه من غير علم؛ إذ ال مستند لنا فيه سوى أنا نجد األشياء غير نازلة من عند الله بالمعنى الذي نعهده من النزول وال علم لنا

بغيره.

وإذا تأملت ما وصفه الله تعالى في كتابه من أسماء ذاته وصفاته وأفعاله ومالئكته وكتبه ورسله والقيامة وما يتعلق بها وحكم أحكامه ومالكاتها،

وتأملت ما نرومه في تفسيرها من إعمال القرائن العقلية، وجدت أن ذلككله من قبيل التفسير بالرأي من غير علم وتحريف لكلمه عن مواضعه.

من هنا يظهر أن التفسير بالرأي كما بيناه ال يخلو عن القول بغير علم كمايشير النبوي: من قال في القرآن بغير علم فليتبوأ مقعده من النار.

ومن هنا يظهر أيضا أن ذلك يؤدي إلى ظهور التنافي بين اآليات القرآنية من حيث إبطاله الترتيب المعنوي الموجود في مضامينها فيؤدي إلى وقوع اآلية في غير موقعها ووضع الكلمة في غير موضعها. ويلزمها تأويل بعض

القرآن أو أكثر آياتها بصرفها عن ظاهرها، كما يتأول المجبرة آيات االختيار، والمفوضة آيات القدر، وغالب المذاهب في اإلسالم ال يخلو عن

التأول في اآليات القرآنية وهي اآليات التي ال يوافق ظاهرها مذهبهم، فيتشبثون في ذلك بذيل التأويل استنادا إلى القرينة العقلية وهو قولهم إن

.11الظاهر الفالني قد ثبت خالفه عند العقل فيجب صرف الكالم عنه

.81ـ 78، ص 3- أنظر: تفسير الميزان، العالمة الطباطبائي، ج 11

159

خالصة الدرس

- يعتبر تفسير الميزان للعالمة الطباطبائي من التفاسير المهمة لكونهيعتمد المنهج الجامع.

- يعتبر السيد الطباطبائي بأن التفسير بالرأي يحتمل وجوها متعددة، أهمهاما يلي:

تفسير المتشابه الذي ال يعلمه إال الله،التفسير المقرر للمذهب الفاسد بأن يجعل المذهب أصال والتفسير تبعا،التفسير بأن مراد الله تعالى كذا على القطع من غير دليل،التفسير باالستحسان والهوى ومن دون االستناد إلى نظر في أدلة العربية ومقاصد الشريعة، وما ال بد منه من معرفة الناسخ

والمنسوخ وسبب النزول،القول بالقرآن بما يعلم أن الحق غيره،القول فيت، سواء علم أن الحق خالفه أم ال. القرآن بغير علم وتثب

- عند العالمة ليس المراد بالتفسير بالرأي النهي عن االجتهاد المطلق في تفسير القرآن بل بأن يستقل المفسر في تفسير القرآن بما عنده من

األسباب في فهم الكالم العربي، فيقيس كالمه تعالى بكالم الناس، فالتفسير بالرأي ال يخلو عن القول بغير علم كما يشير النبوي: من قال

في القرآن بغير علم فليتبوأ مقعده من النار.

ومن هنا يظهر أيضا أن ذلك يؤدي إلى ظهور التنافي بين اآليات القرآنية من حيث إبطاله الترتيب المعنوي الموجود في مضامينها فيؤدي إلى وقوع اآلية في غير موقعها ووضع الكلمة في غير موضعها. ويلزمها تأويل بعض

القرآن أو أكثر آياتها بصرفها عن ظاهرها.

160

الدرس الخامس عشر:

( منهج العرفاء والمتصوفين1منهج التفسير اإلشاري )

أهداف الدرس

- أن يتعرف الطالب إلى المنهج العرفاني اإلشاري1- أن يعدد على أهم التفاسير العرفانية واإلشارية 2

161

162

تمهيد

المنهج اإلشاري هو أحد المناهج القديمة في التفسير. وقد عرف بأسماء متنوعة، مثل التفسير الباطني، العرفاني، الشهودي، والرمزي، وكل من هذه األسماء يشير إلى نوع خاص من هذا التفسير. وهناك اختالف كبير

في وجهات النظر بين المفسرين والمحققين بالنسبة إلى هذا المنهج وأنواعه. فهناك من ارتضى بعض أقسامه واستفاد منه، ومنهم من رفضه

واعتبره من التأويل والباطن. ولتوضيح هذه المسألة وتمييز المنهج الصحيح من غير الصحيح في التفسير اإلشاري ال بد من دراسته بصورة دقيقة، وسوف نقوم في هذا الدرس بمناقشة التفسير اإلشاري وأنواعه

ومعاييره مع ذكر بعض األمثلة المتعددة.

معنى المنهج اإلشاري في التفسير

اإلشارة لغة بمعنى العالمة واإليماء والذي يعني اختيار أمر من األمور )من القول أو العمل أو الرأي(. وقد وردت هذه الكلمة في القرآن، كما في

﴾فأشارت إليهاآلية أي اختيار شيء وإرجاع لهم إليه.1﴿

. 29- سورة مريم، اآلية: 1

163

أما في االصطالح فاإلشارة تعني أن يستفاد شيء من الكالم دون أن يكون موضوعا له. واإلشارة قد تكون حسية كما هو الحال في ألفاظ

اإلشارة مثل )هذا(، وقد تكون ذهنية كاإلشارة للمعنى في الكالم، بحيث لو أراد التصريح به للزمه الكثير من الكالم. ثم إن اإلشارة قد تكون ظاهرة

وقد تكون خفية.

وعلى هذا يكون المراد من التفسير اإلشاري هو ما يطلق على اإلشارات الخفية الموجودة في آيات القرآن، والتي تعتمد على أساس العبور من

ظواهر القرآن واألخذ بالباطن، أي استخراج وفهم وتوضيح نكتة من اآلية ال.2توجد في ظواهر اآلية عن طريق داللة اإلشارة

وبسبب تعدد أنواع التفسير اإلشاري، كالتفسير الرمزي، العرفاني، الصوفي، الباطني، والشهودي، فقد تنوعت التعاريف تبعا لذلك، وهذا ما

سيتبين لنا من خالل ما سيأتي.

الواقع التاريخي لهذا المنهج

يرجع تأريخ بعض أقسام التفسير اإلشاري كالتفسير الباطني إلى صدر اإلسالم، أي إن جذور هذا المنهج توجد في أقوال وكالم النبي صلى الله

عليه وآله وسلم وأهل البيت عليهم السالم حيث روي عنهم: أن القرآن له . وقد أشارت بعض األحاديث إلى هذا النحو من التفسير فقد3ظاهر وباطن

روي في الحديث: "أن كتاب الله عز وجل على أربعة أشياء: على العبارة واإلشارة واللطائف والحقائق؛ فالعبارة للعوام، واإلشارة للخواص،

.4واللطائف لألولياء، والحقائق لألنبياء"

، نقال عن192- دروس في المناهج واالتجاهات التفسيرية، محمد علي الرضائي، ص 2.206ـ 205أصول التفسير وقواعده، خالد عبد الرحمن العك، ص

.95، ص 92- بحار األنوار، العالمة المجلسي، ج 3.278، ص 78 وج 20، ص92- م. ن، ج 4

164

وبسبب قبول جميع المسلمين بكون القرآن له باطن عميق، ومعان دقيقة ويحتوي على اإلشارات والكنايات، فقد أصبح الطريق مفتوحا لهذا النوع من التفاسير، حتى أن ابن عربي كتب: فكما أن تنزيل أصل القرآن على النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان من قبل الله فإن تنزيل فهمه على

قلوب المؤمنين من قبل الحق تعالى.

وقد اهتم بعض العرفاء والصوفيه ببعض األنواع من التفسير اإلشاري مثل التفسير الرمزي والشهودي والصوفي والعرفاني فيما بعد، ودونوا كتبا

متعددة في هذا المجال.

واعتبر العالمة الطباطبائي أن بداية هذا المنهج تعود إلى القرن الثانيوالثالث الهجري، أي بعد ترجمة الكتب الفلسفية اليونانية إلى اللغة العربية

5.

أهم تفاسير الصوفية وأهل العرفان

ـ تفسير التستري1

بدأ التفسير الباطني اعتمادا على تأويل اآليات منذ القرن الثالث على يد هـ(. فإن له تفسيرا على283 200أبي محمد سهل بن عبد الله التستري )

طريقة الصوفية جمعه أبو بكر محمد بن أحمد البلدي، وطبع في مصر سنة1908.

وكان التستري من كبار العارفين، وقد ذكرت له كرامات، أقام في البصرة زمنا طويال، وتوفي فيها. لم يتعرض لتفسير جميع القرآن، بل تكلم عن

آيات محدودة ومتفرقة من كل سورة، ونجده أحيانا ال يقتصر على التفسير اإلشاري وحده، بل ربما ذكر المعاني الظاهرة ثم يعقبها بالمعاني

والجار ذي القربى والجار الجنب ﴿اإلشارية. ومن ذلك تفسيره لآلية والصاحب بالجنب وابن

.705، ص 1- تفسير الميزان، العالمة الطباطبائي، ج 5

165

بيل حيث يقول بعد ذكره للتفسير الظاهر: وأما باطنها، فالجار ذي6﴾الس القربى هو القلب، والجار الجنب هو الطبيعة، والصاحب بالجنب هو العقل

.7المقتدي بالشريعة، وابن السبيل هو الجوارح المطيعة لله

لمي2 ـ حقائق التفسير للس

ثاني تفاسير الصوفية التي ظهرت إلى الوجود، تفسير أبي الرحمنلمي، المسمى بـ "حقائق التفسير". هو أبو عبد الرحمن محمد بن الس

لمي ) هـ(. كان شيخ الصوفية412ـ 330الحسين بن موسى األزدي الس ورائدهم بخراسان، وله اليد األولى في التصوف، وكان على جانب كبير

من العلم بالحديث، أخذ منه الحاكم النيسابوري والقشيري صاحبالتفسير.

وهذا التفسير من أهم تفاسير الصوفية، ويعد من أمهات المراجع للتفسير الباطني لمن تأخر عنه، وهو امتداد للتفسير الصوفي الذي ابتدعه التستري

من ذي قبل.

غير أن االقتصار على المعاني اإلشارية، واإلعراض عن المعاني الظاهرة في هذا التفسير، ترك للعلماء مجاال للطعن عليه، ولقي معارضات شديدة من معاصريه وممن أتوا بعده، فاتهم باالبتداع والتحريف، ووضع األحاديث

على الصوفية.

فقد حكم بعضهم بأن هذا التفسير إذا كان صاحبه يعتقد أنه تفسير للقرآن فقد كفر، وقال أخر بأن فيه وضعا واختالقا، وما روي فيه عن جعفر بن محمد الصادق عليه السالم عامته كذب على جعفر، وقال ثالث بأنه جاء

.8فيه بمصائب وتأويالت الباطنية

.36- سورة النساء، اآلية: 6 ، نقلناه عن التفسير والمفسرون، الشيخ محمد هادي45- تفسير التستري، ص 7

.936، ص 2معرفة، ج .965 964، ص 2- أنظر: م. ن، ج 8

166

لمي قال في اآلية ومن تأويالت الس ﴿ولو أنا كتبنا عليهم أن اقتلوانهم قليل م ا فعلوه إال ، اقتلوا9﴾أنفسكم أو اخرجوا من دياركم م

أنفسكم بمخالفة هواها، أو اخرجوا من دياركم، أي أخرجوا حب الدنيا من قلوبكم، ما فعلوه إال قليل منهم في العدد، كثير في المعاني وهم أهل

.10التوفيق والواليات الصادقة

﴾فيها فاكهة والنخل ذات األكماموفي قوله تعالى: يقول: قال11﴿ جعفر: جعل الحق تعالى في قلوب أوليائه رياض أنسه، فغرس فيها أشجار

المعرفة، أصولها ثابتة في أسرارهم، وفروعها قائمة بالحضرة في12المشهد، فهم يجنون ثمار األنس في كل أوان...

ـ لطائف اإلشارات للقشيري3

هو أبو القاسم عبد الكريم بن هوازن القشيري النيسابوري، ولد في هـ(، طلب العلم فبرع فيه وال سيما في الفقه والحديث376نيسابور )

لمي. واألدب واألصول والتفسير، درس على يد عبد الرحمن الس

وتفسيره هذا امتداد للتفسير الصوفي الباطني، معتمدا في أكثر األحيان على تأويالت قد ينبو عنها ظاهر لفظ اآلية الكريمة، وحاول في هذا

التفسير أن يبرهن على أن كل صغيرة وكبيرة في علوم الصوفية، فإن لها أصال في القرآن الذي ورد فيه مصطلحات للصوفية مثل: الذكر والتوكل

والرضا، والولي والوالية والحق، والظاهر والباطن..

.66- سورة النساء، اآلية: 9لمي، ص 10 .966، ص 2، تقلناه عن التفسير والمفسرون، ج 49- تفسير الس.11- سورة الرحمن، اآلية: 11لمي، ص 12 ، نقلناه عن التفسير والمفسرون، الشيخ محمد هادي344- تفسير الس

.976، ص 2معرفة، ج

167

﴿وعهدنا إلى إبراهيممن تفسيراته: يقول عند قوله تعالى: كع را بيتي للطائفين والعاكفين والر وإسماعيل أن طه

جود يقول: األمر في الظاهر بتطهير البيت، واإلشارة من اآلية إلى13﴾الس تطهير القلوب. وتطهير البيت بصونه عن األدناس واألوضار، وتطهير القلب بحفظه عن مالحظة األجناس واألغيار. وطواف الحجاج حول البيت معلوم

بلسان الشرع، وطواف المعاني معلوم ألهل الحق، فقلوب العارفين14المعاني فيها طائفة، وقلوب الموحدين الحقائق فيها عاكفة...

ـ كشف األسرار وعدة األبرار )تفسير الميبدي(4

وهو المعروف بتفسير الخواجا عبد الله األنصاري الذي وضع هذا التفسير،ثم بسطه ووضح مبانيه المولى أبو الفضل رشيد الدين الميبدي.

والخواجا هو أبو إسماعيل عبد الله بن محمد بن علي بن محمد األنصاري الهروي، من ذرية صاحب النبي صلى الله عليه وآله وسلم أبي أيوب

هـ( وقبره مزار مشهود هناك. يعتبر هذا481 396األنصاري، ولد بهراة ) التفسير من أكبر وأضخم التفاسير التي كتبت على الطريقة العرفانية

الصوفية، في عشرة مجلدات ضخام )باللغة الفارسية(.

وكان منهجه السير في ثالث نوبات: األولى: في التفسير الظاهري على حد الترجمة الظاهرية، والثانية: في بيان وجوه المعاني والقراءات وأسباب

النزول، وبيان األحكام وذكر األخبار، والثالثة: في بيان الرموز واإلشارات. 15العرفانية

هـ(.638ـ 560ـ تفسير ابن عربي )5

ـ عرائس البيان في حقائق القرآن ألبي محمد الشيرازي )ت:6هـ(.666

.125- سورة البقرة، اآلية: 13.969، ص 2، نقال عن التفسير والمفسرون، ج 136، ص 1- لطائف اإلشارات، ج 14.973 971ـ ص 2- أنظر: التفسير والمفسرون، الشيخ محمد هادي معرفة، ج 15

168

هـ( وأكمله عالء الدين654ـ التأويالت النجمية لنجم الدين داية )ت: 7 16هـ(736السمناني )ت:

المؤاخذات على التفاسير الصوفية والعرفانية

أهم ما يؤخذ على هذه التفاسير، هو ابتناؤها على الذوق والسليقة واألذواق والسالئق، بما أنها أحاسيس شخصية، فإنها تختلف حسب

المذاقات ومعطيات األشخاص وال تتفق على معيار عام شامل.

وإن شئت قلت: إنهم يرون مذاقاتهم في فهم النص، إلهامات وإشراقات لمعت بها خواطرهم أو سوانح وردت عليهم حسب استعداداتهم في تلقي

الفيوضات من المأل األعلى.

واإللهام واإللماع، إدراك شخصي بحت. وهي تجربة روحية وشخصية المستند العتبارها سوى عند صاحب التجربة فحسب.

ومن ثم ترى تفاسير أهل الذوق العرفاني قلما تتفق ولو في تفسير آية واحدة على نهج سوي وعلى تأويل متوازن ال تعريج فيه.. وال مبرر له سوى ما نبهنا عليه أنها ليست من التفسير وال من التأويل، وإنما هي

واردات قلبية.

مثال على ذلك: نجد القشيري يفسر البسملة في كل سورة غير تفسيرها في سائر السور.. بناء منه على أنها آية من كل سورة، وكل آية هي تجل

لنعت من نعوته تعالى: وال تكرار في التجلي، فيجب أن تكون في كل.17سورة بمعنى غير معناها في سائر السور

.998 984، ص 2- أنظر: التفسير والمفسرون، الشيخ محمد هادي معرفة، ج 16.954 953، ص 2- أنظر: م. ن، ج 17

169

خالصة الدرس

ـ المنهج اإلشاري في التفسير هو أحد المناهج القديمة في التفسير.

ـ المنهج اإلشاري له أسماء متعددة مثل: التفسير الباطني، العرفاني،الشهودي...

ـ المراد من التفسير اإلشاري هو ما يطلق على اإلشارات الخفية الموجودة في آيات القرآن الكريم، والتي تعتمد على أساس العبور من

ظواهر القرآن واألخذ بالباطن.

ـ المنهج اإلشاري له امتداد في التاريخ حيث يرجع إلى صدر اإلسالم، ولهجذور في أقوال النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته عليهم السالم.

ـ تعود بداية هذا المنهج إلى القرن الثاني والثالث الهجري.

- أهم تفاسير الصوفية:

ـ تفسير التستري.1

لمي. 2 ـ حقائق التفسير للس

ـ لطائف اإلشارات للقشيري.3

ـ كشف األسرار وعدة األبرار )الخوجا عبد الله األنصاري(.4

ـ تفسير ابن عربي.5

ـ من أهم المؤاخذات على التفاسير الصوفية والعرفانية هو ابتناؤها علىالذوق والسليقة والتي هي أحاسيس شخصية.

170

الدرس السادس عشر:

( تفسير العرفاء2اأقسام منهج التفسير اإلشاري )والصوفيين

أهداف الدرس

- أن يتعرف الطالب إلى أقسام التفسير اإلشاري ونماذجه1- أن يطلع على نماذج من التفسير الباطني الصحيح2- أن يدرك معايير التفسير الباطني الصحيح3

171

172

العرفان والتصوف

يمثل العرفان نظاما معرفيا متكامال، ينطوي على جانبين أساسين: عملي ونظري، وهكذا التصوف الحقيقي فإنه ينطوي على هذين االتجاهين، ففي الجانب العملي هو التجربة الحقيقية للعارف يمارسها عن طريق ترويض النفس، وتنقية القلب وصقله بواسطة المجاهدات الروحية، وبهذا يحصل

على التقوى والزهد وغيرها من الدرجات التي يحصل عليها الصوفي.

وأما الجانب النظري فهو يشابه إلى جانب كبير منه العرفان النظري. وهذاالتشابه جعل الكثيرين ال يميزون بين العرفان والتصوف.

وهذا ما يفرض علينا البحث في تعريف العرفان والتصوف.

العرفان النظري: هو فرع من فروع المعرفة اإلنسانية التي تحاول أن تعطي تفسيرا كامال عن الوجود ونظامه وتجلياته ومراتبه، أو فقل: هو

بصدد إعطاء رؤية كونية عن المحاور األساس في عالم الوجود وهي: "الله اإلنسان العالم"، ولذا قيل بأنه المعرفة الحاصلة عن طريق المشاهدة

.1القلبية ال بواسطة العقل، وال بفضل التجربة الحسية

- محاضرات في األيديولوجية المقارنة، محمد تقي مصباح اليزدي، ترجمة محمد عبد1.1، دار الحق، قم، ط 21 20المنعم الخاقاني، ص

173

أما العملي: فهو عبارة عن طريقة للوصول إلى الحق تعالى عن طريق االشتغال بالمجاهدات والرياضات حتى يتقوى اإلنسان ويتمكن من معرفة نفسه لتحريرها من عالئقها وقيودها لتتصل بالخالق تعالى. وهو يحتاج إلى

العمل المخلص بأحكام الدين.

أما التصوف فهو: منهج وطريقة زاهدة، مبتنية على أساس الشرع وتزكية النفس، واإلعراض عن الدنيا من أجل الوصول إلى الحق تعالى )وهذا

طبعا بالنسبة إلى الصوفية المقبولة شرعا(.

فالفارق بينهما إذا هو أن العرفان نظرية وسلوك، والتصوف ظاهرةاجتماعية ال تستبطن التنظير أو الرؤية.

ويستعمل العرفان في كلمات جملة من العرفاء مرادفا للتصوف، ولكنيراد به التصوف كطبقة اجتماعية فارغة من البعد النظري.

أقسام التفسير اإلشاري ونماذجه

ذكرنا سابقا أن التفسير اإلشاري ينقسم إلى أقسام مختلفة، فأحيانا يقسم إلى تفسير إشاري نظري وفيضي، وأخرى إلى تفسير إشاري رمزي وشهودي. وهناك من قسم التفسير اإلشاري إلى باطني غير صحيح

وباطني صحيح. ونحن سنتبع هذا التقسيم.

- التفسير اإلشاري الباطني غير الصحيح1

وهنا يقوم المفسر بتأويل آيات القرآن باالستفادة من الشهود الباطني، أو من خالل النظريات العرفانية، المنافية لظواهر القرآن وقواعد االستنباط

من الظاهر، ودون مراعاة الضوابط المعروفة للوصول إلى الباطن أو االستفادة من القرائن النقلية أو العقلية، ومن الواضح أن هذه الطريقة

تنتهي إلى التفسير بالرأي.

174

وتنقسم هذه الطريقة إلى عدة أنواع هي:

أ- منهج التفسير اإلشاري الشهودي )الفيضي(

في هذه الطريقة يستفيد المفسر من طريقة الكشف والشهود العرفاني،والتجليات القلبية في تفسير القرآن، متجاوزا حدود الظواهر.

مثال: ذكر التستري في تفسيره الباطني معنى "بسم الله" فقال: الباء: بهاء الله، والسين: سناء الله، الميم: مجد الله، الله: هو االسم األعظم

﴿وعهدناالذي حوى األسماء كلها، وقال بعض الصوفيين في تفسير اآلية: را بيتي للطائفين : األمر الظاهر﴾إلى إبراهيم وإسماعيل أن طه

بتطهير البيت، واإلرشاد من اآلية إلى تطهير القلب..وتطهير القلب بحفظه.2عن مالحظة األجناس واألغيار"

ب- منهج التفسير اإلشاري )النظري(

وهنا يقوم المفسر باستخدام المباني النظرية للعرفان النظري في تفسير آيات القرآن متجاوزا حدود الظاهر دون وجود أية قرينة عقلية أو نقلية

على هذا التأويل.

﴿نحن خلقناكم فلوالمثال: نقل عن الصوفية في تفسير اآلية قال: نحن خلقناكم بإظهاركم بوجودنا وظهورنا في صوركم.﴾تصدقون

﴾واذكر اسم ربكوفي سورة المزمل قال: واذكر اسم ربك الذي هو﴿.3أنت، أي اعرف نفسك واذكرها وال تنسها فينساك الله

- أنظر: هذه األمثلة وغيرها بالتفصيل في: دروس في المناهج واالتجاهات التفسيرية،2 ، والتفسير والمفسرون، الشيخ محمد هاذي205 204محمد علي الرضائي، ص

وما بعدها.939، ص2معرفة، ج - أنظر هذه األمثلة وغيرها بالتفصيل في: دروس في المناهج واإلتجاهات التفسيرية،3

، والتفسير والمفسرون، الشيخ محمد هادي205 204محمد علي الرضائي، ص وما بعدها.939، ص 2معرفة، ج

175

ج- منهج التفسير اإلشاري) الباطني(

أنكر بعضهم ظواهر القرآن والشرع، وقالوا إن المقصود الحقيقي للقرآن هو الباطن فقط، بل ذهبوا إلى أكثر من ذلك فقالوا إن ظواهر العباداتوالجنة والنار إشارات إلى أسرار المذهب وأشخاص معينين )رؤسائهم(.

مثال: قالوا إن المقصود من الصالة والزكاة والصوم والحج والعمرة والمسجد الحرام أشخاص معينين )أئمة الباطنية( وإن معرفة الدين تكمن

في معرفة ذلك الشخص.

المالحظات األساس على هذه المناهج

ـ إنها تقوم على أساس الشهود )حالة روحية للشخص نتيجة األذكار1 والتأمل( الذي يمكن أن يشتمل على مصاديق إلهية وشيطانية، ومن

الصعب تشخيص الحدود بين المكاشفات الشيطانية واإللهية، ثم إنها لو كانت صحيحة فهي حجة على أصحابها فقط وبمعونة اإليمان بصاحبها

تصبح حجة على اتباعه.

ـ إن القرآن الكريم لم ينزل على الصوفية فقط ليفسروه عن طريق2 مبانيهم، بل نزل لعموم الناس، ولهذا فإن ذلك يعتبر من منهج التفسير

بالرأي وال يمكن إقامة البرهان عليه.

ـ إن هذه الطريقة خارجة عن حدود الداللة اللفظية للقرآن، فهي ليست3 من باب التفسير بل هي صياغة آلراء ومباني التصوف والعرفان النظري

بقوالب قرآنية.

- منهج التفسير الباطني الصحيح2

أشارت بعض األحاديث الصادرة عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلمواألئمة عليهم السالم إلى أن للقرآن

176

ظاهرا وباطنا، بل بطونا متعددة، وهذا ما دعا بعض المفسرين إلى د هذا االهتمام بباطن اآليات باإلضافة إلى التفسير الباطني المعتبر. وقد أي

النوع من التفسير اإلشاري الصحيح كل من اإلمام الخميني والعالمة الطباطبائي، ألنه ال يتم فيه التأكيد على اإلشراقات والشهودات القلبية

والتأويالت التي ال تستند إلى أي دليل، وال يقوم على أساس تحميلالمباني النظرية على القرآن، وال يسلك منهج الباطنية في التأويل.

نماذج من التفسير الباطني الصحيح

من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في األرض﴿ـ قال تعالى: 1 فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس

. فقد جاء عن اإلمام الصادق عليه السالم أنه قال: "من حرق أو4﴾جميعا.5غرق ثم سكت ثم قال: "تأويلها األعظم أن دعاها فاستجابت له"

وفي الحديث عن اإلمام الباقر عليه السالم قال: " من حرق أو غرق، قيل.6فمن أخرجها من ضالل إلى هدى، قال: تأويلها األعظم"

إن ظاهر اآلية المتقدمة يتحدث عن قتل وإحياء اإلنسان، فقتل وإحياء أحدهم يعني قتل وإحياء جميع البشر، أما تأويلها )الباطني( فهو أهم وأعظم، ويأتي ذلك عن طريق إلغاء الخصوصية )قتل وإحياء الجسم

المادي( والحصول على قاعدة كلية تشمل كل أنواع اإلحياء؛ فإذا ما نجا اإلنسان من الضالل وهدي إلى صراط مستقيم فإن روحه سوف تحيا

بروح اإليمان واالستجابة لدعوة الحق؛ ومثل هذا العمل يعتبر إحياء لجميعالبشر.

.32- سورة المائدة، اآلية: 4 ، قم، منشورات إسالمي،31، ص 2- تفسير الصافي، لطف الله الكلبايكاني، ج 5

هـ.1370- م. ن.6

177

وفي الحديث، عن عبد الله بن سنان، عن ذريح المحاربي قال: قلت ألبي عبد الله عليه السالم: إن الله أمرني في كتابه بأمر فأحب أن أعمله، قال:

: ﴿ثم ليقضوا تفثهم وليوفوا"وما ذاك"؟ قلت: قول الله عز وجل قال عليه السالم: "ليقضوا تفثهم لقاء اإلمام وليوفوا نذورهم7﴾نذورهم

تلك المناسك، قال: عبد الله بن سنان فأتيت أبا عبد الله عليه السالم : ﴿ثم ليقضوا تفثهم وليوفوافقلت: جعلت فداك قول الله عز وجل

قال: أخذ الشارب وقص األظفار وما أشبه ذلك، قال: قلت:﴾نذورهم ﴿ليقضواجعلت فداك إن ذريح المحاربي حدثني عنك بأنك قلت له:

لقاء اإلمام وليوفوا نذورهم تلك المناسك، فقال: "صدق ذريح﴾تفثهم.8وصدقت إن للقرآن ظاهرا وباطنا، ومن يحتمل ما يحتمل ذريح"؟!

في مورد االستفادة العرفانية قدس سرهـ كتب اإلمام الخميني2 واألخالقية من آيات القرآن فقال: فلو أن شخصا قرأ وتأمل في المحاورة التي جرت بين موسى والخضر، وطبيعة التعامل فيما بينهما وقيام موسى

بشد رحاله مع سمو مقام نبوته طلبا لعلم لم يكن عنده، وكيفية عرضه ﴿هل أتبعك على أنحاجته على الخضر بالنحو الوارد في اآلية الكريمة:

ا علمت رشدا ، وجواب الخضر واعتذارات موسى9﴾تعلمن مم المتكررة، ثم استفاد من كل ذلك عظمة مقام العلم وبعض آداب تعامل

المتعلم مع المعلم التي قد يصل ما ورد منها في تلك اآليات إلى ما يقرب من العشرين أدبا..، ثم قال: إن الكثير من استفادات القرآن هي من هذا

.10القبيل

.29- سورة الحج: اآلية: 7.549، ص4- الكافي، ج8.66- سورة الكهف، اآلية: 9

درملكوت مشتمل بر آداب الصالة )رحلة إلى الملكوت ضمن كتاب آدابروازپ- 10.114، ص 2الصالة بالفارسية( اإلمام الخميني، ج

178

ـ ورد في قصة النبي يوسف عليه السالم أن إخوته وفي سبيل إحكام3 ﴿أرسله معنا غدا يرتعخطتهم إلبعاد يوسف عن أبيه قالوا ألبيهم:

. ظاهر اآلية يحكي عن حياة يوسف ومكر11﴾ويلعب وإنا له لحافظون إخوته إلبعاده عن أبيه، في حين أن هناك عبرة يمكن استخالصها من هذه

القصة وهي أن المخالفين لطريقة الهداية يحاولون أن يسرقوا أوالدكم بحجة اللعب والقضايا المادية، فال بد أن تحذروا من ذلك. وهذه المسألة

يمكن تطبيقها في كل وقت بعد إلغاء الخصوصيات الزمانية والمكانية واألفراد المذكورين في القصة، واستخراج قاعدة كلية وعبرة تصلح

للجميع، ويمكن أن نجد لهذه القصة مصاديق كثيرة في الوقت الحاضر، فالمستعمرون وعن طريق استخدام طرق متعددة من اللعب يسعون إلى

فصل جيل الشباب عن أمتهم وإلقائهم في التيه والضياع. فالقرآن لميقص علينا قصص لنتسلى بها، بل للعبرة.

عن اإلمام الرضا عليه السالم قال: "إن رجال سأل أبا عبد الله عليه السالم: ما بال القرآن ال يزداد عند النشر والدراسة إال غضاضة؟ فقال: ألن الله تبارك وتعالى لم يجعله لزمان دون زمان، وال لناس دون ناس،

.12فهو في كل زمان جديد، وعند كل قوم غض إلى يوم القيامة"

معايير التفسير اإلشاري الصحيح

ـ االلتفات إلى ظاهر اآلية وباطنها في آن واحد، أي يجب عدم إغفال1 ظاهر اآلية في التفسير، فعلى المفسر أن ال يدعي بأن تفسيره )المعنى اإلشاري( هو المراد الوحيد لآلية، وهذه الضابطة تستفاد من كالم العالمة

الطباطبائي وغيره.

.12- سورة يوسف، اآلية:11.15، ص 62- بحار األنوار، العالمة المجلسي، ج 12

179

رعاية المناسبة القريبة بين ظاهر الكالم وباطنه؛ أي ينبغي أن ال تكون-ـ2 الداللة الباطينة أجنبية عن االظواهر، ال مناسبة بينها وبين اللفظ، فإذا كان

معنى التأويل هو المفهوم المنتزع من الكالم، فال بد أن تكون هناك مناسبةلفظية تستدعي هذا االنتزاع.

ـ عدم منافاة التفسير اإلشاري لألدلة القطعية واآليات المحكمة في3القرآن.

ـ االستفادة من القرائن المعتبرة العقلية والنقلية )اآليات والروايات(.4

خالصة الدرس

ـ هناك تقسيمات متنوعة للتفسير اإلشاري، وأفضلها تقسيمه إلى قسمين:التفسير اإلشاري الباطني الصحيح وغير الصحيح.

ـ يعتمد التفسير اإلشاري الباطني غير الصحيح على النظريات العرفانية أو الشهود العرفاني واألمر الذوقي والذي ال يتمتع بأي ضابطة؛ مما ينتهي

ر إلى الوقوع في التفسير بالرأي. بالمفس

ـ يقسم التفسير اإلشاري غير صحيح إلى ثالثة أقسام: تفسير إشاريشهودي )فيضي(، وتفسير إشاري نظري، وتفسير إشاري باطني.

ـ معايير التفسير اإلشاري الصحيح عبارة عن: االلتفات إلى الظاهر والباطن معا، رعاية المناسبة القريبة بين الظاهر والباطن، الدقة في إلغاء

الخصوصية من الكالم، عدم مخالفة التفسير اإلشاري لمحكمات القرآنواألدلة العقلية.

180

السابع عشر: الدرس

االتجاه الكالمي في تفسير القرآن

الدرسأهداف

ر في االتجاه الكالمي1 - أن يتعرف الطالب إلى أكثر ما يهتم به المفس- أن يعدد أشهر المدارس الكالمية2 - أن يدرك أهم الموضوعات التي كانت مورد بحث في التفاسير الكالمية3.

181

182

تاريخيةنبذة

"الكالم" في اللغة بمعنى الحديث، أما في االصطالح فيطلق على علم العقائد. ولم يكن هناك اختالف ملحوظ في المسائل العقائدية في زمن

النبي صلى الله عليه وآله وسلم وإنما حدث ذلك بعد وفاته صلى الله عليه اتوآله وسلم وخصوصا في مسألة اإلمامة. واتسعت دائرة هذه الخالف

تدريجيا إلى مسائل صفات الله والنبي صلى الله عليه وآله وسلم ثم تكون علم الكالم في أواخر القرن األول الهجري وبداية القرن الثاني، وظهرت

هـ(.131 80المدرسة االعتزالية في الكالم بواسطة واصل بن عطاء ) هـ330وتبلورت مدرسة األشاعرة عن طريق أبي الحسن األشعري )ت: تقريبا( عاش في أواخر القرن الثالث الهجري وأوائل القرن الرابع

الهجري، ثم بعد ذلك ظهرت الفرقة الماتريدية. وقد تكونت المدرسة الكالمية للشيعة عن طريق أهل البيت عليهم السالم في بداية ظهور

اإلسالم والتي لها عقائد مستوحاة من القرآن الكريم وأحاديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم في مسألة اإلمامة والعصمة، ثم أصبحت أكثر ترتيبا

هـ(. وقد413 336وتنظيما على يد بعض العلماء أمثال الشيخ المفيد ) مارست هذه المدارس الكالمية التفسير أيضا، فكانت تأخذ من اآليات ما يوافق آراءها وتؤول اآليات المخالفة أو تقوم بتوجيهها بحق أو بغير حق؛

ومن هنا ظهرت االتجاهات الكالمية في

183

بأنواع مختلفة، وسوف نذكر بصورة مختصرة أهم هذه االتجاهاتالتفسير مع ذكر كتبهم التفسيرية.

الكالمياالتجاه

ر في االتجاه الكالمي هو:أكثر ما يهتم به المفس

ـ االهتمام بتفسير آيات العقائد )التوحيد العدل النبوة اإلمامة المعاد(.1

ـ االهتمام باآليات المتشابهة في القرآن.2

ـ إثبات عقائده ونفي عقائد اآلخرين عن طريق تفسير اآليات.3

ر هو الدفاع عن عقائد المسلمين أو الدفاع عن4 ـ إن بواعث المفسالمدرسة الكالمية التي يتبناها.

ـ االستفادة من المنهج االجتهادي والعقلي في التفسير، واتباع الطريقة5 االستداللية، إضافة إلى استخدام الروايات واآليات أيضا، ولهذا فقد تشتمل

التفاسير الكالمية على مناهج واتجاهات متعددة.

المدارس الكالمية في التفسيرأشهر

ـ االتجاه الكالمي االعتزالي في التفسير1

هـ(، ومن أهم الشخصيات131 80 هم أتباع واصل بن عطاء )المعتزلة هـ(، أبو الهذيل143البارزة في هذه المدرسة هم: عمرو بن عبيد )ت:

هـ(،255هـ(، الجاحظ )ت: 231هـ(، إبراهيم النظام )ت: 235العالف )ت: هـ(.538هـ( والزمخشري )ت: 415القاضي عبد الجبار المعتزلي )ت:

184

المعتزلة أن اإلنسان حر ومختار، وأن القرآن يمكن تفسيره عنيعتقد طريق العقل، وأنه يمكن إدراك كثير من الحقائق بواسطة العقل )دون

هداية الشرع(، وفي حالة تعارض الحديث مع العقل فإنهم يقدمون العقل، (،منزلتينوكذلك يعتقدون أن الفاسق ليس بمؤمن وال كافر )المنزلة بين ال

وأنه ال يمكن لإلنسان الحصول على المغفرة دون توبة. وكذلك يعتقدون بالتوحيد الصفاتي، وينكرون التوحيد األفعالي فهم من العدلية، حيث

يعتقدون بعدالة الله وأن أفعاله لها غاية وهدف، وكالمه مخلوق، ويحصرونالقدم بالله سبحانه وتعالى.

لوقد ل، حيث نك استمرت عقائد المعتزلة في االزدهار إلى زمن المتوكبهم في زمانه بشدة، ثم انتشر المذهب األشعري من ذلك الزمان.

أهم التفاسير الكالمية للمعتزلة هي:من

هـ(، وهو415ـ متشابه القرآن، القاضي عبد الجبار الهمداني )ت: 1شافعي في المذهب الفقهي، ومعتزلي في الكالم.

ـ تنزيه القرآن عن المطاعن، عبد الجبار المعتزلي.2

هـ( وقد538ـ الكشاف، أبو القاسم محمود بن عمر الزمخشري )ت: 3تعرض إلى المسائل األدبية واللغوية أيضا.

ـ أنوار التنزيل وأسرار التأويل )تفسير البيضاوي( القاضي ناصر الدين أبو4 الخير عبد الله بن عمر بن محمد بن علي البيضاوي الشافعي )ت:

هـ(، وقد كتب هذا التفسير باالعتماد على تفسير الكشاف685 للزمخشري، والمشهور أن البيضاوي أشعري المذهب، ولكن بعض

أنه معتزلي؛يعتقدونالمحققين

185

.1 أعطى أهمية كبيرة للعقل والعدل في تفسيرهألنه 

هـ(، وال322ـ جامع التأويل لمحكم التنزيل، أبو مسلم األصفهاني )ت: 5 يوجد أصل هذا التفسير ولكن الفخر الرازي نقل عنه في تفسيره، وكذلك

الطبرسي في مجمع البيان، وقد طبعت آراء أبي مسلم األصفهاني التفسيرية في مصر وإيران بصورة مستقلة، ويتميز أبو مسلم بمنهجه

في التفسير.ليالعق

ـ وهناك تفاسير أخرى للمعتزلة ليست في متناول اليد اآلن، مثل: تفسير6 هـ(، محمد بن عبد الوهاب240أبي بكر عبد الرحمن بن كيان األصم )ت:

هـ(. وهناك تفسير كبير لعبد السالم303بن سالم )أبو علي الجبائي )ت: هـ( شيخ المعتزلة.483بن محمد بن يوسف )ت:

ـ االتجاه الكالمي األشعري في التفسير2

هـ تقريبا(، ومن أهم330هم أتباع أبي الحسن األشعري )ت: 2األشاعرة هـ(، أبو403الشخصيات البارزة عندهم: القاضي أبو بكر الباقالني )ت:

إسحاق األسفرايني، إمام الحرمين الجويني، اإلمام محمد الغزالي )ت:هـ(، واإلمام الفخر الرازي.505

أهم التفاسير الكالمية المدونة لألشاعرة هي:من

هـ(، وهو في333ـ تأويالت القرآن، أبو منصور محمود الماتريدي )ت: 1الفقه

.430، ص 2- التفسير والمفسرون، الشيخ محمد هادي معرفة، ج 1 - األشاعرة ال يعتقدون بحرية واختيار اإلنسان، ويقولون بأن أعماله مخلوقة من قبل2

الله سبحانه وتعالى، وال يذهبون إلى أن اإلنسان خالق ألفعاله، بل يقولون بالكسب، وال يعتقدون بالحسن والقبح الذاتي لألفعال، بل إن الحسن والقبح عندهم هو ما حسنه أو

وكذلك يعتقدون بأن العدل شرعي وليس عقليا )ولهذا السبب اعتبروا،قبحه الشارع من منكري العدل(، ويذهبون إلى أن اإلنسان الفاسق يعتبر مؤمنا، وأنه يمكن أن

تشمل المغفرة العصاة دون توبة، ويعتقدون بالشفاعة ويرفضون التوحيد الصفاتي، والقدر اإللهي وإرادته عامة في جميعءويؤكدون على التوحيد األفعالي، وأن القضا

الحوادث، وأن الشر والخير من الله سبحانه وتعالى، وكالم الله قديم )الكالم النفسي وليس الكالم اللفظي(، وأن أفعال الله ليست معللة وليس لها غاية، وأن الله سوف

يجوز التكليف بما الوأنهيرى يوم القيامة بالعين المادية، وأن العالم حادث زماني، يطاق.

186

أتباع مذهب أبي حنيفة، ويميل إلى المدرسة الكالمية األشعرية.من 

ـ مدارك التنزيل وحقائق التأويل )تفسير النسفي(، عبد الله بن أحمد بن2 محمود بن محمد النسفي )القرن السابع(. وقد دون هذا الكتاب من أجل

نقد آراء الزمخشري في الكشاف، والنسفي من أئمة المذهب الحنفي فيزمانه.

ـ بيان المعاني، عبد القادر المال حويش آل غاري، حنفي المذهب، ومن3أتباع المذهب األشعري في الكالم.

ويطلق3هـ(602ـ مفاتيح الغيب )التفسير الكبير( للفخر الرازي )ت: 4 عليه إمام المشككين، وقد أسرف في ذكر المباحث الكالمية حتى قيل في

تفسيره: فيه كل شيء إال التفسير. ورغم كونه أشعريا في الكالم، ولكنه.4قد يتكلم خالف العقيدة األشعرية في بعض األحيان

ـ االتجاه الكالمي للشيعة في التفسير3

هم أتباع األئمة اإلثني عشر - من اإلمام علي عليه السالم إلىالشيعة اإلمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف -، وقد استفاد الشيعة من

أئمة أهل البيت عليهم السالم في القرون األولى، وأخذوا عنهم أهم الغيبةالمسائل الكالمية، وقد شاع المذهب الكالمي للشيعة بعد انتهاء

هـ(،329الصغرى إلمام العصرعجل الله تعالى فرجه الشريف سنة ) بواسطة علماء الشيعة الكبار أمثال: الشيخ المفيد، والسيد المرتضى،

والشيخ الطوسي، والخواجة نصير الدين الطوسي، و...

هـ(، أنظر: التفسير والمفسرون، الشيخ محمد606- وهناك من قال أن سنة وفاته )3.406، ص2هادي معرفة، ج

.415-414- م. ن، ص 4

187

الشيعة بالتوحيد الصفاتي، والعدل اإللهي، وقد أعطوا أهمية لكل منتعتقد العقل والنقل، وذهبوا إلى أن اإلنسان مختار في أفعاله )ليس بصورة

مطلقة ولكن أمر بين أمرين(، وينكرون التكليف بما ال يطاق، ويعتقدون . ومن أهمرةبأن الله ال يرى بالعين المادية ال في الدنيا وال في اآلخ

المسائل الكالمية للشيعة هو االعتقاد بإمامة أمير المؤمنين عليه السالم ، واألئمة اإلثني عشر عليهم السالم ، وكذلك االعتقاد بعصمة األنبياء واألئمة

عليهم السالم. وأما االتجاه التفسيري للشيعة فهو االلتفات إلى كل منالظاهر والباطن للقرآن.

أهم التفاسير الكالمية للشيعة هي:من

ـ غرر الفوائد ودرر القالئد )أمالي السيد المرتضى(، الشريف المرتضى1هـ(، والذي جمع بين الظاهر والباطن.436)ت:

هـ(.460ـ تفسير التبيان، الشيخ أبو جعفر الطوسي )ت: 2

هـ( رغم كون548ـ تفسير مجمع البيان، أبو علي الطبرسي )ت: 3 التفسيرين المذكورين من التفاسير الجامعة ولكنهما كثيرا ما يهتمان

بالمباحث الكالمية.

هـ(،588ـ متشابه القرآن ومختلفه، ابن شهر آشوب المازندراني )ت: 4وقد دون هذا التفسير بصورة موضوعية.

هـ(،488ـ حدائق ذات بهجة، أبو يوسف عبد السالم القزويني )ت: 5 ويشمل جميع آيات القرآن وهذا التفسير كان موجودا حتى زمان

الصفويين.

ـ بالبل القالقل، أبو مكارم محمد بن محمد الحسني )القرن السابع(6باللغة الفارسية. وقد بدأ باآليات التي تبدأ بلفظ "قل".

188

ـ دقائق التأويل وحقائق التنزيل، أبو المكارم محمد بن محمد الحسني،7 ﴿يا أيها الذينوقد فسر اآليات التي تشتمل على العبارات التالية:

، . ﴾آمنوا ﴾إن الذين آمنوا ﴿

جالء األذهان وجالء األحزان، أبو المحاسن حسين بن الحسن الجرجاني8 )القرن الثامن( باللغة الفارسية، وهو مأخوذ من تفسير أبي الفتوح الرازي

الشيعي إلى حد ما.

ـ لوامع التنزيل وسواطع التأويل، أبو القاسم الرضوي الالهوري )ت:9هـ(، باللغة الفارسية، والمؤلف من علماء الهند.1324

هـ(، وآخر هذا1352 1282ـ آالء الرحمن، محمد جواد البالغي النجفي )10 ( من سورة النساء، وكثيرا ما يتعرض إلى المسائل57التفسير هو اآلية )

الكالمية بين األديان.

1321ـ الميزان في تفسير القرآن، محمد حسين الطباطبائي )11 هـ( باللغة العربية، وهو يتعرض كثيرا إلى المباحث االعتقادية1402

)وخصوصا في المجلدات األولى من تفسيره(، ورغم أن منهجه هو تفسيرالقرآن بالقرآن ولكنه يهتم كثيرا بالمباحث الكالمية والفلسفية.

هـ(.1414 - 1328ـ مواهب الرحمن، السيد عبد األعلى السبزواري )12

ـ تفسير نمونه، الشيخ ناصر مكارم الشيرازي ومعاونوه )معاصر(،13فارسي.

ـ تفسير "كالمي قرآن مجيد"، بالفارسية، محمد حسين الروحاني.14 تعرض فيه إلى المباحث االعتقادية للشيعة والدفاع عنها، وإن كان تفسيره

جامعا ذا اتجاه اجتماعي.

189

النماذج

أهم الموضوعات واآليات التي كانت مورد بحث ونقاش في التفاسيرمنالكالمية هي:

ـ التوحيد الصفاتي1

ـ التوحيد األفعالي2

، عصمة األنبياء عليه السالم 3

ـ العدل اإللهي4

ـ اإلمامة وخالفة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم 5

ـ الهداية والضالل وعالقتهما بحرية واختيار اإلنسان6

ـ رؤية الله بالعين وعالقة ذلك بمسألة التجسيم والتشبيه.7

: قال إسحاق المروزي، وهو من الحنابلة أشعري الكالم في اآليةمثالد به نافلة لك عسى أن يبعثك ربكالكريمة ﴿ومن الليل فتهج

حمودا . إن الله سبحانه يقعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم5﴾مقاما م على تهجده، في حين نفى المعتزلة هذامعه على العرش وذلك جزاء له

المعنى وقالوا: "إن حديث الجلوس على العرش محال، ووقعت الفتنة.6فقتل بينهم عدد كبير!! واضطر الجند إلى التدخل إليقافها"

﴿وجوه يومئذ ناضرة * إلى ربها بالنسبة إلى اآلية الشريفة وكذلك فقد ذهب بعض المفسرين إلى أن الله سوف يرى في اآلخرة،7﴾ناظرة

.79- سورة اإلسراء، اآلية: 5.121،ص5- أنظر:تاريخ ابن أثير،ج6.23ـ 22- سورة القيامة، اآليتان: 7

190

وهناك  . وأما المعتزلة8 روايات في صحيح البخاري تؤيد هذا المعنى أيضا ﴿ال تدركه األبصار وهوفقالت: إن ظاهر اآلية يتعارض مع اآلية الكريمة

وأن هذا المعنى رؤية الله في اآلخرة هو من المعاني 9﴾يدرك األبصارالمجازية.

في تفسير اآلية السابقة: "والمراد قدس سره العالمة الطباطبائيقال بالنظر إليه تعالى ليس هو النظر الحسي المتعلق بالعين الجسمانية

المادية التي قامت البراهين القاطعة على استحالة في حقه تعالى، بل المراد النظر القلبي ورؤية القلب بحقيقة اإليمان على ما يسوق إليه

.10 ويدل عليه األخبار المأثورة عن أهل العصمةرهانالب

8. اضرة وجوه يومئذ ن ﴾- صحيح البخاري، كتاب التوحيد، باب قوله تعالى: ﴿.103- سورة األنعام، اآلية: 9

.198، ص 20- تفسير الميزان، العالمة الطباطبائي، ج 10

191

الدرسخالصة

ر في االتجاه الكالمي هو: - أكثر ما يهتم به المفس

بتفسير آيات العقائد،االهتمام باآليات المتشابهة في القرآن، إثباتاالهتمام عقائده ونفي عقائد اآلخرين عن طريق تفسير اآليات، إن بواعث المفسر

هو الدفاع عن عقائد المسلمين أو الدفاع عن المدرسة الكالمية التي واتباعلتفسير،يتبناها، االستفادة من المنهج االجتهادي والعقلي في ا

الطريقة االستداللية، إضافة إلى استخدام الروايات واآليات أيضا، ولهذافقد تشتمل التفاسير الكالمية على مناهج واتجاهات متعددة.

- أشهر المدارس الكالمية في التفسير عبارة عن:

االعتزالي، األشعري، الشيعي، وقد ذكرنا بعض كتب التفسير ذاتاالتجاهاالتجاه الكالمي لكل من هذه المدارس.

- من أهم الموضوعات واآليات التي كانت مورد بحث ونقاش في التفاسير الكالمية هي: التوحيد الصفاتي،التوحيد األفعالي، عصمة األنبياء عليه السالم ، العدل اإللهي،اإلمامة وخالفة الرسول صلى الله عليه وآله

وسلم ، الهداية والضالل وعالقتهما بحرية واختيار اإلنسان، رؤية الله بالعينالمادية وعالقة ذلك بمسألة التجسيم والتشبيه.

192

الثامن عشر:الدرس

التفسير على ضوء منهج األشعري

الدرسأهداف

- أن يتعرف الطالب إلى نموذج تطبيقي للتفسير على ضوء المنهج1األشعري

193

194

هـ( ممن606 543 فخر الدين محمد بن عمر بن الحسين الرازي )إن فسر كثيرا من اآليات القرآنية على ضوء مذهبه ومنهجه الذي يتبعه وهو

مذهب اإلمام األشعري، وهو أشعري في العقيدة، شافعي في الفقه،فلنذكر نماذج من

.تفاسيره

ـ جواز التكليف بما ال يطاق1

جواز التكليف بما ال يطاق من مذاهب األشاعرة ولقد احتج الرازي علىإنمذهبهم باآليات التالية:

﴿إن الذين كفروا سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم ال.1﴾يؤمنون

﴾لقد حق القول على أكثرهم فهم ال يؤمنون ﴿2.

مدودا * وبنين ﴿ذرني ومن خلقت وحيدا * وجعلت له ماال مدت شهودا * ومه

.6- سورة البقرة، اآلية: 1.7- سورة يس، اآلية: 2

195

له تمهيدا * ثم يطمع أن أزيد * كال إنه كان آلياتنا عنيدا *  .3﴾سأرهقه صعودا

﴾تبت يدا أبي لهب وتب ﴿4.

أخذ بتقرير داللة هذه اآليات على جواز التكليف بما ال يطاق بوجوه:ثم

- أنه تعالى أخبر عن أشخاص معينين أنهم ال يؤمنون قط، فلو صدر منهم1اإليمان، لزم انقالب خبر الله تعالى الصادق كذبا.

2 - أنه تعالى لما علم منهم الكفر، فكان صدور اإليمان منهم مستلزماالنقالب علمه تعالى جهال.

- أنه تعالى كلف هؤالء الذين أخبر عنهم بأنهم ال يؤمنون باإليمان البتة،3 واإليمان يعتبر فيه تصديق الله تعالى في كل ما أخبر عنه، ومما أخبر عنه أنهم ال يؤمنون قط، فقد صاروا مكلفين بأن يؤمنوا بأنهم ال يؤمنون قط،

.5 النفي واإلثباتبينوهذا تكلف بالجمع

عليه: أن الوجدان السليم والعقل الفطري يحكم بامتناع تكليف مايالحظ ال يطاق، فال تنقدح اإلرادة في لوح نفس اآلمر وضمير روحه إذا علم أن

المأمور غير قادر على العمل، ولذلك فإن مرجع التكليف بما ال يطاق إلى ولذلك يقول سبحانهمحاال،كون نفس التكليف ال يكلف الله نفسا إال :﴿

.6﴾وسعها

الوجوه التي اعتمد عليها الرازي فموهونة جدا، وذلك ألن علمه تعالىوأما األزلي الذي اعتمد عليه الرازي في الوجهين األولين لم يتعلق بصدور كل

فعل عن فاعله على وجه اإلطالق، بل تعلق علمه بصدور كل فعل عنفاعله حسب

.17ـ 11- سورة المدثر، اآليات: 3.1- سورة المسد، اآلية:4، المكتبة العصرية، صيدا، د. ت.42، ص 2- تفسير الرازي، محمد بن إدريس، ج 5.286- سورة البقرة، اآلية: 6

196

الموجودة فيه، وعلى ضوء ذلك تعلق علمه األزلي بصدورالخصوصيات الحرارة من النار على وجه الجبر، بال شعور كما تعلق علمه األزلي بصدور الرعشة من المرتعش، عالما بال اختيار، ولكن تعلق علمه سبحانه بصدور

فعل االختياري منه بقيد االختيار والحرية، فتعلق علمه بوجود اإلنساناإلنسان

وكونه فاعال مختارا وصدور فعله عنه اختيارا فمثل هذا العلم يؤكد االختيارويدفع الجبر عن ساحة اإلنسان.

شئت قلت: إن العلة إذا كانت عالمة شاعرة، ومريدة ومختارةوإن كاإلنسان، فقد تعلق علمه بصدور أفعالها منها بتلك الخصوصيات وانصباغ

فعلها بصبغة االختيار والحرية، فلو صدر فعل اإلنسان منه بهذه الكيفيةكان علمه سبحانه مطابقا

غير متخلف عنه، وأما لو صدر فعله عنه في هذا المجال عن جبرللواقع واضطرار بال علم وشعور، أو بال اختيار وإرادة، فعند ذلك يتخلف علمه عن

الواقع.

عرفت ذلك فلنرجع إلى تحليل ما ذكره الرازي بلفظه، قال:إذا

صار منهم اإليمان لزم انقالب خبر الله تعالى الصادق كذبا، فنقول:فلو

هؤالء ال يصدر منهم اإليمان إلى يوم القيامة قطعا لكن ال من جهةإن إخباره سبحانه عنه بل ألجل اختيارهم وانتخابهم عدم اإليمان إلى يوم

القيامة، فاإلخبار عن عدم تدينهم شيء، وكون اإليمان خارجا عن االختيارشيء آخر، واآلية تخبر

األول دون الثاني.عن

يظهر ضعف كالمه الثاني حيث قال: "فكان صدور اإليمان منهمومنه مستلزما النقالب علمه تعالى جهال"، وذلك ألنه سبحانه أخبر عن عدم

صدور اإليمان وبما أنه مخبر صادق ال يصدر منهم اإليمان لكن ال ألجل أنالله أخبر عنه، بل

197

مبادئ كامنة في أنفسهم تجرهم إلى عدم اإليمان، فاإلخبار عن عدمألجل اإليمان شيء وكون اإليمان خارجا عن اختيارهم شيء آخر، واآلية تخبر

عن األول دون الثاني.

ذكرنا من التحليل تقدر على تحليل الوجه الثالث إذ نمنع أنهم كانواوبمامكلفين بعدم اإليمان بل كان أبو لهب مكلفا بالتوحيد والرسالة فقط.

ـ إمكان رؤية الله 2

األشاعرة إلى جواز رؤيته سبحانه يوم القيامة، وهذا هو األصلذهبت البارز في مدرستهم الكالمية، ثم إن هناك آيات تدل بصراحتها على امتناع رؤيته سبحانه فحاولوا إخضاع اآليات لنظريتهم، وإليك نموذجا واحدا، يقول

سبحانه:

هو خالق كل شيء فاعبدوه وهو ﴿ذلكم الله ربكم ال إله إال على كل شيء وكيل * ال تدركه األبصار وهو يدرك األبصار وهو

.7﴾اللطيف الخبير

المعلوم أن اإلدراك مفهوم عام ال يتعين في البصري أو السمعي أوومن العقلي، فاإلدراك بالبصر يراد منه الرؤية بالعين، واإلدراك بالسمع يراد منه

السماع، هذا هو ظاهر اآلية، وهي تنفي إمكان اإلدراك بالبصر علىاإلطالق.

وقف الرازي على أن ظاهر اآلية أو صريحها ال يوافق أصله الكالمي،ولما ألنها ظاهرة في نفي اإلدراك بالبصر، قال: إن أصحابنا )األشاعرة( احتجوابهذه اآلية على أنه يجوز رؤيته والمؤمنون يرونه في اآلخرة، وذلك لوجوه:

.103ـ 102- سورة األنعام، اآليتان: 7

198

- أن اآلية في مقام المدح فلو لم يكن جائز الرؤية لما حصل التمدحأ﴾ال تدركه األبصاربقوله: أال ترى أن المعدوم ال تصح رؤيته، والعلوم﴿

والقدرة واإلرادة والروائح والطعوم ال تصح رؤية شيء منها وال يمدح شيء﴾ال تدركه األبصار فثبت أن قوله: ﴾﴿ال تدركه األبصارمنها في كونها ﴿

ال يفيد المدح، إال إذا صحت الرؤية.

غفلة الرازي عن أن المدح ليس بالجزء األول فقط، أعني: والعجب ﴿ال ، بل المدح بمجموع الجزأين المذكورين في اآلية كأنه﴾تدركه األبصار

سبحانه يقول: والله جلت عظمته يدرك أبصاركم، ولكن ال تدركه أبصاركم،فالمدح بمجموع القضيتين ال بالقضية األولى.

- أن لفظ "األبصار" صيغة جمع دخل عليها األلف والالم فهي تفيدب االستغراق بمعنى أنه ال يدركه جميع األبصار، وهذا ال ينافي أن يدركه بعض

.8األبصار

عليه: أن اآلية تفيد عموم السلب ال سلب العموم، بقرينة كونه فييالحظمقام بيان رفعة ذاته، وشموخ مقامه.

سبحانه يقول:كأنه

"ال يدركه أحد من جميع ذوي األبصار من مخلوقاته ولكنه تعالى يدركهم، ﴿كذلك يطبع الله على كل قلب متكبروهذا نظير قوله سبحانه:

.9﴾جبار

غير ذلك من الوجوه الواهية التي ما ساقه إلى ذكرها إال ليخضع اآلية،إلىلمعتقده.

. 125، ص 13- تفسير الرازي، محمد بن إدريس، ج 8.35- سورة غافر، اآلية: 9

199

الدرسخالصة

- إن فخر الدين الرازي ممن فسر كثيرا من اآليات القرآنية على ضوء مذهبه ومنهجه الذي يتبعه وهو مذهب األشعري وقد ذكرنا نماذج من

تفاسيره:

ـ جواز التكليف بما ال يطاق1

ـ إمكان رؤية الله 2

ناقشناه ورددنا عليه قوله.وقد

200

التاسع عشر:الدرس

تفسير اآليات على ضوء مدرسة االعتزال )نموذج تطبيقي(

الدرسأهداف

- أن يتعرف الطالب إلى نموذج تطبيقي للتفسير على ضوء المنهج1االعتزالي

201

202

ـ الشفاعة حط الذنوب أو رفع الدرجة1

الشفاعة لم تكن فكرة جديدة ابتكرها اإلسالم وانفرد بها، بل كانتإن فكرة رائجة بين جميع أمم العالم من قبل وخاصة بين الوثنيين واليهود.

نعم إن اإلسالم قد طرحها مهذبة من الخرافات. ومن وقف على آراءاليهود والوثنيين في أمر

يقف على أن الشفاعة حسب اعتقادهم كانت مبنية على رجائهمالشفاعة لشفاعة أنبيائهم أو أوثانهم في حط الذنوب وغفران آثامهم، وألجل هذا

االعتقاد كانوا يقترفون المعاصي ويرتكبون الذنوب، تعويال على ذلكالرجاء، فاآليات النافية

والمثبتة لها تحت شرائط خاصة كلها راجعة إلى الشفاعة بهذاللشفاعة المعنى فلو نفيت فالمنفي هو هذا المعنى، ولو قبلت فالمقبول هو هذا المعنى. إن اآليات الواردة في مجال الشفاعة على سبعة أنواع ال يصح

تفسيرها إال بتفسير بعضها وتمييز القسم المردود منها عن المقبول.ببعض،

ذلك نرى أن المعتزلة يخصون آيات الشفاعة بأهل الطاعة دونومع العصاة ويرتكبون التأويل في موردها، وما هذا إال للموقف الذي اتخذوه

في حق العصاة ومقترفي الذنوب، في أبحاثهم الكالمية، فقالوا بخلود أهلالعصيان في النار إذا

بال توبة.ماتوا

203

القاضي عبد الجبار: إن شفاعة الفساق الذين ماتوا على الفسوق ولمقال يتوبوا، )تتنزل( منزلة الشفاعة لمن قتل ولد الغير، وترصد لآلخر حتى

.1يقتله، فكما أن ذلك يقبح، فكذلك هاهنا

دفع القاضي إلى تصوير الشفاعة في حق المذنب بما جاء فيوالذي المثال، هو اعتقاده الراسخ باألصل الكالمي الذي يعد أصال من أصول منهج

االعتزال )خلود العاصي إذا مات بال توبة في النار( وفي الوقت نفسهيعرب عن غفلته عن

الشفاعة، فإن بعض الذنوب الكبيرة تقطع العالئق اإليمانية باللهشروط سبحانه كما تقطع األواصر الروحية بالشفيع، فأمثال هؤالء العصاة

محرومون من الشفاعة، وقد وردت في الروايات اإلسالمية شروطالشفاعة وحرمان طوائف منها.

افترضنا صحة ما ذكره من التمثيل فحكمه بحرمان العصاة منولوالشفاعة اجتهاد في مقابل نصوص اآليات وإخضاع لها لمدرسته الفكرية.

ا رزقناكم من الزمخشري في تفسير قوله سبحانه: يقول ﴿أنفقوا مم﴾وال خلة: 2﴾قبل أن يأتي يوم ال بيع فيه وال خلة وال شفاعة ﴿

حتى يسامحكم أخالؤكم به، وإن أردتم أن يحط عنكم ما في ذمتكم من لكم في حط الواجبات، ألن الشفاعة ثمةشفعالواجب لم تجدوا شفيعا ي

.3في زيادة الفضل ال غير

عليه: أن اآلية بصدد نفي الشفاعة بالمعنى المتعارف بين اليهوديالحظ والوثنيين ألجل أنهم من المشركين، وانقطاع صلتهم عن الله سبحانه، ﴿منوبالتالي إثباتها في حق غيرهم بإذنه سبحانه ويقول في اآلية التالية:

بإذنه يع ، وأما أن ﴾لمذا الذي يشفع عنده إال الشفاعة زيادة الفضل ال حط الذنوب فهوحقيقة

.688- شرح األصول الخمسة، عبد الجبار المعتزلي، ص 1.254- سورة البقرة، اآلية: 2 من سورة البقرة،254 في تفسير اآلية رقم 291، ص 1- الكشاف، الزمخشري، ج 3

م1966هـ 1385دار الكتاب العربي، مصر،

204

تحميل  للعقيدة على اآلية، فلو استدل القائل بها على نفي الشفاعة بتاتا لكان أولى من استدالله على نفي الشفاعة للكفار، وذلك ألن المفروض أن الشفاعة بمعنى زيادة الفضل ال حط الذنوب، وهو ال يتصور في حق

الكفار ألنهم ال يستحقون الثواب فضال عن زيادته.

- هل مرتكب الكبيرة يستحق المغفرة أم ال؟2

4 المعتزلة على أن مرتكب الكبيرة مخلد في النار إذا مات بال توبةاتفقت

وفي ضوء ذلك التجأوا إلى تأويل كثير من اآليات الظاهرة في خالفه نذكرمنها آيتين:

﴿وإن ربك لذو مغفرة للناس على ظلمهم: يقول سبحانه: األولى.5﴾وإن ربك لشديد العقاب

ظاهرة في أن مغفرة الرب تشمل الناس في حال كونهم ظالمين،فاآلية ومن المعلوم أن اآلية راجعة إلى غير صورة التوبة وإال فال يصح وصفهم بكونهم ظالمين، فلو أخذنا بظاهر اآلية فهو يدل على عدم جواز الحكم

القطعي بخلود مرتكب في النار إذا مات بال توبة، لرجاء شمول مغفرة الرب له، ولما كانالكبيرة

ظاهر اآلية مخالفا لألصل الكالمي عند صاحب الكشاف، حاول تأويل اآليةبقوله: "فيه أوجه:

﴾على ظلمهمـ أن يريد بقوله 1 السيئات المكفرة لمجتنب الكبائر.﴿

ـ أو الكبائر بشرط التوبة.2

.6ـ أو يريد بالمغفرة الستر واإلمهال3

خبير بأن كل واحد من االحتماالت مخالف لظاهر اآلية أو صريحها.وأنت

، وشرح األصول الخمسة، عبد الجبار14- أنظر: أوائل المقاالت، الشيخ المفيد، ص 4.659المعتزلي، ص

.6- سورة الرعد، اآلية: 5.158، ص 2- الكشاف، الزمخشري، ج 6

205

﴿إن الله ال يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن: الثانية.7﴾يشاء

واردة في حق غير التائب، ألن الشرك مغفور بالتوبة أيضا، فيعودواآلية نتيجة ذلك عدم جواز الحكم القطعي بخلود مرتكب الكبائر في النار، ولما

كان مفاد اآلية مخالفا لما هو المحرر في المدرسة الكالمية للمعتزلة حاولصاحب الكشاف

اآلية فقال:تأويل

﴿لمن أن يكون الفعل المنفي والمثبت جميعا موجهين بقوله تعالى: الوجه كأنه قيل: "إن الله ال يغفر لمن يشاء الشرك ويغفر لمن يشاء ما﴾يشاء

دون الشرك" على أن المراد باألول من لم يتب وبالثاني من تاب، نظيرقولك: إن األمير ال يبذل

ويبذل القنطار لمن يشاء، تريد اليبذل الدينار لمن ال يستأهله ويبذلالدينار.8القنطار لمن يستأهله

عليه: أن ما ذكره خالف ظاهر اآلية وقد ساقته إليه مدرستهيالحظ الكالمية فنزل األول في غير مورد التوبة، والثاني موردها، حتى تتفق اآلية

ومعتقده.

أنه ال داللة في اآلية على تقييد الثاني بالتوبة، ألنه تفكيك بين الجملتينكما بال دليل، بل هما ناظرتان إلى صورة واحدة وهي صورة عدم اقترانهما

بالتوبة فال يغفر الشرك لعظم الذنب ويغفر ما دونه.

﴿ومن يقتل مؤمنا هذا القبيل أيضا، تفسيره لقوله سبحانه: ومندا فجزآؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد تعم م

.9﴾له عذابا عظيما

فسره الزمخشري على ضوء مذهب االعتزال من خلود أصحابفقدالكبائر

.48- سورة النساء، اآلية: 7 في تفسير اآلية المذكورة.401، ص 1- الكشاف، الزمخشري، ج 8.93- سورة النساء، اآلية: 9

206

ماتوا بال توبة في النار، وجعل هذه اآلية من أدلة عقيدته، فقال: هذهإذا  اآلية فيها من التهديد واإليعاد، واإلبراق واإلرعاد، أمر عظيم وخطب غليظ، إلى أن قال والعجب من قوم يقرأون هذه اآلية ويرون ما فيها ويسمعون

الفارغة،عيتهمهذه األحاديث العظيمة، ثم ال تدعهم أشعبيتهم وطما واتباعهم هواهم، وما يخيل إليهم مناهم، أن يطمعوا في العفو عن قاتل

﴾أفال يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالهاالمؤمن بغير توبة ﴿10.

قلت: هل فيها دليل على خلود من لم يتب من أهل الكبائر؟ قلت: مافإن﴾ومن يقتلأبين الدليل، وهو تناول قوله أي قاتل كان من مسلم أو﴿

كافر، تائب أو غير تائب، إال أن التائب أخرجه الدليل، فمن ادعى إخراج.11مثلهالمسلم غير التائب فليأت بدليل

ما ذكره الزمخشري بطوله قد ذكره القاضي عبد الجبار على وجهإن اإليجاز، وقال: وجه االستدالل أنه تعالى بين أن من قتل مؤمنا عمدا جازاه،

.12وعاقبه، وغضب عليه، ولعنه وأخلده في جهنم

عليه أوال: أن داللة اآلية باإلطالق، فكما خرج منه القاتل الكافر إذايالحظ أسلم، والمسلم القاتل إذا تاب، فليكن كذلك من مات بال توبة ولكن

اقتضت الحكمة اإللهية أن يتفضل عليه بالعفو، فليس التخصيص أمرامشكال.

: أن المحتمل أن يكون المراد القاتل المستحل لقتل المؤمن، أو قتلهوثانيا إليمانه وهذا غير بعيد لمن الحظ سياق اآليات. ومثل هذا يكون كافرا خالدا

في النار.

.24- سورة محمد، اآلية: 10.416، ص 1- الكشاف، الزمخشري، ج 11.659- شرح األصول الخمسة، عبد الجبار المعتزلي، ص 12

207

الدرسخالصة

-إن المعتزلة كثيرا ما فسروا من اآليات القرآنية على ضوء مذهبهمومنهجهم الذي يتبعونه وقد ذكرنا نماذج من تفاسيرهم:

ـ الشفاعة حط الذنوب أو رفع الدرجة1

المعتزلة يخصون آيات الشفاعة بأهل الطاعة دون العصاة ويرتكبونإن التأويل في موردها، وما هذا إال للموقف الذي اتخذوه في حق العصاة

ومقترفي الذنوب، في أبحاثهم الكالمية، فقالوا بخلود أهل العصيان فيالنار إذا ماتوا بال توبة.

- هل مرتكب الكبيرة يستحق المغفرة أم ال؟2

المعتزلة على أن مرتكب الكبيرة مخلد في النار إذا مات بال توبةاتفقت وفي ضوء ذلك التجأوا إلى تأويل كثير من اآليات الظاهرة في خالفه نذكر

منها آيتين:

﴿وإن ربك لذو مغفرة للناس على ظلمهم: يقول سبحانه:األولى. ﴾وإن ربك لشديد العقاب

﴿إن الله ال يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن: الثانية. ﴾يشاء

عليه: أن ما ذكروه خالف ظاهر اآلية وقد ساقتهم إليه مدرستهميالحظالكالمية.

208

العشرون:الدرس

االتجاه الفقهي في تفسير القرآن

الدرسأهداف

- أن يتعرف الطالب إلى االتجاه الفقهي في تفسير القرآن1ر ذي االتجاه الفقهي2 - أن يتعرف إلى خصائص المفس- أن يدرك االتجاهات الفقهية المذهبية وبعض ما ألف فيها3

209

210

تمهيد

سابقا بعض المسائل المتعلقة بالمناهج واالتجاهات التفسيريةذكرنا والفارق بينها، وفي هذه المباحث كان ال بد من التعرض لبعض االتجاهات

التفسيرية والتي منها االتجاه الفقهي ولتوضيح المراد منه ال بد من اإلشارةإلى هذه النقاط

:المهمة

تأريخية نبذة

القرآن الكريم في آيات متعددة إلى األحكام التكليفية لإلنسان والتيأشار قيل إنها تقارب الخمسمائة آية. وكان العمل بهذه اآليات قائما في زمن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ، وكان الصحابة يسألون النبي صلى

الله عليه وآله وسلم أي إبهام حولها. عن

توفي النبي صلى الله عليه وآله وسلم أخذ الصحابة يستنبطونولمااألحكام من هذه اآليات ويعملون بها، وقد يختلفون حولها.

ذلك أنه لما رفعت امرأة إلى عمر وكانت قد ولدت لستة أشهر، فهممن عمر أن يرجمها لوال أن تداركها اإلمام أمير المؤمنين عليه السالم وقال:

"إن لها عذرا

211

﴿والوالدات يرضعن أوالدهن حولين كتاب الله"، يقول تعالى: في ﴾وحمله وفصاله ثالثون شهرا. وقال: 1﴾كاملين فإذا كان الفصال﴿

وهي مدة الرضاع عامين، فالباقي للحمل ستة أشهر، فاقتنع عمر بذلك. 2 ال تبقني لمعضلة ليس لها ابن أبي طالب"موخلى سبيلها. ثم قال: "الله

نشوء المذاهب الفقهية في القرن الثاني الهجري فما بعد، قام أتباعوبعد وعلماء المذاهب كالشيعة، والحنفية، والمالكية، والحنابلة و... بتفسير آيات

األحكام وتأليف الكتب في هذا المجال. وقد أفرط بعضهم بتأويل اآليات هـ( أحد متعصبي340المخالفة آلرائهم إلى حد أن عبد الله الكرخي )ت:

المذهب الحنفي قال: "كل آية أو حديث يخالف ما عليه أصحابنا فهو مؤول . ومن الطبيعي فإن الكثير من المفسرين الذين كتبوا في هذا3أو منسوخ"

االتجاه لزموا طريق اإلنصاف.

نحن بأشد الحاجة إلى كتب في تفسير آيات األحكام تضم أدلةواليومجميع المذاهب بصورة مقارنة.

االتجاه الفقهيخصائص

المفسر ذا االتجاه الفقهي غالبا ما يهتم بالعناصر التالية:إن

ـ تفسير اآليات التي تتضمن أحكاما فقهية تخص حياة اإلنسان، وتبين1 تكليفه عن طريق الواجب، المستحب، الحرام، المكروه، والمباح، في

أبواب العبادات والمعامالت واألحكام )قصاص وحدود وديات(.

ـ اهتمام المفسر يكمن في استنباط األحكام الشرعية الفرعية عن2طريق آيات القرآن.

.233- سورة البقرة، اآلية: 1.808، ص 2- أنظر: التفسير والمفسرون، الشيخ محمد هادي معرفة، ج 2.815 814، ص 2- م. ن، ج 3

212

ـ عادة ما يكون المفسر آليات األحكام مجتهدا في الفقه، حيث يقوم3ببيان رأيه في نهاية المطاف.

ـ عادة ما يستخدم المفسر في هذا االتجاه المنهج الفقهي في التحليل4ويستفيد من الكتاب والسنة واإلجماع والعقل.

ـ يتنوع التفسير الفقهي تبعا للمباني التي يختارها المفسر في الفقه5 واألصول، فإذا ما ذهب المفسر الفقيه إلى حجية الخبر الواحد، أو اإلجماع،

فإن نتائج التفسير سوف تختلف عن المفسر الذي ال يعتقد بحجيتها.

والمصادراألنواع

االتجاه الفقهي للتفسير يختلف تبعا الختالف المذاهب الفقهية، واآلنإننشير إلى أهم هذه االتجاهات:

- االتجاه الفقهي الشيعي 1

فقهاء الشيعة على أساس مذهب أهل البيت عليهم السالم ،يتحرك ويفسرون آيات األحكام باالستفادة من الروايات الواردة عن النبي صلى

الله عليه وآله وسلم وأهل البيت عليهم السالم ، باإلضافة إلى القرائنالعقلية والنقلية األخرى،

ذكر بعض التفاسير الفقهية للشيعة:ويمكن

هـ(.573ـ أحكام القرآن )فقه القرآن(، الراوندي )ت: 1

هـ(.993ـ زبدة البيان في أحكام القرآن، المقدس األردبيلي )ت: 2

ـ كنز العرفان في فقه القرآن، السيوري، المشهور بالفاضل المقداد )ت:3هـ(.826

هـ(976ـ تفسير شاهي، السيد أمير الفتوح الحسيني الجرجاني )ت: 4باللغة الفارسية.

213

ـ مسالك األفهام إلى آيات األحكام، جواد الكاظمي )توفي في القرن5الحادي عشر الهجري(.

ـ تفسير آيات األحكام، السيد محمد حسين الطباطبائي اليزدي )ت:6هـ(.1386

ـ االتجاه الفقهي الشافعي2

هـ( في الفقه لقب204 على أتباع محمد بن إدريس الشافعي )ن: يطلق الشافعية، حيث ذهبوا في تفسير آيات األحكام طبقا آلرائه الفقهية. ومن

كتبهم في التفسير الفقهي:

ـ أحكام القرآن، المنسوب إلى الشافعي.1

هـ(.504ـ أحكام القرآن، الهراسي )ت: 2

ـ نيل المرام من تفسير آيات األحكام، أبو الطيب سيد محمد صديق بن3هـ(.1307حسن خان القنوجي البخاري )ت:

ـ االتجاه الفقهي المالكي3

هـ( لقب المالكية، وقد فسروا179 على أتباع مالك بن أنس )ت: يطلقآيات األحكام طبقا آلرائه الفقهية، ومن كتبهم في التفسير الفقهي:

هـ(.543ـ أحكام القرآن، أبو بكر ابن العربي )ت: 1

هـ(.671ـ الجامع ألحكام القرآن، القرطبي )ت: 2

ـ االتجاه الفقهي الحنفي4

هـ( في الفقه لقب153 80 على أتباع أبي حنيفة النعمان بن ثابت )يطلق الحنفية، حيث كتبوا وفسروا آيات األحكام على أساس آراء أبي حنيفة

الفقهية. ومن كتبهم في التفسير الفقهي:

214

هـ(.370ـ أحكام القرآن، الجصاص )ت: 1

هـ(،1130ـ التفسيرات األحمدية، أحمد بن أبي سعيد بن عبد الله )ت: 2المعروف باسم "مالجيون" الحنفي.

ـ االتجاه الفقهي الحنبلي5

هـ( في الفقه لقب الحنابلة،241 164 على أتباع أحمد بن حنبل )يطلق حيث ذهبوا في تفسير آيات األحكام طبقا آلراء أحمد الفقهية، ومن كتبهم

في التفسير الفقهي:

هـ(.458ـ آيات األحكام، محمد بن الحسين بن محمد بن الفراء )ت: 1

ـ تفسير آيات األحكام، شمس الدين محمد أبو بكر الدمشقي المشهور2هـ(.751بابن قيم الجوزية )ت:

ـ أحكام الرأي من أحكام اآلالء، شمس الدين محمد بن عبد الرحمن ابن3هـ(.776الصايغ )ت:

(: هناك بعض الكتب تناولت تفسير آيات األحكام بطريقة1 )مالحظة هـ(؛1396مقارنة مثل تفسير آيات األحكام، محمد علي السايس )ت:

روائع البيان في تفسير آيات األحكام، محمد علي الصابوني؛ وتفسير آياتاألحكام، الطباطبائي

هـ(.1386 )ت: اليزدي

(: تناولت بعض الكتب آيات األحكام على الطريقة الموضوعية2 )مالحظة مثل: أحكام القرآن، الدكتور محمد الخزائلي؛ آيات األحكام، زين العابدين

القرباني.

من دون آيات األحكام على الطريقة الترتيبية مثل آيات األحكام،وهناكالميرخاني؛ آيات األحكام، السيد محمد حسين الطباطبائي اليزدي.

215

وموضوعاتنماذج

آيات مختلف في معناها في االتجاه الفقهي، من أهمها:ثمة

(.24ـ آية المتعة )النساء: 1

(.20ـ آية الوضوء )المائدة: 2

(.41ـ آية الخمس )األنفال: 3

ـ حج التمتع و...4

فت آيات األحكام على أساس التقسيم الفقهي إلى العباداتوقد صن )الصالة، الصوم و...(، العقود )النكاح و...(، اإليقاعات )الطالق و...(،

األحكام القضائية )القصاص و...( وهناك من أضاف إليها األحكام الحكومية)الوالية، الجهاد و...(،

االجتماعية )اإلرث، الوصية و...(.واألحكام

216

الدرسخالصة

- أشار القرآن الكريم في آيات متعددة إلى األحكام التكليفية لإلنسانوالتي قيل إنها تقارب الخمسمائة آية.

- لما توفي النبي صلى الله عليه وآله وسلم أخذ الصحابة يستنبطوناألحكام من هذه اآليات ويعملون بها، وقد يختلفون حولها.

- إن المفسر ذا االتجاه الفقهي غالبا ما يهتم بالعناصر التالية:

ـ تفسير اآليات التي تتضمن أحكاما فقهية تخص حياة اإلنسان. 1

ـ اهتمام المفسر يكمن في استنباط األحكام الشرعية الفرعية عن2طريق آيات القرآن.

ـ عادة ما يكون المفسر آليات األحكام مجتهدا في الفقه.3

ـ عادة ما يستخدم المفسر في هذا االتجاه المنهج الفقهي في التحليل4ويستفيد من الكتاب والسنة واإلجماع والعقل.

ـ يتنوع التفسير الفقهي تبعا للمباني التي يختارها المفسر في الفقه5 واألصول، فإذا ما ذهب المفسر الفقيه إلى حجية الخبر الواحد، أو اإلجماع،

فإن نتائج التفسير سوف تختلف عن المفسر الذي ال يعتقد بحجيتها.

االتجاه الفقهي للتفسير يختلف تبعا الختالف المذاهب الفقهية، نشيرإن إلى أهم هذه االتجاهات:االتجاه الفقهي الشيعي، الشافعي، المالكي،

الحنفي، الحنبلي.وذكرنا لكل اتجاه بعض الكتب.

آيات مختلف في معناها في االتجاه الفقهي، من أهمها:آية المتعة ثمة

217

(، حج41(، آية الخمس )األنفال: 20(، آية الوضوء )المائدة: 24)النساء: التمتع و...

فت آيات األحكام على أساس التقسيم الفقهي إلى العباداتوقد صن )الصالة، الصوم و...(، العقود )النكاح و...(، اإليقاعات )الطالق و...(،

األحكام القضائية )القصاص و...( وهناك من أضاف إليها األحكام الحكومية)الوالية، الجهاد و...(،

االجتماعية )اإلرث، الوصية و...(.واألحكام

218

تفسيريةنماذج

األهدافمحور

يتعرف الطالب إلى:أن

المنهج النقلي )الروائي(نموذج

المنهج العرفانينموذج

المنهج النقلي )القرآن بالقرآن(نموذج

المنهج الكاملنموذج

االتجاه األدبينموذج

االتجاه الكالمينموذج

االتجاه الموضوعينموذج

219

220

الواحد والعشرون:الدرس

آية الوالية

الدرسأهداف

- أن يتعرف الطالب إلى نموذج المنهج النقلي )الروائي(1- أن يتعرف إلى نموذج االتجاهين األدبي والكالمي2

221

222

الة ﴿إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصكاة وهم راكعون .1﴾ويؤتون الز

البيان في تفسير القرآنمجمع الكتاباسم اإلسالم أبو علي الفضل بن الحسن الطبرسي )... -أمينتأليف

هـ(548 الهجريالسادسالقرناألدبياالتجاه

323 - 322 ص 3جالمصدر

اللغة

: هو الذي يلي النصرة والمعونة والولي هو الذي يلي تدبير األمرالولي يقال فالن ولي المرأة إذا كان يملك تدبير نكاحها وولي الدم من كان إليه

المطالبة بالقود والسلطان ولي أمر الرعية ويقال لمن يرشحه لخالفتهعليهم بعده ولي عهد المسلمين قال الكميت يمدح عليا:

ولي األمر بعد وليه ومنتجع التقوى ونعم المؤدب ونعم

.55- سورة المائدة، اآلية: 1

223

أراد ولي األمر والقائم بتدبيره قال المبرد في كتاب العبارة عنوإنماصفات الله: أصل الولي الذي هو أولى أي أحق ومثله المولى.

هو التطأطؤ المخصوص قال الخليل كل شيء ينكب لوجههوالركوع فتمس ركبته األرض أو ال يمس بعد أن يطأطىء رأسه فهو راكع وأنشد

لبيد: أخبار القرون التي مضت أدب كأني كلما قمت راكعأخبر

ابن دريد: الراكع الذي يكبو على وجهه ومنه الركوع في الصالة، قالوقالالشاعر:

حاجب فوق العوالي على شقا تركع في الظراب وأفلت

يوصف الخاضع بأنه راكع على سبيل التشبيه والمجاز لما يستعمله منوقدالتطامن والتطأطؤ وعلى ذلك قول الشاعر:

تهن الفقير علك أن تركع يوما والدهر قد رفعه ال

اإلعراب

]إنما[ مخصصة لما أثبت بعده نافية لما لم يثبت، يقول القائللفظة لغيره: "إنما لك عندي درهم فيكون مثل أن يقول أنه ليس لك عندي إال

درهم"، وقالوا: "إنما السخاء حاتم" يريدون نفي السخاء عن غيره والتقدير إنما السخاء سخاء حاتم فحذف المضاف، والمفهوم من قول

إنما أكلت رغيفا وإنما لقيت اليوم زيدا نفي أكل أكثر من رغيفقائلالونفي لقاء غير زيد.

األعشى:وقال باألكثر منهم حصى وإنما العزة للكاثر ولست

224

نفي العزة عمن ليس بكاثر وقوله " وهم راكعون " جملة في موضعأراد النصب على الحال من يؤتون أي يؤتون الزكاة راكعين كما يقال الجواد

من يجود بماله وهو ضاحك...

القميتفسير الكتاباسم 307 الحسن علي بن إبراهيم القمي رحمه الله )... - أبوتأليف

هـ( الهجريالرابعالقرنالروائياالتجاه

11 ص 9جالمصدر

﴿إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون قوله وأماكاة وهم راكعون الة ويؤتون الز فإنه حدثني أبي عن صفوان﴾الص

عن أبان بن عثمان بن أبي حمزة الثمالي عن أبي جعفر عليه السالم ، الله عليه وآله وسلم جالس وعنده قوم منصلىقال: بينما رسول الله

اليهود فيهم عبد الله بن سالم، إذ نزلت عليه هذه اآلية فخرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى المسجد فاستقبله سائل، فقال هل أعطاك

أحد شيئا؟ قال نعم، ذاك المصلي فجاء رسول الله صلى الله عليه وآله أمير المؤمنين عليه السالم.وسلم فإذا هو علي

العسكريتفسير الكتاباسم إلى اإلمام العسكري عليه السالم منسوبتأليف الهجريالثالثالقرنالروائياالتجاه

101 ص 4جالمصدر

)أي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (: يا عبد الله بن سالمقال﴾إنما وليكم الله ناصركم الله على اليهود القاصدين بالسوء لك﴿

)ورسوله( ]إنما[ وليك وناصرك )والذين

225

الذين - صفتهم أنهم - يقيمون الصالة ويؤتون الزكاة وهم راكعون(آمنوا أي وهم في ركوعهم.

قال: يا عبد الله بن سالم )ومن يتولى الله ورسوله والذين آمنوا( منثم يتوالهم، ووالى أولياءهم، وعادى أعداءهم، ولجأ عند المهمات إلى الله ثم إليهم )فإن حزب الله( جنده )هم الغالبون( لليهود وسائر الكافرين، أي فال

أنصارك، وهووهؤالءيهمنك يا بن سالم، فإن الله تعالى ]هو ناصرك[ كافيك شرور أعدائك وذائد عنك مكايدهم.

رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: يا عبد الله بن سالم أبشر،فقال فقد جعل الله لك أولياء خيرا منهم: الله، ورسوله، والذين آمنوا الذين

يقيمون الصالة، ويؤتون الزكاة، وهم راكعون.

عبد الله بن سالم: ]يا رسول الله[ من هؤالء الذين آمنوا؟ فنظرفقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى سائل، فقال: هل أعطاك أحد

شيئا اآلن؟ قال: نعم ذلك المصلي، أشار إلي بأصبعه: أن خذ الخاتم.

فنظرت إليه وإلى الخاتم، فإذا هو خاتم علي بن أبي طالب عليهفأخذتهالسالم.

رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: الله أكبر، هذا وليكم ]بعدي[فقالوأولى الناس بالناس بعدي.

226

في تفسير القرآنالتبيان الكتاباسم -385 الطائفة أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي )شيختأليف

ه (460 - الخامس الهجريالرابعالقرنالكالمياالتجاه

562 - 557 ص 3جالمصدر

الكالمياالتجاه

أن هذه اآلية من األدلة الواضحة على إمامة أمير المؤمنين عليهواعلم السالم بعد النبي بال فصل. ووجه الداللة فيها أنه قد ثبت أن الولي في

اآلية بمعنى األولى واألحق. وثبت أيضا أن المعني بقوله ﴾والذين آمنوا ﴿ أمير المؤمنين عليه السالم فإذا ثبت هذان األصالن دل على إمامته، ألنكل من قال: "إن معنى الولي في اآلية ما ذكرناه قال إنها خاصة فيه".

قال باختصاصها به عليه السالم قال المراد بها اإلمامة.ومن

قيل دلوا أوال على أن الولي يستعمل في اللغة بمعنى األولى واألحقفإن ثم على أن المراد به في اآلية ذلك، ثم دلوا على توجهها إلى أمير

المؤمنين عليه السالم. قلنا: الذي يدل على أن الولي يفيد األولى قول الكميت:الأهل اللغة للسلطان المالك لألمر: فالن ولي األمر ق

ولي األمر بعد وليه ومنتجع التقوى ونعم المؤدبونعم

: فالن ولي عهد المسلمين إذا استخلف لألمر ألنه أولى بمقام منويقولون قبله من غيره وقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "أيما امرأة نكحت

بغير إذن وليها فنكاحها باطل" يريد من هو أولى بالعقد عليها.

227

فهب لي من لدنك وليا * يرثني ويرث من آل تعالىوقال :﴿ يعني من يكون أولى بحيازة ميراثي من بني العم.2﴾يعقوب

المبرد: الولي واألولى واألحق والمولى بمعنى واحد واألمر فيماوقال ذكرناه ظاهر، فأما الذي يدل على أن المراد به في اآلية ما ذكرناه هو أن

الله تعالى نفى أن يكون لنا ولي غير الله وغير رسوله، والذين آمنوا بلفظة "إنما" ولو كان المراد به المواالة في الدين لما خص بها

المذكورين، ألن المواالة في الدين عامة في المؤمنين كلهم.

﴾والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض الله تعالى قال وإنما3﴿ قلنا: إن لفظة )إنما( تفيد التخصيص، ألن القائل، إذا قال إنما لك عندي

درهم فهم منه نفي ما زاد عليه، وقام مقام قوله: ليس لك عندي إال البصريون ويريدون نفيالمدققوندرهم. ولذلك يقولون إنما النحاة

التدقيق عن غيرهم.

قولهم: إنما السخاء سخاء حاتم، يريدون نفي السخاء عن غيره،ومثلهقال األعشى:

باألكثر منهم حصىولست 4وإنما العزة للكاثر

نفي العزة عن من ليس بكاثر.أراد األنصار بما روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال )إنماواحتج

الماء من الماء( في نفي الغسل من غير إنزال.

المهاجرون نسخ الخبر، فلوال أن الفريقين فهموا التخصيص لماوادعىكان

.6-5- سورة مريم، اآليتان:2.71- سورة التوبة، اآلية: 3- )كثر( واألكثر هنا والكاثر بمعنى العدد الكثير وليس هو للتفضيل.4

228

كذلك ولقالوا )إنما( ال تفيد االختصاص بوجوب الماء من الماء.األمر 

أيضا على أن الوالية في اآلية مختصة أنه قال: "وليكم" فخاطب بهويدل جميع المؤمنين ودخل فيه النبي صلى الله عليه وآله وسلم وغيره، ثم قال

ورسوله، فأخرج النبي صلى الله عليه وآله من جملتهم لكونهم مضافينإلى واليته، فلما قال ﴾والذين آمنوا وجب أ﴿ أن يكون الذي خوطبيضا

باآلية غير الذي جعلت له الوالية. وإال أدى إلى أن يكون المضاف هو المضاف إليه وأدى إلى أن يكون كل واحد منهم ولي نفسه، وذلك محال.

وإذا ثبت أن المراد بها في اآلية ما ذكرناه، فالذي يدل على أن أمير بها أشياء: وصالمؤمنين عليه السالم هو المخص

- أن كل من قال: أن معنى الولي في اآلية معنى األحق قال إنه هومنهاالمخصوص به.

خالف في اختصاص اآلية يجعل اآلية عامة في المؤمنين وذلك قدومنأبطلناه.

- أن الطائفتين المختلفتين الشيعة وأصحاب الحديث رووا أن اآليةومنهانزلت فيه عليه السالم خاصة.

- أن الله تعالى وصف الذين آمنوا بصفات ليست حاصلة إال فيه، ألنهومنهاكاة وهمقال: الة ويؤتون الز ﴿والذين آمنوا الذين يقيمون الص

فبين أن المعني باآلية هو الذي أتى الزكاة في حال الركوع.﴾راكعون

األمة على أنه لم يؤت الزكاة في حال الركوع غير أمير المؤمنينوأجمعت﴾وهم راكعونعليه السالم ، وليس ألحد أن يقول: إن قوله ليس هو﴿

كاةحاال ﴾ويؤتون الز بل المراد به أن من صفتهم إيتاء الزكاة، ألن ذلك﴿ خالف ألهل العربية، ألن القائل إذا قال لغيره لقيت فالنا، وهو راكب لم

يفهم منه إال لقاؤه له في حال الركوب، ولم

229

منه أن من شأنه الركوب.يفهم 

قال: رأيته وهو جالس أو جاءني وهو ماش لم يفهم من ذلك كله إالوإذا موافقة رؤيته في حال الجلوس أو مجيئه ماشيا. وإذا ثبت ذلك وجب أن يكون حكم اآلية مثل ذلك. فإن قيل: ما أنكرتم أن يكون الركوع المذكور

كمااضعينفي اآلية المراد به الخضوع كأنه قال يؤتون الزكاة خاضعين متوقال الشاعر:

تهن الفقير علك أنوال 5تركع يوما والدهر قد رفعه

علك أن تخضع، قلنا الركوع هو التطأطأ المخصوص، وإنما يقالوالمراد للخضوع ركوعا تشبيها ومجازا، ألن فيه ضربا من االنخفاض، يدل على ما

قلناه نص أهل اللغة عليه، قال صاحب العين: كل شيء ينكب لوجهه لبيد:الفتمس ركبتيه األرض أوال تمس بعد أن يطأطئ رأسه فهو راكع ق

أخبار القرون التي مضتأخبرأدب كأني كلما قمت راكع

... وإذا كانت الحقيقة ما قلناه، لم يجز حمل اآلية على المجاز.

قيل قوله فإن ﴾والذين آمنوا لفظ جمع كيف تحملون ذلك على الواحد؟﴿ قيل: قد يعبر عن الواحد لفظ الجمع إذا كان معظما عالي الذكر قال

لنا الذكر وإنا له لحافظونتعالى ﴾إنا نحن نز ﴿رب وقال: 6﴿ ونظائر ذلك7﴾ كل نفس هداهاينا﴿ولو شئنا آلت وقال ﴾ارجعون

كثيرة.

- قائلة األضبط بن قريع األسدي.5.9- سورة الحجر، اآلية: 6.13- سورة ألم السجدة، اآلية: 7

230

﴾الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم: وقال وال8﴿خالف في أن المراد به واحد، وهو نعيم بن مسعود األشجعي.

اسوقال أفيضوا من حيث أفاض الن :﴾ والمراد رسول الله صلى الله9﴿ ﴿الذين قالوا إلخوانهم وقعدوا لو أطاعوناعليه وآله وسلم وقال

نزلت في عبد الله بن أبي ابن سلول.10﴾ما قتلوا

ثبت استعمال ذلك كان قوله: "الذين يقيمون الصالة" محموال علىفإذاالواحد الذي قدمناه.

قيل: لو كانت اآلية تفيد اإلمامة لوجب أن يكون ذلك إماما في الحالفإن ولجاز له أن يأمر وينهى ويقوم بما يقوم به األئمة. قلنا: من أصحابنا من قال: إنه كان إماما في الحال ولكن لم يأمر لوجود النبي صلى الله عليه

فه، فلما م النبي صلى اللهضىوآله وسلم وكان وجوده مانعا من تصرعليه وآله وسلم قام بما كان له.

من قال – وهو الذي نعتمده - أن اآلية دلت على فرض طاعتهومنهم واستحقاقه لإلمامة. وهذا كان حاصال له. وأما التصرف فموقوف على ما

بعد الوفاة كما يثبت استحقاق األمر لولي العهد في حياة اإلمام الذي قبلهوإن لم يجز له التصرف في حياته.

يثبت استحقاق الوصية للوصي وإن منع من التصرف وجودوكذلكالموصي.

القول في األئمة وقد استوفينا الكالم على اآلية في كتب اإلمامةوكذلكبما ال يحتمل بسطه هاهنا.

.173- سورة آل عمران، اآلية: 8.199- سورة البقرة، اآلية: 9

.168- سورة آل عمران، اآلية: 10

231

قيل: أليس قد روي أنها نزلت في عبادة بن الصامت أو عبد الله بنفإن سالم وأصحابه؟ فما أنكرتم أن يكون المراد بالذين آمنوا هم دون من

ذهبتم إليه؟ قلنا: أول ما نقوله: إنا دللنا على أن هذه اآلية نزلت في أمير المؤمنين عليه السالم بنقل الطائفتين، ولما اعتبرناه من اعتبار الصفة

المذكورة في اآلية وأنها ليست حاصلة في غيره بطل ما يروى في خالف ذلك، على أن الذي روي في الخبر من نزولها في عبادة بن الصامت ال

ينافي ما قلناه، ألن عبادة لما تبرأ من حلف اليهود أعطي والية من تضمنته فبخالف ما ذهبوا إليه ألنهسالماآلية، فأما ما روي من خبر عبد الله بن

روي أن عبد الله بن سالم لما أسلم قطعت اليهود حلفه وتبرؤوا منه فاشتد ذلك عليه، وعلى أصحابه فأنزل الله تعالى اآلية تسلية لعبد الله ابن

سالم وأصحابه وأنه قد عوضهم من محالفة اليهود، والية الله ووالية.وارسوله ووالية الذين آمن

يكشف عما قلناه أنه قد روي أنها لما نزلت خرج النبي صلى اللهوالذي عليه وآله من البيت، فقال لبعض أصحابه هل أعطى أحد سائال شيئا

فقالوا: نعم يا رسول الله قد أعطى علي بن أبي طالب السائل خاتمه،لوهو راكع. فقال النبي صلى الله عليه وآله الله أكبر قد أنز الله فيه قرآنا

ثم تال اآلية إلى آخرها. وفي ذلك بطالن ما قالوه.

232

الدرسخالصة

﴿إنما وليكم الله ورسوله أوردنا اتجاهات في تفسير آية الوالية: لقدكاة وهم الة ويؤتون الز والذين آمنوا الذين يقيمون الص

.﴾راكعون

- االتجاه األدبي من تفسير مجمع البيان للشيخ الطبرسي من أعالم1القرن السادس الهجري.

: الولي هو الذي يلي النصرة والمعونة والولي هو الذي يلي تدبيراللغة األمر وهو أولى أي أحق ومثله المولى. والركوع هو التطأطؤ المخصوص. وقد استشهد المؤلف الستكشاف المعنى بكالم العرب. ثم أورد المؤلف

إعراب اآلية.

- المنهج الروائي: من تفسير القمي ألبي الحسن علي بن إبراهيم2القمي.

تفسير العسكري، المنسوب إلى اإلمام أبي محمد الحسن بن عليومنالعسكري عليه السالم.

- االتجاه الكالمي من التبيان: للشيخ الطوسي 3

اعتبر المؤلف أن هذه اآلية من األدلة الواضحة على إمامة أميرحيث المؤمنين عليه السالم بعد النبي بال فصل. ووجه الداللة فيها أنه قد ثبت أنذين وال ﴿الولي في اآلية بمعنى األولى واألحق. وثبت أيضا أن المعني بقوله

أمير المؤمنين عليه السالم ف ثبت هذان األصالن دل على إمامته.إذا﴾آمنوا

أيضا على أن الوالية في اآلية مختصة أنه قال: "وليكم" فخاطب بهويدل جميع المؤمنين ودخل فيه النبي صلى الله عليه وآله وسلم وغيره،ثم قال

ورسوله، فأخرج النبي صلى الله عليه وآله وسلم من جملتهم لكونهم وجب أيضا أن يكون الذي ذين آمنوا وال ﴾مضافين إلى واليته، فلما قال ﴿

خوطب باآلية غير الذي جعلت له الوالية. وإال أدى إلى أن يكون

233

المضاف هو المضاف إليه وأدى إلى أن يكون كل واحد منهم ولي نفسه،وذلك محال.

- أن الطائفتين المختلفتين الشيعة وأصحاب الحديث رووا أن اآليةومنهانزلت فيه عليه السالم خاصة.

- أن الله تعالى وصف الذين آمنوا بصفات ليست حاصلة إال فيه، ألنهومنهاكاة وهمقال: الة ويؤتون الز ﴿والذين آمنوا الذين يقيمون الص

فبين أن المعني باآلية هو الذي أتى الزكاة في حال الركوع.﴾راكعون يؤت الزكاة في حال الركوع غير أمير المؤمنينموأجمعت األمة على أنه ل

عليه السالم.

234

الثاني والعشرون:الدرس

(1آية الوضوء )

الدرسأهداف

- أن يتعرف الطالب إلى نموذج ثان من المنهج )النقلي( الروائي1- أن يتعرف الطالب إلى نموذج من االتجاه الفقهي2

235

236

الة فاغسلوا وجوهكم ﴿يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الص وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى

روا وإن كنتم مرضى أو على الكعبين وإن كنتم جنبا فاطهرسف ن الغائط أو المستم النساء فلم تجدوا أو جاء أحد منكم م

نه ما موا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم م ماء فتيمر ن حرج ولكن يريد ليطه وليتمكميريد الله ليجعل عليكم م

.1﴾نعمته عليكم لعلكم تشكرون

اسمالكتاب

البيان في أحكام القرآنزبدة 

هـ(993 األردبيلي، أحمد بن محمد )... - المقدس تأليفالعاشرالهجري القرن )الروائي(النقلي المنهج )الروائي(النقلي االتجاه

22 - 15 صالمصدر

المؤمن بالخطاب ألن الكافر لم يقم إلى الصالة، وألنه المنتفع بهتخصيصالةكما في أكثر التكاليف ﴾إذا قمتم إلى الص أي إذا صليتم فإن المراد﴿

.6- سورة المائدة، اآلية: 1

237

﴿فإذا قرأت القرآن قيامها، والتقدير إذا أردتم الصالة مثل بالقيام  فأقيم مسبب اإلرادة مقامها لإلشعار بأن الفعل ينبغي2﴾فاستعذ بالله

أن ال يترك وال يتهاون فيه، ويفعل سابقا على القصد الذي ال يمكن إال للصالة بأن يغسل الوجه.ءبعده، فظاهر األمر الوجوب، فيجب الوضو

والغسل محمول على العرفي، وفسر بإجراء الماء على العضو ولو كان باآللة وأقله أن يجري ويتعدى من شعر إلى آخر، وظاهرها يدل على وجوبه كلما قام إليها ألن ظاهر "إذا" العموم عرفا وإن لم يكن لغة، وألن الظاهر

قيد باإلجماع واألخبار بالمحدثين )من الحدث(.لكنأن القيام إليها علة، و

: كان ذلك في أول األمر ثم نسخ، وقيل األمر فيه للندب ورد النسخوقيل بما روي عنه صلى الله عليه وآله وسلم: "المائدة آخر القرآن نزوال فأحلوا

ولي في النسخ تأمل إال أن يقال المراد نسخ3حاللها وحرموا حرامها" فعمومهوا،وجوب الوضوء على المتوضئين المفهوم من عموم فاغسل

منسوخ، وليس ذلك بتخصيص حيث كان العموم مرادا معموال به، وكذا في الندب إال أن يقال الندب بالنسبة إلى المتوضئين فيكون المراد به

الرجحان المطلق، فكان الندب بالنسبة إلى المتوضئين والوجوب بالنسبة فقط كما قالهلندبإلى غيرهم هذا صحيح ولكن ليس هذا قوال بأن األمر ل

في الكشاف...

تدل على وجوب أمور في الوضوء:اآلية

: غسل الوجه وهو العضو المعلوم عرفا، وقد حد في بعض األخباراألول المعتبرة بأنه الذي يدور عليه اإلبهام والوسطى عرضا، وطوال من قصاص

شعر الرأس إلى الذقن، وهو أول فعل في الوضوء، فظاهر اآلية ال يدلعلى اعتبار

النية،

.98- سورة النحل، اآلية: 2.7، ص 2- عوالي اللئالي، ابن أبي جمهور األحسائي، ج 3

238

على تعيين االبتداء، لكن اعتبار النية معلوم إذ ال يمكن الفعل االختياريوال  بدونها وفعلهم عليهم السالم كان من األعلى إلى األسفل في أعضاء

الغسل فهو أحوط، وال على وجوب الترتيب بين أجزاء العضو، بل ال يمكننعمذلك حقيقة، مالحظة العرفي حسن وال على وجوب التخليل مطلقا

وال على وجوب المس والدلك باليد4ويدل على عدمه الروايات الصحيحة لصدق الغسل مع الكل، فكلما دل عليه دليل من خبر أو إجماع يقال به،

والباقي يبقى على حاله.

: غسل اليدين والترتيب مستفاد من اإلجماع والخبر ويمكن فهمهالثاني من اآلية أيضا بتكلف بأن يقال يفهم تقديم الوجه لوجود الفاء التعقيبية وال

قائل بعدم الترتيب حينئذ فإن الحنفية ال توجب الترتيب أصال، بل تجوزتقديم غسل الرجلين

غسل الوجه.على عطف الباقي على الوجه الذي هو مدخول الفاء يفيد التعقيب فيوأيضا

كل واحد فتأمل فيه فإنها تدل على فعل المجموع بعد القيام إلى الصالةفكأنه قال:

قمتم إلى الصالة فتوضؤا وال تدل على المواالة أيضا وفهمها بأنه يفهمإذا تعقيب الكل بال فصل، وذلك غير ممكن فيراعى ما أمكن بعيد، فإن المراد مجرد التعقيب ال بال مهلة، وعلى تقدير كونها مرادة فال يفهم إال كون غسل

الوجه بال .مهلة

: يفهم وجوب المواالة وبطالن الوضوء بتركها، مع جفاف جميع األعضاءنعم بل اإلجماع ويمكن فهم أن محل الوجوب5السابقة من الروايات الصحيحة

في غسل اليدين إلى المرافق، وإن سلم أن ظاهرها كون االبتداء مناألصابع،

.46- أنظر: وسائل الشيعة، الحر العاملي، أبواب الوضوء، الباب 4.35، ص 3- الكافي، الشيخ الكليني، ج 5

239

انعقد إجماع األمة على عدم وجوب ذلك فيكون إلى هنا النتهاء غايةولكن  المغسول ومحمولة على معناها اللغوي ال الغسل بمعنى كونه منتهاه بعد االبتداء من األصابع، وأنه يكفي مسمى الغسل فيه أيضا كالوجه على أي

وجه كان وال يبعد غسل المرفق وإن كان غاية وخارجا من باب المقدمة ألنه مفصلوجوب

وحد مشترك، كما ثبت في األصول فقول القاضي البيضاوي: وجب غسلهااحتياطا غير مناسب.

: مسح الرأس مطلقا، بما يصدق مقبال ومدبرا قليال أو كثيرا على أيالثالث وجه كان إال أن إجماع األصحاب، على ما نقل، وفعلهم عليهم السالم

خصصه بمقدم الرأس ببقية البلل، ال بالماء الجديد اختيارا، وجوزه بعضنادر، ودليله ليس

عليه، فإنه روايتان صحيحتان دالتان على عدم جواز المسح بفضلةبناهض الوضوء والندى بل بالماء الجديد، وحملتا، على التقية لذلك مع ما فيه،

وعلى غير االختيار واالحتياط ال يترك وقد منع بأكثر من ثالث أصابعاستحبابا، ووجوبا كأنه

وذهب البعض إلى وجوب ثالث أصابع، وال دليل عليه، وعمومباإلجماع،اآلية واألخبار بل خصوصها ينفيه.

: مسح الرجلين بالمسمى كالرأس وفي الرواية الصحيحة أنه بكلالرابع 6الكف ويفهم من األخرى كل الظهر، وإلى أصل الساق ومفصل القدم

وهو المراد بالكعب، ويدل عليه اللغة، وهو مذهب العالمة وكأنه موافقلمذهب العامة فافهم،

مسحهما إجماع اإلمامية وأخبارهم، وظاهر اآلية، فإن قراءة الجرودليل صريحة في ذلك ألنه عطف على رؤوسكم ال يحتمل غيره، وهو ظاهر وجر

الجوار ضعيف خصوصا مع االشتباه، وحرف العطف، ولهذا ما قاله فيالكشاف

.15- أنظر: وسائل الشيعة، الحر العاملي، أبواب الوضوء، الباب 6

240

: المراد بالمسح حينئذ الغسل القليل. وقد عرفت ما فيه وقراءةوقال النصب أيضا كذلك، ألنه عطف على محل رؤوسكم وأمثاله في القرآن

العزيز وغيره كثيرة جدا وعطفه على الوجه معلوم قبحه خصوصا في مثلالقرآن العزيز، وليس

التحديد في المغسول دليال عليه كما قاله البيضاوي بل هو دليل علىوجود ما ذهب إليه أصحابنا لحصول التعادل بأن يكون العضو األول من المغسول

والممسوح غير محدود والثاني منهما محدودا وللقاضي هنا مباحث ولناكذلك، يطلب

الحاشية، وظاهر اآلية عدم الترتيب بينهما، وال دليل عليه أيضا منمن اإلجماع واألخبار، بل أكثر األصحاب على عدمه واألصل مؤيد، وال شك في

الصدق مع فعله غير مرتب فتأمل...

﴿وإن كنتم إذا قمتم كون الوضوء واجبا لغيره، وهي الصالة مثال ووظاهر روا أي: فاغتسلوا كون الغسل واجبا لنفسه ألن الظاهر أنه﴾جنبا فاطه

﴾إذا قمتممعطوف على قوله ﴿ فتقديره يا أيها الذين آمنوا إن كنتم جنبافاطهروا ويدل عليه األخبار أ ...يضا

﴾وإن كنتم مرضى كأنه عطف على محذوف هو كنتم صحاحا حاضرين﴿ قادرين، أي إذا قمتم إلى الصلوة وكنتم صحاحا حاضرين قادرين على استعمال الماء فإن كنتم محدثين لغير الجنابة توضؤوا، وإن كنتم جنبا

استعمال الماء، أو مسافرينيضركمفاغتسلوا وإن كنتم مرضى مرضا ﴿أو جاء أحد منكمفلم تقدروا على استعمال الماء لعدمه أو للتضرر به.

ن الغائط لعله هنا كناية عن الحدث الخارج من أحد السبيلين فأو،﴾مساء" لعله كناية عن الجماع الموجب لغسل بمعنى الواو "أو المستم الن

موا صعيدا وهو الدخول حتى تغيب الحشفة قبال أو دبرا الجنابة ﴿فتيم أي اقصدوا أرضا طاهرة مباحة فامسحوا بأيديكم بعض وجوهكم﴾طيبا

وبعض أيديكم مبتدئا من الصعيد أو ببعض الصعيد، بأن تضعوا

241

على بعضه، ثم تمسحوا الوجه واليد أو من بعض التيمم كما وردأيديكم  في الرواية أي ما يتيمم به وهو الصعيد فال داللة على تقدير كونها تبعيضيةعلى وجوب لصوق شيء من الصعيد، فيجب كونه ترابا يلصق كما توهم.

تدل على وجوب الغسل، وأن الجنابة موجبة له، وأن الغائط بلفاآلية البول والريح أيضا أحداث موجبة للوضوء وأن المرض والسفر مع عدم

القدرة على الماء موجب للتيمم بدلهما، ومشعرة بأنه يبيح به ما يبيح بهماوعلى اشتراط طاهرية

يتيمم به، بل إباحته أيضا بل طهارة الماء وإباحته أيضا في الوضوءما والغسل وأن كيفية التيمم أن المسح يكفي ببعض الوجه مطلقا وكذا

ببعض اليد وال يحتاج إلى االستيعاب والتخليل وأن أول أفعال التيمم مسحالوجه.

والغسل والتيمم مبينات في كتاب الفروع مع أحكامها وجميعوالوضوء واجباتها وموجباتها والفروعات الكثيرة ليس هذا محلها إذا لمقصود هنا ما يمكن فهمه من اآليات الكريمة، ثم ال يخفى أن نظم هذه اآلية مثل التي

سيجيء ال يخلو عن على حسب فهمنا مثل ترك الحدث في أولها وذكر الجنابة فقطإشكال

بعده واإلجمال الذي لم يفهم أن الغسل بعد القيام إلى الصالة أم ال، وترك كنتم حاضرين صحاحا قادرين على استعمال الماء، ثم عطف إن كنتم

عليه، وترك تقييد وتأخير فلم تجدوا عن قوله أو جاء وذكر جاء أحد منكم منالمرضى

الغائط أو المستم مع عدم الحاجة إليهما إذ يمكن الفهم عما سبق، والعطف بأو، والمناسب بالواو، وغير ذلك مثل االختصار في بيان الحدث

األصغر على الغائط والتعبير بجاء أحد منكم من الغائط واألكبر على المستم والتعبير عن الجنابة بهعنه

وكأنه لذلك قال في كشف الكشاف ونعم ما قال: واآلية من معضالتالقرآن ثم طول الكالم في توجيه "أو" في قوله:

، ﴾أو جاء أحد منكم ولعل السر في ذلك الترغيب على االجتهاد،﴿وتحصيل العلوم لتظفير السعادات الدائمة.

242

في اآلية احتماالت وأبحاث أخر ستجيء في الثانية إنشاء الله تعالىثم وقد استدل بقوله "فلم تجدوا ماء" على طلب الماء غلوة سهم في

واألصل7الحزنة، وغلوتين في السهلة وال داللة عليه فيها، وال في الخبرينفيه نعم ينبغي الطلب حتى

عدم الماء عنده عرفا مثل رحله وحواليه مع االحتمال فتأمل.يتحقق

ن حرج ﴾ما يريد الله ليجعل عليكم م قيل: أي ما يريد الله األمر﴿ بالوضوء للصالة أو بالتيمم تضييقا عليكم ويحتمل أن يكون المراد ما يريد الله جعل الحرج عليكم بالتكاليف الشاقة مثل تحصيل الماء على كل وجه

ممكن مع عدم كون الماء حاضرا وإن كان ممكنا في نفس األمر، وال ]يكلف[ بالطلب الشاق كالحفر وغيره بل بنى على الظاهر فقبل التيمم

وال كلف في التيمم أيضا بأن يوصل األرض إلى جميع البدن أو أعضاءالوضوء بل التيمم أيضا وأن يطلب ما يمكن إيصاله بل يكفي مجرد

األرض، وهو مقتضى الشريعة السمحة.وجه

ركم ﴾ولكن يريد ليطه أي من الذنوب فإن العبادة مثل الوضوء كفارة﴿ للذنوب أو لينظفكم عن األحداث ويزيل المنع عن الدخول فيما شرط فيه الطهارة عليكم فيطهركم بالماء عند وجوده وعند اإلعواز بالتراب، فاآلية

به ما يباح بالماء،باحتدل على أن التيمم رافع في الجملة وطهارة في ويؤيده ما في األخبار ويكفيك الصعيد عشر سنين والتراب أحد الطهورين

فيبعد منع إباحة التيمم ما يبيحه الماء، وأنه8ورب الماء ورب التراب واحديجب لما يجب له.

إنه يزول التيمم بزوال المانع ألنه ال يرفع الحدث بالكلية نعم يحتملثم رفعه إلى أن يتحقق الماء أو توجد القدرة على استعماله إذ ال استبعاد في حكم الشارع بزوال الحدث إلى مدة فإنه مجرد حكم الشارع فلعل البحث

يرجع إلى اللفظي .فتأمل

.2- وسائل الشيعة، الحر العاملي، أبواب التيمم، الباب األول، الحديث 7.63، ص 3- الكافي، الشيخ الكليني، ج 8

243

للعلة فمفعول يريد محذوف وهو األمر في الموضعين وقيل زائدةوالالم وليجعل وليطهركم مفعول، والتقدير ألن يجعل عليكم وألن يطهركم وليس فيه قصور وضعف: ألن "أن" ال تقدر بعد الالم المزيدة كما قاله البيضاوي.

: وكذا الالمفيةألن الشيخ المحقق الرضى قدس سره قال في شرح الكا زائدة في ال أبا لك عند سيبويه، وكذا الالم المقدر بعدها أن بعد فعل األمر

﴿وما أمروا إال ليعبدوا الله مخلصين لهواإلرادة كقوله تعالى ﴿يريد الله على أنه قال البيضاوي أيضا في تفسير قوله تعالى ﴾الدين

أن يبين مفعول يريد، والالم مزيدة لتأكيد معنى االستقبال﴾ لكمنليبيالالزم لإلرادة، وهل هذا إال تناقض.

﴾وليتم نعمته أي ليتم بشرعه ما هو مطهر ألبدانكم ومكفر لذنوبكم في﴿﴾عليكمالدين، أو ليتم برخصه إنعامه ﴾لعلكم تشكرون ﴿ بعزائمه ﴿

نعمته ثم أمر الله تعالى بعد ذلك بذكر النعمة والميثاق والعهد الذي الله عليكم وميثاقه الذي واثقكممة﴿واذكروا نععاهدتم به بقوله

اآلية وأمر المؤمنين بكونهم قوامين لله شهداء بالعدل فأوجب عليهم﴾به ذلك، ونهاهم عن أن يحملهم البغض على العدول والخروج عن الشرع

امين لله شبقوله بالقسط والهداء﴿يا أيها الذين آمنوا كونوا قو تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى ﴾يجرمنكم شنآن قوم على أال

﴾اعدلوا هو أقرب للتقوىقال البيضاوي في إذا كان هذا مع الكفار﴿ تثالفما ظنك بالعدل مع المؤمنين؟ ثم أمر بالتقوى ووعدهم باالم

.وأوعدهم على تركه بقوله ﴾واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون ﴿

اعلم أن في حكاية ابني آدم على نبينا وآله عليهم السالم إشارة إلىثم أن التقوى شرط لقبول العمل "واتل عليهم نبأ ابني آدم بالحق" صفة﴾أتلمصدر محذوف أي أتل واقرأ تالوة متلبسة بالحق أو حال من ضمير ﴿

با قأو من نبإ ظرف بناء، أو حال منه، والقربان اسم لما﴾ربانا﴿إذ قر يتقرب به إلى الله من ذبيحة وغيرها كما أن الحلوان اسم لما يحلى أي

يعطى وهو في األصل مصدر ولهذا لم يثن مع أن المراد منه اثنان، وقيل

244

﴿فتقبل من إذ قرب كل واحد منهما قربانا فال يحتاج إلى التثنية تقديره ﴾ألقتلنك قابيل ﴾أحدهما ولم يتقبل من اآلخر قال وعده بالقتل﴿

بعد عدم قبول قربانه وقبول قربان أخيه، لفرط الحسد على ذلك ولبقاء﴾إنما يتقبل الله من المتقين يلما يريده له "قال" أخوه هاب أي إنما﴿

أصابك ما أصابك من عدم القبول عند الله من قبل نفسك، ال من قبلي،فلم تقتلني؟ فاقتل نفسك ال نفسي.

إشارة إلى أن الحاسد ينبغي أن يرى حرمانه من تقصيره فيكونوفيه الذنب له ال للمحسود، فال بد أن يجتهد في تحصيل ما صار به المحسود محسودا ومحظوظا ال في إزالة حظ المحسود فإن ذلك يضره وال ينفع

الحاسد، بل يضره وهو . وفيه داللة على أن القبول يشترط فيه التقوى كما قلناه.ظاهر

البيضاوي: وفيه إشارة إلى أن الطاعة ال تقبل إال من مؤمن متق وفيهقال إشكال ولهذا ما شرطه الفقهاء فإن الفسق ال يمنع من صحة عبادة إذا

فعلت على وجهها، ويمكن أن يقال المراد اشتراط التقوى في تلك العبادةأي ال يقبل الله العبادة

من المتقين فيها بأن يأتي بها بحيث ال يكون عصيانا مثل أن يقصد بهاإال الرئاء أو غيره من المبطالت أو المراد تقوى عن ذنب ينافي تلك العبادة فيكون إشارة إلى أن األمر بالشيء يستلزم النهي عن ضده وهو موجب

للفساد، وبالجملة ﴿لئن في قبولها عدم كونها معصية وال مستلزما لها، الله يعلم يشترط

بسطت إلي يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك ألقتلك إني. ﴾أخاف الله رب العالمين

في الكشاف: كان هابيل أقوى من قابيل، ولكنه تحرج عن قتلهقال واستسلم له خوفا من الله تعالى ألن الدفع لم يبح بعد أو تحريا لما هو

األفضل، قال عليه الصالة والسالم: كن عبد الله المقتول، وال تكن عبد اللهالقاتل، ويمكن أن يقال

غير ظاهر، وكذا كونه مباحا فان وجوب حفظ النفس عقلي والالتسليم يمكن إباحة التسليم الذي هو ينافيه بل هو قتل النفس واآلية ال تدل على

التسليم، فإنه

245

﴾ما أنا بباسط يدي إليك ألقتلك قال  فإنه يدل على عدم بسط اليد﴿ بقصد قتله ال للدفع أيضا وهو ظاهر ويمكن فهم وجوب الدفن من آخر

فافهم.9اآلية

الدرسخالصة

- أوردنا نموذجا للمنهج النقلي الروائي ذات االتجاه الفقهي من كتاب: زبدة البيان في أحكام القرآن، للمقدس األردبيلي، وذلك في تفسير اآلية

التالية: الة فاغسلوا ﴿يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الص وامسحوا برؤوسكم وأرجلكممرافقوجوهكم وأيديكم إلى ال

روا وإن كنتم مرضى أو على إلى الكعبين وإن كنتم جنبا فاطه ن الغائط أو المستم النساء فلم تجدوا سفر أو جاء أحد منكم م

موا ص نه ماعيداماء فتيم طيبا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم مركم وليتم ن حرج ولكن يريد ليطه يريد الله ليجعل عليكم م

﴾نعمته عليكم لعلكم تشكرون

تدل على وجوب أمور في الوضوء:اآلية

الوجه...، غسل اليدين... مسح الرأس مطلقا، مسح الرجلين...غسل

إن اآلية تدل على وجوب الغسل، وأن الجنابة موجبة له، وأن الغائط بلثم البول والريح أيضا أحداث موجبة للوضوء وأن المرض والسفر مع عدم القدرة على الماء موجب للتيمم بدلهما... وأن أول أفعال التيمم مسح

الوجه.

والغسل والتيمم مبينات في كتاب الفروع مع أحكامها وجميعوالوضوء واجباتها وموجباتها والفروعات الكثيرة ليس هذا محلها إذا لمقصود هنا ما

يمكن فهمه من اآليات الكريمة.

﴾- يعني قوله تعالى فبعث الله غرابا يبحث في األرض ليريه كيف يواري سوءة أخيه9 ﴿(.31- 27) واآليات في سورة المائدة:

246

الثالث والعشرون: الدرس

(2آية الوضوء )

الدرسأهداف

- أن يتعرف الطالب إلى نموذج من المنهج العرفاني في التفسير1

247

248

الة فاغسلوا وجوهكم ﴿يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الص وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى

روا وإن كنتم مرضى أو على الكعبين وإن كنتم جنبا فاطهرسف ن الغائط أو المستم النساء فلم تجدوا أو جاء أحد منكم م

نه ما موا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم م ماء فتيمر ن حرج ولكن يريد ليطه وليتمكميريد الله ليجعل عليكم م

. 1﴾نعمته عليكم لعلكم تشكرون

اسمالكتاب

المحيط األعظم والبحر الخضمتفسير

هـ(787 - 719 حيدر اآلملي )السيد تأليف الهجريالثامن القرنالعرفاني المنهج

41 - 29 و ص 26- 18 ص 4ج المصدر

أن يتحدث السيد حيدر اآلملي عن وضوء أهل الشريعة يقول:بعد

وضوء أهل الطريقة )طهارة النفس والعقل( فالطهارة عندهموأما

.6- سورة المائدة، اآلية: 1

249

القيام بالطهارة المذكورة، عبارة عن طهارة النفس من رذائلبعد  األخالق وخسائسها، وطهارة العقل من دنس األفكار الردية والشبه المؤدية إلى الضالل واإلضالل، وطهارة السر من النظر إلى األغيار،

وطهارة األعضاء من األفعال الغير المرضية عقال وشرعا.

أفعال هذه الطهارة المعبر عنها بالوضوءوأما

فيه، وهي أن ينوي المكلف بقلبه وسره أنه ال يفعل فعال يخالففالنية رضى الله تعالى بوجه من الوجوه، ويكون جميع عباداته لله خالصة دون

غيره لقوله تعالى: ﴿قل إن صالتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين * ال

.2﴾شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين

الوجه، وهو أن يغسل وجه قلبه عن حدث التعلق بالدنيا وما فيها،وغسل فإن الدنيا جيفة وطالبها كالب، فالطالب والمطلوب نجسان، ولهذا قال

عليه السالم:.3"حب الدنيا رأس كل خطيئة وترك الدنيا رأس كل عبادة"

علي عليه السالم:وقال.4"يا دنيا غري غيري فإني قد طلقتك ثالثا ال رجعة فيها"

اليدين، وهو غسلهما وطهارتهما عما في قبضتهما من النقدوغسل والجنس والدنيا واآلخرة، فإن طهارتهما حقيقة ليس إال بترك مما في

تصرفهما وحكمهما.

.163- 162- سورة األنعام، اآليتان:2 ، الشطر األول من الحديث: »حب315، ص 67- بحار األنوار، العالمة المجلسي، ج 3

الدنيا رأس كل خطيئة«..77- نهج البالغة، الحكمة: 4

250

الرأس، وهو أن يمسح رأسه الحقيقي المسمى بالعقل أو النفس،ومسح أي يطلع عليهما حتى يعرف أنه بقي عندهما شيء من محبة الدنيا وما

يتعلق بها من المال والجاه.

الرجلين وهو أن يمنعهما عن المشي بغير رضى الله وطاعتهومسح ظاهرا وباطنا، والمراد بالرجلين في الظاهر معلوم وأما في الباطن هما

عبارتان عن القوة النظرية والعملية عند البعض وعن القوة الشهويةوالغضبية عند اآلخرين

مثل هذا الوضوء المضاف إلى الوضوء األول أشار النبي صلى اللهوإلىعليه وآله وسلم وقال: "الوضوء نور"

.5"الوضوء على الوضوء نور على نور"

صفاء الظاهر مع صفاء الباطن على الوجه المذكور فهو نور علىأعني نور، أي نور البصيرة على نور الشرع سبب صفاء الظاهر والباطن وموجب

ثبات السالك على الطريق المستقيم في الدنيا واآلخرة لقوله تعالى: ﴿يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي

.6﴾اآلخرة

الله الجمع بينهما واإلقامة على كل واحد منهما، ألنه المستعان وعليهرزقناالتكالن.

وضوء أهل الحقيقةوأما

عندهم المعبر عنه بالطهارة عبارة عن طهارة السر عن مشاهدةفالوضوءالغير مطلقا.

.195، ص 2- ذكرى الشيعة في أحكام الشريعة، الشهيد األول، ج 5.27- سورة إبراهيم، اآلية: 6

251

فيها وهي أن ينوي السالك في سره أنه ال يشاهد في الوجود غيرهوالنية وال يتوجه إال إليه، ألن كل من توجه في الباطن إلى غيره فهو مشرك

بالشرك الخفي المتقدم ذكره المشار إليه في قوله تعالى:﴾أفرأيت من اتخذ إلهه هواه ﴿7.

:ولقوله وهم مشركون ﴾وما يؤمن أكثرهم بالله إال ﴿8.

نجس لقوله:والمشرك﴾إنما المشركون نجس ﴿9.

الحقيقي:التوحيد

ال يكون إال بهذه النية التي هي عبارة عن التوحيد الحقيقي النافيفطهارته للشرك مطلقا، ألنه معلوم،وبل مقرر أن الخالص من الشرك جليا كان أو خفيا ال يمكن إال بالتوحيد ألوهيا كان، أو وجوديا كما سبق ذكره مفصال عند

بحث .األصول

الوجه فيها عبارة عن طهارة الوجه الحقيقي ونظافة سره عنوغسل دنس التوجه إلى الغير، بحيث ال يشاهد غير وجهه الكريم المشار إليه في

قوله:﴾فأينما تولوا فثم وجه الله ﴿10.

ال يعرف غير ذاته المحيط المومئ إليه في قوله:و

.23- سورة الجاثية،اآلية: 7.106- سورة يوسف،اآلية: 8.28- سورة التوبة،اآلية: 9

.115- سورة البقرة،اآلية: 10

252

"والله بكل شيء محيط" وعن هذا التوجه أخبر من لسان إبراهيم عليهالسالم ، بقوله:

ماوات واألرض حنيفا وما أنا هت وجهي للذي فطر الس ﴿إني وج.11﴾من المشركين

اليدين عبارة عن عدم االلتفات إلى ما في يديه من متاع الدنياوغسل واآلخرة، من الدنيا كالمال والجاه واألهل والولد، ومن اآلخرة كالعلم

والزهد والطاعة وما يحصل منها كالثواب والجنة والحور والقصور، ألنرؤية الطاعة والعبادة

التعظيم بهما عند أهل الله معصية، وفيه قيل:واستحقاق.12"سيئة تسوؤك خير من حسنة تعجبك"

قيل:وفيه"خير األعمال ذنب أحدث توبة، وشر األعمال طاعة أورثت عجبا".

أشار صلى الله عليه وآله وسلم في قوله:وإليه "الدنيا حرام على أهل اآلخرة، واآلخرة حرام على أهل الدنيا، وهما

.13حرامان على أهل الله"

الرأس عبارة عن تنزيه سره وتقديس باطنه الذي هو الرأسومسح الحقيقي عن دنس األنانية وحدث الغيرية الحاجب والحاجز بينه وبين

محبوبه لقول بعض العارفين فيه:

.79- سورة األنعام،اآلية: 11.46- نهج البالغة، الحكمة: 12.119، ص 4- عوالي اللئالي، ابن أبي جمهور األحسائي، ج 13

253

وبينك إني ينازعنيبينيفارفع بفضلك إني من البين

قيل:وفيه"وجودك ذنب ال يقاس به ذنب".

سبق أن كل من شاهد الغير فهو مشرك، وكل مشرك نجس،وقدوالنجس ليس له طريق إلى عالم القدس والحضرة اإللهية لقوله:

﴾إن الله ال يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ﴿14.

الرجلين، عبارة عن تنزيه قوتي العملية والعلمية عن السير إال باللهومسحوفي الله، ألنهما كالقدمين.

في الظاهر ألنه بهما يسعى في طلب الحق وبهما يصل إليه،والرجلينوعند التحقيق:

﴾فاخلع نعليك إنك بالواد المقدس طوى ﴿15.

إليهما، أعني إذا وصلت إلينا بواسطتهما فدعهما فإنك بعد هذا ماإشارة أنت محتاج إليهما، ومعلوم عند الوصول يجب طرح كل ما في الوجود

سيما القوى والحواس وما اشتمل عليهما ظاهرا وباطنا.

البعض المراد بالنعلين الدنيا واآلخرة. وعند البعض عالم الظاهروعند والباطن، وعند البعض النفس والبدن، والكل صحيح، وفي مثل هذا الحال

وهذا المقام ورد في الحديث القدسي:

.48- سورة النساء، اآلية: 14.12- سورة طه،اآلية:15

254

"ال يزال العبد يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه وبصره ولسانه ويده ورجله، فبي يسمع وبي يبصر وبي ينطق وبي يبطش

.16وبي يمشي"

إلى السير بالله الذي هو مقام التكميل دون الكمال المشار إليهإشارةفي قوله:

هوا في الدين نهم طآئفة ليتفق ﴿فلوال نفر من كل فرقة م.17﴾ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون

بالنسبة إلى اليدين كقوله:وأما﴾وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى ﴿18.

أبحاث وأسرار يطول ذكرها، يكفي الفطن اللبيب هذا المقدار،وهاهناوالله يقول الحق وهو يهدي السبيل.

بعد أن يتحدث السيد حيدر اآلملي عن غسل أهل الشريعة يقول:ثم

أما غسل أهل الطريقةو

)حب الدنيا جنابة(

عندهم بعد القيام بالغسل المذكور، طهارة من الجنابة الحقيقيةفالغسلالتي هي البعد عن الله، دون المجازية التي هي األحداث الشرعية.

الحقيقية على قسمين: قسم يتعلق بهم، وقسم متعلق بأهلوالجنابةالحقيقة.

الذي يتعلق بأهل الحقيقة فسيجيء بيانه بعد هذا بال فصل.أما

. مع اختالف103، ص 4- أنظر: عوالي اللئالي، ابن أبي جمهور األحسائي، ج 16بسيط.

.122- سورة التوبة،اآلية: 17.17- سورة األنفال،اآلية: 18

255

الذي يتعلق بهم فهي الجنابة الحاصلة من محبة الدنيا، فإن الدنيا فيوأما الحقيقة كالمرأة التي لها كل ساعة بعل آخر كما أشار إليها اإلمام عليه

السالم في قوله:. 19"قد طلقتك ثالثا ال رجعة فيها"

لو لم تكن كالمرأة أو في حكمها ما خاطبها اإلمام بهذا الخطاب، فكلألنها من يالمس مثل هذه ويجامعها بالنفس أو الروح أو القلب يكون جنبا

بالحقيقة، والجنابة هي البعد عن الله تعالى، فكل من يحب الدنيا علىالوجه المذكور يكون بعيدا

الله ضرورة، فإن محبة الله وقربه، ومحبة الدنيا وقربها ضدان العن يجتمعان، وإليه اإلشارة في القول السابق عن النبي صلى الله عليه وآله

وسلم الذي قال: "الدنيا حرام على أهل اآلخرة، واآلخرة حرام على أهل الدنيا، وهما

.20حرامان على أهل الله"

ما قال تعالى في كتابه العزيز:وكذلك ﴿من كان يريد حرث اآلخرة نزد له في حرثه ومن كان يريد

.21﴾حرث الدنيا نؤته منها وما له في اآلخرة من نصيب

ما أشار اإلمام عليه السالم في قوله:وكذلك "إن الدنيا واآلخرة عدوان متفاوتان وسبيالن مختلفان، فمن أحب الدنيا وتوالها أبغض اآلخرة وعاداها، وهما بمنزلة المشرق والمغرب، وماش

. 22بينهما كلما قرب من واحد بعد من اآلخر، وهما بعد ضرتان"

.77- نهج البالغة، الحكمة: 19.119، ص 4- عوالي اللئالي، ابن جمهور األحسائي، ج 20.20- سورة الشورى،اآلية: 21.103- نهج البالغة، الحكمة: 22

256

والطهارة من هذه الجنابة يكون بترك الدنيا وما فيها بحيث الفالغسل يبقى له تعلق بها بمقدار شعرة، ألن في الغسل الشرعي لو بقي على الجسد شعرة لم يصل الماء إليها: لم يصح غسله ولم يطهر صاحبه من

الجنابة، فإن التعلق من حيث له حكم واحد وهو التعلق سواء كان قليال أو كثيرا، كما قيل:التعلق

"المحجوب محجوب سواء كان بحجاب أو ألف حجاب".

هذا الغسل وهو أن يغسل السالك أوال رأسه الحقيقي- الذي هووترتيب القلب هاهنا- بماء العلم الحقيقي النازل من بحر القدس، من حدث األهواء

المختلفة، واآلراء المتشتتة المتعلقة بالدنيا وبمحبتها الموجبة للدخول فيالهاوية التي هي

ألن الهوى إذا أغلب انجذب صاحبه إلى عبادة األصنام واألوثانالنار الباطلة ذهنا كان أو خارجا، أما الخارج فهو معلوم، وأما الداخل فذلك أيضا

قد سبق بحكم قوله تعالى:﴾أفرأيت من اتخذ إلهه هواه ﴿23.

من أطاع هواه ال بد وأن يدخل النار لقوله تعالى أيضا:وكله هاوية ت موازينه * فأم ا من خف ﴾وأم ﴿24.

من خفت موازينه من العلم والعمل الصالح الصادران من العقلأي الصحيح والنفس الكامل، فهو في الهاوية التي هي أصلها وأمها، ألن منشأ

الهوى من النفس األمارة، والنفس األمارة منشأها ومنبعها الطبيعةالحيوانية، والقوى الشهوية

اللتان هما من جنودها وأعوانها، كذلك صادران من الطبيعةوالغضبية والنفس، فال تكون الهاوية في الحقيقة إال التوجه إلى النفس، األمارة

والشهوة

.23- سورة الجاثية،اآلية: 23.8- 7- سورة القارعة،اآليتان: 24

257

وأسفل سافلين إشارة إليها في قوله تعالى:والغضب،  ﴿لقد خلقنا اإلنسان في أحسن تقويم * ثم رددناه أسفل

.25﴾سافلين

رددناه بأفعاله إلى أسفل عالم الطبيعة والنفس األمارة بمتابعة الهوىأيومخالفة الحق في أفعاله وأقواله، لقول أهل النار فيه:

عير ﴾لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب الس ﴿26 . ولهذا دائما أهل الله الذين هم أهل العلم الحقيقي والعمل الصالح والعقل الصحيح،

موصوفون بالسكينة والوقار، والطمأنينة واإلخبات وأمثال ذلك لقوله تعالىفيهم:

ا من اضية * وأم ا من ثقلت موازينه * فهو في عيشة ر ﴿فأمت موازينه ﴾في جنة عالية 27﴾خف ﴿28.

األهواء والبدع موصوفون بالخفة وقلة العقل، وعدم السكينةوأهلوالوقار، لقوله تعالى فيهم:

ياطين في األرض حيران ﴾الذي استهوته الش ﴿29.

سد باب سؤال كل سائل في هذا المقام قوله تعالى:وقدا من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى * فإن الجنة ﴿وأم

.30﴾هي المأوى

هذا تحريض على منع النفس عن الهوى، وتشويق إلى دخول الجنةألن التي هي المأوى الحقيقي والموطن األصلي من غير التراخي وال التأخير

وإليه أشار علي عليه السالم في قوله:

.5-4- سورة التين،اآليتان: 25.10- سورة الملك، اآلية: 26.7- 6- سورة القارعة، اآليتان: 27.10- سورة الغاشية، اآلية: 28.71- سورة األنعام، اآلية: 29.41 - 40- سورة النازعات، اآليتان: 30

258

، يعني تخففوا من أثقالكم31"تخففوا تلحقوا فإنما ينتظر بأولكم آخركم" الحاصلة من متابعة الهوى ومحبة الدنيا، فإن إلحاقكم بالحق وبالجنة

موقوف عليه، أي على تخفيفكم منها، وإليه اإلشارة بقوله تعالى:.32﴾لمثل هذا فليعمل العاملون ﴿إن هذا لهو الفوز العظيم *

يغسل ويطهر روحه وسره الذي هو من الجانب األيمن المعبرثم عنه:بالروحانيات عن محبة العلويات، والروحانيات المعبر عنها باآلخرة والجنة، ألن أهل اآلخرة مخصوصون بأصحاب اليمين والعلويات، لقوله

تعالى في األول:خضود * ﴿وأصحاب اليمين ما أصحاب اليمين * في سدر م

مدود * وماء مسكوب 33﴾وطلح منضود * وظل م

لقوله في الثاني:وماوات مطويات بيمينه ﴾والس ﴿34.

يغسل جانبه األيسر، أي يغسل ويطهر نفسه وجسده الذي هو الجانبثم األيسر المعبر عنه: بالجسمانيات عن محبة السفليات والنفسانيات

المعبرة عنها بالدنيا، بماء الترك والتجريد وعدم االلتفات إليه، فإن الدنيامخصوصة بأهل الشمال،

أن اآلخرة مخصوصة بأهل اليمين لقوله تعالى:كمامال مال ما أصحاب الش * في سموم وحميم * ﴿وأصحاب الش

،فان35﴾وظل من يحموم

.167 و21- نهج البالغة، الخطبة: 31.61-60- سورة الصافات،اآليتان: 32.31- 27- سورة الواقعة، اآليات: 33.67- سورة الزمر، اآلية: 34.43 41- سورة الواقعة، اآليات: 35

259

الطهارة يحصل له استحقاق دخول الجنة واستعداد قرب الحضرةبهذه العزة، كما قال:

﴿إن المتقين في جنات ونهر * في مقعد صدق عند مليكقتدر .36﴾م

الله الوصول إليها، فان ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذورزقناالفضل العظيم.

غسل أهل الحقيقةوأما

)البعد عن الحق سبحانه ومشاهدة الغير، جنابة عند أهل الحقيقة(

عندهم عبارة عن طهارتهم من الجنابة الحقيقية التي هيفالغسل مشاهدة الغير مطلقا، ألن الجنابة كما سبق بيانها هي البعد، وكل من شاهد الغير فهو بعد عن الحق ومشاهدته، وال يمكن إزالة هذا البعد إال

بقربه إلى التوحيد الحقيقي الذي هو الحق تعالى من حيث هو هو لقوله:مشاهدة

هو والمالئكة وأولوا العلم قآئما ﴿شهد الله أنه ال إله إال هو العزيز الحكيم ، و قد مر بيان هذا التوحيد37﴾بالقسط ال إله إال

مرارا.

هذا الغسل وهو أن يغسل رأسه الحقيقي الذي هو هاهنا روحهوترتيب المجرد بماء التوحيد الذاتي عن حدث مشاهدة الغير، ألن محبة الله تعالى

كما هو وظيفة الباطن المعبر عنه بالنفس المطمئنة، معرفته وظيفةالقلب، ومشاهدته وظيفة

كما أن الوصول إليه وظيفة )السر( الذي هو باطن الروح.الروح،

هذا الترتيب أشار جعفر بن محمد الصادق عليه السالم في بعضوالىأدعيته وهو قوله:

.55-54- سورة القمر، اآليتان: 36.18- سورة آل عمران، اآلية: 37

260

"اللهم نور ظاهري بطاعتك، وباطني بمحبتك، وقلبي بمعرفتك، وروحي.38بمشاهدتك، وسري باستقالل اتصال حضرتك يا ذا الجالل واإلكرام"

الغسل ال يمكن إال بفناء العارف في المعروف، والشاهد فيوهذا المشهود المعبر عنه بالفناء في التوحيد، وذلك يكون بمشاهدة الحق من

حيث هو هو، أعني يشاهده بحيث ال يشاهد معه غيره، أعني ال يشاهد فيالوجود إال وجودا واحدا،

واحدة مجردة عن جميع االعتبارات والتعينات، وإليه أشار الحق تعالىوذاتافي قوله:

﴾كل شيء هالك إال وجهه له الحكم وإليه ترجعون ﴿39. في قوله:وكذلك

﴾كل من عليها فان * ويبقى وجه ربك ذو الجالل واإلكرام ﴿ ،وقد مر تحقيق هاتين اآليتين غير مرة والتكرار غير مستحسن.40

تقرر هذا التوحيد، هو الصراط المستقيم الحقيقي، المأموروحيثباالستقامة عليه نبينا صلى الله عليه وآله وسلم:

﴾فاستقم كما أمرت ﴿41.

الحد األوسط المشار إليه في قوله:وق بل فتفر ﴿وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه وال تتبعوا الس

اكم به لعلكم تتقون 42﴾بكم عن سبيله ذلكم وص

، لكن600، ص 2- أنظر: موسوعة مؤلفي اإلمامية، مجمع الفكر اإلسالمي، ج 38الدعاء منسوب إلى اإلمام علي عليه السالم.

.88- سورة القصص، اآلية: 39.27- 26- سورة الرحمن، اآليتان: 40.112- سورة هود،اآلية: 41.153- سورة االنعام،اآلية: 42

261

أن له طرفان: طرف إفراط، وطرف تفريط، اللذان هما التوحيدوتقرراإلجمالي، والتوحيد التفصيلي.

من دنس جانب اإلفراط المعبر عنه باأليمن يكون بخالصه منفالطهارة التوحيد اإلجمالي، والطهارة من دنس التفريط المعبر عنه باألسر يكون بخالصه من التوحيد التفصيلي، واالستقامة على الصراط المذكور والحد

األوسط المعبر عنه الكبرى يكون بجمعه بين التوحيدين، وقطع النظر عن مشاهدةبالطهارة

الغير أصال ورأسا مع اعتباره ومشاهدته من حيث الجمع المعبر عنه بأحدية الفرق بعد الجمع، وذلك صعب في غاية الصعوبة، ولهذا وصفه النبي صلى

الله عليه وآله :وسلم

.43"أحد من السيف، وأدق من الشعر"بـ

تعالى:وقوله﴾ما زاغ البصر وما طغى ،إشارة إلى الطرفين، وقوله:44﴿

﴾فكان قاب قوسين أو أدنى ،إشارة إلى التوحيد الجمعي المحمدي45﴿الجامع للتوحيدات كلها.

ليست الجنابة الحقيقية إال مشاهدة الغير على أي وجه كان،وبالجملة وليست الطهارة الحقيقية عند التحقيق إال بعد الخالص منها على أي وجه

كان، وفيه قيل: بطيف من خيال بعثتمقنعت

وكنت بوصل منكم غير قانع

.295، ص 11- أنظر: فتح الباري، ابن حجر، ج 43.17- سورة النجم، اآلية: 44.9- سورة النجم، اآلية: 45

262

رمت من ليلى من البعد نظرةإذالتطوى جوى بين الحشا واألضالع

نساء الحي تطمع أن ترىتقولبعينيك ليلى مت بداء المطامع

ترى ليلى بعين ترى بهاوكيفسواها، وما طهرتها بالمدامع

ذلك في هذا المعنى كثير، فليطلب من مظانها.وأمثال

أعلم وأحكم وهو يقول الحق وهو يهدي السبيل.والله

غسل الطوائف الثالث بقدر هذا المقام.هذا

263

الدرسخالصة

نموذج من المنهج العرفاني من كتاب: تفسير المحيط األعظمأوردنا ﴿يا أيهاوالبحر الخضم،للسيد حيدر اآلملي، وذلك تفسيرا لآلية التالية:

الة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم الذين آمنوا إذا قمتم إلى الص إلى المرافق وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين وإن

روا وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد كنتم جنبا فاطهموا ن الغائط أو المستم النساء فلم تجدوا ماء فتيم منكم م

نه ما يريد اللهحواصعيدا طيبا فامس بوجوهكم وأيديكم مركم وليتم نعمته عليكم ن حرج ولكن يريد ليطه ليجعل عليكم م

. 46﴾لعلكم تشكرون

أن يتحدث السيد حيدر اآلملي عن وضوء أهل الشريعة يقول: وأمابعد وضوء أهل الطريقة )طهارة النفس والعقل(، وأما أفعال هذه الطهارة

المعبر عنها بالوضوء: فالنية فيه، وهي أن ينوي المكلف بقلبه وسره أنه اليفعل فعال يخالف

الله تعالى بوجه من الوجوه، ويكون جميع عباداته لله خالصة دونرضىغيره.

الوجه، وهو أن يغسل وجه قلبه عن حدث التعلق بالدنيا وما فيها.وغسل

اليدين، وهو غسلهما وطهارتهما عما في قبضتهما من النقدوغسل والجنس والدنيا واآلخرة، فإن طهارتهما حقيقة ليس إال بترك مما في

تصرفهما وحكمهما.

الرأس، وهو أن يمسح رأسه الحقيقي المسمى بالعقل أو النفس،ومسح أي يطلع عليهما حتى يعرف أنه بقي عندهما شيء من محبة الدنيا وما

يتعلق بها من المال والجاه.

.6- سورة المائدة، اآلية: 46

264

الرجلين وهو أن يمنعهما عن المشي بغير رضى الله وطاعتهومسح ظاهرا وباطنا، والمراد بالرجلين في الظاهر معلوم وأما في الباطن هما

عبارتان عن القوة النظرية والعملية عند البعض وعن القوة الشهويةوالغضبية عند اآلخرين.

وضوء أهل الحقيقة )طهارة السر عن مشاهدة الغير(.وأما

عندهم المعبر عنه بالطهارة عبارة عن طهارة السر عن مشاهدةفالوضوءالغير مطلقا.

فيها وهي أن ينوي السالك في سره أنه ال يشاهد في الوجود غيرهوالنيةوال يتوجه إال إليه.

الوجه فيها عبارة عن طهارة الوجه الحقيقي ونظافة سره عنوغسل دنس التوجه إلى الغير، بحيث ال يشاهد غير وجهه الكريم وال يعرف غير

ذاته المحيط.

اليدين عبارة عن عدم االلتفات إلى ما في يديه من متاع الدنياوغسل واآلخرة، من الدنيا كالمال والجاه واألهل والولد، ومن اآلخرة كالعلم

والزهد والطاعة وما يحصل منها كالثواب والجنة والحور والقصور، ألنرؤية الطاعة والعبادة

التعظيم بهما عند أهل الله معصية.واستحقاق

الرأس عبارة عن تنزيه سره وتقديس باطنه الذي هو الرأسومسح الحقيقي عن دنس األنانية وحدث الغيرية الحاجب والحاجز بينه وبين

محبوبه.

بعد أن يتحدث السيد حيدر اآلملي عن غسل أهل الشريعة يقول: ثم

غسل أهل الطريقة )حب الدنيا جنابة(، وأما غسل أهل الحقيقة )البعدوأماعن الحق سبحانه ومشاهدة الغير، جنابة عند أهل الحقيقة(.

265

266

الرابع والعشرون:الدرس

تفسير موضوعي لبحث: حب الدنيا

الدرسأهداف

- أن يتعرف الطالب إلى نموذج من المنهج النقلي)القرآن بالقرآن(1- أن يتعرف إلى االتجاه الموضوعي )نموذج حب الدنيا(2

267

268

اسمالكتاب

في القرآناألخالق 

هـ -...(1345 مكارم الشيرازي )الشيخ تأليف معاصرعالم القرن )تفسير القران بالقران(النقليالمنهج األخالقيالموضوعي االتجاه

الدنياحبالموضوع101 -100 و ص 97 - 92 ص 2ج المصدر

... نعود إلى آيات القرآن الكريم لنستوحي من تعبيراتها الدقيقة ما يضيءلنا الطريق لدراسة هذه المبادئ والمواقف األخالقية المهمة:

- إن القرآن الكريم يرى أن الدنيا ما هي إال لعب ولهو كما يلهو ويلعب1 ﴿ومااألطفال، وقد ورد وصف ذلك في آيات متعددة، ففي قوله تعالى:

لعب ولهو .1﴾الحياة الدنيا إال.32- سورة األنعام، اآلية: 1

269

ما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينةوفي اعلموا أن ﴿ آية اخرى قوله تعالى .2﴾وتفاخر بينكم وتكاثر في األموال واألوالد

الحقيقة: إن هذه اآليات الكريمة تشبه أصحاب الدنيا بأنهم كاألطفالوفي الذين يعيشون الغفلة والجهل عما يدور حولهم وال هم لهم إال االشتغال بالتوافه والسفاسف من األمور فال يرون حتى الخطر القريب المحدق

بهم.

المفسرين قسم حياة اإلنسان إلى خمس مراحل )من الطفولة إلىبعض أن يبلغ مرحلة الكهولة في سن األربعين( وذكر أن لكل مرحلة ثمان

سنوات وقال: إن السنوات الثمانية األولى من عمر اإلنسان هي مرحلة اللعب، والسنوات الثمانية الثانية هي مرحلة اللهو، والسنوات الثمانية

حيث يعيش اإلنسان في فترة الشباب فإنه يتجه إلى الزينة وااللتذاذالثالثة بالجمال، والسنوات الثمانية الرابعة يقضي وقته وطاقاته في التفاخر،

وأخيرا في السنوات الثمانية الخامسة يهتم بالتكاثر في األموال واألوالد، آخر عمره،ىوهنا يثبت شخصية اإلنسان ويستمر على هذه الحالة إل

ر في الحياة المعنوية وبالتالي فإن أصحاب الدنيا ال يبقى لهم مجال للتفكوالقيم اإلنسانية السامية.

- ومن اآليات األخرى في هذا المجال نرى مفهوم "متاع الغرور" بالنسبة2 متاع الغرورإلى الحياة الدنيا حيث يقول تعالى ﴾وما الحياة الدنيا إال ﴿

3.

نكم بالله في مكان آخر ويقول نكم الحياة الدنيا وال يغر ﴿فال تغر.4﴾الغرور

التعبيرات تدل على أن زخارف الدنيا وبريقها الخادع يعد أحد الموانعوهذه

.20- سورة الحديد، اآلية: 2.185- سورة آل عمران، اآلية: 3.33- سورة لقمان، اآلية: 4

270

للتكامل المعنوي والصعود في درجات الكمال اإللهي لإلنسان وماالمهمة دام هذا المانع موجودا فإنه ال يصل إلى شيء من هذه الكماالت المعنوية.

الحياة الدنيا مثلها كمثل السراب الذي يجذب العطاشى نحوه فيإن الصحراء المحرقة ولكنهم ال يحصلون على شيء منه أخيرا، وهكذا حال

التعلقات المادية الدنيوية فإنها تجذب أصحاب الدنيا نحوها طمعا في إرواء المنحرفيرظمأهم وعطشهم إال أنهم ال يجدون ما يطلبونه في هذا المس

بل يزدادون ظمأ وحرقة، وكما أن السراب يبتعد عن اإلنسان كلما مشى نحوه وهكذا يظل يركض وراء السراب حتى يهلك، فكذلك الدنيا تبتعد عن

اإلنسان كلما اتجه نحوها فتزيده عطشا لها وإرهاقا حتى يهلك.

هذه الحالة في الكثير من أصحاب الدنيا الذين يركضون وراء متاعونرى الدنيا وزخارفها سنوات مديدة من عمرهم وعندما يحصلوا على شيء منها

فإنهم يصرحون بأنهم لم يجدوا ضالتهم أال وهي )الهدوء النفسي اتوالطمأنينة الروحية( بل يعيشون الجفاف الروحي أكثر ويجدون أن ملذ الحياة الدنيا تقترن دائما مع األشواك والمنغصات وبدال من أن تورثهم الهدوء والطمأنينة فإنها تعمل على إذكاء حالة القلق واالضطراب في

جوانحهم وأعماق وجودهم وبذلك ال يجدون مبتغاهم فيها.

- وهناك طائفة أخرى من اآليات الكريمة التي تقرر لنا هذه الحقيقة،3 وهي أن االنجذاب نحو زخارف الدنيا وزبارجها يؤدي إلى أن يعيش اإلنسان

الغفلة عن اآلخرة، أي أن يكون الشغل الشاغل له وهمه الوحيد هو ظاهرا﴿يعلمونتحصيل هذه الزخارف الخادعة، فتقول اآلية الشريفة: ن الحياة الدنيا وهم عن اآلخرة هم غافلون .5﴾م

.7- سورة الروم، اآلية: 5

271

يجهلون حتى الحياة الدنيا أيضا وبدال من أن يجعلوها مزرعة اآلخرةفهؤالء وقنطرة للوصول إلى الحياة الخالدة ونيل المقامات المعنوية وميدانا

لممارسة السلوكيات التي تصعد بهم في سلم الفضائل األخالقية ومدارج اإلنسانية، يتخذون الدنيا بعنوان أنها الهدف النهائي والمطلوب الحقيقي والمعبود الواقعي لهم، ومن الطبيعي أن مثل هؤالء األشخاص يعيشون

الغفلة عن الحياة األخرى.

القرآن الكريم في آية أخرى:ويقول

﴾أرضيتم بالحياة الدنيا من اآلخرة ﴿فما متاع ثم تضيف اآلية6﴿ قليل أجل فإن األشخاص الذين7﴾الحياة الدنيا في اآلخرة إال

يعيشون ضيق األفق ومحدودية الفكر فإنهم يرون الدنيا كبيرة وواسعة التي قررها الله تعالى لحياة اإلنسانيةوخالدة وينسون الحياة األخرى األبد

الكريمة والمليئة بالمواهب اإللهية والنعيم الخالد.

- ونقرأ في قسم آخر من اآليات الكريمة أن الدنيا هي "عرض" على4ر وزن "غرض" بمعنى الموجود المتزلزل والذي يعيش االهتزاز والتغي

﴿تبتغون عرضوالتبدل في جميع جوانبه وحاالته، ومن ذلك قوله تعالى .8﴾الحياة الدنيا فعند الله مغانم كثيرة

اآليات في مكان آخر مخاطبة ألصحاب النبي األكرم صلى الله عليهوتقول﴾تريدون عرض الدنيا والله يريد اآلخرةوآله وسلم ﴿9.

آيات أخرى نجد هذا التعبير أيضا حيث يدل على أن جماعة منوفي المسلمين أو غير المسلمين وبدافع من الحرص والطمع تركوا االهتمام

بالمواهب اإللهية

.38- سورة التوبة، اآلية: 6.38- سورة التوبة، اآلية: 7.94- سورة النساء، اآلية: 8.67- سورة األنفال، اآلية: 9

272

والحياة األخرى والقيم اإلنسانية العالية واشتغلوا في جمعالخالدة  زخارف الدنيا الزائله وإشباع الملذات الرخيصة في حركة الحياة الدنيا. أجل فإن النعمة الحقيقية هي ما عند الله تعالى وما بقي فكله "عرض"

يقبل الزوال واالندثار.

التعبير هو في الحقيقة إنذار لجميع طالب الدنيا بأنهم ينبغي عليهموهذا االهتمام بما لديهم من طاقات ورأس مال عظيم وبإمكانهم استخدامها في

سبيل حياة كريمة وخالدة فال يضيعونها في األمور الرخيصة والزائلة.

﴿زينة- ونقرأ في قسم آخر من اآليات التعبير عن المواهب المادية بأنها 5.10﴾الحياة الدنيا

﴿من تعبيرات مشابهة لهذه اآلية في آيات أخرى أيضا في قوله ووردت كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها وهم

.11﴾فيها ال يبخسون

مكان آخر يخاطب القرآن الكريم نساء النبي صلى الله عليه وآلهوفيزواجك إن كنتن تردن الحياةوسلم ويقول: ﴿يا أيها النبي قل أل

حكن سراحا جميال .12﴾الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكن وأسر

التعبيرات توضح بصورة جيدة أن هذا البريق لزخارف الحياة الدنيا ماوهذه هو إال زينة للحياة المادية، وبديهي أن اإلنسان ال يعبر عن األمور الحياتية

والمصيرية بتعبير "زينة" أو "زينة الحياة الدنيا" أي الحياة السفلىوالتافهة.

ومن الجدير بالذكر أنه حتى أن مفهوم "الزينة" نجده في آيات أخرى مبنيا

.46 و28- سورة الكهف، اآلية: 10.15- سورة هود، اآلية: 11.28- سورة األحزاب، اآلية: 12

273

حيث ورد تعبير "زين" وهذا يدل على أن هذه الزينة غير حقيقيةللمجهول بل خيالية ووهمية.

قوله تعالى: 212 نقرأ في سورة البقرة اآلية: مثال ﴿زين للذين كفروا. ﴾الحياة الدنيا

﴿زين للناس حب قوله تعالى: 14 في سورة آل عمران اآلية: ونقرأهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب الش

. ة ﴾والفض

التعبيرات وتعبيرات أخرى مماثله تشير إلى أنه حتى مفهوم "الزينة"هذه في مثل هذه الموارد ما هي إال زينة وهمية وخيالية حيث يتوهم الناس من

طالب الدنيا أنها زينة حقيقية وواقعية.

يتبادر سؤال مهم، وهو أنه لماذا جعل الله تعالى مثل هذه األمور زينةوهنافي أنظار الناس؟

المعلوم أن الدنيا إنما جعلت لتربية اإلنسان واختباره وامتحانه ألنومن اإلنسان إذا ترك مثل هذه الزينة الجميلة والخادعة والتي تكون مقرونة

بالحرام واإلثم غالبا من أجل الله تعالى والسير في خط التقوى واإليمان فإن ذلك من شأنه أن يعمق في نفسه روح التقوى والقيم األخالقية

ويصعد به في مدارج الكمال المعنوي وإال فإن صرف النظر عن هذهاألمور المخادعة بمجرده ال يعد افتخارا ومكرمة لإلنسان.

أدق فإن التمايالت والرغبات الباطنية واألهواء النفسانية تزينوبعبارة لإلنسان األمور المادية بزينة جميلة لكي تدعوه إلى ارتكاب اإلثم وممارسة

الحرام، وعليه فإن هذه الزينة تنبع من ذات اإلنسان ومن باطنه، وعندما فذلك بسبب أن اللهالىنرى في اآليات الكريمة نسبة التزين إلى الله تع

تعالى هو

274

خلق هذه التمايالت والرغبات واألهواء الطاغية، وعندما نقرأ فيالذي ن لهم وزي ﴿بعض اآليات نسبتها إلى الشيطان الرجيم في قوله تعالى:

يطان أعمالهم فذلك بسبب أن عملية التزيين هذه بالرغم من أنها13﴾الش من جهة منسوبة إلى الله تعالى بسبب القانون العام في عالم الخلقة، إال أن اتباع هذه األهواء والشهوات من جهة هو عمل الشيطان الرجيم الذي

يسول لإلنسان هذه األمور الخاطئة ليوقعه في اإلثم والذنب.

أية حال فإن المستفاد من مجموع اآليات المذكورة أعاله أن "حبوعلى الدنيا" إذا استقر في قلب اإلنسان وبصورة مفرطة فإنه سيؤدي به إلى

االبتعاد عن الله تعالى والغفلة عن اآلخرة.

المطلوبة والدنيا المذمومةالدنيا

كرارا أن المقصود من حب الدنيا في هذا البحث هو ما يساوي العشققلنا للدنيا ال االستفادة المعقولة من المواهب المادية والطبيعية للتوصل بها

إلى الكمال المعنوي فإن ذلك ليس من حب الدنيا قطعا بل من حب في خطسيراآلخرة، وبعبارة أخرى إن الكثير من البرامج المعنوية لل

التكامل اإلنساني ال تتسنى بدون االمكانات المادية، وفي الواقع إن هذه اإلمكانات المادية من قبيل مقدمة الواجب التي إذا أتى بها اإلنسان بنية

مقدمة الواجب، فمضافا إلى أنها ال تكون عيبا فإنها تكون مشمولة بالثواباإللهي أيضا.

السبب نجد في اآليات القرآنية الكثيرة تعبيرات إيجابية عن مواهبولهذاالدنيا، ومن ذلك:

- ما ورد في آية الوصية من التعبير عن مال الدنيا بـ "خير" أي الخير1المطلق

.24- سورة النمل، اآلية: 13

275

﴿كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك تقول اآلية: حيث .14﴾خيرا الوصية للوالدين واألقربين بالمعروف

- ويقول في مكان آخر "بركات السماء واألرض" عن مواهب الطبيعة2 ﴿ولو أن أهلالتي فتحها الله تعالى للمؤمنين وذلك في قوله تعالى:

ماء ن الس القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات م.15﴾واألرض ......

- ونقرأ في مكان آخر التعبير عن المال والثروة بأنها "فضل الله" كما3الة فانتشروا في األرضورد في سورة الجمعة: ﴿فإذا قضيت الص

.16﴾وابتغوا من فضل الله

- وفي آية أخرى ورد أن كثرة األموال والثروات بأنها ثواب من الله تعالى4درارا *للتائبين كما ورد في قصة نوح: ماء عليكم م ﴿يرسل الس

.17﴾ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهارا

مكان آخر يقرر أن األموال هي وسيلة للحياة ومحور للنشاطاتوفي الدنيوية لألقوام البشرية وتؤكد اآليات على عدم وضعها بيد السفهاء

وتقول: فهاء أموالكم التي جعل الله لكم قياما ﴾وال تؤتوا الس ﴿18.

- وفي مورد آخر يتحدث القرآن الكريم عن وعد الله تعالى للمجاهدين5في سبيله بالغنائم الكثيرة ويعدها من أنواع الثواب اإللهي لهم ويقول:

.180- سورة البقرة، اآلية: 14.96- سورة األعراف، اآلية: 15.10- سورة الجمعة، اآلية: 16.12 11- سورة نوح، اآليتان: 17.5- سورة النساء، اآلية: 18

276

ل لكم هذه....... ﴾وعدكم الله مغانم كثيرة تأخذونها فعج ﴿19.

- وفي موضع آخر من اآليات القرآنية الكريمة يتحدث القرآن عن النعم6 المادية الدنيوية ويعبر عنها بـ "الطيبات" كما نقرأ في سورة األعراف

م زينة الله التي أخرج لعباده قوله تعالى: 32اآلية: ﴿قل من حر. زق..... ﴾والطيبات من الر

﴿واذكروا إذ أنتم قليل مستضعفون في مورد آخر يقول: وفي األرض تخافون أن يتخطفكم الناس فآواكم وأيدكم بنصره

ن الطيبات لعلكم تشكرون .20﴾ورزقكم م

التعبيرات العميقة وأمثالها من تعبيرات القرآن الكريم يستفاد منهاهذه جيدا أن المواهب المادية والدنيوية في ظل ظروف خاصة وأجواء متناسبة

ليست فقط غير مطلوبة بل هي طيبة وطاهرة وباعثة على طيب البشروطهارتهم.

- ونقرأ في آيات أخرى عبارات تقرر أن اإلمكانات المادية مضافا إلى7 أنها من فضل الله على اإلنسان يمكنها أن تكون سببا للصعود باإلنسان

﴿ومنهم من سورة التوبة: 75إلى مرتبة الصالحين، كما ورد في اآلية: ن عاهد الله لئن آتانا من فضله ل دقنم ولنكونن مننص

. الحين ﴾الص

اآلية الشريفة وبالنظر إلى شأن نزولها كما ورد في التفاسير أنهاهذه نزلت في أحد األنصار يدعى "ثعلبة بن حاطب" الذي طلب من النبي صلى

الله عليه وآله وسلم أن يدعو له بكثرة المال لينفق منه في سبيل الله منيعرفوليكون من الصالحين ففي البداية لم يستجب النبي لطلبه لما

مزاجه وروحيته ولكن بعد إصراره دعا له

.20- سورة الفتح، اآلية: 19.26- سورة األنفال، اآلية: 20

277

بذلك وكانت النتيجة معروفة، فهذه اآلية توضح على أن االمكاناتالنبي  المادية يمكنها أن تكون وسيلة للصعود باإلنسان في مدارج الكمال

المعنوي ونيل السعادة الحقيقية والوصول إلى مرتبة الصالحين والمقربين.

مجموع العناوين السبعة الواردة باآليات أعاله يتضح جيدا أن النعمومن المادية والمواهب الدنيوية ليست مذمومة وقبيحة بالذات بل هي تابعة

لكيفية استخدامها واستعمالها والطريقة التي يسلك بها اإلنسان في طلوبةاالستفادة منها، فلو أنه استفاد منها بصورة صحيحة ألضحت م

وجميلة ونقية وطاهرة، وفي غير هذه الصورة فهي ذميمة وسلبيةومضرة....

278

الدرسخالصة

نموذجا للمنهج: النقلي "تفسير القران بالقران" واالتجاه:أوردنا الموضوعي األخالقي والموضوع عن حب الدنيا، من كتاب األخالق في

القرآن للشيخ مكارم الشيرازي )عالم معاصر(.

استوحى من آيات القرآن الكريم بخصوص موضوع حب الدنيا هذهوقدالمبادئ والمواقف األخالقية المهمة:

- إن القرآن الكريم يرى أن الدنيا ما هي إال لعب ولهو كما يلهو ويلعب1األطفال،

- ومن اآليات االخرى في هذا المجال نرى مفهوم "متاع الغرور" بالنسبة2 إلى الحياة الدنيا،وهذه التعبيرات تدل على أن زخارف الدنيا وبريقها

الخادع يعد أحد الموانع المهمة للتكامل المعنوي والصعود في درجات يصل إلى شيءالالكمال اإللهي لإلنسان وما دام هذا المانع موجودا فإنه

من هذه الكماالت المعنوية.

- وهناك طائفة أخرى من اآليات الكريمة التي تقرر لنا هذه الحقيقة،3 وهي أن االنجذاب نحو زخارف الدنيا وزبارجها يؤدي إلى أن يعيش اإلنسان

الغفلة عن اآلخرة، أي أن يكون الشغل الشاغل له وهمه الوحيد هوتحصيل هذه الزخارف الخادعة.

- ونقرأ في قسم آخر من اآليات الكريمة أن الدنيا هي "عرض" على4ر وزن "غرض" بمعنى الموجود المتزلزل والذي يعيش االهتزاز والتغي

والتبدل في جميع جوانبه وحاالته.

279

- ونقرأ في قسم آخر من اآليات التعبير عن المواهب المادية بأنها "زينة5الحياة الدنيا"

التعبيرات توضح بصورة جيدة أن هذا البريق لزخارف الحياة الدنيا ماوهذه هو إال زينة للحياة المادية، وبديهي أن اإلنسان ال يعبر عن األمور الحياتية

والمصيرية بتعبير "زينة" أو "زينة الحياة الدنيا" أي الحياة السفلىوالتافهة.

المطلوبة والدنيا المذمومةالدنيا

المقصود من حب الدنيا في هذا البحث هو ما يساوي العشق للدنيا الإن االستفادة المعقولة من المواهب المادية والطبيعية للتوصل بها إلى

الكمال المعنوي فإن ذلك ليس من حب الدنيا قطعا بل من حب اآلخرة، التكاملوبعبارة أخرى إن الكثير من البرامج المعنوية للسير في خط

اإلنساني ال تتسنى بدون اإلمكانات المادية، وفي الواقع إن هذه اإلمكانات المادية من قبيل مقدمة الواجب التي إذا أتى بها اإلنسان بنية مقدمة

الواجب، فمضافا إلى أنها ال تكون عيبا فإنها تكون مشمولة بالثواب اإللهيأيضا.

السبب نجد في اآليات القرآنية الكثيرة تعبيرات إيجابية عن مواهبولهذاالدنيا.

280

الخامس والعشرون:الدرس

(1تفسير موضوعي لبحث: الشفاعة)

الدرسأهداف

- أن يتعرف الطالب إلى نموذج من التفسير الكامل 1(1 بحث الشفاعة )نموذج

281

282

﴿يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم وأنيلتكم على العالمين * واتقوا يوما ال تجزي نفس عن نفس فض

شيئا وال يقبل منها شفاعة وال يؤخذ منها عدل وال هم 1﴾نصروني

في تفسير القرآنالميزان  الكتاباسم 1402 - 1321 السيد محمد حسين الطباطبائي)العالمة تأليف

هـ( عشر - الخامس عشرالرابع القرنالكامل المنهج - الكالمي العقائدي - الفلسفي - االجتماعيالموضوعي االتجاه

الشفاعة الموضوع99 - 87 ص 1ج المصدر

بيان

تعالى: واتقوا يوما ال تجزي.قوله

والسلطان الدنيوي بأنواعه وأقسامه وبجميع شؤونه، وقواه المقننةالملك

.48 47- سورة البقرة، اآليتان: 1

283

والمجرية مبتنية على حوائج الحياة، وغايتها رفع الحاجة حسب ماالحاكمة  يساعد عليه العوامل الزمانية والمكانية، فربما بدل متاع من متاع أو نفع من نفع أو حكم من حكم من غير ميزان كلي يضبط الحكم ويجري ذلك

وربمالعقاب،في باب المجازاة أيضا فإن الجرم والجناية عندهم يستتبع ا بدل الحاكم العقاب لغرض يستدعي منه ذلك كأن يلح المحكوم الذي يرجى عقابه على القاضي ويسترحمه أو يرتشيه فينحرف في قضائه

فيجزي أي يقضي فيه بخالف الحق، أو يبعث المجرم شفيعا يتوسط بينه الحاكمجةوبين الحاكم أو مجري الحكم أو يعطي عدال وبدال إذا كانت حا

المريد للعقاب إليه أزيد وأكثر من الحاجة إلى عقاب ذلك المجرم، أويستنصر قومه فينصروه فيتخلص بذلك عن تبعة العقاب ونحو ذلك.

سنة جارية وعادة دائرة بينهم، وكانت الملل القديمة من الوثنيينتلك وغيرهم تعتقد أن الحياة اآلخرة نوع حياة دنيوية يطرد فيها قانون األسباب

ر المادي الطبيعي، فيقدمون إلى آلهتهم ويحكم فيها ناموس التأثير والتأث في حوائجهم، أوإمدادأنواع القرابين والهدايا للصفح عن جرائمهم أو ال

يستشفعون بها، أو يفدون بشيء عن جريمة أو يستنصرون بنفس أو سالح حتى إنهم كانوا يدفنون مع األموات أنواع الزخرف والزينة، ليكون معهم ما

يتمتعون به في آخرتهم، ومن أنواع السالح ما يدافعون به عن أنفسهم، بها، ومن األبطال من يستنصرسوربما ألحدوا معه من الجواري من يستأن

به الميت، وتوجد اليوم في المتاحف بين اآلثار األرضية عتائق كثيرة من هذا القبيل، ويوجد عقائد متنوعة شبيهة بتلك العقائد بين الملل اإلسالمية على اختالف ألسنتهم وألوانهم، بقيت بينهم بالتوارث، ربما تلونت لونا بعد

وقد أبطل القرآن جميع هذهيل،لون، جيال بعد ج

284

﴿واألمر يومئذ الواهية، واألقاويل الكاذبة، فقد قال عز من قائل: اآلراء ﴾ورأوا العذاب وتقطعت بهم األسباب ، وقال: 2﴾لله ﴿ولقد، وقال3﴿

لن ا خو ة وتركتم م وراءاكمجئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مر ظهوركم وما نرى معكم شفعاءكم الذين زعمتم أنهم فيكم

ا كنتم تزعمون ، وقال:4﴾شركاء لقد تقطع بينكم وضل عنكم ما أسلفت وردوا إلى الله موالهم الحق ﴿هنالك تبلو كل نفس م

ا كانوا يفترون ، إلى غير ذلك من اآليات التي بين5﴾وضل عنهم م فيها: أن الموطن خال عن األسباب الدنيوية، وبمعزل عن االرتباطات

الطبيعية، وهذا أصل يتفرع عليه بطالن كل واحد من تلك األقاويل واألوهام على طريق اإلجمال، ثم فصل القول في نفي واحد واحد منها وإبطاله

﴿واتقوا يوما ال تجزي نفس عن نفس شيئا وال يقبل منهافقال: ، وقال: 6﴾شفاعة وال يؤخذ منها عدل وال هم ينصرون ﴿يوم ال

﴿يوم ال يغني مولى عن، وقال: 7﴾ةبيع فيه وال خلة وال شفاعولى شيئا ن الله من ، وقال: 8﴾م ﴿يوم تولون مدبرين ما لكم م

﴿ما لكم ال تناصرون * بل هم اليوم ، وقال: 9﴾عاصمهم واله﴿ويعبدون من دون الل ، وقال: 10﴾مستسلمون ما ال يضر

ينفعهم ويقولون هؤالء شفعاؤنا عند الله قل أتنبئون الله بماا ماوات وال في األرض سبحانه وتعالى عم ال يعلم في الس

﴿ما للظالمين من ، وقال: 11﴾يشركون

.19- سورة اإلنفطار، اآلية: 2.166- سورة البقرة، اآلية: 3.94- سورة األنعام ، اآلية: 4.30- سورة يونس، اآلية: 5.48- سورة البقرة، اآلية: 6.254- سورة البقرة، اآلية: 7.41- سورة الدخان، اآلية: 8.33، اآلية: غافر- سورة 9

.26 - 25- سورة الصافات، اآليتان: 10.18- سورة يونس، اآلية: 11

285

﴿فما لنا من شافعين * وال ، وقال: 12﴾ وال شفيع يطاعحميم ، إلى غير ذلك من اآليات الكريمة النافية لوقوع13﴾صديق حميم

الشفاعة وتأثير الوسائط واألسباب يوم القيامة هذا.

إن القرآن مع ذلك ال ينفي الشفاعة من أصلها، بل يثبتها بعض اإلثبات،ثمماوات واألرض وما بينهما فيقال تعالى الله الذي خلق الس :﴿

ستة أيام ثم استوى على العرش ما لكم من دونه من ولي والروناشفيع أفل ﴿ليس لهم من دونه ولي ، وقال تعالى: 14﴾ تتذكفاعة جميعا ، وقال تعالى: 15﴾وال شفيع ﴾قل لله الش ، وقال16﴿

ماوات وما في األرض من ذا الذي يشفعتعالى: ﴿له ما في الس بإذنه يع ، وقال تعالى:17﴾ ما بين أيديهم وما خلفهملمعنده إال

ماوات واألرض في ستة أيام ثم ﴿إن ربكم الله الذي خلق الس من بعد إذنه ,18﴾استوى على العرش يدبر األمر ما من شفيع إال

حمن ولدا سبحانه بل عباد مكرمونوقالوا﴿وقال تعالى: اتخذ الر * ال يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون * يعلم ما بين أيديهم

ن خشيته وما خلفهم وال يشفعون إال لمن ارتضى وهم مفاعة ، وقال: 19﴾فقونمش ﴿وال يملك الذين يدعون من دونه الش

فاعة ، وقال: 20﴾إال من شهد بالحق وهم يعلمون ﴿ال يملكون الشحمن عهدا ع﴿يومئذ ال تنف ، وقال تعالى: 21﴾إال من اتخذ عند الر

فاعة إال من أذن الش

.18، اآلية: غافر- سورة 12.101 - 100- سورة الشعراء، اآليتان: 13.3- سورة السجدة، اآلية: 14.51- سورة األنعام، اآلية: 15.44- سورة الزمر، اآلية: 16.255- سورة البقرة، اآلية: 17.3- سورة يونس، اآلية: 18.28 - 26- سورة األنبياء، اآليات: 19.86- سورة الزخرف، اآلية: 20.87- سورة مريم، اآلية: 21

286

حمن ورضي له قوال * يعلم ما بين أيديهم وما خلفهمله الرفاعة عنده إال ، وقال تعالى22﴾وال يحيطون به علما وال تنفع الش :﴿

ماوات ال ، وقال تعالى: 23﴾لمن أذن له لك في الس ﴿وكم من م تغني شفاعتهم شيئا إال من بعد أن يأذن الله لمن يشاء

.24﴾ويرضى

اآليات كما ترى بين ما يحكم باختصاص الشفاعة بالله عز اسمهفهذه كاآليات الثالثة األولى وبين ما يعممها لغيره تعالى بإذنه وارتضائه ونحو ذلك، وكيف كان فهي تثبت الشفاعة بال ريب، غير أن بعضها تثبتها بنحو

األصالة لله وحده من شريك، وبعضها تثبتها لغيره بإذنه وارتضائه، وقد عرفت أن هناك آياتغير

تنفيها فتكون النسبة بين هذه اآليات كالنسبة بين اآليات النافية لعلم الغيب ﴿قلعن غيره، وإثباته له تعالى باالختصاص ولغيره بارتضائه، قال تعالى:

ماوات واألر ، وقال تعالى:25﴾ الغيبضال يعلم من في الس هو ﴿عالم وقال تعالى: 26﴾ ﴿وعنده مفاتح الغيب ال يعلمها إال

سول ،27﴾الغيب فال يظهر على غيبه أحدا * إال من ارتضى من ر وكذلك اآليات الناطقة في التوفي والخلق والرزق والتأثير والحكم والملك

وغير ذلك فإنها شائعة في أسلوب القرآن، حيث ينفي كل كمال عن تعالى، ثم يثبته لنفسه، ثم يثبته لغيره بإذنه ومشيته، فتفيد أنغيره

الموجودات غيره تعالى ال تملك ما تملك من هذه الكماالت بنفسها واستقاللها، وإنما تملكها بتمليك الله لها إياها، حتى أن القرآن يثبت نوعا

من المشية في ما حكم فيه وقضى ا الذين شقوا ففي النار لهم بقضاء، حتم كقوله تعالى: عليه ﴿فأم

ماوات واألرض فيها زفير وشهيق * خالدين فيها ما دامت الس ما شاء ربك إن ربك فعال إال

.110- 109- سورة طه، اآليتان: 22.23- سورة سبأ، اآلية: 23.26- سورة النجم، اآلية: 24.65- سورة النمل، اآلية: 25.59- سورة األنعام، اآلية: 26.27 - 26- سورة الجن، اآليتان: 27

287

ا الذين سعدوا ففي الجنة خالدين فيها ما دامتلما يريد * وأم ما شاء ربك عطاء غير مجذوذ ماوات واألرض إال .28﴾الس

علق الخلود بالمشية وخاصة في خلود الجنة مع حكمه بأن العطاء غيرفقد مجذوذ، إشعارا بأن قضاءه تعالى بالخلود ال يخرج األمر من يده وال يبطل

﴿إن ربك فعال لماسلطانه وملكه عز سلطانه كما يدل عليه قوله: ، وبالجملة ال إعطاء هناك 29﴾يريد األمر من يده ويوجب له الفقر، وال منع يضطره إلى حفظ ما منعهيخرج

وإبطال سلطانه تعالى.

هنا يظهر أن اآليات النافية للشفاعة إن كانت ناظرة إلى يوم القيامةومن فإنما تنفيها عن غيره تعالى بمعنى االستقالل في الملك، واآليات المثبتة

تثبتها لله سبحانه بنحو األصالة، ولغيره تعالى بإذنه وتمليكه، فالشفاعةثابتة لغيره تعالى بإذنه

ماذا يفيده كالمه في معنى الشفاعة ومتعلقها؟ وفيمن تجري؟فلننظر وممن تصح؟ ومتى تتحقق؟ وما نسبتها إلى العفو والمغفرة منه تعالى؟

ونحو ذلك في أمور.

- ما هي الشفاعة؟...1

- إشكاالت الشفاعة...2

- فيمن تجري الشفاعة؟3

عرفت أن تعيين المشفوع لهم يوم القيامة ال يالئم التربية الدينية كلقد المالءمة إال أن يعرفوا بما ال يخلو عن شوب إبهام وعلى ذلك جرى بيان

﴿كل نفس بما كسبت رهينة * إال أصحابالقرآن، قال تعالى: اليمين * في جنات يتساءلون * عن

.108 - 106- سورة هود، اآليات: 28.107- سورة هود، اآلية: 29

288

* ما سلككم في سقر * قالوا لم نك من المصلين *المجرمين ولم نك نطعم المسكين * وكنا نخوض مع الخائضين * وكنا نكذب بيوم الدين * حتى أتانا اليقين * فما تنفعهم شفاعة

افعينال ، بين سبحانه فيها أن كل نفس مرهونة يوم القيامة بما30﴾ش كسبت من الذنوب، مأخوذة بما أسلفت من الخطايا إال أصحاب اليمين

فقد فكوا من الرهن وأطلقوا واستقروا في الجنان، ثم ذكر أنهم غير محجوبين عن المجرمين الذين هم مرهونون بأعمالهم، مأخوذ عليهم في سقر، يتساءلون عنهم سلوكهم في النار، وهم يجيبون باإلشارة إلى عدة

صفات ساقتهم إلى النار، فرع على هذه الصفات بأنه لم ينفعهم لذلكشفاعة الشافعين.

هذا البيان كون أصحاب اليمين غير متصفين بهذه الصفات التيومقتضى يدل الكالم على كونها هي المانعة عن شمول الشفاعة، وإذا كانوا غير

متصفين بهذه الصفات المانعة عن شمول الشفاعة وقد فك الله تعالى نفوسهم عن رهانة الذنوب واآلثام دون المجرمين المحرومين عن

المسلوكين في سقر، فهذا الفك واإلخراج إنما هو بالشفاعةة،الشفاع فأصحاب اليمين هم المشفعون بالشفاعة، وفي اآليات تعريف أصحاب اليمين بانتفاء األوصاف المذكورة عنهم، بيان ذلك: أن اآليات واقعة في

سورة المدثر وهي من السور النازلة بمكة في بدء البعثة كما ترشد إليه اآليات الواقعة فيها، ولم يشرع يومئذ الصالة والزكاة بالكيفيةينمضام

الموجودة اليوم، فالمراد بالصالة في قوله لم نك من المصلين التوجه إلى الله تعالى بالخضوع العبودي، وبإطعام المسكين مطلق اإلنفاق على المحتاج في سبيل الله، دون الصالة والزكاة المعهودتين في الشريعة

والخوض هو الغور في مالهي الحياة وزخارف الدنيا الصارفةإلسالميةالإلنسان عن اإلقبال على اآلخرة وذكر الحساب يوم الدين، أو التعمق

.48 - 38- سورة المدثر، اآليات: 30

289

الطعن في آيات الله المذكرة ليوم الحساب المبشرة المنذرة،في  وبالتلبس بهذه الصفات األربع، وهي ترك الصالة لله وترك اإلنفاق في

سبيل الله والخوض وبتكذيب يوم الدين ينهدم أركان الدين، وبالتلبس بها إلعراضتقوم قاعدته على ساق فإن الدين هو االقتداء بالهداة الطاهرين با

عن اإلخالد إلى األرض واإلقبال إلى يوم لقاء الله، وهذان هما ترك الخوض وتصديق يوم الدين والزم هذين عمال التوجه إلى الله بالعبودية، والسعي في رفع حوائج جامعة الحياة وهذان هما الصالة واإلنفاق في سبيل الله،

األربع، وتستلزمالخصالفالدين يتقوم بحسب جهتي العلم والعمل بهذه بقية األركان كالتوحيد والنبوة استلزاما هذا، فأصحاب اليمين هم الفائزون

بالشفاعة، وهم دينا واعتقادا سواء كانت أعمالهم مرضية غير محتاجة إلىالمرضيون

شفاعة يوم القيامة أو لم تكن، وهم المعنيون بالشفاعة، فالشفاعة ﴿إن تجتنبوا كبآئر ماللمذنبين من أصحاب اليمين، وقد قال تعالى:

ر عنكم سيئاتكم كان له ذنب باق إلى يومفمن ، 31﴾تنهون عنه نكف القيامة فهو ال محالة من أهل الكبائر، إذ لو كان الذنب من الصغائر فقط لكان مكفرا عنه، فقد بان أن الشفاعة ألهل الكبائر من أصحاب اليمين،

وقد قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: إنما شفاعتي ألهل الكبائر منأمتي فأما المحسنون

عليهم من سبيل، الحديث.فما

جهة أخرى إنما سمي هؤالء بأصحاب اليمين في مقابل أصحابومن الشمال وربما سموا أصحاب الميمنة في مقابل أصحاب المشأمة، وهو

من األلفاظ التي اصطلح عليه القرآن مأخوذ من إيتاء اإلنسان يوم القيامةكتابه بيمينه أو بشماله،

﴿يوم ندعو كل أناس بإمامهم فمن أوتي كتابه بيمينه تعالى: قال فأولئك يقرؤون كتابهم وال يظلمون فتيال * ومن كان في هذه

أعمى

.31- سورة النساء، اآلية: 31

290

، وسنبين في اآلية إن شاء32﴾ في اآلخرة أعمى وأضل سبيال فهو الله تعالى أن المراد من إيتاء الكتاب باليمين اتباع اإلمام الحق، ومن إيتائه

يقدم قومه يومبالشمال اتباع إمام الضالل كما قال تعالى في فرعون :﴿ ، وبالجملة مرجع التسمية بأصحاب اليمين33﴾لنارالقيامة فأوردهم ا

أيضا إلى ارتضاء الدين كما أن إليه مرجع التوصيف بالصفات األربعةالمذكورة هذا.

﴿وال يشفعون إال لمن إنه تعالى قال في موضع آخر من كالمه: ثم ، فأثبت الشفاعة على من ارتضى، وقد أطلق االرتضاء من34﴾ارتضى

حمنغير تقييد بعمل ونحوه، كما فعله في قوله: ﴿إال من أذن له الر به ارتضاء أنفسهم أي ارتضاءد ، ففهمنا أن المرا35﴾ورضي له قوال

دينهم ال ارتضاء عملهم، فهذه اآلية أيضا ترجع من حيث اإلفادة إلى ما ﴿يوم نحشر المتقين إلىترجع إليه اآليات السابقة ثم إنه تعالى قال

حمن وفدا* ونسوق المجرمين إلى جهنم وردا * ال يم لكونالرحمن عهدا فاعة إال من اتخذ عند الر فهو يملك الشفاعة أي﴾الش

المصدر المبني للمفعول وليس كل مجرم بكافر محتوم له النار، بدليل ﴿إنه من يأت ربه مجرما فإن له جهنم ال يموت فيهاقوله تعالى:

الحات فأولئك لهم يىوال يح * ومن يأته مؤمنا قد عمل الص ، فمن لم يكن مؤمنا قد عمل صالحا فهو مجرم36﴾الدرجات العلى

سواء كان لم يؤمن، أو كان قد آمن ولم يعمل صالحا، فمن المجرمين من ذيكان على دين الحق لكنه لم يعمل صالحا وهو ال قد اتخذ عند الله عهدا

﴿ألم أعهد إليكم يا بني آدم أن اللقوله تعالى:

.72 - 71- سورة اإلسراء، اآليتان: 32.98- سورة هود، اآلية: 33.28- سورة األنبياء، اآلية: 34.109- سورة طه، اآلية: 35.75 - 74- سورة طه، اآليتان: 36

291

بين * وأن اعبدوني هذا صراطتعبدوا  يطان إنه لكم عدو م الش﴾وأن اعبدوني فقوله تعالى: 37﴾مستقيم عهد بمعنى األمر وقوله﴿

تعالى: هذا صراط مستقيم، عهد بمعنى االلتزام الشتمال الصراط فهؤالء قوم من أهل اإليمانالنجاة،المستقيم على الهداية إلى السعادة و

يدخلون النار لسوء أعمالهم، ثم ينجون منها بالشفاعة، وإلى هذا المعنىعدودة قليلوح قوله تعالى أياما م نا النار إال ﴿وقالوا لن تمس

ترجع إليهما ، فهذه اآليات أيضا ترجع إلى 38﴾أتخذتم عند الله عهدا اآليات السابقة، والجميع تدل على أن مورد الشفاعة أعني المشفوع لهم

يوم القيمة هم الدائنون بدين الحق من أصحاب الكبائر، وهم الذين ارتضىالله دينهم.

- من تقع منه الشفاعة؟4

عرفت أن الشفاعة منها تكوينية، ومنها تشريعية، فأما الشفاعةقد التكوينية فجملة األسباب الكونية شفعاء عند الله بما هم وسائط بينه وبين

األشياء.

الشفاعة التشريعية، وهي الواقعة في عالم التكليف والمجازات،وأما فمنها ما يستدعي في الدنيا مغفرة من الله سبحانه أو قربا وزلفى، فهو

شفيع متوسط بينه وبين عبده.

﴿قل يا عبادي الذين أسرفوا على التوبة كما قال تعالى: ومنهحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا أنفسهم ال تقنطوا من ر

حيم * وأنيبوا إلى ربكم ، ويعم شموله لجميع39﴾إنه هو الغفور الر حتى الشرك.معاصيال

.61- 60- سورة يس، اآليتان: 37.80- سورة البقرة، اآلية: 38.54 - 53- سورة الزمر، اآليتان: 39

292

﴾وآمنوا برسوله ، إلى قوله: ويغفر لكم اإليمان قال تعالى: ومنه ﴿40.

كل عمل صالح.ومنه

غفرة تعالىقال الحات لهم م وعد الله الذين آمنوا وعملوا الص :﴿ ﴿يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله، وقال تعالى: 41﴾وأجر عظيم

واآليات فيه كثيرة، ومنه القرآن لقوله تعالى:42﴾وابتغوا إليه الوسيلةندي﴿يه الم ويخرجهم م به الله من اتبع رضوانه سبل الس

.43﴾الظلمات إلى النور بإذنه ويهديهم إلى صراط مستقيم

كل ما له ارتباط بعمل صالح، والمساجد واألمكنة المتبركة واأليامومنهالشريفة، ومنه األنبياء والرسل باستغفارهم ألممهم.

﴿ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جآؤوك فاستغفروا الله تعالى: قالحيما ابا ر سول لوجدوا الله تو .44﴾واستغفر لهم الر

﴿الذين يحملون المالئكة في استغفارهم للمؤمنين، قال تعالى: ومنه العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويؤمنون به

﴿والمالئكة يسبحون ، وقال تعالى: 45﴾ويستغفرون للذين آمنوا لمن في األرض أال إن الله هو الغفورستغفرونبحمد ربهم وي

حيم ومنه المؤمنون باستغفارهم ألنفسهم وإلخوانهم المؤمنين.46﴾الر

﴾ اعف عنا واغفر لنا وارحمنآ أنت موالنا تعالى حكاية عنهم قال ﴿47.

.28- سورة الحديد، اآلية: 40.9- سورة المائدة، اآلية: 41.35- سورة المائدة، اآلية: 42.16- سورة المائدة، اآلية: 43.64- سورة النساء، اآلية: 44.7، اآلية: غافر- سورة 45.5- سورة الشورى، اآلية: 46.286- سورة البقرة، اآلية: 47

293

الشفيع يوم القيمة، بالمعنى الذي عرفت، فمنهم األنبياء، قال تعالى:ومنهاحمن ولدا سبحانه بل عباد مكرمون ﴾وقالوا اتخذ الر إلى أن﴿

﴾وال يشفعون إال لمن ارتضىقال: ، فإن منهم عيسى بن مريم48﴿فاعةال﴿ووهو نبي، وقال تعالى: يملك الذين يدعون من دونه الش

، واآليتان تدالن على 49﴾إال من شهد بالحق وهم يعلمون الشفاعة من المالئكة أيضا ألنهم قالوا إنهم بنات الله سبحانه.جواز

ماوات ال تغني المالئكة، قال تعالى: ومنهم لك في الس ﴿وكم من م ،50﴾شفاعتهم شيئا إال من بعد أن يأذن الله لمن يشاء ويرضى

حمنوقال تعالى: فاعة إال من أذن له الر ﴿يومئذ ال تنفع الش . ومنهم51﴾ له قوال * يعلم ما بين أيديهم وما خلفهمضيور

﴿وال يملك الذين يدعون من دونهالشهداء لداللة قوله تعالى: فاعة إال من شهد بالحق وهم يعلمون ،على تملكهم52﴾الش

شهيد فهو شفيع يملك الشهادة غير أنفكلللشفاعة لشهادتهم بالحق، ﴿وكذلكهذه الشهادة كما مر في سورة الفاتحة وسيأتي في قوله تعالى

ة وسطا لتكونوا شهداء على الناس شهادة األعمال53﴾جعلناكم أم منيندون الشهادة بمعنى القتل في معركة القتال، ومن هنا يظهر أن المؤ

أيضا من الشفعاء فإن الله عز وجل أخبر بلحوقهم بالشهداء يوم القيامة،ديقونقال تعالى: ﴿والذين آمنوا بالله ورسله أولئك هم الص

هداء عند ربهم ، كما سيجيء بيانه.54﴾والش

.28- سورة األنبياء، اآلية: 48.86- سورة الزخرف، اآلية: 49.26- سورة النجم، اآلية: 50.110- سورة طه، اآلية: 51.86- سورة الزخرف، اآلية: 52.143- سورة البقرة، اآلية: 53.19- سورة الحديد، اآلية: 54

294

- بماذا تتعلق الشفاعة؟5

عرفت أن الشفاعة منها تكوينية تتعلق بكل سبب تكويني في عالمقد األسباب ومنها شفاعة تشريعية متعلقة بالثواب والعقاب فمنها ما يتعلق

بعقاب كل ذنب، الشرك فما دونه كشفاعة التوبة واإليمان قبل يومالقيامة ومنها ما يتعلق بتبعات

الذنوب كبعض األعمال الصالحة، وأما الشفاعة المتنازع فيها وهيبعض شفاعة األنبياء وغيرهم يوم القيامة لرفع العقاب ممن استحقه بالحساب، فقد عرفت في األمر الثالث أن متعلقها أهل المعاصي الكبيرة ممن يدين

دين الحق وقد الله دينه.ارتضى

- متى تنفع الشفاعة؟6

بها أيضا الشفاعة الرافعة للعقاب، والذي يدل عليه قوله سبحانه:ونعني كل نفس بما كسبت رهينة * إال أصحاب اليمين * في جنات﴿

، فاآليات كما55﴾يتساءلون * عن المجرمين * ما سلككم في سقر تناله الشفاعة ومن يحرم منها غير أنها تدل علىنمر دالة على توصيف م

أن الشفاعة إنما تنفع في الفك عن هذه الرهانة واإلقامة والخلود في سجن النار، وأما ما يتقدم عليه من أهوال يوم القيامة وعظائمها فال دليل

على وقوع شفاعة فيها لو لم تدل اآلية على انحصار الشفاعة في الخالص النار.و اعلم أنه يمكن أن يستفاد من هذه اآليات وقوع هذارهانةمن

التساؤل بعد استقرار أهل الجنة في الجنة وأهل النار في النار وتعلق الشفاعة بجمع من المجرمين بإخراجهم من النار، وذلك لمكان قوله: في

دخالجنات، الدال على االستقرار وقوله: ما سلككم فإن السلوك هو اإللكن ال كل إدخال بل إدخال على سبيل النضد

.42 - 38- سورة المدثر، اآليات: 55

295

والنظم ففيه معنى االستقرار وكذا قوله: فما تنفعهم، فإن ماوالجمع لنفي الحال، فافهم ذلك.

نشأة البرزخ وما يدل على حضور النبي صلى الله عليه وآله وسلموأما واألئمة عليهم السالم عند الموت وعند مساءلة القبر وإعانتهم إياه على

ليؤمننالشدائد كما سيأتي في قوله تعالى: ن أهل الكتاب إال ﴿وإن م شيء وإنما هو من سبيلفي ، فليس من الشفاعة عند الله 56﴾به

﴿وعلىالتصرفات والحكومة الموهوبة لهم بإذن الله سبحانه، قال تعالى: بسيماهم ونادوا أصحاب الجنة أن األعراف رجال يعرفون كال

نادى﴿وإلى أن قال: ﴾سالم عليكم لم يدخلوها وهم يطمعون أصحاب األعراف رجاال يعرفونهم بسيماهم قالوا ما أغنى

عنكم جمعكم وما كنتم تستكبرون * أهؤالء الذين أقسمتم ال ينالهم الله برحمة ادخلوا الجنة ال خوف عليكم وال أنتم

﴿يوم ندعو كل ، ومن هذا القبيل من وجه قوله تعالى: 57﴾تحزنون ، فوساطة اإلمام في58﴾أناس بإمامهم فمن أوتي كتابه بيمينه

الدعوة، وإيتاء الكتاب من قبيل الحكومة الموهوبة فافهم.

أن المتحصل من أمر الشفاعة وقوعها في آخر موقف منفتحصل مواقف يوم القيامة باستيهاب المغفرة بالمنع عن دخول النار، أو إخراج

بعض من كان داخال فيها، باتساع الرحمة أو ظهور الكرامة.

.159- سورة النساء، اآلية: 56.49، 48، 46- سورة األعراف، اآليات: 57.71- سورة اإلسراء، اآلية: 58

296

الدرسخالصة

- أوردنا نموذجا للمنهج الكامل من تفسير الميزان للعالمةالطباطبائي،وذلك تفسيرا لآلية التالية: ﴿يا بني إسرائيل اذكروا

لتكم على العالمين * نعمتي التي أنعمت عليكم وأني فض نفس شيئا وال يقبل منهاعنواتقوا يوما ال تجزي نفس

.59﴾شفاعة وال يؤخذ منها عدل وال هم ينصرون

أن يورد العالمة اآليات الواردة في الشفاعة وينفي كونها بمعنىبعد الواسطة المتعارفة عند الناس، يصل إلى هذه النتيجة: "ومن هنا يظهر أن

اآليات النافية للشفاعة إن كانت ناظرة إلى يوم القيامة فإنما تنفيها عنغيره تعالى بمعنى

في الملك، واآليات المثبتة تثبتها لله سبحانه بنحو األصالة،االستقاللولغيره تعالى بإذنه وتمليكه، فالشفاعة ثابتة لغيره تعالى".

- فيمن تجري الشفاعة؟ الشفاعة تجري في أصحاب اليمين الذين ارتضىالله تعالى دينهم من أصحاب الكبائر.

- من تقع منه الشفاعة؟الشفاعة منها تكوينية: وتعني أن جملة األسباب الكونية شفعاء عند الله بما هم وسائط بينه وبين األشياء.ومنها تشريعية:

وهي الواقعة في عالم التكليف والمجازات،كاإليمان والعمل الصالحوالتوبة والقرآن والمساجد

المباركة واأليام الشريفة واألنبياء والمالئكة.واألمكنة

- متى تنفع الشفاعة؟ المتحصل من أمر الشفاعة وقوعها في آخر موقف من مواقف يوم القيامة باستيهاب المغفرة بالمنع عن دخول النار، أو

إخراج بعض من كان داخال فيها.

.48 47- سورة البقرة، اآليتان: 59

297

298

السادس والعشرون: الدرس

(2تفسير موضوعي لبحث: الشفاعة )

الدرسأهداف

- أن يتعرف الطالب إلى نموذج من التفسير الكامل1(2 بحث الشفاعة )نموذج

299

300

اسمالكتاب

في تفسير القرآنالميزان

هـ(1402 - 1321 السيد محمد حسين الطباطبائي)العالمة تأليف عشر - الخامس عشرالرابع القرنالكاملالمنهج - الكالمي العقائدي - الفلسفي - االجتماعيالموضوعي االتجاه

الشفاعة الموضوع106 - 99 ص 1ج المصدر

أن بحثنا في الدرس السابق جانبا من تفسير العالمة الطباطبائيبعد ﴿يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي من سورة البقرة: 48 47لآليتين:

لتكم على العالمين * واتقوا يوما التي أنعمت عليكم وأني فض ال تجزي نفس عن نفس شيئا وال يقبل منها شفاعة وال يؤخذ

نكمل في هذا الدرس تكملة تفسيره،  ﴾منها عدل وال هم ينصرونوهنا يبحث

بحثا روائيا وفلسفيا واجتماعيا.العالمة

روائيبحث

أمالي الصدوق، عن الحسين بن خالد عن الرضا عن آبائه عن أميرفي المؤمنين عليه السالم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:

من لم يؤمن بحوضي فال أورده الله

301

ومن لم يؤمن بشفاعتي فال أناله الله شفاعتي ثم قال صلى اللهحوضي  عليه وآله وسلم إنما شفاعتي ألهل الكبائر من أمتي، فأما المحسنون منهم فما عليهم من سبيل، قال الحسين بن خالد: فقلت للرضا عليه

إالون﴿وال يشفعالسالم يا بن رسول الله فما معنى قول الله عز وجل: ....1 قال عليه السالم ال يشفعون إال لمن ارتضى الله دينه﴾لمن ارتضى

تفسير العياشي، أيضا: عن أحدهما عليهما السالم: في قوله تعالى:وفي.....2عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا، قال: هي الشفاعة

تفسير القمي، أيضا: في قوله تعالى: وال تنفع الشفاعة عنده إال لمنوفي أذن له. قال عليه السالم: ال يشفع أحد من أنبياء الله ورسله حتى يأذن

الله له إال رسول الله فإن الله أذن له في الشفاعة قبل يوم القيامة،.3ياءوالشفاعة له ولألئمة من ولده ثم من بعد ذلك لألنب

الخصال عن علي عليه السالم قال قال: رسول الله صلى الله عليهوفي وآله وسلم: ثالثة يشفعون إلى الله عز وجل فيشفعون: األنبياء، ثم

.4العلماء، ثم الشهداء

: الظاهر أن المراد بالشهداء، شهداء معركة القتال كما هو المعروفأقولفي لسان األئمة في األخبار ال شهداء األعمال كما هو مصطلح القرآن.

الخصال، في حديث األربعمائة: وقال عليه السالم: لنا شفاعة وألهلوفي.5مودتنا شفاعة

: وهناك روايات كثيرة في شفاعة سيدة النساء فاطمة عليها السالمأقولوشفاعة ذريتها غير األئمة وشفاعة المؤمنين حتى السقط منهم....

.56- األمالي، الشيخ الصدوق، ص 1.314، ص 2- تفسير العياشي، محمد بن مسعود العياشي، ج2.201، ص 2- تفسير القمي، علي بن إبراهيم القمي، ج3.156- الخصال، الشيخ الصدوق، ص 4.624- الخصال، الشيخ الصدوق، ص 5

302

الخصال بأسانيد عن الرضا عن آبائه عليهم السالم قال قال: رسولوفي الله صلى الله عليه وآله وسلم: إذا كان يوم القيامة تجلى الله عز وجل

لعبده المؤمن فيوقفه على ذنوبه ذنبا ذنبا ثم يغفر الله له ال يطلع الله له ملكا مقربا وال نبيا مرسال ويستر عليه أن يقف عليه أحد، ثم يقول لسيئاته:

....6كوني حسنات

األمالي عن الصادق عليه السالم: إذا كان يوم القيامة نشر الله تباركوفي.7وتعالى رحمته حتى يطمع إبليس في رحمته

: والروايات الثالث األخيرة من المطلقات واألخبار الدالة على وقوعأقول شفاعة النبي صلى الله عليه وآله وسلم يوم القيامة من طرق أئمة أهل

البيت وكذا من طرق أهل السنة والجماعة بالغة حد التواتر، وهي من مننبينحيث المجموع إنما تدل على معنى واحد وهو الشفاعة على المذ

أهل اإليمان إما بالتخليص من دخول النار وإما باإلخراج منها بعد الدخول فيها، والمتيقن منها عدم خلود المذنبين من أهل اإليمان في النار وقد

عرفت أن القرآن أيضا ال يدل على أزيد من ذلك.

فلسفيبحث

العقلية وإن قصرت عن إعطاء التفاصيل الواردة كتابا وسنة فيالبراهين المعاد لعدم نيلها المقدمات المتوسطة في االستنتاج على ما ذكره الشيخ ابن سينا لكنها تنال ما يستقبله اإلنسان من كماالته العقلية والمثالية في

صراطي السعادة د العقلي والمثالي الناهضوالشقاوة بعد مفارقة نفسه بدنه من جهة التجر

عليهما البرهان.

في بادىء أمره يحصل له من كل فعل يفعله هيئة نفسانية وحالفاإلنسان من أحوال السعادة والشقاوة، ونعني بالسعادة ما هو خير له من حيث إنه

إنسان،

.36، ص 1- عيون أخبار الرضا، الشيخ الصدوق، ج6.274- األمالي، الشيخ الصدوق، ص 7

303

رها ملكة راسخة، ثموبالشقاوة  ما يقابل ذلك، ثم تصير تلك األحوال بتكر يتحصل منها صورة سعيدة أو شقية للنفس تكون مبدأ لهيئات وصور نفسانية، فإن كانت سعيدة فآثارها وجودية مالئمة للصورة الجديدة،

أمورهاوللنفس التي هي بمنزلة المادة القابلة لها، وإن كانت شقية فآثار عدمية ترجع بالتحليل إلى الفقدان والشر، فالنفس السعيدة تلتذ بآثارها بما هي إنسان، وتلتذ بها بما هي إنسان سعيد بالفعل، والنفس الشقية

وإن كانت آثارها مستأنسة لها ومالئمة بما أنها مبدأ لها لكنها تتألم بها بما في جانب السعادةكاملةأنها إنسان، هذا بالنسبة إلى النفوس ال

والشقاوة، أعني اإلنسان السعيد ذاتا والصالح عمال واإلنسان الشقي ذاتا والطالح عمال، وأما الناقصة في سعادتها وشقاوتها فاإلنسان السعيد ذاتا

الشقي فعال بمعنى أن يكون ذاته ذات صورة سعيدة باالعتقاد الحق الثابت ردية من الذنوب واآلثام اكتسبتها حينقيةغير أن في نفسه هيئات ش

تعلقها بالبدن الدنيوي وارتضاعها من ثدي االختيار، فهي أمور قسرية غير مالئمة لذاته، وقد أقيم البرهان على أن القسر ال يدوم، فهذه النفس سترزق التطهر منها في برزخ أو قيامة على حسب قوة رسوخها في

للنفس الشقية من الهيئات العارضة السعيدةاالنفس، وكذلك األمر فيم فإنها ستسلب عنها وتزول سريعا أو بطيئا، وأما النفس التي لم تتم لها

فعلية السعادة والشقاوة في الحياة الدنيا حتى فارقت البدن مستضعفة ناقصة فهي من المرجئين ألمر الله عز وجل، فهذا ما يقتضيه البراهين في

المجازاة بالثواب والعقاب المقتضية لكونها من لوازم األعمال ونتائجها، لوجوب رجوع الروابط الوضعية االعتبارية باآلخرة إلى روابط حقيقية

وجودية هذا.

إن البراهين قائمة على أن الكمال الوجودي مختلف بحسب مراتبثم الكمال والنقص والشدة والضعف وهو التشكيك خاصة في النور المجرد

فلهذه النفوس مراتب مختلفة في القرب والبعد من مبدإ الكمال ومنتهاهفي سيرها االرتقائي

إلى ما بدأت منها وهيوعودها

304

فوق بعض، وهذه شأن العلل الفاعلية بمعنى ما به ووسائطبعضها  الفيض، فلبعض النفوس وهي النفوس التامة الكاملة كنفوس األنبياء

عليهم السالم وخاصة من هو في أرقى درجات الكمال والفعلية وساطة في زوال الهيئات الشقية الردية القسرية من نفوس الضعفاء، ومن دونهم

إذا لزمتها قسرا، وهذه هي الشفاعة الخاصة بأصحابءمن السعداالذنوب.

اجتماعيبحث

تعطيه أصول االجتماع أن المجتمع اإلنساني ال يقدر على حفظ حياتهالذي وإدامة وجوده إال بقوانين موضوعة معتبرة بينهم، لها النظارة في حاله،

والحكومة في أعمال األفراد وشؤونهم، تنشأ عن فطرة المجتمع وغريزةاألفراد المجتمعين

الشرائط الموجودة، فتسير بهدايتها جميع طبقات االجتماع كلبحسب على حسب ما يالئم شأنه ويناسب موقعه فيسير المجتمع بذلك سيرا حثيثا

ويتولد بتألف أطرافه وتفاعل متفرقاته العدل االجتماعي وهي موضوعةعلى مصالح ومنافع

يحتاج إليها ارتقاء االجتماع المادي، وعلى كماالت معنوية كاألخالقمادية الحسنة الفاضلة التي يدعو إليها صالح االجتماع كالصدق في القول والوفاء

بالعهد والنصح وغير ذلك.

كانت القوانين واألحكام وضعية غير حقيقية احتاجت إلى تتميموحيث تأثيرها، بوضع أحكام مقررة أخرى في المجازاة لتكون هي الحافظة

لحماها عن تعدي األفراد المتهوسين وتساهل آخرين، ولذلك كلما قويتحكومة أي حكومة كانت

إجراء مقررات الجزاء لم يتوقف المجتمع في سيره وال ضل سائرهعلى عن طريقه ومقصده، وكلما ضعفت اشتد الهرج والمرج في داخله

وانحرف عن مسيره فمن التعاليم الالزمة تثبيتها في االجتماع تلقين أمرالجزاء، وإيجاد اإليمان به

نفوس األفراد، ومن الواجب االحتراز من أن يدخل في نفوسهم رجاءفي التخلص عن حكم الجزاء، وتبعة المخالفة والعصيان، بشفاعة أو رشوة أو

بشيء من الحيل والدسائس المهلكة،

305

نقموا على الديانة المسيحية ما وقع فيها أن المسيح فدى الناسولذلك  في معاصيهم بصلبه، فالناس يتكلون عليه في تخليصهم من يد القضاء يوم

القيامة ويكون الدين إذ ذاك هادما لإلنسانية، مؤخرا للمدنية، راجعاباإلنسان القهقرى كما قيل.

اإلحصاء يدل من أن المتدينين أكثر كذبا وأبعد من العدل من غيرهموأن وليس ذلك إال أنهم يتكلون بحقية دينهم، وادخار الشفاعة في حقهم ليوم

القيامة، فال يبالون ما يعملون بخالف غيرهم، فإنهم خلوا وغرائزهموفطرهم ولم يبطل حكمها

بطل به في المتدينين فحكمت بقبح التخلف عما يخالف حكم اإلنسانيةبماوالمدنية الفاضلة.

عول جمع من الباحثين في تأويل ما ورد في خصوص الشفاعة فيوبذلكاإلسالم وقد نطق به الكتاب وتواترت عليه السنة.

ال اإلسالم تثبت الشفاعة بالمعنى الذي فسروها به، وال الشفاعةولعمري التي تثبتها تؤثر األثر الذي زعموه لها، فمن الواجب أن يحصل الباحث في

المعارف الدينية وتطبيق ما شرعه اإلسالم على هيكل االجتماع الصالحوالمدنية الفاضلة

ما رامه اإلسالم من األصول والقوانين المنطبقة على االجتماع كيفيةتمام ذلك التطبيق، ثم يحصل ما هي الشفاعة الموعودة وما هو محلها وموقعها

بين المعارف التي جاء بها.

أوال: أن الذي يثبته القرآن من الشفاعة هو أن المؤمنين ال يخلدونفيعلم في النار يوم القيامة بشرط أن يالقوا ربهم باإليمان المرضي والدين الحق فهو وعد وعده القرآن مشروطا ثم نطق بأن اإليمان من حيث بقائه على

خطر عظيم من الذنوب وال سيما الكبائر وال سيما اإلدمان منها واإلمرار فيها، فهوجهة

على شفا جرف الهالك الدائم، وبذلك يتحصل رجاء النجاة وخوف الهالك، ويسلك نفس المؤمن بين الخوف والرجاء فيعبد ربه رغبة ورهبة، ويسير

في حياته سيرا غير منحرف ال إلى خمود القنوط وال إلى كسل الوثوق.معتدال

306

: أن اإلسالم قد وضع من القوانين االجتماعية من مادياتها ومعنوياتهاوثانيا ما يستوعب جميع الحركات والسكنات الفردية واالجتماعية، ثم اعتبر لكل مادة من موادها ما هو المناسب له من التبعة والجزاء من دية وحد وتعزير

إلى أن ينتهي تحريم مزايا االجتماع واللوم والذم والتقبيح، ثم تحفظ على ذلك بعدإلى

تحكيم حكومة أولياء األمر، بتسليط الكل على الكل باألمر بالمعروف والنهي عن المنكر ثم أحيا ذلك بنفخ روح الدعوة الدينية المضمنة باإلنذار

والتبشير بالعقاب في اآلخرة، وبنى أساس تربيته بتلقين معارف المبدأ والمعاد علىوالثواب

هذا الترتيب.

ما يرومه اإلسالم بتعليمه، جاء به النبي صلى الله عليه وآله وسلمفهذا وصدقه التجارب الواقع في عهده وعهد من يليه حتى أثبت به أيدي الوالة

في السلطنة األموية ومن شايعهم في استبدادهم ولعبهم بأحكام الدينوإبطالهم الحدود

الدينية حتى آل األمر إلى ما آل إليه اليوم وارتفعت أعالموالسياسات الحرية وظهرت المدنية الغربية ولم يبق من الدين بين المسلمين إال

كصبابة في إناء فهذا الضعف البين في سياسة الدين وارتجاع المسلمينالقهقرى هو الموجب لتنزلهم

الفضائل والفواضل وانحطاطهم في األخالق واآلداب الشريفةفي وانغمارهم في المالهي والشهوات وخوضهم في الفواحش والمنكرات، هو

الذي أجرأهم على انتهاك كل حرمة واقتراف كل ما يستشنعه حتى غيرالمنتحل بالدين ال ما

المعترض من استناد الفساد إلى بعض المعارف الدينية التي ال غايةيتخيله لها وفيها إال سعادة اإلنسان في آجله وعاجله والله المعين، واإلحصاء الذي

ذكروها إنما وقع على جمعية المتدينين وليس عليهم قيم وال حافظ قويوعلى جمعية

المنتحلين، والتعليم والتربية االجتماعيان قيمان عليهم حافظانغيرلصالحهم االجتماعي فال يفيد فيما أراده شيئا.

307

الدرسخالصة

نتابع في هذا الدرس - تكملة للدرس السابق- النموذج الكامل من تفسيرـ ﴿يا بني إسرائيلالميزان للعالمة الطباطبائي، وذلك تفسيرا لآلية:

لتكم على العالمين اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم وأني فض * واتقوا يوما ال تجزي نفس عن نفس شيئا وال يقبل منها

-47سورة البقرة -   ﴾شفاعة وال يؤخذ منها عدل وال هم ينصرون48

يبحث العالمة الطباطبائي بحثا روائيا وفلسفيا واجتماعيا.وهنا

البحث الروائي في موضوع الشفاعة واختصرنا منه خوفا منأوردنااإلطالة.

أما البحث الفلسفي: فيصل إلى نتيجة: أن البراهين قائمة على أنـ الكمال الوجودي مختلف بحسب مراتب الكمال والنقص. فلبعض النفوس وهي النفوس التامة الكاملة كنفوس األنبياء عليهم السالم وخاصة من هو

في أرقى درجات الكمال وساطة في زوال الهيئات الشقية من نفوس الضعفاء، وهذه هيوالفعلية

الشفاعة الخاصة بأصحاب الذنوب.

أما البحث االجتماعي: ففيه: ضرورة وجود قوانين موضوعة للمجتمعـاإلنساني لحفظ وجوده، وهذه الضرورة تقتضيها فطرة المجتمع.

تحتاج إلى تتميم تأثيرها بوضع أحكام مقررة أخرى في المجازاةوالقوانين )قانون العقاب(. وينبغي االحتراز من التفلت من العقاب بشفاعة )بالمعنى

السلبي( أو رشوة أو غير ذلك.

هنا نقموا على المسيحية المنحرفة ألنها تؤمن بالشفاعة بالمعنىمنالخاطئ.

اإلسالم فالشفاعة التي يؤمن بها مشروطة بشروط ال تؤدي إلىأما التجرؤ على المعاصي. وفي اإلسالم قانون كامل للعقوبات يدعمه بحكومة

أولياء األمر الشرعيين واإليمان بالعقاب والثواب األخروي.

لألسف عندما تحكم األمويون ومن شاكلهم وعطلوا الحدود ووصلولكن األمر إلى أيامنا لم يبق من الدين إال اسمه فشاعت المعاصي

واالنحرافات.

308


Recommended